شراء ثوبي الاحرام. اما شراء ثوبي الاحرام فتذكر بلبسك ثياب الاحرام الكفن ولفك فيه. فانك ستلقى الله عز وجل في كفن اشبه ما يكون بثياب الاحرام. اذ ليس ففي ثياب الاحرام مخيط تماما مثل الكفن. وما اشبه المحرم اليوم بالميت كلاهما يغتسل وكلاهما ذاهب للقاء لقاء ربه وهذا ما يذكر كل حاج باخوانه الموتى وبحاله الذي يشبه حال كل ميت. ويعبر عن ذلك الشاعر وبقوله لعمرك لو كشفت الترب عنهم فما تدري الغني من الفقير ولا الجلد الملامس ثوب صوف من الجلد الملامس الحريري اذا اكل الثرى هذا وهذا. فما فضل الغني على الفقير؟ وتذكر تذكر ان هذه الحال تبعث في النفس اكبر درجات الخضوع واسمى منازل الخشوع. واقصى تذلل للخالق سبحانه فانت اليوم ليس معك من متاع الدنيا سوى ما تلبس. وان كان نعيم الدنيا وزخرفها قد انساك ان الملك كله لله فقد جاءك اليوم الذي تقف فيه بين يدي ربك كيوم ولدتك امك. ليس عليك من دنياك سوى ما تستر به انت اليوم اشبه ما تكون برضيع لف في قطعة قماش لا يملك لنفسه شيئا ويحتاج من خالقه الى كل شيء وتذكر بلبسك ثياب الاحرام ان الناس سواسية من الملوك الى عليك لا فارق بين سبث وعبيد واقوياء ومعفاء واغنياء وفقراء وسادة وسوقة ونبلاء وضعفاء عرب وعجب وبيض وسود. لا فضل لاحد على احد الا بالتقوى. فالكل يخلع صنعة الخياط ليلبس خرقة البسطاء ويلحق بذلك افقر الفقراء باخذ الاغنياء. ولا تجد دينا كالاسلام يغرس المساواة في قلوب باتباعه بمثل هذه الطريقة العملية. ويفرضها في اجل العبادات لتتصل بالضمير وتمتزج بالتركيبة النفسية فيغرس ذلك في قلب كل حاج ولا شك خلق التواضع. كثيرا ما تشكل ثيابك فواصل صنف وتقيم الحواجز بينك وبين الناس. وتكون سببا في التمييز بين البشر في اغلب الاحوال. وتحديد مستواك المادي والمالي وتضع بصمتها على روحك. فثيابك تكسوك من الخارج لكنها تكسو شخصيتك من الداخل. في هذا يقول الشيخ علي الطنطاوي وبالثياب يتفاوت الناس. وبالثياب تتكون شخصياتهم. ولولا الثياب ما كانت هيبة رجل الدين وسطوة رجل الجيش في نظر العامة. ولم تاز غني عن فقير. فاذا خلعوها اختلطت الطبقات كلها حتى صارت طبقة واحدة هي طبقة الحجاج. لا نقول هنا للامير يا سمو الامير ولا للمدير يا سعادة المدير ولا نخاطب العظيم بخطاب التعظيم. فما ها هنا امير ولا مدير ولا غني ولا فقير ولا كبير ولا صغير ما هنا الا حجاج ربنا لك الملك والحمد الذي انت تعلم ها هم فلبوه رضا ومحبة فلما دعوه كان اقرب ومن هموم فلما دعوه كان اقرب منهم جاء الحجيج لبيته ولبوا له عند المهل واحرموا لعزته الوجوه تسلم. فتقول لكل من تراه غدا من هنا يا حاج ولا يغضب من قولك. بل يسر به ويراه ابلغ التكريم. ان التميز في الحج بالغنى والمكانة هو غاية الضعف. والافتخار بسنتك او جمالك هو غاية القبح. فاليوم تسمو الارواح فوق عالم الاشباح ويعلو الجوهر على المظهر. لذا تتخلص من ثيابك المخيطة جبرا لاختيارا وتلف جسدك بشملتين بهما بين الناس بل ويفرض الله عليك الكفارة لو خلعتهما وارتديت المخيط بعد احرامك. اجل هنا تلتقي كل الالوان والاجناس والاعراف واللغات والاعمار دون ذرة واحدة منه تفرقة او تمييز. ولو رآنا دعاة حقوق الانسان اليوم لقالوا انظرونا نقتبس من نوركم. ولكنه هم قوم يجهلون لكنه وان تساوى الظاهر فالله اعلم بالسرائر. فلعل فقيرا يعيش على الكفاف خيرا عند الله من ملء الارض من غني ضاقت خزانته بالمال. ولعل رجلا من عامة الحجاج اشعث اغبر لا يؤبه له. لو اقسم على الله لابره. وتذكر بلبسك ثياب ابا الاحرام الزهد في الدنيا. والزهد كما قال ابن الجلاء النظر الى الدنيا بعين الزوال فتصغر في عينك فيسهل عليك الاعراض عنها. او كما قال الامام احمد الزهد في الدنيا عدم فرحه باقبالها على حزنه على ادبارها. ولذا لما سئل عن الرجل يكون معه الف دينار هل يكون زاهدا؟ قال نعم. بشرط ان لا اذا زادت ولا يحزن اذا نقصت. وهل هناك فرصة لغرس الزهد في القلوب؟ اعظم من فرصة ابشر الذي نخلع فيه فاخر الثياب فلا فخر ولا مباهاة. ونرتدي ملابس الاحرام البسيطة التي ليس لها ذنوب. وقد دللنا النبي صلى الله عليه وسلم على معنى الزهد بحاله فضلا عن مقاله. فقد حج صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي اربعة دراهم او لا تساوي. كما روى ذلك عنه انس بن مالك رضي الله عنه. قام رجل الى النبي صلى الله الله عليه وسلم فقال من الحاج يا رسول الله؟ قال الشعف التفل التفل التفل والشعف هو الذي تفرق شعره. والتفل هو من ترك استعمال الطيب. وانما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذين الوصفين ليدل على زهد المحرم وسمته الاكمل. وهو ان يكون خاضعا لله ومستكينا له. ومظهرا للذل والفاقة. هاجرا للشرف والدعة وهيئة المترفين. فالتنافس اليوم ليس في جمال المظهر بل في طيب القلب والجوهر. وتذكر تذكر بلبسك ثياب الاحرام ان تبيض قلبك كما بيضت ثيابك. فرب مبيض لثيابه مدنس لدينه واستشعر كذلك. بياض المنهج الذي تحمله. ونقاء رسالة الاسلام التي تحويها بين اضلاعه واحذر واحذر ان يكون بياض ثيابك مخفيا لسواد قلبك وسوء سريرتك. هذا التناقض سبق ان اشار اليه محب الدين الخطيب حين قال كنت اتساءل بيني وبين نفسي في كل مرة كم عدد الحجاج الذين طهروا نفوسهم وانخلعوا من اجناسها وعزموا على ان يكونوا بعد حجهم طاهرين نظيفين مترفعين عن الاسفاف والاثم والميل مع الباطل والطمع في حقوق الاخرين. الغرض من الحج الانخلاع من ماض مشوب بالاثم والشر وتشديد العهد مع الله على استئناف حياة نظيفة مستقيمة