السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي جعل الحج مقاما للتعليم. وهدى فيه من شاء من عباده الى الدين القويم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما علم الحجاج وعلى اله وصحبه خيرة وفد الحاج اما بعد فهذا شرح الكتاب السادس من برنامج تعليم الحجاج في السنة الخامسة سبع وثلاثين واربعمائة والف وثمان وثلاثين مئة والف وهو كتاب الاسلام دين كامل للعلامة محمد الامين ابن محمد المختار الجكري الشنقيطي رحمه الله نعم. بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال الامام الشنقيطي رحمه الله تعالى في رسالته الاسلام دين كامل بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن دعا بدعوته الى يوم الدين وبعد فهذه محاضرة القيتها في المسجد النبوي بطلب من ملك المغرب فطلب مني بعض اخواني تقييدها لنشرها فلبيت طلبه راجيا من الله ان ينفع بها. قال الله تعالى يوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا. فمن اضطر في مخمصة غير متجانب لاثم فان الله غفور رحيم. ذلك اليوم يوم عرفة. وهو يوم الجمعة في حجة الوداع نزلت هذه الاية الكريمة والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات عشية ذلك اليوم وعاش صلى الله عليه وسلم بعد نزولها احدى وثمانين ليلة. وقد صرح الله تعالى في هذه الاية الكريمة انه اكمل انه اكمل لنا ديننا فلا ينقصه ابدا ولا يحتاج الى زيادة ابدا ولذلك ختم الانبياء بنبينا عليهم صلوات الله وسلامه جميعا. وصرح فيها ايضا بانه رضي لنا الاسلام دينا فلا يسخطه ابدا ولذلك صرح بانه لا يقبل غيره من احد قال تعالى ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين. وقوله الدين عند الله الاسلام وفي اكمال الدين وبيان جميع احكامه كل نعم الدارين ولذلك قال تعالى واتممت عليكم نعمتي وهذه الاية الكريمة نص صريح في ان دين الاسلام لم يترك شيئا يحتاج اليه الخلق في الدنيا ولا في الاخرة. الا وضحه كأنما كان وسنضرب لذلك المثل ببيان عشر عشر مسائل عظام عليها مدار الدنيا من المسائل التي تهم العالم في الدارين وفي البعظ تنبيه لطيف على الكل. الاولى التوحيد والثانية والثالثة الفرق بين العمل الصالح وغيره. الرابعة تحكيم غير تحكيم غير الشرع الحكيم. الخامسة احوال الاجتماع بين المجتمع السادسة الاقتصاد السابعة السياسة الثامنة مشكلة تسليط الكفار على المسلمين التاسعة مشكلة ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار في العدد والعدد العاشرة مشكلة اختلاف القلوب بين المجتمع. ونوضح علاج تلك المشاكل من القرآن وهذه اشارة خاطفة الى بيان جميع ذلك بالقرآن تنبيها به على غيره. ابتدأ المصنف رحمه الله كتابه وبالبسملة ثم ثنى بالحمدلة ثم تلت بالصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه ومن دعا بدعوته الى يوم الدين وهؤلاء الثلاث من اداب التصنيف اتفاقا فمن صنف كتابا استحب له ان يستفتحه بهن ثم ذكر اصل كتابه هذا وانه مقيد محاضرة القاها في المسجد النبوي بين يدي ملك المغرب محمد الخامس ثم التمس منه بعض محبيه ان يقيدها بقلمه ليعم الانتفاع بها. فان المقيد بالقلم ابقى واكثر انتشارا مما يكون يرسل ارسالا فكتب رحمه الله بقلمه بعد ما القاه مقيد ما سبق منه من الكلام في معنى هذه اية المحققة كمال دين الاسلام وانه مشتمل على ما به صلاح الخلق في العاجل وصدر بيانه ان الاسلام كامل بذكر الاية القرآنية المعدودة اصلا في ذلك وهي قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فان هذه الاية هي اعظم اية في القرآن بينت كمال دين الاسلام وشرع رحمه الله يبين معنى هذه الاية اجمالا وتفصيلا ذاكرا ان اليوم الذي نزلت فيه الاية المذكورة هو يوم عرفة فقوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم اي في يوم عرفة وكان يوم الجمعة في حجة الوداع لما انزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاية وهو واقف بعرفات عشية ذلك اليوم فكانت من اخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن وكان بين نزولها وبين موته صلى الله عليه وسلم احدى وثمانين ليلة ثم ذكر المصنف ان الله سبحانه وتعالى صرح اي بين بجلاء. فاصل التضريح فاصل تصريح البيان الواضح. فبين الله سبحانه وتعالى فيها انه اكمل لنا ديننا فلا ينقصه ابدا. ولا يحتاج الى زيادة ابدا. فالاية المذكورة المبينة كمال تفيد امرين عظيمين احدهما ان دين الاسلام لا نقص فيه بوجه فهو كامل في كل امر تعلق به من امر الدنيا او امر الاخرة والاخر انه غير مفتقر الى تكميله بغيره. ففي بيان الشريعة قرآنا وسنة ما يغني عن الفزع الى غير الكتاب والسنة. ولما كان الامر كذلك محققا بكمال الدين وقع ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم. فان الله لم يزل يرقي الخلق فيما يحصلون به كمال العبودية والدرجات العلى في الدنيا والاخرة بمن يبعث اليه من الانبياء وينزل عليهم من فلما انتهى بعث الانبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان الكتاب المنزل عليه وهو القرآن الكتب علم انه مشتمل على كمال ما به صلاح الخلق في العاجل والاجل ثم ذكر ان الله سبحانه وتعالى صرح فيها ايضا بانه رظي لنا الاسلام دينا. فلا يسخطه وابدا واذا كان الاسلام هو الدين المرضي فان غيره لا يكون مقبولا مرضيا قال واذا صرح بانه لا يقبل غيره من احد قال تعالى ومن يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين. وقال تعالى ان الدين عند الله الاسلام فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وكان ختم النبوة به. فكان هو اخر الانبياء. وكان حجاب المنزل عليه هو اخر الكتب كان الدين المرضي المقبول من الخلق هو الدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم فما عداه لم يعد مقبولا من الخلق ولا مرضيا عنه بل هو مسخوط عليه مبغوض ثم ذكر المصنف رحمه الله ان في اكمال الدين وبيان جميع احكامه كل نعم الدارين ولذا قال واتممت عليكم نعمتي. فالنعمة التامة الكاملة هي التي لا نقص فيها وجه فان النعم باعتبار الكمال والنقص نوعان احدهما النعمة الكاملة وهي التي لا نقص فيها بوجه وهي نعم الدين والاخر النعم الناقصة وهي التي يكون فيها نقص من وجه دون وجه وهي نعم الدنيا فمن الاول التوحيد والصلوات الخمس وحج بيت الله الحرام وبر الوالدين ومن الثاني الزوجة والولد والمال فما كان من النوع الاول فلا نقص فيه ابدا. بل هو يحدث للعبد انواعا من الكمال لا تتناهى. واما النوع الثاني فانه يكون خيرا من وجه وشرا من وجه. ولهذا عد بعض هؤلاء الافراد الزوجة والولد والمال فتنة وعدوا ومشغلا وملهيا في ايات من القرآن الكريم لما تشتمل عليه هذه الاعيان احيانا من نقص ينشأ منه الابتلاء بالفتنة والعداوة والشغل والالهاء وغير ذلك. ثم ذكر المصنف رحمه الله ان هذه الاية الكريمة وهي قوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم نص صريح في ان دين الاسلام لم يترك شيئا يحتاج اليه الخلق في الدنيا والاخرة الا اوضحه وبينه والنص عند الاصوليين هو ما لا يحتمل الا معنى واحدا فهذه الاية لا تحتمل سوى ما ذكر فيها من المعنى من ان دين الاسلام دين كامل لم يترك شيئا يحتاجه الخلق في الدنيا والاخرة الا وضحه توضيحا بينا ثم ذكر رحمه الله ما يحقق هذا المعنى في كون الاسلام دين كامل وذلك ببيان عشر مسائل عظام عليها مدار الدنيا من المسائل التي تهم العالم في الدارين وفي ذكر هذه العشر تنبيه على ما وراءها من المسائل فدين الاسلام واف ببيان ما فيه مصلحة الخلق في العاجل والاجل في كل امر من امورهم. ومن ظن ان الناس يحتاجون الى غيره فقد اعظم على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فان الله في هذه الاية اخبرنا بكماله. فقال اليوم اكملت لكم دينكم. واخبركم محمد صلى الله عليه وسلم انه تركنا على البيضاء ليلها كنهارها. لا يزيغ عنها الا هالك رواه ابن ماجة من حديث ابي الدرداء باسناد حسن اي تركنا على شرعة كاملة بيضاء نقية لا نقص فيها ابدا. وهي لجلائها ووضوحها لا يلتبس فيها شيء. فظلمة الليل فيها لجلائها وبهائها وسموها وعلوها. فلا نقص في دين