ليطمئن قلبي رحلة في مرابع الايمان كنت بصدد تدوين حروف هذا الكتاب حين فجعني خبر والدي الحبيب بدأت الكتابة وانا اتفيأ ظلال دعواته الطيبة اللذيذة في سمعي. وانهيتها وقد انقطع دعاؤه عني فانقطع عني بذلك خير كثير فما كنت اعده ليكون اهداء له يقرأ عليه وعلى والدته الحبيبة فيباركه كعادته بالدعاء والثناء ها انا ذا اجعله اهداء لروحه المطمئنة الراضية المرضية فيما احسب ولا ازكي على الله احدا ولعل هذا الاهداء يقرأ على والدتي الفاضلة فتدعو لي ولعل هذا العمل يكتب في ميزان حسنات والدي فقد علمني ورباني وارشدني الى كثير من الخير ونبهني على كثير من المزالق وحاط غرسي بالرعاية عقودا طويلة حتى اثمر باذن الله وتوفيقه واني لارجو من الكريم سبحانه مزيدا من عطائه الوفير بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى اله وصحبه اما بعد فهذا كتاب اعددته لعامة المسلمين وخاصتهم مراجيا به النفع لكاتبه وقارئه والاجر من الكريم سبحانه فاما عامة المسلمين فلعله يكون لهم مرشدا الى اصول هذا الدين وقواعده الكبرى التي لا غنى للمسلم عن الالمام بها في بهذا العصر الذي يموج بالانحرافات ويضطرب بالانتكاسات وتنفجر من ثقافته انهار الحيرة والتقلب والنسبية واما الخاصة فلعلهم يجدون فيه ترتيبا حسنا او فائدة شاردة او فكرة تستحث في اذهانهم التدبر وتغري عقولهم البحث والتأمل وقد جعلته محيطا باغلب ما يحتاج اليه المسلم المثقف اليوم في معرفة ربه ونبيه ودينه وماله يتعلق بذلك من التصورات والاعتقادات عموما. مع اصول الكشف عن الشبهات التي تثار في هذا الزمان لتكوين حصانة لدى المثقف العادي مع القصد الى بناء الصحيح لا هدم الباطل. وان جاء هذا الاخير عرضا ولم اشأ ان اجعل الكتاب على صيغة اكاديمية مرتبة وفق ابواب وفصول. وانما جعلته على صورة رحلة فكرية دبرية تنطلق من لا شيء وتصل الى كل شيء. هي رحلة تبدأ من اساس ثابت. ثم ما تزال تبني عليه في كل محط طابقا جديدا حتى يكتمل المعمار باذخا سامقا يسر الناظرين تبدأ من اثبات وجود البارئ سبحانه ببراهين مختلفة ثم تنتقل الى اثبات ما يجب له من الربوبية والاسماء والصفات وما يستحقه من العبادة ثم تنتقل الى ظاهرة الوحي والرسالة وبيان معجزات الرسل ولب دعوتهم ثم تقف مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لبيان معجزاته وسيرته وهيمنة رسالته على الرسالات السابقة واصول ما جاء به من الغيبيات ثم تحط الرحال في محطة السنة النبوية بيانا لمكانتها في التشريع ولتكفل الله تعالى بحفظها وجهود المسلمين في ذلك ثم تقف مع جيل الصحابة الكرام وصفا لمناقبهم وتوضيحا لمراتبهم وبيانا لواجب المسلمين تجاههم ثم تختم بمحطة اخيرة فيها شجرات متعلقة بالفكر الاسلامي وقضية التراث وبعض اصول السياسة الشرعية قضية التوافق او التعارض بين العلم والدين. وقد تحريت ان اجعل لمحطات هذه الرحلة عنوانات مقتبسة من القرآن تنبيها على ان القرآن اصل كل خير ومنبع كل علم ومنطلق كل معرفة يتحلى الانسان بها. علم ذلك من علم له وجهله من جهله ووضعت في مبتدأ كل محطة اقتباسات مختارة ترشد الى موضوعها وتحث القارئ على التأمل فيه قبل بدء القراءة والله اسأل ان يبارك في هذا العمل ويعينني على تجويده واكماله فيما استقبل من عمري والحمد لله على نعمه افي الله شك ام خلقوا من غير شيء هم الخالقون عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس يتسائلون حتى يقال هذا خلق الله والخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل امنت بالله. رواه مسلم. ان الاقرار والاعتراف بالخالق ضروري في نفوس الناس. وان كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج الى نظر تحصل له به المعرفة ابن تيمية في مجموع الفتاوى فطرة الله التي فطر الناس عليها ما اشد حيائي اليوم وانا اخط هذه الكلمات. كيف يطاوعني قلمي وانا اكتب سطورا ابرهن لك فيها على وجود ربي وربك رب الناس اجمعين كيف لا تتمرد اوراقي فترفض ان اخط عليها دليلا على ما هو الدليل الى كل شيء. والاصل في كل شيء كيف اخاطبك بحجة على وجود الله تعالى؟ وانا وانت نعيش على ارضه ونستظل بسمائه ونأكل من رزقه ونطمئن الى لطيف في رعايته ولكن ما حيلة المضطر؟ وكيف اصنع اذا كان بعض الناس يأبون الا ان ينكروا البديهيات ويجحدوا اليقينيات وجدت نفسي مضطرا الى ركوب هذا المركب فاقبلت عليه راجيا في ذلك اجرا ومغفرة من الغفور الكريم سبحانه وعدت الى نفسي اسألها عن ذلك الحياء ايمكن التخلص منه فاخبرتني بانه شعور لازم واحساس راسخ يجتمع على تثبيته فطرة هي اساس المعارف وعقل هو معيار الفكر وعلم هو اداة الارتقاء وتأمل يزعزع الاعتياد وقبل ذلك وبعده ضعف وافتقار ذاتيان نعم انا ضعيف فقير ولانني كذلك فانني احتاج الى ربي الغني القدير وانا حين اقر بذلك مختارا متذللا فاني اسألك الست مثلي؟ بل اسألك من ذا الذي يزعم من البشر انه ليس ضعيفا فقيرا الا ان يكون كاذبا كاذبا كاذبا انت ايها الحبيب يا من فقد بصرته في هذا البحر الهائج اترك الجدالات اترك الشبهات اترك الناس كلهم وما قالوا وما قيل لهم اخلو بنفسك بعيدا عن كل رقيب. واسأل نفسك سؤال باحث عن الحق ترى هل استطيع العيش الطيب الهنيء دون سند من رب اتوجه اليه ليمحو ضعفي ويجبر كسري ترى هل اقدر حقا على محو هذه الفطرة المتجذرة في قلبي؟ والتي تدفعني كل لحظة الى الانس بالعلي الاعلى نعم ان الانسان مهما تكن درجة قوته وجبروته لا ينفك عن العجز الذاتي الذي ينمي فيه الشعور بالافتقار الى اله قادر مدبر يلتجأ اليه في حاجاته ويجبر نقصه بالتوجه اليه ولما كان العجز لازما للانسان كان هذا الشعور الناشئ عنه لازما له ايضا وهذه حقيقة ارتكاز معرفة وجود الله في الفطرة الانسانية ان بني ادم اجمعين يشتركون في شعور اللجوء الى الخالق سبحانه عند الشدائد. فما اكثر ما يفزع الانسان ولو كان مشركا او ملحدا عند المصيبة الى ربه سبحانه ويلتجئ اليه وحده دون غيره من المعبودات الباطلة بل ان اعتداده بنفسه وقدراته الشخصية يتزعزع عند الحاجة ويشعر في قرارة قلبه بافتقاره الى ربه وان اظهر غير ذلك دفعا للحرج واعتزازا بالاثم وقد قرر القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قائما اه فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا الى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون. فرجوع الانسان الى ربه سبحانه عند الشدة برهان جلي على ان فطرته مقرة بوجود الله وربوبيته. وان كان يظهر حال الرخاء عكس ذلك ونحن حين نقول بفطرية معرفة الله تعالى لسنا نزعم ان هذه المعرفة تبقى ملازمة للانسان في كل احواله كما لا نزعم انها تبقى سالمة لا تتأثر بالعوارض الخارجية ومؤثرات البيئة المحيطة. ولاجل ذلك فاننا نقرر انها يجب او تنتكس او تتزعزع فتأتي الشدائد لتكشف الحجاب وتزيل الغشاوة وتبطل اثر المؤثرات الخارجية ومما يدل على ثبوت معنى الايمان بوجود الله في اصل فطرة الانسان. ملازمة التدين لتاريخ البشرية ان تدبر تاريخ الامم والحضارات والاديان يفضي الى نتيجة مشرقة واضحة وهي انه لم يخلق الطعصر من العصور وامة من الامم من دين او معبود. سواء اكان حقا او باطلا. ومهمة الرسل انما هي تصحيح هذه الفطرة وتكميلها ببيان ما يجب للمعبود وما يمتنع في حقه. ليتجه المخلوق الى المعبود الحق وهو الله سبحانه وتعالى وهذا يدل على ان التدين وقبله الاقرار بوجود خالق للكون مدبر له امر فطري متجذر في النفوس يشترك الناس فيه على اختلاف في احوالهم وعلومهم وبيئاتهم فلو ان شخصا او مجموعة اشخاص تركوا على جزيرة نائية دون تعليم او تأثير خارجي لوصلوا الى ضرورة الايمان بوجود الله اذ ما ثبت تكرره ورسوخه في حق الانسانية في عصورها المختلفة. صالح لان يوجد في اية مجموعة مخصوصة منها وهذا هو معنى فطرية معرفة وجود الله وقد يعترض بعض الناس بان هذا ليس مضطردا في تاريخ الانسانية. بدليل ما نراه في هذا العصر من كثرة الملاحدة اللادينيين والجواب ان الكثرة لا تعني الاكثرية فهم كثيرون حقا لاسباب مختلفة لكنهم مع ذلك اقلية ان قورنوا لينين فالإلحاد يبقى اذا استثناء مخالفا للأصل في البشر وهو لذلك يحتاج الى البحث عن اسبابه كما يبحث عن سبب كل ما يخالف الاصل المستقر ثم لو فرضنا ان معرفة وجود الله ليست فطرية اي انها من العلم النظري الذي يحتاج الى اقامة البرهان عليه فانه لا بد من وجود علوم فطرية ضرورية ينتهي الاستدلال اليها ولا يقوم الا بها. والا لزم التسلسل اللانهائي ذا امر يوافق عليه العقلاء جميعهم اذ لا يوجد عاقل يزعم ان كل المعارف لابد من البرهنة عليها فلننظر في هذه العلوم الفطرية الاولية التي يذكرها بعض الناس الحق اننا اذا تأملناها وجدنا انها لا تزيد في ضرورتها على العلم بوجود الله بل ان معرفة الله اكثر استقرارا في قلوب الناس من كثير من هذه المقدمات العلمية التي يعتقد اهل النظر انها ضرورية فطرية بل ان معرفة الله اكثر استقرارا في قلوب الناس من كثير من هذه المقدمات العلمية التي يعتقد اهل النظر انها ضرورية فطرية فاما ان يقال بفطرية معرفة وجود الله كما يقال بفطرية هذه المعارف الاولية. واما ان يقال بنفي المعارف الفطرية كلها وحينئذ لا يمكن تثبيت اي استدلال عقلي للحاجة الى اساس ضروري يمكن الرجوع اليه نعم ان الفطرة الدالة على وجود الله اقوى من اي دليل اخر علميا كان او عقليا انها الاساس التي تبنى عليه المعارف الانسانية جميعها. ولذلك يصر الفيلسوف الامريكي الفيون بلانتنجا على ان الايمان فطري وان الاعتقاد في وجود الاله مثل الاعتقاد في مفاهيم اساسية اخرى. كالاعتقاد بان للاخرين عقولا كعقولنا والاعتقاد في صحة حواسنا والقول بان الكل اكبر من الجزء وصدق ربي حين قال فاقموا وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ثم ان الفطرة تعصم من كثير من الانحرافات وتحمي من كثير من اصناف الخلل لا يتبين العقل المجرد وجه الفساد فيها فان للعقل مزالق ينحط فيها عن ادراك الحق فلا يحفظه الا صبابة من الفطرة النقية وليس هذا مختصا بقضية وجود الله ومن شك في الامر فلينظر الى حال المجتمعات الغربية اليوم وليسأل عن العقل في حضارة قامت على تمجيده كيف يبيح بيع الاجساد في اسواق النخاسة العصرية وكيف يقبل زواج النساء بالنساء والرجال بالرجال؟ وكيف يسمح بتغول الشهوات الجامحة حتى تسيطر على كل شيء هذا الذي يحدث حين نلغي التحاكم الى الفطرة فيفقد الانسان انسانيته نعود الى حيث بدأنا بعد هذه الجولة الصغيرة. واقول لك لا اريدك ان تناقشني فيما سبق. فلا معنى لنقاش عقلي في مجال الله لا مدخلا للعقل فيه ولكنني اريدك ان ترجع الى نفسك وتفسح لها لتعينها على ان تتمدد خارج قوقعة الجدال المنطقي وخارج اسوار البيئة التي تعيش فيها. وبعيدا عن قيود قيل قالوا اريدك ان تتيح لها الرجوع الى ما كانت عليه قبل هذه المؤثرات كلها نفسا بشرية لها فطرة سليمة نقية تقودها الى انوار الحق وتخرجها من ظلمات التحريف والتبديل فطرة الايمان بوجود الله فطرة الله التي فطر الناس عليها وفي الارض ايات للموقنين وبعد ان رجعت الى فطرتك فبعثتها من رمادها وايقظتها بعد طول رقاد. ان الاوان لتخطو معي خطوة تالية تخرج فيها من ادراكات نفسك ومشاعرها لتتأمل ما يحيط بك في هذا الكون الفسيح. وليس هذا التأمل بالامر اليسير. فان ان اغلب الناس تهلك سطوة الاعتقاد قدرتهم على الخروج من قوقعة الادراك الحسي المعتاد الى شساعة التفكر والتدبر فاذا اعتادوا على شيء ما لم يستطيعوا تأمل ما فيه من العظمة فهذا التأمل يحتاج اذا الى جهد وهو يحتاج ايضا الى رغبة وذلك لان بعض الناس يخافون من النتائج التي يمكن ان تنتج عن هذا التدبر يخافون من الوصول الى المحطة الاخيرة التي تتراءى لهم في اخر الطريق فيمتنعون من الخطوة الاولى عليه وقد رأيت اقواما غلبت عليهم الشهوات وسيطرت عليهم الاهواء يرفضون البحث في بعض مسائل الفقه والنظر في نصوص الوحي المتعلقة بها خوفا من الوصول الى القناعة بتحريم ما هم عليه والحال انهم لا يستطيعون تركه ولا يتحملون تأنيب الضمير عندما يفعلون المحرم عامدين عالمين. ولكن مع ذلك كله فان داعية الحرص على الحق في نفس كل واحد منا يفرض سلوك الطريق مهما بلغ السير عليه من ارهاق. ومهما تكن صورة محطة الوصول وما اجمل ان يكون تأمل ايات الكون المشاهدة تحت افياء ايات الله المتلوة فلتستظل معي بقول الحكيم الخبير سبحانه وفي لفظ آيات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون ولتتأمل هذا الارشاد الرباني الى ان في خلق الانسان منذ ان كان في رحم امه وتطوره من حال الى حال وما في بدنه من الاحكام البديع والاتقان العجيب دليلا على وجود الخالق الحكيم وكذلك فانما في الكون من عجائب الاحكام والاتقان والتنظيم الدقيق الذي يحير الالباب اعظم برهان على ان له خالقا خلقه وبعلم وحكمة وقد حث القرآن في مواضع كثيرة على النظر والتفكر في الكون والسيل في ارجائه للاعتذار كما في قوله تعالى قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ان الله على كل شيء قدير وفي قوله عز وجل سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ومن تأمل ايات الله في الكون الفسيح سطعت له انوار اليقين. وذهبت عنه ظلمات الشك في الربوبية بل التأمل في جزء صغير من هذا الخلق المتناسق الجميل مثل عين الحيوان او مشاعر الانسان او ازاهر البستان يجعل يذعن ونفسك تخضع وجميع كيانك يلين لفكرة وجود الخالق المهيمن سبحانه. ويطرد عنك كثيرا من الوساوس التي يبثها في حب التجديد والعجلة في التفكير وتبني الاراء وتتداول كتب العقائد ان قوما من الملاحدة اتوا الامام ابا حنيفة رحمه الله او غيره من الائمة ليبحثوا معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم اخبروني قبل ان نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها بها فترسو بنفسها وتفرغ وترجع. كل ذلك من غير ان يدبرها احد. فقالوا هذا محال لا يمكن ابدا فقال لهم اذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله وبعد الوصول الى هذه المرحلة من التدبر والتي يمكنك ان تستعين فيها بكل علم بشري او معرفة انسانية يأتي العقل السليم المتجرد للحق ليصوغ نتيجة التدبر صياغة برهانية. ونستضيئ هنا بانوار قول الله سبحانه وتعالى ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون فيبين الله سبحانه ان القسمة لا تخرج عن احد امور ثلاثة. انكر على المخالفين اثنين منها. فما بقي غير الثالث فاما ان يكونوا من غير خالق خلقهم. واما ان يكونوا خلقوا انفسهم. واما ان يوجد خالق خلقهم هو الله سبحانه وتعالى والاول والثاني كلاهما مرفوض بضرورة العقل والحس والواقع التي لا يمكن جحدها. اذ لا يعقل معدوم يخلق. ولا مخلوق بغير خالق فما بقي الا الثالث وهو ان خالقهم على تلك الكيفية البديعة والهيئة المتقنة العجيبة هو الله الواحد سبحانه. وهذا هو المطلوب وهذا الاستدلال يدركه كل احد من نفسه فاشتهر في كتب التراث قول الاعرابي معبرا عنه كما استقر في الفطرة التي لم يلحقها تغيير ان البعرة تدل على البعير والاثر يدل على المسير. فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج. الا تدل على العليم الخبير وكلام هذا الاعرابي على ما فيه من سذاجة في التمثيل توافق بيئته ومعارفه البدوية. يلخص بتركيز شديد ما سنبسطه بشيء من الطين والبيان مع التمثيل الموافق لعصرنا فيما يأتي من هذا الحديث ويمكننا صياغة هذا الدليل القرآني على طريقة علماء العقائد الاولين كما يلي من المعلوم بضرورة العقل والمشاهدة وجود موجودات لا يمكن الشك فيها وهذه الموجودات منها ما هو حادث بعد ان لم يكن فاننا نرى حدوث البشر والشجر والمطر ونحو ذلك. وهذه المحدثات فيها احتمالان ان تكون قد وجدت من عدم او ان يكون اوجدها لها فاما الاحتمال الاول فغير ممكن. لان العدم ليس بشيء حتى يوجد غيره واما الاحتمال الثاني ففيه صورتان. ان تكون قد اوجدت نفسها او ان يكون اوجدها غيرها. والصورة الاولى ممتنعة فكل انسان يعلم بالاضطرار الذي لا يمكن دفعه عن النفس انه لا يستطيع خلق نفسه فهو قبل خلقها لم يكن شيئا والصورة الثانية وهي انها وجدت بموجب اخر تشمل وجهين ان يكون هذا الموجد حادثا مثلها فيحتاج حينئذ الى محدث ايضا. وهذا المحدث الى محدث اخر. فيتسلسل الى ما لا نهاية وهذا تسلسل ممتنع بضرورة العقل واذا كان المحدث الواحد محتاجا الى محدث فاذا كثرت الحوادث وتسلسلت كان احتياجها الى المحدث اولى والوجه الثاني ان يكون موجدها غير حادث. بل يكون واجب الوجود بنفسه وهو الله تعالى. وهذا هو المراد اثباته بهذا دليل. برهان الخلق او التصميم الذي ذكرناه انفا بصيغته القرآنية اولا وباسلوب علماء العقيدة المتقدمين ثانيا يمكن تقديمه باسلوب عصري بالاعتماد اولا على امثلة تقريبية توضح لك مضمون البرهان ثم بصياغة منطقية مكونة مكونة من مقدمات تأتي بعدها نتيجة وقد عرف هذا البرهان تطورات متلاحقة في صياغته تبعا لامرين اثنين. اولهما تقدم المعارف الطبيعية سواء اكان حقائق ثابتة بمقتضى المناهج العلمية المعتبرة او كانت نظريات مفسرة للظواهر الطبيعية بقطع النظر عن اثباتها العلمي والثاني قوة النقد الالحادي المثار حول هذا البرهان وحجم الردود التي تواجهه وساعرض هنا صيغة اولى لبرهان التصميم كان وراءها الفيلسوف اللاهوتي ويليام طلي المتوفى سنة خمس وثمانمائة والف في كتاب له صدر عام اثنين وثمانمائة والف ولنبدأ بمثال تقريبي لنفرض ان رجلا متمدنا كان يتجول في صحراء قاحلة فوجد فجأة امامه ساعة جميلة مكونة من صغيرة وشكل هندسي جذاب وشرع الرجل في تفقد هذه الساعة فاكتشف امرين لهما اهمية بالغة الامر الاول ان الاجزاء الصغيرة المكونة للساعة بالغة التعقيد والحساسية والامر الثاني ان هذه الساعة يظهر ان لها غاية تصلح لها وهي الاشارة الى الاوقات وكل جزء صغير منها له مساهمة دقيقة في تحقيق هذه الغاية. ولو ان اي جزء اختلف حجمه بزيادة طفيفة او نقص قليل لاثر ذلك على عمل الساعة كلها ما الذي سيخطر ببال هذا الرجل المسافر في هذه اللحظة في موضوع كيفية وجود هذه الساعة لا شك ان الرجل ان كان عاقلا سيقول ان شخصا ما صنع هذه الساعة وسيصل الى نتيجة واضحة لا ساعة الا بصانع ساعات. ولنفرض الان ان هذا الرجل نفسه او غيره كان يتجول في شوارع مدينة ابنته ووجد كائنا حيا امامه لنقل انه سنجاب مثلا وبدأ الرجل رحلة التأمل في هذا الكائن في تناسق اعضائه وتناسب احجامها مع الوظائف التي تقوم بها. وفي مساهمة كل عضو في تحقيق وظيفة الكائن كله. والحفاظ على حياته وما اشبه ذلك ولنفرض ان الرجل تأمل عضوا واحدا كالعين مثلا وانه تدبر ما فيه من الاجزاء الدقيقة كالشبكية والبؤبؤ والعدسة وغيرها التي تخدم جميعها وظيفة العين التي هي الابصار. ولو ان هذه الاجزاء عرفت تغييرا طفيفا في الحجم او المسافة بينها بمقدار جدا لما تحقق الابصار. ولتعسرت حياة الكائن او انعدمت بعد هذا التأمل سيقول الرجل ولابد. كما قال من قبل عن الساعة ان صانعا ما صنع هذا الكائن وابدعه بهذه الهيئة المتماسكة العجيبة. ولا يوجد فرق مؤثر بين الصورتين ولكن الانسان المبتلى بالمراء والتشكيك في البديهيات يمكنه ان ينتقد هذا البرهان ويتلمس فروقا ما بين صورة الساعة في الصحراء وصورة استنجاب الكائن الحي ليصل الى ان الاتفاق على الصورة الاولى لا يعني الموافقة على الصورة الثانية وكان للانسان اكثر شيء جدلا. نعم قد يقول قائل ان المسافر كان لديه علم سابق بان الساعات مصنوعة. وقد سبق له غالبا ان زار محلا لصناعتها. وليس الامر كذلك في حالة استنجاب فانه ليس لنا معرفة مسبقة بخلقه. والجواب ان هذا الفرق غير مؤثر في صحة قياس صورة على اخرى. والدليل على ذلك ان هذا المسافر لو وجد شيئا اخر غير الساعة لما تغير الحكم. فلنفرض مثلا ان الحادثة وقعت منذ مائة سنة. وان المسافر وجد بدلا من الساعة هاتفا نقالا ذكيا الهواتف التي نستعملها اليوم وانه قلب هذا الهاتف واختبره وتدبر احواله حتى عرف وظيفته العامة وعرف كيفية تشكل اجزائه المختلفة بالدقيق بينها ووظيفة كل جزء منها لا شك انه سيقول حينئذ هنالك صانع ما صنع هذا الهاتف واتقن تصميمه. مع انه لم يشهد من قبل صناعة الهاتف ولا كان له علم مسبق بطريقة تصميمه وقد يقول قائل اخر ان الرجل الذي وجد الساعة ادرك بان حركات عقاربها تبين الوقت لحاملها. ولا شك ان معرفة الوقت وظيفة عظيمة النفع للانسان فاعتقاده بوجود صانع وراء تصميم هذه الساعة سببه ان لديه علما مسبقا باهمية وظيفتها بحيث يغلب على ظن ان صانعا ما قد صممها لتحقيق هذه الفائدة للبشر وليس الامر كذلك في حالة استنجاب فقد لا يظهر له فائدة ظاهرة سهلة الادراك والجواب ان هذا الفرق ايضا غير مؤثر. فلو ان المسافر وجد قبل مئة سنة جوالا ذكيا ولم تكن لديه ادنى فكرة عن فائدته بالنسبة جيل البشر لا حكم بعد تأمل اضواء شاشته وعجائب ما فيه من الالوان المتناسقة والايقونات حسنة الترتيب ونحو ذلك بانه بل لقال ما اذكى هذا الصانع الذي صمم هذه الالة الغريبة. فمعرفة فائدة الشيء ليست مؤثرة في حكم بكونه ام لا؟ وقد يقول قائل ثالث ان الساعة لا تتناسل فهذا المسافر سيلحظ ان الساعة لا تلد مثلها وليس لها ام واب ولدت منهما. اما السنجاب فهو بعكس تماما والجواب ان هذا الفرق كذلك غير مؤثر. فلنفرض ان المسافر بعد تأمله الساعة ومعرفة وظائفها تبين له ان لها خاصية عجيبة وهي القدرة على انتاج نسخ من نفسها الا ترى ان اول خاطر سيخطر بباله هو ما اعظم الصانع الذي صنع هذه الساعة وما اشد عبقريته. ولن يخطر بباله قط ان لا صانع لها ما دامت قادرة على انتاج نسخ من نفسها. واذا صح هذا في سورة الساعة فهو صحيح ايضا في صورة السنجاب. فتوالده لا يمنع من الحكم بكونه مخلوقا وان هنالك صانعا صممه بل انه مما يدخل في اتقان الصنعة الذي يؤكد ضرورة وجود الصانع. بعد ان ذكرنا هذا المثال التقريبي فاننا يمكن ان نعيد صياغة البرهان في صورة مقدمات ونتيجة. لتكون صياغة منطقية مقبولة في العقل وهذا يحتاج منا الى استدعاء احد المبادئ الفلسفية المعروفة وهو مبدأ الاستدلال بافضل تفسير ملخصه اننا حين نجد انفسنا امام حدث معين يمكن ان يكون له تفسيرات مختلفة وان هنالك تفسيرا هو الافضل والاقرب الى اصول العقل. فالواجب اعتقاد هذا التفسير والاخذ به على انه التفسير الصحيح. ونحن نعمل بهذا المبدأ في حياتنا اليومية مرارا من دون ان نتفطن له بل لا تقوم الحياة الا بذلك فلو انك استيقظت في الصباح فوجدت العشب امام المنزل مبتلا فانك تحكم بسقوط المطر خلال الليل لان هذا لان هذا هو التفسير افضل لما رأيته ولو رأيت ان عيني ابنك ولو رأيت ان عيني ابنك محمرتان وان انفه يسيل وان حرارته مرتفعة فانك تحكم بانه مصاب بنزلة ضغط. لان هذا هو التفسير الافضل لتلك الاعراض. وهلم جرا. اذا استقر هذا فلنذكر برهان التصميم بحلته الجديدة