بسم الله الرحمن الرحيم. يسر تسجيلات الراية الاسلامية بالرياض ان تقدم لكم هذه المحاضرة والتي بعنوان فضائل الدعاء للابناء. القاها فضيلة الشيخ الاستاذ الدكتور عبدالسلام ابن محمد الشوير. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحبه ربنا جل وعلا ويرضاه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله واصحابه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ثم اما بعد. فاني اشكر الله الله عز وجل اولا واخرا على نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم منها ما نعلم ويخفى علينا من نعمه جل وعلا والائه الشيء الكثير ثم بعد حمد الله عز وجل والثناء عليه وشكره سبحانه. اشكر الاخوة الافاضل في وكالة شؤون المسجد النبوي عقد هذا اللقاء وغيره من اللقاءات. حديثنا في هذا المسائل بمشيئة الله عز وجل سيكون حديثا عن فعل يسير لكن له اثر عظيما جدا في الفاعل ويتعداه الى غيره. حديثنا في هذه الليلة بمشيئة الله عز وجل سيكون اذا عن الدعاء بين الاباء وابنائهم والابناء وابائهم. وذلك ان والدعاء امر عجيب وله اثر جليل في النفوس. ولا شك ان من السهام النافذة والاسباب المجربة في النفع دعاء الاباء لابنائهم. دعائهم لهم بالصلاح. ودعاؤهم لهم بخيري الدنيا والاخرة. وقد الله عز وجل في كتابه في اكثر من موضع ان دعاء الاباء لابنائهم هو دأب الصالحين وعليه يستمرون في احوال كثيرة يرى. فيقول الله عز وجل في صفة عباد الرحمن والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما. فبين الله عز وجل في هذه الاية ان عباد الرحمن من صفاتهم الظاهرة هنا التي يستمرون عليها ويلازمونها هذا الدعاء الذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين قرة اعين تقر الاعين بهم. فلا تندم على شيء فات ولا تنظر الى غيرهم اجعلنا للمتقين اماما يقتدى بنا في الصلاح والعبادة وغير ذلك. ولا شك ان من اعظم ما تقر به الاعين واجل نعم الله عز وجل على العبد صلاح ذريته. كما قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى نعم الاله على العباد كثيرة واجلهن نجابة الاولاد. فاذا قرت العين بصلاح الابناء ذكورا واناثا. واستقامة حياتهم وحالهم فانها النعمة التي لا نعمة بعدها. وقد ذكر بعض اهل العلم رحمهم الله تعالى معنى اخر صفتي واثر دعاء الله عز وجل بان يجعل الذرية قرة للعين بان يكونوا امام ناظريه وذلك ان من النعم العظيمة ان يكون ابناء المرء بين عينيه حاضرين بين يديه اذا امرهم امتثلوا. واذا اشار عليهم اطاعوه. فيكونون في حاجته ويقر بصلاح ودنياهم واستدلوا على ذلك بما امتن الله عز وجل به على بعض المشركين حينما قال سبحانه وبنين شهودا اي ان ابناءه يكونون مشاهدين له يشاهدهم. فكما يتلذذ بوجودهم فانه يتلذذ بحضورهم ويتنعم بذلك. فيكون دعاء الله عز وجل بان يجعل الابناء قرة عين يشمل حضورهم اتاهم واستقرار حياتهم وصلاح اعمالهم وانتفاعه بهم وغير ذلك. واذا كانت هذه الجملة رويتني الخير كله في صلاح الازواج والذرية. ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين. ولما ذكر الله عز وجل هذا الدعاء من صفة عباد الرحمن ذكره في سياق الثناء على صفاتهم. وهذا يفيدنا ان هذا الدعاء من لازمه فانها صفة مدح فيه. اذ ذكرها الله عز وجل في سياق المدح ومن الايات التي ذكر الله عز وجل فيها ان المؤمنين المتقين كاملي الدين وكامل العقل معا يكثرون من دعاء الله عز وجل لابنائهم. ما ذكره الله عز وجل في قوله حينما قال حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة قال ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فذكر الله عز وجل ان المرء اذا بلغ اشده وبلغ تمامه حينما يبلغ اربعين سنة فيذهب من نفسه كثير من الرغبة بشهوات الدنيا وملاذها فانه يقبل على الله عز وجل وجل اقبالا كبيرا ويكثر من دعاء الله عز وجل بان يعينه على طاعته سبحانه وتعالى اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي ويذكر والديه دائما بالدعاء وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه. ثم ذكر بعد ذلك انه يدعو لذريته بالصلاح واصلح لي في ذريتي. ولا شك ان اعظم الدعاء للذرية الدعاء لهم طلح فمن اصلح الله له ذريته فقد استقام امرهم وقرت عينه وسعد وسعدوا معا الصلاح يشمل صلاح الدين والدنيا معا. ولذا فلا غروا ان من نظر في سير انبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم يجد هم ملازمين لهذا الدعاء دعاء الصلاح للذرية والدعاء لهم بخيري الدنيا والاخرة ولننظر في كتاب الله عز وجل فاننا سنجد دعاء كثيرا لانبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم. فابراهيم نبي الله وابو انبياء الله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم يقول في دعائه ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. فدعا الله عز وجل لنفسه ثم دعا لذريته بان يكونوا الصلاة ولا شك ان الصلاة بمعناها العام او بمعناها الخاص من اتى بها فانه يكون حين قد حصل عمود الخير وقطبه وما عداه يكون تابعا له. رب اجعلني مقيم الصلاة من ذريتي. ومن دعائه عليه وعلى نبينا افضل الصلاة واتم التسليم قوله. رب اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام. ولا شك ان الدعاء بالتوحيد والبعد عن الشرك كبيره وصغيره ومن اعظم نعم الله عز وجل على العبد. واذا تحقق له ولذريته فان ذلك يكون سببا في صرف عنهم بامر الله عز وجل. وهذا داخل في المعنى العام في قوله ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. فقد ذكرت قبل ان ان قول الله عز وجل ربي اجعلني مقيم الصلاة الصلاة لها معنيان معنى خاص ومعنى عام فالخاص هي العبادات التي تكون مفتتحة بالتكبير ومختتمة ومختتمة بالتسليم او نحوها في شرائع انبياء الله عز وجل والمعنى العام هو الدعاء ولا شك ان الدعاء اذا كان خالصا لله عز وجل فانه هو التوحيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة. ومن اشرك في الدعاء فقد اشرك الله عز وجل في عبادته. فيكون داخلا فيما ذمه الله عز وجل من الشرك نسأل الله السلامة. ومن دعاء ابراهيم عليه السلام لابنائه ربي هب لي من الصالحين. فدعا بصلاح ابنائه على سبيل جملة. وهذا موافق لما حكاه الله عز وجل عن دعاءه لعباد الله الصالحين انهم يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين. وقد حكى الله عز وجل عن ابراهيم ما ان قاله هو وابنه اسماعيل عليه السلام. فانهما حينما امتن الله عز وجل عليهما بطاعة بناء بيت الله الحرام دعوا الله عز وجل فقال ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا علينا انك انت التواب الرحيم. فلقد اكثر ابراهيم عليه السلام من الدعاء بصلاح ذريته وبفلاحهم وببعدهم عن الشرك وقد استجاب الله عز وجل دعاءه فجعل النبوة والرسالة في ذريته دون باقي العالمين والتي ختمت بنبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم. ونحن في صلاتنا ندعو الله عز وجل ان يصلي على محمد واله. كما صلى على ال ابراهيم. وفي لفظ كما صلى على ابراهيم وال وذكرت