الاسلام وهو واف ببيان ما يحتاج اليه الخلق في اي امر من امورهم سواء كان في امور الدنيا او في امور الاخرة. واذا وقر هذا الاصل في قلب العبد علم ان حل جميع المعضلات ودفع كل البليات التي تكتنب المسلمين يكون بالرجوع الى دين الاسلام والاخذ به حق الاخذ وحق الاخذ والاقبال على كتاب الله سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر المصنف عشر مسائل بين الشرع الحكيم في القرآن الكريم اصلاحها بيانا شافيا للتنبيه باصلاح هذه العشر على ان ان غيرها يصلح بالقرآن كما صلحت هذه العشر. وهي التوحيد والوعظ والفرق بين العمل الصالح وغيره وتحكيم غير شرع الحكيم واحوال الاجتماع بين والاقتصاد والسياسة ومشكلة تسليط الكفار على المسلمين ومشكلة ضعف المسلمين في مقاومة الكفار ومشكلة اختلاف القلوب بين المجتمع. وذكرها المصنف رحمه الله مجموعة في صعيد واحد لتتشوف النفوس الى ما سيذكره من التفسير. فان تقديم الاجماع قبل التفصيل موجبه حث النفوس على طلب تفصيل ذلك وترغيبها فيه. فان الامر واذا ذكر مجموعا تاقت النفس الى معرفة تفاصيله. وهو الذي سيفعله رحمه الله فيما يستقبل من كلامه بيانا شافيا حل تلك المشاكل العشر بما جاء في القرآن الكريم مرتبة على النحو الذي ذكره هنا قال رحمه الله المسألة الاولى وهي التوحيد وقد علم باستقراء القرآن انه منقسم الى ثلاثة اقسام النوع الاول توحيده جل وعلا في في ربوبيته. وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء. قال تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فانى يؤفكون. الاية وقال قال تعالى قل من يرزقكم من السماء والارض ام من يملك السمع والابصار. الى قوله افلا اتتقون والايات بنحو ذا والايات بنحو ذلك كثيرة وانكار فرعون لهذا النوع في قوله قال فرعون وما رب العالمين مكابرة وتجاهل بدليل قوله تعالى قال لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر الاية وقوله تعالى وجحد بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. ولهذا كان القرآن ينزل بتقرير هذا النوع من التوحيد بصيغة افهام التقرير كقوله افي الله شك وقوله تعالى وقوله تعالى والسماوات والارض قل الله ونحو ذلك لانهم يقرون به. وهذا النوع من التوحيد لم ينفع الكفار لانه هم لم يوحدوه جل وعلا في عبادته كما قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون وقوله تعالى ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى. وقوله تعالى ويقولونها هؤلاء شفعاؤنا عند الله الاية. النوع الثاني توحيده جل وعلا في عبادته وهو الذي وقعت فيه جميع المعارك بين الرسل والامم وهو الذي ارسلت الرسل لتحقيقه وحاصله هو معنى لا اله الا الله. فهو مبني على صينهما النفي والاثبات من لا اله الا الله. فمعنى فمعنى النفي منها خلق خلع جميع انواع المعبودات غير الله تعالى في جميع انواع العبادة كائنة ما كانت. ومعنى الاثبات منها هو افراده جل وعلا وحده بجميع انواع العبادة على الوجه الذي شرع ان يعبد به. وجل القرآن في هذا النوع قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولنا نعبد الله واجتنبوا الطاغوت. وقوله تعالى وما ارسلنا ومن قبلك من رسول من رسول الا نوحي اليه الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبد وقوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى وقوله تعالى واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا جعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون. وقوله تعالى قل انما اوحى الي انما الهكم اله واحد. فهل انتم مسلمون؟ والايات في هذا كثيرة جدا النوع الثالث هو توحيده جل وعلا في اسمائه وصفاته وهذا النوع من التوحيد ينبني على اصلين كما بينه جل وعلا الاول هو تنزيهه تعالى عن مشابهة صفات الحوادث. والثاني الثاني هو الايمان بكل ما وصف به نفسه او وصفه او او وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة لا مجازا. على الوجه اللائق بكماله جلاله ومعلوم انه لا يصف الله اعلم لا يصف الله اعلم بالله من الله. ولا يصف الله اعلم من الله صلى الله عليه وسلم والله يقول عن نفسه اانتم اعلم ام الله؟ ويقول ويقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى فقد بين تعالى ان نفي المماثلة بقوله ليس كمثله شيء وبين اثبات الصفات له على الحقيقة بقوله وهو السميع فاول الاية يقضي بعدم التعطيل ويتضح من الاية ان الواجب اثبات الصفات حقيقة من غير تمثيل ونفي المماثلة من غير التعطيل. وبين عجز الخلق عن الاحاطة به جل وعلا. قال تعالى لا يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما لما ذكر المصنف رحمه الله المسائل العشرة مجملة شرع يفصلها واحدة واحدة وابتدأ بالمسألة الاولى وهي التوحيد فان المسلمين اليوم يتنازعون بينهم في اشياء فهذا يقول انها من التوحيد وهذا يقول انها من الشرك والفرقان الفاصل بين هؤلاء والحجة القاطعة النزاع هي القرآن الكريم. وقد بين المصنف رحمه الله ان استقراء القرآن بين ان التوحيد منقسم ثلاثة اقسام والمراد باستقراء القرآن تتبع اياته وتصفح ما فيها من المعاني المتعلقة توحيد الله فان المتتبع اي القرآن الكريم اية اية يخلص الى ان القرآن الكريم جاء اببيان التوحيد مسلوكا في ثلاثة اقسام عظام. وهذا التصريح بهذا الاستقراء موجود في كلام جماعة من القدماء. منهم ابن جرير في تفسيره ابن منده في كتاب التوحيد وابن حبان في روضة العقلاء في اخرين. فالقرآن الكريم بين ان التوحيد من قسم اقساما ثلاثة اولها توحيد الله عز وجل في ربوبيته. وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه العقلاء فنفوس الخلق تجد ضرورة في الاقرار بان افراد الملكوت لها رب هو الذي جعلها على هذه الصورة فهو الخالق لها. المالك لها المدبر لها. لا يختلف في ذلك عامة الخلق وذكر المصنف من الاي ما يدل على ذلك كقوله تعالى ولئن سألتهم من ليقولن الله فانى تؤفكون اي انهم يقرون بان الله سبحانه وتعالى هو الخالق لهم قال وقوله قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والابصار. الى قوله افلا اتتقون والايات في هذا المعنى كثيرة. فايات القرآن الكريم تدل على ان الله سبحانه وتعالى موحد في ربوبيته. اي في ذاته وافعاله. فالقارئ القرآن الكريم يؤمن بان لله سبحانه وتعالى ذات واحدة. وان له الافعال الكاملة. فهو الذي يحيي وهو الذي يميت وهو الذي يخلق وهو الذي يرزق وهو الذي يملك وهو الذي يمنح وهو الذي يمنع وهو الذي يخفض وهو الذي يرفع سبحانه وتعالى ونفوس الخلق مفطورة على هذا ولا يكاد يوجد بينهم من ينكره الا من هو مكابر انا الحقيقة كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. فهم يجدون هذه الضرورة في بانفسهم فالعاقل الحصيف يعلم ان الصنعة التي ينتفع بها كهذه الصنعة لابد لها من صانع يصنعها فكيف بهذا الملكوت العظيم ان يكون خلوا من مبدع ابدعه وخالق خلقه ومقدر قدره فالامر كما قال ابن المعتز وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. فيا عجبا كيف يعصى الاله ام كيف يجحده الجاحد وقال الاخر تأمل في نبات الارض وانظر الى اثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات هي الدهب السبيك على كتب الزبرجد شاهدات بان الله ليس له شريك سبحانه وتعالى. فنفوس الخلق مفتورة على الاقرار بتوحيد الربوبية. قال ولهذا كان القرآن ينزل بتقرير هذا النوع من التوحيد صيغة استفهام التقرير اي الاقرار وهو الاستفهام المشتمل على اثبات المذكور معه. وهو الاستفهام المشتمل على اثبات المذكور معه. فان الاستفهام المذكور في القرآن نوعان احدهما استفهام الاقرار ويسمى استفهام التقليل وهو الاستفهام المشتمل على اثبات المذكور معه والاخر استفهام الانكار ويسمى الاستفهام الاستنكاري وهو المستمن على نفي المذكور معه وهو المشتمل على نفي المذكور معه والواقع في القرآن عند ذكر افراد الربوبية على وجه الاستفهام ان الاستفهام الذي يذكر معها هو افهام التقرير والاقرار كقوله تعالى افي الله شك الى غير ذلك من الايات التي ذكرها المصنف فيه ثم قال وهذا النوع من التوحيد لم ينفع الكفار