المقدمة الاولى قاعدة الاستدلال بافضل تفسير وقد سبق شرحها المقدمة الثانية اجزاء الكائنات الحية مناسبة للحفاظ على حياتها واداء وظائفها على اكمل الوجوه المقدمة الثالثة افضل تفسير لما جاء في المقدمة الثانية ان هناك صانعا صمم هذه الكائنات على تلك الهيئة المحكمة النتيجة يجب علينا اعتقاد وجود الصانع المصمم لهذه الكائنات الحية. واكرم بها من نتيجة انما يخشى الله من عباده العلماء هكذا قال ربي بعد ان ذكر من ايات الكون ما تخشع له القلوب وتسكن به الارواح. يقول تعالى المتر ان الله انزل من السماء ماء فاخرج ثمرات مختلفة الوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلفنا الوانها وغرابيب سوء ومن الناس والانعام مختلفنا الوانه كذا انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور فالعلم ببديع صنع الكون يرشد الى خشية الله. وقبل ذلك الى اثبات وجوده وكماله في اسمائه وصفاته والعلم اداة معرفية تستعمل كغيرها من الادوات في الحق وفي الباطل معا فما اتعس اليد التي تحمل هذه الاداة لتتقصد بها حق تسعى الى اهلاكه. وما اسعدها حين تحمل هذه الاداة لتحقها بها الحق وتبطل الباطل ويكفيك ايها الحبيب ان تبرأ يدك الحاملة للاداة من اتباع للهوى. يمنعك من حسن استعمالها. اترك الاداة تؤدي عملها على ما اراد الله لها دون ان تتدخل فيها بافكارك المسبقة المفعمة بالشكوك اترك العلم يتحدث من احسن الادلة على وجود الله تعالى ما يسمى برهان الضبط الدقيق. وصيغة التي ساذكر هنا حضرها الفيلسوف المعاصر روجر وايت في بعض كتاباته. ولنبدأ بمثال توضيحي ننتقل منه الى تقرير البرهان لنفرض ان قنبلة نووية هائلة تهدد حال انفجارها بتدمير الكرة الارضية كلها. وان الطريقة الوحيدة لتفادي الانفجار هو ان تكون رموز حقيبة التفجير موافقة بالضبط لسلسلة مخصوصة من الارقام. وفي الوقت الذي برمج فيه الانفجار اي قبل ساعة من الان مثلا واي تغيير يحصل في رمز واحد يؤدي ولابد الى انفجار القنبلة وتدمير الارض كلها ولنفرض ان ازرار الحقيبة المحتوية على الرموز مرتبطة بواسطة اسلاك الى محاور دائرية تتأثر بقوة وتوجهها بحيث ان هبوب الريح في اتجاه معين بقوة معينة يجعل الزر على رقم مخصوص. ولنفرض ان القنبلة النووية لم تنفجر في ذلك الوقت المعين. بل ان الكرة الارضية سالمة امنة مطمئنة. مما يعني ان رموز حقيبة التفجير كانت قبل ساعة من الان موافقة تماما لما ينبغي ان تكون عليه في حالة عدم الانفجار. ما الذي يخطر ببالنا حينئذ غير سعادة عظيمة بعدم انفجار الكرة الارضية بالطبع يمكن لبعضنا ان يقول ان هذه محض صدفة. ونحن محظوظون لان الرموز وافقت السلسلة الصحيحة في ذلك الوقت المحدد بالضبط ولكن لا شك ان التفسير الاكثر موافقة للعقول السليمة هو ان شخصا ما تدخل في الامر فثبت رموز الحقيبة في الوقت المحدد على الارقام المطلوبة ولا شك اننا لن نجد عاقلا يشكك في صحة التفسير الثاني وهشاشة التفسير الاول بعد ان شرحنا هذا المثال التوضيحي لننتقل الان الى محور اخر يتداول فيزيائيون في قوانين الفيزياء التي تحكم الكون مجموعة من الاعداد الثابتة التي يسمونها ثوابت كونية. قسم الله ديك مثل سرعة الضوء او قوة الجاذبية او ما اشبه ذلك. ويقرر فيزيائيون امرين اثنين اولهما انه لا يوجد في قوانين فيزياء ما يحتم ان تكون هذه الثوابت بقيمها المعروفة اي لا يمكن التنبؤ بهذه القيم انطلاقا من قوانين الفيزياء والثاني ان كل واحدة من هذه الثوابت لو تغيرت قيمتها ولو بمقدار صغير جدا لتغير الكون. بحيث لم يعد صالحا لنشأة الحياة فيه ولنأخذ مثالا يوضح الفكرة وليكن هو قوة الجاذبية. يقول اهل الفيزياء لو ان الجاذبية كانت اضعف مما هي عليه ولو بقدر ضئيل جدا لتشتت المادة بعد الانفجار الكبير في الكون كله. ولم تتجمع في مجرات ونجوم وكواكب ونحو ذلك. ولما كانت الحياة ممكنة وبعكس ذلك لو ان الجاذبية كانت اقوى مما هي عليه ولو بمقدار قليل جدا لما امكن للمادة ان تتمدد بعد جاري الكبير ولبقيت اذا في موضع محصور بالغ الكثافة ولما كانت الحياة ممكنة ايضا فتبين لنا اذا ان قوة الجاذبية وهي واحدة من ثوابت فيزيائية متعددة لو تغيرت بزيادة طفيفة او نقص قليل ان نتغير الكون كله ولما امكن للحياة ان توجد نخلص اذا الى ان الثوابت كان بالامكان ان تكون على غير ما هي عليه لان قوانين الفيزياء لا تحطم قيما مخصوصة لها ونخلص ايضا الى ان هذه الثوابت لو كانت على غير ما هي عليه لما وجدت الحياة في الكون. الا يشبه هذا رموز حقيبة تفجير التي يمكنها ان تكون على غير ما هي عليه بسبب الريح المتحكمة في الازرار ولكنها لو تغيرت عن ما هي عليه لانفجرت الكرة الارضية. وبما اننا في سورة القنبلة النووية حكمنا انطلاقا من تحققنا من الدال على عدم وقوع التفجير في الوقت المحدد له بان شخصا ما مريدا لحماية الارض من التدمير هو الذي حدد قيم الازرار الرموز موافقة لسلسلة الارقام المطلوبة. فاننا ايضا في الصورة الاخرى نحكم انطلاقا من تيقننا بوجود الحياة في الكون ان صانعا مصمما مريدا لوجود الحياة في الكون هو الذي جعل للثوابت الفيزيائية قيمها المحددة التي بدونها تنعدم الحياة فثبت وجود الله سبحانه وتعالى المبدع لهذا الكون. وهذا هو المطلوب من هذا البرهان. وكما فعلنا مع برهان التصميم في صيغته الاولى فلنصغ البرهان الذي بين ايدينا في صورة مقدمات تتلوها نتيجة. المقدمة الاولى قاعدة الادلال بافضل تفسير التي سبق شرحها في المقال السابق المقدمة الثانية كون العالم الذي نعيش فيه قابلا لنشوء الحياة امر يحتاج لتفسير المقدمة الثالثة افضل تفسير لوجود الحياة في الكون هو ان الخالق سبحانه اعطى للثوابت الفيزيائية قيمها الملائمة ذلك النتيجة وجود الخالق المبدع الذي اتقن خلق الكون بما فيه من الكائنات الحية. لا شك ان برهان الضبط الدقيق من اقوى الادلة على وجود الخالق سبحانه. خاصة اذا تعزز بما استقر في نفوس الناس من الفطرة السليمة قبل تعرضها التحريف والافساد ومع ذلك فان دعاة الالحاد في سعيهم اليائس لمخالفة الفطرة وانكار الواضحات العقلية تعرضوا لها هذا البرهان ببعض التشكيك لقد قالوا مثلا لا نقر بالمقدمة الثانية بل نقول وجود الحياة في الكون لا يحتاج الى تفسير. كما لو ان شخصا رمى كقطعة نرج فجاءت على رقم تسعة مثلا فانه لا يحتاج الى تفسير ذلك ولا يسأل عنه اصلا وجوابنا ان من الظواهر ما يحتاج الى تفسير ومنها ما لا يحتاج اليه ففي حالة النضج لا فرق بين رقم تسعة وبين غيره من الارقام ولا تميز لهذا الرقم على غيره. فلو وقع السؤال لم رقم تسعة خصوصا لقلنا ولم لا يكون كذلك؟ فلو لم يكن فلو لم يكن الرقم تسعة لكان رقم اربعة مثلا. ولو وقع السؤال نفسه ولا شك ان هذا فرق جوهري بين صورة لعب النرد وصورة نشوء الحياة في الكون. فالحياة تتسم بالجمال والتنسيق والترتيب الذي يجعلها متميزة بما لا وجه لانكاره عن عدم الحياة. ووجود هذه الحياة المتميزة بعد اعطاء قيم مخصوصة ثوابت الفيزيائية من ضمن ما لا يحصى من القيم الاخرى امر عجيب يحتاج الى تفسير ولابد. واقرب ما يماثل هذه الحالة التي نصفها الان المثال الاتي لنفرض ان لدي فوق الطاولة عددا كبيرا من البطاقات الصغيرة التي فيها حروف اللغة العربية مثلا. ولنفرض انني غبت برهة اي يسيرة من الزمان ثم رجعت فوجدت بعض هذه البطاقات مرتبا على الطاولة بحيث يقرأ منها القارئ الجملة الاتية اتحاد مخالفة للفطرة ونقص في العقل. ما الذي يخطر ببالي حين اذ؟ لا شك انني ساعتقد جازما ان شخصا ما والظاهر وانه مؤمن عاقل ويستحيل ان اعتقد ان النسائم المتسببة من النافذة هي التي حركت البطاقات فوقع لها ذلك الترتيب العجيب لمحض الصدفة وبعبارة اخرى انما في وضع الجملة من التنسيق والترتيب والتميز عن الاوضاع العشوائية الاخرى يجعل الامر محتاجا الى سير والتفسير الذي يفرض نفسه هو تدخل شخص ما في ترتيب البطاقات والملاحدة في هذا الموضع من مناقشة الدليل يفرون الى احد مخرجين. المخرج الاول فرضية الاكوان المتعددة. اي اذا كان الكون الذي نحن فيه قد وقع ضبطه على القيم التي تنشأ بها الحياة فاننا نفترض اولى اكوان اخرى كثيرة جدا بعدد الاحتمالات التي يمكن نظريا ان تكون عليها الثوابت الفيزيائية. فهنالك كون اخر قوة فيه اقل من قوة الجاذبية في كوننا بنسبة واحد بالمئة مثلا. وكون اخر تكون فيه اقل بنسبة اثنين بالمئة مثلا وثالث تكون فيه اكثر بنسبة واحد بالمئة وهلم جرا. فهنالك اكوان متعددة بقدر ما لدينا من الاحتمالات في قيم الثوابت الفيزيائية. وهنالك كون واحد فيه الضبط الصحيح الموافق لنشأة الحياة وهذا الافتراض في مثل هذا المقام العلمي اقرب الى التفسير الدغمائي والفكر الغيبي الذي ينكرونه على اهل الاديان منه الى المنهج العقلاني الذي يتشدقون به. وهذا شبيه بقول القائل في صورة بطاقات الحروف السابق بيانها انني افترض ان هنالك طاولات اخرى كثيرة وقع في كل واحدة منها تحت تأثير الريح ترتيب معين للحروف لا ينتج جملة مفيدة وان الطاولة الوحيدة التي تكونت فيها جملة ذات معنى هي التي في بيتي وامام عيني ايعد من العقلاء من يزعم مثل هذا المخرج الثاني التزام وقوع الامر بمحض الصدفة وهو ما يسمونه برهان القردة. وملخص البرهان المنسوب الى توماس هيكسلي مجموعة من القردة لو تركت تضرب على مجموعة من الالات الكاتبة لمدة زمنية كافية فانها ستستطيع دون ريب ان اكتب قصيدة من قصائد شكسبير او ربما احدى مسرحياته. والحق ان هذا البرهان ضعيف جدا. فقد اثبت بعض الرياضيين ان عمر الكون كله لن يكفي لكتابة مسرحية واحدة لشيكسبير لو ضرب القرد على الة كاتبة بمعدل مرة كلنا نو ثانية اي كل جزء من مليار جزء من الثانية. وبعبارة اخرى فان الحقائق الاحصائية صريحة في ان المادة مهما بلغت من حجم ومهما اعطيت من زمن فانها لا تقدر على انشاء الحياة بالصدفة فمراهنة اهل الالحاد على الصدفة وعامل الزمن مخالفة للمنهج العلمي السليم وهروب لاسباب نفسية غير علمية مما تقتضيه ادلة الفطرة والتصميم من ضرورة اعتقاد وجود الله سبحانه ورحمة للعالمين. نعم ما ارسل نبينا محمد الا رحمة للعالمين. للبشر وللبهائم وللارض والكون كله وما ارسل الانبياء كلهم الا رحمة للعالمين ايضا ولا انزلت الشرائع على الانبياء الا رحمة للعالمين كذلك واذا تأملت الشرائع الالهية وجدت ما فيها من تحقيق مصالح الخلق. تدل على انها تنزيل من رب رحيم بعباده واذا نظرت في ادلة صحة الرسالات وجدتها تدل ايضا على وجود المرسل سبحانه ولكن للحديث عن دلائل صحة الرسالات مقام اخر. فلنؤجله الان ولنرجع الى الشرائع من اعظم الحجج الدالة على وجود الله ما تتضمنه الشرائع التي جاء بها الرسل من كمال المصالح للافراد والمجتمعات والمقارنة بين هذه الشرائع وبين ما يتواضع عليه الناس من القوانين بعيدا عن اضاءة الوحي في القديم والحديث يظهر ان ما بعث به الرسل لا يمكن ان يكون من وضع البشر. بل هو من لدن حكيم خبير هو خالق هذا الكون ومدبره بما يصلحه وهذه الطريقة في الاستدلال طريقة صحيحة نافعة. ولكن لا يحصل ادراكها الا بعد تأمل كثير. واستقراء شامل مقارنة وافية بين مختلف الشرائع والقوانين. وليس ذلك متاحا لكل احد ولا هو مما يسهل اختصاره في كلمات معدودة في فصل صغير من كتاب بل هو مما يصلح ان يكون مشروع عمر ويدخل في هذا الاستقراء امور كثيرة منها تدبر الشرائع الالهية فروعا واصولا. مع النظر في قواعد الفقه ومقاصد تشريع ومراعاتها اصول