رابعا وما خفي وما كان اعظم. واما النوع الرابع من النعيم فهو مجهول. وهو وما اخفي عن عموم الفائزين. واختص الله به مجموعة من عباده واثرهم به. واذا كان الله تعالى قد قال قال ومني استدعتين هدى استبرق وما غبظ من الديباج وخشن. فاذا كانت البطانة التي غابت عن الاعين هكذا. فما ظنك بالظاهر قيل لسعيد الجبير البطائن استبرق فما الظواهر؟ قال هذا مما قال الله نفس ما اخفي لهم من قرعة اعين. جزاء بما كانوا يعملون. وكلما علا الثواب في الجنة كلما كان خفيا لا يطلع عليه احد الا صاحبها. قال كعب مجيبا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. حين سأله عن اعلى اهل الجنة منزلة. يا امير المؤمنين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ان الله جل ذكره خلق دارا جعل فيها ما شاء من الازواج والثمرات اشربه ثم اطبقها فلم يرها احد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء لما كانوا يعملون. قال وخلق دون ذلك اثنتين وزينهما بما شاء. واراهما من شاء من خلقه. ثم قال من كان كتابه فعليين نزل في تلك الدار التي لم يرها احد حتى ان الرجل من اهل عليين ليخرج. فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة الا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا ريح رجل من اهل عليين قد خرج يسير في ملكه. متعة النجاة. واسمع هذه القصة القرآنية الرهيبة قال قائل من اني كان لي قريب. يقول انك لمن المصدقين. ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمدين. قال والان انتم مطلعون رآه في سواء الجحيم قالت الله تالله ان كدت لترضين ولولا نعمة ربي لكنت من المحيطين افما نحن بميتين الا موتتنا الاولى وما نحن من معذبين ان هذا لهو الفوز العظيم انها قصة اليمة ممتلئة بالشجون والعبر. وجيء بها بصيغة الفعل الماضي مع انها واقعة في المستقبل. لتفيد تحقيق وقوع ذلك حتى كأنه قد وقع. يقول صاحب الجنة لاخوانه من ساكن القصور. هذه قصتي مع صاحبه. كنت مؤمنا مصدقا وما زال مكذبا منكرا للبعث حتى متنا فبعثناه. فوصلت انا الى ما ترون من النعيم ووصل الا هو الى ويلات سقرة. فهيا بنا هل انتم مطلعون لننظر اليه فنزداد بهجة سرورا بما نحن فيه ونعاين وعد الله له. كما شهدنا وعد الله لنا. والاستفهام بقوله قال هل انتم مطلعون يشيروا الى العرض الذي عرضه على رفاقه في الجنة. ان يطلعوا على قرينه. وهو موقن بان خازن النار يجيبه الى طلبه لان الله وعد اهل الجنة. ولهم ما يدعون. ولما اجابه اصحابه الى دعوته انطلقوا مسرورين في جولة للاطلاع على اهل النار فرآه ورأوه في وسط العذاب وغمراته. والنار محيطة به من كل جانب قال كعب ان بين اهل الجنة وبين اهل النار كواه لا يشاء رجل من اهل الجنة ان ينظر الى غيره من اهل النار الا فعلنا. ولولا ان الله عز وجل عرفه اياه ما عرفه. فقد تغير لونه وهيئته لشدة ما نزل به من العذاب وحين رأى قرينه قال له نائما وفي نفس الوقت شاكرا نعمة الله ان نجاه تالله ان كدت لترضيك اي توقعني في الردى والهلاك بالحاحك في صرفي عن الايمان ولولا نعمة الهداية بيت الله لكنت من المحضرين معك في العذاب. ويا له من مشهد! ضاعف سرور اهل الجنة. ولو لم يكن من نعيم اهل الجنة الا هذه النجاة لكفتهم وفاضت عليهم. وان صاحب الجنة لا يعرف حقيقة النعمة التي يرخم فيها حتى يرى المحرومين منها فكيف لو رأى الغارقين في اشد العذاب ولهيب النار. وعندها يحمد الله الذي عافاه ونجاه ووقاه ومضاعفة سرور اهل الجنة كشف عنها ابو حامد الغزالي حين قال ففرح اهل الجنة عندما اذا تفكروا في الام اهل النار. اما ترى اهل الدنيا ليس يشتد فرحهم بنور الشمس مع شدة حاجتهم اليه من حيث انها عامة مبذولة ولا يشتد فرحهم بالنظر الى زنة السماء وهي احسن من بستان لهم في الارض يجتهدون في عمارته ولكن زينة السماء لما عمت لم يشعروا بها ولم يفرحوا بسببها