اولا اولا ملذات جسدية مادية. وهذه بدورها تنقسم الى انواع متعددة فالملذات الجسدية تشبع شهوات كثيرة. فطعام من لحم طير وفواكه وشراب من رحيق مختوم وخمر لذة للشاربين وماء ولبن وملبس من حرير وسندس واستبرق وحلي من اساور من ذهب وفضة ولؤلؤ وازواج مطهرة من حور العين لم يثبتهن انس قبلهم ولا جان. ومن هذه الملذات المادية الجسدية اخترت بعض الامثلة فحسب. لان هذه اللذائذ لا تعد ولا تحصى. ويستحيل الاحاطة بها جميعا. لكن يكفيك هذه اللمحات كبيان جزء من كل لتشعل في قلبك الاشواق وتدفع الى البذل لها حتى العناق. واحد الخلود. قد جاء ذكر الجنة في القرآن جامعا بين الخلود والابد في تسعة مواضع. لان الخلود في اللغة يعني طول الاقامة اما الابدية فتعني البقاء الذي لا انتهاء له. وتخيل معي الانتقال الى نعيم الجنة الذي لا انقطاع له فما قدر عمرك؟ بل ما قدر جميع اعمار اهل الدنيا بالاضافة الى هذا البقاء الابدي. ومن لمح بقلبه هذا نعيم حتى قبل ان يذوق بقية نعيم الجنة طاش عقله فرحا. وهان عليه اي الم يلقاه اذا كان الموت هو الطريق الوحيد الى ذلك النعيم هان والله الموت وطاب. ولهذا سميت الجنة دار الخلود. وسميت الدنيا دار الغرور قال صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كانه كبش املح حتى يوقف على السور بين الجنة والنار. فيقال يا اهل الجنة فيشرئبون ويقال يا اهل النار اي فيشرئبون فيقال هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت فيضجع ويذبح فلولا ان الله قضى لاهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحا. ولولا ان الله قضى لاهل النار الحياة فيها لماتوا ترحا ودعونا نتخيل الموقف السابق ونحيا بعض مشاعرهم. عندما ينادى يا اهل الجنة يطلعون يمدون اعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر وكانهم خافوا ان يحرموا من نعيمهم الذي هم فيه. ثم يقال يا اهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين ان يخرجوا من شقائهم الذي يعانون. لكن عندما ما يذبح الموت امام اعينهم يخلد كل منهما في مستقره مع الفرحة الابدية او الحسرة السربدية قد يستغرب قوم هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل. لان المتحال والحال لا ينقلب ابدا جسدا فكيف يذبح والجواب ان الله يخلق اشخاصا من ثواب الاعمال. كما ثبت في الصحيح من ان البقرة وال عمران تجيئان كانهما غمامة ثانيا تحاجان عن اصحابهما. ومن ان التسبيح والتهليل والتحميد ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي تذكر بصاحبها. ومن ان العمل الصالح ياتي صاحبه في القبر على هيئة رجل حسن الوجه حسن الثياب. والعمل الخبيث يأتي صاحبه على هيئة رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح. من ان الاعمال تجسم على هيئة نور يقسم بين المؤمنين يوم القيامة فيعطون نورهم على قدر اعمالهم فكذلك الموت. يخلق الله الموت على هيئة كبش. ويلقي في قلوب الفريقين ان هذا الموت ويكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين. وهو شيء فوق الوصف ويفوق الخيال لدرجة ان اهل الجنة لا يكادون يصدقون انهم حازوا هذا الخلود. فلا يخطر لهم ببال. لذا يصيحون متعجبين افما نحن بميتين الا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين. قال الحسن علموا ان كل لنعيم بعد الموت منقطع فقالوا وما نحن من معذبين. قيل لا فقالوا لمثل هذا فليعمل العامل وان ادراك العبد لزوال النعمة عنه في الدنيا لداع الى القلق والغم. ولذا قال ابو الطيب اشد عندي في سرور تحقق عنه صاحبه انتقالا. وليس في الجنة شيء من هذا لكنه مع هذا ليس ليس والله الخلود والابدية فحسب بل واعلى من الخلود. الحال التي يكون عليها الخالدون. قال صلى الله عليه وسلم ينادى اهل الجنة ان لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا. وان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا. وان لكم ان تشبوا فلا ابدا وان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا ابدا. تأمل دوام البقاء في الجنة في صفاء لا كدر فيه. ولذات لا انقطاع لها وفرح لا ينتهي ابدا. وبلوغ كل ما تتمناه النفس وتشتهيه. والاختراف منه من غير زوال ابدا فهو الخلود ومضافا اليه اقصى درجات النعيم والسرور والراحة والرفاهية. مع ثبات العمر عند هذا السن. فلا يتقدم يوما لتتم اللذة وتستمر المتعة. وذلك ببقاء المرء في سن عنفوان الشباب واكتمال الحيوية سن الثلاث والثلاثين. