بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. النفاق اخلاقي ثالثا اذا اؤتمن خان ما اعز الامانة في هذا العصر. وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ان اول هجمة شيطانية على ديننا ستكون على الامانة. فقال صلى الله عليه وسلم اول ما تفقدون من دينكم الامانة. وقال اول ما يرفع من الناس الامانة واخر ما يبقى من دينهم الصلاة. ورفع الامانة يكون بالتقصير في ادائها والتهاون فيها وفي وصف تفصيلي لعملية رفع الامانة من قلوب الرجال بالتدريج اليك حديث حذيفة رضي الله عنه. وحذيفة ابن اليمان هو كاشف النفاق واهله. ومن هنا تبرز اهمية كلامه. يقول رضي الله عنه ينام الرجل النومة فتقبض الامانة من قلبه فيظل اثرها مثل اثر الوقت اي الاثر اليسير الذي يزول سريعا. ثم ينام النومة فتقبض يظل اثرها مثل المجل. اثر العمل في الكف ولا يكاد يزول الا بعد مدة. كجمر دحرجته على رجلك فنفت فتراه منتبرا اي مرتفعا ارتفاع الجلد ولا شيء تحته. وليس فيه شيء. فيصيح الناس يتبايعون. فلا يكاد احد يؤدي الامانة فيقال ان في بني فلان رجلا امينا. ويقال للرجل ما اعقله وما اظرفه وما اجلده وما في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان. وذلك ان الامانة تتسرب من القلوب شيئا فشيئا بالتدريج. فاذا زال اول جزء منها ما زال بمقداره جزء من نور الايمان في القلب وخلفه ظلام مثل الوقت. فاذا زال جزء اخر من الامانة صار ذلك الظلام وهو اثر اكبر محكم لا يزول الا بعد زمن ليس بالقصير. ثم ضرب حذيفة رضي الله عنه مثلا بشيء محسوب نراه جميعا بحاسة البصر ليكون اقرب للفهم واوقع في النفس. فشبه نور الامانة بعد ارتفاعه من القلب بعد اقراره فيه وحلول الظلمة بعده شبهه بجمر دحرجته على رجلك حتى اثر فيها اثرا كبيرا. ثم زال الجمر وبقي هي الاثر فتختفي الامانة ويقل الدين ويمدح اهل ذلك الزمان بكثرة العقل والظرافة والجلالة ولا بصلاح الدين وقوته. الحديث فيه احراج للخائض. والذي تمر به ذكريات الامانة مرورا عابرا. لكن مرورها يترك اثرا نافعا عليه. ومع هذا لا يحيي ضميره الذي مات. وانتكس صاحبه. فصارت الموازين التي يزن بها الناس ويزنه بها الناس موازين مختلة. هذا التحذير كاف بزرع الخوف في قلوبنا. خاصة ونحن نرى الخيانة اليوم واثارها واتساع الخرق شيئا فشيئا. حتى صارت الامانة عملة نادرة. فيتندر الناس بفلان ويتداولون اخباره كشيء ثمين نادر. ولا يستبعد هذا على اي مسلم. خاصة في ظل قلة الامانة وانتشار الخونة التي من حولنا ومن هنا قال ابن حجر وحاصروا الخبر انه انذر برفع الامانة وان الموصوف بالامانة يسلبها حتى يصير خائنا بعد ان كان امينا وهذا انما يقع لمن خالط اهل الخيانة. فانه يصير خائنا لان القرين يقتدي بقرينه. ويكفي الخيانة من ان النبي صلى الله عليه وسلم جزم بان بعض هؤلاء الخونة من الاصناف الخمسة لاهل النار ومنهم الخائن الذي لا يخفى له طمع وان دق الا خانه. اي لا يصبر على خيانة ولو كانت حقيرة يسيرة الا بادر اليها. ولو كان المطموع فيه يسيرا وهذا اغراق في وصف هذا العبد بالخيانة وسبب خيانته هو طمعه الشديد. ومن هنا علمنا النبي الله عليه وسلم ان ندعو اللهم اني اعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع واعوذ بك من الخيانة فانها بئست البطانة هذا صلى الله عليه وسلم من الجوع وهو ظياع الدنيا ومن الخيانة وهي ضياع الدين. والبطانة ما يكون تحت الثوب. لان التوبة له بطانة وظهارا ولما كانت الخيانة امر يبطنه الانسان ويستره ولا يظهره سماها بطانة. والمعنى ان من اسوأ احوال للعبد ان تلاصق الخيانة قلبه كما يلاصق ثوبه بدنه. وقد حارب الاسلام سلوك القطيع والعقل الجمعي مسيطر على النفس البشرية اذا وجدت وسط اكثرية خائنة. واقرأ معي حديث ابي هريرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دي الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك. ليست المعاملة بالمثل اذا ولا مقابلة للاساءة بالاساءة لانك ان خنت من خانك صرت انت وهو في الخيانة سواء. وقد اجمع العلماء ان الظلم لا يدفع بظلم لا يندفع بخطأ فالمؤمن لا يفارق اخلاقه. وان ظلم واوذي فلتحمي نفسك من التأثر بالسوء المنتشر. ولتتمسك القيم السامية والاخلاق العالية بزوال الامانة تحل الخيانة. وهي خصلة المنافق الاشهر. فما هي هذه الخيانة. اولا افشاء اسرار المجالس. وكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة الناس بامانة المجالس. قال صلى الله عليه وسلم اذا حدث رجل رجلا بحديث ثم التفت فهو امانة. ثانيا استغلال الرجل لمنصبه ليجر النفع الى نفسه او قرابته. فان التشبع من المال العام جريمة. ومعلوم ان الشركات تمنح فيها اجورا محددة فمحاولة التزايد عليها بالطرق الملتوية هو اكتساب للحرام وخيانة للامانة. قال صلى الله عليه وسلم. من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا اي راتبا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول. وفي حديث ابي حميد الساعدي هدايا العمال غلول. ثالثا بطانة الخونة. قال ما لك بن دينار كفى بالمرء خيانة ان يكون امينا للخونة. وكفى بالمرء شرا الا يكون صالحا ويقع بالصالحين. رابعا اسناد الامر الى غير اهله. في الحديث اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة. قيل كيف اضاعتها يا رسول الله؟ قال اذا وصل الامر الى غير اهله فانتظر الساعة. خامسا خيانة المجاهد الغائب في اهله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة امهاتهم. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في اهله فيخونه فيهم. الا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟ قوله صلى الله عليه وسلم فما ظنكم تهديد عظيم يحتمل ثلاثة وجوه احدها ما ظنكم بالعقوبة التي سينزلها الله بهذا الخائف؟ الثاني اي هل تظنون انه سيترك له حسنة واحدة في ميزانه لن يبقى من حسناته شيء. والثالث ما ظنكم بهذا المظلوم في اهله؟ هل يترك حقه وهو في امس الحاجة الى اي حسنة مع هذا العدوان الشنيع على اهله. واسمعوا هذا الموقف الرائع. خيانة مسلم على حساب يهودي روي ان طعمة ابن ابيرق احد بني ظفر سرق درعا من جار له اسمه قتادة ابن النعمان ووضعها في جراب دقيق فجعل الدقيق يتناثر من خرق فيه وخبأها طعمة عند رجل من اليهود اسمه زيد ابن السمين. فالتمسوا الدرع عند طعمة نجدها وحلف بالله ما اخذها وما له بها علم. فتركوه وتتبعوا اثر الدقيق حتى انتهوا. انتهوا الى منزل اليهود فاخذوها فقال دفعها الي طعمة وشهد له ناس من اليهود فقالت بني ظفر انطلقوا بنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه ان يجادل عن صاحبهم وقالوا ان لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله ان يفعل فنزلت هذه الاية ولا تكن للخائنين خصيما. اي لاجل الخائنين خصيما مخاصما ومدافعا عنهم لا اخاصم اليهود لاجل بني ظفر ولو كان هذا الخائن مسلما. قال الشوكاني بفتح القدير لاي لاجل الخائنين من اي مخاصم عنهم مجادلا للمحقين بسببهم وفيه دليل على انه لا يجوز لاحد ان يخاصم عن احد الا بعد ان يعلم انه محق فادانت هذه الاية ابن ابيرق وصححت سلوك المسلمين الذين خافوا من فضيحة المسلم بالسرقة وادانوا اليهودي. ثم ما امر الله نبيه واستغفر الله. استغفر الله مما هممت به. فدا كان هذا الاستغفار موجها لرسول الله فكيف بحالنا نحن؟ ماذا كان مصير طعمة بن ابيرق؟ وماذا كانت عاقبة خيانته؟ كانت اسوأ واعاقبه. صرح بعد ذلك بالارتداد عن الاسلام. وهربا الى مكة. فروي انه نقب حائطا ليسرقه. حائط بيتنا ليسرقه فانهدم الحائط عليه فقتله. ويروى انه اتبع قوم من العرب فسرقهم فقتلوه