المصالح قراءة القوانين الوضعية البشرية قديمها وحديثها ومقارنة ذلك بالشرائع الربانية تأمل تاريخ الحضارات الانسانية في صعودها وسفورها والاسباب التشريعية الكامنة وراء ذلك. وتخصيص الحضارة العصرية المتحررة من الدين بمزيد بحث ونظر ولو شئنا الاشارة باختصار الى خصوصيات التشريع الرباني التي تميزه عن الشرائع الوضعية في المحاور التالية فيمكننا ان نجمع ذلك في اصول عظمى منها الاستيعاب والشمول. فلا يشذ عن هذا التشريع شيء متعلق بتنظيم حقوقي والالتزامات ومصالح الفرد والمجتمع. بحيث يدخل فيه جميع شعب القانون المعروفة في كل القوانين البشرية. انطلاقا من علاقة الفرد باسرته الى احكام القانون الدولي التي تنظم علاقة الدولة الاسلامية بغيرها من الدول. المرونة في التعامل مع الوقائع المتجددة بسبب الثراء الكبير في الاصول التي تستمد الاحكام منها. من نصوص الوحي الى القياس والاستحسان والمصالح وفي التراث الفقهي خاصة في المذاهب المعتنية بالنوازل واحكام القضاء كنوز تشريعية عظيمة تجمعت بعد قرون من التأصيل والتفريع. التوازن بين مصالح الافراد والمصالح العامة للمجتمعات. والتوازن بين تحصين منافع الدنيا والاعداد ثواب الاخرة والتوازن بين متطلبات الجسد واحتياجات النفس الدقة في تشييد منظومة الاحكام الشرعية بحيث تراعى الفروق مهما كانت طفيفة. ويلحق النظير بنظيره دفعا للتناقض في تفريقي بين المتماثلات تجاوز الاطار الزماني والمكاني ليكون التشريع الرباني صالحا في كل مكان وزمان. فالاحكام من حيث هي مبنية على من دوافع العصبية والانقطاع عن وطأة الاعراف الخاصة. وهنالك اصول اخرى كثيرة يصعب حصرها في هذه العجالة والمقصود ان هذه الامور لا تعرف الا بالممارسة الطويلة والاطلاع الواسع على التشريعات الربانية التي جاء بها الرسل ومقارنة بالقوانين الوضعية البشرية. فيحصل بذلك الجزم بكون تلك التشريعات ليس مصدرها من الانسان. وانما من الخالق المدبر سبحانه وتعالى فاذا هم فريقان يختصمون. وبعد ايها الحبيب ها قد احلتك على فطرتك وعاتبتك لانك تجاهلتها ردحا من الزمن حتى احتجت الى دليل على ما هو الدليل الى كل شيء ثم تبرعت لك بادلة من العقل السليم والعلم الصافي. مع انني لم احط بكل ما يمكن ان يقال لكنني اكتفيت بالاشارة قاظ لعلك تنقذ نفسك من الوهبة التي اوقعتك فيها شكوكك. فالى متى تجحد البداهة وتنكر الشمس المشرقة وانت تشعر بدفئ على ايهابك وترى اشعتها تملأ الدنيا بضجيج النور الى متى تطمئن الى اقوام رأس مالهم الشك؟ ولا شيء غير الشك الى متى تثق في اناس صناعتهم هدم ما استقر في فطرتك من الحق المبين. ثم هم لا يملكون ان يبنوا بديلا عنه. لانهم لا ينطلقون من علم بحقائق الامور وانما هم يظنون. وتأمل كيف رد القرآن الكريم على الذين انحرفت فطرهم فانكروا الخالق وان لهم رب يفنيهم ويبعثهم فحكى قولهم وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر ثم اردف ذلك بقوله سبحانه وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون. اي ليس لهؤلاء دليل يرجعون اليهم يمكن تسميته علما لا من خبر ولا من عقل ولا من حس او تجربة وغاية امرهم الشك والارتياب واتباع الظنون الفاسدة وهذا توصيف دقيق لحال الملاحدة في كل زمان. فان مبنى الالحاد على محاولة هدم الاديان ونسف ما تحمله من الحقائق والقيم مع العجز الكامل عن اقامة بناء معرفي واخلاقي ثابت في نفسه وسالم من الحيرة والاضطراب. وقد ذكر القرآن الكريم ايضا في سورة الشعراء محاورة موسى عليه السلام لفرعون الذي يدعي الربوبية. وفي ضمن هذه المناظرة اشارات للرد على بعض من ابتدت فطرته في باب الربوبية او كابر فيه اتباعا لهواه نعم هم فريقان يختصمون. فريق ملأ قلبه اليقين فاثمر على جوارحه عملا ينتفع به الناس. وتشرق به الحضارة المثالية الجامعة بين قوة المادة وجلال الروح. وفريق افعمت قلبه الوساوس والشكوك فهو متخبط فيها يعيش للفناء ويعمل لتحقيق رغبات المادة الجوفاء المفرغة من عبق الروح. فانظر من تكون. ان الشك والتردد والحياد الا ادري لا محل له في قضية خطيرة مثل هذه هي اساس الوجود ولب ابحاث العقائد والاديان وما يتفرع عنها. وان كثيرا من الملحدين لا يجدون في حياة الالحاد التي يعيشونها الحيرة الفكرية والضيق النفسي والضياع الاخلاقي. كما قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ويتوق كثير منهم الى حياة الايمان التي يرون المؤمنين يعيشونها. وهي الحياة المفعمة بالاستقرار النفسي والالتزام الاخلاقي ضبط فتكون هذه الرغبة دافعا الى الايمان الاولي البراجماتي. الذي يمكن تطويره فيما بعد نحو ايمان حقيقي. ولا يمكنني ان اغفل هنا تجربة خاصة لاحد الافاضل الذين اعرفهم معرفة شخصية. كان يحدث عن نفسه انه كان في مرحلة من مراحل مؤمنا بوجود الله لا عن اقتناع عقلي ولكن لان الايمان في نظره مناسب له. وملائم للطمأنينة التي يرجو تحقيقها في حياته اليها الملحد في معيشته المضطربة المتحيرة وكان يعبر عن هذا بقوله بالفرنسية اي انا مؤمن لان الايمان يلائمني ثم ما زال الرجل مستمرا في رحلته الايمانية خائضا غمار البحث عن الحقيقة. متنقلا من الاشارات الوجدانية الى البراهين العقلية المحكمة حتى صار يخبر عن نفسه بعد سنوات بانه صار متمكنا من فهم الادلة العقلية الدالة على وجود الله الاقتناع التام بها في قرارة قلبه. وما اكثر النفوس المتحيرة في زماننا هذا؟ التي تحتاج الى مثل هذا النظر على الاقل كحل مبدئي وشفاء مرحلي يمكن بل يجب تطويره فيما بعد نحو الايمان الراسخ. المبني على اسس عقلية علمية ثابتة كما ان الحزم في هذا المجال هو الاحتياط الذي لا يفرط فيه الا محروم. وقد روي ان دهريا عليا رضي الله عنه في البعث فقال علي يا هذا ان كان الامر كما اقول نجوت انا وهلكت انت. وان كان كما تقول نجونا جميعا اي ان الاحتياط يرجح كفة الايمان بالبعث على كفة الكفر به ثم تذكر اخيرا ايها الحبيب ان الدين هو الاصل وان الايمان بوجود الله وهو اول مدارج الدين هو الاساس الذي صاحب الانسانية في تاريخها الطويل لانه مقتضى الفطرة وثمرة الاستدلال العقلي السليم. وان الالحاد مرض طارئ على الانسانية بدأ كما تبدأ الامراض كلها صغيرا محصورا ثم انتشر في اجزاء الجسد الانساني جميعها كما تنتشر الاكلة في العضو المريض. فاحذر الاستسلام لمرض قد يعييك شفاؤه اذا استحكم في جسدك وابى الرحيل وما قدروا الله حق قدره اهل السنة مجمعون على الاقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والايمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز الا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة ابن عبدالبر في التمهيد ولما كان التشريع وجميع الاحكام شرعية كانت او كونية قدرية من خصائص الربوبية كما دلت عليه الايات المذكورة كان كل من تشريعا غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع ربا واشركه مع الله محمد الامين الشنقيطي في اضواء البيان والايمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا. ومقادير الامور بيده ومصادرها عن قضائه علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره لا يكون من عباده قول ولا عمل الا وقد قضاه وسبق علمه به الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. يضل من يشاء فيخذله بعدله. ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله ابن ابي زيد في مقدمة الرسالة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وبعد ايها الحبيب ها قد وصلت معك الى اثبات وجود الله فيا ترى من هذا الرب الذي قد اتفقنا على وجوده؟ ما صفاته؟ ما اسماؤه؟ ما الذي يختص به عن غيره من المعبودات الباطلة التي يتفنن الناس في التوجه اليها بتعبداتهم ادعوك بعد ان حططت رحالك اثر سفرك الاول الى سفر جديد ورحلة مثيرة نحاول فيها الاجابة على هذه الاسئلة. ولن تزال معي في سفر يتلوه سفر حتى نصل معا الى محطتنا الاخيرة التي نصبو اليها اذا كانت نصوص الوحي تثبت صفات الكمال لله سبحانه وتعالى. فان العقل الصريح يثبت ذلك ايضا على جهة الاجمال ومن الطرق العقلية المعتضدة بالوحي لاثبات صفات كمال الله تعالى قياس الاولى والمراد به ان يقال ان الخالق اولى بالكمال من المخلوق مطلقا. وذلك في جهتي النفي والاثبات معا. ففي جهة النفي كل نقص تنزه عنه المخلوق فان تنزه الخالق عنه اولى وفي جهة الاثبات كل كمال لا نقص فيه ثبت للمخلوق. وامكن اتصاف الخالق به فالخالق اولى به وهذا القياس الاولوي هو الذي يمكن استعماله في باب صفات الله تعالى دون غيره من انواع القياس فلا يمكن استعمال قياس التمثيل لانه يقتضي التمثيل والتسوية بين الاصل والفرع. والحال انه لا مماثلة بين الخالق قوى المخلوق كما لا يمكن استعمال قياس الشمول لانه يستلزم التسوية بين الخالق والمخلوق والله تعالى ليس مثله شيء ويدل قياس الاولى على ثبوت صفات الكمال لله تعالى من وجهين. الوجه الاول الترجيح. ومعناه كل كمال ثبت للمخلوق المحدث الممكن يجب اثباته للخالق المحدث الواجب من باب اولى. بدليل الفطرة والبداهة العقلية فان فطرتك وعقلك معا لا يقبلان ان يكون للمخلوق من الكمال ما ليس للخالق ومما يدل على ذلك من النصوص قوله تعالى وله المثل الاعلى في السماوات والارض. والمثل الاعلى مشتمل على اثبات الصفات الكمال المطلق والتنزيه عن صفات النقص الوجه الثاني دلالة الاثر على المؤثر. ومعنى ذلك ان الذي يهب الكمال ويعطيه ويفعله احق بان يتصف به من الموت الذي يعطاه هذا الكمال فما في المخلوقات من العلم يدل على ان الله اعلم. وما فيها من الحياة يدل على اتصاف الله سبحانه بالحياة الكاملة. وما افها من القوة يدل على ان الله هو القوي وهلم جرا وهذا كله مما تقر به بدائل العقول حتى ان جماعة من الفلاسفة لم يخالفوا في هذا المعنى. فقد جاء عن افلاطون مثلا ان وجود الكمال في الاشياء الموجودة بدرجات مختلفة يقتضي بالضرورة وجود كائن يمتلك هذه الكمالات في درجتها العليا وهو احق بالكمال من الاشياء كلها. وهذا يعد من ضمن ادلة وجود الله التي استعملت في بعض الكتابات اللاهوتية النصرانية واصلها من الفلسفة القديمة. والفرق بين هذا الدليل والذي قبله ان الاحقية بالكمال في الوجه الاول من جهة كون الخالق بافضل من المخلوق مطلقا فهي احقية متعلقة بالذات والافعال عموما. واما الاحقية في هذا الوجه فمن جهة ان اعن الكمال احق بالاتصاف به. فهي متعلقة بفعل هذا الكمال خصوصا وهذا الدليل خاص بالكمال لا يتعداه الى النقص فمن المستقر في بدء فمن المستقر في بديهة العقل ان الذي يهب النقص لا يلزم ان يكون متصفا به. فالذي يقتل غيره لا يلزم ان يكون هو ميتا والذي يجعل غيره عاجزا لا يلزم ان يتصف هو بالعجز. وهلم جرا وهنا يرد السؤال الذي لا بد معه من وقفة قصيرة ما ضابط صفات الكمال؟ وكيف نحترز من اثبات صفة لله هي كمال في حق المخلوق؟ ولكنها عند التأمل نقص في حق الخال والجواب ان المراد بصفة الكمال ما كان كمالا لذاته. اي بقطع النظر عن المتصف به. خالقا كان او مخلوق ويتحقق ذلك بالنظر في هذا الوصف هل يستلزم ما ينافي صفات الكمال الثابتة لله تعالى ام لا؟ مثال ذلك الولادة والنمو ليس كمالا في حق الخالق. لانهما يستلزمان امكان العدم السابق. اذ لا يولد المولود الا بعد ان لم يكن ولا ينمو الا بعد ان كان اقل نموا. فهاتان الصفتان تنافيان كمال وجوب الله وقيوميته. مع انهما كمال في حق المخلوق بحيث يعد المخلوق ناقصا ان فقدهما والنوم والطعام والنكاح كذلك ليس كمالا في حق الخالق سبحانه. بل هما ممتنعان في حقه تعالى. لانهما يستلزمان الحدوث والافتقار المنافيين للاولية والغنى. وهذه الاوصاف كمال في حق المخلوق. من فقدها كان ناقصا. ومما يمكن الادلال به على صحة هذا الدليل العقلي قوله تعالى فاما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق وقالوا من اشد منا قوة. او لم يرونا الله الذي خلقهم هو اشد منهم قوة. فبين الله تعالى ان ادم بلغ من استكبارهم في الارض انهم ظنوا ان لا احد اقوى منهم وصرحوا بذلك بقولهم من اشد منا قوة فكان الرد الالهي عليهم واضحا بالارشاد الى ان كل قوة لهم يتكبرون بها انما مصدرها الله سبحانه فهو خالقه مواهب القوة لهم. فقوتهم اذا ليست ذاتية وهبوها لانفسهم. اذ هم مخلوقون مربوبون. وحين خلقوا لم يكن لهم من الامن شيء ولا من القدرة ما يدفع به الواحد منهم عن نفسه ادنى اذى فالذي خلقهم اولى بالاتصاف بالقوة منهم. وهذا الاستدلال واضح من قوله تعالى الذي خلقهم اي ان كونه خالقا لهم هو الذي يجعله اولى بالاتصاف بالقوة منهم اذا تقرر هذا الاصل العقلي فاننا نقرر ان لله اذا صفات الكمال المطلق. ولا يمكننا ان نتصور الخالق المدبر المهيمن ان القدير الا منزها عن امرين اثنين سبحانه وتعالى اولهما النقص المناقض للكمال. فكل دليل دل على ثبوت الكمال له سبحانه فهو يدل على تنزهه عن النقص المناقض لكماله. وهذا يبين ان تنزهه عن النقص معلوم بالعقل ايضا. خلافا لزعم بعض المتكلمين ان ذلك لا يعلم الا بالنقد والثاني مشابهة المخلوقين في الصفات. فالله تعالى ليس كمثله شيء في صفات الكمال والقرآن الكريم مملوء باثبات هذين الاصلين في مجال التنزيه. كما انه مملوء باثبات صفات الكمال على وجه التفصيل ومع اثباتنا لهذا الاصل العقلي فنحن محتاجون الى النقل عند التفصيل. ومثال ذلك اننا يمكننا اثبات العلو بالعقل لانه مقتضى الكمال لكن لا يمكننا اثبات الاستواء على العرش الا بالنقل. ودلالة النقل على الصفات الالهية ترد من جهات مختلفة منها تصريح نصوص الوحي باسماء الصفات كقوله تعالى انزله بعلمه وقوله سبحانه ورحمتي وسعت كل شيء وقوله تعالى ليس كمثله شيء. ومثل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه احمد والنسائي ومنها ذكر الاسم المشتمل على الصفة فان الاسماء الحسنة تدل على صفات الكمال. فالعليم والقدير والسميع والبصير اسماء تدل على صفات العلم والقدرة والسمع والبصر. ومنها ذكر فعل يدل على الصفة كقوله تعالى الرحمن على العرش استوى. فهذا يدل على صفة الاستواء والعلو لله سبحانه لست احب لك ان تخوض في نقاشات المتكلمين. ولكنني اطلب منك ان تقرأ القرآن. وقد تركت خلافاتهم وراء ظهرك كلام الله تعالى وهو يصف نفسه الكريمة بما يليق بها من الصفات والافعال وينزهها عما لا يلائمها من الصفات والافعال تأمل مثلا قوله تعالى يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم ما استوى على العرش غضب الله عليهم رضي الله عنهم ثم انظر الى ما تجده في قلبك من الايمان بعظمة الله وجلاله. ومن استشعار هيبة الخالق القدير وهو يحدث المخلوق الفقير وببعض صفاته وافعاله. ثم اقرأ قوله عز وجل واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير واخبرني كيف ان جذور تشبيه الخالق بالمخلوق قد اجتثت من قلبك فلا تجد لها في كيانك ادنى اثر وهذه طريقة القرآن الذي لا يدانيه كلام بشر يثبت الحق حتى يرسخ في قلب متدبر مصغي بقلبه لكلام ربه. وينزع الباطل بقوارع صارمة واضحة تخالط سويداء القلب وتسري في اركان النفس. ومن احسن من الله قيلا. ان معرفة صفات الخالق التفصيلية منحصرة في ما يخبر به الله عن نفسه ومشروطة بما قيده الله بها من التنزيه والتقديس فلا يجد القلب المؤمن ادنى حرج في ان يثبت لله ما اثبته لنفسه من الصفات على الوجه اللائق به. دون تشبيه له بخلقه ودون توهم كيفية لصفاته. وانما هو اثبات دون تكييف ولا تمثيل. ودون تحريف ولا تعطيل. تعالى الله تقدس ولله الاسماء الحسنى بلغت من الحسن الغاية التي ليس بعدها غاية. وكيف لا تكون كذلك وهي اسماء من يعطي الحسن ويهب الجمال ويمنح الكمال فهي اسماء حسنى تضمنت صفاتا كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه فاسم العليم مثلا يتضمن علم الله الكامل الشامل الذي احاط بكل شيء يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون. والله عليم بذات الصدور وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة لا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين وهو العلم الذي لم يسبقه جهل ولا يلحقه سهو ولا نسيان علمها عند ربي في كتاب. لا يضل ربي ولا ينسى واسم الرحمن متضمن للرحمة الكاملة الواسعة التي قال الله عنها ورحمتي وسعت كل شيء وقال عن دعاء الملائكة ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما واسم حي يتضمن الحياة الكامنة التي تستلزم صفات الكمال كالعلم والقدرة وغيرهما لان الحياة لا تكون كاملة الا مع صفات الكمال ثم هي حياة لم يسبقها العدم. ولا يأتي بعدها العدم جل الله تعالى عن جميع انواع النقص وقد يكون الحسن في اقتران اسمين كما يوجد حال انفرادهما فالله تعالى يقرن كثيرا في كتابه العزيز بين اسمي العزيز والحكيم. وذلك لان كل واحد منهما يدل على كمال خاص هو العزة في العزيز والحكمة في الحكيم. ثم ان الجمع بينهما يدل على كمال اخر هو ان عزته سبحانه تقترن بالحكمة بخلاف عزة المخلوق التي لا تخلو من بطش وظلم. وكذلك حكمته سبحانه اقترنوا بالعزة بخلاف حكمة المخلوقين فانها قد تشتمل على المذلة والضعف ولان الله تعالى اعلم بنفسه فاننا لا نستطيع ان نثبت لله اسماء بمحض العقل. بل لابد من ان نقف على ما جاء في بالكتاب والسنة لا نزيد عليهما ولا ننقص ان العقل يمكنه ان يعرف استحقاق الله تعالى للكمال. اما تفصيل ذلك وما ينبني عليه من الاسماء فامر توقيفي لا مجال للعقل فيه والا كان ذلك من القول على الله بغير علم. ونعوذ بالله تعالى ان نقول عليه بغير علم قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والاثم والبغي غير الحق سلطانا ان تقولوا على الله ما لا تعلمون ان الواجب الاقتصار في هذا الباب على ما جاء في النصوص لان تسميته سبحانه بما لم يسمي به نفسه غلط لا يقل عن غلط انكار ما سمى به نفسه من الاسماء وقد ذكرت في القرآن والسنة اسماء حسنى كثيرة. مع علمنا بان اسماء الله تعالى غير محصورة في عدد معين لما جاء في الدعاء النبوي المعروف اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك رواه احمد فمن الاسماء ما استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده فكيف يدعي الاحاطة بها احد من البشر ولا يشكل على هذا ما جاء في الحديث الصحيح ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة. رواه رواه البخاري ومسلم لان الحديث لا يدل على حصر الاسماء في هذا العدد. وانما معناه ان من اسمائه تسعة وتسعين اسما تختص بان من احصاها دخل الجنة وقد اجتهد العلماء في استخراج اسماء الله تعالى من الكتاب والسنة. فاتفقوا على كثير منها واختلفوا في بعضها. وما اجمل يستمتع المتدبر لكتاب الله وسنة رسوله حال تلاوته بنور الاسماء الحسنى المذكورة فيهما الا له الخلق والامر خلق الله سبحانه الكون كله. خلق الكواكب والنجوم والمجرات. وخلق الجبال والاشجار والانهار والبحار وخلق الحيوانات على اختلاف اشكالها خلق الانسان بما يحمله من ذكاء وعقل وقدرة على التفكير والتصرف فيما يحيط به. ولم يترك الله هذه المخلوقات العظيمة سدى بعد خلقها بل دبرها احسن تدبير واحاطها بعنايته ولطفه فصار الكون بحسن تدبير الرب سبحانه في اعظم ما يكون عليه من التناسق والانسجام والترتيب والجمال يعلم ذلك من تأمله بعين بصيرته فرأى عظمة الخالق المدبر في عظمة الكون وبهائه ودقة تناسقه ثمان الله تعالى كرم الانسان من بين المخلوقات كلها فسخر له ما في الارض جميعا. وخصه بحمل امانة اعمار الارض على بمراد الله سبحانه. فلاجل ذلك ارسل اليه الرسل بالشرائع المحكمة. ليبينوا له الصراط المستقيم الذي يتحقق به حمله الامانة الله تعالى له الخلق والله تعالى له الامر الكوني الذي به تدبير السماوات والارض والله تعالى له الامر الشرعي الذي يجب على الناس الالتزام به ان ارادوا صلاح الدنيا والاخرة. الا له الخلق والامر فيا ايها الحبيب تأمل فيما سالقيه عليك واسخ له بسمع قلبك فان الاذان تسمع هذا الكلام كثيرا. ولكنها لا تكاد تستشعر خطورته اليس الله تعالى هو الذي خلقك وخلق ابائك وابناءك وخلق المفكرين والفلاسفة وخلق السياسيين والعلماء. وخلق الناس اجمعين افلا يكون خالق الناس اعلم باحوالهم وبما يصلحون عليه وما يفسدون به من اي احد من الناس كائنا من كان كيف تؤمن بالله الخالق المدبر ولا تقر له بحق تشريع القوانين التي يجب ان يسير عليها البشر اليس من خلق اعلم بما يصلح عليه المخلوق كيف تطلب صلاح الافراد والمجتمعات والدول من افكار الناس وتجاربهم القاصرة. ولا تلتمسها في شرائع الحكيم الخبير الذي لا يغيب عن حكمته ولا يعزب عن علمه مقدار ذرة في السماوات والارض ان الانسجام التام بين افعال الناس وحركات هذا الكون الفسيح لا تتم الا ان كانت افعالهم على وفق حكم الله كما ان حركات الكونه على وفق قضاء الله وتدبيره. وعبثا يحاول الحمقى من الناس ان يفصلوا بين الطريقين. فيخترعون احكاما يسيرون عليها تخالف حكم الله وهم يعلمون علم اليقين ان الكون كله خاضع لتدبير العزيز الحكيم الله الذي خلقه هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. والله الذي يرزق وما من دابة في الارض الا على الله رزقها والله الذي يملك ولله ملك السماوات والارض الله الذي يحكم ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون نعم ايها الحبيب ان التشريع حق خالص لله وحده والتحليل والتحريم ملك لله لا ينبغي ان ينازعه فيه احد من البشر ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله فسمى الله تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء. كما انه في ايات اخرى سمى الذين يدعون ويعبدون من دون الله شرا فاساس الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ان يعبد الله وحده بانواع الطقوس التعبدية والا يشرك معه غيره في هذا هذه العبادة ان تحكم شريعته ولا يؤخذ التحليل والتحريم الا من كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والذي يترك حكم الله فانما يرضى بحكم الجاهلية. ولا وجه للمقارنة بين الحكمين. كما لا يقارن النور بصدفة الظلام ولا قمم الجبال بتراب الحفر. ولكن الامر قد يخفى على من لم يترع اليقين قلبه ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون وهذا الذي استبدل بحكم الله حكم الجاهلية مستحق لاشنع الاوصاف وصف الكفر ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون ووصف الظلم ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون ووصف الفسق ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون وحقيقة الايمان بالله لا تجتمع مع كراهة حكم الله. او الحرج من قضائه الشرعي. بل لا تكون الا مع تمام الرضا وكمال اتنين فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما واذا كان الاختلاف طبيعة في البشر وسنة كونية مضطردة فيهم. فان