استقبال القبلة واستقبل القبلة بوجهك واستقبل الله بقلبك لتنسلخ مما كنت فيه من التولي والاعراض واصرف نفسك عن كل شيء سوى الله والوجه يتبع القلب في التوجه ويأتمر بامره ثم قم بين يدي الله مقام المتذلل الخاضع المسكين المستعطف لسيده عليه وارفع يديك للتكبير عاليا الى حذو منكبيك بل الى شحمة اذنيك على هيئة المستسلم وكما القيت بظاهر كفيك الى ما استدبرت من الدنيا فألقها من قلبك هذه الساعة وكما استقبلت بباطنها الكعبة فاقبل بقلبك على رب الكعبة وكن عندها ناكس الرأس خاشع القلب مطرق الطرف واياك ان تلتفت بعينك في الصلاة فان الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته فاذا التفت بقلبه او بصره اعرض الله تعالى عنه وانما هي سرقة الشيطان من ايمانك وانت لا تشعر كما حذرك حبيبك صلى الله عليه وسلم من الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ومن باب اولى الا يلتفت قلبك عن الله لا يمنة ولا يسرى فغمض عين قلبك عن الالتفات الى ما سواه واحرس سريرتك ان تتطلع الى غيره خاشعا له قد توجهت بقلبك كله اليه والا وجبت عليك العقوبة وان صليت. ونزل البلاء وان ناجيت قال الحسن كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي الى العقوبة اسرع ايها الساهون في صلاتكم ايها التائهون عن اجمل لحظات قلوبكم واشهى وجبات ارواحكم يغارقون في سكر الشهوة وخمر الغفلة نصيحتي لكم لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وتأمل حالك ايها المخلوق اذا اقبلت على مخلوق مثلك وبينك وبينه حجاب هل يسمى هذا اقبالا فما الظن بالخالق جل وعلا فاذا اقبلت على الخالق سبحانه وبينك وبينه حجاب الشهوات والوساوس ولنفسه مشغوفة بغيره فبالله هل يسمى ذلك اقبالا عليه والتفاتا اليه التكبير ثم كبري الله لتملأ قلبك من التعظيم والاجلال والمصلون مع التكبير فريقان السابق بالخيرات وهو الذي امتلأ بالتكبير قلبه حتى فاض على لسانه فاللسان ترجمان القلب عند هؤلاء اما الفريق الثاني فهو المقتصد وهو الذي يبدأ التقبيل بلسانه ويجاهد نفسه ويدافعها ثم يجاهد نفسه ويدافعها حتى يخرج من قلبه اي دنيا ملهية وشهوة مسيطرة ليواطئ قلبه لسانه فهو في جهاد ومجاهدة ومشقة ومكابدة واول افة يخلصك منها التكبير هي افة الكذب فبالتكبير الصادق تعلن ان الله اكبر في قلبك من كل شيء فاحذر وانت تكبر ان يكون شيء في قلبك اكبر عندك من الله فتكتب عند الله من الكذابين وان كان هواك اغلب عليك من امر الله عز وجل فقد اتخذته الهك وكبرته ولم تكبر الله وحولت قولك الله اكبر الى حروف مجردة باللسان وقد تخلف القلب عن معناه والافة الثانية التي يطهرك منها التكبير هي التكبر المنافي للعبودية والتكبر هو ان ترى نفسك خيرا من غيرك او ان ترى ان عندك ما ليس عند غيرك لكن لماذا التأكيد على نفي الكبر بالذات دون سائر الافات عند الدخول في الصلاة والجواب لان الكبر هو اكبر مانع من الانتفاع بايات الله التي ستقرؤها في صلاتك من كتاب الله كما قال تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق لذا شرع لك ان تكادر تناول هذه الجرعة الشافية في الصلاة مرات ومرات ليحدث الشفاء ولتظل تذكر هذا المعنى كلما نسيت حتى تخرج من الصلاة مرتديا ثياب التواضع لاول مرة يخرج التكبير من قلبي حقا واستشعر معناه وانطق به في قوة متخذا