المؤمن اولا معنى اسم المؤمن المؤمن هو الذي امن خلقه من ظلمه وقيل المؤمن هو المصدق للمؤمنين بما وعده من النصر ومن الثواب. ففي اللغة له معنيان التصديق وما انت بمؤمن لنا والثاني الامان وامنهم من اوف ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد في الاية الكريمة هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الاول المصدق قال الزجاج اصل الايمان التصديق والثقة. وقال الله عز وجل وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين اي لفرط محبتك ليوسف لا تصدقنا الثاني من الامان كما يقول امن فلان فلانا اي اعطاه امانا ليسكن اليه ويأمن. فكذلك ايضا الله المؤمن اي يؤمن عباده المؤمنين فلا يأمن الا من امنه ويحتمل ذلك وجوها عدة. المعنى الاول المؤمن من يصدق عباده وعده. ويفي لهم بما وعدهم به من ثواب على اعماله ملحة في الدنيا والاخرة وهذا يشمل كل فضائل الاعمال مع ثوابها الذي وعد الله به. وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد بعد الله حقا ومن اصدق من الله قيلا. والذي وصف وعده فقال وعد الله لا يخلف الله وعد لكن لماذا لا يخلف الله وعده؟ والجواب لان خلف الوعد نقص والنقص محال في حق الله. ولان الله لا شريك له يمنعه او نازعه في انفاذ ما وعد به. قد يكون خلفك لظرف قاهر اقوى منك. والله اقوى من كل شيء وقاهر كل شيء. وقد يكون خلفك لتغير رأيك نحو خيار افضل. وهذا محال في حق الله الذي يعلم الخير كله. وقد يكون خلفك لتغير الظروف مما استدعى تغيير الوعد الذي قطعته على نفسك. وهذا محال في حق الله الذي يعلم المستقبل كما يعلم الماضي سواء بسواء. انت اذا لا تملك عناصر الوفاء واسبابه. واما الله فلا يوجد من يخرجه وعما وعد. فما دام الوعد وعد الله فثق انه محقق ولذا يعلمنا الحق سبحانه ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا. الا ان يشاء الله والمعنى اجعل لنفسك مخرجا من الكذب ان حالت الظروف بينك وبين ما وعدت به بان تجعل امرك تحت مشيئة الله الى مشيئتك. لانك لا تملك عناصر الوفاء كلها. وقد ختم الله اية وعد الله لا يخلف الله وعده بقوله. ولكن ترى الناس لا يعلمون اين يعلمون هذه الحقيقة؟ وهي ان الله لا يخلف وعده فيثقون بوعود البشر اكثر مما يثقون بوعود الله. وهو حال اكثر الناس لا يقدرون الله قدره ولا يعلمون ما ينبغي له سبحانه من صفات الكمال والجلال. مسألة ثانية قد يخلف الله وعيده هو اخلاف الوعيد لا يذم بل يمدح. والفارق بين خلف الوعد وخلف الوعيد شاسع. لان الوعد حق اوجبه على نفسه. والوعيد حقه فاخلافه عفو وفضل وذلك من موجبات جوده واحسانه. ولهذا مدح به كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال نبئت ان رسول الله اوعدني والعفو عند رسول الله مأمول ولذا قال ابو عمرو ابن العلاء ان العرب لا تعد اخلاف الوعيد ذما بل جودا وكرما. اما سمعت قول الشاعر ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ولا يختشي من سطوة المتهدد. واني ان اوعدته او وعدته لمخلف ميعادي ومنجز موعدي. ومن نماذج وعد الله الصادق في فضائل الاعمال ثلاثة نماذج. سقتها هنا على سبيل المثال الاول المرض عن شداد ابن اوس والصنابحي انهما دخلا على رجل مريض يعودانه فقال يا له كيف اصبحت؟ قال اصبحت بنعمة فقال له شداد ابشر بكفارات السيئات وحط الخطايا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله عز وجل يقول اذا انا ابتليت عبدا من عباده مؤمنا فحمدني على كليته فانه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته امه من الخطايا. ويقول الرب تبارك وتعالى انا قيدت عبدي وابتليته فاجروا له ما كنتم تجرون له وهو صحيح. ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضا. قال له مبشرا ابشر فان الله تعالى يقول هي ناري اسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة الثاني الجهاد. وانظر كيف امن رجل بصدق وعد الله. فانطلق على الفور من ساحات الجهاد الى واحات الاستشهاد. عن ابي بكر ابن ابي موسى الاشعري قال سمعت ابي وهو بحضرة العدو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابواب الجنة تحت ظلال السيوف. وفي رواية ان الجنة تحت ظلال السيوف. وفي رواية ان السيوف مفاتيح الجنة فقام رجل رث الهيئة فقال يا ابا موسى اانت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال نعم. فرجع الرجل الى اصحابه فقال اقرأ وعليكم السلام. ثم كسر جفن سيفه غمده فالقاه ثم مشى بسيفه الى العدو. فضرب حتى قتل الثالث الاذى في سبيل الله. لم يعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يراهم يعذبون بمغفرة ولا نصر او تمكين. وان ما وعد ال ياسر بالجنة فحتى يستطيعوا تكبد الصبر على الاهوال فلا اقل من الجنة يغنيهم بها ولا بديل يغنيهم عنها ولا يعينهم ويقوي عزيمتهم على تحمل المشاق الا روعة الاجر والجزاء. الجنة ولا اروع. ولذا صبروا وثبتوا. والعلاقة بين وتصديق وعد الله واضحة جلية. وهي علاقة تعليل وسببية. فاصبر ان وعد الله حق اي اصبر لان وعد الله حق. قال السعدي وهذا مما يعين على الصبر فان العبد اذا علم ان عمله غير ضائع بل سيجده وكامل هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير. واستقل من عمله كل كثير المعنى الثاني يصدق ظنون عباده المؤمنين. ولا يخيب امالهم ابدا كقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء. وفي الحديث القدسي قال الله تعالى من علم اني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا ابالي ما لم يشرك بي شيئا. سبحانه كريم لا يخيب ظنك فالعلة فيك لا في كلامه قال القرطبي قيل معنى ظن عبدي بي ظن الاجابة عند الدعاء. وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده والمراد هنا تربية العبد على تغليب الرجاء على الخوف. وتدريبه على حسن الظن بالله. فان العبد بطبعه يحب المغفرة ويرجو العفو. وهو وعلى الخيار فيما يظنه بربه. قال بدر الدين العيني ان ظن اني اعفو عنه واغفر له فله ذلك. وان ظن العقوبة والمؤاخذة كذلك المعنى الثالث المؤمن من يؤمن عباده من العذاب وليس فقط امنه من العذاب بل ارشدهم الى ما ينجيهم من عذابه. فما من طريق نجاة الا ارشدهم اليه. وما من طريق يوصل الى النار الا حذرهم منه. واليك بعض احاديث النجاة ان سورة من كتاب الله ما هي الا ثلاثون اية شفعت لرجل فاخرجته من النار وادخلته الجنة خذوا جنتكم من النار. قولوا سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر. فانهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات وهن الباقيات الصالحات الصيام جنة وحصن حصين من النار المعنى الرابع المؤمن هو الذي يؤمن خلقه من ظلمه. وقد ذكر هذا المعنى ابن جرير في تفسيره فقال قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه المؤمن اي امن خلقه من ان يظلمه. وفي صحيح مسلم يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي. فقد حرم الله الظلم على نفسه واوجب على نفسه عدم الظلم. كما اوجب على نفسه الرحمة وذلك مع قدرته عليه. واكرر مع قدرته عليه لانه لو كان الظلم ممتنعا على الله لم يكن ذلك يستحق مدحا ولا ثناء اذ لا يمدح الفاعل الا اذا كان يمكنه ان يفعل ولم يفعل فلو سألت هل يقدر الله على ان يظلم الخلق؟ قلت نعم لكن ذلك محال. لانه الله سبحانه قال ولا يظلم ربك احدا. ومحال كذلك. لان الظلم هو التصرف فيما لا يملك. والكل ملكه وتحت سلطانه كذلك لان الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. وحكمة الله يستحيل معها هذا ولذا رأى البعض هنا لفظ الظلم للمشاكلة هنا وليس على الحقيقة. ونفي الظلم يتناول الا يظلم احد مطلقا. ولو كان مثقال ذرة اه ان الله لا يظلم مثقال ذرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الاخرة اما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى اذا افضى الى الاخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا. ولاحظ ان نفي الظلم يتناول الدنيا مع الاخرة مجتمعين فلا يصح ان تكون الدنيا المحدودة وحدها مقياسا للحكم. فلا ظلم لاحد ولو كان كافرا فينال الكافر اجره في الدنيا كاملة واما المؤمن فيعطى اجره كذلك كاملا لكن موزعا على الدارين