ساعة ابوابها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة اربعين عاما. وليأتين عليه يوم وانه لك ظيف هذا دلالة على سعة ابواب الجنة وانها ابواب مفتوحة على الدوام لا تغلق ابدا جنات عدن مفتحة لهم الابواب وفي تفتيح الابواب لهم اشارة الى تصرفهم وذهابهم وايابهم وتبوأهم في الجنة حيث شاؤوا ودخول الجنة عليهم كل وقت بالتحف والمفاجآت من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت. وايضا اشارة الى انها دار امن لا يحتاجون فيها الى غلق الابواب كما كانوا يحتاجون الى ذلك في الدنيا هذا الزحام وعلى ابواب الجنة له دلالة على كثرة من يدخلون الجنة. لكن الاماكن محدودة والاعداد غفيرة من لدن ادم الى ان يرث الله وارضى ومن عليها. فكم سيكون نصيبنا نحن امة محمد من مقاعد الجنة هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم امام الصحابة مبشرا والذي والذي نفسي بيده نفسي بيده ارجو ان تكونوا ربع اهل الجنة. كبر الصحابة فقال ارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة. فكبروا فقال ارجو ان تكون نصف اهل الجنة الجنة فكبروا تكبير الصحابة سببه سرورهم بهذه البشارة العظيمة. وقوله صلى الله عليه وسلم ربع اهل الجنة ثم ثلث اهل الجنة ثم الشطر ولم يقل اولا شطر اهل الجنة اي نصف اهل الجنة ان ذلك اوقع في نفوسهم وابلغ في اكرامهم فان اعطاء الانسان مرة بعد اخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته وفيه فائدة اخرى هي ان تكريره البشارة على اسماعهم مرة بعد اخرى يؤدي الى زيادة سعادتهم مرة من بعد مرة وفيه ايضا حملهم على تأهيل شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه وكرمه لكن هل سنكون نصف اهل الجنة كما كان يرجو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والجواب له لا الربع ولا الثلث ولا النصف. بل اكثر. والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل الجنة عشرون ومئة ثمانون منها من هذه الامة واربعون من سائر الامم فهذا دليل على ان امتنا ستشكل ثلثي اهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم اخبر اولا بحديث الشطر. وهو رجاؤه من ربه ثم تفضل الرب سبحانه بالزيادة على هذا وهو والله تدليل لكل فرد من افراد هذه الامة وهدية ثمينة مقدمة لها من رب كريم لم تحظى بها غيرها من الامم اول صف هنا هو اول صف هناك. السابقون السابقون السابقون في الدنيا هم السابقون الى الجنة. انت وحدك من تحدد ترتيبك في صفوف الجنة ان تتقدم فيها او تتأخر. بحسب عملك على قدر تعبك بذلك سبقك. الذين يحتلون الصفوف الاولى في الصلاة الصدقة في التضحية في اتقاء المحارم في نفع الناس في هداية الخلق هم اولى صفوف الجنة المنتظرة على ابواب جنة سلعة بسلعة وثمنا لثمن. فتح الابواب لماذا من صفات ابواب الجنة انها مفتوحة على الدوام. لماذا لو طلب اليك ان تمكث في افخم قصر في العالم واهنى نعيم يتصوره عقل بشري لمدة شهر كامل ثم اردت المغادرة لقضاء حاجة من حوائجك. فوجدت الباب مغلقا ماذا يكون حالك لابد انك تستشعر الضيق وانك محبوس. ولو كان هذا الحبس في الجنة. لكنه في النهاية حبس كيف اذا استمر هذا الحبس ابدا؟ في امثال العوام يغور السجن ولو في جنينة لان الجنة مخلوقة بحيث توصل المرء الى كل ما ينعمه واقصى ما يتخيله بل وفوق ذلك ولانها مصنوعة على عين الله ورعايته فقد راعت ادق التفاصيل مثل هذه وغيرها لذا جاء في وصفها جنات غد مفتحة لهم الابواب كل ما تشتهي وخلاصة القول وموجز الكلم ان كل ما ستشتهيه في الجنة من لذائذ حسية ومتع مادية سوف تلقاه عفوا بل تلقى اعلى منه واروع ودليلي على ذلك ثلاث احاديث اخترتها على طرفتها لتبين ما ينتظرك هناك. ان انت اهتديت عملت ما عليك واتقيت ماذا مثلا لو اردت التحرك والانتقال في الجنة من مكان الى اخر؟ فكيف يكون ذلك لا احد يعلم ذلك تحديدا. فلعل ذلك يتم في لحظة واحدة او اقل كما فعل الذي عنده علم من الكتاب حين نقل عرش بلقيس قبل ان يرتد طرف نبينا اليه وهذا في الدنيا التي لا تساوي ذرة بجوار الاخرة. فكيف تكون سرعة الانتقال في الجنة اذا او لعلك تحب ان تجرب وسيلة اخرى ان كنت من عشاق احدث انواع السيارات وتتابع اخبار الطائرات التي هي اسرع من الصوت او البرق لذا ينصح امثالك بركوب دابة من دواب الجنة التي لا تشترك مع دواب الدنيا الا في الاسم لكنها خلق اخر وهو ما حدث مثلا مع عبدالرحمن بن سعيد رضي الله عنه. حين قال كنت احب الخيل فقلت يا رسول الله هل في الجنة خيل؟ فقال ان ادخلك الله الجنة يا عبدالرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحان تطير بك في حديث اخر ان رجلا اخر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها فقال يا رسول الله هل في الجنة من ابل فلم يقل له ما قال لصاحبه بل اوصد الباب في وجه كل من اراد ان يسأل بان يفتح له باب الامنيات طائلة ان يدخلك الله الجنة يكن لك فيها. ما اشتهت نفسك ولذت عينه. الحديث الثاني الذي اخترته لكم هو صلى الله عليه وسلم ان رجلا ان رجلا من اهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له الست فيما شئت؟ قال بلى. ولكن احب ان وان ازرع فبذر فبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان امثال الجبال. فيقول الله دونك يا ابن ادم. فانه لا يشبعك شيء. هذا مما سيحدث في الاخرة. واخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي طوى الله له الزمان والمكان فرأى ما وراء العالم المنظور. واخبر الحديث عن الامر المستقبل بلفظ الماضي لانه واقع لا محالة خص عن رجل تمنى امنية في الجنة قد توصف بانها سخيفة. فقد تمنى الزرع وهو وصف جنات لا حصر لها ومع ذلك حقق الله له ما اراد. واعطاه البذر فبذر. وفي اقل من طرفة عين. نمى البذر وعلا واستوى وصار امثال الجبال الشامخات فنال العبد ما اراد وتمنى ثالث حديث المؤمن اذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي. كما يشتهي. وهي مزية اختيارية لمن ارادها فلعله هذا المؤمن حرم الولد في الدنيا وتقطع قلبه هو وامرأته سعيا وراءه دون جدوى وفي الجنة تحقق له ما عجز عنه وتمناه. ولذا لما سئل ابن عباس افي الجنة ولد؟ قال ان شاء لكن هل يقف الامر على حدود ما شاءه العبد وتمناه فحسب؟ كلا بل يتفضل الله عليه بفوق ما تخيله وتمنى وليس ذلك لاحد اهل الجنة منزلة بل لادناهم منزلة. نعم والله. فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم قال ان ادنى مقعد احدكم من الجنة ان يقول له تمنى اتمنى ويتمنى فيقول له هل تمنيت؟ فيقول نعم. فيقول له فان لك ما تمنيت ومثله معه. قال ضرار ابن الازور لخالد بن الوليد بعد معركة من معاركه في الشام ايها الامير دعني انا احمل على القوم حتى تستريح انت. فقال يا ضرار الراحة في الجنة غدا ملذات بصرية. ثلاثة تذهب عنا الحزن الماء والخضرة والشكل الحسن واذا كان هذا قول شاعر في الدنيا فكيف الظن بالاخرة؟ مع ان الجنة ليس فيها على الاطلاق حزن لكن المقصود ان هذه المشاهد في الاخرة تجلب اقصى درجات البهجة والسرور وانت تتقلب ما بين مشاهدة انهار وتنزه في جنات وتطلع الى حور حسان واعلاها النظر الى وجه الله الكريم. ولنأخذ هذين المتاعين من المتع البصرة كمثال واحد الحور العين. قال تعالى وسميت بالحور على بعض الاقوال لان البصر يحار فيها. واللؤلؤ المكنون هو اللؤلؤ المصون الذي لم يتعرض بالمس والنظر فلم تمسه يد ولم تخدشه عين. فانت اول من تمس زوجتك الحورية التي قد خصيصا من اجلك وتكون اول مخلوق ينظر اليها وكأنها ظلت محفوظة لك تنتظرك على شوق لتستمتع بها وحدك وتستمتع ما بيكحك وقد وصف خدم اهل الجنة كذلك بنفس الوصف. اللؤلؤ المفنون. اشارة الى انهم رغم تفانيهم في خدمة اسيادهم. لا ان تذهب الخدمة محاسنهم في اللون والصفاء والبهجة. ووصفهم الله في موضع اخر في الاية ثلاث اشارات اشارة الى كثرة خدمك في الجنة روى البيهقي بسند صين عن عبد الله بن عمرو قال ان ادنى اهل الجنة منزلة من يسعى عليه الف خادم كل خادم على عمل ليس عليه صاحبه. وتلا هذه الاية اذا رأيتهم حسبتهم نورا وهما منثورا واشارة ثانية الى تفرقهم في حوائجك وخدمتك وذهابهم ومجيئهم تلبية لرغباتك واشارة ثالثة الى ساعة الجنة. وكلمة كامثال اشارة لما تشتهيه العين في الدنيا من مشهد اللؤلؤ وتلتذ به وهو مجرد تشبيه لتقريب صورة الحسن والجمال الاذهان لكن الحقيقة غير ذلك فلا مقارنة بين اللؤلؤ والحور. فجمال الحور العين يعجز اللسان عن وصفه. ولا يستطيع الكلام بيانه. ولا العقل وتصوره ويكفيك من جمالها هذه الاشارة النبوية واللمحة المختصرة الموجزة في قوله صلى الله عليه وسلم ولو اطلعت امرأة من نساء اهل الجنة الى الارض لملأت ما بينهما ريحا. ولا اضاءت ما بينهما. ولن نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. فهل صار النصيف خيرا من الدنيا وما فيها؟ لانه لا يقدر بثمن فما وصفه ونوعه؟ ام لانه لامس الرأس التي لا تقدر بثمن فما صفة هذا الجمال اذا؟ وما قدره؟ وكيف يقر قلب انسان عن التسابق اليه؟ واي مجنون يكسر عن المنافسة عليه لكن جمال الحور مع ذلك ليس جمالا ثابتا. بل جمال اخاذ يزداد جمعة بعد جمعة لتلتذ العين بما لم تلتذ به من قبل وتتجدد اللذة وهي ترى كل وقت جديدا من الوان الحسن والجمال والحكمة من هذا ان لا تمل ابدا لذة الوصال كما هو الملل في الدنيا ولا تسأم الجمال الذي لا تتكرر صورته جمعتين متتاليتين واسمع ما نقله انس ابن مالك رضي الله عنه من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان في الجنة سقى يأتونها كل جمعة فيها كثبان المسك. فتهب ريح الشمال فتحسو في وجوههم وثيابهم. فيزدادون حسنا وجمالا. فيرجعون الى اهلهم. وقد ازدادوا حسنا وجمالا. فيقول لهم اهله. والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. فيقولون وانتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا قال النووي في شرحه لهذا الحديث المراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق ومعنى يأتونها كل جمعة اي اسبوع. وليس هناك حقيقة اسبوع لفقد الشمس والليل والنهار وخص ريح الجنة بالشمال لانها ريح المطر عند العرب. كانت تهب من جهة الشام. وبها يأتي سحاب المطر كانوا يرجون السحابة الشامية وجاءت في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة اي المحركة لانها تثير في وجوههم ما ما تثيره من مسك ارض الجنة وغيره من نعيمها وفي الحديث اشارة تظهر العقول وتلهب الاشواق وهي ان جمال اهل الجنة يتصاعد كل جمعة ويتزايد من اسبوع الى اسبوع ولان الجنة ابدية فمعنى هذا ان جمال اهل الجنة يتضاعف الى ما لا نهاية. لتظل اللذة والمتعة في ازدياد مضطر لا سقف له وهذا ما لا تطيقه او تتصوره العقول البشرية حيث تلتقي النعم اللا محدودة بالعقل القاصر المحدود. فيكون العجز سيد الموقف حتى تدخل الجنة تعاين ما وعدت به في وصفها الرائع الذي ينفي عنها كل ما يخدج الجمال قوله تعالى مطهرة قال ابن القيم طهرت من الحيض والبول والنفائس والغائط والمخاطي والبصاق