ثانيا ملذات بصرية ثلاثة تذهب عنا الحزن الماء والخضرة والشكل الحسن واذا كان هذا قول شاعر في الدنيا فكيف الظن بالاخرة؟ مع ان الجنة ليس فيها على الاطلاق قيء حزن لكن المقصود ان هذه المشاهد في الاخرة تجلب اقصى درجات البهجة والسرور وانت تتقلب ما بين مشاهدة ارن وتنزه في جنات وتطلع الى حور حسان واعلاها النظر الى وجه الله الكريم. ولنأخذ هذين المتاعين من المتع البصرية كمثال. واحد الحور العين. قال تعالى كمثر اللؤلؤ المكنون. وسميت بالحور. على بعض الاقوال لان البصر يحار فيها المكنون هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض للمس والنظر. فلم تمسه يد ولم تخدشه عين. فانت اول من تمس زوجتك الحورية التي خلقت خصيصا من اجلك. وتكون اول مخلوق ينظر اليها انها ظلت محفوظة لك تنتظرك على شوق لتستمتع بها وحدك وتستمتع بك. وقد وصف خدم اهل الجنة كذلك بنفس وصف اللؤلؤ المفنون. اشارة الى انهم رغم تفانيهم في خدمة اسيادهم. لم تذهب الخدمة محاسنهم في باللون والصفاء والبهجة ووصفه الله في موضع اخر اذا رأيتهم حسبتهم لولا في الاية ثلاث اشارات. اشارة الى كثرة خدمك في الجنة. روى البيهقي اي بسن صين عن عبدالله بن عمرو قال ان ادنى اهل الجنة منزلة من يسعى عليه الف خادم. كل خادم على عمل ليس عليه صاحبه. وتلا هذه الاية واشارة ثانية الى تفرقهم في حوائجك وخدمتك وذهابهم ومجيئهم تلبية لرغباتك. واشارة كن ثالثة الى ساعة الجنة. وكلمة كامثال اشارة لما تشتهيه العين في الدنيا من مشهد اللؤلؤ وتلتذ وبه وهو مجرد تشبيه لتقريب صورة الحسن والجمال الاذهان. لكن الحقيقة غير ذلك. فلا مقارنة بين اللؤلؤ والحور. فجمال الحور العين يعجز اللسان عن وصفه. ولا يستطيع الكلام بيانه. ولا العقل ويكفيك من جمالها هذه الاشارة النبوية واللمحة المختصرة الموجزة في قوله صلى الله عليه وسلم ولو اطلعت امرأة من نساء اهل الجنة الى الارض لملأت ما بينهما ريحا. ولا اضاءت ما بينهما. ولا نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. فهل صار النصيف خيرا من الدنيا وما فيها؟ لانه لا يقدر بثمن فما وصفه ودوره؟ ام لانه لامس الرأس التي لا تقدر بثمن. فما صفة هذا الجمال اذا وما قدره وكيف يقر قلب انسان عن التسابق اليه. واي مجنون يكسل عن فستعني لكن جمال الحور مع ذلك ليس جمالا ثابتا. بل جمال اخاذ يزداد جمعة بعد جمعة. لتلتذ العين بما لم تلتذ به من قبل. وتتجدد اللذة وهي ترى كل وقت جديدا من الوان الحسن والجمال. والحكمة من هذا الا تمل ابدا لذة الوصال كما هو الملل في الدنيا. ولا تسأم الجمال الذي لا تتكرر صورته جمعتين متتاليتين. واسمع ما نقله انس بن مالك رضي الله عنه من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان في الجنة سقى يأتونها كل لجمعة فيها كثبان المسك. فتهب ريح الشمال فتحسو في وجوههم وثيابهم. فيزدالون حسنا وجمالا فيرجعون الى اهلهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا. فيقول لهم اهله والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. فيقولون وانتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا قال النووي في شرحه لهذا الحديث المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق. ومعنى يأتونها كل كل جمعة اي اسبوع وليس هناك حقيقة اسبوع لفقد الشمس والليل والنهار. وخص ريح الجنة بالشمال لانها ريح المطر عند العرب. كانت تهب من جهة الشام. وبها يأتي سحاب المطر وكانوا يرجون السحابة الشامية وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة اي المحركة لانها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك ارض الجنة وغيره من نعيمها. وفي الحديث اشارة تظهر العقول وتلهب الاشواق وهي ان جمال اهل الجنة يتصاعد كل جمعة. ويتزايد من اسبوع الى اسبوع. ولان الجنة ابدية فمعنى هذا ان جمال اهل الجنة يتضاعف الى ما لا نهاية. لتظل اللذة والمتعة في ازدياد مضطر لا سقف له وهذا ما لا تطيقه او تتصوره العقول البشرية. حيث تلتقي النعم اللامحدودة بالعقل القاصر المحدود. فيكون عجز سيد الموقف حتى تدخل الجنة. فتعاين ما وعدت به. في وصفها الرائعة الذي ينفي عنها كل ما يخدز الجمال قوله تعالى قال ابن القيم طهرت من الحيض والبول والنفائس والغائط والمخاطي والبصاق وكل قذر كل اذى يكون من نساء الدنيا. فطهر مع ذلك باطنها من الاخلاق السيئة. والصفات المذمومة. وطهر لسانها من الفحش والبذاء وطهر طرفها من ان تطمح الى غير زوجها. وطهرت اثوابها من ان يعرض لها دنس او وسخ. وقوله مطهرة ابلغ من طاهرة انه افاد التكفير وشدة الطهر لكن هل سألت نفسك يوما من الذي طهرها؟ انه الله جل جلاله فليسرح خيالك في هذا الطهر الذي صنعه الله على عينه. قال صاحب البيان في ادراك لافت. فانهن لم يطهرن من نجس بل خلقن طاهرات. كقولك للخياط وسع ثم قميص فانك لا تريد ان تقول ازل ما فيه من الضيق بل المراد اصنعه ابتداء واسع الكون. ورجوعا الى الحور واما باقي صفات الحور فلا داعي لذكرها. لانها شيء يعلو على الخيال. ولذا لم يرد فيها وصف عن الكبير متعال ولا ارى ضرورة التعمق في وصفهم لان المقصد ان الله تعالى يعطي عبده في الجنة كلما بلغ من الجمال منتهاه وهو ما يجيب عن سؤال كثير من نساء اليوم يطلبن ما للرجال في الجنة وما دروا ان هذه بعض متع الجنة وان الله قد يعطيهن ان اتقينا مثلها او خيرا منها. وان الله قادر على نزع هذه الشهوة من قلوب الرجال في الجنة لكنه ضربها مثلا يصور به ما يجدونه من غاية اللذة هناك. نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى اعرابي يصلي صلاة خفيفة. فلما قضاها قال اللهم زوجني بالحور العين. فقال عمر اسأت فالنقد واعظمت الخدمة. لن تشتري قصرا ببضعة جنيهات. ولن تملك ضيعة واسعة بدراهم معدودات وكذلك الجنة لن تملكها دون دفع الثمن السخي المستحق. يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل انت غالية على يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الالف الا واحد لا اثنان. مر المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي النار في يوم شاة فوقف عليه ثم انشد يقول بربك هل ضممت اليك ليلا قبيل الصبح او قبلت فاها وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الاخوانة في نداها. فقال اللهم اذ حلفتني نعم قال فقبض المجنون بكلتي يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه وسقط الجمر مع لحم راحتيه. وعض على شفته فقطعها. فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجبا منه هذا المجنون غار على ليلاه وهي امرأة تتقلب وتغضب. وتشيب وتمرض ثم هي في تفنى وتذهب فكيف بالمبرأة من كل هذا؟ والتي تنتظرك من الان وعلى احر من الجمر. واذا كنت ستموت فاعلم ان لم تكن تعلم ان ازواجك من الحور لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا ابدا لان الله خلقهن للبقاء لا للفناء. ولم يكتب عليهن الموت. فلو شاهدت عيناك من حسنها الذي رأوه لما وليت عنها لغيرها ولو سمعت اذناك حسن غنائها هجرت فراش النوم عنك وجئتها ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي اضحى قتيلا بحبها. اخي كيف لا تغار وتنافس الابرار وغيرك امهل الحور نفسه وقلبه منذ زمن. وعانقها قبل ان يقابلها بان دفع الثمن وضمن وصالها في الجنة بكثرة الطاعات واطمئن. اما يحرقك ان غيرك قد سبق! وظفر بالكنز قبلك. وان كنت تغار فما علامات غيرتك؟ واين اثرها على عزيمتك؟ وقضاؤها على غفلتك؟ اخيه، جدة في لحاق القوم فقد سبقوك وما زالت العروس معروضة في السوق والمهروء في متناول يديك وامام اليك والا كان حالك مع ليلاك اتبكي على ليلى وانت اضعتها فكنت كات موته وهو طائع