اي لم يكونوا به مسلمين. قال لانهم لم يوحدوه جل وعلا في عبادته كما قال تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون قال تعالى عنهم ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى. وقال تعالى ويقولون هؤلاء شفعاءنا عند الله. فالله سبحانه وتعالى اخبر عن الكفار انهم يقرون له بتوحيد الربوبية. فهم يعتقدون ان الله هو الخالق. لا اللات ولا هبل. ويعتقدون ان الله هو الرازق. لا اللات ولا هبل. ويعتقدون ان الله هو المالك لا اللات ولا هبل. ويعتقدون ان الله هو مدبر الامر لا اللات ولا هبل. ولم ينفعهم هذا الاقرار بالربوبية بل اخبر الله سبحانه وتعالى عن كفرهم في مواضع من القرآن فلم يكونوا بذلك فاقرار الكافرين بتوحيد الربوبية غير اقرار المؤمنين الموحدين. فان المؤمنين الموحدين يقرون بتوحيد الربوبية اقرارا تفصيليا لا اجماليا. ولا يوجد في توحيدهم الربوبية شيء من الخلل بخلاف اقرار المشركين. فالفرق بين اقرار الموحدين والمشركين من وجهين. فالفرق بين اقرار الموحدين والمشركين بالربوبية من وجهين. احدهما ان اقرار الموحدين تفصيلي واقرار المشركين اجمالي وليس المؤمن تفصيلا كالمؤمن اجمالا والاخر ان توحيد الربوبية عند الموحدين لا يتطرق اليه خلل فلا يوجد فيهم شرك فيه. واما المشركون فان اقرارهم بالربوبية يوجد فيه انواع من الشرك كالذي كانوا يعتقدونه في الشمس والقمر والنجوم او الرقى او التمائم او غير ذلك. ثم ذكر المصنف النوع الثاني من انواع التوحيد الذي دل استقراء القرآن عليه وهو توحيده جل وعلا في عبادته اي بالا تجعل العبادة الاله وحده فيكون دعاء العبد لله فلا يدعو غيره. ويكون توكل العبد على الله فلا يتوكل على غيره وتكون صلاة العبد لله فلا يصلي لغيره. ويكون ذبح العبد لله فلا يذبح لغيره. ويكون نذر العبد لله فلا يندر لغيره. وهذا النوع من التوحيد قال فيه المصنف وهو الذي وقعت فيه جميع المعارك بين الرسل والامم. فان الرسل لما بعثوا الى الامم امنين لهم بان الله بافراد العبادة له وان يخلعوا كل معبود سواه قالوا بلسان واحد اجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشيء عجاب. اي اجعل من تجعل له العبادة بجعل الها واحدا ان هذا لشيء عجاب اي شيء مستعجب. وقال تعالى انهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الا الله يستكبرون اي كانوا يعرضون عن الاقرار بتوحيد العبادة بافراد الله بها وان كانوا يجدون في نفوسهم الاقرار بان الله هو الرب الخالق الرازق المالك المدبر الى غير ذلك من افعال الربوبية الا وهو الذي ارسلت الرسل لتحقيقه. فالرسل مبعوثون لامر الناس بتوحيد العبادة. كما سيذكره في اية بعد قال وحاصره هو معنى لا اله الا الله. اي لا معبود حق الا الله قال فهو مبني على اصلين هما النفي والاثبات من لا اله الا الله. وحقيقة النفي هو خلع جميع معبودات سوى الله بان تنفي عن كل احد استحقاق العبادة سوى الله. والاثبات ان تجعل على عبادتك كلها لله وحده لا شريك له. وهذا هو المذكور في قوله تعالى انني مما تعبدون الا الذي فطرني. فقوله انني براء مما تعبدون. نفي لجميع المعبودات وقوله الا الذي فطرني اثبات العبادة لله وحده. ثم ذكر المصنف ان جل في هذا النوع اما صراحة واما لزوما. فجميع ايات القرآن تدور على هذا الاصل العظيم. فنظام القرآن في الاصل الجامع له هو توحيد العبادة الذي بعث الله عز وجل به الانبياء وذكر من ذلك قول الله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وقوله تعالى وما ارسلنا من قبل من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. وقوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد بالعروة الوثقى الى غير ذلك من الايات المقررة بان حق الله علينا ان له مفردين له بالعبادة وهذا هو الحق الاعظم الذي بعث الله عز وجل به الينا الانبياء او الرسل ومع جلاء هذا الاصل في القرآن الكريم فانه شابه كثير من التغيير تارة في تاني المشركين المتقدمين وتارة في لسان اقوام متأخرين. فاولئك الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يعتقدون ان الله هو الخالق وانه هو الرازق وانه هو المالك وانه هو المدبر. امتنعوا من ان يجعلوا عبادتهم لله وحده. ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي جهل وكبراء قريش كلمة واحدة تؤمنون بها. فقال ابو جهل وابيك عشر كلمات. فقال صلى الله عليه وسلم قولوا لا اله الا الله. فقال ابو جهل الا هذه. فقد علم ابو جهل واخدانه ان العبد فاذا قال لا اله الا الله فقد ابطل عبادة غير الله سبحانه وتعالى. فهم علموا ان حق الله سبحانه وتعالى افراده بالعبادة. واليوم يوجد من الناس من يسفسط من الكلام اشياء يزعم انها غاية الخلق غافلا عن الاصل الاعظم وهو ان غاية الخلق ان نكون عبادا لله قائمين بحقه في العبادة كاولئك الذين يقولون ان الاصل والغاية من وجودنا هي عمارة الارض يفسرون عمارة الارض بانشاء الحضارات وتشييد العمارات وتسيير القطارات وتركيب الطائرات وغير ذلك من انواع الصناعات وهذا جهل فان الله لم يبعث الانبياء بهذا وانما بعثهم ليأمروا الناس بان يوحدوا الله سبحانه وتعالى ويجعل جميع امورهم باطنا وظاهرا مما يتقربون به الى الله سبحانه وتعالى وحده فما يسمى عمارة الارظ هو في ديننا امر تابع لتوحيد الله غير مزاحم له. واما تعظيم هذا في نفوس المؤمنين حتى صارت نفوسهم تتعلق بحضارة الشرق او حضارة الغرب توهما ان المقصود منا نرقى بانفسنا في الصناعات فهذا غلط فان النبي صلى الله عليه وسلم ما سلك خيطا في ابرة في تشييد صناعاتي ابتغاء مزاحمة الكافرين بها. وانما قاتلهم صلى الله عليه وسلم وجاهدهم في توحيد الله سبحانه الا بان يقروا بانه لا معبود الا الله. وهذا امر عظيم لمن عقل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين ان الله خلقنا ورزقنا وغذانا بانواع النعم لنقوم له سبحانه وتعالى بالعبادة من بغير حاجة الى عبادتنا كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين. ثم ذكر النوع الثالث من توحيده سبحانه وهو توحيد وفي اسمائه وصفاته كما قال تعالى ولله الاسماء الحسنى. وقال تعالى وله الاسماء الحسنى. وقال تعالى ولله المثل الاعلى. قال ابن عباس الوصف الاعلى واختاره ابن القيم. وقال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. فنزه نفسه عما وصفه به المشركون. ثم سلم على المرسلين كمال ما وصفوا به ربهم سبحانه وتعالى. فالعبد يؤمن بان لله اسماء حسنى وصفات علا. ومدار هذا التوحيد على اصلين كما ذكر المصنف احدهما تنزيه تعالى عن مشابهة صفات الحوادث اي المخلوقات والمراد بالتنزيه وصفه سبحانه وتعالى بالنزه طيبا وارتفاعا. فلا يقع في نفس العبد ان الله سبحانه وتعالى يشابه في شيء من صفاته احدا من مخلوقاته. وان كان اصل الصفة له ولهم قال تعالى وهو السميع البصير. قال تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وقال تعالى انا خلقنا الانسان من نطفة ام شاد نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا. فوصف نفسه بالسمع والبصر. ووصف المخلوق بالسمع والبصر. لكن سمعه سبحانه وتعالى وبصره ليس كسمع المخلوق وبصره فينزه العبد ربه عن مشابهة المخلوقات في الصفات والثاني الايمان بكل ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. فان الله بنفسه اعلم ومحمد صلى الله عليه وسلم من خلقه اعلم بربه من غيره. وقد قال الله سبحانه وتعالى اانتم اعلم ام الله؟ وقال عن رسوله صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. فطريق العلم باسماء الله وصفاته هو الوحي من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. لان ذلك غيب مستور عنا فلا سبيل الى علمنا به الا بخبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال بعض من مضى وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه فان يقل جمعيهم كيف استوى؟ كيف يجي؟ فقل له كيف هو؟ اي اذا امتنع علمنا بصفة ذاته سبحانه وتعالى امتنع اعلمنا بكيفيات صفاته؟ فنؤمن بما علمنا بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وما حجب علينا علمه فوضنا علمه الى الله سبحانه وتعالى. وهذا معنى قوله رحمه الله وبين عز الخلق عن الاحاطة جل وعلا فقال ولا يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون ولا يحيطون به علما اي ان الخلق لا يقدرون على الاحاطة بما اخفي عنهم منه سبحانه وتعالى. فالطريق المؤدي الى علمهم به سبحانه هو خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن وقر التوحيد كما في القرآن الكريم كان هو الناجي. وهذا هو الفرقان الفاصل بين نزاع المسلمين فيما يتعلق توحيد رب العالمين فليس مفزعهم الى احد سوى ما جاء في القرآن او في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن اخذ بهذا نجا ومن فزع الى غير ذلك فانه يقع في انواع الهلاك التي فشت في المسلمين قديما فاذا اردت ان تعرف ما يجب لله من حق فاقرأ كتاب الحق بقوله الحق تقف على الحق وتبرأ من كل باطل. واذا جعلت قلبك موردا على غير كلام الله كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وقعت في انواع من العطب والهلاك التي تجعلك بعيدا عن توحيد الله سبحانه وتعالى. نعم قال رحمه الله المسألة الثانية التي هي الوعظ فقد اجمع العلماء على ان الله تعالى لم لم ينزل من السماء الى الارظ واعظا اكبر ولا زاجرا اعظم. ولا زاجرا اعظم من موعظة المراقبة والعلم. وهي ان يلاحظ الانسان وهي لاحظ الانسان ان ربه جل وعلا رقيب عليه. عالم وهي ان يلاحظ الانسان ان ربه جل وعلا رقيب عليه عالم بكل ما يخفى وما يعلن ويضارب العلماء لهذا الواعظ الاكبر والزاجر الاعظم مثلا يصير به المعقول كالمحسوس. قالوا لو فرضنا ملكا سفاكا للدماء شديد البطش والنكال وسيافه قائم على رأسه. والنطع والنطع مبسوط والسيف يقطر دما وحول ذلك الملك بناته ازواج ايخطر يخطر في البال اي اي ان يهم احد من الحاضرين بريبة او نيل حرام من بنات ذلك وازواجه وهو عالم به ناظر اليه لا وكلا. ولله المثل الاعلى. بل كل الحاضرين يكونون خائفين خاضعة قلوبهم خاشعة عيونهم ساكنة جوارحهم غاية امانيهم والسلامة ولا شك المثل الاعلى ان الله جل وعلا اعظم اطلاعا واوسع علما من ذلك الملك. ولا شك انه اعظم نكالا شد بطشا وافظع عذابا وحماه في ارضه محارمه. ولو علم اهل ولو علم اهل البلد ان امير البلدة عالما بكل ما فعلوه بالليل لباتوا خائفين وتركوا جميع المناكر خوفا منه. وقد بين الله تعالى ان الحكمة التي خلق الخلق من اجلها وهي ان يبتليهم. ان يختبرهم ان يختبرهم احسن عم احسن عملا. قال لفي اول سورة هود نختبرهم ايهم احسن عملا. احسن الله اليك. ان يختبرهم ايهم احسن عملا قال في اول سورة هود وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. وكان عرشه على الماء ليبدو ايكم احسن عملا قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ليقولن الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. ولم يقل ايكم اكثر عملا قال في الملك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور تبينان المراد من قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ولما كانت الحكمة في خلق الخلائق الاختبار المذكور واراد جبريل ان يبين للناس طريق النجاح اراد ان يبين للناس طريق النجاح في ذلك الاختبار فقال للنبي صلى الله عليه وسلم اخبرني عن الاحسان اي وهو الذي خلق الخلق لاجل الاختبار فيه فبين صلى الله عليه وسلم ان طريق الاحسان هي هي هذا الزاجر الاكبر والواعظ الاعظم المذكور فقال هو ان تعبد الله كانك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. ولهذا لا تقلب ورقة من المصحف الكريم الا ما وجدت فيها هذا الواعظ الاعظم. قال تعالى ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد. وقال تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد. وقال فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين. وقال تعالى وما تكونوا في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل. ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم جهودا فيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. وقال تعالى الا انهم يثنون صدورهم ومن يستخفوا منه على حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون. انه عليم قم بذات الصدور ونحو هذا في كل موضع من القرآن ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة الثانية من المسائل العشر وهي مسألة الوعظ اي الوازع الحامل للنفوس على امتثال المأمورات واجتناب المنهيات. اي الوازع الحامل للنفوس على امتثال المأمورات واجتناب المنهيات. فان النفوس لا تتحرك لما طلب منها ولا تمتنعوا عما نهيت عنه الا بزاجر يزجرها. ومانع يمنعها ورادع يردعها واعظم زاجر يكون كذلك واعد الله في قلب كل عبد مسلم من شهود وعظت المراقبة والعلم بان يلاحظ العبد ان الله سبحانه وتعالى مطلع عليه مراقب له عالم بكل ما يخفي وما يعلن وذكر المصنف ان المثال المضروب للوازع المذكور كالملك المعظم في الخلق الموصوف بشدة بطش والنكال القادر على الحاق الضر بمن اراد اذا هم احد ان يتعدى على احد من محارمه فان الناس كافة لا يقع في خواطرهم انهم يعتدون على حرمه ولا ينتهي شيئا من حرماته خوفا ان يلحق بهم ضر. فاذا كان العبد خوف هذا الملك يراقب نفسه في حفظها من التعدي على شيء يعد حرمة له فانه ينبغي ان يمتلئ قلب المؤمن خوفا وفرقا من ان يتعدى على شيء من حرمات الله سبحانه وتعالى التي منعه بها منعه منها ثم ذكر المصنف في تقرير هذا الاصل ان الله سبحانه وتعالى بين الحكمة من خلقنا وهي عبادته سبحانه وتعالى. ثم بين السبيل المؤدي الى تحقيق تلك العبادة. المشتمل على قاضي هذا الواعظ في النفوس. فذكر ان الحكمة من خلقنا هي عبادة الله سبحانه وتعالى. لما الان واختبرنا بالخير والشر فاننا جعلنا في هذه الدنيا التي هي دار الابتلاء. فعند ابن ماجة باسناد حسن من حديث معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة وفي صحيح مسلم من حديث عياض ابن حمار المجاشعي رضي الله عنه ان الله قال انما بعتك يعني النبي صلى الله عليه وسلم انما بعثتك لابتليك وابتلي بك. وهذا الابتلاء المذكور في حديثين هو الابتلاء باحسان العمل المذكور في الايتين اللتين ساقهما المصنف. فان الله قال فيهما ليبلوكم ايكم احسن عملا. فالله سبحانه وتعالى لم يبتلينا لينظر اينا اكثر عمل الا وانما ابتلانا بالامر والنهي وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم الينا ليعلم اينا احسنوا عملا واحسان العمل يكون بتحقق امرين هما الاخلاص لله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم وسيأتي مبينا هذا من كلامه. وهذا الابتلاء في احسان العمل هو حقيقة العبادة التي امرنا بها وخلقنا لها في قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وفي قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم اي ثاني العمل له سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان طريق النجاح من هذا الابتلاء هو ما كره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل لما سأله فقال اخبرني عن الاحسان. فقال ان تعبد الله كأنك انك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فطريق احسان العمل يكون بانزال العبد نفسه مقام من المقامين المذكورين في الحديث. فالحديث المذكور مشتمل على مقامين احدهما مقام المشاهدة في قوله في قوله صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه مقام المراقبة في قوله صلى الله عليه وسلم فان لم تكن تراه فانه يراه. ومقام المشاهدة ان يعبد المرء ربه سبحانه وتعالى مستحضرا مشاهدته له. فيتخايل في نفسه انه يشاهد الله واما مقام المراقبة فهو ان يعبد العبد ربه مستحظرا ان الله مطلع عليه مراقب له. ذكره ابو الفرج ابن رجب في فتح الباري وجامع العلوم والحكم. والمقام الاول اكمل من المقام الثاني فالعبد مأمور بان تكون عبادته لله سبحانه وتعالى على مقام المشاهدة. فان عجز عن ذلك فلا اقل من ان يعبد الله سبحانه وتعالى مستحظرا ان الله مراقب له مطلع عليه. ثم ذكر رحمه الله الله تعالى ان القرآن مليء بتقرير هذا الواعظ باستحضار العبد في قلبه