مثل كمثل الذي استوقد نارا. اختار النار لضرب المثل لان النار لا توقد الا بحطب والايمان لا تشتعل جذوته ولا يشرق نوره الا بالعمل الصالح. والمنافق ليس له من العمل الصالح ما يحيي به ايمانه اذا تنطفئ فيه جذوة الايمان. النار اما ان تضيء واما ان تحرق. فمن اراد الله به الخير منحه النور من النار ومن اعرض عن الله احرقه الله بالنار ما حوله ذهب الله بنورهم هذه عقوبة الله للمنافق الذي اثر الغواية على الهداية وهجر نور الايمان بعد ان استضاء به وعرف ثم انكر مثل كمثل الذي استوقد نارا قد ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم. وتركهم في ظلمات لا يبصرون الحيرة والغباء هما وجه الشبه. فحيرة المنافق تشبه حيرة من ذهب نوره في الظلام. واشتراكهما في الوقوع في الحيرة والحرمان والخيبة والحسرة بعد ظهور تباشير الرجاء وتركهم في ظلمات فليست ظلمة واحدة بل ظلمات متراكمة مركبة. ظلمة الحقد على المؤمنين والكراهية لهم. وظلمة مني هزيمة المؤمنين وظلمة تمني ان يصيبهم سوء وشر. وظلمة التمزق والالم من الجهد الذي يبذله المنافق تظاهر بالايمان صم بكم عمي وصف المنافقين بان حواسهم معطلة. فالصمم انعدام حاسة السمع عمن كان سميعا. والبكم انعدام النطق عمن كمناطقا عمى انعدام البصر عن المبصر لانه وان كانت لهم اذان تسمع والسنة تنطق واعين تبصر الا انهم لا يسمعون خيرا ولا يتكلمون بالخير ولا يبصرون طرق الخير. ومن كان كذلك كان هو ومن فقد حواسه سواء فهم لا يرجعون لا يرجعون عن التمسك بنفاقهم فهم اصحاب مبدأ لكنه مبدأ باطل. فكيف لا يتمسك اهل الحق بالمبدأ الذي يؤمنون به او كصيد من السماء. القرآن هو الصيد الذي ينزل من السماء. والقرآن يحيي الله به القلوب فهو مثل المطر ينتفع به المؤمنون. واما المنافقون فينتفعون ببعضه ولا ينتفعون ببعضه. فانتفعوا بما اظهروا من ايمان فجرت عليهم احكام الاسلام فهذا النور هو الذي انتفعوا به فيه ظلمات ورعد وبقى قيل رعد القرآن زواجره التي تخيف. وبرق القرآن انواره ومنافعه التي نالت المؤمنين بعصمة دمائهم واموالهم واما الظلمات فهي الشكوك التي تنتاب المنافقين من قراءة القرآن. وجعلوا اصابعهم في اذانهم هو تخوفهم وحذرهم من فضح نفاقهم وكراهيتهم لتكاليف الشرع من الجهاد والزكاة ولو شاء الله نذهب بسمعهم وابصارهم على المؤمن ان يسأل ربه دائما ان يمتعه بسمعه وبصره. والا يسلبه هذه الحواس حقيقة او مجازا بعدم انتفاع بها يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم عجيب ان يعبد بعض الناس غير الذي خلقهم. اين العقول يا اصحاب العقول؟ من الناس في هذه الاية؟ قال القرطبي واختلف من المراد بالناس على قولين احدهما الكفار الذين لم يعبدوه. يدل عليه قوله وان كنتم في ريب. الثاني انه عام في جميع الناس فيكون خطابه للمؤمنين باستدامة العبادة وللكافرين بابتدائها وهذا حسن امنوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ما هدف العبادة؟ هدفها بلوغ شاطئ التقوى. كأنه قال اعبدوا ربكم رجاء لحاقب قوافل المتقين. وفيه اشارة الى ان التقوى منتهى امل وغاية طموح العابدين امنا وانزل من السماء فاخرج مني من الثمرات رزقا لكم امر الله تعالى بالانتباه الى ست دلائل على الوهيته. اثنتين من النفس واربع من الافاق. اولا نفس العبد خلقكم لان اقرب الاشياء الى الانسان نفسه. ثانيا الاباء والامهات وهو قوله والذين من قبلكم. ثالثا الارض انها اقرب شيء للانسان. رابعا السماء لانها تظلل العبد في كل مكان. خامسا والماء الذي تنزل من السماء سادسا الثمرات التي تخرج من الارض فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون لا تعلقوا قلوبكم بغير الله فانه سبحانه المتفرد بالخلق والامر. فاذا توهمتم ان شيئا من نفع او ضرر او خير او شر يجري بتدبير مخلوق مثلكم فاعلموا انه لون من الشرك الخفي. من كان محتاجا هل يصلح ان ترفع اليه حاجتك اعلموا ان تعلق الفقير بالفقير واعتماد المحتاج على المحتاج يزيد الفقر. ولا يزيل اثر الضر. فيه اشارة الى ان ارتكاب الباطل من الجاهل قبيح لكنه من العالم اشد قبحا فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون اتى حبر من الاحبار الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد نعم القوم انتم لولا انكم تجعلون لله ندا. قال سبحان الله الله. وما ذاك؟ وما ذاك فقال تقولون ما شاء الله وشئت. قال فامهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال انه قد قال قال فمن قال ما شاء الله فليفصل بينهما ثم شئت وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله اول اية من ايات التحدي في القرآن. وهي واحدة من خمس ايات تحدى الله بها المشركين ان يأتي وهم اهل البلاغة والفصاحة بشيء من قرآني فعجزوا وذو شهداء كنتم من دون الله ان كنتم صادقين شهداءكم اي الهتكم وامرهم بدعوة الاصنام وهي جماد مع تسميتها شهداء رغم انها لا تعقل كلون من الوان التهكم لتنبيههم الى جهلهم وسفاهة عقولهم فاتقوه النار التي وقودها الناس والحجارة وقودها والحجارة اعدت للكافرين اذا كانت هذه النار لا تثبت لها الحجارة مع صلابتها. فكيف يطيقها الناس مع ضعفهم ولين ابدانهم؟ فيه دليل على ان النار وموجودة الان ومخلوقة خلافا لمن قال انها لم تخلق حتى الان. روى مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ سمع وجبة فقال هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النار الان حتى انتهى الى قعرها فاتقوا النار السيئات نار موقدة لكنها نار مؤجلة. لا تشتعل على صاحبها الا بعد الموت والعاقل من يتقيها. لا من يوقدها ويذكيها