لقد جاءكم رسول من انفسكم. واحسن منك لم ترى قط عيني واجمل منك لم تلد النساء. خلقت مضرا من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء حسان بن ثابت رضي الله عنه وكم صدوا عن سبيله صدا؟ ومن ذا يدافع السيل اذا هدر؟ واعترضوه بالالسنة ردا ولعمري من يرد على الله القدر قطروا له بسفهائهم كما تخاطرت الفحول باذناب وفتحوا عليه من الحوادث كل شرك فيه من كل داهية ناب فما كان الا نور الشمس لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لا يضع منه قطرة في سقائه. ويلقي الصبي غطاءه ليخفيه بحجابه ثم فلا يزال النور يتبسط على غطائه. الرافعي عن معجزة القرآن في اعجاز القرآن والبلاغة النبوية وقد جاء القرآن وصح الاجماع بان دين الاسلام نسخ كل دين كان قبله. وان من التزم ما جاءت به التوراة والانجيل ولم يتبع القرآن فانه كافر وقد ابطل الله كل شريعة كانت في التوراة والانجيل وسائر الملل. وافترض على الجن والانس شرائع الاسلام فلا ارام الا ما حرمه الاسلام ولا فرض الا ما اوجبه الاسلام ابن القيم في احكام اهل الذمة فان لم تكن للانسان حياة اخرى فقد يتعذر الايمان باله يعنى بسعادة خلائقه نقلا عن قائد المفكرين في القرن العشرين عباس محمود العقاد لا يأتون بمثله وانت ايها الحبيب بعد ان وصلت معي في هذه الرحلة الربانية الى ذكر الانبياء والرسل لابد ستتأمل تاريخهم واسماءهم اسيارهم العطرة ثم انك لابد سترى انهم ختموا منذ قرون عديدة. ولابد انك سائل عن هذا الذي ختم به انبياء الله الله ورسله تلتقف معي لحظات يسيرة في هذه المحطة الفيحاء والحديقة الغناء في افياء الحديث عن سيد البشر واكملهم وافضلهم من بعثه الله هدى ورحمة للناس صلى الله عليه وسلم واجمل به حديثا لقد بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالايات البينات التي تقوم بها الحجة على الناس. وكان اعظمها تروا واجلها قدرا. معجزة القرآن. لقد نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين قوم له القدم الراسخة في البيان والبلاغة والقدرة الهائلة على تذوق الكلام ووزنه بميزان الفصاحة. والتمييز بين جيده ورديئه. حتى قاموا الاسواق الادبية التي يعرض فيها البلغاء بضاعتهم من الشعر والخطابة والحكمة. فيتنافسون في تجويد العبارة ويحتكمون الى النقاد جهابذة الذين لهم معرفة بالنقد وتمييز حر الكلام. وكان هؤلاء القوم يعتزون بالبيان ويتناقلون شوارده. وتفرح القبيلة منهم ان نبغ منها شاعر يذكر مفاخرها ويرد عنها غائلة المعتدين وفي هؤلاء القوم اذا نزل القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم. فادركوا حين تلاه عليهم انه كلام لا عهد لهم به وانه كلام معجز لا يقدر على مثله البشر. ولخص ذلك الوليد بن المغيرة حين قال عن القرآن والله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اسفله لمغدق وان اعلاه لمثمر. وما هو بقول بشر ولخصته ايضا احوال الذين اسلموا عند سماعهم القرآن كما حدث لعمر بن الخطاب حين سمع طرفا من سورة طه ولجبير ابن اطعمي مع بعض الايات من سورة الطور وفي ذلك قصص اخرى. وبلغ من درجة تأثير القرآن في الناس ان المشركين تواصوا بعدم سماعه وكانوا يلاقون القبائل الواردة الى مكة في المواسم فيحذرونهم من الاستماع للقرآن لا تسمعوني هذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون. ولخصه ايضا ان القرآن هؤلاء العرب الفصحاء فلم يفلحوا في هذا التحدي. تحداهم اولا بان يأتوا بمثل هذا القرآن بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ثم تحداهم بان ياتوا بعشر سور ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون ثم تحداهم بسورة واحدة قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله انتم صادقين ولم يرفع ارباب الفصاحة التحدي ولو في اصغر صوره وهكذا استقر معنى الاعجاز القرآني. واجمعت عليه الامة في قرونها الزاهرة. وحين دخلت الى الامة بعد ذلك افكار اعجمية تشكك في هذا المعنى تصدى لها علماء اللغة والتفسير. وبينوا ما فيها من الخلل الفظيع. كما فعل الباقي اللاني هو الجرجاني والخطابي وغيرهم وقد ذكر العلماء ان الاعجاز القرآني على وجهين اثنين. الوجه الاول هو الذي وقع به التحدي وهو الاعجاز البلاغي الذي يضطرد في كل سورة من سور القرآن الكريم. والوجه الثاني لم يقع به التحدي كالاخبار بالغيب. وما تضمنه القرآن من معارف لا يتهيأ للبشر الاحاطة بها. فمن كان من الناس من اهل المعرفة العالية بلسان العرب والوقوف على طريق العرب ومذاهبهم في كلام يمكنه ان يدرك الاعجاز القرآني دون كبير بحث وتدقيق. وهذا كحال العرب في زمن النبوة. ومن كان من اهل معرفة باللسان العربي دون ان يصل من ذلك الى المرتبة العالية فانه يحتاج الى ان يأخذ نفسه بدراسة اساليب الفصاحة وقواعد البلاء حتى يتأهل لادراك ما في القرآن الكريم من البلاغة المعجزة. ومن لم يكن من اصحاب اللسان العربي فيمكنه ادراك القرآني عن طريق الاستدلال العقلي بان يتأمل عجز العرب عن مجاراة القرآن والنسج على منواله. مع قوة ملكاتهم اللغوية وشدة حرصهم على معارضة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. كما يمكنه ادراك الاعجاز القرآني من خلال الوجه الثاني المتضمن للاخبار عن الغيبيات والمعارف الكونية الهائلة. والاعجاز البلاغي للقرآن اكبر من ان يحاط به في بضعة اسطر فانه الاساس الذي بني عليه علم متكامل هو علم البلاغة. ويمكن تلخيص ذلك في امور اولها مغايرة الاسلوب القرآني لجميع انماط التعبير المعروفة عند العرب. والثاني عدم التفاوت الفني في الاسلوب قرآني والثالث تميز الكلمة من القرآن عن غيرها من سائر الكلام بما فيها من الرونق والفصاحة والرابع سلامة النظم القرآني من الوحشي المستكره والغريب المستنكر والصنعة اللفظية المتكلفة مما جعله قريبا من من الافهام ومستساغ في الاسماع لكن يا صديقي العزيز هل القرآن الكريم هو المعجزة الوحيدة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقد اشتهر ذلك عند كثير من الناس فغفلوا عن المعجزات الحسية الكثيرة التي تداولها علماء المسلمين في كتبهم مع انها لا تقل عن المعجزات التي اتى بها الانبياء السابقون فمن المعجزات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسراء والمعراج وتكثير الطعام ونبع الماء بين اصابعه الشريفة حنين الجذع وانشقاق القمر وتسليم الحجر وشفاء بعض اصحابه وغير ذلك. بل ان معجزات محمد صلى الله عليه وسلم تفوت في التفصيل معجزات الانبياء السابقين. كما قال الامام الشافعي ما اعطى الله نبيا ما اعطى محمدا. فقال تلميذه الربيع اعطى عيسى احياء الموتى فقال الشافعي اعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته فهذا اكبر من ذلك وهذه المعجزات الحسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة عنه بطريق الاستفاضة والتواتر وقد رواها جمع من الصحابة الذين شهدوها وعنهم جمع من التابعين وعن هؤلاء جمع من تلامذتهم الى ان يصل الامر الى المصنفات الحديثية المتداولة. والمقصود هنا اصل حصول المعجزات المادية لا افرادها. وبعبارة اخرى فقد ينازع بعض الناس في تواتر معجزة معينة ولكن اذا جمعت الروايات المختلفة في هذا الباب فانها تدل دون شك على وقوع المعجزات اجمالا قال القاضي عياض قال بعض ائمتنا ويجرى هذا المجرى على الجملة انه قد جرى على يديه صلى الله عليه وسلم ايات وخوارق عادات ان لم يبلغ واحد منها معينا القطع فيبلغها جميعها قال السعد التفتى زاني نقل عنه من الامور الخارقة للعادة ما بلغ القدر المشترك منه اعني ظهور المعجزة حد التواتر وان كانت تفاصيل احادا كشجاعة علي وجود حاتم فان كلا منهما ثبت بالتواتر وان كان تفاصيلها احادا وهي مذكورة في كتب السير وهذا التواتر يفيد العلم اليقيني الذي لا يدخله شك ولا ارتياب. وقد زعم بعضهم ان للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة وحيدة هي قرآن كريم وقد يستدلون بقوله تعالى اتينا ثمودا الناقة مبصرة فظلموا بها. وما نرسل تخويفا والحق ان الاية الكريمة خاصة بايات الاقتراح اي بالمعجزات التي يطلب المشركون حدوثها فبين الله سبحانه ان هذه المعجزات ان وقعت ولم يؤمنوا بها كانوا مستحقين للهلاك العاجل في الدنيا والله تعالى شاء ان تكون هذه الامة مخالفة لمسالك الامم السابقة فلا يلحقهم هلاك دنيوي يستأصلهم فليس في الاية عدم ارسال الايات مطلقا. وانما هي خاصة بنوع مخصوص منها. ويستدلون ايضا بالحديث الصحيح ما من الانبياء نبي الا اعطي ما مثله امن عليه البشر. وانما كان الذي اوتيت وحيا اوحاه الله الي. فارجو ان اكون اكثرهم متابعي يوم القيامة رواه البخاري ومسلم. والحديث لا يدل على نفي المعجزات الحسية. ولكن يدل على المنزلة العظيمة لمعجزة القرآن الكريم انها معجزة خالدة على مر الدهور. يستمر انتفاع الناس بها الى قيام الساعة. خلافا للمعجزات المادية التي اوتيها الانبياء السابقون وانقطع النفع بها بعد موتهم. فحصر المعجزات في القرآن كما دل عليه لفظ انما ليس على ظاهره. بل هو ببيان تميزه عن سائرها ومما يشبه هذا التعبير قوله تعالى ذكر الله وجلت قلوبهم. واذا ثبتت هذه المعجزات الحسية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثابتة كما سبق بيانه فانها تستلزم صدق من جاء بها وتدل بوضوح على نبوة الحبيب صلى الله عليه وسلم وذلك من اوجه اولها ان اخص خصائص المعجزات امتناع معارضتها من افراد النوع البشري. فان هذا مقتضى الاعجاز بها. اي ان ان الناس يعجزون عن الاتيان بها اي ان الناس يعجزون عن الاتيان بمثلها فتكون حينئذ خاصة بالانبياء لا تتعداهم الى غيرهم. والمتأمل في معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء منها القرآن الكريم او المعجزات الحسية يجزم بانها سالمة من المعارضة فانه لم يستطع احد قط ان يأتي بمثلها والثاني ان اجتماع المعارضين على تكذيب النبي وحرصهم على ابطال دعواه ثم عجزهم عن الاتيان بمثل ما اتى به. دليل على انه لم يأتي بهذا من عند نفسه بل هو مؤيد من الله سبحانه. وذلك ان الذي يستطيع تعطيل قوانين الطبيعة انما هو خالق الكون وواضع قوانينه. فيكون ظهور المعجزة على يد النبي بمثابة التصديق من الله تعالى له في رواه انه مرسل من عند الله والثالث ان هذه المعجزات مقترنة بدعوى النبوة فلا يخلو صاحبها من حالين اما ان يكون كاذبا في دعواه دجالا الا يتورعوا عن الكذب على الله سبحانه. واما ان يكون نبيا كريما ورسولا صادقا في دعواه. وبين مفهومي النبي دجالك الذي بين السماء والارض فلا يلتبس هذا بذاك الا على جاهل مغرق في الجهل. لا يستطيع التمييز بين صلاح النبي واحواله السنية وخصاله الحميدة وبين فساد الدجال واحواله القبيحة وصفاته الذميمة الرابع ان المعجزات النبوية لا يمكن ان تختلط بسحر السحرة وتدجيلهم. واذا لم تكن سحرا فلا يبقى الا انها ايات يؤيد الله بها نبيه؟ فتكون دليلا على صدق صاحبها واما عدم التباس المعجزات بالسحر فلاسباب كثيرة منها ان السحر يمكن تعلمه والاتيان بمثله بخلاف المعجزة انها ناتجة عن محض اصطفاء من الله تعالى لا يد للمخلوق في اكتسابها. ومنها ان معارضة السحر بمثله ممكن وارد. اما المعجزة فسبق انها تمتنع معارضتها ومنها ان السحر اغلبه تخييل وخداع. واما المعجزة فهي تغيير للحقائق والماهيات ومنها ان غاية الساحر في الغالب تحصيل الدنيا وغاية النبي هداية الناس. ومنها ان للنبي حالا عظيما من العبادة والتقوى والصدق والعدل وغير ذلك من المكارم والصفات الحسنة. واما الساحر فهو بمعزل عن ذلك كله فالغالب عليه اقتراف المنكرات والوقوع في الشركيات والاستهانة بالمحرمات ومنها ان النبي يأمر الناس بما فيه صلاحهم في دنياهم واخرتهم وينهاهم عما فيه فساد اديانهم ومعايشهم. ولا يأتي الا بما يوافق الفطرة البشرية السوية والساحر عمله في اذاية الناس وتزيين الشرك والكذب والظلم في عيونهم. الى غير ذلك من وجوه التمييز بين الامرين محمد رسول الله هذا النبي الكريم الذي ايده الله بهذه الايات الباهرات هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم من قبيلة قريش التي كانت تستوطن مكة المكرمة بالحجاز من جزيرة العرب وهو من ذرية نبي الله اسماعيل ابن ابراهيم عليهما الصلاة والسلام ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفيل. ومات ابوه عبدالله قبل ان يولد. ثم ماتت امه وهو طفل صغير فكفله جده عبدالمطلب ثم مات جده فكفله عمه ابو طالب وعاش محمد صلى الله عليه وسلم حياة اليتم في مكة يحوطه رب العزة جل جلاله بعنايته ويكلؤه بحفظه ورعايته فلاجل ذلك عاش قبل بعثته عيشة الصلاح محسنا الى الناس بعيدا عن مواطن الفساد والفجور التي كان شباب الجاهلية يقبلون عليها غير هيبين ثم شرع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يخرج الى جبل قريب من مكة فيقيم في غار فيه هو غار حر قراءة يتعبد الله تعالى مدة من الزمن حتى نزل عليه الوحي وهو في هذا الغار. فجاءه الملك من عند الله عز وجل وفجأه بنزول الوحي وكان اول ما نزل من القرآن قوله تعالى خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم انسان ما لم يعلم ثم تتابع نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا بحسب الاحوال والوقائع يثبت الله بنزوله قلب نبيه الكريم ويرشد المسلمين الاوائل الى سبيل الحق وطرق وضع دعائم الامة الاسلامية الوليدة وما فتئ رسول الله يدعو قومه فيلقى من رؤوسهم الاذى والصد والعناد والسخرية والتكذيب. حتى ان منهم من اليه وهو ساجد فيضع القذر على ظهره. ومنهم من يبصق في وجهه ومنهم من يضع التراب على رأسه وهو بابي هو وامي صلى الله عليه وسلم لا يقابل ذلك كله الا بالصبر. ثابتا في درب دعوتي الى الحق متيقنا من موعود ربه عز وجل ولقي اصحابه من الاذى الشيء الكثير فمنهم من قتل ومنهم من ضرب ومنهم من عذب بالوان العذاب. فصبروا على الاذى صبر من خالط والايمان الصحيح شغاف قلبه ورأى انه يحمل على كتفيه امانة ثقيلة يجب عليه ان يوصلها الى من بعده. فيقبح به ان يلين انه يضعف عن حملها وحين اشتد الاذى على المسلمين اذن الله تعالى في هجرة اولى فثانية الى الحبشة. حيث النجاشي ملك نصراني عادل فكانت الهجرتان تخفيفا عن المسلمين الى حين. ثم اذن الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة عشر عام من قضاها في الدعوة بمكة في الهجرة العظمى الى مدينة يثرب. حيث الاوس والخزرج الذين لاقى اغلبهم الدعوة الاسلامية الترحيب والقبول فصارت يثرب منذ ذلك الحين المدينة النبوية التي انار جنباتها ضوء الايمان ثم انطلق يشع على الكون كله ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يدعو الى الله عز وجل ويلقى اذى المنافقين في داخل المدينة وتآمر اليهود في اطرافها وتهديد المشركين من خارجها. حتى اذن الله له في الجهاد في سبيله. فقام مع اصحابه المكرمين عن الحق وينشر دعوة الاسلام في ربوع الجزيرة العربية حتى يتبين الحق من الباطل وتمتاز سبيل الهدى عن سبل الضلال فكانت معركة بدر الكبرى التي فرق الله بها بين الحق والباطل. وكانت معركة احد التي نحص الله فيها المؤمنين وكانت معركة الخندق التي رد الله فيها الاحزاب بكيدهم. وكان فتح مكة الذي فتح الله به قلوب العرب قاطبة للاسلام فدخلوا في دين الله افواجا. وبعد عشر سنوات من الدعوة والجهاد والتربية والتعليم في المدينة. انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الاعلى بعد ان دانت الجزيرة العربية كلها للاسلام وبدأت تظهر ارهاصات انتشاره خارجها فاكمل الصحابة العمل الدعوي ونشروا الاسلام في كل مكان. والحمد لله رب العالمين وكان هذا الحبيب الكريم صلى الله عليه وسلم على اكمل الصفات البشرية وارقاها واعظمها. كان شديد التواضع مع انه سيد البشر اجمعين يكره ان يقوم اصحابه له ويزورهم ويمازحهم ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم. ويأتي ضعفاء ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ويأكل على الارض ويجلس على الارض ويدعى الى خبز الشعير فيجيب وكان شديد الرفق يرفق بالاصحاب المتعلمين وبالاعراب الجاهلين وباليهود المناكفين وما ضرب قط امرأة ولا خادما ولا ضرب شيئا قط الا ان يكون جهادا في سبيل الله وقد خدمه انس بن مالك تسع سنين فما قال لشيء صنعه لما فعلت كذا ولا عاب عليه شيئا قط ولا قال له اف نقط وكان رؤوفا شفيقا رحيما يرحم الصغير والضعيف ويأمر بالرحمة ويعلمها لاصحابه ويشفق على امته في نادي ربه في اوقات الهول والشدة امتي امتي ويحزن حين يتنكب بعض الناس طريق الهداية ويسلكون سبل الضلالة وكان كريما جوادا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة ولا يخشى الفقر. منشرح الصدر بالعطاء. سمح النفس بالانفاق. لا يتكلف في في ذلك ولا يتصنع. وكان حريصا على الاخرة متجافيا عن الدنيا دخل عليه عبدالله بن مسعود وهو نائم على حصين قد اثر بجنبه فبكى. فقال ما يبكيك يا عبد الله قال يا رسول الله كسرى وقيصر قد يطأون على الخز والديباج والحرير وانت نائم على هذا الحصين قد اثر في جنبك فقال لا تبكي يا عبد الله فان لهم الدنيا ولنا الاخرة وكان يكره الكلام القبيح ويعرض عنه ويكني عن الامور المستقبحة في العرف اذا اضطره الكلام الى ذكرها وكان يكثر من الدعاء ويحب جوامعه ويكثر من نوافل الصلاة والصيام ويكثر من ذكر الله وتسبيحه وتعظيمه واختص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن سائر النبيين بمجموعة من الخصائص منها انه خاتم النبيين. ما كان محمد نبى احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتمة الذي وانه مبعوث الى الناس كافة قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا اه وانه سيد الاولين والاخرين كما قال صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد ادم ولا فخر وانه نصر بالرعب مسيرة شهر وجعلت له الارض مسجدا وطهورا واحلت له الغنائم واعطي الشفاعة العظمى وكل ذلك في الحديث الصحيح اعطيت خمسا لم يعطهن احد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا فايما رجل من امتي ادركته الصلاة فليصلي. واحلت ولم تحل لاحد قبلي واعطيت الشفاعة وخصائصه كثيرة جدا تتبعها العلماء وصنفوا فيها المصنفات وانني يا صديقي لاكتب هذه الكلمات والحياء يغالبني اذ كيف لي ان احيط في هذه الكلمات المختصرة بالشمائل النبوية السامية التي اعيت الحفاظ ان يحفظوها والعلماء ان يشرحوها والمسلمين ان يتمثلوها والاعداء ان ينكروها. ولكن انما استثير بهذه الكلمات همتك لتخوض هذا البحر الخضم. تعلما واقتداء فان شمائل الحبيب صلى الله عليه وسلم بحر من العلم زاخر. وقبل ذلك وبعده هي منهج حياة وسبيل نجاة فاين المشمرون للعمل؟ وان هذه الشمائل تنمي في قلبك المحبة. بل تغرس فيه جذور الايمان الراسخة التي ما تلبث انت تكون دوحة وارفة الظلال تثمر وتزهر كل حين باذن ربها عملا صالحا. لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من نفسه وماله وولده ووالده والناس اجمعين. رواه البخاري ومسلم. وفوق ذلك هو ايمان له حلاوة يعرف طعمه من ذاق ويحرمها من ادمن الجحود والشقاق ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار. رواه مسلم اللهم جنبنا النار بمنك وفضلك ان الدين عند الله نسلان قد علمت ايها الحبيب ان من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اختص بها عن الانبياء جميعهم انه خاتم النبيين فلا نبي بعده قال الله تعالى رسول الله وخاتم النبي وفي الحديث انه سيكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعم انه نبي وانا خاتم النبيين ولا نبي بعدي. رواه الترمذي وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي به صلى الله عليه وسلم ختم الانبياء. وبرسالته ختمت الرسالات. وبموته انقطع خبر السماء فما عاد البشر ينتظرون نبيا يأتيه الوحي من الله بل ما بقي الا الالتزام بما في هذا النبأ العظيم الذي انزل على سيد الخلق ولان هذه الرسالة هي الخاتمة فقد تجمع فيها ما تفرق في غيرها من الخير. فكانت الامة الملتزمة بتعاليمها وسطا بين الامم تعتدل حين تتطرف الامم الاخرى وتوازن حين تطفف الامم الاخرى. وسط بين رهبانية مبتدعة تلغي مطالب الجسد وانحطاط بهيمي في درك تلبية الغرائز. وسط بين سمو النفس في مراقي العبادة. وانضباط العقل بمعايير العلم. وسط بين الانكباب على العمل الاخروي واخذ النصيب من العمل الدنيوي وقد جاءت هذه الرسالة الخاتمة ناسخة لجميع ما سبقها من الاديان. فلا يقبل الله من يهودي ولا نصراني بعد بعثة محمد ان صلى الله عليه وسلم ان يتدين بدين اخر غير الاسلام قال تعالى وقال ايضا ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه. وهو في الاخرة من الخاسرين واليهود والنصارى مدعوون بنص الكتاب والسنة الى الايمان بهذا القرآن. قال تعالى يا ايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل ان نطمس وجوه سنردها على ادبارها او نلعنهم كما لعنا وفي الحديث