علم الله به واطلاعه عليه وذكر من ذلك قول الله تعالى ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه اي ما يكون القاء خفيا في النفس. فان الوسوسة هي الالقاء الخفي في النفس. فليس هو شيئا يخفى مما يعلن عادة ولكنه شيء يخفى لا يعلن للخلق عادة فالوسوسة انفرد الله سبحانه وتعالى في علمها لانها غيب مستور. مستور وقوله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد اي لو قدر انه لفظ شيئا في عالم انفرد فيه عن غيره من المخلوقات فان الله ارصد معه من الملائكة ما يحفظ عليه قوله الذي تكلم به. وقوله تعالى فلنقصن عليهم بعلم وما كنا طائبين. وقوله تعالى وما تكونوا في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم اذ تفيضون فيه. اي اذ تشرعون فيه وتعملون له. الى غير ذلك من الايات المبينة ان الله سبحانه وتعالى مراقب للعبد مطلع عليه. فاعظم زاجر ينبغي ان يجعل في النفوس هو مزاجر اطلاع الله على العبد وعلمه به. فان العقوبات مهما شددت لا تبلغ مبلغ هذا الزاجر فالمرء اذا استحضر ان الله سبحانه وتعالى قائم عليه مطلع عالم به امتنع عن كثير مما يغضب الله سبحانه وتعالى من ترك المأمورات او مواقعة المنهيات. وفي اخبار بعض من مضى امرأة كانت تبيع اللبن فلما مر عمر رضي الله عنها سمعها تقول لابنتها ضعي مع اللبن ماء فقالت ان عمر رضي الله عنه نهى الناس عن ذلك فقال فقالت امها ان عمر لا يرانا. فقالت تلك البنت ان كان عمر لا يرانا فان عمر يرانا فاعجب عمر قولها وخطبها لاحد ابنائه فكانت زوجا لعاصم ابن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ونسل من هذه الابنة الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه. وفي اخبار هذه المرأة ان انه لما مات عمر جاءها رجل فقال ان عمر الذي نهى عن شرب اللبن بالماء اي لتكثيره قد مات فقالت ان كان عمر مات فان الله سبحانه وتعالى حي لا يموت. وذكر ابن رجب ان رجلا راود امرأة في الفلات عن نفسها فقال لها لا يرانا الا الكواكب فقالت له فاين موكوكبها يعني فاين الله سبحانه وتعالى الذي هو مطلع علينا؟ فاعظم ما يكون به الزجر والوعظ للنفوس ليس هو بالعقوبات ولا اطماعها في الاعطيات وانما بتعظيم مراقبة رب الارض والسماوات نسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا مراقبته ومخافته. نعم قال رحمه الله المسألة الثالثة هي الفرق بين العمل الصالح وغيره. فقد بين القرآن العظيم ان العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة امور ومتى اختل واحد منها فلا نفع فيه لصاحبه يوم القيامة. الاول ان يكون مطابقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لان الله تعالى لان الله يقول وما اتاكم وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه ويقول ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ويقول قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني الاية فقوله تعالى ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الا وقوله تعالى على الله تفترون. الثاني ان يكون خالصا لوجهه تعالى لانه يقول لانه يقول ليعبدوا الله مخلصين له الدين لا ويقول قل اني امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين وامرت بان اكون ولا المسلمين قل اني اخاف ان عصيت ربي عذابا يوم عظيم. قل الا اعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من من دونه قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران وبين الثالث ان يكون مبنيا على اساس العقيدة الصحيحة. لان العمل كالسقف والعقيدة كالاساس. قال تعالى ومن اعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فقيد ذلك بقوله تعالى وهو مؤمن وقال في غير وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. وقال تعالى اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون. الى غير ذلك من ايات ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة الثالثة من المسائل العشر وهي الفرق بين العمل الصالح وغيره فان المسلمين يتنازعون في كون هذا العمل صالحا او غير صالح وفي القرآن الجواب الفصل بين هؤلاء المتنازعين فان الله سبحانه وتعالى بين بيانا شافيا ان العمل الصالح هو العمل المستكمل ثلاثة امور. فاذا اختل واحد منها فان انه لا يكون عملا صالحا ولا ينفع عبده اذا جاء يوم القيامة. فاولها ان يكون العمل طابقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فان الله بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم جعله بيننا وبينه رسولا يبلغنا امره. وامرنا الله عز وجل ان نطيعه ونتبعه. فقال وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال من يطع الرسول فقد اطاع الله. في اية اخر بل جعل الله الله سبحانه وتعالى مدار الصدق في محبته على اطاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه. فقال الا قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. فالمدعون محبة الله ابتلوا بصدق اتباع صلى الله عليه وسلم فالصادق في محبته الله يطيع النبي صلى الله عليه وسلم ويتبعه. واما من ازعم انه محب الله ثم لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقتضي بهديه فهو كاذب في وكان الحسن البصري يسمي هذه الاية من سورة ال عمران اية المحنة. قال ابن القيم رحمه الله لما كثر مدعون للمحبة طولبوا باظهار الحجة. والحجة قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ثم ذكر المصنف رحمه الله الامر الثاني وهو ان يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. وقال تعالى قل اني امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين الى غير ذلك من الايات الامرة العبد ان يكون مخلصا في عمله لله سبحانه وتعالى. وحقيقة اخلاصي شرعا تصفية القلب من ارادة غير الله تصفية القلب من ارادة غير الله. فان الواردات من الارادات في الاعمال على العبد كثيرات فانت اذا اردت ان تعمل عملا ورد على قلبك ارادة محبة الناس او ارادة ثناء الناس او ارادة مدح الناس او ارادة منصب ورئاسة او ارادة او ارادة جاه او ارادة ومال ودنيا او غير ذلك من انواع الارادات. فلا سبيل الى ان تكون مخلصا لله حتى تخرج تلك الارادة ذات كلها من قلبك فلا تبقى فيها الهيه الا ارادة واعدة وهي ارادة وجه الله سبحانه وتعالى. قال ابن القيم رحمه الله فاحسن فلواحد كن واحدا في واحد اعني طريق الحق والايمان. اي ان العبد يجب ان لواحد هو الله واحدا في ارادته. بان يريد الله وحده لا شريك له. واحدا في اتباعه وطاعته لنبيه صلى الله عليه وسلم. فاذا اردت ان تكون من المخلصين فصف قلبك من الارادات ولا تبقي فيه الا واحدة هي ارادة الله سبحانه وتعالى. والى هذا المعنى اشرت بقول اخلاصنا لله صف القلب منه ارادة سواه فاحذر يا فطن. اخلاصنا لله. صف القلب من ارادة سواه فاحذر. يا فطن اذا صفى العبد لله اعماله صفى الله له احواله. قال ابن الجوزي تصفية الاحوال على تصفية الاعمال. وقال مطرف بن العلاء بالسخير من صفى صفي له. ومن خلط خلط عليه. اي من صفى لله نيته في اعماله صف الله سبحانه وتعالى له احواله. ومن خلط في نيته خلط عليه في ثم ذكر الامر الثالث فقال ان يكون مبنيا على اساس العقيدة الصحيحة. لان العمل كالسقف والعقيدة كالاساس واذا كان الاساس فاسدا كان السقف فاسدا باطلا فيجب على عبدي ان يصلح عقيدته كي يكون عمله صالحا. قال المصنف قال تعالى ومن يعمل من الصالحات من ذكر او وانثى فهو مؤمن. قال فقيد ذلك بقوله وهو مؤمن. وقال تعالى في غير المؤمن وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. وقال تعالى اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الا النار. وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون الى غير ذلك من الايات. فلا يغر العبد بتكثير الاعمال. وما يكون فيها من الاحسان ان لم تكن عقيدة العبد صحيحة بان يكون موحدا لله دائما بدين الاسلام. فما يظهر قول من اعمال الاغاثة والبر والاحسان التي تكون من الكافرين اذا قدموا لله عز وجل كان الجزاء وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. والهباء هو الذر الذي يرى اذا نفذ الضياء في الزجاج هو الذر الذي يرى اذا نفذ اذا نفذ الضياء في الزجاج فتكون اعمالهم بهذه المتاعب ولهذا ينبغي على العبد ان يجتهد في تصحيح عقيدته بان يكون مسلما موحدا لله سبحانه معتقدا في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر ما جاء في القرآن ولا وما جاء في القرآن والسنة فان العقائد التي يعتقدها الناس قديما وكثيرا كثيرة ولكن العقيدة الصحيحة فمنها هي العقيدة التي تكون موافقة في القرآن موافقة للقرآن والسنة الصحيحة. وما عدا ذلك فانها عقيدة باطلة. فانت ترى اليوم من الناس من يدعو غير الله عز وجل كالاموات من الاولياء والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم وهم عن دعائهم غافلون. