اعرف يهن من عرف قدر الجزاء صبر على طول العناء ولا عبر احد الى مقر الراحة الا على جسر التعب فمصالح الدنيا والاخرة منوطة بالتعب فدون نيل المعالي هول العوالي وما يدرك منصب الا بنصر. وعلى قدر التعب تكون الراحة. ومن طلب الراحة بالراحة حرم الراحة فيا طول راحة المتعبين هذا في الدنيا بحساب البشر. فكيف بالراحة الابدية في الجنة وبحساب اكرم الاكرمين فاذا اردت الا تتعب اتعب وتشقى الاجساد في خدمة النفوس الابية نحن في ميدان الحياة نرى الكادحين في اعمالهم الناجحين فيها يسهرون الساعات الطوال اشهر وسنين طمعا في راتب كبير ينتظرهم اخر الشهر او ترقية منتظرة مع ما يعانونه من حرمان وفراق الاهل والجهد البدني والعضلي الشاق ففكر في الجنة كما تفكر في الراتب يقول ابن القيم النعيم لا يدرك بالنعيم وان من اثر الراحة فاتته الراحة وبحسب ركوب الاهواء واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة فلا فرحة لمن لا هم له ولا لذة لمن لا صبر له ولا نعيم لمن لا شقاء له ولا راحة لمن لا تعب له، بل اذا تعب العبد قليلا استراح طويلا واذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الابد وكل ما فيه اهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة وهذا ما يحدد لك طريقة التعامل الصحيحة مع نفسك التي بين جنبيك. لذا كان من الوصايا الذهبية لابن القيم احذر نفسك فما اصابك بلاء قط الا منها ولا تهادنها فوالله ما اكرمها من لم يهنها ولا اعزها من لم يذلها. ولا جبرها من لم يكسرها. ولا اراحها من لم يتعبها ولا امنها من لم يخوفها. ولا فرحها من لم يحزنها لاجل هذا هان على الصحابي الجليل ابي سفيان ابن حرب رضي الله عنه فقد عينه في سبيل الجنة فقد شهدت طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورمي يوم ذاك فذهبت عينه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى عينه في يده ايهما احب اليك عين في الجنة او ادعو الله ان يردها عليك قال ابو سفيان بل عين في الجنة ورمى بها ولم يكتفي بذلك بل فقد عينه الثانية في اليرموك لكمال هذه المعرفة واليقين بها فقد هان كذلك على عبدالعزيز بن رواد التضحية بما هو اهون وهو فراق فراشه وهجر نومه. فكان اذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول انك للين ووالله ان في الجنة لالين منك وهي الوصية المدهشة التي اوصانا بها ابن الجوزي لا يصعبن على الخير تضميرها فستفرح به يوم السباق المقارنة العقلية ولا وجه للمقارنة بين الدنيا والاخرة. كما ولا نوعا. واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عرضت هذا البون الشاسع وحاولت تقريبه للعقول بامثال تزيد الامر وضوحا. فالفارق الكمي اقسم عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال والله ما الدنيا في الاخرة. الا مثل ما يجعل احدكم اصبعه هذه في اليم فلينظر بما ينجح لكن لماذا يضرب المثل؟ يضرب المثل ليعبر عن غائب يصعب تصوره بحاضر ملموس يشبهه في بعض وجوهه وتمثيل الدنيا بقطرة الماء التي تعلق بالاصبع من البحر هو تقريب لقدر الدنيا الى العقول. والا فالدنيا كلها في بالجنة اقل من هذه القطرة بالنسبة للبحر لان البحر يفنى اذا تتابع اخذ القطرات منه. والجنة لا تبيد ولا يفنى نعيمها مهما اخذ منها. خذها هذه الحقيقة العلمية لتقريب الصورة. فان الابد لا يمكن لحدود العقل البشري القاصر ان يحيط به. بعض المجرات تبعد عن الارض الف مليون سنة ضوئية. معلوم ان الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة الف كيلو متر. ضرب ستين ثانية بالدقيقة وضرب ستين دقيقة بالساعة وضرب اربع وعشرين ساعة باليوم وضرب ثلاثمائة وخمس وستين يوم بالسنة هذا ما يسميه