انا من عثرته مرارا لدربي ومن ومن سواك ويا قبال يا رب من نعم فلما استيأسوا منه خلصوا نبيا اية من ابلغ ايات القرآن. قال الامام الثعلبي من اراد ان يعرف جوامع الكلم ويتنبه لفضل الاختصار ويحيط ببلاغة ويفتر لكفاية الايجاز فليتدبر القرآن وليتأمل علوه على سائر الكلام. ثم قال فمن ذلك قوله تعالى في اخوة يوسف فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا. وهذه صفة اعتزالهم جميعا الناس وتقليبهم الاراء ظهرا لبطن واخذهم بتزوير ما يلقون به اباهم عند عودتهم اليه وما يريدون عليه من ذكر الحادث فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة ذكر القاضي عياض في كتاب الشفاء في بحث اعجاز القرآن ان اعرابيا سمع رجلا يقرأ فلما استيأسوا منه خلصوا نجيب فقال اشهد ان مخلوقا لا يقدر على مثل هذا فلما استيأسوا منه لما اختيار هذه الكلمة دون كلمة يئسوا؟ وهي اكثر اختصارا؟ والجواب زيادة السين والتاء فيه استيأسوا دلوا على المبالغة وهي تفيد ان اليأس قد بلغ منهم اعلى درجاته. بعد ان بات كل محاولاتهم لانقاذ اخيهم مع عزيز مصر بالفشل وفي الاية بلاغة بالحذف بدلا من ان يقول فلما استيأس اخوة يوسف من العزيز خلصوا نجيا خلصوا بمعنى اعتزلوا واصله من الخلوص وهو اصطفاء من الاخلاط. وهي ابلغ من قوله انفردوا نجيا منصوب لانه حال. اي انفردوا تناجيا متشاورين فيما سيقول له لابيهم عند رجوعهم بشأن اخيهم. والنجي لفظ يوصف وبه من له نجوى سواء كان واحدا او جماعة كلفظ عدو فهو مفرد ويقصد به الجماعة. ومثل قوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير وهو من بلاغة القرآن قال كبيرهم لن نذكر اسمه فليس المهم الاسماء بل الوقائع والاحداث وما شهدنا الا بما علمنا وما كنا للغير حافظين الاصل في الشهادة ان تكون عن مشاهدة وعيادة. ولا تصح بغلبة الظن وما شهدنا الا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين قال الامام القرطبي تضمنت هذه الاية جواز الشهادة باي وجه حصل العلم بها. ولهذا قال اصحابنا شهادة ما جائزة وشهادة المستمع جائزة وشهادة الاخرس اذا فهمت اشارته جائزة وما كنا لغير حافظين قال ابن عاشور احتراس من تحقق كونه سرق. وهو اما لقصد التلطف مع ابيهم في نسبة ابنه الى السرقة واما لانهم علموا من اخيهم ما خالجهم به الشك في وقوع السرقة منه. والغيب والاحوال الغائبة عن المرء والحفظ هنا بمعنى العلم واسأل القرية التي كنا فيها سوابق اعمالهم تلقي بالشك على كل تحركاتهم. لذا يستدعون الشهود لعلمهم ان الثقة فيهم معدومة واسأل القرية اي اهل القرية او ان المسألة واضحة مشتهرة تماما لدرجة ان الكل حتى الجماد يعرف تفاصيلها وانا لصادقون ومن الذي اتهمكم بالكذب؟ كاد المريب يقول خذوني عسى الله ان يأتيني بهم جميعا وصدق القائل اشتد ازمة تنفرجي قد اذن ليلك بالبلج. وفيه تنبيه على الا بقاء للمحنة كما ان لا بقاء للنعمة عسى الله ان يأتي به من جميعا دوام الحال من المحال. فلا يغترن احد بكثرة مال ولا ييأس من ضيق حال. خف اذا اصبحت ترجو وارجو ان اصبحت خائف ربما مكروه مخوف فيه لله لطائف نسابق نرقى وللغير نسعى ونرسوم الكون احلى صور وفينا ضعيف الجناح انكسر نسبك نرقى وللغير نسعى ونرسم للكون باحلى الصور فانى تطيب لنا بالحياة. وفينا في كل جناح انكسرهم يا اسفا على يوسف فيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند المصيبة. ولقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ولده ابراهيم. لكن لم يسخط على قدر الله لا بقلبه ولا بل قال ان العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا لفراقك يا ابراهيم احزون يا اسفا على يوسف قال ابن الجوزي فان قيل هذا لفظ الشكوى فاين الصبر؟ فالجواب من وجهين احدهما انه شكى الى الله لا منه. والثاني انه اراد الدعاء فالمعنى يا رب ارحم اسفي على يوسف يا اسفا على يوسف كيف تأسف يعقوب على يوسف دون اخيه مع ان مصيبة فقد اخيه احدث وبالتالي اشد اثرا. والجواب كونوا اشد اثرا اذا تساوت المصيبتان في القدر. لكن مصيبة فقد يوسف اشد على قلب يعقوب من مصيبة فقد اخيه مع تقادم عهدها الى عشرات السنين ابيضت عين يعقوب ولم تبيض عين يوسف. هذا هو الفارق بين الاباء والابناء فهو كظيم علو الهمة في الحزن. الكظيم هو من كظم حزنه. وما اظهر الشكاية لاحد من الخلق. بل اكتفى بالبكاء في خلوته وبث شكواه الى مولاه حرم الموت تكون من الهالكين شدة الحزن تدني صاحبها من الموت. قال مجاهد الحرض ما دون الموت. اي قريبا من الموت. او تكون من الهالكين اي من الميتين قانوت الله تفتأ تنكر يوسف حتى تكون حرضا. حتى تكون حرما او تكون من الهالكين ما اقبح بواساتكم. اما كان يجمل بكم ان تشاطروه احزانه بدلا من هذا التأنيب بدلا من ان يقولوا له اصبر واحتسب بهم يبشرونه بالموت او ما دون الموت. الدرس من لم يستطع البكاء مواساة للمكروبين فليرحم باكين ومن لم يشعر بالالم فليشفق على المتألمين قال انما اشكو بثي وحزني الى الله قال القشيري شكى الى الله ولم يشك من الله. ومن شكى الى الله وصل ومن شكى من الله فصلى. ويقال لم ما شكى الى الله وجد الخلف من الله. ما الفارق بين البث والحزن؟ قال الامام الشوكاني ذكر المفسرون ان الانسان اذا قدر على بما نزل به من المصائب كان ذلك حزنا. وان لم يقدر على كدمه كان ذلك بثا. فالبث على هذا اعظم الحزن واصعبه قال انما اشكو بثي وحزني الى الله بعض اوجاعك لن يفهمها البشر. ولا بمقدورهم ان يخففوها قال انما اشكو بثي وحزني الى الله لا تبث شكواك الا للقادر على كشف بلواك واعلم من الله ما لا تعلمون اعلم من صنعه ورحمته وحسن ظني به انه يأتي بالفرج من حيث لا احتسب ولا تيأسوا من روح الله اولياء الله يلتمسون الفرج عند ضراوة البلاء. فشيخ كبير يوصي ابناءه بعد ان كف بصره من البكاء على فقد ابنائه الثلاثة قائلا ولا تيأسوا من روح الله ولا تيأسوا من روح الله لماذا نيأس من الاصلاح؟ هب اننا سوف لا نصل الى شيء من النتائج. فماذا يضيرنا؟ الم نؤدي الواجب؟ الم نتحرى حق الم نؤدي الرسالة؟ ذلك حسبنا. حسن البنا انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون قال الامام الفخر الرازي واعلم ان اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل الا اذا اعتقد الانسان ان الاله غير قادر على الكمال او غير عالم بجميع المعلومات او ليس بكريم بل هو بخيل. وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر فاذا كان اليأس لا يحصو الا عند حصول احد هذه الثلاثة وكل واحد منها كفر. ثبت ان اليأس لا يحصل الا لمن كان فرار