وتنقسم انواع الذكر التي تدخل الجنة الى نوعين. النوع الاول اذكار محددة. وتبدأ بالسيد العظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار. ان تقول اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت. اعوذ بك من شر ما ما صنعت ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت. من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه الا ان يمسي فهو من اهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل ان يصبح فهو من اهل الجنة وسمي هذا الدعاء سيد الاستغفار. لانه جامع لمعاني التوبة كلها. فاستعير له اسم السير الذي يقصد في الحوائج ويرجع اليه في الامور كما يرجع الى هذا الدعاء لمغفرة الذنوب. وذلك انه يسود ويتقدم دم كل صيغ الاستغفار الاخرى في الفضيلة والمرتبة. وقوله صلى الله عليه وسلم موقنا بها يستدعي فهم مفردات الحديث فهما جيدا وهو ما سافعله لاجعل اليقين به لقمة سائغة في متناول قلبك انا عبدك وهي تضع العلاقة مع الله في اطارها الصحيح. فهي علاقة العبودية التامة والعبودية هي كمال المحبة مع كمال الخضوع. وهو ما لا يشتمل لاحد الا له سبحانه. وفيه ايضا اني عبد من جميع الوجوه صغيرا وكبيرا حيا وميتا ومطيعا وعاصيا معافا ومبتلى بالروح والقلب واللسان والجوارح وفيه ايضا ان مالي ونفسي ملك لك فان العبد وما يملك لسيده. وفيه ايضا انك انت الذي مننت عليه هي بكل ما انا فيه من نعمة فذلك كله من انعامك على عبدك. وفيه ايضا اني لا اتصرف فيما خولتني من مالي ونفسي الا بامرك كما لا يتصرف العبد الا باذن سيده. واني لا املك لنفسي ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشوءا وكلما ازدادت عبوديتك لربك كلما اعلى قدرك بين خلقه وزرع في قلوبهم المهابة منك والتوقير لك والفرح بك الشوق الى لقائك. والدليل على ذلك عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. الذي تمثل العبودية ظاهرا وباطنا حتى في طريقة اكله وجلوسه حين قال صلى الله عليه وسلم اكل كما يأكل العبد واجلس كما يجلس العبد فكوفي على كمال عبوديته بخلود ذكره واقتران ذكره على الدوام بذكر رب العالمين. وانا على عهدك اي انا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق الذي اخذته علي. وانا لا زلت ذرا في صلب ابي ادم عليه السلام واذ اخذ ربك من بنين ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم الست بربكم قالوا بلى ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ووعدك ووعدك وانا موقن كذلك بوعدك لي بالبعث والنشور للمحاسبة يوم الحشر والتلاق. لاقطف ثمرة كما جنت يداي في دنياي ولا يغيب ذلك عن ذهني ولا اغفل عنه. ما استطعت. والاستطاعة هي استفراغ الجهد اي بذل غاية الجهد الذي يمكن بذله في سبيل الله في سبيل تحقيق رضاك عني بحيث لا تبقى عندي ذرة جهد لم تبذل في سبيلك ولا لحظة وقت لم تنفق في رضاك. فهل اعني حقا ما اقول؟ اما انني اردد بشفتي ما تشهد احوالي بكذبه. هل اديت حقا اقصى ما استطيع نحو ربي؟ علي ان اراجع احوال قلبي وانا اتلفظ بكلمات لساني ثم اصحح المسيرة المعجة. وفي هذه الكلمة معنى استجداء القوة من الرب سبحانه الذي يمد وحده بالعون والمدد وفيه بعد استشعار العجز. فان العبادة الشاملة في سر وجهل وسكون وحركة وجد وهزل ومحيا وممات تشق على النفس الضعيفة. لذا لزم استجلاب العون من الله في طريق كهذه طويلة شاقة مليئة بالمعيقات. اعوذ بك افزع الى الاستعاذة والاعتصام بك فانك ان لم تعذني احاط بي الهلاك من كل جانب. من شر ما صنعت. من شر ذنوبي وتقصيري في سواء كان التقصير في القيام بالشكر على الانعام او كان التقصير بارتكاب الاثام. وشر ما استطعت هو مجموعة شرور متتالية تشمل شر مغبة الذنوب الدنيوية وشرع عقوبته الاخروية وشرع عدم مغفرته وشر العودة لمثله. وهذه الشرور سباع مفترسة. كادت ان تفتك بي لولا اني احتميت بجناب الله ولست به ومما يشهد على خطورة الذنب قوله تعالى فكلا اخذنا بذنامه. فالذنب الواحد قد يهلك صاحبه. وبذنب واحد فحسب قد يدخل العبد النار وقد مر بنا ان امرأة دخلت النار في هرة حبستها وان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم عذب في النار بشملة سرقها من الغنائم وان الله احبط عمل رجل صالح لانه تألى على الله واقسم الا يغفر الله لفلان. وهي اشارات لها دلالات وتنبيهات على خطورة السيئة الواحدة. ابوء لك بنعمتك علي. اقر اعترف بعظيم انعامك عليه في النجاة من الكفر وفعل الحسنات والصحة والمال والعيال بل حتى في نعمة النفس الذي يتردد في صدري وغيرها من النعم التي لا تعد ولا تحصى. وهذا الاعتراف وتكراره يؤدي الى الشكر ودوام الشكر يورث ولابد محبة الرب سبحانه وثناء المتواصل عليه. وابوء بذنبي وذنبي هو عدم شكر نعمتك او هو الذنب المطلق سواء كان تقصيرا مني في امر من اموري او وقوعي في وهو ما يوجب علي دوام الاستغفار والتوبة الى الله. وما اجمل قول بعضهم اطعتك بفضلك والمنة لك وعصيتك بعلمك والحجة لك. فاسألك بوجوب حجتك علي. وانقطاع حجتي الا غفرت لي فلن ارى نفسي بعد اليوم على الدوام الا مقصرا مذنبا. ولن ارى ربي الا محسنا متفضلا. اخي قد يقر بذنبه امام الاخر دون ان يكون هذا الاخر متفضلا عليه بشيء. وقد ينعم انسان على انسان بهدية دون ان يرتكب يبقى الاول ما يستدعي الاعتذار لكن ذلك لا يشكل الافتقار الكامل. انما الافتقار الكامل هو في اجتماع الامرين. ولذا قال ابوء لك بنعمتك وابوء بذنبي. فان حصل لك ذلك فقد اصبح الطريق امامك ممهدا لطلب المغفرة فاغفر لي. ويجاب طلبك في حالي باذن الله لانك وصلت حينها الى حالة الافلاس الكامل. الافلاس هو اقرب باب يدخل منه عبد على الله تبارك وتعالى. فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به. ولا وسيلة منه يمن بها. بل يدخل على الله تعالى من باب افتقار الصنف والافلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة الى سويدائه صدق وشملته الكسرة من كل جهاته. وشهد ضرورته الى ربه عز وجل. وكمال فاقته وفقره اليه. وان في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة الى ربه تبارك وتعالى. وانه ان تخلى عنه طرفة عين اي هلك وخسر خسارة لا تجبر الا ان يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته. وحالة الافلاس يضرب لها ابن القيم مثلا يقرب لك بها الصورة لتقتدي ويشرحها لك لتقلد. فما مثل المفلس الا كعبد قد شدت يداه الى عنقه. وقدم لتضرب عنقه وقد استسلم للقتل. فنظر الى سيده امامه وتذكر عطفه ورأفته به ووجد فرجة فوثب