علماء الفلك بالسنة الضوئية. المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة. بمعنى اخر السنة الضوئية تساوي تسعة ونصف مليون مليون كيلو متر اضرب هذا الرقم في الف مليون سنة لتحسب بعد هذه المجرة عنا. ثم اعلم ان هذه وهذا الجزء من الدنيا على ضخامته. لا يساوي بجوار الجنة الابدية سوى قطرة في بحر. هذا عن الفارق المادي. اما الفارق النوعي في الحديث الثاني يوضح النبي صلى الله عليه وسلم الهوة السحيقة بين الدارين. يقول صلى الله عليه وسلم لو ان ما يقل ظفر مما في الجنة بدا. لتزخرفت له ما بين خواتق السماوات والارض. ولو وان رجلا من اهل الجنة طلع فبدأ اساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم او ان يجوا. ومعنى الحديث انه لو ان ما يحمله ظفر من نعيم الجنة ظهر لتزينت لهذا المقدار الضئيل جوانب السماوات والارض. يا عشاق الارض مع كل جرعة في الدنيا لكم شرق وفي كل اكلة غصص. لا تصفو لكم نعمة تسرون بها الا بفراق نعمة تفجعون بها ولا تحصلون راحة الا بتعب. ولا يستقبل احدكم يوما من عمره الا بخطوة تدنيه من قبره. ولا ينال زيادة في مطعمه الا بانفاذ شيء رزقه فاين هذا كله من الجنة فلا تذهب نفسك على الدنيا حسرات. لا تتبع النفس كل فائتة في الله من كل فائت عوض. واعمل اخراك غير منخدع فان دنياك هذه عرض ان صح امر من الامور بها. لابد ان يصيبه مرض اخي اختاه نظرة الى الدنيا بسائر نعيمها. والاخرة بادنى متاعها وتدرك الفرق. لذا ينظر المؤمن الى الدنيا بجوار الاخرة كفضلات طعام او اقداح فارغة فوق الموائد بل احقر. وما الطمع في شيء يخظر ربيعا ثم يذبل خريفا ثم يموت بعد ذلك في الشتاء اخي اختاه مهما نال المرء من دنياه وفرح ايما فرح فليس ذلك بشيء. المهم ان تضحك في النهاية. فمن يضحك اخيرا يضحك طويلا فاليوم الذين امنوا من الكفار يضحكون بين عشق وعشق. ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها تريد ام الدنيا وما في طواياها؟ لقال غبار من تراب بديارها احب الى نفسي واشفى لرؤياها. هذا شعر قيل في عشق امرأة ماتت وهلكت ومع ذلك ضحي في سبيلها بالدنيا باسرها فكيف لا يقال هذا في عشق جنة لا قدر لها ولا فناء ولا تعب فيها والفرحة كل الفرحة لساكنيها. تأملوا يا قيل يرى النبي صلى الله عليه وسلم ال ياسر يعذبون فيقول صبرا ال ياسر فان موعدكم الجنة وتظل الذكرى خالدة في قلب عمار. ويمتلئ قلبه حبا للجنة وشوقا لها. فلما رأى الناس يفرون يوم اليمامة وقف على فخرة واشرف عليهم يصيح فيهم يا معشر المسلمين امن الجنة تفرون انا عمار بن ياسر هلموا الي وكنت اذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل اشد القتال عمير بن عمرو بن مالك الانصاري رضي الله عنه. لما شهد حنينا وقطعت رجله يومئذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم مبشرا سبقتك الى الجنة ويبعث النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن انيس الى سفيان بن خالد الهزلي ليقتله لما بلغه انه قد جمع الجموع امثال المسلمين وادى عبدالله بن انيس المهمة على خير وجه. واجتز رأس سفيان ووضع رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها دفع اليه النبي صلى الله عليه وسلم عصاه قائلا اية بيني وبينك يوم القيامة. تخصر بهذه في الجنة وفي رواية تخصر بهذه حتى تلقاني. واقل الناس المتخصرون. فكانت عنده هذه العصاة. حتى حضرته الوفاة فاوصى اهله ان يدرجوها في كفنه ففعلوا نسائم الاشواق كان عطاء السلامي قد اشتد خوفه وكان لا يسأل الله الجنة ابدا فاذا ذكرت عنده الجنة قال نسأل الله العفو من نعيم الجنة. اخواني هل يشتري احدكم سلعة لا علم له بها وبمواصفاتها او يدفع احد مالا او جهدا في مجهول؟ ان من تمام العقل معرفة ما تشتري ليسهل عليك دفع ما قد تراه غاليا لاول لوهلة وهو ليس بغال اذا علمت قدر السلعة المشتراة كما قيل فلما تلاقينا وعاينت حسنها تيقنت اني انما كنت انا هدف هذا الباب ووظيفته الكبرى التي اتمنى ان تتحقق لكل ذي عينين تقرأان هو التشويق واخر التشويق اخبرنا عنه ابن الجوزي فقال الاحتراق على قدر الاشتياق وصدق رحمه الله احتراق في المعاش على قدر الاشتياق الى المال احتراق في العلم على قدر الاشتياق الى المعرفة احتراق اهل الباطل في سبيله على قدر اشتياقهم الى ظهور الباطل وعلوه والاولى من كل ذلك الاحتراق بذلا وعملا لشراء الجنة على قدر الاشتياق اليها اليس كذلك كلما احترقت عملا وبذلا وسعيا وحركة استدللنا بذلك على امتلاء قلبك بالاشواق وسعيك لموعد مع الحور العين في الجنة للعناق وكلما امتلأت برودة وخمولا نضب ماعين الشوق في قلبك وتسلل الكسل الى يومك ففيما احتراقك اليوم والى اي شيء اشتياقك لكن قبل ان نستشرف نعيم الجنة لابد ان نقرر هذه الحقيقة حين يصور الله لنا نعيما انما يصوره التصوير الذي تستطيع اللغة ان توصله للمخاطبين وليس معنى هذا ان هذه هي السورة الكاملة الدقيقة. لماذا لان الفاظ اللغة تأتي على قدر ادراك المدرك وبحسب الصور التي يشاهدها امامه وخيار المرء وحدود عقله مرتبطة بسبعه وبصره فلا يمكن للعقل ان يتخيل الا ما شاهد مثله او سمعه من قبل. لكن مكبرا او مركبا في صورة مغايرة ولما كان الغيب مما يسمو على السمع والبصر ما لا عين رأت ولا اذن سمعت كان تصور الجنة المترتب عليهما مستحيلا. ولا خطر على قلب بشر. قول ربي اعددت من الذي اعدد؟ لو ان ملكا من ملوك الارض دعاك الى ضيافته لو ان اغنى اغنياء العالم استضافك يوما في قصر من قصوره واشرف على مراسم استقبالك ورفاهية اقامتك بنفسه. فكيف تكون كيف والله جل في علاه هو الذي اعد وهو الذي هيأ فليرقص القلب طربا ولتبكي العين فرحا بما ينتظرها قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير فان مدركات العقول منتهية الى ما تدركه الابصار من المرئيات من الجمال والزينة وما تدركه الاسماع من محاسن الاقوال ومحامدها ومحاسن النغمات والى ما تبلغ اليه المتخيلات من هيئات يركبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسموعات مثل الانهار من عسل او خمر او لبن. ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ومثل الاشجار من زبرجة والازهار من ياقوت وتراب من مسك وعنبر. فكل ذلك كقليل في جانب ما اعد لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين. لان منتهى الصفة محصور فيما تنتهي اليه دلالات اللغة مما يخطر على قلوب البشر فالله حين يعرض لنا عذابا في الاخرة او نعيما لا يعرض حقيقة هذا العذاب او النعيم. انما يعرض لنا ما تطيقه افهامنا بحسب الكبات التي تسمح بها اللغة. واللغة الفاظ تبرز معاني. والمعنى لابد ان يوجد اولا. ثم يوجد اللفظ الذي يعبر عنه ولا يمكن ابدا ان يأتي لفظ اولا ثم نخترع له معنى يناسبه. فاذا كانت المعاني لا وجود لها في الاذهان كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة ولا خطر على قلب بشر. فكيف يمكن ان نوجد لهذه المعاني الفاظا تعبر عنها لكن لما كان القرآن نازلا لكي يكون كتابا مفهوما وقريبا من متناول العقول والافهام كان السبيل الامثل الى وصف ما غاب عنا من نعيم الجنة هو ضرب الامثال وصيغ التشبيه لتقريب الصورة التي لا يستطيع الخيال لها تصويره. ولا يستطيع اللسان عنها تعبيرا. تأمل قول الله الله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه. وانهاهم من خمر لذة الشائبين وانهار من عسل مصفى وكذلك قوله في الرعد مثل الجنة التي وعد المتقون. تجري من تحتها الانهار اه انقلوا هذا وظلها تلك عقب الذين اتقوا وعقب الكافرين والشاهد مثل الجنة فما تقوم به الاية هنا هو التشبيه وضرب المثل. ومن رحمته سبحانه بنا ان عرفنا الجنة التي وعدنا بها عن طريق تشبيهها بما شاهدته عيوننا من امور الدنيا وعايناها. ولكن ومرة ثانية هل هذه الصورة هي الحقيقة؟ اسمعوا الظروف والبيئة التي نزل فيها القرآن لتفهموه نزل القرآن واول ما نزل في امة بدوية يعيشون ظروفا معيشية قاسية يكابلون حر الشمس وشح الماء وقلة الزاد. ولذا كان تقريب سورة الجنة لهم عن طريق وصف ما يراه العربي ارقى انواع التمتع فالماء الذي هو سر الحياة كان البدوي يرحل بحثا عنه حتى اذا ما وجد بئرا في الصحراء نصب عندها خيمته واستقر في وطنه الجديد وقلبه مستتار فرحا. فكيف اذا لم تكن بئرا وكانت عينا جارية؟ واللبن في الضرع هو ارقى انواع اللذة عند العرب لكن افته انه يفسد مع حر الصحراء وظروفها فذكر اللبن مبرأ من العيب كما يفهمه المتلقي هو قمة المتعة عنده. لكن هل طعمه مثل لبن الدنيا كلا وحش والخمر وصفها بانها لذة لان خمر الدنيا فيها لسعة في الطعم فذكر انهم سيلتذون في الجنة دون ان يجدوا فيها الاثر الدنيوي الذي يعيبها. ولذا لما سمع عالم قول شاعر ما لها تحرم في الدنيا وفي الجنة منها؟ قال لصداع الرأس ونسف العقل مشيرا الى قوله تعالى فالله وصف اللذة الكاملة للخمر التي لا يشوبها ما ينغصها من الصداع وذهاب العقل والعسل كثيرا ما تشوبه الشوائب وتنغص مذاقه ولا تنغص في الجنة لذا وصف الله عسل الجنة بانه مصفى وهكذا في سائر متع الجنة. كل ما يذكر منها يناسب عقل المخاطب. عن طريق الشديه له في الدنيا. اما على ارض الواقع فهو ما لا تطيقه العقول ولا تقدره الافهم. دور هذا الباب ان يحدثكم عن الجنة وقد اخترت لكم احلى نعيمها اعرضه عليكم. وانتقيت من مشاهدها ما يوقعكم في غرامها. وساظل اكرر ذلك عليكم حتى تهيم بها شوقا وتتغنوا بها عشقا شعاري وشعاركم اجبتكم من قبل رؤياكم لطيب ذكر عنكم جرى كذلك الجنة محبوبة بوصفها من قبل ان تبصر اول مشاهد الجنة لكن متى تشاهد اول هذا النعيم؟ اول لقطة من الجنة واول مرة تلوح لك وتظهر تزينوا لك وانت بعد في الدنيا. وعلى مشارف الموت. وفي انتظار قبض روحك. مصداق قول النبي صلى الله عليه في حديث البراء ان العبد المؤمن اذا كان في انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة نزل اليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس الشمس معهم كفن من اكفان الجنة. وحنوط من حنوط الجنة وقد رآهم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله عند موته فقد قال لجلسائه اجلسوني فاجلسوه. فقال انا الذي امرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا اله الا الله ثم رفع رأسه فاحد النظر. فقالوا انك تنظر نظرا شديدا يا امير المؤمنين فقال اتاني حضرة ما هم بانس ولا جن ثم قبض رحمه الله فاول ما يرى العبد من الجنة ثلاثة. الملائكة والاكفان والحانوت. لتبدأ نار الشوق تشتعل في قلبه. وتظل متقدة تبرد بحلاوة اللقاء ولعل الله يسمح لبعض الصالحين بالاخبار عن بعض ما رأى فلما حضرت الوفاة عمر بن حسين سمعه من حضره يقول لمثل هذا فليعمل العاملون. فقيل اتراه قال هذا لشيء عينه؟ قال نعم وكذلك ابو بكر النقاش كان وهو يجود بنفسه في ثالث شوال سنة احدى وخمسين وثلاثمائة يحرك شفتيه ثم نادى باعلى صوته لمثل هذا فليعمل العاملون. يرددها ثلاثا ثم خرجت نفسه رحمه الله حتى اذا نزل هذا العبد قبره وجد روضة من رياض الجنة فيظل يهتف بعدها. ربي اقم الساعة ربي اقم الساعة ربي اقم الساعة لكن قبل البدء في وصف الجنة يبادرنا سؤال هام ما الجنة هل الجنة مجموعة اشجار وفواكه وطعام وشراب وقصور وحور عين فحسب ان اكثر من يطلب الجنة اليوم يغمضها حقها حين يحصرها في هذه الاشياء بالبحث والنظر في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما يحصل عليه المؤمنون ويتمتع به الصالحون نجد ان نعيم الجنة ينقسم الى ثلاثة بانواع رئيسة جسدية مادية وهذه بدورها تنقسم الى انواع متعددة فالملذات الجسدية تشبع شهوات كثيرة فطعام من لحم طير وفواكه وشراب من رحيق مختوم وخمر لذة للشاربين وماء ولبن وملبس من حرير وسندس واستبرق وحلي من اساور من ذهب وفضة ولؤلؤ. وازواج مطهرة من حور ان لم يلبثهن انس قبلهم ولا جان ومن هذه الملذات المادية الجسدية اخترت بعض الامثلة فحسب لان هذه اللذائذ لا تعد ولا تحصى ويستحيل الاحاطة بها جميعا. لكن يكفيك هذه اللمحات كبيان جزء من كل لتشعل في قلبك الاشواق وتدفع الى البذل لها حتى العناق واحد الخلود قد جاء ذكر الجنة في القرآن جامعا بين الخلود والابد في تسعة مواضع بان الخلود في اللغة يعني طول الاقامة. اما الابدية فتعني البقاء الذي لا انتهاء له وتخيل معي الانتقال الى نعيم الجنة الذي لا انقطاع له فما قدر عمرك؟ بل ما قدر جميع اعمار اهل الدنيا بالاضافة الى هذا البقاء الابدي ومن لمح بقلبه هذا النعيم حتى قبل ان يذوق بقية نعيم الجنة طاش عقله فرحا وهان عليه اي الم يلقاه واذا كان الموت هو الطريق الوحيد الى ذلك النعيم هان والله الموت وطاب ولهذا سميت الجنة دار الخلود وسميت الدنيا دار الغرور. قال صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كانه كبش املح حتى يوقف على السور بين الجنة والنار. فيقال يا اهل الجنة فيشرئبون ويقال يا اهل النار فيشرئبون فيقال هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت سيضجع ويذبح فلولا ان الله قضى لاهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحا ولولا ان الله قضى لاهل النار الحياة فيها لماتوا تراحا ودعونا نتخيل الموقف السابق ونحيا بعض مشاعره عندما ينادى يا اهل الجنة يطلعون. يمدون اعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر. وكأنهم خافوا ان يحرموا منا نعيمهم الذي هم فيه ثم يقال يا اهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين ان يخرجوا من شقائهم الذي يعانون لكن عندما يذبح الموت امام اعينهم يخلد كل منهما في مستقره مع الفرحة الابدية او الحسرة ابدية قد يستغرب قوم هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل. لان المتحال والحال لا ينقلب ابدا جسدا فكيف يذبح؟ والجواب ان الله ايخلق اشخاصا من ثواب الاعمال كما ثبت في الصحيح من ان البقرة وال عمران تجيئان كانهما غمامتان تحاجان عن اصحابهما ومن ان التسبيح والتهليل والتحميد ينعطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها. ومن ان العمل الصالح يأتي صاحبه في القبر على هيئة رجل حسن الوجه حسن الثياب. والعمل الخبيث يأتي صاحبه على هيئة رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ومن ان الاعمال تجسم على هيئة نور يقسم بين المؤمنين يوم القيامة. فيعطون نورهم على قدر اعمالهم. فكذلك الموت يخلو الله الموت على هيئة كبش. ويلقي في قلوب الفريقين. ان هذا الموت ويكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين وهو شيء فوق الوصف ويفوق الخيال. لدرجة ان اهل الجنة لا يكادون يصدقون انهم حازوا هذا الخلود. فلا يخطر لهم ببال. لذا يصيحون متعجبين افما نحن بميتين الا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين. قال الحسن علم بان كل نعيم بعد الموت منقطع. فقالوا تتملون وما نحن من معذبين. قيل لا فقالوا اعمل