لماذا الجنة؟ اولا منازلنا الاولى قال النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل او عابر سبيل او عابر سبيل طبيعة الدنيا التي اراد لنا النبي صلى الله عليه وسلم ان نحياها حياة الغربة. فقد سكنا الجنة الى ان اخرج منها ابونا ادم عليه السلام الى هذه الدار. والطريد من امثالنا يسعى الى الرجوع ويطلب العودة استجابة لدعوة العقلاء والحكماء من امثال ابن القيم حين ماذا؟ فحي على جنات عدن فانها منازلك الاولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود الى ونسلم الف تشتاق الروح الى وطنها في الدنيا. حين تقاس الغربة اذا بحثا عن الرزق او طلبا لعلم. وكثيرا ما تكون بلاد الغربة اجمل من الوطن. واطيب منه اكثر رفاهية وترفا. ومع ذلك تحن النفس الى الوطن الاول على فقره وبساطته. فكيف بحنين الى الوطن الذي في فراقها له عذابها والامها. وحسرتها التي لا تنقضي. نقل فؤادك حيث شئت فمن الهوى ما الحب الا للحبيب الاول كم منزل في الارض يألفه الفتى وحنينه ابدا لاول منزل وكيف اذا كان هذا الوطن اروع واجمل واعلى واغلى الشبر فيه يعدل الدنيا باسرها بل احلام موضع صوت في الجنة خير من الدنيا وما فيها اتدرون لما خص النبي صلى الله عليه وسلم الصوت بالذكر؟ لان من شأن الفارس اذا اراد النزول في منزل ان يلقي صوته قبل قبل نزوله اعلاما بقدومه. فاذا كان مجرد موضع الصوت من الجنة خيرا من الدنيا وما فيها وانت لم تنزل بعد من راحلتك الى الجنة. فكيف اذا نزلت فيها واقمت؟ لذا يسعى اي غريب سعيا حثيثا في العمل الشاق ويصل الليل بالنهار ويعانق التعب ويخاصم الراحة ليرجع الى اهله وارضه في اسرع فرصة. لسان حاله اسمى امنية لي ان اعود وباي ثمن. ومسافر الاخرة اولى بذلك. لا يطيق اللبس في الدنيا والبعد عن الجنة. قال ابراهيم بن ادهم نحن نسل من نسل الجنة. سبانا ابليس منها بالمعصية وحقيق على المسبي الا يهنأ بعيشه حتى يرجع الى وطنه. سقى الله ارض العاشقين بغيثه ورد الى الاوطان كل غريب واعطى ذوي الهيئات فوق مناهم ومتع محبوبا بقرب حبيبه. ولولا ان القلب على امل باجتماع ثان ولقاء قريب. لتفطر من لوعة الفراق والم الهجر. اعلل النفس بالامال ارقبها ما اضيق العيش لولا فسحة الامل. وقد عبر عن كمال انتباه هذا المسافر ويقظته وقوة عزمه الامام ابن القيم حين وصف مسافرا اخرويا بقوله لا وعصا السير عن عاتقه حتى يصل الى مطلبه. ولعل هذا ما دفع بعض الصالحين الى امساك العصا ليظلوا دوما متذكرين حالة السفر. قيل للشافعي ملك تدمن امساك العصا. ولست بضعيف. قال لاذكر اني مسافر. حملت العصا والضعف اوجب حملها. ولا اني تحنيت على كبر ولكنني الزمت نفسي حملها لاعلمها ان المقيم على سفر. لكن عدوك مستميت في ان بينك وبين هذه النهضة القادمة ووثبتك نحو الجنة. يريد ان يحول بينك وبين حياتك الحقيقية. يريد يقتلك بل يريد ان يوقع بك ما هو اشد من القتل وهو ضياع الجنة. وتمني الموت بين نبات النار وهيهات. اخي الجنة امامك والشيطان خلفك. فاذا تقدمت ربحت واذا تأخرت ادركك العدو فاهلكك. باء قصار الامل. وهل رأيت مسافرا