الفصل الثاني ترهيب المتكاسلين مدح الله المؤمنين في كتابه رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة فهؤلاء جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم. فكل ما حال بينهم وبين الصلاة اخروه. وما شغلهم من مهمات عن الاهم ولما كان ترك الدنيا شديدا على النفوس وحب الكسب والتجارات محبوبا للقلوب. ذكر الله لنا ما يدعونا الى ذلك فقال يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار فلما خافوا ذلك اليوم سهل عليهم العمل الصالح وتركوا ما يشغلهم عنه واليك ما يزيد من منسوب الخوف في قلبك. واحد اول سؤال اجباري ان المهندس الذي يغش الخلطة الاسمنتية لاساس البيت الذي يبنيه انما يعرض البناء كله للانهيار. وكل ما انفق في بنائه واثاثه سيضيع في لحظة واحدة لانه لم يهتم بالاساس منذ البداية. وكذلك امر الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة. فان صلحت صلح له سائر عمله. وان فسدت فسد سائر عمله ومعنى صلح له سائر عمله اي سمح في جميع اعماله ولم يضيق عليه في جنب محافظته عليها وان فسدت بان لم تكن كذلك فسد سائر عمله تبعا لفسادها. وهذا الحديث خرج مخرج الزجر والتحذير من التفريط فيه وهذا هو اول سؤال في امتحان الاخرة. وكل الاجابات بعده ثانوية وفي حديث اخر ان اول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فان صلحت فقد افلح وانجح. وان فسدت فقد خاب وخسر فمن اتعب نفسه في اعمال صالحة غير الصلاة فقد اتعبها من غير طائل. واستوجب غدا العذاب اثنان فوات الصلاة اعظم مصائب العبد عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله. ومعنى وتر اي نقص وسلب فبقي وترا وحيدا بلا اهل ولا مال. والمعنى فليحذر العبد من تفويت صلاة العصر مثل حذره من ضياع اهله وماله وان فقد ماله واهله فكم ستكون حينها حسرة قلبه وكم تدوم فليتأسف على فوات الصلاة اسفا باسفه على فقد اهله وماله. وليندم على ضياع ثوابه كما يندم على ضياع ماله وموت احبابه. وفي رواية اخرى عند عبدالرزاق لان يوتر احدكم اهله وما له خير له من ان يفوته. وقت صلاة والموتور هو من اخذ منه اهله وماله وهو ينظر اليهم. ولا شك ان هذا اشد لغمه. ومن فاتته الصلاة اشبه بهذا الرجل لانه اجتمعت عليه الوان الهموم فاجتمع عليه هم اثم تضييع الصلاة وهم فقد الثواب الذي كان سيناله لو صلى كما على الموتور هم السلب والفقد واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث. فمنهم من قال من لم يصلها في وقتها المختار. ومنهم من قال من فاتته ناسيا. ومنهم من قال من تركها متعمدا فمن فاتته صلاة من الصلوات حتى خرجت عن وقتها فقد اصيب مصيبة كبرى وفاجعة عظمى وصار كما اصيب في اهله وماله جميعا ولم يبقى له اهل ولا مال. ومثل ذلك قوله تعالى ولن يتركم اعمالا وفي هذا دلالة على ان القليل من عمل الاخرة اعظم من كل نعيم الدنيا فتثبيت صلاة عصر واحدة فقدان كل ما تملك من مال مع موت اهلك وانت قد ترى المرء يتكلف اعمالا صالحة من صيام او عمرة او صدقة وغيرها. ثم يفرط في صلاته فتضيع كل هذه مال هباء وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية الانتباه لهذا المعنى. فقد روى البخاري عن ابي المليح قال كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم. فقال بكروا بصلاة العصر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد هبط عمله وفارق بين الفوات والترك. فالفوات من لم يكن عن عمد. والترك ما كان عمدا. ولذا عوقب صاحبه باحباط عمله. والمقصود بحبوط العمل اي نقصان ثواب وكمال عمل ذلك اليوم. وليس احباط ما سبق من عمله. فهذا لا يكون الا للمرتد. فتعبيره بالحبوط وهو البطلان انما هو للتغليظ والتهديد. فخرج مخرج الزجل الشديد وهذا التهديد في حق من ترك صلاة واحدة. فكيف بمن اهمل في الصلاة تلو الصلاة وفرط في الفريضة على مدار السنوات؟ اليس احق بالتهديد والخسران ثلاثة تأخير الصلاة اماتة لها عن ابي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا ذر كيف انت اذا كانت عليك امراء يميتون الصلاة او قال يؤخرون من الصلاة. قلت يا رسول الله فما تأمرني؟ قال صل الصلاة لوقتها فان ادركتها معهم فصله فانها لك نافلة وفي هذا الحديث الحث على الصلاة اول الوقت. وفيه ان الامام اذا اخرها عن اول وقتها يستحب للمأموم ان يصليها في اول الوقت منفردا ثم يصليها مع الامام فيجمع بين فضيلتي اول الوقت وصلاة الجماعة. قال الامام النووي في شرح صحيح مسلم معنى يميتون الصلاة يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه. والمراد بتأخيرها عن وقتها اي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فان المنقول عن الامراء المتقدمين والمتأخرين انما هو تأخيرها عن وقتها المختار. ولم يؤخرها احد منهم عن جميع وقتها واذا كان تأخير الصلاة عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها هو اماتة لها. فكيف بتأخيرها عن جميع وقتها؟ وكيف بتركها وعدم بادائها اربعة عقوبة من صلى صلاة بغير طهور عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بعبد من عباد الله ان يضرب في قبره مئة جلدة فلم يزل يسأل بل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة. فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا. فلما ارتفع عنه قال علام جلدتموني قالوا انك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره فانظر كيف ان صلاة واحدة بغير طهور كانت عقوبتها مائة جلدة. ثم خففها الله بدعاء هذا العبد الى جلدة واحدة. وكيف امتلأ قبره وعليه نارا بجلدة واحدة. فكيف بتارك الصلاة بالكلية؟ ماذا ينتظره غدا من عذاب ان لم يسرع بالاياب والمتاب؟ ويكفيك ان الله تبارك وتعالى ذكر في اول اسباب دخول النار ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين خمسة الصلاة حد فاصل بين الاسلام والكفر الصلاة عمود الاسلام وماذا يبقى من اسلام المرء اذا انهار وسقط عموده؟ فمن تركها فقد سقط عمود اسلامه فلا حظ له في الاسلام قال التابعي الجليل عبدالله بن شقيق العقلي لم يكن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة واستدلوا بادلة كثيرة منها عن بشر ابن محجن عن ابيه انه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ورجع ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم منعك ان تصلي مع الناس؟ الست برجل مسلم؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة علامة الاسلام. وعن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر. فان سمع اذانا كف عنهم وان لم يسمع اذانا اغار عليهم فقد جعل النبي علامة اسلام القرية في رفع الاذان ولم يختلف الفقهاء في حكم تاركها جحودا وانكارا لها. فقد اتفقوا على كفره وخروجه من الملة. واختلفوا في حكم من ترك الصلاة دون جحود لفرضيتها. فالحنابلة رأوا انه كافر فلا يرثه ورثته. ولا يرثهم ولا يدفن في مدافن المسلمين ويفرقون بينه وبين زوجته. واما المالكية والشافعية فلا يرونه كافرا. فيرون ان يحبس وان يستتيبه ولي الامر. والا قتل حدا على ترك الصلاة لا ردة والحنفية قالوا لا يقتل بل يحبس حتى يصلي ولا يطلق حتى يصلي. فان لم يصلي استمر في حبسه حتى الموت وهي عقوبات شديدة تدل على عظم امر الصلاة ومكانتها في الاسلام ووضوح احاديث الترهيب من تركها او التقصير فيها. وبعيدا تعني الخلاف الفقهي في حكم تارك الصلاة هل هو كافر ام غير كافر؟ فدعني اهمس في اذنك بكلمة ايها المقصر في صلاته هل تقبل ان يكون انتمائك للاسلام موضع خلاف؟ فطائفة من العلماء يقولون كافر. وفريق يقولون بل تارك الصلاة شر من السارق والزاني وشارب الخمر واكل الحشيشة. كما قال ابن تيمية اخي انك لو تأملت اركان الاسلام الخمسة لوجدت ان الاركان الاربعة في بعض الاحوال فشهادة التوحيد تسقط عن الاخرس والصوم يسقط عن الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض. والزكاة تسقط عن الفقير والحج يسقط عن غير صحة او مالا. واما الصلاة فلا تسقط على احد ابدا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمريض صل فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب وقد قال تعالى واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك فاوجب الله علينا صلاة الجماعة في حال الخوف ووجوبها في حال الامن اولى