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. فتكون هذه العقيدة حينئذ عقيدة صحيحة ام عقيدة باطلة تكون عقيدة باطلة ولذلك فان غاية ما يفعله هؤلاء المزينون للناس الباطل انهم يجعلون دون هذه الاعمال جباية للاموال واحرازا للمناصب والمقامات العالية عند الخلق حتى قال العارف بهم شاعر النيل حافظ ابراهيم في ابيات له من لي بحظ النائمين بحفرة قامت على ارجائها الصلوات احياء لا يرزقون بدرهم وبالف الف يرزق الاموات. فينبغي ان يحرص العبد على ان تكون عقيدته صحيحة. فاذا اجتمعت هذه الامور من صحة العقيدة والاخلاص لله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم كان العمل صالحا. واذا واحد منها فان العمل لا يكون صالحا. فليس الشأن ان تكثر الاعمال. ولكن الشأن ان يكون صالحا رزقنا الله صلاح العمل. نعم قال رحمه الله المسألة الرابعة التي هي تحكيم غير الشرع غير الشرع الكريم. فقد بين القرآن انها بواح وشرك بالله تعالى. ولما اوحى الشيطان الى كفار مكة ان يسألوا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الشاة يصبح ميتة من قتلها. فقال فقال قتلها الله. فقال الله قتلها. فاوحى اليهما ان قولوا له ما ذبحتموه بايديكم حلال وما ذبحه الله بيده الكريمة حرام فانتم اذا احسنوا من الله انزل الله وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق. وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون. وعدم دخول الفاء على جملة ان لمشركون قرينة ظاهرة على تقديم على تقدير لام توطئة القسم. فهو قسم من الله اقسم به جل وعلا في هذه الاية الكريمة الا ان من اطاع الشيطان في تشريعه تحليل الميتة انه مشرك وهو شرك اكبر مخرج عن الملة الاسلامية باجماع المسلمين وسيوبخ الله يوم القيامة مرتكبه بقوله تعالى على ما عهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين اعبدوني هذا صراط مستقيم. وقال تعالى عن خليله يا ابتي لا تعبدي الشيطان. اي باتباعه في تشريع الكفر والمعاصي. وقال تعالى ان يدعون من دونه الا اناثا الا شيطانا مريدا. اي ما يعبدون الا شيطانا وذلك باتباعهم تشريعا. وقال تعالى وكذلك ان لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم. الاية فسماهم شركاء لطاعتهم لهم في معصية الله بقتل الاولاد. ولما سأل ولما سأل علي بن حاتم النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى اتخذوه احبارهم ورهبانهم اربابا اجابهن النبي صلى الله عليه وسلم بانه بان معنى اتخاذهم اربابا. هو اتباعهم لهم في تحريم ما احل الله. وتحليل ما حرمه وهذا امر لا نزاع فيه. قال تعالى لم درى الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا وان يكفروا به. ويريد الشيطان ان ظلهم ضالا بعيدا. وقوله تعالى ومن لم يحكموا بما انزل الله فؤلائك هم الكافرون. وقوله تعالى افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا. والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين. وقوله تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم. وقوله صدقا اي الاخبار وعدلا اي في الاحكام. وقوله تعالى قوم يوقنون. ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة الرابعة من المسائل العشر التي هي تحكيم غير الشرع الكريم. مما بلي به المسلمون في الازمنة المتأخرة. فذكر رحمه الله ان القرآن بين انها كفر بواح اي ظاهر وشرك بالله سبحانه وتعالى. وذكر من الايات ما يقرر هذا فذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما وقع ما وقع من ايحاء الشيطان الى كفار مكة تحليل ذبائحهم وزعمهم في الميتة ان الله قتلها فكانوا يتناولونها فاوحى اليهم ان يقولوا انما ذبحتموه بايديكم حلال وما ذبحه الله بيده الكريمة حرام فانتم بزعمه احسن من تعالى عما يقول الشيطان واولياؤه فانزل الله سبحانه وتعالى قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم اسم الله عليه وانه لفسق. وان الشيطان وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون. ثم بين المصنف رحمه الله ان الطاعة التي يكون بها هؤلاء من المشركين هي طاعة الشيطان في تشريعه تحليل الميتة. اي اعتقاد تحليل ما حرمه الله سبحانه وتعالى وهو شرك اصغر. ثم وهو شرك اكبر. مخرج من الملة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى اية في هذا المعنى كقوله تعالى يا ابتي لا تعبدي الشيطان اي باتباعه في تشريع الكفر والمعاصي باعتقاد كونها شرعا ان يتقربوا به الى الله سبحانه وتعالى او باتباع شرعه وجعله كشريعة الله سبحانه وتعالى. واورد فيها كذلك قول الله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم. قال فسماهم شركاء بطاعتهم لهم في معصية الله بقتل الاولاد. وذكر ان عديا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله فقال عدي انا لم نكن نعبدهم. فبين له النبي صلى الله عليه ان عبادتهم هي في اتباعهم في تحريم ما احل الله وتحليل ما حرم الله اي اعتقاد صحة ذلك بان يعتقدوا ان ما حرمه هؤلاء الاحبار مما احل له الله صدق صواب صحيح ويعتقدون في مقابل ذلك ان ما حرمه هؤلاء مما احله الله انه حرام فيوافقونهم على صحته فيكونون بذلك كفارا وذكر المصنف رحمه الله من الاي في تعظيم تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى ما يبين وان الله لم يرضى منا الا ما ذكره في قوله ان الحكم الا لله. فالحكم المرضي ان يكون في هو الحكم بحكم الله سبحانه وتعالى. ولهذا ختم المصنف رحمه الله الايات التي ذكرها في هذا البابي بقول الله تعالى افحكم الجاهلية يبغون؟ ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. ففي الاية ابطال كل حكم سوى حكم الله. وانه من حكم الجاهلية. وانه لا حكم احسن للموقنين من حكم رب العالمين. وفي الاية الاعلان بان الطريق الى تحكيم شرع الله هو الايقان به فاذا وجد الايقان في قلوب الناس بصدق حكم الله ونفعه لهم بادروا الى الحكم به. واما غير ذلك فانه لا يقع معه اذعان الخلق لتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى. فانت ترى اليوم من الناس من يدعو والى تحكيم شرع الله لكنه لا يجزم بذلك يقينا وانما يتخذه سلما للوصول الى السلطنة فاذا وصل اليها خلع هذه العباءة ولبس غيرها فهذا لم يعن ولم يوفق للحكم بما انزل الله لان انه لم يكن له حظ عظيم من الايقان. قال تعالى ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. فاذا الموقنون وجد حكم الله. واذا ذهب الموقنون شق الحكم بذلك على الناس نعم قال رحمه الله المسألة الخامسة التي هي احوال الاجتماع فقد شفى فيها القرآن الغليل وانار فيها السبيل فانظر الى ما يأمر الرئيس الكبير ان يفعله مع مجتمعه. قال تعالى واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وقال تعالى فبما من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فاعف عنهم فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر وانظر الى ما يأمر المجتمع العام ان يفعله مع رؤسائه قال تعالى افعله مع مجتمعه الخاص كاولاده وزوجته. قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا اروا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد. عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمنون. وانظر كيف ينبهوا على الحذر والحزم من مجتمعه