المتعين عليهم ان كانوا حقا يؤمنون بالله الخالق دبر ان يرجعوا عند الاختلاف الى قضاء الله وحكمه. ليجدوا في ذلك نعيما الاتفاق وسعادة التماهي مع تدبير الله للكون وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت واليه انيب وصدق الله اذ قال وصدق الله اذ قال ولله ما في السماوات وما في الارض والى الله ترجع الامور وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. هذه الغاية العظمى من خلق الانسان والرابط الاسمى الذي يربطه بالخالق ويرفعه عن البشرية المادية ولولا تنسم روحها لحال اليأس بين ابن الماء والطين وبين الوصول الى رب العالمين. بل لولا جمال العبادة وحلاوته ما فيها من الخضوع لمالك الملك سبحانه لاوشك الناس ان يكونوا كالانعام التي تأكل وتشرب وتتناسل ولا تعرف من الحياة الا عيشا ماديا خالصا وما الذ تلك اللحظات التي يخلع فيها الانسان غلافه المادي وينفصل عن الروابط التي تنزل به الى الحضيض الارضي ثم يقبل على رب الكون وينطرح بين يديه شاكيا داعيا مناجيا فيجد من اثر الاجابة ما يشفي به اسقام نفسه وامراض قلبه فوعجبا لمن يضيع على نفسه هذه اللذة التي لا يعدلها شيء من ملاذ الدنيا لاجل احتمال عقلي او شبهة فكرية وستأتيك بهارج الدنيا تتلألأ امام عينيك لتغريك بالحرص عليها وتأتيك ملذات الجسد تستحث غرائزك الباطنة تجرك من تلابيبك لتلقي بك في حمأة البهيمية ويأتيك شياطين الانس والجن يزينون لك ان تعيش لجسدك اولا ولجسدك اخر كانك خلقت جسدا دون روح فها انت ذا بين طريقين على كل منهما داعية يناديك. داعية يطلب منك التمسك باذيال العبودية لبارئك ويعدك على ذلك بطمأنينة العيش في الدنيا وسعادة الخلود في الاخرة وداعية يحرضك على التملص من قيود العبودية والتمتع بالدنيا الفانية ثم هو يعدك على ذلك بلذة تقارن الفعل ولا تزيد عليه ثم يعقبها الم وحسرة وظلمة في القلب ونكد في العيش ثم موت هو فناء محض فيا ترى اي الداعيتين اولى بالاجابة وان كنت في هذا الاختيار لا تعمل عقلك ولا تحكم النظر والتفكر بل تستسلم لنزواتك الطارئة ورغباتك الجسدية الجامحة فقل ما الفرق بينك وبين البهيمة التي تقاد بغرائزها ثم انك لو حققت النظر لوجدت ان هنالك معيارا اخر ينبغي اعتباره عند الاختيار وهو ان الاسلام دين موافق للفطرة الانسانية ويراعي الاعتدال بين رغبات الجسد ومتطلبات الروح. ولذلك فان العبودية في الاسلام لا ينفي الاستجابة لمطالب الجسد. ولا يعني طغيان الجوانب الروحية الى درجة اهمال النصيب الدنيوي البشري الذي لا ينفك الانسان عنه لكنها استجابة مقيدة مشروطة تلبي الحاجة الجسدية في الحدود التي لا تجعل منها غاية في نفسها. ثم يزيد عليها لذة اخرى هي لذة معنوية روحية يعرفها من ذاقها. هي لذة الهجرة الى الله والفرار الى الله والاستظلال في افياء محبة الله وعبوديته. وما يزال العبد يتذوق من حلاوة العبودية علنا بعد نهل حتى يصبح هوى نفسه في محاب الله ومتعة قلبه في مرضات الله واعظم سعادته في ان يستعمل نفسه في التزام امر الله واجتناب نهيه. وذلك مقام لكنه ليس محالا لولا شدة العلائق الارضية وكثرة المثبطين. والعبادة تجمع كمال الحب مع كمال الذل مع كمال الانقياد لمراد الله تعالى فمن ادعى الحب لكن بقي قلبه مقيما على التكبر على خالقه فما عبد الله حقا. ومن حقق الحب والذل معا لكنه لم قياده لمولاه فما عبد الله صدقا وانما هو حب يملأ شغاف القلب وذل ينكسر به العبد بين يدي الرب يفيضان على اركان البدن انقيادا وخضوعا وتسليما هذه العبادة هي الغاية التي ليس بعدها غاية وفي الوقت الذي تنطلق فيه الفلسفات الغربية الحداثية من الانسان وتجعله مركز الكون. وتقرر انعتاقه من كل القيود الارضية سماوية وتجعل ذلك الغاية العليا التي اذا وصل الانسان اليها حقق سعادته في الحياة. فاننا نقرر مطمئنين ان اعلام مقامات الانسان ان يكون عبدا لله والله تعالى سمى سيد الانبياء عبدا ونسبه الى ذاته العلية حين كان في اعلى المقامات البشرية وفي اقرب احواله الى ربه سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام المسجد نقص الذي باركنا حوله. فمن اراد المجد الذي تقصر الامجاد الدنيوية كلها عنه فليحقق العبودية لله. ومن اراد القرب من الله قرب معرفة بالله ورضوان من الله فليحقق العبودية لله بل تشمل كل ما يتقرب العبد به الى ربه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة فمن العبادة الدعاء والذكر وتلاوة القرآن والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الى الله ومن العبادة الحب والخوف والرجاء والانابة والتوكل والتعظيم وسلامة الصدر للمسلمين وترك الكبر والحقد والحسد ومن العبادة السجود والركوع والطواف والنذر والاستعانة وحسن الخلق وبر الوالدين وصلة الرحم والوفاء بالعهد والاحسان فهي بذلك تعم كل ما يرضي الله تعالى. ولان الغرض منها التقرب الى الله وتحقيق رضاه. فلا معنى لان يصرف شيء منها لغيره لله تعالى. فالواجب اذا صرف العبادة لمن يستحقها وهو المعبود الحق. الله رب الكون. والواجب ايضا منعه عن من لا يستحقها وهي المعبودات الباطلة التي يعبدها المشركون من دون الله. وهذا معنى افراد الله بالعلم عبادة وهو معنى كلمة لا اله الا الله فان شقها الاول لا اله ينفي المعبودات كلها. اذ الاله هو مألوه ومعناه المعبود وشقها الثاني يثبت المعبود الحق وهو الله سبحانه. فحين تنطق بكلمة الاخلاص لا اله ان الله فانك تثبت استحقاق الله تعالى لان يعبد. وتنفي استحقاق غيره من المعبودات الباطلة وبهذا المعنى بعثت الرسل وانزلت الكتب ولا انقذ بعثنا في كل امة رسول لنعبد الله واجتنبوا الطاغوت ولتحقيق هذا المعنى خلقت السماوات والارض وخلق الانسان وشرعت الشرائع وخلقت الجنة والنار. وقام سوق الثواب والعقاب فتأمل هذه الكلمة العظيمة وتدبر معناها وافهم سبب كونها مفتاح الاسلام. ومن مقتضى افراد الله بالعبادة عبادت الحب في الله والبغض في الله فانك لا تعبد الله الا وانت تحبه ولا تحبه الا وانت تحب من يحبه وتب ابغض من يبغضه. فعبوديتك لله تقتضي ان تحب انبيائه ورسله وملائكته واولياءه وعموم المسلمين. وتقتضي ايضا ان تبغض شياطين الانس والجن الذين يصدون عن سبيل الله. والطواغيت التي تعبد من دون الله. وتتبرأ من المعبودات باطلة وممن يعبدها كما قال تعالى ابراهيم والذين معه. اذ قالوا لقومهم منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا كسرنا بكم وبدى بيننا وبينكم العداوة والبغضاء وبدن حتى تؤمنوا بالله وحده فهي عبودية محو واثبات. محو لمحبة ما سوى الله سبحانه من القلب. واثبات لمحبة الله وما تستلزمه من من القيام بامره ونهيه ومحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه. ان كل شيء خلقناه بقدر قررت لك سابقا واحسبك وافقتني فيما قررته ان ربنا سبحانه متصف بصفات الكمال المطلق. وان قدرته شاملة فلا يعجزه شيء سبحانه علمه احاط بكل شيء وهو خالق كل شيء. ولا يقع في الكون شيء الا بارادته ومشيئته وكل ذلك وغيره مما لا يخفى على من يعظم ربه يستلزم عموم التقدير الالهي. لانه مقتضى كمال الله وشمول قدرته اما القول بعدم التقدير فيقتضي ان يكون في الكون ما لا يريده الله ان يكون. وهذا عجز يتنزه ربنا عنه. تعالى تقدس وفوق هذه الدلالة العقلية فقد دل على هذا الاصل نصوص كثيرة من الوحي. من اظهرها قوله تعالى ان كل شيء خلقناه بقدر. ويضاف اليها الادلة التي ستأتي في سياق ببيان مراتب التقدير وذلك ان لعموم التقدير الالهي مراتب لا يتحقق الايمان بالكمال الالهي الا بالايمان بها. اولاها اثبات علم الله الازلي بكل شيء. كما قال تعالى وان الله قد حاط بكل شيء علما والثانية تعرف بالوحي وهي اثبات كتابة الله لجميع الاشياء في اللوح المحفوظ. ودليلها قوله تعالى ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم من قبل ان ندرأها ان ذلك على الله يسير. وقوله سبحانه وما من غائبة في السماء والارض الا في كتاب مبين وقول النبي صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة رواه مسلم والثالثة اثبات مشيئة الله النافذة التي لا يردها شيء. وقدرته التي لا يعجزها شيء. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وادلة هذه المرتبة في القرآن الكريم كثيرة جدا. منها الله رب العالمين من يشأ الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم ميم ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا والرابعة اثبات خلق الله تعالى من اشياء كلها وموجدها من العدم كما قال تعالى الله خالق كل شيء والله خلقكم وما تعملون واذا كان الله تعالى خالق كل شيء فهل يخلق المعاصي ايضا وبين يدي الجواب لابد من التذكير بان الله تعالى عدل لا يظلم احدا مثقال ذرة وما ربك بظلام للعبيد وذلك انه سبحانه غني عن خلقه اجمعين. لا تزيده طاعتهم ولا تنقصه معصيتهم وله المنة والفضل عليهم في الاحوال كلها. ومن كان كذلك فلأي شيء يظلمهم ان للعبد في الاسلام مشيئة بها يؤمن ويكفر ويطيع ويعصي وعليها يكون حسابه امام ربه سبحانه بعد ان بين له وارسل له الرسل وانزل له الكتب. وهو في ذلك كله لا يخرج عن علم الله وتقديره. فالله سبحانه يعلم ما عليه العبد وفعل العبد واختياره لا يخرج عن خلق الله وتقديره فانه لا يقع شيء في الكون الا بخلق الله. ولا يفعل الله الا ما هو صريح العدل فانه سبحانه لم يظلم الشقي العاصي. بل اعطاه المهلة الكافية والقدرة على الاختيار على الفعل الصحيح وارشده الى الطريق السليم والصراط المستقيم ورغبه فيه وحذره من سبل الضلالة. وقيد له من وسائل التذكير والنذارة من المصائب والابتلاءات ليتوب وينيب ما قطع به حجته. فاذا هو بعد ذلك اختار طريق الغواية والضلال تنكب طريق الهداية والخير فانما اهلك نفسه واستحق العقوبة. وما ظلمهم الله ولكن انفسهم هم يظلمون فمن كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ميمون وانما يقع اللبس في فهم هذه المعاني عند من يقيس افعال الخالق على احوال المخلوقين فيما يكون بينهم من التعاملات واما من استحضر معنى كمال العدل الالهي وكمال القدرة الالهية. فانه يسهل عليه فهم ما يعجز عن فهم نظيره لو كان ذلك بين المخلوقين وقد يخطر ببال بعض الناس في هذا المقام سؤال عن سبب وجود الشرور في هذا الكون. فيقول بعضهم ان الله تعالى لم يخلق تلك الشرور لان الخالق ذو طبيعة خيرة تتنافى مع خلق الشر ويقول اخرون انه سبحانه خلقها مع تفسير وجه عدم منافاة ذلك لصفات الكمال التي يتصف بها الخالق سبحانه وتغلو طائفة ثالثة في انكار ما لا سبيل الى انكاره. فيلتزمون عدم وجود الاله الخالق دفعا لما توهموه من التناقض فيها هذا الامر فالاولون اثبتوا وجود الله تعالى لكنهم اثبتوا عليه النقص والعجز. فكان خللهم في باب الصفات. واصحاب اعتقادي الثالث نفوا وجود الله سبحانه فكان الخلل عندهم في باب اثبات الذات. وتوسطت الطائفة الثانية وهي التي تضم جماهير المتدينين. فاثبتت ذات ونسبت للخالق سبحانه ما يليق به من صفات الكمال ونعوت الجلال. وفسرت التناقض الظاهر بما يدفع تناقضه ويقرر انسجامه مع صريح العقل وصحيح النقل ولعل جزءا كبيرا من المشكلة يكمن في ان بعض الناس يطبق قواعد الطبيعة المحسوسة على عالم ما وراء الطبيعة ويقيس الغائب على الشاهد كما يقول علماؤنا المتقدمون وكثير من الملاحدة الماديين لا يستطيعون التخلص من قواعد الحس حتى في ابحاثهم