رب الشهرين واحد. يلتزم المحرم بالامتناع التام عن محظورات الاحرام تجردوا من المخيط ويتركوا الطيب ويمتنعوا عن حلق شعره ويتخلى عن الرفث ومقدمات النكاح. ويستجيب لذلك كله دون تردد ولا تحدثه نفسه ان يتجاوز او يخالف. مدرسة الحج مدرسة انها مدرسة الحج. تربي كل حاج كذلك على تحمل تبعات خطأه وعواقب تقصيره. فتوجب الفدية على من ارتكب محظورا من محظورات الاحرام لتغرس في قلب كل محرم الشعور بالمسئولية وضرورة تحملها في الحج وبعد الحج ليتخرج من هذه المدرسة وبين يديه شهادة نضجه وكماله واستوائه ورشاده وعجيب هو امر بعض اخواننا الحجاج. فالذي حرم على المحرم الطيب والذي حرم عليه اكل الربا والذي حرم الرفث ومقدمات الجماع والذي حرم النظرة الحرام والذي نهاه عن دبس المخيط هو الذي نهاه عن لبس الذهب والحريظ. فما بال البعض يطيعه هنا ويعصيه هناك؟ ويذكره الان وينساه سائر ايام حياته. الدوام علامة القبر. قال تعالى اعملوا قال ابن رجب لما قيل لهم هذا لم تأتي عليهم ساعة الا وفيهم مصلين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول حتى تتورم قدماه قائلا افلا اكون عبدا شكورا وكان بعض السلف اذا وفق لقيام ليلة من الليالي اصبح في نهارها صائما ويجعل صيامه شكر لله للتوفيق للقيام. هل فهمت اخي الحبيب؟ ما اراده منك ابن رجب يريدك ان تشكر وشكرك بان تستمر في طاعتك وعبادتك بعد حجك لا تنقطع. وهذا الشكر العملي هو مفتاح التوفيق للمزيد ونسيانه هو سبب المنع بعد الهبات والسلب بعد العطاء. وهو ما سبق وحذرك فمنه بشدة ابن حزم. فقال اهمال ساعة يفسد رياضة سنة. نشيد بالرجوع. كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم اذا رجع من غزو او حج او عمرة ايبون تائبون. عابدون. ساجدون لربنا حامدون ايبون ايبون لكنه ليس رجوع الجسد الى الوطن بل رجوع القلب الى السكن. في رحاب الله. في رحاب الله وعلى هدي مصطفى. وعنوان رجوعنا تائبون. وفي كل حركاتنا وسكناتنا عابدون ودليل صدقنا ساجدون. ونحن في كل ذلك قروا ونعترف بانه ليس لنا من الفضل شيء. بل الفضل كله لله. فتهتف قبل السنتنا بربنا حامدون الرحيم وانت الكريم وحكمك يا رب في الكون جاري اخاف وهذا شعاري بربنا حامدون. اخي الحاج اكثر من ترديد بهذه الكلمات في طريق رجوعك. اطلق بها لسانك طويلا طويلا. لتملأ بها قلبك. وتذكر بها نفسك. وتجدد بها عهدك وتسعد بها ربك وتجعل بها انف شيطانك في التراب. ارجع اكثر كان من هديه صلى الله عليه وسلم انه كان اذا قفل من غزو او حج او عمرة يكبر على كل طرف من الارض. قال الحافظ العراقي مناسبة التكبير على المرتفع ان الاستعلاء محبوب للنفس. وفيه ظهور وغلبة فينبغي للمتلبس به ان يذكر عنده ان الله اكبر من كل شيء. والمعنى ان الله اكبر ان الله اكبر الله اكبر فضلا وكرما من فضلكم وكرمكم. فلإن قدمتم جهودكم واموالكم فقد لكم غفرانه ورضوانه وجنته. الله اكبر. الله اكبر. الله اكبر قدرا وعظمة من ان به عبادتكم وان عظمت في عيونكم. فلو ان كل من خلق من لدن ادم الى يوم القيامة كانوا على تقوى اعظم نبي ما زاد ذلك في ملك الله شيء. الله اكبر. الله اكبر ان يحيط بها مخلوق فيشكره او يحصيها احد فيؤدي حقه. الله اكبر الله اكبر فتواضعوا. الله اكبر فعظموا امر ربكم. الله اكبر فاعلموا قدر نفوسكم. الله اكبر يغرلكم عملكم. الله اكبر فارحموا المذنبين. واسعفوا المخطئين. واعينوا الذين استذلهم الشيطان دون عتاب او تكبر او تعير. قيمة الوقت. نتعلم ذلك من شعائر الحج. فكل عبادة لها وقت محدد. وقد يكون الوقت اساس قبول العبادة. فمن فاته الوقوف بعرفة فسد حجه ولزمه العودة من العام المقبل. ومعنى هذا ان اللحظة لها ثمن. وقد تدخل الجنة فارقي لحظة واحدة اضعت الله فيها وقد تلج النار بعصيان لحظة واحدة رجحت كفة سيئاتك فيغرس ذلك في نفسك قيمة الوقت. وان حياتك ليست سوى بضعة انفاس. فلا تعود تضيع اوقاتك بعد اليوم سدى بل تحرص على ما ينفعك ولا تصرف عمرك فيما يضر. انها تربية الحاج كذلك بعد رجوعه من حجه على اداء الاعمال في اوقاتها وتعويده الدقة والالتزام. والانضباط في المواعيد. انها كذلك سرعة تنفيذ الاعمال الكثيرة في وقت قصير وسط ظروف صعبة وبدقة متناهية. فقاعد حساباتك من اليوم واصلح ما فسد من حالك وغير ما ساء من عاداتك واستثمر هذا الموسم الجليل في تحويل والاشكال التعبدية الى واقع عملي واثر تربوي وسلوك تمشي به على الارض