الخاص. ويأمره ان عثر على ما لا ينبغي ان يعفو وهو يصفح فيأمره اولا بالحزم والحذر. وثانيا بالعفو والصفح. قال تعالى يا ايها الذين امنوا ان من ازواجكم واولادكم عدوا لكم فاحذروهم. وان تعفو وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور وانظر الى ما يأمر افراد المجتمع العام ان يتعاملوا به فيما بينهم. قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان آآ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. وقال تعالى يا ايها الذين نجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا وقال تعالى يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بنا القاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان. ومن لم يتب اولئك هم الظالمون وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان وقال تعالى انما المؤمنون اخوة وقال تعالى وامرهم شورى بينهم الى غير ذلك. ولما كان المجتمع لا يسلم فرد من افراده كائنا من كان من مناوء يناوئه ومعاد يعاديه من مجتمعه الانسي والجني ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل وكان كل فرد محتاجا الى الى علاج هذا الداء الذي عمت به البلوى. اوضح تعالى علاجه في ثلاثة مواضع من كتابه بين فيها ان علاج بمناواة الانسي هو الاعراض عن اساءته. ومقابلتها بالاحسان وان شيطان الجن لا علاج لدائه الا الاستعاذة من شره. الموضع الاول قوله تعالى في اخريات الاعراف في الانس. خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين بنظيره في شياطين الجن قوله تعالى واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم الموضع الثاني في سورة المؤمنون قال تعالى في الاية ادفع بالتي هي احسن السيئة نحن اعلم بما يصفون وفي نظيره قال تعالى الموضع الثالث في فصلت وقد زاد فيه تعالى التصريح بان ذلك العلاج السماوي يقطع الداء ويقطع الداء الشيطاني وزاد في ايضا ان ذلك العلاج السماوي لا يعطى لكل الناس بل لا يعطاه الا صاحب النصيب الاوفر والحظ الاكبر. قال تعاقب قال فيه قال فيه في الاية ولا تستوي الحسنة ولا السيئة تدفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حمد ميم وما ينقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقال في نظيره الاخر اه زغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم. وبين في مواضع اخرى ان ذلك الرفق واللين بخصوص المسلمين دون الكافرين. قال تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. اذلة على المؤمنين عزة على الكافرين وقال تعالى محمد رسول الله والذين معه على الكفار رحماء بينهم قال يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم فالشدة في محل اللين حمق. وحمق وخرق واللين في محل الشدة ضعف وخور. اذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل. ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة الخامسة من المسألة الخامسة من المسائل العشر وذكرها بقوله التي هي احوال الاجتماع اي ما يسمى بالعلاقات الاجتماعية مبينا ان القرآن انتظم فيه من قواعد الوئام ما تصلح به احوال الخلق الاجتماعية العامة والخاصة فانها تارة تكون متعلقة بعلاقة عامة كعلاقة الراعي مع الرعية وتارة تكون متعلقة بعلاقة خاصة. كعلاقة الرجل مع زوجه وولده او علاقته مع اقرانه واخدانه واصحابه. فبين رحمه الله ان مما ينظم ضبطا العلاقة المجتمعية اية العامة بين الرعية والراعي ان يمتثل الراعي ما امر الله سبحانه وتعالى به في قوله واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وقوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فالراعي الذي هو الحاكم مأمور ان يمتثل في المحكومين الرحمة والشفقة والعطف والرعاية. واما الرعية فهم مأمورون لقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. بان يطيعوه في غير معصية الله سبحانه وتعالى. فامر المسلمين رعاة ورعية لا ينتظم الا باقامة هذين الاصلين في الراعي والرعية. فاذا قام بهم هذان الاصلان من شفقة الراعي ورحمته ورحمته وطاعة الرعية وعدم منازعتهم استقام للمسلمين الامر في امور دينهم ودنياهم. واذا اختل شيء من ذلك حصل الفساد. وفي طبقات ابن سعد ان حذيفة بن اليماني ان حذيفة بن اليماني هو ابا عد للانصاري الانصارية رضي الله عنهما كانا في مسجد الكوفة فدخل عليهم رجل من اهل الكوفة فقال انتم هنا وقد نزع الناس اميرهم يعني خلعوه وطردوه من الكوفة. فسكت فلما طال سكوتهما قال الرجل والله انا لعلى السنة يعني ايش السنة عنده خلع الحاكم وطرده فقال حذيفة والله لا تكونون على السنة حتى يشفق الراعي وتنصح الرعية. هذه السنة وهي التي ذكر المصنف ان الراعي ينبغي ان يمتثل الشفقة والرحمة والعطف وبالرعية وان الرعية ينبغي ان يطيعوه ويسمعوا له في غير معصية الله سبحانه وتعالى ثم ذكر رحمه الله من الاي ما يبين قواعد الوئام في العلاقات الخاصة التي تكون مع الرجل ومن يقرب منه وولده او اصدقائه واقرانه واصحابه. كقوله تعالى يا ايها الذين امنوا قو انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. قال علي في تفسير هذه الاية علموهم رواه ابن جرين في تفسيره باسناد صحيح. ثم ذكر اية اخرى فيما ينظم قواعد الوئام في العلاقات الاجتماعية بين العبد وبين من يقرب منه من صديق وخل ورفيق وصاحب وذلك بامتثال العفو والصفح كما قال تعالى وان تعفو وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم. وذكر ايضا قول الله تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان الاية وقوله تعالى يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن الاية وقوله تعالى لا يسخر قوم من قوم الاية وقوله تعالى انما المؤمنون اخوة وقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم الى غير ذلك من الايات المبينة قواعد الوئام التي ينتظم بها امر المسلمين في صلة بعضهم ببعض. ثم ذكر ان هذه القواعد المذكورة متعلقة بحال الوئام التي لا خصام فيها وقد يقع بين المسلمين خصام ونزاع. لما طبع عليه الناس من الشقاق والنزاع والمنافسة والمشاحنة فتجري بينهم العداوة مع نهي الشريعة عن ذلك لكنه قدر مقدور قدره الله سبحانه وتعالى. قال ابن مسعود رضي الله عنه من ظن انه يسلم من الناس فهو مجنون. رواه الدارمي صحيح فالانسان لا يخلو من احد ينازعه وان لم ينازعه هو ويعاديه وان لم يعاديه هو وان لم يحسده هو فهذا قدر الله المقدور على خلقه اجمعين. والامر كما قال ابن الوردي في البيت الذي ذكره المصنف ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة على رأس الجبل اي ان المرء لو قدر انه تفرد في رأس جبل لنا نزعه الناس عليه فانهم مع كونهم في حال سعة ورفاهية في السهل فانهم سينازعونه في كونه اتخذ رأس الجبل الذي هو اعلى ارتفاعا منهم فانهم لا يتركونه في شيء وان تركه وان تركهم هو فهذه من فهذه من جبلة الله التي خلق الخلق عليها فذكر المصنف رحمه الله ما به الخلاص من خصام المخاصمين وعداوة المعادين وعدو المرء كيفما كان لا يخرج عن عدوين احدهما عدو باطن وهو الشيطان والاخر عدو ظاهر وهو العدو باطن وهو شيطان الجن. والاخر عدو ظاهر وهو شيطان الانس فالعبد لا يخلو من معاداة من عدو ظاهر وباطل فتارة يعاديه العدو الباطن الذي هو الشيطان الرجيم وتارة يعاديه العدو الظاهر الذي هو من شياطين الانس وان كان مسلما ممن يجبر على المنازعة والمخاصمة والمنافسة فهذا مما جعله الله عز وجل قدرا مقدورا على بعض الناس. وذكر ان سبيل الخلاص من هذا وهذا في امرين احدهما الاستعاذة من الشيطان الرجيم. فبهذا يردع عدو الباطن والاخر الاحسان الى من اساء اليك وبهذا يردع عدو الظاهر. وذكر المصنف رحمه الله انه وقع نظم هذا الدواء في الخلاص من هذين العدوين في مواضع ثلاثة من القرآن الكريم. في سورة الاعراف والمؤمنون وفصلت وسبقه الى بيان هذا بيانا اتم من بيانه ابن الجزري رحمه الله في كتاب النشر في القراءات العشر. وهي من الفوائد التي توجد في غير مظانها فان كتاب النشر يتعلق بالقراءات لكنه لما تكلم في اوله عن الاستعاذة تكلم كلاما نافعا جدا فيما يردع