منه صرخة تحذير وجرس تنبيه ينتشلني من اعماق الغفلة ان زارتني وابار النسيان ان سهوت عن معاني الصلاة عبودية الاستفتاح واقرأ دعاء الاستفتاح قائلا سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك تثني بذلك على الملك الذي وقفت بين يديه بما هو اهله لتطرد بذلك الغفلة من قلبك وتنأى بنفسك ان تكون من اهلها ولا اشد من الغفلة حجابا بينك وبين ربك سبحانك اللهم وبحمدك اي انزهك تنزيها مقترنا بحمدك وتبارك اسمك اي تعاظمت ذاتك وكثرت بركة اسمك وكيف لا وكل خير هو من ذكر اسمك وتعالى جدك من العلو والجد العظمة والمعنى ارتفعت عظمتك على عظمة غيرك غاية العلو فوق ما يطيقه عقل بشر او يتصوره خيال فاكثر الخلق غافلون ما عرفوك حق معرفتك ولا عظموك حق عظمتك او عبدوك حق العبادة والقي بهذه التحية والثناء الذي يخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيما له وتمهيدا ومقدمة بين يدي سؤال حاجتك مما يستجلب اقبال الله عليك ورضاه عنك واسعافه لك بقضاء حوائجك او ادخل من باب المذنبين المرتدين ثوب الاعتراف عساه يرحمك بقولك اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس وهو مدخل هام هام هام. تستفتح به صلاتك وعلامة فارقة وعهد جديد في تاريخ توبتك يتجاوز حدود اللسان الى الجوارح والاركان لتقدم من بعد هذه الصلاة البرهان على جديتك في اعلان توبتك وكانه كذلك لابد لك من تنظيف فناء قلبك اولا قبل استقبال الزائر المرتقب من اي الذكر واذكار الصلاة ومعلوم ان الثوب الوسخ لا يجدي معه البخور بل لا بد ان يغسل قبل ان يعطر ومن وظائف استفتاح المغفرة ايضا انه يضع معدلا يوميا للتوبة لا تهبط عنه فيذكرك بتجديد توبتك على الاقل كل يوم خمس مرات ولا مكان انسب لك من المحراب ولا مقام ارجى للعفو من مقام الصلاة او امزج بين الدعائين دعاء التعظيم ودعاء المغفرة في دعاء واحد جامع وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله الا انت انت ربي وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا انت واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك الاستعاذة فاذا شرعت في القراءة فقدم امامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فان الصلاة معركة الشيطان وما من مقام اعظم ولا اغيظ ولا اشد على الشيطان من هذا المقام وهو حريص على هزيمتك فيها لتبوء بالخذلان في مقام من اشرف مقامات العبد وانفعها له في دنياه واخراه لذا يشحذ العدو قواه الكامنة ويشهر اسلحته الفتاكة ويتحفز ويتأهب لكي يصرفك عن الصلاة بالكلية فلا تصلي فان عجز عن ذلك سرق قلبك منك والهاه والقى فيه الوساوس ليشغلك عن القيام بحق العبودية حتى وانت بين يدي ربك فامرك الله بالاستعاذة به من الشيطان اي الاستعانة به والاحتماء واللجوء اليه رحمة بك وحرصا عليك وحبا لك ويستنير بما يتدبره من كلام الله الذي هو سبب حياة القلب وسر نعيمه في الدنيا والاخرة وعندها فحسب يستطيع القلب ان يفضي الى معاني القرآن ويشاهد عجائبه التي تبهر العقول ويستخرج من كنوزه وذخائره ما لا يخطر على بال وعندها تفهم مقصود التلاوة وتعمل بما جاء فيها وقد كان الحائل بينك وبين ذلك اعدى اعدائك الشيطان فاذا بعد عنك وطرد اقبل عليك الملك وبث فيك معاني الخير والهداية ولما علم الله حسد ابليس لك وتفرغه لمقاتلتك وعلم كذلك عجزك