وكل قذر. وكل اذى يكون من نساء الدنيا فطهر مع ذلك باطنها من الاخلاق السيئة والصفات المذمومة. وطهر لسانها من الفحش والبذاء. وطهر من ان تطمح الى غير زوجها. وطهرت اثوابها من ان يعرض لها او وسخ وقوله مطهرة ابلغ من طاهرة لانه افاد التكفير وشدة الطهر. لكن هل سألت نفسك يوما من الذي طهرها انه الله جل جلاله فليسرح خيالك في هذا الطهر الذي صنعه الله على عينه قال صاحب البيان في استدراك لافت فانهن لم يطهرن من نجس بل خلقن طاهرات. كقولك للخياط وسع كما القميص فانك لا تريد ان تقول قل ازل ما فيه من الضيق بل المراد اصنعه ابتداء واسع الجمل ورجوعان الى الحور. واما باقي صفات الحور فلا داعي لذكرها. لانها شيء يعلو على الخيال. ولذا لم يرد فيها وصف عن الكبير المتعال. ولا ارى ضرورة التعمق في وصفهم لان المقصد ان الله تعالى يعطي عبده في الجنة كل ما بلغ من الجمال منتهاه وهو ما يجيب عن سؤال كثير من نساء اليوم يطلبن ما للرجال في الجنة. وما دروا ان هذه بعض متع الجنة ان الله قد يعطيهن ان اتقينا مثلها او خيرا منها. وان الله قادر على نزع هذه الشهوة من قلوب الرجال في الجنة لكن ضربها مثلا يصور به ما يجدونه من غاية اللذة هناك نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى اعرابي يصلي صلاة خفيفة فلما قضاها قال اللهم زوجني بالحور العين. فقال عمر اسأت النقد واعظمت الخطبة لن تشتري قصرا ببضعة جنيهات ولن تملك ضيعة واسعة بدراهم معدودات. وكذلك الجنة لن تملكها دون دفع الثمن السخي المستحق يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل انت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الالف الا واحد لا اثنان مرر المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي النار في يوم شاة فوقف عليه ثم انشد يقول بربك هل ضممت اليك ليلا قبيل الصبح او قبلت فاها وهل رفت عليك كقرون ليلى رفيف الاقحوانة في نداها فقال اللهم اذ حلفتني فنعم. قال فقبض المجنون بكلتي يديه قبضتين من الجمر فما ما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه. وسقط الجمر مع لحم راحتيه. وعض على شفته فقطعها. فقام زوجها وليلى مغموما بفعله متعجبا منه فمضى هذا المجنون غار على ليلاه وهي امرأة تتقلب وتغضب. وتشيب وتمرض ثم هي في النهاية تفنى وتذهب فكيف بالمبرأة من كل هذا؟ والتي تنتظرك من الان وعلى احر من الجمر. واذا كنت ستموت فاعلم ان لم تكن تعلم ان ازواجك من الحور لا يمتن عند قيام الساعة. ولا عند النفخة ولا ابدا. لان الله خلقهن ان للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت. فلو شاهدت عيناك من حسنها الذي رأوه لما وليت عنها لغيرها ولو سمعت اذناك حسن غنائها هجرت فراش النوم عنك وجئتها ولو ذقت من طعم المحبة ذرة ان عذرت الذي اضحى قتيلا بحبها اخيه كيف لا تغار وتنافس الابرار وغيرك امهل الحور نفسه وقلبه منذ زمن. وعانقها قبل ان يقابلها بان دفع الثمن. وضمن وصالها في الجنة بكثرة الطاعات واطمئن. اما يحرقك ان غيرك قد سبق وظفر بالكنز قبلك. وان كنت تغار. فما على ما تغير واين اثرها على عزيمتك وقضاؤها على غفلتك اخيه جدة في لحاق القوم فقد سبقوك وما زالت العروس معروضة في السوق والمهروء في متناول يديك وامام عينيك الا كان حالك مع ليلاك اتبكي على ليلى وانت اضعتها فكنت كآت موته وهو طائع النظر الى وجه الله. خلق الله الخلق في الدنيا على هيئة لا تطيق رؤيته سبحانه واذا كانت الجبال الشامخات عجزت عن ذلك فكيف بالانسان الضعيف؟ قال عز وجل طول الجبل جعله دكا. لذا جاء في الصحيح ان الله جل جلاله حجابه النور ولو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه لكن الله يعطي اهل الجنة قوة خارقة ويغير خلقهم بالكلية. ليتحملوا رؤيته سبحانه بل يلتذون بالنظر الى وجه الله عز وجل. فانه اعلى نعيم اهل الجنة واعظم لذة لهم وهي الزيادة الواردة في قوله تعالى وهذه هي اية المزيد المبشرة بيوم المزيد وزيارة العزيز الحميد وهو اليوم الاعظم والاجل على الاطلاق والذي تنتظره قلوب المؤمنين بكل لهفة وشوق ففيه ترى الرب سبحانه وتعالى. كما ترى شمس الظهيرة والقمر ليلة البدر. ولان كل شيء في يختلف عن الدنيا فزيادة الجنة تختلف اختلافا جذريا عن زيادة الاخرة زيادة الدنيا دوما تكون اقل من الاصل فاذا اعطاك البائع مثلا زيادة على ما اشتريت شكرت له حسن صنيعه وكرمه لانه منحك ما لم تدفع فيه شيئا وان كان شيئا لا يذكر لكن زيادة الاخرة اكبر من الاصل ولا مقارنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكم فيقولون وما هو؟ الم يثقل الله موازيننا؟ ويبيض وجوهنا ويدخلنا ان الجنة وينجينا من النار فيكشف الحجاب فينظرون اليه فوالله ما اعطاهم الله شيئا احب اليهم من من النظر اليه ولا اقر باعينيه قال الحسن اذا تجلى لاهل الجنة نسوا كل نعيم الجنة واذا اردنا ان نعلم قيمة النظر الى وجه الله ونقارنه بسائر نعيم الجنة فاسمعوا قول ابي حامد الغزالي. ولا تظنن ان اهل الجنة عند النظر الى وجه الله تعالى يبقى للذة الحور والقصور متسع في قلوبهم بل تلك اللذة بالاضافة الى لذة نعيم اهل الجنة كلذة ملك الدنيا. والاستيلاء على اطراف الارض ورقاب الخلق بالاضافة الى لذة الاستيلاء على عصفور واللعب به. الطالبون لنعيم الجنة عند اهل المعرفة وارباب القلوب. كالصبي طالب لعب بالعصفور التارك للذة الملك وذلك لقصوره عن ادراك لذة الملك لكن يبادرنا سؤال سئل عنه عبدالله بن عباس رضي الله عنه حين قيل له كل من دخل الجنة يرى الله عز وجل؟ قال نعم وان كان الامر كذلك فان التفاوت بين العباد اذا وما الفارق بين السابق بالخيرات والمقتصد؟ وبين من يدخل الجنة بغير حساب ومن يدخلها بعد الف عام من العذاب والجواب كلهم ينظرون اليه. ولن يحرم احد لكن ما بين لذة نظر احدهم واخيه كما بين السماء والارض لان لذة النظر الى وجه الله يوم القيامة تابعة للذة معرفته ومحبته في الدنيا. فان الذي تتبع الشعور والمحبة. فكلما كان المحب اعرف بالمحبوب واشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله اليه اعظم وتفاوت اخر بين اهل الجنة. هو في معدل النظر كما يقول ابن سعدي في قوله تعالى يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة. قال اي تنظر الى ربها حسب مراتبهم. منهم من ينظر كل يوم بكرة وعشيا. ومنهم من ينظر كل جمعة مرة واحدة. فيتمنى يمتعون بالنظر الى وجهه الكريم وجماله الباهر الذي ليس كمثله شيء وقد جمع الله لاولياءه نوعي النعيم نعيم التمتع بما في الجنة ونعيم التمتع برؤيته. وذكر سبحانه هذين النوعين في سورة المطففين فقال في بحق الابرار في نعيم قال ابن القيم ولقد هضم معنى الاية من قال ينظرون الى اعدائهم يعذبون. او ينظرون الى قصورهم وبساتينهم. او او ينظر بعضهم الى بعض وكل هذا عدول عن المقصود الى غيره. وانما المعنى ينظرون الى وجه ربهم ضد حال الكفار الذين هم عن ربهم محجوبون ثم انهم لصاروا الجحيم. ولهذا لما قارن ما لك بن انس بين عقوبة الحرمان ومكافأة قال لما حجب اعداءه فلم يروه تجلى لاوليائه حتى رأوه وقال الامام الشافعي لما حجب قوما بالسخط دل على ان قوما يرونه بالرضا. ثم قال اما والله لو لم يوقن محمد بن ادريس انه يرى ربه في الميعاد لما عبده في الدنيا وسمن مدفوع غض البصر عن المحرمات ومنع النفس من تناول الشهوات والخلوة