بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم النفاق السلوكي اذا خاصم فجر. الفجور في الخصومة هو مرض العصر. ومحاضر المحاكم اليوم واعداد قضايا تشهد والخصومة ماء يروي شجرة النفاق في القلب. ولذا قال الاحنث ابن قيس كثرة الخصومة تنبت فاق في القلب والفجور كما قال الحافظ ابن حجر هو الميل عن الحق والاحتيال في رده. ومعنى الفجور في الخصومة ان تنتصر في خصومتك بالباطل وتظلم صاحب الحق رغم علمك بصدقه. وهذا من اخبث خصال النفاق. ويريد صاحبه المهالك لتعرضه لسخط الله ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع اي اعان ظالما في ظلمه بكلمة او قرار او عون فهو تحت مظلة السخط الالهي حتى يرجع عن خصومته. قال الامام المناوي مبينا طريق النجاة ان يقلع عما هو فيه من الاعانة. وهذا شديد يفيد ان هذا كبيرة. ولذا عده الذهبي من الكبائر. ويظل هذا العبد يبتعد عن الله ويتمادى في تحصيل لسخطه ان لم يتب حتى يستحق بجدارة المركز الاول في بغض الله له فيصير ابغض الخلق الى الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابغض الخلق الى الله الالد الخصم. الالد هو ذو الجدال واللداد والخصم هو كثير الخصومة المولع بها حتى تصير الخصومة عادة له. وقد تكون الخصومة بحق لكن يصاحبها الفجور فلا يقتصر صاحبها على قدر الحاجة بل يظهر الزيادة في الخصومة. او يمزج طلب الحق بكلمات سيئة وعدوان وطعن ولعن او يفتري الكذب لينال حقه. او يجادل غيره بغير علم. ولحث المسلمين على تجاوز الخصومة والتنازل عند الخلاف تعهد النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة لمن تنازل عن حقه. فقال صلى الله عليه وسلم انا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا. وما اشق ان يتنازل العبد حين فيكون الحق معه وانه لعسير لكن اجره كبير. ممن يخاصم في الباطل المحامي الذي لم يدرس قضيته او درسه وعرف باطلها ثم دافع عن صاحبها. ومنهم الذين يدافعون عن المذاهب الباطلة والعقائد الزائغة حتى يضلوا امر وذوي العقول الصغيرة. سواء كان ذلك بالتأليف او الحديث في المجالس او الفضائيات او الصفحات ومنهم الذي يجادل اخاه ليأكل حقه. ويكون الحن بحجته وافصح بلسانه فيربح دنياه ويخسر اخرته. ومنهم الذي احب ووصل غيره لفترة. فلما نزلت الخصومة بينهما هجره وقطعه. وبعد ان كان يمدح صاحبه انقلب مدحه الى هجاء والصق به كل نقيصة. وهذا من الفجور في الخصومة. ان تنسى حسنات صاحبك مع ولخلاف ولا تذكر له الا كل سوء. ومنهم الذي يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه مع انه مستغن عن المال المتخاصم عليه. ولعل احدهم قال لو اخذت منه المال لرميته ولا ابالي ولكني اريد قهره واذلاله. ومنهم المخاصم في الدين. وهو الذي يعادي غيره بسبب رأي فقهي فيه خلاف معتبر او ينتصر لامامه في مسألة خلافية وللائمة الاعلام فيها رأي يخالفه ثم يتخذ من هذه الخصومة ديانة وقربة الى الله والاسلام لا يقر ذلك وانما جاء بعكسه. قال جعفر بن محمد اياكم والخصومة في الدين. فانها تشغل القلب وتورث النفاق قال الامام النووي فاضحا اثر الخصومة على دين المرء والخصومة توزر الصدور. وتهيج الغضب. واذا هاج الغضب حصل الحقد حتى يفرح كل واحد بمساءة الاخر. ويحزن بمسرته ويطلق اللسان في عرضه. شبهة يقول الامام الغزالي عن فضل ترك الخصومة والجدال الاولى تركه ما وجد اليه سبيلا. فان ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر والخصومة توغل الصدر وتهيج الغضب. واذا هاج الغضب نسي المتنازع فيه. وبقي الحقد وبين المتخاصمين حتى يفرحا كل واحد بمساءة صاحبه ويحزن بمسرته ويطلق اللسان في عرضه. فمن بدأ بالخصومة فقد هذه المحظورات. واقل ما فيه تشويش خاطره. حتى انه في صلاته يشتغل بمحاجة خصمه. فلا يبقى الامر على حد الواجب فالخصومة مبدأ كل شر. وكذلك المراء والجدال فينبغي الا يفتح بابه الا لضرورة. وعند الضرورة ينبغي ان ان يحفظ اللسان والقلب عن تبعات الخصومة. وذلك متعذر جدا. فمن اقتصر على الواجب في