اللفظين لان اهل العلم يقولون ان اللفظ ان كلاهما مشروع. ولكن اللفظ الاول اصح، نص على ذلك الامام احمد وغيره وهذا من بركة دعاء ابراهيم عليه السلام لذريته. فان الله عز وجل استجاب دعاءه في كثير من ذريته فاصلحهم له مقارنة بغيره من ذرية العالمين. ومن الدعاء لاحاد الذرية دعاء ام مريم عليها السلام قيم حينما دعت فقالت واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فاعاد الله عز وجل مريم عليها السلام وابنها عيسى ابن مريم عليه السلام من الشيطان فكانوا في منزلة عالية. وممن دعا ايضا زكريا لما رأى عظم نعم الله عز وجل وقدرته. فكان من دعاء زكريا عليه السلام ان دعى الله عز وجل ان يرزقه ذرية طيبة. هنالك دعا زكريا ربه. قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء فاستجاب الله عز وجل لزكريا ورزقه ولدا كان نبيا رسولا وقتل شهيدا في سبيل الله عز وجل وهو يحيى عليه السلام ابن خالتي عيسى ابن مريم. فالمقصود من هذا كله ان الدعاء ذكره الله عز صفة لعباد الرحمن وهو كذلك. فان اجل وافضل عباد الرحمن هم انبياء الله صلوات وسلامه عليهم وقد حكى الله عز وجل في كتابه من دعائهم من دعائهم الله عز وجل بصلاح الذرية وطيبهم وتعويذهم من الشيطان ما حكاه الله سبحانه وتعالى ليقتدي بهم المؤمنون وليستنوا بهديهم وليعلم المسلم ان الوالد والوالدة مهما حرصا على الاجتهاد في التنشئة والتربية لابنائهم فانه اذا لم يكن لهم عون من الله عز وجل فلن يكون المآل على ما رجى على ما رجيا. ولن يكون الامر على ما تمنيا اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده. لذلك فان المرء مأمور امر وجوب او ندب بالدعاء لابنائه. وفي دعاء المرء لابنائه اسرار ومعان عظيمة. ينتفع بها الاب وينتفع بها الابن معه فمن ذلك ان الوالدين اذا دعيا لابنائهما فانه اقرار منهم في انفسهم بالعجز مصيري في تصرفاتهم فكأنهم وكلوا الامر الى الله عز وجل في تقصيرهم. فلا يتكل احد منهم على نفسه ولا على عمله ولا على تربيته لابنائه. وانما يكل الامر لتدبير الله عز وجل. ويكل الامر لفعله سبحانه تعالى ومن وكل امره الى الله سبحانه وتعالى وتبرأ من الحول والقوة فان الله عز وجل لا يخيب رجاءه ولا يضيع امله بل يعطيه اكثر مما يرجو واحسن مما يتمنى. ومن المعاني كذلك ان الداعية من الابوين اذا سأل الله عز وجل الصلاح لابنائه وسأله سبحانه وتعالى التوفيق لهم ولم يعتد في دعائه بان سأل مجمل الخير ولم يسأل دقائق الامور وتفصيلاتها فانه يكل الى الله عز وجل الامر بالتدبير في امور ابنائه. ومن اخير من الله عز وجل ومن قضائه جل وعلا. فكم من امرئ يرجو لنفسه او ابنائه او امرأة ولكن الله عز وجل يحمي ويصرفه عنه الى غيره. والخير كله في صرف الله عز وجل عن ذلك الامر من مال او عمل او وظيفة او حال من احوال هذه الدنيا. ولذلك قيل في الخبر انه لو كشف القدر لحمد المقدور. فالمرء اذا كان قد وكل امره لله سبحانه وتعالى واكثر من دعائه سبحانه وتعالى فانه يستقر في نفسه الرضا عن قضاء الله عز وجل وقدره. ولا يكون له حزن ولا يكون له قنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى. وليعلم العبد ان الدعاء انما يكون بالمجمل ولا يكون بالمفصل. ولعله ان يكون في حديثنا اليوم من الوقت ما يكفي لنتحدث عن هذه الجزئية. ولكن المقصود ان الاتكال على الله عز وجل نافع النفع في قضية تفويض الامر له سبحانه وتعالى في هذه الامور وجعل الخيرة له سبحانه وتعالى في التدبير والاصلاح للعبد. ودعاء الوالدين