الميتافيزيقية على الرغم من انهم اكثر الناس نقدا للتصورات المشهورة في الديانات السماوية للاله واليوم الاخر من جهة التصاقها بالمفاهيم المحسوسة فيما يزعمون ومما ينبغي تقريره هنا ان من اسس الاشكال المبالغة في تقدير قيمة اللذة المادية وما تستتبعه من الشعور بالسعادة وفيما يقابل ذلك من الالم والشقاء وهذه النظرة المبالغ فيها تؤدي الى استشكال كثرة الشرور الموجودة في الكون. وعدم التفطن الى ما يحيط بذلك من التكامل بين الخير والشر وما يحصل جراء ذلك من الرضا النفسي. وبعبارة اخرى فينبغي ان يكون المعيار قيمة معنوية لا منفعة مادية. والمعيار المعنوي ينظر الى تدبير الله تعالى وحكمته في لا يكون من وراء الشر والالم لا في الشرور والالام في ذاتها. والملحد في اغلب الاحيان ينظر الى الشر المعين بقطع النظر عما يحيط به ويشكل تكاملا عاما في الزمان والمكان وخذ هذا المثال لتوضيح القضية حين يمرض الملحد فانه لا يرى الا جانب الالم في مرضه. واما المؤمن فيرى جوانب اخرى لا تقل اهمية عن جانب الالم. وقد كونوا منها تقوية مناعة الجسم في مواجهة امراض اقوى من المرض الراهن والشعور بتقدير نعمة الصحة بعد الشفاء وتحقق الالتزام بها اكثر والتمتع بمحبة الاخوان والاصدقاء وتعاطفهم حال الابتلاء والفائدة المادية الراجعة على الطبيب والصيدلية الى غير ذلك من المعاني. والتصور الاسلامي يتميز بنظرة متكاملة الى ما يسميه اهل الفلسفة الخير والشر. ومن من تكامل النظرة وجوب اعتبار اليوم الاخر. وعدم الاقتصار على الحياة الدنيا. والا تدرس مسألة الشر باستقلال عن قضايا العقيدة الاخرى خاصة ما ثبت يقينا بالادلة العقلية والكونية والشرعية من اصول المعتقد. مثل وجود الله تعالى وانتفاء صفة الظلم عنه. فالاصل الراسخ المتقرر بالبرهان العقلي الضروري والدليل الشرعي القطعي ان الله تعالى لا يفعل ولا يتصور ذلك في حقه سبحانه. فمهما وجدنا صورة مخصوصة من الشر الواقع على بعض المخلوقات احلناها على فهذا الاصل وجزمنا بان هذه الصورة لا ظلم فيها. وان الله تعالى ما خلقها الا لحكمة. سواء اعلمناها ام غابت عن اذهاننا ومع ذلك فقد بحث علماء الشريعة عن حكم كثيرة مختلفة لوجود الشرور منها الدنيا دار عمل واختبار وابتلاء. ومن لوازم ذلك ان يخلق الله تعالى الخير والشر. كما قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة الخير يعرف بضده فلا تعلم نعمة الخير الا بشر فقدها. فلا سبيل الى معرفة نعمة التوحيد الا بمعرفة شرور الشرك وللصحة الا بالمرض ولا الغنى الا بالفقر. وهلم جرا. وعموما فالخير والشر ثنائية لا يتصور احد طرفيها دون اخر والخير هو الغالب في الكون. واللذات اكثر احصائيا من الالام. وان تصور بعض الناس عكس ذلك لاسباب نفسية فمقتضى النظر الصحيح ان انعدام هذا الخير الكثير لاجل ما يلابسه من الشر القليل شر في ذاته الشر قد يكون اصلح للانسان في بعض الاحوال من الخير. فان الانسان قد يطغيه ما هو فيه من الملذات كما قال الله تعالى كلا للانسان ليطغى وبالمقابل فان الابتلاء قد يحمل صاحبه على السعي للاصلاح مراجعة النفس من مقتضيات اسماء الله تعالى وصفاته وجود الخير والشر. فكون الله تعالى غفورا رحيما. يقتضي وجود المذنبين الذين يرتكبون الشرور ويطلبون مغفرة الله. وكونه سبحانه منتقما جبارا يقتضي وجود الظالمين الذين يستحقون انتقام الله منهم وهلم جرا ويلتحق بما سبق ان من كمال ربوبية الله سبحانه ان يكون خالقا لكل شيء. من خير او شر. ومن كمال قدرته ان يكون فسبحانه قادر على خلق الشيء وضده. فهو يخلق الخير ويصرفه كيف يشاء. ويخلق الشر ويصرفه ايضا كيف يشاء الشر يلطف بعضه بعضا. فيسلط الله بعض الظالمين على بعض. وينتقم من شر بشر اخر فتكون المحصلة النهائية خيرا لاهل الخير. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر رواه البخاري ومسلم ان لكل شر وجها من الخير يلازمه كما سبق بيان ذلك. فالمرض يخلف مناعة والالم ينمي التحمل. والزلازل تنفس عن اعطي الموجود داخل الكرة الارضية فتحميها من الانفجار واعظم الاختراعات النافعة خرجت من حاجات الجيوش خلال الحروب المدمرة وموت اسلافنا هو الذي بوأنا اماكنهم ومناصبهم. وهكذا دواليك. اراد الله لعباده حرية الارادة. وهي تقتضي الخطأ وكان في قدرة الله ان يجعلنا اخيارا. وذلك بان يقهرنا جميعا على الطاعة قهرا. وكان ذلك يقتضي ان يسلبنا حرية الاختيار وفي دستور الله وسنته ان الحرية مع الالم اكرم للانسان من العبودية مع السعادة. ولهذا تركنا نخطئ ونتعلم وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر الى غير ذلك من الحكم التي نص عليها جماعة من علماء الشريعة رسلا مبشرين ومنذرين وما قبلك الا رجالا اليهم تسألون اهلا الذكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد احب اليه العذر من الله ومن اجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين رواه البخاري ومسلم ويا من يداوي بالكلام قلبه الكليم لا تعدل عن المرهم الذي صنعه الحكيم لخليله ابراهيم وهو النظر في المعجزات المعلوم حدوثها وانه لابد لها من محدث مختار بالعلوم الضروريات عند النظر بالفطرة الاولى والاخبات والخلوص من شوائب العادات فان تعذر ذلك بهذه الطريقة وما قدمناه من النظر في كتاب الله وقرائن احوال انبياء الله فليس لليقين بعد ذلك الا اللجوء والتضرع الى الله ان يهبه من عنده ويشرح له صدر عبده ابن الوزير في العواصم والقواصم وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحي نوم وراء حجاب او يرسل رسولا ها قد وصلت معي ايها الحبيب الى محطة ثالثة في رحلتنا الرائقة المثيرة وقد كانت محطتنا الاولى في تثبيت الفطرة الانسانية التي تصرخ بوجود الله الخالق البارئ. وكانت محطتنا الثانية في في بيان ربوبية الخالق وحصر ما تقتضيه تلك الربوبية من عبادة يتوجه بها المخلوق الى خالقه وفي هذه المحطة ايضا التعرف الى هذا الخالق ببيان بعض صفاته واسمائه ومن صفات كماله عز وجل حكمته البالغة ورحمته الواسعة وكلتاهما تقتضي ارسال المرسلين الى عموم الناس. ليقوموا بواجب البلاغ ويطلعوا بامانة البيان والارشاد قال تعالى اي ما عظموا الله حق تعظيمه حين كذبوا رسله اليهم فتصديق الرسل نابع من تعظيم المرسل سبحانه وقال تعالى رحمة من ربك انه هو السميع العليم فارسال الرسل من رحمة الله بعباده وهو برهان عظمة الله وتمام حكمته ولمزيد تقرير هذا المعنى بالنظر العقلي. كلمات ارصفها الان بين يديك واول ما ابدأ به ان اقرر لك ان تكليف البشر واجب من حيث هو. اي بقطع النظر عن طريقه. سواء اكان بارسال الرسل ام بغير ذلك؟ وبيان هذا الوجوب اننا لو قلنا بان الخالق سبحانه لم يكلف احدا من الخلق اصلا للزمنا القول بان الله تعالى يبيح القبائح والمنكرات جميعها. وهذا محال. اذ يلزم منه ان الخالق يبيح ما ثبت قبحه في صريح العقل عند جميع طوائف البشر كالظلم والكذب ونحوهما. وهذا ينافي ما ثبت من كمال حكمة الخالق ورحمته عباده. وقد يسأل سائل هنا فيقول الا يمكن ان يكون تحريم هذه الامور مما يعرفه البشر دون حاجة الى تكليف من الله تعالى وذلك لان البشر قادرون على تمييز الخير من الشر. ويمكنهم ان يوجدوا منظومة قيم متكاملة غير مرتبطة بالدين كما يدعي ذلك جماعة من الملاحدة وجواب هذا السؤال من وجهين. اولهما ان العقل البشري لا يستطيع معرفة كل لا قبح وانما غايته تمييز بعض القبائح لكنه قاصر عن تصور المفاسد المركبة لاكثر القبائح الاخرى والجواب الثاني ان البحث هنا هو في سؤال هل الله تعالى يبيح هذه الامور او لا يبيحها؟ فاذا لم يكلف الله تشعر بترك القبيح فمعنى ذلك بعبارة اخرى انه يبيحه لهم. وهو امر ممتنع. ثم لو فرضنا عدم وجود التكليف فان مزية الايمان والطاعة والخير لا تظهر. وذلك انه لا معنى للذة الحاصلة بانواع الخير المختلفة دون احتمال وجود بانواع الشر المقابلة لها. فاي معنى للتقوى والورع والزهد؟ واي مزية للاتقياء والزهاد والعباد اذا لم يوجد التكليف وكان البشر جميعهم كحال الملائكة على مرتبة واحدة من عبادة الله تعالى. وما متعة العيش دون تمييز في العمل والجزاء بين اولياءه الله واعدائه وبين اهل الطاعة واهل المعصية. ولا ظهورا للاشياء الا باضطادها. وحياة البشر دون هذه قبلات مخالفة للحكمة من خلقهم واذا قررت لك ان الله سبحانه لا يترك الخلق هملا دون تكليف فان السؤال الذي لا بد منه فما الوسيلة التي بها يكون تكليفهم ليس هنا سوى صورتين الصورة الاولى ان يحادث الخالق كل انسان او يلهمه او يوحي اليه دون حاجة الى واسطة وحينئذ فان ابتلاء التكليف يرتفع ويستوي الناس في الايمان اذ لا يمكن لمن يسمع خطاب الله مباشرة ان يشك فيه او يتردد في قبوله والصورة الثانية ان يجعل لهم براهين وحجزا تعين على الايمان والحق ان هذه الحجج موجودة فعلا ولكنها قاصرة عن ادراك تفاصيل التكليف. لان العقل لا يمكنه ان يستقل بادراك ما فيه نفعه ولا بادراك حقيقة ما يرضي الله وانما غايته ان يعرف بعض القيم الاجمالية والصورة الثالثة وهي متوسطة بين الصورتين السابقتين ان يرسل اليهم رسلا منهم يكونون هم الواسطة بين الخالق والمخلوق وفي ارسال الرسل يجتمع امران لا يجتمعان في غيره اقامة الحجة مع بقاء فائدة التكليف وفي بعث الرسل تقوم على الناس الحجة البالغة التي لا يعذب الله احدا قبل اقامتها وفي هذه الحجة من الوضوح والبيان والتفصيل ورد الشبه ما يعين طالب الحق على معرفته وحسن الالتزام به. ولا يوجد مثل هذا مكتملا في شيء من الحجج الاخرى التي اقامها الله على عباده كالفطرة والميثاق والعقل وتدبر الايات الكونية ومع ما في الحجة الرسالية من الجلاء والظهور فانها لا تبلغ الغاية منها الا بقلب متلهف الى معرفة الحق بعيدا عن تأثير الهوى مستعد لطرح الوساوس والشبهات. ولما كان الناس بطبعهم متفاوتين في هذه الخصال فان الابتلاء جاء باتباع هذه الحجة قائم وتفاوت الناس في الالتزام بها يبقي فائدة التكليف التي قررت انفا. وقد يعرض وقد يعرض لبعض الناس هنا شبهة وهي ان يقول ان المخلوقين غير مستحقين لان يرسل اليهم الله الخالق سبحانه رسولا منهم كما ان عامة الناس في بلد ما ليسوا اهلا لان يرسل اليهم سلطان ذلك البلد رسولا. والجواب ان هذا غير صحيح في المقيس عليها فان الملوك والاكابر يمدحون بانهم يخاطبون رعيتهم بانفسهم. او يجعلون بينهم رسلا ينقلون خطاباتهم ويكون ذلك دليلا على شفقتهم ورحمتهم بالرعية ولا ينقص من سلطتهم وهيبتهم شيئا والله سبحانه وتعالى رحيم بعباده وقادر لا يعجزه شيء ومع كمال قدرته وكمال رحمته. ما الذي يمنع ان يرسل الى الناس رسلا للبيان والارشاد؟ وقد ذكر الله تعالى ان من رحمته كما في قوله عز وجل وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. وامتن الله على عباده بما في الرسالة من التزكية والتعليم والهداية الى ما فيه صلاحهم. فقال لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فمن ينكر بعث الله الرسل الى الناس اما ان يكون سبب انكاره زعمه ان الله لا يقدر على ذلك فهذا قدح في كمال قدرته سبحانه. واما ان يكون السبب انه ينكر احسانه تعالى بذلك. فهذا قدح في كمال ولا يناسب كمال قدرته وكمال رحمته عز وجل الا القول بارساله الرسل الى الخلق هداية وبيانا والحمد لله على نعمه. واذ قد وصلنا معا الى ان ارسال الرسل متفرع عن كمال الله تعالى. فان نصوص الكتاب والسنة وقد دلت على ان الرسل يتلقون الرسالة من ربهم عن طريق الوحي والوحي على صنفين اثنين الاول ما يكون دون واسطة. ويشمل الرؤيا الصالحة كرؤيا سيدنا ابراهيم عليه السلام. حين رأى في المنام انه يذبح ولده اسماعيل او كرؤيا سيدنا يوسف عليه السلام ام حين رأى في منامه احد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين التكليم من وراء حجاب بان يكلم الله سبحانه النبي مباشرة من وراء حجاب فيسمع النبي الكلام ويوقن ان الذي يكلمه هو الله سبحانه. كما وقع لسيدنا موسى عليه السلام وكلم الله موسى تكليما. او لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الاسراء والمعراج والثاني ما يكون بواسطة ويشمل اي ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع له صوتا مثل صلصلة كما ثبت في الصحيح احيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو اشده عليك. فيفصم عني وقد وعيت ما قال واحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني كيف اعي ما يقول ان يتمثل الوحي على صورة رجل فيكلم الرسول صلى الله عليه وسلم في حفظ ذلك الكلام ويعلمه لاصحابه كما في حديث عمر المشهور بين نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد السواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا احد. حتى جلس الى رسول صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه الى ركبتيه ووضعت كفيه على فخذيه ثم قال يا محمد اخبرني عن الاسلام وفي اخره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر اتدري من السائل قلت الله ورسوله اعلم. قال فانه جبريل اتاكم يعلمكم دينكم لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ولان الله رحيم بعباده فانه لم يرسل رسولا قط الا شفعه بما ييسر على المخاطبين الايمان برسالته. كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ما من الانبياء من نبي الا اعطي من الايات ما مثله امن عليه البشر رواه البخاري ومسلم فارسل الرسل بالايات البينات والمعجزات الواضحات ونصبها براهين جلية على صدق الرسل فيما اخبروا به. وكمال ما اتوا من الشرائع ولكن ايضا على وجود من ارسلهم وبعثهم بتلك الشرائع. وذلك ان براهين النبوة المأخوذة من طريق الحس لمن حضر ومن طريق استفاضة الخبر وتواتره لمن غاب موجهة في الاصل لاثبات صحة النبوة وصدق الانبياء. ولكن يمكن استعمالها في اثبات بوجود الله وكمال ربوبيته وما يقتضيه ذلك من اعتقادات وتصورات. وذلك من وجهين. الوجه الاول ان من اظهر دلائل النبوة المعجزات التي فيها خرق للعادة وخرق العادة لا يقدر عليه الا رب الكون وخالقه. والذي يدبره على وفق تلك العادة المضطردة التي وقع خرقها. فدل خرق العادة على وجود الرب الخالق المدبر الذي ارسل الرسول وصدقه بهذه الايات الخارقة والوجه الثاني ان دلائل النبوة عموما سواء اكانت من قبيل الخوارق للعادة ام لا. تدل على صدق الانبياء في جميع ما اخبروه به ولا شك ان اول ما يخبرون به هو وجود الله وربوبيته واسماؤه وصفاته واستحقاقه للعبادة بل ان بعض افاضل العلماء يقرر ان معجزة انقلاب العصا حية امر يدل على ثبوت صانع قدير عليم حكيم من دلالة ما اعتاده الناس من خلق الانسان من نطفة ومما يدل على صحة هذه الطريقة في الاستدلال بمعجزات الانبياء على وجود الخالق وربوبيته ان اكثر المؤمنين بوجود الله عبر التاريخ وصلوا لهذا الايمان من طريق الرسل فكان ثبوت صحة الرسالة عندهم سابقا على غيره. وكذا كثير من المستجيبين اليوم لداعي الايمان من الملاحدة والمتشككين يؤمنون بصحة الرسالة وصدق الرسل لما يرون من البراهين الدالة على ذلك. فيجبرهم هذا الايمان الى الايمان بوجود الله وبرغوبيته كما اخبر بها هؤلاء الرسل الكرام. وقد تكرر في القرآن الكريم وصف المعجزات التي اوتيها الانبياء وتسمية ايات بينات كما في قوله تعالى ولو قد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب. كما سمي في القرآن براهين كما قال عن ايتي العصا واليد اللتين ارسل بهما موسى عليه السلام فذلك برهانان من ربك الى فرعون وملأه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من الانبياء نبي الا اعطي ما مثله امن عليه البشر. وانما كان اجيد وحيا اوحاه الله الي فارجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم. فبين الحديث ان ايات التي يعطاها الانبياء من القوة بحيث تكون دافعا لحصول الايمان. وسميت المعجزات في القرآن الكريم ايضا بصائر كما قال تعالى اي حجج تبصروا الناظر فيها بصدق ما ارسل به موسى عليه السلام وقد احتج موسى عليه السلام بهذه الايات على من انكر وجود الله تعالى وادعى الربوبية بقوله انا ربكم الاعلى. ولا يضر ما نعلمه من اقرار فرعون بالربوبية في الباطن مع جحوده في الظاهر. كما قال تعالى عن فرعون ومن معه وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا وذلك لان المحاجة معه انما كانت بحسب ظاهره بقطع النظر عما في قلبه. فدلت هذه الادلة النقلية على انهم من الممكن اقناع من فسدت فطرته بربوبية الله تعالى عن طريق دلالة الايات والمعجزات اما من كان مقرا بالربوبية بمقتضى فطرته السليمة فان هذه الايات تنفعه في اثبات الالوهية وتفصيلات الاسماء صفاتي التي لا سبيل الى معرفتها الا من طريق الرسل ويدخل في هذه الايات معجزة القرآن كما ورد في الحديث السابق فان في اعجاز القرآن اللغوي والبلاغي والتشريعي ما يدل على انه ليس من كلام البشر. فما بقي الا انه من كلام الرب سبحانه. ومما يدخل في المعجزات ايضا ما يقع ولاتباع الرسل من اولياء الله الصالحين من الكرامات. وما يقع للمؤمنين من اجابة الدعوات وكشف الكربات ونحو ذلك مما هو لدلائل النبوة. كما قال تعالى اكشفوا السوء ويجعلكم خلفاء لهم اين هم مع الله قليلا ما تذكرون. فاجابة المضطر المستغيث ورفع كربته من اعظم الادلة على وجود رب سميع بصير قادر رحيم بعباده. وهذا مما يعلمه المؤمنون ويتيقنونه بدلالة الحس والتجربة المطردة ولا تتأخر اجابة دعاء الا لحكمة تقتضي ذلك ويدخل في هذا الباب ايضا استمرار نصر الانبياء وهلاك اعدائهم وانتشار دعوتهم في الافاق. مع سلامة اتباعهم من وقوع العذاب عليهم كما قال تعالى كانوا اشد منهم قوة واثاروا الارض وعمروها اكثر مما عمروها. وجاءتهم رسلهم بالبيت فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم وهم يظلمون. ثم كان عاقبة الذين اساء السوء كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون ويضاف الى ما سبق اخبار الانبياء بالمغيبات المستقبلة. ووقوعها على وفق ما اخبروا به. تتبعه المعتنون بجمع دلائل ان النبوة ومن اعظم الايات البينات التي جاء بها الرسل هذه الشرائع الربانية المتضمنة لكمال المصالح للافراد والمجتمعات والمقارنة بين هذه الشرائع خاصة الشريعة الخاتمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وبينما يتواضع عليه من القوانين بعيدا عن اضاءة الوحي في القديم والحديث يظهر ان ما بعث به الرسل لا يمكن ان يكون من وضع البشر. بل هو من لدن حكيم خبير هو خالق هذا الكون ومدبره بما يصلحه وقد ذكرنا من قبل بعض خصوصيات التشريع الرباني التي تميزه عن الشرائع الوضعية كالاستيعاب والشمول والمرونة في التعامل مع الوقائع المتجددة والتوازن بانواعه والدقة في تشييد منظومة الاحكام الشرعية وتجاوز الاطار الزمني والمكاني ليكون التشريع الرباني صالحا في كل مكان وزمان ولقد بعثنا في كل امة رسولا نعبد الله واجتنبوا الطاغوت لم يأت الرسل بشيء من عندهم وانما ادوا الامانة التي كلفهم الله بها دون نقص ولا زيادة فهل على الرسل الا البلاغ المبين. واذا كان المرسل واحدا فيستحيل ان يكون لب الرسالة مختلفا متناقضا ولذلك فان الرسل اجمعين مسلمون موحدون يدعون الى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه وقد اتفقت دعوتهم على اصل العبادة واساسها وهو افراد الله تعالى بجميع انواع العبادة اعتقادا وقولا وعملا قال تعالى وحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى لقيم الدين ولا تتفرقوا فيه وقال تعالى دون الرحمن الهتين يعبدون فقال سبحانه وما ارسلنا من قبلك من رسول الله اليه انه لا اله الا انا فاعبدون وقال عز وجل الطاغوت وقص الله سبحانه قصص الرسل على جهة التفصيل وذكر اتفاقهم على الدعوة الى التوحيد فقال عن نوح واذا قد اغسلنا نوحا الى قومه فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره وقال عن هود والى عاد نخاهم هدى قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. افلا تتقون. وقال قال عن صالح والى ثمود اخاهم صالحا. قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غير طيره وقال عن شعيب والى ما دين اخاهم شعيبا قال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من اله غيره وقال عن ابراهيم واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصنامنا الهة قال يا قومي اني بريء. مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما واذ قال ابراهيم لابيه وقومه انني براء مما لا تعبدون. الا الذي فطرني فانه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون وقال عن يوسف اني تركتم ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون واتبعت ملة يا ابراهيم واسحاق ويعقوب كوم ما كان لنا ان نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون. يا صاحبي باب متسرقون خير نم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها اباءكم ما انزل الله بها من سلطان. ان الحكم الا اما رأى الا تعبدون الا اياه ذلك الدين وقال عن عيسى وقال المسيح يا بني وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وماواه النار ومع الاتفاق بين الرسل في اصل التوحيد. فانهم يختلفون في فروع الشرائع. فيفرض الله على بعضهم ما لا يفرض على اخرين ويبيح لبعضهم ما لا يبيحه لغيرهم. قال تعالى شرعة ومنهاجا وقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء اخوة لعلات. ديننا واحد. رواه البخاري والمرجع في معرفة اسماء الرسل وسيرهم في اقوامهم وتفاصيل دعواتهم الى الدليل النقلي من الكتاب والسنة. فليس للعقل مجال في معرفة شيء من ذلك وقد قص القرآن علينا من انباء الرسل جملة صالحة فيها موعظة وعبرة ولم يقص جميع اخبارهم كما قال تعالى ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك. اذ المقصود هو الاعتبار والاتعاظ. لا مجرد سرد القصص. والمذكور من الرسل في القرآن هم اية قدمه نوح وادريس وهود وصالح وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وشعيب ويونس وموسى وهارون. والياس وزكريا ويحيى واليسع وذو الكفل وداوود وسليمان وايوب وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم اجمعين. وذكر الله تعالى لكل واحد منهم فضائل ومناقب فذكر انه اتخذ ابراهيم خليلا وكلم موسى تكليما ورفع ادريس مكانا عليا وان عيسى الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه. وخص خمسة منهم بمزيد تفضيل وهم اولو العزم من الرسل المذكورون في قوله سبحانه واذا اخذنا من النبي وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وفي قوله شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذين اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى آآ ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه