منابع فيضها المدرار من الاعجاز والابهار هنا في اية ان جمعت عظيم الفكر والاسرار. هنا في اية جمعت عظيم الفكر والاسرار من المضمون في غاية. نداء الحق والراية من المضمون في رايات نداء الحق والراية على الافاق في قل انما حرم ربي فواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق ان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان ان تقولوا على الله ما لا تعلمون بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فان اصدق الحديث كلام الله تبارك وتعالى وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة يقول الله سبحانه وتعالى قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون هذه الاية ذكرت اصول المحرمات ذكرت الفواحش والاثم والبغي والشرك والقول على الله بغير علم وهذه كما سيأتينا ان شاء الله هي اصول المحرمات كلها كلها فاول ذلك الفواحش. قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والفواحش هي المعاصي التي بلغت الغاية في القبح وفي منافرة الفطرة السليمة وفي مخالفة شرع الله فاذا هي الكبائر وانما قلنا انها بلغت الغاية لانها مأخوذة من معنى فحشا اي زاد وكثر فهذه سميت فواحش لانها كبرت في مجال مخالفتها للشرع الى درجة عالية جدا فهي اذا الكبائر من سرقة وزنا وشرب خمر وقتل للنفس المحرمة وما اشبه ذلك من المحرمات المسماة كبائر والله تعالى يقول قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ليشمل ذلك نوعين من الفواحش الفواحش الظاهرة التي تظهر على الجوارح فيكتسبها اللسان او تقترفها اليدان والرجلان ويشمل ذلك ايضا الفواحش الباطنة التي تكون في القلوب ولا يطلع عليها الاعلام الغيوب سبحانه وتعالى. واذا كانت الفواحش اذا مرادفة للكبائر فان الاثم هو المعصية مطلقا فيشمل الكبائر والصغائر معا على ما حرره بعض الائمة من المفسرين وعلى هذا فيكون عطف الاثم على الفواحش من باب عطف العام على الخاص. لان الفواحش داخلة في معنى الاثم مندرجة فيه فبدأ بذكرها اولا ثم اردف ذلك بذكر ما هو اعم وهو الاثم. واما البغي فهو مرادف للظلم ويعني تجاوز الحد في الفساد كل تجاوز للحد في الفساد يسمى بغيا فيدخل في البغي البغي على حقوق الناس باخذ اموالهم او ظلمهم في اعراضهم ويدخل في ذلك البغي عليهم باتهامهم بما ليس فيهم او البغي في المناقشات العلمية على المخالف بان تلزمه بما لا يلزمه او ان تذكره بما ليس فيه او ان تنسب اليه ما لم يقله وما اشبه ذلك من اصول البغي التي قررها العلماء الكرام رحمة الله عليهم ولكن الله سبحانه وتعالى قال والاثم والبغي بغير الحق فارشد بهذا القيد الى ان المذموم من البغي هو مجاوزة الحد ان كان ذلك في غير مصلحة عامة اما ان اقتضت المصلحة ذلك فانه لا بأس به. وكذلك ان كان بنوع من التراضي بين الطرفين فلا بأس به. ثم بعد ان ذكر الاثم والبغي بغير الحق ذكر سبحانه وتعالى اعظم الذنوب واجلها واخطرها وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى وهو الشرك به فقال وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ان تشركوا بالله اي ان تجعلوا مع الله الها اخر تصرفون اليه العبادات التي لا يجوز ان تصرف الا الى الله سبحانه وتعالى وقد يكون هذا الاله الاخر حجرا او صنما او وثنا او بشرا كل ذلك يدخل في معنى صرف الالوهية صرف العبادة لغير الله تعالى ولو كان بشرا من البشر او كان وثنا او حجرا او ما سوى ذلك. فاذا هذا الشرك بالله هل لمن يرتكبه دليل او برهان ليس له دليل من العقل ولا له برهان من الوحي ولاجل ذلك فالله تعالى يقول وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والسلطان المراد به وانما سميت الحجة سلطانا لانها تأسر صاحبها وتسيطر عليه وتمنعه من ان يعتقد خلاف ما دلت عليه هذه الحجة فهي تشبه السلطان في سيطرته وتحكمه وقوله اذا وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا يشبه قوله تعالى ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به اي ليس له برهان عليه او حجة تدل على مثل هذا الشرك بالله. والشرك يدخل في امور كثيرة جدا اولها الدعاء والدعاء هو العبادة فصرف الدعاء لغير الله شرك صرف العبادة النسكية لغير الله شرك صرف الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة لغير الله سبحانه وتعالى شرك به عز وجل. وايضا اذا انصب العبد شخصا يطيعه طاعة مطلقة في كل ما ياتي ويذر في كل ما يقول وما يسكت عنه الطاعة المطلقة لبشر من البشر نوع من انواع الشرك وذلك انه لا يطاع احد من الناس الا من حيث هو يطيع رب العزة جل جلاله واما لو امر بما ليس طاعة لله عز وجل فانه لا يطاع في ذلك كما جاء في الحديث انما الطاعة في المعروف وهكذا في امور كثيرة يمكن ان تضاف الى هذا المعنى كالتحاكم مثلا فانه لا يجوز التحاكم الا الى الله سبحانه وتعالى والى الشرع الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يجوز