لابنائهم. ليس كائنا في وقت معين. بل انه حال صغرهم وحال نضجهم وكبرهم بل انه يكون قبل ذلك قبل ولادتهم بل قبل علوق الولد في رحم امه. فالعبد يدعو الله عز وجل قبل زواجه وبعده وبعد وقبل الولادة وبعد بقول الله عز وجل ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما قد جاء عن كثير من السلف رحمهم الله تعالى انهم كانوا يدعون بهذا الدعاء كثيرا ويجعلونه في صلاتهم ويلازمونه في احوالهم بهم ولا شك ان افضل الدعاء واكمله وانفعه واصلحه ما كان في كتاب الله عز وجل كيف وهذا الدعاء ذكره الله عز وجل في مقام الثناء. وفي مقام صفة الكمال لعباد الرحمن. ومن دعاء الوالدين لابنائهم دعاء قبل ولادته بان يجنب الشيطان. ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو ان احدكم اذا اتى اهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فقضي بينهما ولد لم يضره اي لم يضره الشيطان. ومعنى قوله لم يضره هو مطلق فيكون له معان متعددة. ومتنوعة وفضل الله واسع ذلك كله وهذا الدعاء شبيه بدعاء ام مريم عليها السلام لمريم. حينما قالت واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. وهذا الدعاء اورد فقهاء رحمهم الله تعالى فيه نكتة هل يقوله الزوج وحده ام ام يقوله الزوج وزوجه وفيه احتمالان اوردهما القاضي علاء الدين المرداوي. فان من الفقهاء من تمسك بالخطاب لو ان احدكم فقال هو خاص بالزوج ولكن الظاهر انه شامل لهما فيدعو به الزوجان معا وهو ظاهر المعاني في الاحاديث. ومما يكون فيه الدعاء للابناء الدعاء بتعويدهم حال صغرهم. وقد يستمر ذلك بعد كبرهم. فقد جاء في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يعوذ الحسن والحسين فيقول اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. وهذا التعويض من اعظم التعويض وانفعه للصغار خاصة الناس. فهو تعويذ بكلمات الله كلامه سبحانه. ومن اعظم كلامه بل هو اعظم كلامه جل وعلا الذي يعلمه القرآن من كل شيطان وهامة. ومن كل عين لامة. ومن سلم من هذه الامور الثلاث فقد سلم من كثير من الافات التي تعرض على الناس في دينهم ودنياهم. ودعاء الوالد لابنه. ذكر كثير من اهل العلم انه من اسباب باجابة الدعاء. وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة. ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن. وذكر من هذه الدعوات الثلاث دعوة الوالد لولده. باللام فعداها باللام اي الدعوة له بما ينفع. وذكرت هذا لانه قد جاء في لفظ عند الامام احمد وغيره لفظ الحديث ثلاث دعوات يستجاب لهن ولا شك وذكر منهن دعوة الوالد على ولده. فتكون الدعوة عليه لا له. ولا مانع ان يكون الحديثان مرويان. وقد روى ابو داوود في السنن هذا الحديث مطلقا. فقال ورد فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث دعوات يستجاب لهن ولا شك وذكر منهن دعوة الوالد. فتشمل ذلك دعوة الوالد لولده ودعوته عليه ولا شك ان دعوة الوالد لولده بما ينفعه فانه يكون سببا لاجابة الدعاء. وقد جاء اه عند ابن ماجة وحسنه جمع من اهل العلم من حديث ام حكيم بنت وادعة الخزاعية رضي الله عنها انها سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول دعاء الوالد يفضي الى الحجاب. اي انه لا يكون مردودا وقد جاء معناه عن جماعة من السلف فقد قال مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما قال دعوة الوالد لا تحجب دون الله عز وجل وجاء ان بعض اصحاب الحسن ابن ابي الحسن البصري قال له ما دعاء الوالدين للولد؟ فقال الحسن هو نجاة قال فقلت له فدعاؤهم عليه. قال هو استئصال. اذا فدعاء الوالد لولده ودعاؤه عليه كذلك هو من اسباب استجابة الدعاء ومما استدلوا به على استجابة الدعاء اذا دعا على ولده ما جاء في قصة جريج العابد حينما دعت عليه امه فانها حينما دعت عليه امه استجاب الله دعاءها. وعرض عليه ما عرض في قصته المعروفة فاخذ من ذلك اهل العلم كما قال ابن رجب ان في حديث جريج الذي في الصحيح دليل على اجابة دعاء الام على ولدها. ولذلك قال بعض السلف وهذا كلام ابن رجب كذلك. انه يستجاب دعاء الوالدين على الولد وان كان وان كانت الام ظالمة. فيستجاب دعاؤها وان كانت ظالمة وهذا يدلنا على هذين الامرين المتقابلين دعاء الوالدين للابناء ودعاؤهم عليهم. فانها من اسباب اجابة الدعاء فحري بالوالدين حيث كان بيدهم هذا السلاح النافذ وهذا السهم القوي الواصل الا يدعوا لابنائهم الا بخير. والا يدعوا عليهم بالفتنة والضلال. وقد جاء في قصة جريج مع امه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو دعت عليه ان يفتن لفتن. اي لو فتن في دينه. ولكن امه لم تدعو عليه بذلك. وانما دعت عليه بالا يميته حتى يرى وجوه المومسات. وليعلم المسلم انه وان كان ذلك سببا لاجابة الدعاء الا انه قد يكون الله عز وجل لحكمة ارادها. وامر سبحانه وتعالى اقتضاه وقدره. قد لا يجيب نص دعاء كما في قصة نوح عليه السلام مع ابنه حينما دعا له فقال الله عز وجل ونادى نوح ربه فقال رب نبني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين. قال يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح. الا تسألني ما ليس لك به في علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين. قال ربي اني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي به علم. والا تغفر لي وترحمني اكن من مع السلامة. فبين الله عز وجل في هذه الاية ان نوحا لما اعلمه الله عز وجل ان دعاءه ليس بنافع ابنه. امتنع نوح عليه السلام من ذلك الدعاء. وهذا يدلنا على امرين. الامر الاول ان بعض الدعاء قد لا يستجاب لحكمة ارادها الله عز وجل. ومن هذه الحكم ان الله عز وجل قد يجعل هذا الدعاء رادا به شرا لا يعلمه ذلك العبد ان الدعاء يصعد وان القدر ينزل. فلربما اختلجا فمنع الدعاء بعض القدر المقدر فليعلم المسلم ان دعاءه بصلاحه لابنائه ربما لم يستجب بنصه او كما يرجو لكن ليعلم ان حال ابنه وحال نفسه ربما لم تكن على هذه الهيئة من الخير لو لم يدعو هذا الدعاء وان لم يكن موافقا لما دعا. فرد الله عز وجل عنه من الشر اعظم مما سأل وقد تكون الحكمة ادخار اجر هذا الدعاء ليوم القيامة. فيجد المرء في صحيفة حسناته من الثواب العظيم والاجر العميم ما لا يحتسب بسبب دعاء دعاه في الدنيا متضرعا لله عز وجل راغبا اليه وكان حريصا على هذا الدعاء ولكنه لم يعطه ادخره الله عز وجل له مثوبة وهذا من افظال الله عز وجل عام لله سبحانه وتعالى على ذلك العبد. وهذا تفضل سبحانه وتعالى منه ومنة وكرم جل وعلا. فان فضل الله عز وجل واسع عميم سبحانه وتعالى. وهذا الدعاء للابناء ينفع الله عز وجل به العبد من الابناء بعد وفاة الداعي كما جاء ان ابن عباس رضي الله عنهما قال ضمن النبي صلى الله عليه وسلم الى صدره وقال اللهم علمه التأويل او قال اللهم علمه الحكمة. فكان ابن عباس رضي الله عنه من اعلم الناس بكتاب الله عز وجل. بل هو ترجمان القرآن. فكانت هذه الدعوة نافعة لابن عباس اعظم النفع كيف وقد خرجت من شي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اكرم الناس