العاملون. وان ادراك العبد لزوال النعمة عنه في الدنيا لداع الى القلق والغم. ولذا قال ابو الطيب اما اشد الغموم عندي في سرور تحقق عنه صاحبه انتقالا وليس في الجنة شيء من هذا لكنه مع هذا ليس والله الخلود والابدية فحسب بل واعلى من الخلود. الحال التي يكون عليها الخالدون. قال صلى الله عليه وسلم ينادى اهل الجنة ان لكم ان تحيوا فلا تموتوا ابدا. وان لكم ان تصحوا فلا تسقموا ابدا. وان لكم ان تشبوا فلا تهربوا ابدا وان لكم ان تنعموا فلا تبأسوا ابدا. تأمل دوام البقاء في الجنة في صفاء لا كدر فيه. ولذات لا انقطاع لها وفرح لا ينتهي ابدا. وبلوغ كل ما تتمناه النفس وتشتهيه. والاغتراف منه من غير زوال له ابدا فهو الخلود ومضافا اليه. اقصى درجات النعيم والسرور والراحة والرفاهية مع ثبات العمر عند هذا السن. فلا يتقدم يوما لتتم اللذة وتستمر المتعة. وذلك ببقاء المرء في سن عنفوان شباب واكتمال الحيوية سني الثلاث والثلاثين فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين ابناء ثلاثين او ثلاث وثلاثين سنة اخي الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال لابد من نزول القبر. وحياتنا الدنيوية ليست حياتنا حقيقية لان من ورائها الموت. اما الدار الاخرة هي الحياة الحقة وان الدار الاخرة لهي الحيوان. وسر اختيار كلمة الحيوان هنا ان ان في بناء هذه الكلمة زيادة مبنى تدل على زيادة معنى. مبالغة في معنى الحياة. لانك تتنعم في اخرتك على قد ذكر من الله وملكه بعكس الحياة الدنيا التي تتنعم فيها على قدرك انت. وفي ضوء ما عندك من اسباب ووزن فعلان يدل على الحركة والاضطراب كالغليان والثوران. وليست توحي كلمة الحياة باي من هذا قسم عمرك ما هي ما قيمة عمر غايته مائة عام؟ اذا كان خمس عشرة سنة منها جهل ولهو قبل سنين التكليف. وثلاثون بعد السبعين ان حصلت فبين ضعف ومرض. وما بينهما فرح ساعة وتنغيص ايام. وسرور يوم وغموم سنين فما بين كدح على ومقاساة فقر وضيق بعقوق ولد. او نشوز زوج وفراق احبة وموت قريب حتى اذا الثمانين من عمرك تتابعت عليك الالام التي وصفها الشاعر مع الثمانين عاش الضعف في جسدي وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي اذا كتبت فخطي خط مضطرب كخط مرتعش الكفين مرتعد فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما من بعدي حطم القنا في جبهة الاسد وان مشيت وفي كف العصا ثقلت رجلي كأني اخوض الوحل في الجلد فقل لمن يتمتنى طول مدته. هذه عواقب طول العمر والامد لكن غيرهم كان اكثر ما بكى عليه صلاته التي صعبت عليه وتعسر القيام فيها فكانت اشارة على قرب المغادرة ودنو الرحيل ولما تدع مني الثمنون قوة كاني اذا رمت القيامة فسيروا اؤدي صلاتي قاعدا وسجودها علي اذا رمت السجود عسير وقد انذرتني هذه الحال انني دنت رحلة مني وحان مسيرها. بل حتى الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار اسامة بن منقذ بعد ان بلغ من العمر التسعين انبرى ينشد فاذا مرضت حسبت اني حامل جبلا وامشي ان مشيت مقيدا. وادب في كف العصا وعهدتها في الحرب تحمل اسمرا ومهند وابيت في لين المهاد مسهدا قلقا كأني ما افترشت الجلمد والمرء ينكس في الحياة وبينما بلغ الكمال وتم عاد كما بدأ وبعداه كلما سمعت عن اضمحلال النعيم الدنيوي وتدهور العافية البشرية وذبول العمر المحدود افلا يباع هذا الحق قير الفاني في سبيل شراء الرائع الدائم في الجنة. افلا يشترى ذلك الرائع الدائم بهذا الفاني ان الاعراض عن الشوع في مثل هذه الصفقة غبن فاحش وخلل فظيع في التصور والعقل. فضلا عن الايمان قال لما اشتعلت نار الشوق في الجنة في قلب عثمان بن عفان رضي الله عنه وهام بها قلبه انكر على من تعدى على هذا الجمال. ولو كان ذلك عابرا في بيت شعر فحين مر على لبيد بن ربيعة وهو ينشد قوما الا كل شيء ما خلا الله باطل؟ قال عثمان صدقت سم قال وكل نعيم لا محالة زائل قال عثمان كذبت. ان نعيم الجنة لا يزول اخرج ابن عبدالبر عن ابي داود صاحب السنن انه كان في سفينة فسمع عاطسا على الشط حمد الله فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء الى العاطس فشمته ثم رجعه. فسئل عن ذلك فقال لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول يا اهل السفينة ان ابا داوود اشترى الجنة من الله بدرهم ودعي التعب ودعي التعب ودعي التعب. قال تعالى ودنا الجنة. قال ابن عباس مفسرا تنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ان شاء قائما وان شاء قاعدا وان شاء مضجعا لا يرد يده بعد ولا شوك ويزيدك شوقا اليها مجاهد حين يحلق بنا في قوله ثمار الجنتين دانية الى افواه اربابها. فيتناولونها متكئين. فاذا اضطجعوا نزلت بازاء افواههم فيتناولون هاموا الضجع وترقب المفاجآت غير المتوقعة. التي وعدك الله بها في قوله ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل واتوا متشابها. قال صاحب الظلال وهي الوان من النعيم. يستوقف النظر منها الى جانب الازواج المطهرة تلك الثمار المتشابهة التي يخيل اليهم انهم رزقوها من قبل اما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم او الشكل واما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل فربما كان في هذا التشابه الظاهري والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة وهي ترسم جوا من الدعابة الحلوة. والرضا السابغ والتفكه الجميل بتقديم المفاجأة بعد المفاجأة. في كل مرة ينكشف التشابه الظاهري عن شيء جديد وفي هذا يقول سهل الدستوري ليس في الجنة شيء من فرش ولا ادية ولا لباس ولا طيب ولا طير ولا شيء من النبات ولا شيء من الفواكه كلها فما في الدنيا يشبه ذلك الا اتفاق الاسماء فقط هذا عن الطعام فماذا عن الشراب؟ قال ابو امامة رضي الله عنه ان الرجل من اهل الجنة ليشتهي الشراب من شراب الجنة فيجيء الابريق فيقع في يده فيشرب ثم يعود الى مكانه. والمراد لن اتعب هناك ولو في تناول كوب او قطف ثمرة. ولانه لا تعب فلا نوم. قال صلى الله عليه وسلم النوم اخو الموت ولا يموت اهل الجنة. وفي رواية ولا ينام اهل الجنة. ولانه لا على الاطلاق وصف اهل الجنة حالهم بعد دخولها فقالوا لا يمسنا فيها نصب لا يمسنا وفيها نصبوا ولا يمسنا فيها لوم وفي الحديث السابق اشارة الى انه لا وقت في الجنة يضيع ولو كان في نوم لان النوم يحرم العبد من التلذذ بالنعيم. ونعيم الجنة لا ينقطع عن ساكنيها لحظة فكيف ينامون؟ في الحديث اشارة اخرى لطيفة الى مذمة النوم وانه مما يعصم منه اهل الجنة. فان كثرة النوم في الدنيا علامة الاستهتار بالاوقات وكثرة الخسران ادنى نعيم الجنة. نعيم الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادنى اهل الجنة منزلا رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثل له شجرة ذات ظل. فقال اي ربي قدمني الى هذه الشجرة فاكون في ظلها. فقال الله هل عسيت ان تسألني شيئا غيره؟ قال لا وعزتك. فقد دمه الله اليها ومثل له شجرة ذات ثمر وظل. فقال اي ربي قدمني الى هذه الشجرة فاكون في ظلها واكل من ثمرها. فقال الله هل عسيت ان اعطيتك ذلك ان تسألني غيره؟ فيقول لا وعزتك فيقدمه الله اليها الله اليها. فيمثل الله له شجرة اخرى ذات ظل وثمر وماء. فيقول يا رب قدمني الى هذه الشجرة. فاكون وفي ظلها واكل من ثمرها واشرب من مائها فيقول له هل عسيت هل فعلت ان تسألني غيره؟ فيقول لا وعزتك لا اسألك اسألك غيري. فيقدمه الله اليها فيبرز له باب الجنة. فيقول اي رب قدمني الى باب الجنة. فاكون تحت نجا في الجنة فارى اهلها. فيقدمه الله اليها. فيرى الجنة وما فيها. فيقول اي ربي. ادخلني الجنة داخل الجنة. فيدخل الجنة. فاذا دخل الجنة قال هذا لي. فيقول الله تمنى. تمنى. فيتمنى اتمنى ويذكره الله عز وجل. سل من كذا وكذا. حتى اذا انقطعت به الاماني. قال الله هو لك وعشرة عشرة امثال. ثم يدخله وعه الجنة. فيدخل الجنة. ويدخل عليه زوجتاه من الحور العين. فيقول الحمد لله الذي احياك لنا واحيانا لك. فيقول ما اعطي احد مثل مثل ما اعطي بين الثنايا الحديث تذكير الرب سبحانه لعبده بالنعيم الذي نساه ولم ينتبه له حرصا عليه من كرمه من لطفه من وجهه اي رقة واي فضل والمح التدرج في النعيم الواضح في الحديث. وكأن هذا العبد لن يطيق رؤية النعيم الكامل مرة واحدة والا مات من هوي المفاجأة وشدة الفرح وقد يكون هذا سرا من اسرار التدرج من مقام الى مقام في الجنة والله اعلم وفي رواية ابن مسعود ان هذا الرجل سيظل يسأل ويسأل ويجاب ويجاب حتى يسكت حياء من كرم الله عليه فيقول الله جل ذكره ما لك لا تسأل؟ فيقول ربي قد سألتك حتى استحييت. فيقول الله جل ذكره لم ترضى ان اعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها الى يوم افنيتها وعشرة اضعافه فيقول اتهزأ بي وانت رب العزة؟ فيضحك الرب عز وجل من قوله فكان عبدالله بن مسعود اذا بلغ هذا المكان من الحديث ضحك فقال له رجل يا عبد الرحمن فقال له رجل يا ابا عبدالرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت. فقال اني سمعت رسول الله صلى الله وسلم يحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو اضراسه. قال فيقول الرب جل ذكره لا ولكني على ذلك قادر. فيقول الحقني بالناس. فيقول الحق بالناس فينطلقوا يرمل في الجنة حتى اذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقول له ارفع رأسك ما لك فيقول رأيت ربي او تراءى لي ربي فيقال انما هو منزل من منازلك. ثم يأتي رجلا تهيأوا للسجود له فيقال له مهما فيقول رأيت انك ملك من الملائكة فيقول انما انا خازن من خزانك وعبد من عبيدك تحت يدي الف كهرمان على مثل ما انا عليه. قال فينطلق امامه حتى يفتح له باب القصر وهو من درة مجوفة سقائفها وابوابها واغلافها ومفاتيحها منها يستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون بابا. كل باب يفضي الى جوهرة خضراء مبطنة. كل جوهرة تفضي الى جوهرة على غير لون الاخرى في كل جوهرة سرر وازواج ووصائف ادناهن حوراء وعيناء عليها سبعون حلة يرى مخ شوقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها. اذا اعرض عنها اعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت عليه قبل ذلك فيقول لها والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا وتقول له وانت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له اشرف في شرف فيقال له ملكك مسيرة مئة عام ينفذه وبصرك بين الدنيا والجنة ولا مقارنة لا مقارنة كلما نال المرء من دنياه شيئا طمع فيما هو اكبر ورغب في الاكمل ولن يشبع احد من الدنيا ولو حازها باسرها وهذا ما لم يكتشفه ابو العتاهية الا بعد ما شاب. فقال قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يش بي ان الحريص على الدنيا لفي تعبي ما لي اراني اذا حاولت منزلة فنلتها. طمحت نفسي الى رتبي وهكذا تظل صريع الاماني غزير الرغبات حتى تموت. ويسلبه الموت اثوابه ويمنعه الموت ما يشتهيه تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي هذه هي الدنيا اما الجنة فلا يرغب احد فيها غير منال. وهي كما مر بك ادنى اهلها يرى انه ما اعطي احد مثلما اعطي