في رحلة تطوي الدروب بين المدائن والشعوب بحضرة الذكر الحكيم يا رب القلوب بين المدائن الشعوب بحضرة الذكر الحكيم. وحدنا رب القلوب وحدنا لقاء يوسف عليه السلام مع اخوته مرة اخرى. وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليهم فعرفهم وهم لهم ينكرون سبحان مغير الاحوال لم يعرفوا اخاهم لطول الغياب فقد فارقهم في سن الطفولة واعتقدوا انه قد مات مع قلة اهتمامهم بشأنه لم يعرفوه للفارق الشاسع بين الحال التي بلغها من الملك والجاه والسلطان والحال التي فارقوه عليها طريحا في البئر. وساهم في ذلك ان الملك والسلطان مما يبدل الهيئة ويلبس صاحبه الهيبة ويجعل منه شخصا اخر ولما جهزهن بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من ابيكم اني او في الكيل وانا خير المنزلين بلاغة القرآن في الايجاز. هنا اختصار احداث كثيرة. ويستلزم ان حديثا نشأ بين يوسف وبين اخوته عرف منه اصيل قصتهم كاملة وان لهم اخا غير شقيق لم يحضر معهم. وظل مع ابيهم ولعله قال لهم هذا بعد ان طلبوا طعاما زائدا عن لانا لهم اخا لم يحضر معهم. فاعطاهم ما طلبوا لكن اشترط عليهم احضار اخيهم معهم في المرة المقبلة ليتأكد من صدقهم الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين هذه الاية الترغيب وبدأ به يوسف والغرض منه حضهم على ان يأتوه باخيه. وعبر بصيغة الاستقبال الا ترون ترى انهم بان ايفاءه الكيل عادة مستمرة له كلما اتوا الا ترون اني اوفي الكيل وانا خير المنزلين ما احلى الاقتداء بالانبياء في الجود والعطاء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زن وارجح فان لم تأتوني به فلا كيد لكم عندي ولا تقربون هنا جاء دور الترهيب ان لم تأتوني باخيكم في المرة المقبلة فلن ابيعكم شيئا من الطعام. وفوق ذلك فاني احذركم ان اقرب بلادي فضلا عن دخولها. وهو تحذير ذكي لم يطلقه يوسف الا بعد علمه بان اخوته سيعودون اليه مرة اخرى بان ما معهم من طعام لا يكفي الا لزمن محدود قالوا سنراود عنه اباه وان لفاعلون. وعودهم دائمة مصحوبة بالتأكيدات لانهم يعلمون انهم لسوء سريرتهم وخلف وعودهم عرضة للتشكيك والاتهام. والتأكيد هنا بقولهم ان وحرف اللام في لفاعلون سنراود عنه لفظ سنراود تصوير للجهد العظيم الذي سيبذلونه. واشارة الى انهم سيكررون المحاولة مع صعوبة الطلب المنال خاصة بعد اضاعتهم ليوسف وقال لفتياني اجعلوا مضاتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها اذا انقلب الى اهلهم الى اهلهم لعلهم يرجعون صنع يوسف عليه السلام كل ما في وسعه ليغري اخوته بالعودة اليه. ومن ذلك ان امر فتيانه باعادة اثمان الطعام بضاعتهم الى رحال اخوتهم بعد ان دفعوها له وذلك دون ان يشعروا. فاذا رجعوا ووجدوها سيرجعون اليه مرة اخرى ليدفع بها مقابل ما اخذوه. لان شأن النفوس الكبيرة ان تألف من اخذ سلعة دون دفع الثمن فلما رجعوا الى ابيهم قالوا يا ابانا قالوا يا ما لا منع منا الكيف استعملوه مع ابيهم سلاح التخويف من المستقبل. ليبعث معهم اخاهم. فهذه اول كلمة نطقوا بها فور رجوعه من الرحلة العيون متطلعة الى ما يحملون من زاد وطعام فاذا بها تتلقى صدمة منع منا الكيف. وهذا للمستقبل لكن اخرجوه بصيغة الماضي لتأكيد المنع فاوصي المعنى اخانا التقوى وانا له لحافظون كان قولهم هذا لابيهم بمجرد رجوعهم اليه. وقبل ان يفتحوا متاعهم ليعرفوا ما بداخله. وقرأ حمزة والكسائي فارسل معنا اخانا بالياء اي فارسله معنا ليأخذ نصيبه من الطعام المكالمة. لان عزيز مصر لا يعطي طعاما لمن كان غائبا. فليأت ليأخذ طيبة ولنأخذ نحن نصيبنا كذلك من الطعام وانا له لحافظون بالجملة الاسمية واستخدام حرف التوكيد لتأكيد حفظهم له وان ذلك امر ثابت عندهم ثبوتا لا مجال فيه للشك فارسل معنا اخاناك ان ابنك سرق عندما كانت لهم مصلحة قالوا اخانا. وعندما انتهت المصلحة قالوا ابنك. فتغيرت لغة الخطاب مع تغير المصلحة قال هل امنكم عليه الا كما امنتكم على اقيم قبل بخلاف وعدك يجعلك مشتهرا بين الناس بهذا الخلق الذميم. ولكي تمهو هذه السمعة عند الناس ستعاني كثيرا ولازمنة طويلة سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين كنت اسير الحيرة احمل قلبا تام كان الصمت مخيفا قبل فاذا بالرحمن قريب. اسأله الحائر فيجيب اشهد ان لا رب ولا معبود سواه. يا الله اني ناديتك وسعيت قال الله خير حافظا وهو ارحم الراحمين قال الامام الرزي معناه وثقت بكم في حفظ يوسف عليه السلام فكان ما كان. فالان اتوكل على الله في حفظ امير فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين تلقفها يا اخي من لسان نبي ورددها عند كل خوف او قلق لتستقر وتطمئن. فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين لما قالها يعقوب متوكلا حفظ الله عليه ولديه ورحمه بان ردهما اليه سبحانه هو الذي قال انا عند ظن عبدي عبدي بي فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين لان تعاهدتم بحفظ ابني فاني اتوكل في حفظه على الله لا عليكم. وهو كذلك عزاء يعزي به نفسه في فقدان يوسف. وذلك تسليم امره لله. فلو اراد الله حفظ يوسف لحفظه. لانه خير الحافظين ولا يقع شيء في هذا الوجود الا بامره وحكمته ولما فتحوا متاعهم وجدوا مضاعتهم ردت اليهم تعجبوا من ذلك وحاسبوا ان في الامر خطأ. او ان العزيز ربما بدا له الا يأخذ منهم ثمنا للكيل الذي كاله لهم. انتظارا لعودتهم الى في المرة المقبلة او كرما منه وفضله قالوا يا ابانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا اطعنا ونزداد كينا بعيد. ذلك كي نيي يسير ماذا نريد يا ابانا بعد كل هذا الكرم المدهش؟ هذه بضاعتنا. ردت الينا. فلم ندفع مقابل الطعام الذي جلبناه شيئا. فاستعملوا اربع وسائل في اقناع ابيهم باصطحاب اخيهم. اولا مدحهم لعزيز مصر الذي رد لهم اثمان مشترياتهم. وحاجتهم الى الميرة وطعام جديد. لان الكيل الحالي كيل يسير لا يكفي الا لمدة يسيرة. ويجب العودة الى مصر لجلب طعام اخر. ثالثا تعهدهم لابيهم بحفظ اخيهم. رابعا زيادة ما سيأخذون من اطعمة بسبب وجودهم لاخيهم معه ونحفظ اخانا لم يقولوا ونأخذ اخانا بل قالوا ونحفظ اخانا. وكان اخذه شيء مفروغ منه وامر واقع. لا مجال لمراجعة ابيهم لهم فيه فسلم بهذا يا ابانا حكما ان لم تسلم به رأيا قال لن اوصله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله. موثقا من الله متى انني به ان يحاط بكم في معنى الاحاطة قولان قول مجاهد الا ان تموتوا كلكم فيكون ذلك عذرا عندي والعرب تقول احيط بفلان اذا ترى بالك وقول قتادة الا ان تصيروا مغلوبين مقهورين فلا تقدروا على الرجوع حتى تؤتوني موثقا من الله موثقا من الله لتأتنني به ان يحاط بكم قد يصدق هنا المثل السائد البلاء موكل بالمنطق. يعقوب عليه السلام قال هنا الا ان يحاط بكم فابتلي بذلك واحيط بهم وغلبوا عليه قال لن ارسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله. موثقا من الله انني به ان يحاط بكم فلما اتوا موثقا قال الله على ما يقول وكيل قال الامام الرازي فان قيل لما بعثه معهم؟ وقد شاهد ما شاهدت؟ قلنا لوجوه. احدها انهم كبروا ومالوا الى الخير والصلاة وثانيها انه كان يشاهد انه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثلما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام وثالثها ان ضرورة القحط احوجته الى ذلك. ورابعها لعله تعالى اوحى اليه وضمن حفظه وايصاله قاله اليه لتأتنني به الا ان يحاط بكم شفقة النبوة ظهرت في هذا الاستثناء. فلا يريد يعقوب عليه السلام ان يحملهم ما لا يطيقون. بان يأخذ عليهم عهدا مطلقا لا استثناء امع فان عجزوا عنه وقعوا في الاثم وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرق خشي عليهم العين لكونهم احد عشر رجلا. وكانوا اهل جمال وبسطة في الجسم. قاله ابن عباس وغيره والعين حق وهي اقرب الى الصغار منها الى الكبار. ولذا عود عليه الصلاة والسلام الحسن والحسين من عين الحاسد. فقال اعيذكما بكلمات الله اهي التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة ثم قال صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم صلوات الله عليه يعوذ به ابنيه اسماعيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقون قال قال القرطبي واجب على كل مسلم اعجبه شيء ان يبرك فانه اذا دعا بالبركة صرف المحظور لا محالة. الا ترى قوله عليه السلام لعامر الا بركت فدل على ان العين لا تضر ولا تعدو اذا برك العائد اي الحاسد. وانها ما تعلوا اذا لم يبرك. والتبريك ان يقول تبارك الله احسن الخالقين. اللهم بارك فيه وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرق قال الغرباء يلفتون الانتباه اكثر من غيرهم. لذا كان عليهم التفرق لاخفاء كونهم جماعة واحدة. وفي هذا ارشاد لهم الى استعانة على قضاء حوائجهم بالكتمان وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من انوار قال فيه دلالة على جواز اتخاذ الاسباب الواقية من الحسد والعين قرآن فاجر يا اخي مشهود. والخير في صفحاته معقود احرص على القرآن لا تبخل به. فالخير دوما للورى مرجو هدوء فاحرص على القرآن لا تبقى به فالخير دوما فالخير دوما فالخير دوما للورى مردقا وما اغني عنكم من الله من شيء احيانا تحتاج لان تعلن عجزك امام اولادك حتى يتعلقوا بالله وحده. ولا يعتمدوا عليك في كل شيء وما اغني عنكم من الله من شيء لا يغني حذر من قدر. الاحتراز الذي ارشدتكم اليه لا يرد عنكم قدر الله ان اراده. واراد هنا تعليمهم الاخذ بالاسباب مع التوكل على الله فكلاهما واجب وما اغني عنكم من الله من شيء العين لا تضر بنفسها لكن باذن الله ومشيئته الا حاجة في نفسي يعقوب قضاها. قال مجاهد خيفة العين على بنيه وانه لذو علم لما علمناه يعقوب ذو علم لاننا علمناه اياه. او العلم هنا بمعنى العمل. نقله البخاري عن قتادة. فلا معنى للعلم ان لم يتبعه عمل ولكن اكثرن الناس لا يعلمون او اكثر الناس لا يعلمون ما علمه يعقوب من لزوم الجمع بين الاخذ بالاسباب والتوكل على الله ولما دخلوا على يوسف اواه الي يخاف اوى في معاجم اللغة تأتي بمعنى اعاد وضمة واحاط. وانزل عنده واشفق ورحم ورق وتآوت الطير اذا انضم بعضها