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين ابناء ثلاثين او ثلاث وثلاثين سنة اخي الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر. والعمر مهما طال لا بد من نزول القبر. وحياتنا الدنيوية وليست حياة حقيقة قية لان من ورائها الموت. اما الدار الاخرة فهي الحياة الحقة وان الدار الاخرة لهي الحيوان. وسر اختيار كلمة الحيوان هنا ان في بناء هذه الكلمة زيادة مبنى تدل على زيادة معنى. مبالغة في معنى الحياة. لانك تتنعم في اخرتك على قد كرم الله وملكه بعكس الحياة الدنيا التي تتنعم فيها على قدرك انت. وفي ضوء ما عندك من اسباب. ووزن فعلان يدل على الحركة والاضطراب كالغليان والثوران. وليست توحي كلمة الحياة باي من هذا عمرك ما هي. ما قيمة عمر غايته مائة عام؟ اذا كان خمس عشرة سنة منها جهل ولهو قبل سنين التكليف بعد السبعين ان حصلت فبين ضعف ومرض. وما بينهما فرح ساعة وتنغيص ايام. وسرور يوم وغموم فما بين كدح على معاش ومقاساة فقر وضيق بعقوق ولد او نشوز زوج وفراق احبة وموت قريب حتى اذا جاوزت الثمانين من عمرك تتابعت عليك الالام التي وصفها الشاعر. مع الثمانين عاش الضعف في جسدي وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي اذا كتبت فخطي خط مضطرب كخط مرتعش الكفين مرتعد فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما من بعدي حطم القنا في جبهة الاسد. وان مشيت وفي كف العصا ثقلت رجلي كأني اخوض الوحل في الجلد فقل لمن يتمتنى طول مدته. هذه عواقب وطول العمر والامد لكن غيرهما كانا اكثر ما بكى عليه صلاته التي صعبت عليه ترى القيام فيها فكانت اشارة على قرب المغادرة ودمو الرحيل. ولما تدع مني الثمانون قوة كاني اذا القيامة كسيروا اؤدي صلاتي قاعدا وسجودها علي اذا رمت السجود عسير. وقد انذرتني هذه الحال انني دنت رحلة مني وحان مسيرها. بل حتى الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار. اسامة بن منقذ. بعد ان بلغ من العمر تسعين انبرى ينشد فاذا نفضت حسبت اني حامل جبلا وامشي ان مشيت مقيدا. وادب في كف العصا وعاهدتها في الحرب تحمل اسمرا ومهندا وابيت في لين المهاد مسهدا قلقا كأني ما افترشت الجمد يمكس في الحياة وبينما بلغ الكمال وتم عاد كما بدأ. وبعداه كلما سمعت عن امحلال نعيم الدنيوي وتدهور العافية البشرية وذبول العمر المحدود. افلا يباع هذا الحقير الفاني في سبيل شراء الرائع دائم في الجنة افلا يشترى ذلك الرائع الدائم بهذا الحقير الفاني؟ ان الاعراض عن الشوروع في مثل بهذه الصفقة غبن فاحش وخلل فظيع في التصور والعقل. فضلا عن الايمان. لما اشتعلت نار الشوق في الجنة في لعثمان بن عفان رضي الله عنه وهام بها قلبه. انكر على من تعدى على هذا الجمال. ولو كان ذلك عابرا في بيت شعره. فحين مر على لبيد بن ربيعة وهو ينشد قوما الا كل شيء ما خلا الله باطل؟ قال عثمان صدقت. ثم قال وكل نعيم لا حالة زائل قال عثمان كذبت ان نعيم الجنة لا يزول. اخرج ابن عبدالبر عن ابي داود صاحب السنن انه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد الله فاكترى قالبا بدرهم. حتى جاء الى العاطس فشمته ثم ورجعها فسأل عن ذلك فقال لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول يا اهل السفينة ان ابا داود اشترى الجنة من الله بدرهم