عن خوض المعركة وحدك امرك ان تستعيذ به وكفى بالاستعاذة سلاحا في معركة كهذه وكأنه قال لك لا طاقة لك بهذا العدو فاستعذ بي لاعيذك منه واستجر بي اجرك واكفك اياه برحمتي ولهذا كان مما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم يوما اذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته وعليك بالراعي فاستغث به فهو يصرف عنك الكلب ويكفيك تفاعلية القراءة استشعر انك في مقام مخاطبة ومناجاة الرب جل وعلا فالحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه بان تناجيه وقلبك معرض او مشغول عنه ملتفت الى غيره فانك بذلك تدعوه لمقتك وتكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا واقامه بين يديه فجعل يخاطب الملك وقد اعطاه قفاه او التفت عنه بوجهه يمنة ويسرة فهو لا يفهم ما يقول الملك تم الظن بمقت الملك لهذا بل وما الظن بمقت رب العالمين وقيوم السماوات والاراضين لمثل هذا العبد ثم ابدأ في القراءة بسم الله الرحمن الرحيم ويكفي من فضلها ان الله سبحانه وتعالى قد افتتح بها كتابه الكريم وانه امر بافتتاح كثير من العبادات بها بل والمباحات كذلك من اكل وشرب وجماع ونحوها يروي عطشك من الفاتحة واطلب شفاء قلبك وبل جسدك ايضا بها استشعر جلالها وانها اعظم سور القرآن وكيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم افضل القرآن الحمد لله رب العالمين وتذكر انك تردد هذه السورة القصيرة ذات الايات السبع سبع عشرة مرة كل يوم وليلة على الحد الادنى واكثر من ضعف ذلك اذا صليت السنن واكثر واكثر اذا رغبت ان تقف بين يدي ربك متنفلا غير الفرائض والسنن ولابد من حكمة سنحاول استكشافها لاختيارها للتكرار كل ركعة بحيث لا تقوم صلاة بغير هذه السورة وتبطل كل صلاة لا تذكر فيها لما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وتأمل انها هي السورة الوحيدة التي يجيبك الله فيها بنفسه بعد كل اية من اياتها لذا قف عند رأس كل اية وقفة يسيرة وانتظر ان تسمع باذني قلبك جواب ربك لتسمعه كما ورد في الحديث يقول الله حمدني عبدي اذا قلت الحمد لله رب العالمين لكن ما هو الحمد؟ وما الفارق بينه وبين الشكر؟ والفارق بينه وبين المدح والجواب الحمد اعم من الشكر فالحمد والشكر يشتركان في معنى الثناء على الله وان كان الحمد يشمل الشكر على النعم لكنه فوق ذلك يحمل معاني الثناء الحسن على الله بما هو اهله لصفاته الجميلة واسمائه الحسنى الجليلة فالحمد اعم من الشكر لانك تحمد على الصفات الذاتية والعطاء لكنك لا تشكر الا على العطاء واما الفارق بين الحمد والمدح فاعلم ان الاخبار عن محاسن الغير اما ان يكون اخبارا مجردا من الحب والارادة او مقرونا بحبه وارادته فان كان الاول فهو المدح وان كان الثاني فهو الحمد واعلم ان الحمد لله تملأ الميزان وان افضل الدعاء الحمد لله وانه ما انعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها الا كان ذلك الحمد افضل من تلك النعمة وهذا كله في فضل الحمد خارج الصلاة فكيف بثوابه في الصلاة لانك ترجو تثقيل ميزانك يوم حسابك لذا تنشد كمال الحمد ومن كمال الحمد ان تعلم ان حمدك لربك نعمة منه عليك يستحق عليها الحمد فاذا حمدته عليها استحق على حمده حمدا اخر وهلم جرا ولذا فالعبد ولو استنفذ انفاسه كلها في حمد نعمة واحدة من نعم الله عليه