الوقوف بعرفة. واما الوقوف بعرفة وما ادراك ما عرفة فاعلم ان اليوم فاصل لك بين عهدين. وتحول جذري في مسار حياتك. ولذا حصل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فيه فقال الحج عرفة واستشعر وصولك امام الله في ميدان الحشر وحيرتك في هذا الموقف بين الرد والقبول. وطمعك في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجري على نفسك اليوم تأملا ما سيجري عليك غدا حقيقة وواقعا والزم قلبك الضراعة والخشوع والتوبة والخضوع. اخرج كل خاطر من خواطر الدنيا من قلبك. اقبل على الله بكل ذرة من كيانك فمنذ سنين وانت تحاول الوصول الى ساحل القبول. وما ادرت الشط. وها هو اليوم امامك على مرمى البصر فان كتبت جواب توبتك بدموع الاسف غفر لك ما قد سلف. واشر فيه افلاسك. واعترف بفقرك واقر بعجزك وجهلك واستحضر صحيفة ذنوبك الماضية وقبيح سوابقك المهلكة. واذكر الساعات الضائعة من واندم على التفريط في زمن الصبا. فكم اتعبت الحفظة سنين؟ وسهرت في المعاصي حينا بعد حين واظهر الفاقة والمسكنة. حتى تكون ممن يستحق الصدقة. الم تقرأ قول ربك ان من صدقات الفقراء والمساكين انما الصدقات للفقراء والمساكين. وتعبيرا عن ذلك ارفع يديك الى صدرك. متمثلا اعلى درجات الذل عبودية مقلدا نبيك. الذي قال عنه ابن عباس رضي الله عنه. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة ويداه الى صدره كاستطعام المسكين. يا الله يفعل هذا وقد حشرت له جزيرة العرب عن بكرة ابيها بقبائلها وابطالها وشعرائها وبطونها باشارة واحدة منه لكنه صلى الله عليه وسلم كان كلما ملك زاد فقرا زاد فقرا وكلما علا سجد ذلا لعلمه ان الفضل كل الفضل لله رب العالمين. فليتعلم ذلك كل من مسته نفحة كبر او اصابته نوبة غرور ليتواضع. واكثر فيه من الدعاء فهو عبادة الوقت وافضل الاعمال في هذه الساعات واقرب دعاء من القبول على الاطلاق. فان افضل الدعاء دعاء يوم عرفة والدعاء معناه الامل والامل معناه اليقين. وفي اليقين الراحة الغامرة. والسكينة الرائعة التي لا تساويها كل كنوز قد منعك الله اليوم من الصيام وحرمه عليك حتى لا تضعف عن الدعاء. وفي قصر الصلاة اليوم دلالة واضحة على ذلك. وكأن المقصود ان يطول دعاؤك وتضرعك الى اقصى ما تستطيع رجعات اللي افتقاري بخوفي بضعافي بدمع كساري بسيري وانت العلي بكل السرار احث خطاياي فرارا وخوفا ومنك ولاك اليك كافرا فسبحان من اعانك على ما فيه نفعك ثم تنساه وارشدك الى ما فيه فوزك ثم تغفل عنه. قلد نبيك. لا تضيع اليوم لحظة واحدة مقتديا في ذلك بنبيك صلى الله عليه وسلم. الذي شغله الذكر والدعاء يوم عرفة عن كل شيء عن طعامه وشرابه حتى ظن كثير من الصحابة انه صائم. عن ام الفضل بنت الحارث ان ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول صلى الله عليه وسلم. فقال بعضهم هو صائم. وقال بعضهم ليس بصائم. فارسلت اليه بقفح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب نعم لن يضيع لحظة واحدة. وكانه يقول لك اليوم الوقت لا يقدر بثمن فكل لحظة تنفقها في غير طاعة اعظم خسارة. ودعاك الى ذلك بفعله لتكون استجابتك اسرع وطاعتك اقرب. عن اسامة بن زيد رضي الله عنه كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو امالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام باحدى يديه وهو رافع يده الاخرى. واسمع الى حديث جابر رضي الله عنه وتعلم منه. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى اتى الموقف فجعل بطننا الى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس تأمل قوله فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس. داعيا دون ملل دون ملل راجيا دون كلل. وظل على تلك الحال حتى بعد غروب شمس عرفة. واثناء سيرها لمزدلفة وهو وقت ينشغل فيه الناس بالزحام ان لم يكن بالجدال واللهو من الكلام. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا غير ذلك. حيث افاض صلى الله عليه وسلم وردفه اسامة بن زيد رضي الله عنه. فجالت به الناقة وهو رافع اليد لا تجاوزان رأسه فما زال يسير على هيئته حتى انتهى الى جنب الى مزدلفة. العجلة من زنا الشيطان زنا قال النبي صلى الله عليه وسلم انا دعوة ابراهيم. وكان اخر من بشر عيسى ابن مريم ومن العجيب ان بين دعوة ابراهيم وابعث فيهم رسولا منهم وبين اجابتها ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ما على الفي عام. فلماذا يتعجب المتعجلون؟ ولماذا يقنط الداعون؟ ولماذا يتذمرون ويقولون دعونا فلم يستجب لنا. ان الاجابة اكيدة اكيدة. فالخير عميم رب كريم والفضل عظيم. وحق الزائر مصون. وتعبه غير مضيع