الى بعض. وتآوى الجرح اي تقارب للبرء. فانظر بلاغة القرآن. كيف صورت كلمة واحدة حال يوسف عليه السلام عند لقائه باخيه بعد الغياب الطويل اني انا اخوك فلا تبتأس وجود الاخ يذهب البؤس ويعين على نوائب الدهر ويبرد حرارة الحزن. من فوائد الاخوة اني انا اخوك فلا تبتأس بما كانوا يعملون اخلع ثوب البؤس وارمي به وراء ظهرك. فانا اخوك الذي رموه في البئر ليقتلوه. ومع هذا قد رأيت ما اوصلني الله اليه من العز والسلطان. ومن رأى اثار رحمة الله على غيره طمع في رحمة الله ان تناله. فقوي عزمه. واشتد بأسه فلما جهز هوام جهازهم جعل السقاية في رحم اخيه هذه ايتها العيون انكم لسارقون كيف يفعل هذا النبي؟ فيدعي عليهم ما ليس فيهم. قال الالوسي ما ملخصه والذي يظهر ان ما فعله يوسف من جعله السقاية في رحل اخيه ومن اتهامه لاخوته بالسرقة انما كان بوحي من الله تعالى. لما علم سبحانه في ذلك من الصلاح. ولما اراد لامتحانهم بذلك ويؤيده قوله تعالى كذلك كدنا ليوسف ثم اذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون قال ابن الجوزي فان قيل كيف جاز ليوسف ان يسرق من لم يسرق؟ فعنه اربعة اجوبة. احدها ان المعنى انكم لسارقون يوسف حين قطعتموه عن ابيه وطرحتموه في الجب. قاله الزجاج. والثاني ان المنادي نادى وهو لا يعلم ان يوسف امر بوضع السقاية في رحل اخيه فكان غير كاذب في قوله. قاله ابن جرير. والثالث ان المنادي نادى بالتفريق لهم بغير امر يوسف. والرابع ان المعنى انكم لسارقون فيما يظهر لمن لم يعلم حقيقة اخبار كقوله ذق انك انت العزيز الكريم اي عند نفسك لا عند نار ثم اذن مؤذن ايتها العير انكم لسارقون وهذا من احسن المعاريض والمعاريض ان يقول الشخص لفظا هو ظاهر في معناه لكن المراد به معنا اخر. قال ابن القيم وتأمل حذف المفعول في قوله انكم لسارقون. ليصح ان يضمن سرقتهم ليوسف فيتم التعريض. ويكون الكلام صدقا وذكر المفعول في قوله نفقد صواع الملك وهو صادق في ذلك. فصدق في الجملتين معا. تعريضا وتصريحا وتأمل قول يوسف معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل الا من سرق وهو اخسر لفظا. تحريا للصدق فان الاخ لم يكن سارقا بوجهه. وكان المتاع عنده حقا فالكلام من احسن المعاريض واصدقها قالوا واقبلوا عليهم ماذا تفقدون في الاية دليل على جواز استعمال الحيلة في التوصل الى المباح. واسترجاع الحقوق قالوا نفق نصواع الملك ولمن جاء بيحن بعير وانام اي زعيم استدلوا بها على مشروعية الجعانة والجعالة التزام عوض معلوم الجعل مقابل عمل معين ومثاله ان يقول الرجل من وجد محفظتي المفقودة فله الف جنيه مثلا قالوا تالله لقد علمتم ما قلنا لنفسنا في الارض وما كنا سارقين السرقة من اعظم الوان الفساد في الارض قالوا فما كنتم كاذبين الكاذب يستحق العقوبة دنيوية او اخروية قالوا فما كنتم كاذبين تحكيم المرء في ذنبه ادعى لقبوله الحكم الصادر عليه قالوا فما كنتم كاذبين انظر سمو اخلاق الانبياء. قال الشيخ العالمي ما اجبر الفارق بين الانبياء وغيرهم؟ يعقوب جاء اليه اولاده ينعون له يوسف وينبئون بافتراس الذئب اياه فلم يصرح لهم بانهم كاذبون مع انهم كانوا كذلك. وهو يعتقدهم كذلك لكنه صعب على طبعه اللطيف ان يواجههم بكلمة كاذبين. واما هؤلاء الجنود المصريون فوصفوهم وواجهوهم بكلمة كاذبين مع انهم ما كانوا كاذبين. والمصريون لا يعتقدونهم كاذبين فما اكبر الفرق