الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على امام الاتقياء وسيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد سورة البقرة سورة البقرة هي السورة الثانية في ترتيب المصحف الشريف وهي اول سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. وهي اطول سورة في كتاب الله عز وجل ابتدأ نزولها بعد الهجرة وظل مفتوحا حتى نزلت اخر اية في القرآن الكريم. وفيها اطول اية في القرآن وفيها افضل اية في كتاب الله عز وجل. وهي اية الكرسي وفيها ايتان من افضل ايات القرآن الكريم وهما اخر سورة البقرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأوا سورة البقرة. فان اخذها بركة وتركها حسرة لا تستطيعها البطلة. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان سورة البقرة وال عمران يأتيان يوم القيامة كانهما غمامتان او ظلتان سوداوان تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة وهذه السورة المباركة على طولها تتألف من مقدمة واربعة مقاصد وخاتمة جاءت المقدمة في التعريف بشأن القرآن العظيم وبيان ان ما فيه من الهداية قد بلغ حدا من الوضوح لا يتردد فيه ذو قلب سليم وانما يعرض عنه من لا قلب له او من كان في قلبه مرض فاما المقصد الاول فجاء في دعوة الناس كافة الى اعتناق الاسلام وفي المقصد الثاني في دعوة اهل الكتاب دعوة خاصة الى ترك باطلهم والدخول في الدين الحق وفي ثالث مقاصد السورة جاء في عرض شرائع هذا الدين تفصيلا. وفي المقصد الرابع ذكر الوازع والنازع الديني الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع ويعصم عن مخالفتها وفي الخاتمة جاء التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد وبيان ما يرجى لهم في اجلهم وعاجلهم جاءت مقدمة السورة في عشرين اية بدأت السورة الكريمة بثلاثة احرف مقطعة لا عهد للعرب بتصدير مثلها في الانشاء والانشاد وانما عهدوها من القراء الكاتبين في بدء تعليمهم التهجي للناشئين الف لام ميم ومهما يكن من امر المعنى الذي قصد اليه بهذه الاحرف والسر الذي وضعت هنا من اجله فان تقديمها بين يدي الخطاب مع غرابة نظمها وموقعها من شأنه ان رضا الاسماع ويوجه القلوب لما يلي هذا الاسلوب الغريب ثم ذكرت السورة وصف من ينتفع بالقرآن ونحن في بداية القرآن العظيم فذكرت السورة ان القرآن هدى لا ريب فيه لكنه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون ثم انتقلت السورة الى تقسيم الناس جميعا الى ثلاثة اقسام ليس لها رابع فالناس اما مؤمن واما كافر واما منافق. فاما الطائفة الاولى فهم قوم حصلوا فضيلة التقوى بركنيها العلمية والعملي وهذا مآلهم وامرهم الى الفوز والفلاح واما الطائفة الثانية فهم مجردون من اساس التقوى وهو الايمان والسبب انهم لم ينتفعوا بما وهبهم الله عز وجل من وسائل العلم فلهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها وعاقبة امرهم العذاب العظيم وهم الكفار واما الطائفة الثالثة فصفة مركبة من ظاهر خير وباطن سوء فهم يقولون بالسنتهم بالسنتهم انهم مؤمنون وليس في قلوبهم من الايمان شيء ولكل من الوصفين سبب وجزاء اما دعواهم الايمان فسببها قصد المخادعة. وجزاء الخادع عائد اليهم. واما اصرارهم الكفر سببه مرض قلوبهم وجزاؤهم زيادة المرض والعذاب الاليم وضربت السورة لتلك الطائفتين مثلا يناسبها ثم انتقلت السورة المباركة الى المقصد الاول من مقاصد السورة والمقصد الاول من مقاصد السورة جاء في خمس ايات في هذه الايات الخمس تسمع نداء قويا موجها الى العالم كله بثلاثة مطالب المطلب الاول الا تعبدوا الا الله ولا تشركوا به شيئا المطلب الثاني ان امنوا بكتابه الذي نزله على عبده المطلب الثالث ان اتقل اليم العذاب وابتغوا جزيل الثواب وهذه المطالب الثلاثة هي الاركان الثلاثة للعقيدة الاسلامية تراها قد بسطت مرتبة على ترتيبها الطبيعي من المبدأ الى الواسطة الى الغاية ثم تحدثت السورة عودا على بدء في اربع عشرة اية السورة قد بدأت بوصف القرآن بما فيه من الهدى اجمالا ووصفت الفرق الثلاثة وصفا شافيا ضرب للناس امثالهم. وحقق ان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم وكذلك عاد الكلام الى المقصد الاول باركانه الثلاثة ولكن في ثوب جديد اما في الركن الاول فقد سمعته هناك يأمر بعبادة الله. وتسمعه هنا ينهى عن الكفر بالله. وهناك ذكرهم بنعمة مجملة وهنا يذكرهم بها مفصلة متممة. وهناك عرفهم بنعمة تسخير الارض والسماء لهم. وهنا يعرفهم بذلك في شيء من التفصيل في الركن الثاني ذكر نبوة هذا النبي الخاتم. وهنا يذكر نبوة ذلك النبي الاول ادم لنعلم ان نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعا من الرسل وان امر التشريع والنبوات امر قديم يتصل بنشأة الانسان واما في الركن الثالث فقد رأيته هناك يصف الجنة والنار بما لهما من وصف رائع او مروع وتراه هنا يكتفي عن وصفهما بذكر اسمهما وتعيين اهلهما ناظما وضع الاجزية مع وضع التكاليف في سلك واحد ومتخلصا احسن تخلص من احدهما الى الاخر بتقرير ان اتباع التكاليف او عدم اتباعها هو مناط السعادة او الشقاوة في العقبى ولا ينسى القرآن ان ينبه على الصراع الازلي الذي حدث بين بين الانسان والشيطان ويبين القرآن ان عداوة الشيطان للانسان قديمة فقد بدأت منذ الانسان الاول وخادعه الشيطان بوساوسه وما انتهى اليه امر الخادع والمخدوع من ابتلائهما وابتلاء ذريتهما بالتكليف وهو كما ترى حديث يطلب بعضه بعضا ويأخذ بعضه باعناق بعض في المقصد الثاني من مقاصد السورة جاء في ثلاث وعشرين ومئة اية من الاية الاربعين الى الاية الثانية والستين بعد المئة ذكر في هذا القسم سالفة اليهود منذ بعث فيهم موسى عليه السلام وفيها وفي هذا القسم ايضا ذكر احوال المعاصرين منهم للبعثة المحمدية وفي القسم الثالث ذكر اولية المسلمين منذ ابراهيم عليه السلام وفي القسم الرابع ذكر حاضر المسلمين في وقت البعثة فذكر القرآن الكريم في سورة البقرة اثنتا عشرة وصية لليهود بعد النداء الاول لهم في القرآن وذكر عشر نعم من الله تعالى على اليهود وذكر اثنتان وثلاثون مخالفة من اليهود في اوائل سورة البقرة وذكر القرآن العظيم بهذا القسم ابراهيم عليه الصلاة والسلام فذكر ان الله عز وجل انعم عليه بنعمة الاسلام ذلك ليعلم اهل الاسلام ان الاسلام قديم قدم الدهر وانه الدين الذي ارتضاه الله عز وجل للعالمين فوصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم انتم مسلمون ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون نسأل الله سبحانه ان يجعلنا من اهل الاسلام المستمسكين به وصلى الله على نبينا محمد واله والحمد لله رب العالمين