حالك بين السجدتين ثم ارفع رأسك من سجودك واعتدل جالسا وتأمل الحكمة من كون هذا الجلوس محفوفا بسجودين سجود قبله وسجود بعده مما يدل على عظيم شأنه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الجلوس بين السجدتين لما له من طعم خاص ومذاق مختلف للقلب غير طعم ومذاق الركوع والسجود حتى روى الشيخان من حديث البراء رضي الله عنه كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين واذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الجلسة اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني وهذه الكلمات الخمسة قد جمعت جماع خير الدنيا والاخرة فان العبد محتاج بل مضطر الى تحصيل مصالحه في الدنيا والاخرة ودفع المضار عنه في الدنيا والاخرة وقد تضمن هذا الدعاء ذلك كله فان الرزق يجلب له مصالح دنياه والعافية تدفع مضرها والهداية تجلب له مصالح اخراه والمغفرة تدفع مضارها والرحمة تجمع ذلك كله ومن باب التنويع فاليك روحا اخرى يمكن ان تردد بها هذا الدعاء وهي روح المذنب المقصر في حق مولاه والمتمادي في جرائمه معه فتفصح عن رغبتك الاكيدة في ان يغفر لك ثم تدعوه ان يعافيك مما ابتلاك به من ذنب وان يهديك الى طريق الهداية الدائم الذي لا رجعة فيه ولا نكوص وان يرزقك على الدوام من حلاوة الطاعة الدائمة ما تستغني به عن لذة المعصية الزائلة وييسر لك الحلال الذي ترمي به الحرام وراء ظهرك فالرزق هنا هو الرزق الروحي والثروة الايمانية وليس راتب شهر او شهرين او مؤونة سنة او سنتين ولو لم تخرج من صلاتك كلها بغير اجابة هذا الدعاء لكفاك وفضل عليك وان كنت لا تستطيع اليوم حفظ كثير الدعاء وتشكو سرعة النسيان ولا تحسنوا دندنة معاذ فالزم هذا الدعاء الاخاذ رواه ابو مالك سعد ابن طارق عن ابيه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتاه رجل فقال يا رسول الله كيف اقول حين اسأل ربي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني وجمع اصابعه الاربعة الا الابهام فان هؤلاء يجمعن لك دينك ودنياك الاستغفار بين السجدتين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الاستغفار في هذه الجلسة فيقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي رب اغفر لي ويلح على الله في ذلك ومثل نفسك انك وقفت للحساب وسيقام عليك الحد الان ان لم يغفر الله لك بل ان من يقام عليه الحد في الدنيا افضل ممن لم يغفر الله له لان من يقام عليه الحد في الدنيا ينجو من عذاب الله يوم القيامة اما من لم يغفر له فالويل كل الويل ينتظره يوم القيامة وتخيل نفسك ايها المصلي انك تجلس جاثيا على ركبتيك تنتظر ان تضرب عنقك عقابا لك على جرائمك في حق مولاك ثم لاحت لك فرصة عفو فاغتنمتها والقيت بنفسك بين يديه معتذرا له مما جنيت تطلب منه المهلة الاخيرة وتدعوه دعاء الغريق رب اغفر لي رب اغفر لي ربي اغفر لي لاول مرة لاول مرة اراجع شريط ذكرياتي واتذكر سوابق ذنوبي من نظرة محرمة او لقمة حرام او شبهة حرام او سهو عن صلاة او وقوع في عرض مسلم او ظلم لزوجه او رفع صوت على ام ثم اكرر الدعاء بالمغفرة ثلاثا تأكيدا لربي على طلب العفو وتذكيرا لنفسي بضرورة الصدق في الطلب وتصميما مني على بلوغ المغفرة ثم مع كل هذا تفاؤلا بالاجابة السجدة الثانية ثم ارفع ساجدا كما كنت فانك لا تكتفي من الله بسجدة واحدة في الركعة كما اكتفيت منه بركوع واحد بل لا بد من مضاعفة الجرعة وذلك لفضل السجود وشرفه وقرب العبد فيه من ربه وهو اكثر تعبيرا عن العبودية واعرق فيها من غيره من اركان الصلاة ولهذا جعل خاتمة الركعة وما قبله كالمقدمة بين يديه فمحله من الصلاة محل الطواف وكما انه اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فكذلك اقرب ما يكون منه في المناسك وهو طائف كما قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه لمن خطب ابنته وهو في الطواف؟ فلم يرد عليه فلما فرغ من الطواف قال اتذكر امرا من امور الدنيا ونحن نتراءى لله سبحانه وتعالى في طوافنا ولهذا والله اعلم جعل الركوع قبل السجود تدريجا وانتقالا من الشيء الى ما هو اعلى منه التكرار ثم كرر مجموعة ما مررت به من الافعال والاقوال من القراءة والركوع والاعتدال من الركوع والسجود اذ هي غذاء القلب والروح التي لا قوام لهما الا بها لذا فتكريرهما بمنزلة تكرير الاكل لقمة بعد لقمة حتى تشبع وشرب نفسا بعد نفس حتى تروى فلو تناولت لقمة واحدة ثم دفع الطعام من بين يديك فماذا كانت تغني عنك تلك اللقمة بل ربما فتحت عليك باب الجوع اكثر مما بك وفي اعادة كل قول او فعل مزيد من العبودية والقرب وحصول مزيد خير وايمان ومعرفة واقبال وقوة قلب وانشراح صدر وزوال درن ووسخ عن القلب وهو بمنزلة غسل الثوب مرة بعد مرة وفيه كذلك تنزيل الركعة الثانية منزلة الشكر على الركعة الاولى وفيه كذلك تدارك ما فاتك في الركعة الاولى عن طريق الركعة الثانية وبالركعة الثالثة والرابعة ما فاتك من اول الصلاة واخشى ان تكون ممن عاناهم نبيك صلى الله عليه وسلم بقوله ان الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة ولعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع فهذه حكمة الله التي بهرت العقول حكمته في خلقه وامره ودلت على كمال رحمته ولطفه وما لم تحط به علما من الصلاة اعلى واعظم واكبر وانما هذا يسير من كثير منها الجلوس للتشهد ومعنى التحيات عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطيت فواتح الكلم وخواتمه قلنا يا رسول الله علمنا مما علمك الله عز وجل فعلمنا التشهد وقال ابن مسعود رضي الله عنه كذلك كان صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فاستشعر مكانة التشهد وشرفه واعلم الحكمة منه ذلك انه من عادة الملوك ان يحييهم الناس بانواع التحيات من الافعال والاقوال المتضمنة للخضوع لهم والذل فمنهم من يحيا بالسجود ومنهم من يحيا بالثناء عليه ومنهم من يحيا بطلب البقاء والدوام له ومنهم من يجمع له ذلك كله فيسجد له ثم يثنى عليه ويدعى له بالبقاء والدوام والتحيات جمع تحية واصلها من الحياة والمطلوب لمن تحيى بها دوام الحياة كما كانوا يقولون لملوكهم لك الحياة الباقية ولك الحياة الدائمة واشتق منها ادام الله ايامك وادام الله بقاءك ونحو ذلك مما يراد به دوام الحياة والملك والله وحده هو الذي كل شيء هالك الا وجهه فهو اولى بالتحيات من كل هؤلاء. وهي له بالحقيقة وهو اهلها فكل تحية تحية بها ملك من سجود او ثناء او بقاء او دوام فهي لله على الحقيقة ولهذا اوتي بها معرفة بالالف واللام. ارادة للعموم ومع هذا يخشع الناس عند تحية ملوك البشر اكثر مما يخشعون لتحية ملك الملوك ورب البشر والتحيات لله كذلك اي السلام له من جميع الافات التي تلحق العباد من العناء وسائر اسباب الفناء ومن سلم من الافات فهو باق لا يموت ابدا وذلك جميعه لا ينبغي الا لله الحي القيوم الذي لا يموت الذي كل ملك سواه يموت وكل ملك سوى ملكه يزول الصلوات والطيبات ثم اعطف عليها الصلوات فالتحيات له ملكا والصلوات له عبودية والتحيات لا تكون الا لله والصلوات لا تنبغي الا لله ثم اعطف على الصلوات الطيبات وهي تتناول الوصف والكلام والفعل فاما الوصف فانه سبحانه طيب لا يقبل الا طيبا وافعاله كلها طيبة وصفاته اطيب شيء وهو اله الطيبين وربهم وجيرانه في دار الكرامة هم الطيبون ولا يقرب منه الا كل طيب بل ما طاب شيء قط الا بطيبته سبحانه فطيب كل ما سواه من اثار طيبته سبحانه وكل مضاف اليه كبيته وعبده وروحه وناقته وجنته هو طيب وكلامه طيب وكلامه