ما حدث العباد الى الرسل السؤال الثالث ما حاجة العباد الى الرسل؟ ابن القيم اجاب على هذا السؤال فقال ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة الى معرفة الرسول وما جاء به. وتصديقه فيما اخبر به وطاعته فيما امر فانه لا سبيل الى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الاخرة الا على ايدي الرسل. ولا سبيل الى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل الا من جهتهم ولا ينال رضا الله البتة الا على ايديهم. فالطيب من الاعمال والاقوال والاخلاق ليس الا هديهم وما جاءوا بهم الانبياء هم الميزان الراجح. الذين على اقوالهم واعمالهم واخلاقهم توزن الاخلاق والاعمال وبمتابعتهم يتميز اهل الهدى من اهل الضلال. فالضرورة اليهم اعظم من ضرورة البدن الى روحه. والعين الى نورها والروح الى حياتها. فاي ضرورة وحاجة فرضت فضرورة العبد وحاجته الى الرسل فوقها بكثير وما ظنك بمن اذا غاب عنه هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك. وصار كالحوت اذا فارق الماء ووضع في المقلاة فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال بل اعظم. ولكن لا يحس بهذا الا القلب الحي وما لجرح بميت ايلام. وناقلنا مقارنة بين حاجة العباد الى علم الرسل والى علم الطب ابن القيم عقد هذه المقارنة في كتابه مفتاح دار السعادة. وبين ان حاجة الناس الى الشريعة اعظم من حاجتهم الى الطب مع شدة حاجة الناس اليه لصلاح ابدانهم. فحاجتهم الى الرسالة اعظم من حاجتهم الى غيرها من العلوم. قال رحم الله حاجة الناس الى الشريعة ضرورية. فوق حاجتهم الى كل شيء. ولا نسبة لحاجتهم الى علم الطب. الا ترى ان اكثر العالم يعيشون بغير طبيب ولا يكون الطبيب الا في بعض المدن الجامعة واما اهل البدو كلهم واهل الكفور كلهم وعامة بني ادم لا يحتاجون الى طبيب. وهم اصح ابدان واقوى طبيعة ممن هو متقيد بالطبيب. ولعل اعمارهم متقاربة. وقد فطر الله بني ادم على تناول ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفا لاستخراج ما يهجم عليه من الادواء حتى ان كثيرا من اصول الطب انما اخذت من عوائد الناس وعرفهم وتجاربهم. واما الشريعة فمبناها على بواقع رضا الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية. فمبناها على الوحي المحض. والحاجة الى التنفس فضلا عن الطعام والشراب لان غاية ما يقدر في عدم التنفس والطعام والشراب موت البدن وتعطل الروح عنه. واما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة. وهلاك الابد. فليس الناس قط شيء احوج منهم الى معرفة ما جاء به الرسول. والقيام به والدعوة اليه. والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع اليه وليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة. ولا سبيل الى الوصول الى السعادة والفوز الاكبر الا بالعبور على هذا الجسم