اليه منها وثبة طرح نفسه بين يديه ومد له عنقه وقال انا عبدك ومسكينك وهذه ناصيتي بين يديك ولا خلاص لي من هذا العدو الا بك واني مغلوب فانتصر فهذا مشهد عظيم المنفعة جليل الفائدة تحته من اسرار العبودية ما لا يناله الوصف. وقد يتعجب عابد ما الذي يدفعك بحالة الافلاس هذه ولم ارتكب كبيرة من الكبائر او قصر في فريضة. وانا ارد عليك. وكيف لا حالة الافلاس هذه وقد رأيت الشيطان قد اوقع في مهالكه من هو اشد منك قوة واكثر جمعا. فما بين مفتون بماله وملهي بعياله وغارق في غفلته ومغرور بامله ومصروع بشهوته ومقتول بعشق وهوى وابن سبق وان تعجب ممن ظن انه سلم فقال مستغربا كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس امارة كل السوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه فان تولاه الله وجذبه اليه ان طهرت له هذه كلها. وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكان الهلكة فهل افلست يا اخي؟ ام لا زال قلبك واثقا من النجاة يساعدك على حالة الافلاس هذه ان تدرك الا احد والله اكبر من ان يضل. وفي دعائه صلى الله عليه وسلم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك اشارة الى شمول ذلك للعباد حتى الانبياء. ورفع توهم من يتوهم انهم يستثنون من ذلك وخص صلى الله عليه وسلم نفسه بالذكر اعلاما بان نفسه الزكية اذا كانت مفتقرة الى ان تلجأ الى الله فافتقار غيرها ممن هو دونه احق بذلك. لذا لابد الا يفارق هذان الشعوران اي مؤمن طرفة عين الاعتراف بكثرة النعم والتقصير في شكرها. لانهما من لوازم صلاح القلب ولو فارقاه لحظة لفسد. فان القلب اذا غفل عن الاعتراف بالنعم شغل بالنعمة عن المنعم. واذا غفل عن ذنوبه تتابعت عليه حتى اظلم قلبه او اصابه العجب فاهلكه. هذه الاستمرارية اللازمة لهذين المعنيين توحي بها في الحديث كلمة ابوء. فان المباءة هي التي يبوء اليها الشخص ان يرجع اليها رجوع استقرار. والمباءة هي مستقر لك المنزل الذي ينزل فيه العبد ثم يرحل عنه. فالعبد يبوء الى الله بنعمته عليه ويبوء بذنبه. ويرجع اليه اعترافي بهذا وذاك رجوع مطمئن الى ربه منيب اليه ليس وجوع من اقبل عليه ثم اعرض عنه. بل رجوع من لا يعرض عن ربه بل لا يزال مقبلا عليه. فمعنى الدعاء اذا انك لابد ان تستشعر في كل احوالك بقولك ابوء لك بنعمتك علي حتى وان كانت المصائب قد توالت عليك. وحرمت الوان النعم كلها. فترى البلايا عطايا والمحن قال منحا وكيف لا تراها كذلك وهي مكفرات ذنوب وعلامات اصطفاء وتبلغ بالعبد اعلى المقامات ان عن ذلك اعماله الصالحات. وابوء بذنبي. مهما ادركت من مراتب الطاعات ومعالي القربات فلا تزال ترى نفسك مقصرا لن تؤدي ما عليك. لاستيلاء القصور على اعمالك قال له باحوالك واستحالة قيامك بشكر نعمه اللا نهائية او عبادته على الوجه الذي يستحقه. فهل وصل قلبك اي من هذه المعاني اثناء ترديدك لهذا الدعاء السيء وان لم تفعل فهلا قرأت هذا الدعاء من الان بلسان اخر وقلب جديد بعد ان علمك الله من معانيه ما لم تكن تعلم. قال ابن سمرة وكان يلقب الناطق بالحكمة. من الوقاحة تمنيك مع توانيك. استوف من نفسك الحقوق ثم وفها الحظوظ حسب ما يكفيها لا ما يطغيها. قفها بين الجنة والنار تأباك الجنة بكل معنى وتقبلك النار بجملتك