قط يبالغ في تزويق بيته وعمارة مسكنه وهو راجع الى وطنه غدا او بعد غد. الا يتهمه الناس في عقله دونه بالسفه. اليس من الاجدى ان يدخر مجاعة من مال ليرجع ويتمتع به في وطنه. فمن استشعر انه مسافر الى الجنة وان اقامته في الدنيا مؤقتة زهد ولا بد فيما بين يديه. وجعل عينيه على ما في في الوطن الاول وهو عن قريب اليه سائر. ولدار غربته مغادر. وادخر ما يستطيع في دنياه من قربات طاعات ليستأنس يوم الجزاء في الجنات. ولهذا قال مالك بن مغول من قصر امله عليه عيشه. قال سفيان مفسرا يعني في المطاعم والملابس. فلم ييأس اذا مرت به شدة او ولم يجزع لفقد مال او متاع. وما حياتك الدنيوية الا الرحلة الاولى من اجمالي رحلات اجبارية ومدتها على احسن الفروض ما بين الستين والسبعين عاما. هي متوسط اعمال بني ادم ان لم يكن اقل اما الرحلة الثانية فهي من الدنيا الى القبر. ويستغرق مكوثك في هذه الحفرة الاف الاعوام اقل او اكثر. علم ذلك عند ربي الرحلة الثالثة من القبر الى ساحة الحاج. ويستغرق العرض في ساحة الحشر يوم القيامة خمسين الف سنة. والرحلة الاخيرة من ساحة الحشر الى الدار الابدية في الجنة او النار. فرحلتك الدنيوية هي كما ترى. اولى الرحلات واقصرها على الاطلاق. لكنها الرحلة المحورية التي تحدد الشقاوة او السعادة التي تنتظرك في باقي الرحلات. لا فناء اذا لاي بشر على وجه الارض. انما هو الانتقال والسفر فحسب. وهو ما عبر عنه بلال بن سعد ما كان يقول في مواعظه يا اهل الخلود ويا اهل البقاء انكم لم تخلقوا للفناء وانما خلقتم للخلود والابد. ولكنكم تنتقلون من دار الى دار. الموت اذا ليس نهاية المطاف وانما هو حلقة لها ما بعدها من حلقات. جيم معرفة الوطن المسافر لا يهتم بمعرفة الكثير من التفاصيل عن مكان الغربة سوى المكان الذي يعيش فيه. لا يتطلع الى تفاصيل لا يحتاجها يكفيه من المعرفة ما بلغه المقصد من رحلته. ولا يأبه بما زاد عن ذلك. اما وطنه الاصلي فهو على اية تامة به يعرف طرقه وسككه وحدائقه ومتنزهاته واسواقه ونواديه وكذلك المؤمن في الدنيا يعرف الجنة اكثر. ويعلم نعيمها ووصف اركانها قبل ان يدخلها. لان انها وطنه الابدي ومستقره الاخير. لذا كان التفكير فيها ومعرفتها من البديهيات. حتى اذا ما العبد لم يحتج الى ان يستدل احد على بيته. من وسط ما لا يحصى فيها من البيوت. وكانه سكنها وخلق فيكون المؤمن اهدى الى درجته في الجنة وزوجته وخدمه منه الى منزله واهله في الدنيا وهو قول ربنا ويدخلهم الجنة عرفها لهم ومصداق قول نبينا صلى الله عليه وسلم فوالذي نفس محمد بيده لاحدهم اهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان له في الدنيا فهذا دليل على ان الله القى فروع المؤمنين اين بيوتهم ونعيمهم هناك؟ فساروا الى هناك بغير دليل او ان من كثرة ما عرفوا عن الجنة في دنياهم لم يحتاجوا في الاخرة الى تعريف. اخي المسافر ماذا عرفت عن وطنك الاول ومستقرك الاخير ومحل اقامتك الابدية. هل ما عرفته عنه هو مثل ما عرفت عن دنياك او نصف ما عرفته عنها او حتى العشر. في الاية قول اخر انه من العرش وهو الرائحة الطيبة ومنه طعام معرف اي مطيب. وهو قول الزجاج وهي الرائحة النفاذة جنة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام وفي رواية سبعين عاما. وفي رواية مائة عام. وهذا من كرم الله وتفضله على عباده المؤمنين ان جعلهم ينتفعون بريح الجنة قبل ان يدخلوها. ولعله ايضا من التشويق اللذيذ. حين يجد العبد هذه الريح التي لا توصف فيسرع ويسابق ليرى منبع العطر الفواح الجنة. ريح الجنة تسري كلما ازداد قرب العبد منها والشهادة خير مركب يدني العبد من الجنة. ولذا وجد ريحها انس ابن رضي الله عنه قبيل استشهاده يوم احد فقال واها لريح الجنة. والله اني لاجد ريحها دون احد تفسير هذا انه لما حانت ساعة القتال ولحظة زفافه على الحور فتح الله له بابا الى الجنة ليش ريحها النفاذة العطرة حتى اثارت سجوده وهوت برجله نحوها فانطلق يطلبها باي ثمن ولو كان ثمن موتا واعظم ما يكون الشوق يوما اذا دنت الخيام من الخيام. ومعلوم ان الموت اقرب ما يكون في ساحة القتال وقد كان. ما عرفته اخته الا ببنانه. بعدما نهشته الجراحات بضعة وثمانين اثرا ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم. وممن وجد ريح الجنة كذلك سعد بن الربيع رضي الله عنه. وجدها وهو يجود بنفسه في نفس الغزوة وبينما هو في الرمق الاخير وبه من الضربات ما يربو على السبعين قال لي لاصحابه قل له يا رسول الله اني اجد ريح الجنة وقل لقوم من الانصار لا عذر لكم عند الله ان خلص الى رسول الله وفيكم شفر يطرف. ثم فاضت روحه. بين عشق وعشق. ماتت ليلى ولما عرف قيس بموتها ركضت المجنون مسرعا ناحية القبور ثم اخذ يشم القبور قبرا قبرا يبحث عن حبيبته حتى اهتدى الى قبره وقف عنده يرسمه ويبكي. فقيل له كيف عرفته وما دلك عليه احد؟ فاجاب منشدا ارادوا ليخفوا قبرها عن محبها وطيب تراب القبر دل على القبر. ثم اردف قائلا عرفت القبور في الرياح ودل على نفسه الموضع كثكلى تلمس قبر ابنها الى القبر من نفسها تدفع. هداها خيال ابنها افاهتدت ولين الخيال الذي اتبعه. فكيف بريح الجنة؟ وان ريحها ليوجد من مسيرة عشرات الاعوان فكيف لم يشم قلبك ريحها فيركض اليها متوفبا حين شم هذا المجنون ريح اسمها ليلى بعدما بليت. ويحك لا يشم ريح الجنة الا عاشق. فهل عشقت؟ انه بث الشوق في القلوب الذي يدفع الى التحرك بذلا وعملا في سبيل نيل شرف اللقاء. دال الغربة ومن معاني السفر ان المسافر غريب في امر دنياه واخرته. لا يجد صاحبا ولا معينا فهو عالم بين جهلة وصاحب سنة بين هاجرها. وداع الى الله ورسوله بين دعاة الى الاهواء والشيطان. وامر المعروف بين امرين بالمنكر. ناه عن المنكر بين دعاة اليه. لذا بشره صلى الله عليه وسلم ووصف حاله طوبى للغرباء. اناس صالحون في اناس سوء كثير. من يعصيهم؟ اكثر او ممن يطيعهم غربة تعني سيرا عكس التيار. فمشاعرك غير مشاعر الناس. وما يسعدك وما يحزنك غير ما يسعد غيرك ويحزنه. مقاييس ربحك وخسارتك اخروية. ومقاييس من حولك دنيوية. سئل ابو بكر بن عبدالله بن ابي مريم. ما تمام النعمة؟ قال ان تضع رجلا على الصراط ورجلا في الجنة