يتضمن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتمجيده وثناء عليه بالائه واوصافه ومن امثلة هذه الكلمات الطيبات التي يثنى عليه بها والتي لا تجوز معانيها الا له وحده لا شريك له سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر و سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وفعله كله طيب ولا يصدر منه الا كل طيب ولا يضاف اليه الا الطيب ولا يصعد اليه الا الطيب وقد يقصد بالطيبات كذلك التنبيه على الاخلاص في العبادة وكونها كاملة خالصة عن الشوائب اي ان ذلك لا يفعل ويكون الا لله او يقصد كذلك ان التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية ثم سلم على سائر عباد الله الصالحين وهم عباده الذين اصطفى لتمتثل امر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى واستشعر عندها ان عليك في الصلاة حقا للعباد مع حق الله ذلك ان السلام دعاء والله يطلب من المسلم ان يدعو في صلاته لصفوة خلقه ويريد منه تحية المخلوق كما قدم تحية الخالق تقدم هذه التحية وابدأ باولى الخلق بها وهو النبي صلى الله عليه وسلم لشرفه وعظيم حقه عليك واستشعر قربه منك ولو بعدت بينك وبينه المسافات واستحضره امامك ليمتلئ قلبك مهابة له وليصدق املك في انه يبلغه سلامك ويرده عليك بما هو اوفى منه والسلام اسم من اسماء الله الحسنى وتأويله لا خلوت من الخيرات والبركات وسلمك الله من المكاره وكل ما يوجب الذنب فاذا قلت السلام عليك ايها النبي تقصد به اللهم اكتب لمحمد في دعوته وامته السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على الايام علوا وامته كرامة وعزا وذكره ارتفاعا واما الرحمة فهي ايصال كل خير له واثابته على كل ما بذل في حقنا وقدم واستشعر شرف المقام الذي وضعك الله فيه وكيف لا وانت تسمع تشريف النبي صلى الله عليه وسلم لكل من دخل في قوله ما من احد يسلم علي الا رد الله علي روحي حتى ارد عليه السلام فترد اليه روحه صلى الله عليه وسلم لكي يرد عليك تحيتك ويجيب سلامك فاي اجر واي فضل واي فخر اعظم فاحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وليصدق املك في ان سلامك يبلغه ويرد عليك التحية باحسن منها ثم سلم على نفسك ثم على سائر عباد الله الصالحين مستصحبا اهمية الصحبة الصالحة ومعليا قيمتها مع استشعارك ان هذا السلام يعم كل عبد صالح في السماء والارض مما يجعل تارك الصلاة والمفرط فيها مقصرا في حق كافة المسلمين لانه اضاع حقهم في الدعاء من مضى منهم ومن سيولد الى يوم القيامة ولذلك عظمت معصية تارك الصلاة قال صلى الله عليه وسلم التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فانكم اذا قلتم ذلك اصاب كل عبد في السماء والارض معنى الشهادتين في التحيات ثم اشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة. والصلاة حق من حقوقها ولا تنفعك الا بقرينتها وهي شهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة وختمت بها الصلاة كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فاذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك فان شئت فقم وان شئت فاجلس وهذا اما ان يحمل على انقضائها اذا فرغ منه حقيقة كما يقول الكوفيون او على مقاربة انقضائها ومشارفته كما يقول اهل الحجاز وغيرهم وعلى التقديرين فجعلت شهادة الحق خاتمة للصلاة كما شرع ان تكون هي خاتمة الحياة لان من كان اخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة وكذلك شرع للمتوضئ ان يختتم وضوءه بالشهادتين ثم لما قضى صلاته اذن له ان يسأل حاجته وارفع السبابة وانت تتشهد واستشعر بذلك انك تختم صلاتك بخنق شيطانك وعصر اضلاعه وقهره بسبابة التوحيد فقد كان عبدالله بن عمر رضي الله عنه اذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه واشار باصبعه واتبعها بصره ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهي اشد على الشيطان من الحديد يعني السبابة الصلاة على النبي واله ثم استمر في هجومك على شيطانك والحاق الاذى به عن طريق ذكر اسم اكثر الخلق اغاظة له وانتصارا عليه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسل الى الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فانها من اعظم الوسائل بين يدي الدعاء وخير تمهيد لاجابته وقد جعل الدعاء اخر صلاتي كخير ختام وصلي على ال محمد لكي تقر عين نبيك صلى الله عليه وسلم باكرام اهله والصلاة عليهم كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم والانبياء كلهم بعد ابراهيم هم من ال ابراهيم لذلك كان المطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة مثل الصلاة على ابراهيم وعلى جميع الانبياء بعد ابراهيم وعلى الهم واتباعهم المؤمنين ولهذا كانت هذه الصيغة من الصلاة اكمل وافضل ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التحيات على ذلك اولها حمد لله والثناء عليه ثم الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء اخر الصلاة بقوله وبارك على محمد اي ادم وثبت ما اعطيته له من التشريف والكرامة واصله من بركة البعير اذا ناخ في موضعه ولزمه وتطلق البركة على الزيادة ومعناها في الاصح اي بارك في رسالته التي جاء بها فهو وان فارقنا بروحه الا ان تعاليمه خالدة وبركتها عمومها وانتشارها وال محمد هم كل من اقتفى الاثر ونهلا من النبع ومعنى البركة هنا نأخذه من شيخ الاسلام سفيان ابن عيينة في تفسيره لقول الله تعالى وجعلني مباركا قال رحمه الله معلما للخير. وهذا يدل على ان تعليم الرجل الخير هو البركة التي جعلها الله فيه فان البركة حصول الخير ونماؤه ودوامه وهذا في الحقيقة ليس الا في العلم الموروث عن الانبياء وتعليمه وهو نفس تفسير وهيب بن الورد الذي قال وجعلني مباركا اي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهل نلت من هذا العلم وتعليمه شيئا وهل دعوت غيرك الى الخير وهل دللت على الحق ام سكت وتواريت هل نالك من بركة هذا الدعاء شيء ام لم يسمعه الله منك من الاساس راجع نفسك وفكر جيدا قبل ان تسلم لتنطلق بعد التسليم هاديا والى الله داعيا امرا ناهيا لاول مرة لاول مرة احس ان لي دورا لم اقم به وفريضة قصرت فيها ورسالة نسيتها ودعاء دعوت الله به منذ زمن دون ان اعرف معناه او اصل الى مبتغاه وهو ان ادعو الى الله واحث الناس على الخير واخرج من استطعت من الظلمات الى النور ومن بعد هذه الصلاة سافكر فوريا وجديا في دوري مع اهل بيتي اولا ثم دوري مع جري المسكن والعمل لتنالني البركة التي دعوت بها انك حميد حميد اي محمود مستحق لجميع المحامد على ذاته وصفاته وفعاله بل لا يستحق الحمد الا هو وهو كذلك محمود على كل الاحوال في السراء والضراء والشدة والرخاء لانه حكيم لا يجري في افعاله غلط ولا يعتريه الخطأ وحميد ايضا بمعنى حامد لذاته واوليائه او بمعنى انه الذي اجرى الحمد على لسان خلقه ومن فضله العظيم وكرمه العميم ان نسب الحمد اليهم وان كان الحمد من اعظم نعمه عليهم مجيد وهو المتصف بالمجد والمجد هو كمال الشرف والكرم والرفعة والصفات واذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجدا والمجيد هو من تمجد بفعاله ومجده خلقه لعظمته التعوذ ثم استعذ بالله من مجامع الشر كله امتثالا لوصية حبيبك صلى الله عليه وسلم الذي كان يعلم اصحابه هذا الدعاء بعد الفراغ من التشهد اذا تشهد احدكم فليتعوذ من اربع من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المال وفتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال ثم يدعو لنفسه بما بدا له والشر كل الشر في عذاب الاخرة وهو نوعان. عذاب القبر وعذاب النار اما اسبابه المؤدية اليه فهي الفتنة وهي كذلك نوعان كبرى وصغرى فالكبرى هي فتنة الدجال وفتنة الممات لان المفتون بهما لا سبيل له ليتدارك نفسه اذا سقط فيهما واما الفتنة الصغرى فهي فتنة الحياة وهي تشمل فتنة الاهل والمال والدنيا وهي اهون من فتنة الممات والدجال لان المفتون بها يمكن ان يتدارك نفسه بتوبة فان قلت ما فائدة تعوذه من هذه الامور التي عصم الله نبيه منها قلت انما ذلك لنلتزم خوف الله تعالى على الدوام ولتقتدي به امته فان قلت فما فائدة تعوذه والصحابة من فتنة المسيح الدجال مع علمه بانه سيتأخر عن زمانه وزمان الصحابة بكثير قلت فائدته ان ينتشر خبره بين الامة من جيل الى جيل وجماعة الى جماعة حتى لا يلتبس على المؤمنين امره عند خروجه ويتحقق امره ويعرفوا ان جميع دعاويه باطلة كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الدعاء من العام بعد الخاص لان عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا وهذا من اوكد ادعية الصلاة حتى اوجب بعض السلف والخلف الاعادة على من لم يدعو به في التشهد الاخير والدعاء الاخر الذي شرع لك ان تدعو به بين التشهد والتسليم هو الاستغفار لتختم صلاتك بطلب المغفرة كما بدأتها بطلب المغفرة اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت واذن للمصلي في ختام صلاته ان يتخير من المسألة ما يشاء وكانه قيل له تخير من الدعاء ما تشاء فقد اديت الحق الذي عليك وبقي الحق الذي لك والدعاء في هذا المحل قبل السلام افضل من الدعاء بعد السلام. وانفع للداعي لان المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه فسؤاله في هذه الحال اقرب الى الاجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه لاول مرة لاول مرة اعرف قيمة كنز الدعاء بعد التشهد فادعو الله بحاجتي عندها واتضرع اليه بما ارجوه بعد ان عرفت فضل الدعاء في هذا المقام لذا ادخرت اهم الدعوات واغلى الامنيات لهذا الوقت المبارك التسليم وانوي بالتسليم التحلل من الصلاة كما تتحلل بالحلق من الاحرام واقصد به اذا كنت اماما الدعاء لمن ورائك بالسلامة التي هي اصل الخير واساسه فشرع لمن ورائك ان يتحلل بمثل ما تحللت به وفي ذلك دعاء لك وللمصلين معك بالسلام ثم شرع ذلك لكل مصل وان كان منفردا فليس احسن من هذا التحلل المتضمن الاحسان الى اخوانك المؤمنين واقصد عند التسليم السلام على الملائكة والحاضرين وانوي به ختم الصلاة واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لاتمام هذه الطاعة وتوهم انك مودع لصلاتك هذه وانك ربما لا تعيش لمثلها ثم اذق قلبك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة وخاص ان ترد عليك واخشى من عدم القبول رغم اخذك بكل اسباب القبول فربما كنت ممقوتا بذنب ظاهر او باطن وانت لا تعلم فترد صلاتك في وجهك ويذهب تعبك ادراج الرياح واستشعر بقلبك الحزن لانصرافك بين يدي الله الى اشغال الدنيا والعلائق والشواغل التي استرحت منها ساعة وقوفك لربك وقد ذاق قلبك ويلاتها قبل دخولك الى الصلاة حتى عاين لذة القرب ونعيم الاقبال على الله واذكر معافاتك منها مدة الصلاة ثم استشعر انك راجع اليها بتسليمك لتحمل هم انقضاء الصلاة واحزن لفرقها فانك تنصرف من مناجاة من كل سعادة في مناجاته الى مناجاة من كل الاذى والهم والغم والنكد في مناجاته ولن يشعر بذلك الا من كان قلبه حيا معمورا بالايمان عالما بما في مناجاة الخلق ومخالفتهم من الاذى والنكد وضيق الصدر وظلمة القلب وفوات الحسنات واكتساب السيئات وتشتيت الذهن عن مناجاة الله تعالى عز وجل واما الاموات فهيهات هيهات ان يفهموا هذه الكلمات او يعرفوا طعم العذب الفرات