واشرفهم. ايها الافاضل ان دعاء الله عز وجل بصلاح ذرية لهو من اعظم الامور لكن بشرط او بشروط. الشرط الاول ان يكون المرء داع لله عز عز وجل بقلب متضرع وان يكون مقرا على نفسه بالاستكانة اجاب لله سبحانه وتعالى. ولذلك جاء في قول الله عز وجل في الذين يدعون الله عز وجل عند بلوغ حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى وعلى والدي وان اعمل اصالحا ترضاه فقدم ذلك العبد التضرع لله عز وجل بذكر نعمه. وسأل الله عز وجل حسن العبادة ثم بعد ذلك دعا فقال واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين. فاعقب ذلك بالتوبة الى الله عز وجل والانابة فمن تاب من الذنب كان ذلك احرى باجابة دعائه. روى ابن ابي حاتم في تفسيره عن الزاهد الورع ما لك ابن مغول انه قال شكى ابو معشر ابنه الى طلحة ابن مصرف رحمه الله تعالى. وذكر انه لا يستقيم له على الحال الذي يحبها ويرضاها فقال له طلحة استعن بهذه الاية. وهي قول الله عز وجل رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه، واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك ، واني من المسلمين. وصدق رحمه الله فان اعظم الدعاء الدعاء بما ذكره الله عز وجل في كتابه. وهذا يدلنا على الانتقال للامر الثاني المهم وهو الدعاء ان من اسباب اجابة الدعاء ومن اسباب قبوله عند الله عز وجل الا يعتدي. الداعي في دعائه وقد قال الله عز وجل ولا تعتدوا انه لا يحب المعتدين. وقد ذكر اهل العلم ان الاعتداء منهي عنه في كل شيء ومنه الاعتداء في الدعاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي اقوام يعتدون في دعائهم. ولذا فان المسلم يحرص على ان يدعو الله عز وجل جوامع الكلم فيكل اليه سبحانه وتعالى الامور في تقديرها واختيارها وتدبيرها وهو سبحانه وتعالى من العبد بنفسه وهو اعلم بما يصلحه ويصلح ابناءه. كما قال جل وعلا الا له الخلق والامر. فهو الذي خلقنا وخلق المخلوقات في السماوات والارض. وهو الله سبحانه وتعالى اعلم بالامر الذي يدبره. ومن الامر الذي يدبره ما يكون به صلاحهم. ولو نظرنا في الدعاء الذي في كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه واله وسلم لوجدناه من الدعاء المشتمل على جوامع الكلم. وهو الحري ان يدعو به المسلم. فمن هذا الدعاء ما مر معنا في قوله لله عز وجل في سورة النمل حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة فان الدعاء فيه يقول واصلح لي في ذريتي واصلح لي في ذريتي. لا شك ان من اجمل الدعاء من باب الاجمال والجمال معا. الدعاء بالصلاح فان صلاح القلب وصلاح العمل وصلاح اللسان. كله مندرج في قوله واصلح لي في ذريتي. وان الصلاح فيه كذلك يشمل صلاح الدين وصلاح الدنيا. يشمل صلاح اليوم وصلاح المستقبل. يشمل صلاحه في نفسه وصلاحه المتعدي لغيره ولذا ادعوا الله عز وجل بصلاح الذرية مستشعرا معنى الصلاح وان الصلاح شامل لهذه الامور كلها مفوضا لله سبحانه وتعالى ذلك الصلاح فانه اعلم بما يكون اصلح احوال العباد. وكما تعلمون جاء في الاثر ان من من عباد الله عز وجل مال من لا يصلحه الا الفقر. فلو اغناه الله عز وجل لطغى. وان من عباد الله عز وجل من لا يصلحه الا الى الغنى فلو افقره لطغى او نحو مما جاء. ومن الدعاء الذي في كتاب الله عز وجل المجمل الاجمل ما جاء في سورة الفرقان في قوله جل وعلا والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين. فالدعاء بقرة اعين ابناء من اكمل الدعاء وانفعه للابوين والابناء معه. ومن الدعاء كذلك دعاء ام مريم عليها السلام حينما قالت واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. الاعادة من الشيطان الرجيم نفع. اذ الشيطان يشمل شياطين الانس وشياطين الجن معا. واذا كفي المرء من هذين النوعين من الشياطين. فقد كفي نوعا عظيما من الاسباب التي تعينه او التي تأمره بالشر. فبقي له نفسه والدعاء بصلاحها ينفي عليه شر نفسه باذن الله عز وجل ومر معنا ان من دعاء ابراهيم عليه السلام الدعاء باقامة الصلاة. ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. ربنا وتقبل دعاء رب اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام. فدعا ابراهيم عليه السلام بدعوته حينما قال رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء وحينما قال ربي اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام الدعوة الاولى اقامة الصلاة. والدعوة الثانية تجنب عبادة الاصنام. سواء كان الشرك في عبادة الله عز وجل شركا اكبر او شركا اصغر الذي يدخل فيه الحلف بغير الله عز وجل والرياء والتسميع ونحوه. ومن دعاء فهم الذي دعا به الدعاء ببقاء الذرية على الاسلام. فقد قال ابراهيم وابنه عليهما السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك. ومن ذريتنا امة مسلمة لك. فالدعاء بالبقاء على الاسلام الدعاء بالموت عليه نعمة. ونعلم الاثر الذي جاء ان عبد الله بن الامام احمد قال عند ابيه اللهم امتني الاسلام فقال له ابوه قل اللهم امتني على الاسلام والسنة. اذ هذين الامرين متلازمان. المقصود ان الدعاء بالثبات على الاسلام وعدم الفتنة فيه من اعظم الدعاء فحينما يدعو المرء لابنائه بالاسلام وبقائهم عليه هو دعاء دعاء لهم بعدم الفتنة ونحن نعلم ان المسلم يدعو في كل صلاة من صلواته على سبيل الندب فيقول اللهم اني اعوذ بك من فتنة المحيا والممات وقد جاء في الحديث ان الرجل يعمل بعمل اهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها الا ذراع. فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها. ومن الدعاء الذي في كتاب الله عز وجل دعاء زكريا عليه السلام. حينما قال ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء. فالدعاء بكونها ذرية طيبة تشمل اوصافا كثيرة. وهذا فمن المطلق الذي يحتمل المعاني والله عز وجل يريد به الخير في اعطائه الطيب في كل شيء. ولا شك ان المرء اذا رأى طيب ابنائه وذريته فانه يصل اليه الخير في حياته وبعد وفاته. فان الذرية الطيبة تنفع اباءها بعد وفاتها. ونفع الابناء لابائهم يكون بدعائهم لهم. واستغفارهم بعد وفاتهم والدعاء للاباء لا شك انه فراضل وهو من اعظم ما ينتفع به الاباء من ابنائهم كما في قول الله عز وجل واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. قال قتادة حينما قرأ هذه الاية وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. هكذا علمتم. وبهذا امرتم فخذوا تعليم الله عز وجل وادبه. وقول قتادة هذا يشمل الامرين يشمل الدعاء للوالدين. ويشمل كذلك بعموم به ما علمنا وامرنا من الدعاء للابناء. ولا شك ان من اعظم الخير الذي يصل من ابنائهم ان يدعوا لهم. وهذا علامة البر والطيب للابناء ان يدعوا لابائهم وهكذا كان الصالحون فقد نقل صالح بن الامام احمد ان عامر بن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه قال ما سألت الله عز وجل حاجة لنفسي بعد موت ابي الا بعد سنة. فمكث عامر بن عبدالله يدعو لابيه الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير كاملة ولا يدعو لنفسه