الحياة صفحة. قال تعالى انفسهم واموالهم بان لهم الجنة. يقاتلون هنا في سبيل الله. فيقتلون ويقتلون. وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى له بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي اياته وذلك هو الفوز العظيم ما اجمل هذه الصورة البديعة والتمثيل الرائع. صورة العقد الذي عقده رب العزة جل جلاله بنفسه وجعل ثمنه ملأ عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وسجل كلماته بحروف من نور في الكتب السماوية الثلاثة. وما اشرفه من صدق وتوفيق. وهو وعد الزم الله به نفسه وجعل له حقا عليه مبالغة في الفضل منه والكرم. واناسا لعباده ولطف بهم. ولا احد اوفى من صاحب هذا الوعد. والوعد الغائب من الرب الغائب اقوى من بضاعة كل عبيده الحاضرة. لكن ماذا تساوي نفوسنا المعيبة وان طهرت حتى يشتريها الله منا. بكل هذا الثمن. قال الحسن البصري وقتادة بايعهم والله فاغلى ثمنهم. وهو ما دفع محمد بن الحنفية ان يحثك على تزكية نفسك وتطيبها بالعمل الصالح والطاعات والقربات. مبررا ذلك بقوله ان الله عز وجل جعل الجنة ثمنا لانفسكم فلا تبيعوا بغيرها. اثامن بالنفس النفيسة ربها. وليس لها في الخلق كله موثما. بها تملك الاخرى فان انا بعتها بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن لان ذهبت نفسي بدنيا اصيبها. لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن انت اذا يا اخي غال جدا عند الله. يحبك ويريد ان يكرمك غاية الاكرام. لذا بجنة عرضها السماوات والارض. جنة لا تقدر بمال، فانت والله اغلى عنده من الدنيا باسرها. وقد مر بك موضع صوت احدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها فكيف بعت هذه النفس الثمينة بشهوة تنقضي في لحظة. وبلذة لا تبقى سوى ساعة وهبها بقيت اياما او اعواما فماذا تساوي بجوار لذة الخلد؟ وبعتها لمن؟ لاعدى اعدائك شيطانك. هذا ما دفع ابن القيم طيب ان يتعجب منك في احدى فوائده قائلا انما ابعدنا ابليس اذ لم يسجد لك وانت في صلب ابيك فواحد عجبا كيف صالحته وتركتنا؟ اخي اعرف هذه الحقيقة الساطعة. انت لا تملك نفسك ولا يحق لك التصرف فيها دون اذن المالك. يصرفها حيث يشاء. يقول لك هذا حلال فتقبل وهذا حرام تعرض افعل كذا ولا تفعل كذا. تكلم بهذا ولا تنطق بهذا. امشي الى هنا ولا تقترب من هناك. بل لو قدمك ذبح عن طريق جهاد او كلمة حق في مواجهة طاغية فعلى اي شيء تعترض. وانما هو يتصرف فيما اشتراه من وبعته له واعطاك في المقابل الجنة. افترجع في بيعتك؟ ام انك لم تبع وزهدت في الجنة من الاسى واذا بعت ايحسن لمن باع شيئا ان يغضب على المشتري اذا تصرف فيه او يتغير قلبه تجاهه اذا انفقه وماذا لنا فينا حتى نتكلم؟ انها البيعة المعلقة في عنق كل مسلم عرف ام لم يعرف ولابد من الوفاء. وهو قول شامل بن عطية ما من مسلم الا ولله عز وجل في عنقه بيعة وفى بها او مات عليها ثم تلا هذه الاية ان الله اشتراها. ان الله تعالى وحده هو المستحق ان يطاع ويحب ويعبد لذاته حتى لو لم يثب عباده شيئا لا ان يمنحهم الجنة لانه هو الذي خلق وهدى ورزق. كما انشد بعضهم هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرمي. اليس من الواجب المستحق؟ حياء العباد من المنعمين. لكنه تعالى كافأ عباده وشوقه وارسل الايات تلو الايات تهيب بالسامعين التشمير للجنة والرحيل اليها. وبعد كل هذا تعرضون سلم واستلم. اخوتاه البائع لا يستحق الثمن. اذا امتنع عن تسليم ما باعه. فكذلك لا يستحق عبد الجنة الا بعد تسليم النفس والمال الى المشتري. فمن قعد او فرط فغير مستحق للجنة. فهل سلمت ما عليك لتستلم ما اشتهيت. هل من باع نفسه على استعداد ان يقدمها للذبح ارضاء ربه وهل من باع نفسه وعلى استعداد ان يقدمها للذبح ارضاء لربه لا يقوى على ما هو اهون من الذبح بكثير من غض بصره او الاستيقاظ لصلاة فجر او الصبر عن لقمة حرام تعرض عليه رشوة او شبهة. واذا لم يقوى هذا الاسهل فهل مثله باع فعلا؟ ام انه يطمع في نيل اغلى سلعة بابخس ثمن. وصدق القائل اذا اعتاد الفتى خوض المنايا فاهون ما يمر به الوحول. ومثل هذه المواجهة المتكررة للنفس الامارة بالسوء. تورث العبد ولابد واحدا من اجمل الاخلاق وهو خلق الحياء. الذي يعصم من كثير من الرذائل ويدفع لاحراز اسمى الفضل ولكن ماذا بعد ابرام البيعة؟ الجواب قول ربنا على نفسه ومن اوفى بما هدا عليه الله. ومن اوفى لما عليهم الله فسيؤتيه اجرا عظيما. اخي كلما لمست من نفسك فتورا او انشغالا بالعاجلة او ايثارا للفانية سائل نفسك. هل بعت هل اشتريت الجنة حقا وبعت نفسي ومالي في سبيلها؟ وما الدليل على ذلك؟ واي عقل في التأخر عن صفقة كهذه او الانشغال عنها بغيرها. من يهب نفسه اليوم لربه وقد اشتراه ومن باع فليبادر ولا يجزع مما يحاذر. يقول سيد في الظلال انه نص رهيب. انه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين بالله. وعن حقيقة البيعة التي اعطوها باسلامهم طوال الحياة فمن بايع هذه البيعة ووفى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف المؤمن وتتمثل فيه الايمان والا فهي دعوة تحتاج الى التصديق والتحقيق. حقيقة هذه البيعة او هذه المبايعة كما سماه الله كرما منه وفضلا وسماحة ان الله سبحانه قد استخلص لنفسه انفس المؤمنين واموالهم فلم عد لهم منها شيئا لم يعد لهم ان يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله. لم يعد لهم خيار في ان يبذل او يمسك كلا انها صفقة مشتراة. لشريها ان يتصرف بها كما شاء. وفق ما يفرض ووفق ما يحدد. وليس للبائع فيها من شيء سوى ان يمضي في الطريق المرسوم. لا يتلفت ولا يتخير ولا يناقش ولا يجادل ولا يقول الا الطاعة والعمل والاستسلام والثمن هو الجنة. صحابة باعوا سلفا. ولكي تستشعر معنى هذه البيعة حقا اقرأ من نزلت فيهم اية البيعة؟ ان الله اشتراها. نزلت في بيعة العقبة الكبرى في العام الثالث عشر من البعثة وهو والعام الذي اتى فيه الانصار يربو عددهم على السبعين يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم. بيعة التضحية والفداء. فقام منه عبدالله بن رواحة قائلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت. قال صلى الله عليه وسلم اشترط لربي ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسي ان تمنعوني مما تمنعون منه انفسكم واموالكم. قالوا فاذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال قال الجنة الجنة الجنة قال ربح البيع. لا نقيض. ولا نستقيل. في تفصيل اكثر لما حدث قام اسعد بن زرارة وهو اصغر السبعين سنا. فقال رويدا يا اهل يثرب انا لن نضرب اليه اكباد المطيء الا ونحن نعلم انه رسول الله ان اخراجه اليوم مفارقة العرب كافة. وقتل خياركم وان تعضكم السيوف فاما انتم قوم تصبرون على عض السيوف اذا مستكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافة فخذوا ذوه واجركم على الله واما انكم تخافون من انفسكم خيفة فذروها. فهو اعذر لكم عند الله فقالوا جميعا امط يدك يا اسعد. فوالله لنظر هذه البيعة ولا نستقيلها. قاموا اليه يبايعونه رجلا رجلا يأخذ عليهم شرطه ويخطيهم على ذلك الجنة. وعجبا قوم ايقنوا بالجنة ولما يمضي على سوى برهة قصيرة من الزمن. فمنهم من اسلم منذ يوم واحد ومنهم من اسلم من يومين ومنهم من اسلم من شهر او شهرين واقدمهم اسلاما من اسلم منذ سنتين. وبرغم ذلك ومع ان الجنة غيب لم يروه. فهم يبذلون في سبيل يا اغلى ما يملكون النفس والمال ويتعرضون لاخطر ما يكون. ونحن نسمع عن التي مذوعين طوال عمرنا وما دفعنا نفس الثمن. فهل ايقنت نفوسنا هذا اليقين؟ وهل نحن على استعداد لبذل نفس البذل. واخر باع نفسه للعدو. هل توقظك العبر فلا تستيقظ وتعظك الايات فلا تتعظ. لم يكفك ما نزل بامتك الثكلى عن جهالتك. ولا ردتك هزائمها متوالية عن ضلالتك تصغيه الى الهدى كانك اصمت وتتمادى في العناد بانف اشم قد غط الهوى سمعك عينك وحال بينك وبين ربك وملك الشيطان مفاتيح قلبك ثم ضيعها حين رمى بها في متاهات الضلالة. كم فرقت بابك المواعظ لتنتشيلك من غفلتك. فناداك الشيطان اياك والفلاح. فسمعت له واطعت استسهلت القول واستصعبت العمل املت النجاة بغير تعب وطلبت الجنة دون دفع الثمن. ان افتقرت حزنت وان اغتنيت فتنت. ان سألت ربك اكثرت. وان سألك ربك قدرت. تنشط للطاعة يوما او بعض يوم ثم سرعان ما تزهد وتبغي الازدياد من الجديد قبل ان تؤدي شكر القديم. حاشاك ان تكون كذلك. حاشاك ثم اياك اياك من موافقة هواك. اجتمع عبدالله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة. قال له مصعب تمنوا قالوا ابدأ انت. قال ولاية اتى العراق وتزوج سكينتي ابنة الحسين. وعائشة بنت طلحة ابن عبيد الله. فنال واصدق كل واحدة خمسمائة درهم وجهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه ان يحمل عنه الحديث فنال ذلك وتمنى عبدالملك الخلافة فنالها وتمنى عبد الله ابن عمر الجنة