الصحيح والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي احد من هذه الامة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم من بالذي ارسلت به الا كان من اصحاب النار رواه مسلم وهذا الكتاب الذي انزل على محمد صلى الله عليه وسلم مهيمن على الكتب السابقة قال تعالى وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه وبيان كون القرآن الكريم مهيمنا على الكتب السابقة انه قرر ما فيها من الخير عن الله واليوم الاخر وزاد ذلك بيانا وفصل البراهين عليه كما قرر نبوة الانبياء كلهم وقرر الشرائع الكلية التي بعثوا بها. وبين ما حرف منها او بدل او كتم ولان الرسالة المحمدية هي خاتمة الرسالات والناسخة لما قبلها فان من كفر بها استحق الخلود في النار ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البريئة ومن امن بها عصم ما له ودمه في الدنيا ونجا في الاخرة من الخلود في النار وكان مآله الخلود في الجنة ان الذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك هم وعدني تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ومن بركة التوحيد وعظيم فضله ان من كان موحدا واذنب بما دون الشرك فانه لا يخلد في النار. بل قد يعفو الله عنه فيدخل الجنة دون عذاب. وقد يدخل النار ليطهر فيها من ذنوبه. ثم يخرج منها ليكون مآله الى الجنة يكون ذلك بشفاعة الشافعين او بمحض فضل الله تعالى. فالاسلام اذا هو الحق الخالص وليس لاحد من الناس ممدوحة في التدين بغيره من الاديان. واما قوله تعالى لا اكراه في الدين. فيحتمل اولها انها اية منسوخة والناسخ لها قوله تعالى نبي اجاهد الكفار والمنافقين. وقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين. وهذا مذهب جماعة من مفسرين والثاني انها ليست منسوخة ولكن نزلت في اهل الكتاب خاصة وانهم لا يكرهون على الاسلام اذا ذوو الجزية بل الذين يكرهونهم اهل الاوثان. والثالث ان هذه الاية في الانصار خاصة كما دل على ذلك كما جاء في اسباب النزول ان المرأة من الانصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد. فتجعل على نفسها ان عاش لها ولد ان وده فلما اجليت يهود بني نظير كان فيهم من ابناء الانصار فقالوا لا ندع ابناءنا فنزلت الاية وهناك احتمالات اخرى تمنع وقوع التعارض بين هذه الاية والايات الاخرى الكثيرة الدالة على ان الاسلام هو الحق الذي لا يقبل الله من الناس سواه الذين يؤمنون بالغيب عجبت للملحد كيف يطيق ذكر الموت وهو لا يعتقد فيه الا انه اندثار لهذه الكتلة الكيميائية التي تسمى انسان به تنفك الى عناصرها الكيميائية وتتحول الى مادة اخرى كما تتحول المادة كلها. عجبت للملحد كيف يطيق فراق الاحبة عند الموت وليس عنده ادنى امل في اللقاء بهم في حياة هي افضل واكرم من هذه الحياة الدنيا وعجبت للملحد كيف يطيب عيشه ولا يتفطر قلبه وهو يرى كثيرا من الظلمة والفجرة يمكن لهم في الارض فيعيثون فيها فسادا كثيرا من الصالحين يعذبون ويشردون ولا يرون في هذه الحياة الدنيا نصرا ولا تمكينا ثم لا توجد دار اخرى تقام فيها موازين القسط. فيقتص للمظلوم من الظالم وللمستضعف من الجبار العنيد. اما انا وانت انت يا صديقي فقد سلمنا الله سبحانه من هذا العبث والضياع. وقادنا الى مرابع الطمأنينة وسكينة النفس واساس ذلك اننا لا نأخذ هذه الحياة الدنيا مجردة عن قرينتها الحياة بالاخرة ولسنا نعد الموت نهاية وعدما. بل انتقالا من دار الى دار ومن حياة فناء الى حياة خلود ومن الكدر والابتلاء الى الحساب والجزاء وفق العدل الرباني الذي لا اختلال فيه ولذلك فالايمان باليوم الاخر موضوع محوري في عقيدة المسلم لا يصح ايمانه الا به ولذلك ايضا فان في القرآن والسنة من تفاصيل اليوم الاخر ما يكفي المؤمن ويعصمه من الحيرة والامور الغيبية وعلى رأسها تفاصيل اليوم الاخر لا مدخل فيها للعقل. وانما نرجعها الى النقل المحض عن الرسل الذي اوكل الله له ثم همة الاخبار بها فغاية العقل يا صديقي ان يوصلك الى الرسول ثم ما عليه بعد ذلك الا ان يسلم قياده للوحي فيتلقى منه ما يحار العقل فيه ويعجز عن ادراك كونه والرسل لم يأتوا باثبات الموت فذلك امر مفروغ منه لا يجادل فيه انسان مؤمنا كان او كافرا. وانما اتوا باثبات ما بعد الموت من الامور الغيبية التي لا يمكن للعقل الانساني القاصر ان يدرك منها الا ما يتلقاه من الوحي ولذلك فان من الخلل الذي قد يقع فيه بعض الوعاظ اكثارهم من ذكر الموت مجردا عن البشارة بما بعده لمن امن وعمل الصالحات والنذارة بما بعده لمن كفر واقترف الموبقات. وليست هذه طريقة القرآن بل المطلوب في الشريعة المطهرة الايمان بالحياة الاخرى لغرض اصلاح النفس والقلب والعمل في الحياة الدنيا والمقصود من الايمان باليوم الاخر التصديق الجازم بانه ات دون شك. وليس هذا تصديقا مجردا بل هو تصديق يقتضي العمل فليس عمل المسلم الذي يعتقد بان اليوم الاخر ات لا محالة وانه يوم حساب وجزاء. مثل عمل الملحد الذي لا يرى الحياة امتدادا بعد الموت ويدخل في الايمان باليوم الاخر ايضا الايمان بقيام الساعة. وهو حدث عظيم لا يعلم موعده الا الله ولا يعلمه احد من الناس حتى اقرب الخلق الى الله يسألونك عن الساعة ايام مرساها. قل انما علمها عند رب بي لا يجليها لوقتها الا هو. ثقلت في السماوات والارض اتيكموه الا بغتة. وقد جعل الله تعالى للساعة اشراطا وعلامات. كالدخان والدابة ونزول عيسى عليه السلام والدجال والملاحم وغير ذلك. وفي القرآن والسنة البيان التفصيلي لهذه الامارات. ومما يجب اعتقاده مما يقع بعد الموت فتنة القبر ونعيمه او عذابه. كما قال تعالى وحاق بآل فرعون سوء النار يعرضون عليها غدوا وعشيا فرعون اشد عذاب وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان احدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة. وان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة رواه البخاري ومسلم. وقالت عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة الا تعوذ من عذاب القبر رواه البخاري ومسلم. ومما جاء الشرع باثباته ايضا البعث والحشر وان الساعة اتية لا ريب فيها في القبور وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا والنفخ في الصور ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من ان شاء الله والعرض يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية والحساب يومئذ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ونشر الصحف واذا الصحف نشرت ونصب الميزان ونضع الموازين القسط ليوم القيامة. فلا تظلم نفس شيء وان كان مثقال حبة من خردل نتينا بها بنا حاسبين والصراط وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذروا الظالمين فيها جثيا والحوض انا اعطيناك الكوثر وفي الحديث حوضي مسيرة شهر ماؤه ابيض من اللبن وريحه اطيب من المسك. وكيزانه كنجوم السماء من منه فلا يظمأ ابدا. رواه البخاري ومسلم. والجنة والنار فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين وبشر الذين امنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات ان تجري من تحتها الانهار اللهم جنبنا النار واجعلنا من اهل الجنة وما ينطق عن الهوى السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ما لك بن انس اجمع المسلمون على ان من استبانت له سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له ان يدعها لقول احد محمد بن ادريس الشافعي في وقت مبكر ادرك علماء الاسلام خطر الشهادات الكاذبة وبالتالي خطر المذاهب الفاسدة. فوضعوا علما متطورا لنقد الرواية التراثية ان علم الحديث كما كان يدعى يختلف لاعتبارات كثيرة عن النقد الحديث للمصادر التاريخية. والمدارس الحديثة لا توافق في الغالب على مناهج العلماء التقليديين في صحة ودقة الروايات القديمة. ولكن ما كان عند المؤرخين العرب ولكن ما كان عند المؤرخين العرب في القرون الوسطى من الفحص الدقيق لسلاسل السند والجمع والحفظ الدقيق لاختلاف الروايات منحهم احترافية وتقدما لا مثيل له في العصور القديمة. ولا موازي له في الغرب في عصوره الوسطى برنارد لويس وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ما ارسل الله تعالى الرسل الا ليكون كلامهم نبراسا يستضيء الناس به وذلك يقتضي ان يطيعوهم فيما يأمرونهم به وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله فما بعثوا الا ليكونوا مطاعين يأتمر الناس بما يأمرونهم به وينتهون عما نهوهم عنه وطاعة الرسول سبيل الفلاح والهدى ومعصيته طريق الضلال والردا قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول وان تطيعوه تهتدوا. وما على الرسول الا البلاغ المبين تبين البارئ سبحانه ان على الرسول البلاغ وعلى الناس الطاعة والاتباع فانهم فعلوا رشدوا واهتدوا وفي قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا اطيعوا الرسول خطاب للمؤمنين يحثهم على طاعة الرسول وهي طاعة مطلقة لا تقييد فيها. لان الرسول مؤيد بالوحي معصوم الله له لا ينطق عن الهوى ولا يخرج من لسانه الا حق وطاعة الرسول ليست مستقلة عن طاعة الله بل هي من طاعة الله. فمن اطاع الرسول فقد اطاع الله. لان الرسول لا يأمر الا بما فهو طاعة لله من يطع الرسول فقد طاعة الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اطاعني فقد اطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. رواه البخاري ومسلم فالواجب طاعة الرسول مما جاء به عن الله تعالى والاقتداء به قولا وعملا وتجنب ما نهى عنه قال تعالى ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم. فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه اجرا عظيما فاخبر الله عز وجل ان بيعة رسوله بيعة له سبحانه. بل ان طاعة الرسول واتباعه وتحكيمه من صميم الايمان قال تعالى لا يجدوا فيه انفسهم حرجا من ما قضيت ويسلموا تسليما تليما. وقد نزلت الاية في رجل خاصم الزبير في سراج الحرة التي يسقون بها النخل. فتحاكما الى رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم فقال اسق يا زبير ثم ارسل الماء الى جارك. فقال الانصاري يا رسول الله ان كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع الى الجدر. واخرج البخاري وغيره جاءت ملائكة الى نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقط قال بعضهم انه نائم. وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقضان. فقالوا ان لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم انه نائم. وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها ماء ادبة وبعث داعيا فمن اجاب الداعي دخل الدار واكل من المأدبة. ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة وقالوا اولوها له يفقهها فقال بعضهم انه نائم. وقال بعضهم ان العين نائمة والقلب يقظان فقالوا فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم. فمن اطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد اطاع الله. ومن محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله. ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس ولان طاعة الرسول من طاعة الله فان تركها يترتب عليه العقاب وفعلها ينبني عليه الثواب. فقد اخرج البخاري عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل امتي يدخلون الجنة الا من ابى. فقالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من اطاعني دخل جنة ومن عصاني فقد ابى. فطاعته سبب لدخول الجنة ومخالفة امره سبب لدخول النار. وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على محبة الله تعالى. قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبب الله ويغفر لكم ذنوبكم. فعلامة حبهم الله اتباعهم رسوله حيا. واتباع سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وجزاء هذا الاتباع فوزهم بمحبة الله اياهم. فطوبى للمحبين المتبعين. وامر الله بالاخذ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه. فقال وما الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. فهذا امر واضح لا لبس فيه ولا احتمال لا يحل تقديم اي قول على قوله صلى الله عليه وسلم وليس للمسلم الا ان يأخذ ما امره الرسول به ويخلع ما نهاه عنه ان ذلك من صميم امر الله ونهيه فعن ابن مسعود انه قال لعن الله الواجبات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى. فبلغ وذلك امرأة يقال لها ام يعقوب فجاءت فقالت انه بلغني انك قلت كيت وكيت. فقال ما لي لا العن من لعن الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله فقالت لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته. قال ان كنت قرأتيه فقد وجدتيه. اما قرأت وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا؟ قالت بلى. قال فانه نهى عنه. رواه البخاري ومسلم. وبين الله تعالى ان مخالفة امر رسول الله سبب للفتن والعذاب. فقال عز وجل فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيب يبقى هم عذاب اليم. قال احمد بن حنبل نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعا. ثم جعل يتلو هذه الاية ويكررها ويقول الفتنة الشرك لعله ان يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ فيهلكه. وقال رجل لمالك ابن انس احرم من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم او من ذي الحليفة فقال له بل من ذي الحليفة فاني احرمت من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. فجعل الامام ما لك مخالفة سنة الحبيب صلى صلى الله عليه وسلم ولو لطلب الازدياد من الاجر فتنة داخلة في وعيد هذه الاية اللهم اجعلنا من المطيعين لنبيك المتبعين له في صغير امرنا وكبيره. وباعد بيننا وبين معصيته لتبين للناس ما نزل اليهم شاء الله تعالى ان يكون القرآن محيطا بجميع ما يحتاج اليه المسلم في معاشه ومعاده لكن على سبيل الاجمال لا التفصيل وترك تفصيل الاحكام الى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم فما من شيء الا بين للمكلفين في القرآن ولكن افهام الناس تقصر دون ادراكه فيحتاجون الى البيان من اعلم الناس بكلام ربه فالسنة النبوية في شقها الفعلي هي التطبيق العملي للقرآن وفي شقها القوي جاءت عاضدة لاياته وكاشفة لغوامضه لمعانيه وشارحة لالفاظه وزادت باحكام لا توجد في كتاب الله مع كونها لا تخرج عن قواعده واصوله الكبرى. وللسنة مع القرآن ثلاث سور مؤكدة ومبينة وزائدة. الصورة الاولى ان تأتي مؤكدة لايات القرآن الكريم. فالسنة هنا موافقة للقرآن من كل وجه. فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب تضافر الادلة. ويكون للحكم دليلان دليل من القرآن ودليل من السنة. وتشمل هذه الصورة مثلا الامر باقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والنهي عن الشرك بالله والزنا وشرب الخمر واكل الميتة والسرقة وشهادة الزور وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق. وغير ذلك من المأمورات والمنهيات التي دل عليها القرآن والسنة معا. مثال ذلك فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقامة الصلاة وايتاء الزكاة والحج وصوم رمضان. رواه البخاري. فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى واقيموا الصلاة اتوا الزكاة ولقوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ولقوله تعالى الصورة الثانية ان تأتي مبينة لكتاب الله ومفسرة له. وهو معنى قوله تعالى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم. وهذا البيان يأتي بصيغ مختلفة منها بيان مجمل فقد جاءت كثير من احكام القرآن مجملة فبينت السنة اجمالها. من ذلك ان الله امر باداء الصلاة اجمالا دون بيان لاوقاتها واركانها وركعاتها وغير ذلك. فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه لاصحابه وامره لهم بادائها كما اداها. صلوا كما رأيتموني اصلي. رواه البخاري. وكذلك فرض الله الزكاة دون لمقاديرها واوقاتها وانصبتها وما تجب فيه. فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله. وكذا الحج شرعه الله دون ان يبين مناسكه فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله. وقال في حجة الوداع لتأخذوا عني مناسككم رواه مسلم. وكذلك الصوم والطهارة والذبائح والصيد والانكحة والبيوع والجنايات وغيرها. تخصيص العام. فقد وردت في القرآن احكام عامة جاءت السنة بتخصيصها مثل قوله تعالى فهو عام في كل اصل موروث لكن خصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير انبياء فقال لا نورث ما تركنا صدقة. رواه البخاري. تقييد المطلق فقد ورد في القرآن ايات مطلقة جاءت السنة بتقييدها مثل قوله تعالى فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث توضيح مشكل فقد اشكل فهم بعض الايات على الصحابة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما اشكل عليهم. من كما رواه البخاري عن عبدالله بن مسعود انه قال لما نزلت هذه الاية الذين امنوا ولم ايمانهم بظلم. شق ذلك على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال قالوا اينا لم يلبس ايمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليس بذاك. الا تسمعون الى قول لقمان؟ ان الشرك لظلم عظيم. الصورة ثالثة ان تأتي السنة باحكام زائدة على ما في القرآن فتوجب امرا سكت القرآن عن ايجابه او تحرم امرا سكت القرآن عن تحريمه ومن امثلة هذا النوع الاحاديث التي تحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها. وتحريم الحمر الاهلية وكل ذي ناب من السباع وتحريم لبس الحرير للرجال ونحو ذلك فهذا النوع تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه. ولا تحل معصيته. امتثالا لامر الله تعالى بطاعة رسوله كما سبق بيانه ولو لم يكن رسول الله يطاع في مثل هذا لما كان للامر في القرآن بطاعته من معنى. انا نحن زلنا الذكر وانا له لحافظون تأمل ايها الحبيب ما سالقيه عليك من الكلام. بعد ان تكون قد القيت دبر اذنيك بعض الشبهات الساقطة التي يغرسها حاقد او جاهل فلا تثمر الا حقدا وجهلا. اترك عنك قيل وقال ولعل ويحتمل وربما قد كان وربما لم يكن. اترك عنك محاولة تحطيم من الصخور الراسية والجبال الثابتة التي تتابعت قرون من النتاج المعرفي الرصين على ترسيخها. وتأمل الم يثبت لديك يقينا ان ان الله تعالى ختم الرسالات برسالة ارادها ان تكون مهيمنة على ما سبقها وصالحة لتدبير شؤون البشر الى قيام الساعة الم يثبت لديك يقينا ان الله تعالى قد امر في كتابه العزيز بطاعة نبيه؟ الم يثبت لديك يقينا انه لا سبيل لادراك مراد الله تعالى ولا لفهم دقائق الشريعة الا من طريق النبي الكريم الا ترى من البدهي ان ذلك كله لا يتم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا من خلال سنته المنقولة فكيف يأمر الله بطاعة الرسول ولا يتكفل بحفظ اوامره التي يريدها ان تمتثل اليس التشكيك في السنة طعنا في الامر القرآني الصريح بطاعة النبي واتباعه تأمل هذا كله بعين الانصاف ثم اقرأ قوله تعالى حافظون والله تعالى تكفل بحفظ الذكر والذكر يشمل السنة لان كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي كما قال تعالى وما انطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. ولو فرضنا ان الذكر لا يتناول السنة باللفظ وانه القرآن وحده فان حفظ القرآن يقتضي حفظ معناه ومن جملة معانيه الاحاديث النبوية الدالة على توضيح مبانيه. كما يقول بعض العلماء فيكون الله تعالى على الحقيقة قد تكفل بحفظ الكتاب والسنة معا وهذا الفهم هو الذي عليه ائمة الدين في كل عصر. ويشهد له مثلا ما قاله عبدالله بن المبارك حين سئل عن الاحاديث الموضوعة فقال يعيش لها الجهابذة. قال الله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. فاستدل باية حفظ الذكر على حفظ للسنة من العبث والزيادة او النقص بل ان الذكر الذي يحفظه الله تعالى يشمل ايضا العربية وجميع ما لا بد منه لمعرفة الحق وذلك ان المقصود من حفظ القرآن هو بقاء الحجة قائمة على الناس الى قيام الساعة. فكل ما لا بد منه لقيام الحجة لابد من حفظه بالتبع وان لم يشمله لفظ الذكر بالذات وما تكفل الله بحفظه فان حفظه مضمون ولا يرتاب مسلم في انه لا يضيع ابدا. ما سبق ذكره تقرير اجمالي عن ضرورة حفظ السنة دون خوض في التفصيلات التطبيقية. اما اذا اردت يا صديقي العزيز ان تنظر في التفصيل فاعلم انك ستخوض بحرا زاخرا من العلم تجد فيه الحفظ والذكاء والتدقيق والتحرير والانصاف والاخلاص والحرص والهمة. وما شئت من اوصاف الخير التي يمتاز بها العلم الحق. نعم ان شئت التفصيل فعليك بعلم الحديث. رواية ودراية شرحا ومصطلحا معاني وغريبة اسانيد يموتون تخريجا وتعليلا تجريحا وتعجيلا. وليس هذا مقام ذلك ولا عشر معشاره. ولكنني ساكتفي بان اذكر لك رؤوس اقلام هي محطات تعرف من خلالها تطور هذا الفن السامي. تلقى الصحابة السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم افصح الناس السنة واعمقهم فهما وامضاهم قريحة واقواهم ايمانا واكثرهم اخلاصا واشدهم تشميرا في طلب العلم وبذله واعظمهم توقيرا ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فحرصوا على كلامه حرص الشحيح على دراهمه. واذعنوا لقول الحبيب صلى الله وعليه وسلم وخضعت له قلوبهم وسكنت ابشارهم. ودققوا في حفظ سنته القولية والفعلية تدقيق الصيرفي الماهر في تمييز صحيح الدنانير من بهرجها وبذلوا في حفظ السنة وجمعها ثم تبليغها وتعليمها للناس الطارفة والتالت حتى رحل الصحابي مسيرة شهر لسماع حديث واحد كان غالب اعتماد الصحابة في تلقي الحديث على المشافهة وحفظ الصدور ولكن لم ان يمنع ذلك ان وجدت كتابة السنة منذ عهد النبوة فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم اريد حفظه. فنهتني قريش وقالوا اكتبوا كل شيء ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا. فامسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاومأ به باصبعه الى فيه فقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه الا حق. رواه ابو داوود. وفي حديث ابي هريرة فقام رجل من اهل اليمن يقال له ابو شاه فقال اكتب لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لابي شاب رواه البخاري ومسلم. وقد كتب العشرات من الصحابة واشتهرت صحف كثيرة تشمل على عشرات الاحاديث. مثل صحيفة ابي بكر في قائد الصدقة وصحيفة علي ابن ابي طالب والصحيفة الصادقة لعبدالله بن عمر وصحيفة جابر بن عبدالله والصحيفة الصحيحة التي يرويها همام عن ابي هريرة من حديثه وغيرها وقد كتب التابعون من بعدهم ثم كتب الائمة الحفاظ ورواة الحديث حتى ان الامام احمد وهو امام في الحفظ كان لا يروي حديثا الا من كتابه. هذا مع ان الاعتماد على حفظ الصدر لا يؤثر في الثقة بالرواية ان وضعت القيود وحررت الضوابط المانعة من الغلط والمفيدة للاحتياط في اثبات السنة. وهذا الذي صار عليه الائمة في تصرفاتهم العملية تلقى التابعون السنة النبوية عن الصحابة وتلقاها عن التابعين اتباعهم وهلم جرا. كل طبقة تأخذ عن الطبقة التي قبلها وبذل الرواة والحفاظ جهودا ضخمة في حفظ الحديث وروايته وكتابته والرحلة في طلبه. وافنوا في ذلك الاعمار انفقوا فيه الاموال الكثيرة واتوا بما دونه التاريخ بحروف من ذهب وبقي شاهدا على عبقرية هذه الامة في حفظ تراث نبيها ما لا نظير له في الامم الاخرى جميعها. وبدأ التفتيش في احوال الرجال والتدقيق في المرويات. وسطرت كتب الرجال والتراجم والعلل في البحث العلمي وفق منهج دقيق شديد الاتقان. بدأ جمع الاحاديث في دواوين مخصوصة في مرحلة متقدمة. فقد ذكر المؤرخون اسماء كتب حديثية في القرن الاول الهجري كانت متداولة بين علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين ثم جاء علماء اخرون وجدوا امامهم ثروة حديثية هائلة يتناقلها الرواة بقدر عال من الدقة المنهجية فاعملوا في هذه الثروة معايير الانتقاء والترتيب وجمعوا منها مؤلفات كتب الله لها القبول والانتشار. مصنفة بمعيار الصحة مثل صحيحي البخاري ومسلم او مرتبة على الابواب الفقهية مثل سنن ابي داوود والترمذي. او على رواج الاحاديث من الصحابة مثل نادي احمد او على غير ذلك فلم يكن البخاري مثلا مدونا لاحاديث كانت محفوظة في الصدور كما يظن ذلك اقوام او مخترعا لاحاديث يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرفها الناس في زمنه كما يحسب ذلك اقوام اخرون. وانما كان ناقلا احاديثك غيره من الائمة الحفاظ ناقدا لها قادرا على تمييز صحيحها من سقيمها. امتاز عن غيره بجمع احاديث مخصوصة في ديوان واحد وفق معيار منهجي للتصحيح يمتاز بالدقة والصرامة فقط لا غير فافهم هذا يا صديقي واحذر من الجهالات المردية. جاء ائمة اخرون فجمعوا مصطلحات المحدثين وقواعد التعليم واصول التخريج والحكم على الاحاديث وضوابط الجرح والتعديل وتراجم رواة الحديث. واعتنوا بشرح دواوين السنة المعروفة وتتبع غريبها وفقهها وغير ذلك مما يصعب احصاؤه فاجتمعت من ذلك كله ثروة علمية هائلة تحقق بها حفظ الله لوحي السنة والحمد لله على نعمه والذين معه. من كان منكم متأسيا فليتأسى باصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فانهم كانوا ابر هذه الامة قلوبا واعمقها علما واقلها تكلفا واقومها هديا واحسنها حالا. قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في اثارهم فانهم كانوا على الهدى المستقيم. عبدالله بن مسعود في جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر. اذا رأيت الرجل ينتقص احدا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم انه زنديق وذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وانما ادى الينا هذا القرآن والسنن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانما يريدون ان يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم اولى وهم زنادقة. ابو زرعة الرازي. في الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي تراهم ركعا سجدا والان ايها الخل الوفي وقد قطعنا في رحلتنا هذه اشواطا بعيدة واشرفنا على بغيتنا التي بدأنا رحلتنا من اجلها كاني كتغالب سؤالا يلح على لسانك. ويود الانعتاق من بين شفتيك. كيف قامت دعوة الاسلام تحث الناس على التوحيد ونبذ الشرك وتحطيم الاصنام المادية والمعنوية وسط بيئة عربية مناوئة. وبين قوم ليسوا من اصحاب التمدن والحضارة ثم ما لبست هذه الدعوة الا سنوات معدودة حتى انتشرت في اصقاع الارض من تخوم الصين الى ساحل بحر الظلمات. وتملكت القلوب والنفوس في تلك الاصقاع حتى صار اهلها بدورهم دعاة الى الاسلام مجاهدين في سبيله. نعم حق لك ان تسأل فانه عجيب في تاريخ الانسانية لا يوجد له نظير. قد رأينا في التاريخ اقواما يحتلون مناطق شاسعة من الارض بقوة السلاح ورأينا اقواما اخرين يرحلون في الدعوة الى افكارهم ومبادئهم مددا طويلة الى بلاد مختلفة فيفلحون تارة ويفشلون اخرى. ولكن اننا ما رأينا من جمع بين الامرين وفي برهة يسيرة من الزمن لا تعد شيئا اذا قيست باعمار الحضارات والدول. نعم حق لك ان تسأل ووجب علي ان اجيب في الامر سر عجيب. ولكنني ساخبرك به ايها الحبيب انه سر اسمه الصحابة. اتدري من الصحابة هم رجال ونساء لم يكونوا على شيء من العلم. ولكن كانت لهم قابلية فطرية لتعلم العلم والبذل في العمل. ثم دخلوا مدرسة علمية عملية وارفة الظلال سامقة الاركان مضيئة بانوار الوحي يتطوع في جنباتها نفح النبوة. وكان القائم على هذه تعليم وتربية وارشادا وتزكية هو سيد الخلق وافضلهم واعلمهم وازكاهم واطهرهم واقربهم من رب العزة جل جلاله فمن جالس هذا الحبيب الذي هذا نعته دقائق معدودة من عمره كيف تراه يكون. فما ظنك بمن خالطه سنوات في حله اله في صلاته وحجه في بيته ومسجده في سلمه وجهاده. نعم هذا سر السر ان كان الصحابة سر ذلك لانتشار الدعوي الضخم السريع فان سر الصحابة كونهم صحبوا انفاس ذلك النبي الكريم. او قل سرهم انهم صحابة وكفى بهذا العلو فخرا. يقول الله سبحانه اشداء على رحماء بينهم. تراهم عن سجدين يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة. ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفر وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهن مغفرة واجرا عظيما انظر الى هذه الصفات التي اعيت الاجيال التالية ان يأتوا بمثلها. بل ان يقتربوا منها. وقال تعالى امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ونصروا واولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم هجرته وجهاد وايواء ونصرة ونتيجة ذلك شهادة بالايمان الحق من بارئ الخلق وقال تعالى باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. واعد لهم ان تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم رضوا عن الله ورضي عنهم الله وجعل لهم عنده ثوابا عميما وجزاء عظيما وقال تعالى لقد تاب الله والمهاجرين اتبعوه في ساعة العسرة توبة من الله جزاء من الله سبحانه على صبر القوم وبذلهم واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم في اصعب الاحوال واضيقها وقال تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فيها قلوبهم واكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله لا يدخل النار احد ممن بايع تحت الشجرة. رواه الترمذي وقال تعالى يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم والذين تبوءوا الدار ونين ايمانا من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ويوثرون انفسهم ولو كان بهم خصاصة فريقان من الصحابة جمعان باب الفضل واسه. فريق الهجرة والتخلي عن الدنيا والاخلاص لله تعالى وابتغاء مرضاته ونصرة الله ورسوله وفريق الايثار والايواء والنصرة والمحبة. فهنيئا للفريقين وهنيئا لمن احب الفريقين. وقد جمع الصحابة من الطائل والمناقب ما تنوء به الطروز وتعيى به الالفاظ. كانوا جبالا في التقوى والورع والزهد في الدنيا. وكانوا نماذج تحتذى في كثرة عبادتي مع الاحسان والاتقان. وكانوا رؤوسا في العلم والحفظ وجودة القريحة وسيلان الذهن. وكانوا نجوما يهتدى بها في الدعوة وهداية الناس والحرص على تعليمهم. وكانوا فلتات في التضحية والجهاد وبذل المهج في سبيل الله. وكانوا قواعد صلبة في الالتزام بالسنة وكراهج البدع والمحدثات وترك فضول الكلام وهجر المراء في الدين. وكانوا وكانوا ولاجل ذلك استحقوا ما سبق ذكره من اي القرآن واستحقوا ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل قوله لا تسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما ادرك مد احدهم ولا نصيفه رواه البخاري ومسلم وقوله الله الله في اصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن احبهم فبحبي احبهم ومن ابغضهم فببغضي ابغضهم ومن اذاهم فقد اذاني ومن اذاني فقد اذى الله ومن اذى الله فيوشك ان يأخذه. رواه احمد وقوله ان الله تعالى اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. رواه مسلم وغير ذلك كثير وقد كان الصحابة يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجلونه ويعظمونه. فقد قال عمرو بن العاص وما كان احد احب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اجل في عيني منه وما كنت اطيق ان املأ عيني منه اجلالا له. ولو سئلت ان اصفه وما اطقت لاني لم اكن املأ عيني منه وروى الترمذي عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على اصحابه من المهاجرين والانصار وهم جلوس فيهم ابو بكر وعمر فلا يرفع احد منهم اليه بصره الا ابو بكر وعمر. فانهما كانا ينظران اليه وينظر اليهما. ويبتسمان اليه ويبتسم لهما. وروى اسامة بن شريك قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه حوله. اذا تكلم جلسائه وكأنما على رؤوسهم الطير وحين وجهت قريش عروة ابن مسعود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من تعظيم اصحابه له امرا عجبا. لا يتوضأ الا ابتدروا وضوءه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم لخامة الا تلقوها باكفهم. فدلكوا بها وجوههم واجسادهم ولا تسقط منه شعرة الا ابتدروها. واذا امرهم بامر ابتدروا امره. واذا تكلم خفضوا اصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له. فهنيئا لهم الصحبة. وهنيئا لهم المحبة وكلا وعد الله الحسنى ليس الصحابة على درجة واحدة في الفضل ولا مرتبة واحدة في العلم او العمل. هم متفاوتون في الفضل لكنهم مشتركون في حد ادنى منه يفوق الذي عند من بعدهم من طبقات المسلمين. فاقل الصحابة فضلا خير من التابعين واتباعهم. لا لشيء الا لشرف الصحبة واين مثل الصحبة في المكارم والمناقب؟ لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح قاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا. وكل او وعد الله الحسنى. فالتفاوت بينهم حاصل ولكنهم موعودون جميعا بالحسنى. جنات عدن عند الكريم سبحانه افضل الصحابة اجمالا هم السابقون الاولون من المهاجرين ثم من الانصار ثم اهل بدر فاهل احد فاهل بيعة الرضوان ثم من بعدهم واما افضلهم تفصيلا فابو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن ابي طالب رضي الله عن الجميع على اهذا اجمع علماء اهل السنة مع خلاف يسير في المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما. قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بابي بكر احدا. ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم وثبت لابي بكر عدد كبير من الفضائل منها سبقه الى الايمان ومصاحبته النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة وهو يقول له ما ظنك باثنين الله ثالثهما الا تنصروه فقد نصره الله اذا اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا من امتي خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا. رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم ان الله بعثني اليكم فقلتم كذبت وقال ابو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله فهل انتم تاركوا لي صاحبي؟ رواه البخاري واما عمر بن الخطاب فهو الوزير الثاني فاروق هذه الامة الذي كان اسلامه فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت خلافته رحمة قال النبي صلى الله عليه وسلم ايها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط الا سلك فجا غير فجك رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم محدثون فإيكم في امتي احد فانه رواه البخاري ومسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكلم الذئب والبقرة فاني اؤمن به وابو بكر وعمر رواه البخاري ومسلم وقال ايضا اقتدوا بالذين من بعدي من اصحابي ابي بكر وعمر. رواه الترمذي واما عثمان بن عفان فمن مناقبه انه حين ذهب الى مكة في بيعة الرضوان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه به يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم من يحفظ بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم فيه الا استحي ممن استحيت منه الملائكة؟ رواه مسلم واما علي ابن ابي طالب رضي الله عنه فقال له صلى الله عليه وسلم انت مني وانا منك. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم عنه انه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم ايضا كنت مولاه فعلي مولاه. رواه احمد. وقال صلى الله عليه وسلم الا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي. رواه البخاري ومسلم وردت احاديث كثيرة في مناقب الصحابة مخصوصين مثل قوله صلى الله عليه وسلم في بيان العشرة المبشرين بالجنة في حديث واحد ابو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبدالرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن ابي وقاص في الجنة. وسعيد بن زيد في الجنة. وابو عبيدة بن الجراح في الجنة. رواه الترمذي. وقال صلى الله وعليه وسلم ارحم امتي بامتي ابو بكر واشدها في دين الله عمر واصدقها حياء عثمان واعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل واقرأها لكتاب الله عز وجل ابي. واعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت. ولكل امة امين. وامين هذه الامة ابو عبيدة ابن الجراح رواه الترمذي. ووردت احاديث مخصوصة كثيرة في فضائل امهات المؤمنين. وفاطمة والحسن والحسين غيرهم. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. الصحابة هم افضل الناس في هذه الامة. وقد جمعوا من الصفات وثبت لهم من مناقب ما لم يثبت لغيرهم ولكن لا يقتضي ذلك انهم معصومون من الخطأ بل الخطأ جائز عليهم واقع منهم ويكون في ادراك الحكم بالشرعية استنباطا او تنزيلا. والمراد بالخطأ في الاستنباط ما يقع للمجتهد عموما من الذهول عن الدليل الشرعي او عن وجه الدلالة منه او غلط في اعمال قواعد الاستدلال او غير ذلك مما اعتنى الاصوليون بتسطيره. والمراد بالخطأ في التنزيل ما يقع للمجتهد عند تنزيل الحكم مش شرعية على الواقع ويكون ذلك لاسباب كثيرة. فمن القسم الاول ما تنقله كتب الفروع من خلافهم في احكام العبادات والمعاملات بين مبيح ومحرم ولكل دليله الشرعي المعتبر الذي يستند اليه. وهذه الاجتهادات الفقهية هي التي كانت الاساس لاجتهادات ائمة الفقه من بعد وكان خلاف الصحابة فيها اساسا لمدارس الفقه ومذاهبه المختلفة ومن القسم الثاني منذ اواخر خلافة عثمان رضي الله عنه الى عام الجماعة الذي تنازل فيه الحسن رضي الله عنه عن الخلافة. والصحابة في الصورتين معا مجتهدون يمتلكون مؤهلات الاجتهاد ويستفرغون فيه وسعهم مع الورع والتقوى فمن احق منهم بالحديث الذي اخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله ابن عمرو مرفوعا اذا حكم الحاكم فاجتهد ثم اصاب فله اجران واذا كما فاجتهد ثم اخطأ فله اجر هذا في المجتهد عموما فكيف ان كان المجتهد يمتلك من الفضائل السابقة واللاحقة والمناقب السامية السابقة ما يمحو الزلل ويزيل الخطأ قاعدة منح السيئات القليلة للحسنات الكثيرة وعدم تغير البحر الخضم بيسير النجاسة ان وقعت فيه كما انهم في الصورتين معا لا يجمعون على خطأ بل عصم الله الامة من ذلك. فاذا اخطأ احدهم خالفه غيره من اقرانه. فكان للناظر في الامر مجال لاتباع الصواب دون مخالفة قول الاصحاب وقد وقع لجماعة من الوعاظ والدعاة المعاصرين الخلل في تقرير فضائل الصحابة فتراهم يذكرون المناقب دون كونهم غير معصومين ولا تقرير امكان وقوع الخطأ الاجتهادي منهم. وينتج من تشبع بعض عوام المسلمين بهذا الخطاب انهم اذا خالطوا اهل البدع والضلالات القديمة والعصرية الذين يجعلون اساس دعوتهم سلب الصحابة فحدثهم هؤلاء ببعض ما وقع من الصحابة من الاخطاء او الذنوب سواء اثبت ذلك عنهم ام لم يثبت. فان ايمان اولئك العوام يتزعزع ويحسبون انهم اكتشفوا سرا عجيبا كان علماء الامة يخفونه عنهم. وكم رأينا ممن صار مآله الى الزندقة او الالحاد. وانما كان مبدأ امره الطعن في الصحابة تأثرا بهؤلاء المضلين الفتانين. بسبب عدم ادراكه لهذا المعنى الذي قررته لك هنا والمنهج العلمي الذي يجب على المسلم اتباعه في التعامل مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مكون من محاور ثلاثة اولها الامساك عما شجر بين الصحابة وسلامة القلوب والالسنة لهم والدعاء لهم بالمغفرة ونشر فضائلهم والكف عن مساوئهم والتنويه بشأن كما نوه تعالى بذكرهم في كتبه واستحضار كونهم نقلة هذا الدين وحماته الاولين وجماع ذلك ما جاء في القرآن الكريم بعد ذكر والانصار والذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا امن الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا اذا وردت عن المسلم رواية فيها وقوع بعض الصحابة في ذم او خطأ فليبدأ بتحريرها من جهة الثبوت نظرا في اسنادها وفي ائمة الشأن فيها فما اكثر الروايات التي يرويها اهل الضلال لسلب الصحابة والتنقص منهم والثالث اذا ثبتت الرواية من جهة الاسناد فليحرر دلالتها وليدقق في معناها. فاذا ثبت لديه انها تدل على وقوع الصحابي في ذنب او خطأ فليقل اخطأ الصحابي او اذنب فكان ماذا؟ ومتى زعمنا انهم معصومون من ذلك فغاية الامر ان الصحابي الجليل وقع في ذنب مغفور او اجتهاد مأجور. فلا ينقص ذلك من منزلته شيئا وانما يؤكد بشريته عدم عصمته وانتفاء العصمة لا يقتضي انتفاء الفضيلة ولا الهبوط في المنزلة. رضي الله عن صحابة رسول الله اجمعين والحقنا بهم غير مين لقوم يتفكرون بعض المؤرخين قدر ما اتلفه الصليبيون في طرابلس وحدها بثلاثة ملايين مجلد مصطفى السباعي في كتابه من روائع حضارتنا ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والميعاد. ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق وانه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح تبين له ان السياسة العادلة جزء من اجزائها وفرع من فروعها. وان من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها لم يحتج الى سياسة غيرها البتة فان السياسة نوعان سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها ابن القيم في الطرق الحكمية لكن ايضا كل شخص منغمس بشكل جدي في السعي وراء العلم يصبح مقتنعا بان بعض روح تتجلى في قوانين الكون. روح اكثر تفوقا بكثير من كل النوع البشري بهذه الطريقة يقودنا السعي وراء العلم الى شعور ديني من نوع خاص. والذي هو بالتأكيد بمختلف تماما عن تدين اي شخص اكثر سذاجة البرت اينشتاين من رسالتي المشهورة الى الطفلة فيليبس ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم عن الفكر. ان الحاجة اليوم الى البحث العقدي والفكري قائمة وملحة. وذلك لاسباب كثيرة منها صعوبة هذه المسائل وخطورة الخطأ فيها لما يترتب عليه من النتائج الكارثية التعقيد البالغ في هذه المباحث لان عصرنا هو عصارة بالغة التعقيد للعصور السابقة مع ما طبعها من الاديان والفلسفات والمذاهب الانسانية التأثير الاعلامي الكبير على مسار الافكار فما اكثر الموضوعات التي يفتعل الاعلام النقاش حولها وما اكثر والافكار التي تفرض نفسها لما في عرضها الاعلامي من التزويق والاثارة. انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تغري غير المتخصصين بالكلام في الموضوعات الفكرية وفي ذلك اعظم الضرر على الفكر الرصين. وقد امر الله سبحانه الناس بالتفكر واثنى على المتفكرين وجعل التفكر عبادة قائمة غايتها الاستفادة من الايات الكونية الباهرة لتحصيل الايمان بمبدعها سبحانه وسخر كن ما في السماوات وما في الارض جميعا منه. ان في ذلك ايات لقوم يتفكرون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعل لهم يتفكرون فاعمال العقل في الفكر مطلوب في الاسلام ولكن ذلك ينبغي ان يكون لغاية نبيلة موافقة لمقاصد الاسلام. وفي اطار العامة التي تضعها الشريعة نعم حين يدخل المسلم الى حمى الاسلام مطيعا مختارا خاضعا لحكم الله. فانه لا يمكن ان يسمح لفكره بان يسيل في كل بواد ويذهب كل مذهب المفكر المسلم لا يمكن ان يذبح اسلامه على نصب فكره. بل هو لا ينسى انه مسلم قبل ان يكون مفكرا. وهذا امر يتجاوز اهله بعض الناس في التنظير تقديسا منهم لقيمة الحرية واعلاء منهم لمكانة العقل ولكنهم يغفلون عن ان الناس اجمعين اين يفكرون فانهم لا ينطلقون من ارض خلاء. بل من افكار اولية مسبقة قد يكون منبعها من الدين. وقد يكون من التربية او المجتمع او المؤهلات الفردية او المشاعر الشخصية او غير ذلك فالفكر كله ذاتي وان كان يظهر نفسه في صورة الموضوعي واذا يا صديقي لا تحسب انك في مجال الفكر يمكنك ان تكون محايدا تكتفي بجمع المعلومات وتحليلها دون ان تنطلق في ذلك من حمولة معرفية تستند اليها ومن شبكة قراءة تأويلية شرعية ان تستعملها عند تحليل المعلومات وتوليد الافكار ومناقشتها لابد لك قبل ان تتعنى البحث الفكري من ان تملأ وطابك بزاد معرفي يحميك من التأثر المتقلب بمجريات الاحداث المتسارعة لابد لك من دراسة علم العقيدة لتضع الاسس الشرعية لفهم الكون والانسان وارتباطهما بالخالق سبحانه. ولابد لك من قدر من علم اصول الفقه لتفهم الطرائق الشرعية في الاستدلال المنضبط. وتتجنب نقل السيلان الفكري الفلسفي الى المباحث الفكرية الاسلامية ولابد لك من اطلالة معتبرة على علم الفقه لتعرف مواضع الاجماع والخلاف ومواطن الظن واليقين. وتفهم طريقة الفقهاء بالتعامل مع بعض المباحث المرتبطة بالفكر الحديث مثل فقه الاسرة وفقه الجهاد والسياسة الشرعية. وما اكثر غلط في الفكر اليوم بسبب الجهل بالفقه التراثي ولابد لك من دراسة حد ادنى من علوم القرآن وعلوم الحديث لتفهم منهج علماء المسلمين في الحفظ والكتابة والضبط والجمع والتفتيش وتحقيق اسانيد وضبط المتون ونحو ذلك مما يخبط الجهلة فيه اليوم خبط الناقة العشوائي في الليلة الظلماء. ولابد من دراسة التاريخ عموما والتاريخ الاسلامي خصوصا من مصادره الموثوقة المتحلية بالانصاف والتحري بعيدا عن بريق الادلجة وضجيج الانحرافات ان من اعظم الافساد المستشري في الامة اليوم المؤلفون الذين يكتبون في الفكر الاسلامي دون معرفة شرعية كافية. فتراهم يزهدون في العلم الشرعي ويطعنون في التراث الفقهي والعقدي ويتسورون الشرح والتفسير والتصحيح والتضعيف والتعليل بمحض التشهي. ثم تراه هم لعجزهم عن تأسيس منهج معرفي منضبط ومتكامل يهربون الى التشكيك وتقديس السؤال والقول بنسبية الحقائق عن التراث. لقد قد فهمنا ضرورة الانطلاق في البحث الفكري من حمولة معرفية. وذكرنا ان لب هذه الحمولة هو التراث العقدي والفقهي. ولكن قد فهم الخصوم ذلك ايضا وعلموا مكانة التراث من المنهج الفكري الاسلامي. فسعوا جهدهم الى ازاحة هذه العقبة الكأداء وحرمان اهل الخير من هذا السلاح العظيم في النقاشات الفكرية فهموا كما فهمنا ان التراث ضروري لتأسيس الفكر الاسلامي المعاصر المنضبط بالشرع والقادر على مواجهة الواقع الحديث اذ لا يفهم الحاضر ولا يبنى المستقبل الا بحسن تدبر الماضي ولا يبنى المعمار الباذخ الا على اساس راسخ. ولانهم فهموا ذلك فقد اجلبوا بخيل الشبهات ورجلها على التراث. طعنا وقدحا وتحقيرا وانتقاء ونحن لسنا ندعي العصمة لهذا التراث في جميع تفصيلاته. ولكننا لا نرضى ان يهدم هذا البنيان بمجرد الدعاوى. نحن نعتقد انك لن تجد في التراث الفقهي داء الا وجدت فيه دواءه. ولست اعرف فقهاء الامة قد اجتمعوا على باطن يخالف العقل او يفسد مجتمع او ينتهك كرامة الافراد وذاك الذي يرهق نفسه بالبحث حتى يظفر بقول شاذ لعالم من العلماء فيبرزه لعامة الناس مستهزئا مستنكرا ليستدل بذلك على ضرورة تنقيح التراث هو رجل مسكين. وهل زعم احد من الناس ان علماء الامة يصومون وان اجتهاداتهم كلها صواب ان وجدت في تراثنا ادواء ففي تراثنا ايضا يوجد الدواء. وان اخطأ العالم صوب خطأه عشرات العلماء. اما ان يوجد في التراث صحيح ذو معنى مفضول او اجماع صحيح على غلط مرذول فهذا المحال الممتنع الذي لا سبيل اليه الا بمعونة من فهم او قلب مريض والناس اليوم في تعاملهم مع التراث اصناف. الصنف الاول قوم يأخذون التراث بحذافيره لا يرفضون منه شيء بل يعتقدون العصمة في كثير من تفصيلاته. والصنف الثاني قوم ينتقون من التراث ما يلائم اهواءهم او ما يناسب رغبات ثقافة المهيمنة والصنف الثالث قوم يردونه مطلقا ويسعون لهدمه دون بذل الجهد في تقديم بديل يقوم مقامه. اما فلب الاشكال عندهم خلطهم بين اجزاء التراث وجمعهم ذلك كله في مرتبة واحدة لا يفرقون بين الوحي وفهمه ولا بين الخلافي والاجماعي ولا بين الثوابت القطعية والمتغيرات الاجتهادية. واذا رأوا الخصوم يطعنون في التراث كله فليكن عن التراث كله والحق ان هذا من الغلو المرفوض. فالتراث الفقهي والعقدي ليس كله معصوما. وليس نقده ممنوعا بشرط العلم والعدل وصحة المنطلق والمنهج وعدم التعرض للثوابت والقطعيات. واما اصحاب الطائفة الثانية فقد فعلهم ما حذر علماؤنا المتقدمون منه حين قالوا من تتبع الرخص فقد تزندق او من تتبع الرخص اجتمع فيه الشر كله فالمنتمي لهذه الطائفة يلج بيت العلم من قوة في اعلى الجدار. فيجمع من التراث الفقهي الاقوال التي تلائم هواه وتناسب المجتمع العصري ثم يتبناها مستدلا بورودها عن بعض علماء الامة محتجا باختلافهم. فتعامله مع التراث براجماتي خالص اليه عند الحاجة لتسويغ افعاله التي منشأها الهوى او الثقافة العلمانية الغربية المهيمنة على عالم الافكار اليوم. ويستعمل في في ذلك انتقائية فجة يختار ما يشاء ويستبعد ما يخالف هواه نعم يمكنك ان تأتي عن كل عالم بقول او اقوال غريبة عجيبة ولكنك لن تجد عالما اجتمعت فيه الاقوال الغريبة كلها فمن خالف الحق هنا وافقه هناك ومن تساهل في هذه تشدد في تلك والتراث الخلافي يؤخذ في جملته وينظر في ادلته لا يستدل بالشاذ من الاقوال بمحض التشهد دون نظر واستدلال واما الطائفة الثالثة فسعيها كله في الهدم دون منهج علمي ولا غاية واضحة ولا بديل قائم. والحق ان المشروع العلمي المبنية على هدم مشروع سابق او اعادة انتاجه لا يكون محترما وقابلا للاستمرار الا ان استثمر جهودا ضخمة في التطبيق العملي تأصيلات النظرية التي يطرحها. فالقائلون بوجوب هدم التراث الفقهي والعقدي القديم وانشاء اخر يتماشى مع رح العصر تاجون الى اقتراح بديل عملي لتعويض البناء الذي يريدون هدمه. وان يكون هذا البديل شاملا لجميع ابواب الفقه والعقيدة تفصيلا ومن المعلوم ان الهدم سهل ومريح ولكن الشأن كله في البناء. واكثر من رأيتهم يسلكون هذا الطريق وجدت عندهم الاتي. غياب منهج علمي مسلوك لتنقيح التراث او اعادة تأسيسه من جديد. وانما غاية ما يوجد عندهم شعارات جوفاء لا طائل وراءها مثل التجديد والتنقيح ونحوهما والدعاوى فيها اعظم من البراهين التمثيل ببعض ما يوجد في التراث من الاخطاء مع انه يوجد فيه عكسها ايضا مع غض الطرف عن ان ذلك قليل من كثير واستثناء من اصل التهوين واستدرار عواطف المتلقي المبتدئ المتشبع بقيم الثقافة المهيمنة التي يسهر الاعلام عقله في بوتقتها غياب التطبيق الشامل اذ التنظير المجرد قد يخفي في احيان كثيرة بعض العيوب المنهجية التي تظهر عند التفصيل والتطبيق والمطلوب ممن يدعو الى تنقيح التراث او هدمه منهج اصولي متكامل يضبط الية الاستدلال الفقهي. ويتضح بالنظر فيه وضبط قواعده ما يجب حذفه من تراث الامة وما يصح ابقاؤه. مع عمل تطبيقي شامل للابواب العقدية والفقهية يظهر منه صلاحية ذاك المنهج الاصولي وسلامته من الخلل. وما دام ذلك غير موجود فانما هو كلام لا اثر له وامرهم شورى بينهم. ان من اعظم المباحث الفكرية التي ينشغل بها المسلمون اليوم ما يتعلق بالسياسة الشرعية وعلاقتها بالسياسة الحديثة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم في الاسلام. ونحن يا صديقي في هذه المرحلة نضع العلامات التي تبين الطريق ارشدوا الى الصواب وتحث على التفكر والبحث وليس من غرضنا ولا في وسعنا ان نعرض التفصيلات ولا ان نخوض في النقاشات فتفكر معي ما سالقيه عليك من المحاور التي لابد من استحضارها في هذا الموضوع. لانها لبه واساسه ومع ذلك فما اكثر غافلين عنها. ان الولاية او الامارة كبيرة كانت او صغيرة هي امانة ثقيلة ومسئولية عظيمة. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالامام راع ومسؤول عن رعيته. رواه البخاري ومسلم وقال ايضا عن الامارة انها امانة وانها يوم القيامة خزي وندامة الا من اخذها بحقها وادى الذي عليه فيها رواه مسلم. وان المقصود الاعظم من جميع الولايات في الاسلام هو ان يكون الدين كله لله. فحفظ الدين هو امانة التي على الحاكم ان يعتني بها اعظم العناية ويجعلها اولويته العظمى التي يهون في سبيلها كل شيء اخر حفظ الدين تحكيم شريعة رب العالمين. قال تعالى يا ايها الذين امنون اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فان تنازعتم فيه في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا. الم تر الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكمون الى الطاغوت وقد امروا يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا اه فذمهم الله تعالى لدعواهم الايمان بالكتب المنزلة مع كونهم يتركون التحاكم الى الكتاب والسنة. ويتحاكمون الى ما ظمونه من دون الله. وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر وسلموا تسليما فقال تعالى ان الحكم الا لله امر الا تعبدون الا وقال تعالى ومن لم يحكم الله فاولئك هم فاسقون. ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك اولئك هم الظالمون. ومن لم يحكم بما انزل الله الله فاولئك هم الكافرون وقال تعالى ام لهم شركاء شرعوا له من الدين ما لم ياذن به الله والايات في هذا المعنى كثيرة ومراجعة كلام المفسرين عليها كفيل بترسيخ هذا المعنى الاجماعي الذي لا خلاف فيه ويدخل في تحكيم الشريعة امور كثيرة منها اقامة الحدود والعقوبات الشرعية الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وحاشاها رضي الله عنها. اقامة واجبات التي فرضها الله تعالى كالصلاة والزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما قال تعالى من مكة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف نهوا عن المنكر ولله عاقبة اقامة العدل ورفع الظلم عن الناس كما قال تعالى ان الله يأمركم ان تودوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل انعم ما يعظكم به. ان الله كان سميعا بصيرا. وغير ذلك ككثير ان النصوص القرآنية والحديثية تدل على ان الحاكم المسلم رجل من المسلمين كلفته الامة بتحمل امانة الحكم وما يقتضيه من مسؤوليات فالحاكم لا يحكم بحق الهي كما استقر عليه الامر في الحكم الملكي الزمني في اوروبا خلال القرون الوسطى تختلط وفيه طاعة الحاكم مع طاعة الله تعالى وتتجسد فيه ارادة الله من خلال ارادة الحاكم وتكون فيه معارضة الحاكم معارضة لله او للدين كل ذلك غير معروف في الاسلام من خلال نصوص الوحي ولا من خلال التطبيق العملي للخلافة الراشدة. فالكتاب والسنة سنتهما مصدرا تشريع والحاكم والمحكوم معا مطالبان بالخضوع لهما. وليس للحاكم ان يشرع من القوانين الا ما لا يخالفهما ولا يجوز صرف نوع من انواع العبادة للحاكم كما قال تعالى من دون الله. وما ورد من وجوب طاعة ولي الامر فالمقصود به فيما هو طاعة لله. اذ لا طاعة لمخلوق في معصية لله تعالى انما الطاعة في المعروف. وما اجمل ما اثر عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه في اول خطبة له بعد البيعة اطيعوني ما اطعت الله ورسوله. فان عصيتهما فلا طاعة لي عليكم. والعلاقة بين الحاكم والمحكوم منضبطة في الاسلام بمبدأ صغرى التي هي طاعة لله تعالى واقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم. فقد امر الله سبحانه وتعالى بها رسوله الكريم وصلى الله عليه وسلم فقال وشاورهم في نمر. وجعلها الله تعالى من صفات المؤمنين الصالحين فاوردها بين ركنين طينين من اركان الدين هما الصلاة والزكاة. قال تعالى والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من يشاور اصحابه رضي الله عنهم في الامور التي تنزل بالمسلمين. ولا يكون فيها نص لازم اتباع. فقد استشار رسول الله اسفي الاسارى يوم بدر واستشار اصحابه للخروج لغزوة احد وشاور عليا واسامة في قضية الافك والشورى في الاسلام ليست مطلقة بل انما تكون في اطار الشريعة فلا تخرج عن النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واذا كان الحاكم والمحكوم منضبطين بالشريعة لا يحل لهما الخروج عنها. فان حرية الرأي والتعبير في الاسلام ليست مطلقة. والرأي الذي يتبناه الانسان ينقسم بحسب حكمه الشرعي الى اقصى من خمسة هي اقسام الحكم التكليفي. ويمكن اختزالها في ثلاثة اقسام وهو الواجب والمندوب وغير المشروع وهو الحرام والمكروه والمباح وهو المخير فيه. فاما القسم الاول فلا يجوز للحاكم ان يمنعها بل عليه ان يمنع تركه والتفريط فيه. ويدخل في هذا النوع الرأي السياسي المشروع كمحاسبة العمال والحكام. وانتقاد عملهم تقديم النصح لهم وعموم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك كما تدخل الاراء الفقهية الاجتهادية فليس للحاكم ان يحمل الفقهاء على قول واحد او يمنع اقوالا فقهية مخصوصة ما دامت تدخل في المشروع وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الجهاد افضل؟ فقال كلمة حق عند سلطان جائر. رواه احمد والنسائي. وقال ايضا ان الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه او شك ان يعمهم الله بعقاب منه. رواه احمد والترمذي وابو داود واما القسم الثاني فيندرج فيه جميع الاراء المنهي عنها شرعا. وعلى رأسها الكفر والبدع والطعن في شعائر الله ونشر الفواحش والقذف والسب وما اشبه ذلك فهذا النوع يجب على الحاكم منعه. ويدل على ذلك امور منها وجوب النهي عن المنكر على عامة المسلمين الحاكم منهم فهو مخاطب بهذا الوجوب بل هو اول المخاطبين به. لتوفر شرط القدرة عليه. فعل الصحابة وهو كثير مستفيض ما تقرر في الفقه السياسي الاسلامي من ان اعظم مسؤوليات الحاكم حفظ الدين ولا شك ان من حفظ الدين منع الاراء التي تناقض الشرع وتفسد اديان الناس. واما القسم الثالث فالاصل فيه عدم جواز تعرض الحاكم للناس فيما يرون من الاراء المباحة وذلك لحرمة دم المسلم وعرضه وماله فلا يجوز التعرض له بالعقوبة بغير حجة. وعلى هذا عمل المسلمين في زمن النبوة وعصر الخلافة الراشدة على ان للحاكم ان يقيد بعض المباحات اذا كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك والمرجعية التي يحتكم المسلمون اليها ويفيئون الى ظلها هي مرجعية الاسلام. ومعنى ذلك ان حياة المسلم الفردية والجماعية الثقافية والفكرية الاقتصادية والسياسية تخضع لمرجعية عليا هي المرجعية الشرعية الاسلامية فلا تخرج عن اطارها ولا اتتفلت من قيودها ولذلك فان العلمانية التي هي فصل الدين عن السياسة او عن الحياة العامة مرفوضة في الاسلام رفضا جليا لا غبار عليه مرفوضة لانها تناقض بوضوح المفهوم الاسلامي للدين وعلاقته بالدنيا عموما والسياسة خصوصا. مرفوضة لانها تحصل الدين في الدائرة الفردية فتلغي بذلك عشرات النصوص القرآنية والنبوية التي ترشد الى تنظيم حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قياسية مرفوضة لانها فكر وافد ليست له جذور فلسفية على ارض المسلمين ولا امتداد تاريخي ولا مشروعية اجتماعية مرفوضة لانها تنتشر في كل مكان وتملأ كل فراغ وتحكم الدولة وتشكل المجتمع وتصوغ وعي الافراد. مرفوضة لانها تسوق نفسها من خلال جميع بوسائل التسويق المتاحة اليوم في الاعلام والسينما وشبكات التواصل والمنابر السياسة ومحافل الاقتصاد او قل في كل مكان. مرفوضة انها تظهر نفسها على انها الحل لجميع المشكلات الحضارية والتنموية للعالم الاسلامي. ومرفوضة اخيرا لشدة التباسها المفاهيمي على الناس حتى ان الكثيرين يقعون فيها عمليا وهم يرفضونها نظريا ولبسط الكلام في هذه المعاني موضع اخر حتى يتبين لهم انه الحق يعرف العالم الحديث انتشار فكرة التصادم والصراع بين العلم والدين. وهي فكرة لم تكن معروفة في تاريخ امتنا الاسلامية. ولكنها ظهرت في اوروبا لاسباب تاريخية مرتبطة بخصوصيات الدين الكنسي الاوروبي وعلاقته بالعلم الحديث وقد بدأ هذا الصراع فلسفيا حين وضع الفيلسوف الفرنسي ديكارت اسس الفكر المنهجي العقلاني التي هددت اصول الفكر اللاهوتي الكنسي واقترن هذا بالتطورات الهائلة في ميدان العلوم الحديثة والاكتشافات الجغرافية والفلكية التي تتعارض مع ما كانت الكنيسة حول الارض والفلك وتمتحن الناس فيه على انه قضية ايمان وكفر. ثم انتقل الصراع الى ميدان السياسة تنظيرا كما في كتابات الفلاسفة الانوار ثم المدرسة الاشتراكية الفرنسية وتطبيقا خلال الثورة الفرنسية وما تلاها وافضى ذلك كله الى علموية القرن التاسع عشر التي تتميز بتقديس العلم الحديث واعتقاد كون سعادة البشرية يمكن تحقيقها من من طريق العلم وحده بعيدا عن الدين. وان الانتصارات المادية العظيمة التي يحققها العلماء كفيلة بتفسير كل شيء في الكون والمجتمع انسان وتأكد هذا الغرور العلمي بتطور العلوم الانسانية خاصة علم النفس وعلم اجتماعي ومحاولتهما ملء الفراغ الحاصل بعد الدين معتمدة على مناهج علمية تشبه مناهج العلوم التجريبية. وقد عرف القرن العشرون ظهور بعض التحفظ والنسبية في هذا من الغرور العلمي حين ظهرت حدود العلم في تفسيراته والنتائج الكارثية للعلم المادي غير المنضبط بالاخلاق الدينية. ولذلك العلماء اقل اعتدادا بمناهجهم العلمية واكثر استعدادا لاحترام الدين والاعتراف بمكانته في عالم الانسان ولكن مع ذلك بقي عدم التوافق بين العلم والدين موجودا في اذهان الناس ثم استقر امرهم في الغرب على توزيع للادوار بان يكون دور العلم من حديث وصف مظاهر الكون واكتشاف الوسائل الكفيلة بتحقيق راحة البشر المادية. وان يكون دور الدين حين يوجد توجيه السلوك البشري فردي وتحقيق السعادة الروحية والنفسية ان الغاية الكبرى التي يراد العلم لها هي ان يرى الانسان بسلوكه طريق العلم والمعرفة ان ما في الكون والطبيعة وخلق الانسان ادلة باهية على وجود الله وكمال ربوبيته. وهذا المعنى دل عليه قوله تعالى اتنا في نافسهم حتى يتبين لهم ان التدبر الساذج في مخلوقات الله تعالى وعظيم ما فيها من الاتقان وعجيب ما فيها من الدقة تناسق يفضي الى العلم بالخالق سبحانه. فكيف اذا كان هذا التدبر مشفوعا باليات العلم ومناهجه ووسائله الدقيقة ان العلم الحديث يمكنه ان يكون سلما يرتقي به الانسان ليس فقط نحو غايات الرفاه المادي. ولكن ايضا في مدارج العلم بالله ومعرفة في سننه في خلقه وحكمته في تدبير الكون والانسان. وذلك من اجل تحصين السكينة في الدنيا والسعادة في الاخرة والقرآن ليس في ذاته كتاب علم بالمعنى الحديث لهذه الكلمة ولكنه كتاب يدعو الى العلم ولا يعارضه ما دام مندرجا في هذا الاطار داعيا الى هذه الغاية. اما حين يكون العلم حبيس المعرفة الظاهرية ثم هو مع ذلك ينازع الدين في الغايات والعلل والحقائق الوجودية الكبرى التي لا سبيل للانسان الى معرفتها دون سند من الوحي فحينئذ يكون الصدام حتميا. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون. فكيف حين يزيدون على الغفلة التعالم والدعوى خاتمة واخيرا ها قد ان الاوان لنضع رحالنا بعد هذه الرحلة التي ارجوها ماتعة لك ايها الحبيب كما كان تدبيج فصولها ماتعا ونحن في هذه المحطة الاخيرة نستجمع قوانا الفكرية من اجل مجهود اخير. مجهود نجمع به الاسئلة التي حركتها الرحلة في اذهاننا والمشاعر التي اثارتها في نفوسنا. فنرجع الى مواطن الظل التي نرى انها لا تزال محتاجة الى بحث ادق وتأمل اعمق واطلاع اوسع نرجع اليها بعزيمة تهد الجبال وهمة تناطح السحاب. واعيننا تلتهم الافق البعيدة حيث الغاية التي نسعى اليها بكل ذرة من كياننا. رضا ربنا وفي ضمنه سعادة الدنيا والاخرة. والحمد لله الذي بنعمته يتموا الصالحات