بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين انيسنا اليوم كتاب شرح مقامات الحرير وهذا الكتاب لابي العباس احمد بن محمد لابي العباس احمد بن عبدالمؤمن القيسي الشريشي الاندلسي وشرح فيه مقامات الحريري المشهورة وهو مطبوع بتحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم اما الحريري فهو من الادباء المشهورين وتوفي سنة خمسمائة وستة عشر كان الناس قبله معتدين بمقامات بديع الزمان الهمذاني حتى جاء الحريري فوضع خمسين مقامة بلغ فيها بهذا الفن اي فن المقامات الى اوجه وغايته فالمقامات كما هو معلوم عبارة عن احدوثات روايات صغيرة فيها محسنات بديعية فيها فوائد لغوية اه وفيها الوان من الادب واللغة وفوائد من جميع الاصناف والاشكال فلما جاء الحريري اذا لم يأت بعده من صنع في مجال المقامات مثل ما صنع حتى انسى الناس مقامات البديع الهمداني في المقامة الاولى وهي الصنعانية يقول الحريري فرأيت في بهرة الحلقة شخصا شخت الخلقة عليه اهبة السياحة وله رنة النياحة وهو يطبع الاسجاع بجواهر لفظه ويقرع الاسماع بزواجر وعظه وقد احاطت به اخلاط الزمر احاطة احاطة الهالة بالقمر والاكمام بالثمر فدلفت اليه لاقتبس من فوائده. والتقط بعض فرائضه فسمعته يقول حين خب في مجاله وهدرت شقائق ارتجاله ايها السادر في غلوائه السادل ثوب خيلائه. الجامح في جهالاته الجانح الى خزعبلاته الى متى استمر على غيك؟ وتستمرئ مرعى بغيك وحتام تتناهى في زهوك ولا تنتهي عن لهوك تبارز بمعصيتك مالك ناصيتك وتجترئ بقبح سريرتك وتجترح وتجترئ قبح سيرتك على عالم سريرتك وتتوارى عن قرينك وتتوارى عن قريبك انت بمرأى رقيبك الى اخر ما ذكر هذه هذا المقطع انما اخترته لسببين اثنين اولهما ما فيه من الوعظ والتذكير على انه فيه شيء من التكلف في اللفظ على طريقة القصاص المتأخرين يعرفه من قارن مواعظ فهم بمواعظ الكتاب والسنة والسلف المتقدمين والسبب الثاني هو قوله يطبع الاسجاع بجواهر لفظه ويقرع الاسماع بزواجر وعظه هذا مشهور جدا عند البلاغيين لانهم يذكرونه شاهدا على الترصيع. وهو ان يكون كل لفظ من الفاظ الفصل الاول مساوية للفظة من الفاظ الفصل الثاني بوزنها وفي قافيتها. فانت ترى يطبع مع يقرع. الاسجاع مع الاسماع. جواهر مع زواجر ولفظه مع وعظه وهذا من السهل الممتنع. الذي تظنه اذا رأيته سهلا ولكنه بعيد المنال الحصول الا على قلة من الادباء في المقامة المكية يقول الحريري قلت للشيخ هل ضاهت عدتنا عدة عرقوب او هل بقيت حاجة في نفس يعقوب وهنا وقف الشارح عند عرقوب فذكر قصته عرقوب رجل من العرب يضرب به المثل في اخلاف الوعد وقصته انه اتاه اخ له يسأله شيئا فقال له اذا اطلعت هذه النخلة ائتني فلك طلعها فلما اطلعت جاءه فقال له دعها حتى تصير بلحا فلما ابلحت جاءه فقال له دعها حتى تصير زهوا فلما ازهت جاءه فقال له دعها حتى تصير رطبا فلما ارطبت جاءه فقال له دعها حتى تصير تمرا فلما اتمرت جاء او قبل ان يجيء عمد اليها عرقوب فجذها من الليل ولم يترك منها شيئا ولم يعط هذا السائل شيئا مما سأله. فصار يضرب به المثل في اخلاف الوعد. وفي قصيدة سعاد قول كعب رضي الله عنه كانت مواعيد عرقوب لها مثلا. وما مواعيدها الا الاباطيل فالعبرة في مجال الوعد انما هي عند الوفاء به واما مجرد الوعد مع الاخلاف فهذا كل احد يحسنه. وانما يتمايز الناس بقدرتهم على الوفاء بوعودهم وعهودهم. مع الله اولا ومع الخلق ثانيا في المقامة النحوية ذكر الشارح ان اختلاف ابطال قصة هذه المقامة ان اختلافهم في رفع بعض الالفاظ وخفضها يذكره بقصة شبيهة وهي القصة التي وقعت بحضرة الخليفة الواثق حين غنت بحضرته جارية قول الشاعر اظلوم ان مصابكم رجلا اهدى السلام تحية ظلم فاختلف الحاضرون هل رجلا بالنصب ام هو بالرفع بالنصب على انه اسم ان ان رجلا او هو بالرفع على انه خبرها لكن الجارية اصرت على ان شيخها وهو المازني النحوي المعروف لقنها ذلك بالنصب. فاستدعى الواثق المازني ليسأله عن ذلك. القصة طويلة امضي الى موضع الشاهد منها. فموضع الشاهد من جهة النحو واللغة ان المازني قال بل الواجب هو النصب. الوجه في هذا البيت هو النصب وسبب ذلك ان قوله ان مصابكم مصاب هذا مصدر. وهو يعمل عمل الفعل فهو الذي نصب رجلا كما لو قيل ان اصابتكم رجلا واما الخبر فهو ظلم الوارد في اخر البيت ان مصابكم رجلا ظلم ودليل ذلك انك لو وقفت فقلت ان مصابكم قل رجلا او قل رجل في الاحوال كلها الكلام لا ولا يتم الكلام ولا يتم المعنى الا بان تصل الى لفظة ظلم. لانها هي الخبر. والخبر كما هو معلوم لديكم هو الجزء المتم الفائدة هذه القصة من الناحية اللغوية تدلنا على معنى مهم جدا هو ان الاعراب فرع المعنى ومن الاخطاء المشتهرة عند المبتدئين انهم يعربون دون نظر في المعنى ودون تأمل له انت لا تستطيع ان تأتي باعراب صحيح دون ان تكون قد فهمت الكلام على وجهه قبل ذلك والى لقاء مقبل باذن الله تعالى