الدنيا والاخرة لعذبهم وهو غير ظالم. في حديث زيد ابن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لو ان الله عذب اهل سماواته واهل ارضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم لك انت رحمته لهم خيرا من اعمالهم. وليس المراد ان ان الله لو عذب الخلق لكان متصرفا فيهم تصرف الملك في ملكه. وان المتصرف فيما يملك غير ظالم. كما يفعل ذلك سائر البشر فان هذا ظن اكثر الناس ولكن الامر اعظم من هذا. فان الحديث يتضمن فوق نفي الظلم مدحا ما بعده مدح. وان الله لو عذب عباده لعذب بحق لان حقه على العباد اضعاف اضعاف ما بذلوه وقدموه. ولهذا قال بعدها ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا من اعمالهم. فرحمة الله ليست على قدر اعمال عباده ولا مكافئة لها. وحقوق عبوديته لم يقم عباده بها بحقها فاعمالهم لا توازي شكر القليل من نعمه عليهم. فكيف بالكثير؟ وتبقى نعمه التي لا تحصى لا مقابل لها من الشكر. فلو عذبهم على هذا التقصير لكان غير ظالم. فان قلت قد فعل العباد ما يقدرون عليه من شكر الله وعبوديته ولا يكلف الله نفسا الا وسعها. فكيف فيعذبهم على ما لا يستطيعون. فالجواب من وجهين. الاول ان ما يقدر عليه العبد لا يقوم به كله. فلا بد له من طور واعراض وغفلة وتوان. والثاني ان العبد لا يقوم بواجب العبودية بحقه كما ينبغي. ومن هذا الواجب الذي يخفى على الكثير كمان مراقبة الله واجلاله وتعظيمه بحيث يبذل العبد غاية جهده كله في القيام بواجبات العبودية واستكمالها ظاهرا ومن هنا كان التقصير ملازما للعبد حال الطاعة وحال المعصية المعنى الخامس المؤمن هو الذي امن عباده من الخوف. المؤمن هو الذي يؤمن عباده من مخاوف الدنيا. ويؤمنهم عند نزول ملك موت حال الاحتضار ويؤمنهم يوم الفزع الاكبر من مخاوف يوم القيامة. ويؤمنهم من عذاب النار في الاخرة. وكل هذا من اثر من العبد ومكافأة له على عدم ظلمه لغيره وايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ثانيا فادعوه بها عبادة وعملا الواجب الاول احب الله وكيف لا وهو الذي يأمن الخائفون في كنفه ويطمئن المؤمنون برعايته فلا يخاف احد ظلما مع الحق سبحانه وهو الذي ما وعدك وعدا فاخلفه. وفي كثير من الاحيان لم يمضي وعيده الذي توعدك به كرما وجودا. فحصل لك من ذلك الامن نفسية والسعادة القلبية والطمأنينة والانس به سبحانه الواجب الثاني التصديق العملي. من اخطر ما يواجه المسلمين اليوم التكذيب العملي. فاللسان في واد واحوال الناس في واد ازدواجية منتشرة واصحاب الوجهين نزلوا الساحة. نزعم اننا نعلم الحلال والحرام لكن الكسب محرم. والمعاملة ربوية والاختلاط منتشر. فكيف يستسيغ الانسان كل هذه الاوزار؟ مع يقينه وتصديقه بالجنة والنار يا معرضا عن عرضه وحسابه لا يستعد ليوم نشر كتابه. متعللا بعياله وبماله متلهيا في اهله وصحابه متناسيا لمماته وضريحه ونشوره ووقوفه ومآبه القول قول مصدق والفعل فعل مكذب بثوابه وعقابه. من قال قولا ثم خالف قوله بفعل ففعاله اولى به. القول قول مصدق والفعل فعل مكذب. والايمان تصديق وتطبيق واعتقاد والايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. فالايمان بلا عمل تكذيب عملي لا يقع فيه من عرف اسم الله المؤمن الواجب الثالث توكل على الله وحده فهو الذي يؤمن خوف عبده اذا لجأ اليه بصدق في كشف كربته وتأمين خوفه يقول ابن القيم والمضطر اذا صدق في الاضطرار اليه وجده رحيما مغيثا. والخائف اذا صدق في اللجوء اليه وجده مؤمنا من الخوف دعاء مضطر لا ترجى اجابته بلا شروط كما المظلوم في الدول كذا اليتيم وقد قالوا ودعوته تسري الى في ليل على عجلي ثالثا فادعوه بها مسألة وطلبا اللهم اني اسألك النعيم يوم العيلة والامن يوم الخوف. اللهم اني عائذ بك من شر ما اعطيتنا وشر ما منعت. نسألك باسمك امنا من كل ما يخيفنا في دنيانا وامنا من الفزع الاكبر يوم القيامة. نسألك باسمك المؤمن امنا في اوطاننا ورد عنا كيد اعدائنا نسألك باسمك المؤمن امنا عذابك يوم تبعث عبادك نسألك باسمك المؤمن افض علينا من الايمان ما نزداد به يقينا وعزيمة تعين على تقلب الزمان