بخدمة الله في الليالي المظلمات ملذات نفسية روحية. وهو جانب خفي لا يعلم عنه كثير من خاطب الجنة اليوم ويتعلق بالمتع النفسية واللذائذ القلبية. والتي لولا ان الله كتب على اهل الجنة الا يموتوا لماتوا من عظيم ما تحويه قلوبهم من هذه لذائذ وهذه اللذة كسائر نعيم الجنة لا يستطيع عقل من قاصر فهمها او ادراكها بل ليس لنا الا ان ندعها لوقتها حين يتعرف كل منا عليها بنفسه فهي اللذة النهائية والنعيم الحقيقي ومدار البحث وزبدة المخاض وما باقي نعيم الجنة الا حواشي وزيادات قد تجد اثنين يسكنان قصرا فارها لم ترى العيون مثله. الاول ينتظر عروسا تزف له خلال ساعات. فهو في قمة السعادة والبهجة والثاني سيطرد خلال ساعات من هذا النعيم الى العراء. ترى هل يكون حال الاثنين واحدا مع انهما يسكنان نفس المكان لا ريب ان ذلك المكان يكون على الاول جنة لما يخالط قلبه من البهجة بينما هو جحيم على الثاني لما يساوره من القلق والاضطراب فالجنة مأخوذة من كلمة جنة بمعنى ستر واخفى. وهي في حقيقتها ذلك الشعور الداخلي المستور عن الاخرين يشعر به صاحبه وينعم ولا يطلع عليه احد من الناس واليك بعضا من هذا اللون من النعيم. واحد وداع الحزن. قال تعالى على لسان اهل الجنة وقال الحمد لله الحمد لله الذي اما بعدنا الحزن ان ربنا لغفور شكور قال الزجاج اذهب الله عن اهل الجنة كل الاحزان ما كان منها لمعاش او معاد ما كان من الحزن لمعاش مثل حمل هم الرزق ومقاساة الفقر ومعاناة المصائب والبلايا والاسقام ومن الحزن للميعاد خوف دخول النار والجزع من الموت وخشية عدم القبول. او المؤاخذة بالسيئات والوجل من سوء الخاتمة ولم يخصص الله في هذه الاية نوعا دون نوع اذ اخبر عن اهل الجنة انهم جمعوا جميع الوان الحزن بقولهم هذا وفيه اشارة الى ان اهل الجنة هم اهل حزن وملاءات في الدنيا. حتى قال ابراهيم التيمي ينبغي لمن لم يحزن ان يخاف ان يكون من اهل النار. لان اهل الجنة قالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن. وينبغي لمن لم يشفق ان يخاف الا يكون من اهل الجنة لانهم قالوا انا كنا قبلوا في اهلنا مشفقين لكن ذلك كله يضمحل يوم القيامة. بل يورث غاية النعيم ومنتهى السرور في الاخرة كما في بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى باشد الناس بؤسا في الدنيا من اهل الجنة. فيصبغ صبغة في الجنة. فيقال له يا ابن ادم هل رأيت بؤسا قط. هل مر بك من شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب. ما مر بي بأس قط ولا رأيت وشدة اثنان وداع الغل والحسد قال تعالى حاكيا عن اهل الجنة ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا. اخوانا على سور آمنين ونزع الغل في الجنة هو ان يطهر الله نفوس اهل الجنة من الانفعال بخواطر الشر التي يدخل من ضمنها الغل والتعبير عن المستقبل بلفظ الماضي ونزعنا للتنبيه على تحقق وقوعه فما انزلهم الله دار كرامته الا بعد ان نزغ الغل والحسد من قلوبهم فتمتعوا بالجنة وقابلوا اخوانهم هناك على السرر متلذذين بالنظر اليهم وفي مقابلة وجوههم لوجوه بعض كانت سلامة صدورهم ونزع الغل من قلوبهم ولو لم يفعل ذلك لفقدوا لذة الجنة اذ يرى المظلوم ظالمه سارحا في الجنة مستمتعا بها فيبقى في نفسه شيء ليتدابروا ويتقاطعوا وهل في الجنة قطيعة قد فضل الله عز وجل بين اهل الجنة في المنازل ورفع بعضهم فوق بعض درجات. لكنه لما نزع الحسد من قلوبهم ظن ادناهم منزلة فيها واقربهم عهدا بدخول الجنة انه افضلهم منزلة واكرمهم درجة واوسعهم دارا. فقرت عينه وطاب عيشه وذهب غمه وهل يتصور اصلا وجود هم هناك قال صلى الله عليه وسلم في وصف اهل