من حين وفاته. ثم بعد ذلك بدأ يدعو لنفسه ويشرك اباه في دعائه. وهذا من اعظم البر كما نعلم وفي الحديث الصحيح انه اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث ومن هذه الثلاث او ولد صالح ادعوا له وقد جاء عند الامام احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل الصالح لترفع له الدرجة في الجنة فيقول يا ربي انى لي هذا فيقول باستغفار ولدك لك. وغير ذلك من الاثار الكثيرة ويعني الاخبار المتنوعة عن في ان من طيب الابناء دعاؤهم لابائهم. فالمرء حينما يدعو بطيب ابناءه وصلاحهم من اعظم طلاحهم استمرارهم في دعائهم لابائهم. وذلك ان الولد اذا دعا لابيه او امه فانه يكون مخلصا غاية الاخلاص في دعائه. واما طيب الولد ان استجيب فانه يتعدى لابيه. ومن اللطائف ما جاء عن الشعبي رحمه الله تعالى انه قال ما اورثني ابواي مالا اصلهما منه ولم استفد بعد وفاتهما مالا لاصلهما به كذلك. قال ولكني اصبر على الغيظ الشديد اكظمه التمس برهما. فكأنه يقول انه اذا جاءني الغيظ الشديد اكظموا الغيظ لكي لا يسب والدي عند الخصومة. ولكي اذا كظمت الغيظ دعا لي ولوالدي. انظر كيف ان طيب الولد وصلاحه يتعدى لابائها وينتفع اباؤه به ولو كان والداه ميتين قبله فان ذلك يتعدى للوالدين هذا الصلاح وهذا الطيب الذي يدعو به الابناء ويكون ناتجا دعاء الاباء للابناء. واختم حديثي بسبب مهم من اسباب اجابة الدعاء وهو ان يعنى الوالدان بصلاح افعالهم. فلا يظن الوالد ان الدعاء مجرد لفظة يقولها بفيه ثم تكون كما اراد. بل ان المرء لا بد ان يقدم بين دعائه بالعمل الصالح. وقد جاء ان سعيد بن جبير رحمه الله تعالى كان يقول اني لازيد في صلاتي من اجل ابني هذا. قال الراوي عن سعيد وذلك رجاء ان يحفظ فيه فقوله اني لازيد في صلاتي اي في الطاعة عموما او لازيد دعاء فادعو ان يحفظ الله عز وجل ابني. وهذا معنى قول التابعين الجليل محمد بن المنكدر ان الله عز وجل يحفظ المؤمن في ولده وولد ولده ويحفظه في لدويرته ودويرات حوله. فما يزالون في حفظ او في عافية ما كان بين ظهرانهم. وجاء عن وهب ابن منبه انه قال ان الله عز وجل يحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس. وهذا يدلنا على ان بركة صلاح الوالدين يتعدى ابنائهم وابناء ابنائهم ولا شك ان من الصفات اللازمة للاباء الصالحين والامهات الصالحات كثرة الدعاء بصلاح الذرية وبطيبهم اسلامهم وايمانهم واستقامتهم على شرع الله عز وجل اسأل الله العظيم رب العرش الكريم ان يرزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح وان يتولانا بهداه وان يغفر لنا ولوالدينا والمسلمات واسأله سبحانه ان يعيننا على انفسنا والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين ولا اقل من ذلك جل وعلا ان يصلح لنا في نياتنا وذرياتنا وان يغفر لنا ولوالدينا وان يرينا الحق حقا وان ارزقنا اتباعه وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. واسأله جل وعلا ان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وان يذكرنا ما نسينا من كتاب الله عز وجل ومن العلم والهدى والسنة. وان يرزقنا الفقه في الدين وان يوفق ويصلح ويغفر لولاة امورنا وان يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والله اعلم. جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء. وجعلنا الله واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه. وتقبلوا تحيات اخوانكم في تسجيلات الراية الاسلامية بالرياض سلام عليكم ورحمة الله وبركاته