التحاكم الى غيره. والا كان ذلك نوعا من تراقبه في الوهيته وفي ربوبيته وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون واذا كان الترتيب مقصودا في هذه الاية فهذا يقتضي ان القول على الله بغير علم اخطر واعظم عند الله من الشرك به سبحانه وتعالى وهذا قد يكون صحيحا في حالات كثيرة فان القول على الله بغير علم وان استهان به كثير من الناس فانه يؤدي الى مفاسد خطيرة يؤدي الى الشرك نفسه يؤدي الى الكفر بالله يؤدي الى تحريف الدين يؤدي الى الفساد الى الفسق الى الاثم الى البغي الى الفواحش كل ذلك يمكن ان يؤدي اليه القول على الله بغير علم. وذلك ان الكلمة امانة وهي امانة ثقيلة ومسئولية عظيمة فمن اخذها بحقها فيرجى له بذلك الاجر العظيم عند الله عز وجل. ومن استهان بها ونزلها في غير مواضعها فانه يكون من الذين يحرفون دين الله سبحانه وتعالى. القول على الله بغير علم يدخل فيه اشياء كثيرة منها الافتراء الافتراء باختراع ما لم ياتي به الله عز وجل ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى ولا جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم. كأن يدعي الانسان لله الولد تعالى الله عن ذلك او كأن يدعي الانسان ان هنالك اوثانا هو يعبدها لتكون واسطة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى فهو يعبدها لتقربه من طاه زلفاء فهو حين يحتج بهذه الحجة ويدعي انه في عبادته لتلك الاوثان يتزلف ويتوسل بها الى ربه فانه يقول على الله بغير علم ويدخل في ذلك تحليل الحرام وتحريم الحلال بخير سند ولا حجة وما اخطر هذا وقد قال الله سبحانه وتعالى ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام فان هذا ليس من منهج هذه الامة الربانية المتأدبة بادب الوحي الملتزمة في التحليل والتحريم بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وعلى خطورة هذا الامر فما اكثر من يقع فيه بجهل في احيان كثيرة وبتأويل غير مستساغ في احوال اخرى وبغير هذا ولا ذاك وانما عن عمد وتعمد وقصد لتحريف دين الله في حالات اخرى وهذا التحليل والتحريم بغير سند هو اتباع الرأي المذموم في الشرع وهو الذي يؤدي الى تحريف الاديان كما لا يخفى. فاذا الله سبحانه وتعالى يقول وان تقولوا على الله ما لا تعلمون وهذه طريقة النصارى واليهود فانهم ينسبون الى الله ما لا علم لهم به كما نجده في دين نصرانية مثلا من القول بالتثليث وصلب المسيح عليه السلام وعقيدة آآ ان المسيح حين صلب فانه يفتدي بنفسه آآ المخطئين من امته وما اشبه ذلك من العقائد التي يفتري بها هؤلاء على رب العزة جل جلاله. ولا سند لهم فيها ولا حجة وكذلك اليهود فيما يفعلون وفيما يقولون فانهم يفترون على الله سبحانه وتعالى ويقولون على الله ما لا لمون. كذلك الذين يريدون تغيير الدين وتحريفه باسم تجديده في هذه الامة الاسلامية فانهم في حقيقة الامر يتبعون سنن الذين من قبلهم من يهود ونصارى كما جاء في الحديث الصحيح لتتبعن سنن الذين من قبلكم حذو القذة تبي القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ نعم هم الذين سيقع منكم اتباعهم في كل شيء وفي الصغير والكبير. واذا قلنا بان دعاة تجديد هؤلاء يحرفون الدين فذلك اننا نؤمن بان طريق الاجتهاد في الشريعة له اصوله. اولا الاجتهاد في الشريعة يكون من مؤهل لذلك ولا يكون لكل من هب ودب وهذه قضية احترام الاختصاص التي لا تختص بالشريعة بل هي في كل صنوف اصناف المعرفة. وثانيا هذا المؤهل عليه ان يستدل لا ان يقول انني احل احل كذا واحرم كذا بمحض الرأي وكونه مؤهلا للفتوى والاستنباط لا يعني ان يؤخذ منه رأيه مجردا عن الدليل والبرهان ثم ثالثا ان يكون في فتواه وفي تحليله وتحريمه متبعا لقواعد اصولية جامعة يفيء اليها ويرجع اليها عند الفتوى وينبغي ان تكون هذه الاصول منهجا مضطردا لا تعارض بينها ولا تناقض. فاذا تحققت هذه الامور فاهلا وسهلا ومرحبا باجتهاد مستند على هذه القيود الثلاثة. اما ان يوكل الاجتهاد لغير المؤهل وبمحض الرأي الذي قد يكون رأيا فطيرا لا دليل عليه ولا حجة ودون قواعد دون اصول دون منهج فهذا الذي لا يقبل في دين الله. فاذا هذه الاية فيها اصول المحرمات كما ذكرنا انفا فالفواحش تدل حين قال الله سبحانه وتعالى قل انما حرم ربي الفواحش تدل على ما يفسد الانساب كالزنا مثلا والاثم يدل على ما يفسد العقول كشرب الخمر وقد آآ قال الحسن البصري في تفسير الاية الاثم الخمر وتطلق اثم ويراد بها الخمر والبغي يشمل الاعتداء على النفوس وعلى الاموال. والشرك بالله عز وجل والقول على الله بغير علم يشمل والجناية على الاديان. فاذا الجناية على الانساب وعلى آآ العقول وعلى الانفس والاموال والاديان وهذه هي اصول المحرمات التي ذكرت في هذه الاية. والى لقاء مقبل باذن الله سبحانه وتعالى منابع فيضها المدرار من الاعجاز والابهار هنا في اية ان جمعت عظيم الفكر والاسرار. هنا في اية جمعت عظيم الفكر والاسرار