خصومته سلم من الاثم. ولا تذم خصومته الا انه ان كان مستغنيا عن الخصومة فيما خاصم فيه لان عنده ما يكفيه فيكون تاركا الاولى ولا يكون اثما. ولذا فان المؤمن الحق كما رآه الامام ابن القيم لا يعاتب ولا يخاصم ولا يطالب ولا يرى على احد له حقا ولا يرى له على احد فضلا مقبل على شأنه مكرم لاخوانه. بخيل بزمانه حافظ للسانه. خصومة بين العمرين والعمران هما ابو بكر وعمر رضي الله عنهما. والقصة يرويها ابو الدرداء رضي الله عنه. فيقول كانت بين ابي بكر وعمر رضي الله عنهما فاغضب ابو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا. فاتبعه ابو بكر يسأله ان يستغفر له. فلم يفعل حتى لقى بعضه في وجهه فاقبل ابو بكر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابو الدرداء ونحد عنده. وفي رواية اقبل ابو بكر اخذا بطرف ثوبه حتى ابدى عن ركبته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اما صاحبكم فقد غامر. اي دخل في غمرة الخصومة. فسلم ابو بكر وقال قال انه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فاسرعت اليه ثم ندمت فسألته ان يغفر لي فابى علي فاقبلت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم يغفر الله لك يا ابا بكر. ثلاثة ثلاث مرات يرددها ثمان عمر ندم على ما كان منه. فاتى منزل ابي بكر فسأل اثم ابو بكر؟ قالوا لا، فاتى الى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل اوجه النبي يتمعر؟ اي يتغير لونه من الضجر والغضب. وفي رواية فاعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر يا رسول الله ما ارى اعراضك الا لشيء بلغك عني فما خير حياتي وانت معرض عني؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم انت الذي اعتذر اليك ابو بكر فلم تقبل منه؟ قال عمر والذي بعثك بالحق ما من مرة يسألني لا وانا استغفر له وما خلق الله من احد احب الي منه بعدك. فقال ابو بكر وانا والذي بعثني بالحق كذلك. وفي رواية البخاري ان ابا بكر جثى على ركبتيه. فقال يا رسول الله والله انا كنت اظلم مرتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله بعثني اليكم فقلتم كذبت. قال ابو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله. فهل انتم تاركون لي صاحبي فما اوذي بعدها. واليك خمسة دروس من هذه الواقعة غير المشتهرة. اولا ان الاعلان للرجوع عن الخطأ هو سمت الابرار واصحاب الهمم العالية. ومن اعلى همة من ابي بكر وعمر. ثانيا ان بعض الناس يأنف من اعلان خطأه ويريد ان يعتذر عنه سرا قائلا احفظ ماء وجهي. وهذا لون من الكبر. ولكن ابا بكر قالها على الملل انا كنت اظلم. وعمر رضي الله عنه جاء يعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم امام الجميع. ولم ينقص ذلك من قدرهم شيء بل زادهم وزانهم ورفع اقدارهم. ثالثا الصحابة بشر يصيبون ويخطئون لكن الفارق بيننا وبينهم وانهم كانوا اذا اخطأوا سرعان ما يرجعون الى الحق. فندم ابي بكر لم يكن بعد الخصومة بساعات او ايام. وانما ندم مباشرة فرجع الى بيت عمر ولما اخطأ عمر ولم يقبل اعتذار ابي بكر ندم عمر بسرعة وذهب الى بيت الصديق وهذه السرعة العجيبة في الرجولة الى الحق هي التي ميزت القوم حتى صاروا افضل قرون هذه الامة. رابعا ضرورة الاستغفار من المظلوم بان يقول الظالم للمظلوم سامحني وحللني واستغفرني وتجاوز عني ونحو ذلك. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من كانت لاخيه عنده مظلمة من عرض او مال فليتحلله اليوم قبل ان يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم. فان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته. وان لم يكن له عمل اخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه. خامسا لا ينبغي لمسلم ان يرد اعتذار من اعتذر اليه. ولا ان يغلق الباب في وجهه. وهذا يفعل البعض عند الفجور في الخصومة وربما ظلوا على هذا حتى الممات فلا يقبلون اعتذارا ولا يسامحون معتذرا وليس هذا من شيم المؤمنين ولا اخلاق الصالحين