كان عليه من الحمد عليها فوق ذلك واضعاف اضعافه قال الاوزاعي سمعت بعضهم ينشد في حمام لك الحمد اما على نعمة واما على نقمة تدفع لكن في مقابل تكرار حمدك يأتي تكرار ثوابك ومضاعفته كما بشرك بهذا سفيان الثوري حين قال ليس شيء اقطع لظهر ابليس من قول لا اله الا الله ولا شيء يضاعف ثوابه من الكلام مثل الحمد لله واشهد عجزك عن الحمد فالرب سبحانه هو الذي الهمك ذلك ولولا الصلاة التي افترضها عليك لنسيت حمده ولم تذكره فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده وهو الذي اجراه على لسانك وقلبك واصدق في حمدك بان تسلط الحمد على سائر احوالك كلها. ظاهرها وباطنها على ما تحب منها وما تكره حتى وان غابت عنك حكمة ذلك وسلط الحمد كذلك على سائر جوارحك وليس فقط على لسانك الذي نطق بكلمة الحمد فلكل جارحة حمد واسهل حمد هو حمد اللسان والعباد في الحمد ما بين مستقل ومستكثر على قدر معرفة كل منهم لربه وكلما زادت معرفة العبد بربه كلما زاد حمده له اذ تنفتح امام قلبه الحجب فيرى نعمه التي لا تحصى وصفاته التي لا توصف واسماءه التي تبهر العقول وتذوق بقلبك معنى شكر الله على نعمه وانت تتلو الحمد لله رب العالمين واستعد بعدها لتدفق المزيد نعم منسية التوفيق لطاعته مر وهب بن منبه برجل مبتلى اعمى مجذوم مقعد عريان. وهو يقول الحمد لله على نعمته فقال له رجل من اصحاب وهم اي شيء بقي لك من النعمة تحمد الله عليها فقال المبتلى ارم ببصرك الى اهل المدينة فانظر الى كثرة اهلها اولا احمد الله انه ليس فيها احد يذكره غيري صحبة الصالحين عن ابي وائل قال انطلقت انا واخي حتى دخلنا على الربيع ابن خثيم فاذا هو جالس في مسجده فسلمنا عليه فرد علينا السلام ثم قال ما جاء بكم قلنا جئنا لتذكر الله عز وجل ونذكره معك وتحمد الله ونحمده معك قال فرفع يديه يقول الحمد لله لم تقولا جئناك تشرب فنشرب معك ولا جئناك تزني فنزني معك وغيرنا يفعله الافلات من الكفر قال حماد بن سلمة رأيت ايوب وضع يده على رأسه وقال الحمدلله الذي عافانا من الشرك ليس بيني وبينه الا ابو تميمة. يعني اباه لطف الله واحسانه اشتهى شبل المدري لحما فاخذه ليحمله فانحطت عليه الحداءة فاختلسته منه فنوى الصوم ورجع الى المسجد فاقبلت الحدأة ونزعتها حداءة اخرى لتأخذ اللحم منها وذلك بجوار منزل شبل فسقط منهما ووقع في حجر امرأته فقامت وطبقتها فلما رجع شبل الى منزله ليفطر قدمت امرأته اليه اللحم فقال من اين لك هذا اللحم فاخبرته بالحدة اتين وتنازعهما فبكى شبل وقال الحمد لله الذي لم ينس شبلا وان كان شبل ينساه رب العالمين ثم قل رب العالمين والمقصود بالعالمين عالم الانس وعالم الجن وعالم الحيوان وعالم النبات وعالم الطير وكل عالم نعرفه وكل عالم لم نكتشفه بعد وهو وحده المتفرد بالربوبية لكل العالمين والرب في اللغة هو السيد والمتصرف للاصلاح والتربية فكل العوالم والخلائق تحفظ وتتعهدها رعاية الله وحده فهو خالقهم ورازقهم ومدبر امرهم وموجدهم ومغنيهم وكلمة العالمين تشمل العالم كله حتى الكافر الذي اعضاؤه خاضعة لله لكن قلبه كافر قال تعالى ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال قال الحسن البصري في قوله تعالى وظلالهم الا ترى الى الكافر فان ظلاله جسده كله اعضاؤه لله مطيعة غير قلبه وقال مجاهد ظل الكافر يصلي وهو لا يصلي