الجنة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغت ولا تحاسد لكن متى واين تتم عملية التطهير هذه يتم عند القنطرة التي بين الجنة والنار. وهو جسر يسميه بعض العلماء بالصراط الثاني وهي المرحلة الاخيرة قبل دخول الجنة. قال صلى الله عليه وسلم يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار. فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا فاذا هذبوا ونقوا اذن لهم في دخول الجنة ثلاثة وداعوا الفزع قال تعالى وهم من فزعين يومئذ امنون. فان سألتها كيف نفى الفزع عنهم هنا وقد قال قبلها بايتين ففزع الا من اجيب على ذلك بجوابين. الاول الفزع هو الرعب الحاصل ابتداء من نفخة الصور من معاناة اهوال القيامة ولا يكاد يخلو منه احد بحكم الفطرة البشرية وان كان المحسن يأمن وصول اي ضرر منه اليه الثاني ان هذا الرعب لا يحصل للمؤمنين الفائزين لقول الله تعالى الا من شاء الله. ومن هؤلاء المؤمنون الذين لن يحدث لهم اي فزع او اضطراب ويشهد لهذا قول الله تعالى ولا هم يحزنون. وهي اية جامعة مانعة لان الرجل اذا علم انه لا يمسه السوء كان فارغ البال واذا لم يحزن بسبب فوات الماضي كان في احسن حال. فحينئذ يكون قد سلم من كل اتت ولا يكون ذلك في مكان الا في الجنة اربعة وداع السخط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في فيقول هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى. وقد اعطيتنا ما لم تعطي احدا من خلقك فيقول الا اعطيكم افضل من ذلك؟ فيقولون يا رب واي شيء افضل من ذلك؟ فيقول احل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم بعده ابدا وهو قول الله تعالى بعد ان ذكر نعيم الجنة الفوز العظيم. قال ابن عباس اكبر مما يوصف واتت به الاية منكرا غير معرف بمعنى ان اي شيء من رضاه عن عبده فهو اكبر من الجنة وما فيها كما قيل قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل وفي التنكير اشعار بالتعظيم. ولهذا جيء باسم الاشارة البعيد ذلك لكون المشار اليه بعيد المكانة ومرتفعا ارتفاعا مجازيا كناية عن الشرف والعظم والفخامة وقد سمى الله كبير خزنة الجنة رضوان وهو اسم مشتق من الرضا ليكون اول ما يستقبل اهل من الجنة الرضا الفياض. بكل صورة اسما ومعنا وهو ما ذهب اليه الامام الرازي عند تفسيره لقول الله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار. والذين اتبعوا باحسان رضي الله عنه ورضوا عنه واعد لهم جنات ان تجري تحت الانهار خالدين فيها ابدا. ذلك الفوز العظيم فقال رحمه الله واما عند اصحاب الارواح المشرقة بانوار جلال الله تعالى فتحت قوله رضي الله عنهم ورضوا عنه اسرار عجيبة لا تسمح الاقلام بمثلها جعلنا الله من اهلها وقوله ذلك الفوز العظيم. فالجمهور على ان قوله ذلك عائد الى جملة ما تقدم من قوله لهم جنات تجري الى قوله ورضوا عنه وعندي انه يحتمل ان يكون ذلك مختصا بقوله رضي الله عنهم ورضوا عنه فانه ثبت عند ارباب الالباب ان جملة التي بما فيها بالنسبة الى رضوان الله كالعدم بالنسبة الى الوجود لكن ما هو طعم هذا الرضوان؟ وما مذاقه في القلب وكيف ستشعر النفس به؟ والجواب لا احد يعلم ولا احد يستطيع ان يتخيله. لكن ما نعلمه اكيدا من هذه الاية ان المتع الروحية في الجنة وعلى قمتها. رضوان الله اعلى واشرف من المتع الحسية ولا مقارنة قال احمد بن حرب احدنا يؤثر الظل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار وما خفي وما كان اعظم. واما النوع الرابع من النعيم فهو مجهول وهو ما اخفي عن عموم الفائزين واختص الله به مجموعة من عباده واثرهم به واذا كان الله تعالى قد قال والاستبرق وما غبظ من الديباج وخشن واذا كانت البطانة غابت عن الاعين هكذا. فما ظنك بالظاهر قيل لسعيد الجبير البطائن استبرق فما الظواهر؟ قال هذا مما قال الله اخفي لهم من قرعة اعين جزاء بما كانوا يعملون. وكلما علا الثواب في الجنة كلما كان خفيا لا يطلع عليه احد الا احزر قال كعب مجيبا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله عن اعلى اهل الجنة منزلة يا امير المؤمنين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ان الله جل ذكره خلق دارا جعل فيها ما شاء من الازواج والاشربة ثم اطبقها. فلم يرها احد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة. ثم قرأ كعب فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء لما كانوا يعملون قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء. واراهما من شاء من خلقه. ثم قال من كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار لم يرها احد حتى ان الرجل من اهل عليين ليخرج. فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة الا دخلها من ضوء وجهك فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح. هذا ريح رجل من اهل عليين قد خرج يسير في ملكه متعة النجاة واسمع هذه القصة القرآنية الرهيبة قال قائل منهم اني كان لي قليل. يقول انك لمن المصدقين. ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمدين. قال والانتم مطلعون فرآه في سواء الجحيم قالت الله ولولا نعمة ربي لكنت من افما نحن بميتين الا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين ان هذا لهو الفوز العظيم انها قصة اليمة ممتلئة بالشجون والعبر. وجيء بها بصيغة الفعل الماضي مع انها واقعة في المستقبل. لتفيد تحقيق وقوع ذلك حتى كأنه قد وقع يقول صاحب الجنة لاخوانه من ساكني القصور هذه قصتي مع صاحبه. كنت مؤمنا مصدقا وما زال مكذبا منكرا للبعث. حتى متنا فبعثنا فوصلت انا الى ما ترون من النعيم ووصل هو الى ويلات سقر فهيا بنا هل انتم مطلعون لننظر اليه فنزداد بهجة وسرورا بما نحن فيه ونعاين وعد الله له كما شهدنا وعد الله لنا والاستفهام بقوله قال هل انتم مطلعون؟ يشيروا الى العرض الذي عرضه على رفاقه في الجنة. ان يطلعوا على قرينه وهو موقن بان خازن النار سيجيبه الى طلبه. لان الله وعد اهل الجنة ولهم ما يدعون. ولما اجابه اصحابه الى دعوته انطلقوا مسرورين في جولة للاطلاع على اهل النار فرآه ورأوه في وسط العذاب وغمراته والنار محيطة به من كل جانب. قال كعب ان بين اهل الجنة وبين اهل النار كوى. لا يشاء رجل من لاهل الجنة ان ينظر الى غيره من اهل النار الا فعل ولولا ان الله عز وجل عرفه اياه ما عرفه. فقد تغير لونه وهيئته لشدة ما نزل به من العذاب وحين رأى قرينه قال له نائما وفي نفس الوقت شاكرا نعمة الله ان نجاه تالله ان كدت لترجيه اي توقعني في الردى والهلاك. بالحاحك في صرفي عن الايمان. ولولا نعمة الهداية وتثبيت الله لكم من المحضرين معك في العذاب ويا له من مشهد ضاعف سور اهل الجنة ولو لم يكن من نعيم اهل الجنة الا هذه النجاة لكفتهم وفاضت عليهم وان صاحب الجنة لا يعرف حقيقة النعمة التي يرفض فيها حتى يرى المحرومين منها. فكيف لو رأى الغارقين في اشد العذاب ولهيب النار وعندها يحمد الله الذي عافاه ونجاه ووقاه ومضاعفة سرور اهل الجنة كشف عنها ابو حامد الغزالي حين قال ففرح اهل الجنة. انما يتضاعف اذا تفكروا في الام اهل النار اما ترى اهل الدنيا ليس يشتد فرحهم بنور الشمس مع شدة حاجتهم اليه من حيث حيث انها عامة مبذولة ولا يشتد فرحهم بالنظر الى زنة السماء وهي احسن من كل بستان لهم في الارض في عمارته ولكن زينة السماء لما عمدت لم يشعروا بها