شيطان الجن وشيطان الانس وذكر هذا الدواء مقرونا بهذه المواضع الثلاثة من القرآن المبينة عدو الجن يدفع بالاستعاذة وعدو الانس يدفع بالاحسان اليه. فالله سبحانه وتعالى قال في الموضع الاول في سورة الاعراف خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. وهذا في دفع عدو الظاهر من شياطين الانس وقال في دفع عدو الباطن من شياطين الجن واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم. وقال في موضع الثاني في سورة المؤمنون في دفع العدو الانسي ادفع بالتي هي احسن. وقال في نظيره في اه قال ادفع بالتي هي احسن السيئة. وقال في نظيره الاخر وقل ربي اعوذ بك من همزات الشياطين. وقال في الموضع الثالث في دفع شيطان الانس قال ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. وقال في شيطاني الجن واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه هو السميع العليم. فينبغي ان يتسلح العبد بدفع هؤلاء الاعداء بهذين السلاحين. فيدفع عدو الجن بالاستعاذة ويدفع عدو الانس بالاحسان اليه وقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله انه لا خير للعاقل في اظهار عداوته لاحد من الخلق فان مقابلة العداوة بالعداوة كصب الوقود على النار مما يشعلها ويزيدها. ولكن العبد يعامل الخلق بالصفح والعفو ويخاف الله سبحانه وتعالى فيهم فهو لا يراقب الخلق. وهذه هي حال الكن الذين يرجون ما عند الله ويخافونه ولا يرجون ما عند الخلق ولا يخافونه فيجعل الله لهم من الحال وكماله ما ليس لغيرهم من البشر. فاعظم الناس مقاما في الناس هم الذين يعاملون من عاداهم بالعفو والصفح والمسامحة والاحسان اليهم. وهذا كان هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وبه رجع اعداؤه الغلاظ الجفاة الاشداء من كفار قريش اصدقاء واصحابا اوفياء يدينون الدين الذي دعاهم اليه صلى الله عليه وسلم. ومن ذكر ان عفوه عند الله يزيده عزا رغب في ذلك وفي صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وما ازداد عبد بعفو الا عزا فمن عفا عن الظالمين اعزه رب العالمين. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يعزنا جميعا بطاعته. وان لا يذلنا بمعصيته نعم قال رحمه الله المسألة السادسة التي هي مسألة الاقتصاد. فقد اوضح القرآن اصولها التي يرجع اليها جميع الفروع. وذلك ان مسائل الاقتصاد راجعة الى اصلين الاول حسن النظر في اكتساب المال. الثاني حسن النظر في صرفه في مصارفه. فانظر كيف فتح الله في كتابه طرق الى اكتساب المال بالاسباب المناسبة للمروءة والدين. وان ارى السبيل في ذلك قال تعالى فاذا قضيت الصلاة في الارض وابتغوا من فضل الله. وقال تعالى واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله ليس عليكم جناحنا تبتغوا فضلا من ربكم. وقال تعالى الا ان تكون تجارة عن تراض منكم قال تعالى واحل الله البيع. وقال تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا الى غير ذلك. فانظر كيف يأمر بالاقتصاد في الصرف. ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطا كل البسط وقال تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا لم يقتروا وكان بين ذلك قواما وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفق ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو الاية وانظر كيف ينهى عن الصرف فيما لا يحل الصرف فيه. فسينفقون ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة السادسة من المسائل العشر. وهي مسألة الاقتصاد وذكر ان القرآن وضح اصولها الجامعة لفروعها مبينا ان مسائل الاقتصاد ترجع الى اصلين احدهما حسن النظر في اكتساب المال. والاخر حسن النظر في صرفه في مصارفه. فان الله جعل للمال بابين احدهما باب يدخل منه فتتعلق به طرق اكتسابه والاخر باب اخرجوا منه فتتعلق به وجوه صرفه. وقد بين الله سبحانه وتعالى لنا بيانا شافيا طرق اكتساب وبين لنا بيانا شافيا موارد الصرف. فذكر المصنف رحمه الله ان الله فتح في كتابه الطرق والى اكتساب المال بالاسباب المناسبة للمروءة والدين وانار السبيل في ذلك. قال تعالى فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله. اي اسعوا مكتسبين الرزق. وقال تعالى واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله الى غير ذلك من الايات الامرة للخلق ان يسعوا في اكتساب ما ينفعهم من المال بالطرق المشروعة التي احلها الله سبحانه وتعالى لهم. ثم بين ان الله سبحانه وتعالى ذكر لنا موارد صرف المال الممدوحة المحبوبة. فقال وانظر كيف يأمر بالاقتصاد في الصرف في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك اي بقبضها بالا تنفق ولا تبسطها كل البسط ان تمدها حتى تنفق المال الذي معك. الى غير ذلك من الايات في هذا المعنى. لان العبد سيسأل عن صرفه المال كما يسأل عن جمعه. ففي حديث ابي برزة الاسلمي عند الترمذي باسناد صحيح ان العبد يسأل عن اشياء فذكر منها انه يسأل عن ما له من اين جمعه وفيما ما انفقه فليس الخوف فقط الخوف من كيفية جمع المال. بل اعظم من هذا الخوف من انفاق المال في غير لما يحبه الله ويرضاه. وان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اقواما يتخوضون في مال الله بغير حق فويل لهم وهذا وعيد شديد بان العبد اذا فتح له شيء من المال ثم صار لا يبالي في وجوه صرفه فانه يتخوض في مال الله بغير حق. وهذا كثر باخرة في اقبال الناس على التوسع في اشياء من امور حياته لا يحتاجون ما تبلغه تلك النفقة من الاموال فيها. فصرنا نسمع من يشتري شيئا من اللباس او شيئا من الحذاء بل ما هو اسوأ من ذلك كأرقام الهواتف او ارقام السيارات باموال مبالغ فيها فهؤلاء ويل لهم ثم ويل لهم ثم ويل لهم من السؤال من الله سبحانه وتعالى في وجوه صرف هذه التي جعلوا انفسهم متباهين بها ولا خير لهم فيها. وما مد احد يده في الانفاق بالمال بغير ما احل الله سبحانه وتعالى واباح وامر الا عوقب بالفقر والعسر في العاجل قبل الاجل. فكم من غني افتقر لانه كفر بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه. فيجب ان يعرف العبد قدر النعمة الواصلة اليه وان القليل عند الله كثير اذا بارك الله سبحانه وتعالى فيه فيقع للعبد من الانتفاع بقليل المال اذا صدق مع الله سبحانه وتعالى ما تكون له به بركة تغنيه عن كل شيء. فليست ممدحة المرء ان يملك اموالا كثيرة ولكن الممدحة ان يبارك الله سبحانه وتعالى له في ما له. فكم من انسان تراه كثير المال لكن لا بركة له في ماله ولذلك ينبغي ان يكثر العبد من سؤال الله سبحانه وتعالى ان يبارك له في ماله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا اتي بباكورة التمر يعني اول ما يثمر من ثمر المدينة ويطيب كان صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة فكم نصيب اموالا لم تكن بايدينا ونغفل عن دعاء الله سبحانه وتعالى البركة. فنسأل الله سبحانه وتعالى ان لنا جميعا في اموالنا. نعم قال رحمه الله المسألة السابعة التي هي السياسة فقد بين القرآن وصول هوى نار معالمها واوضح طرقها وذلك ان السياسة التي هي مصدر ساسي سوس ساسة اساس يسوس الى دبر الامر اذا دبر الامور وادار الشؤون تنقسم الى قسمين خارجية وداخلية اما الخارجية ومدارها على اصلين احدهما اعداد القوة الكافية لقمع العدو والقضاء عليه وقد قال تعالى في هذا الاصل واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. الثانية الوحدة الصحيحة الشاملة حول تلك القوة وقد قال الله تعالى في وقد قال وقد قال تعالى في ذلك واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وقال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. وقد اوضح القرآن ما يتبع ذلك من الصلح والهدنة ونبذ العهود اذا اقتضى الامر ذلك. قال فاتموا اليهم عهدهم الى مدتهم. وقال تعالى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم. وقال تعالى فاما تخافن من قوم من خيانة فانبذ اليهم على سواء. الاية وقال تعالى واذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبر ان الله بريء من المشركين ورسوله. وامر بالحذر والتحرز من مكائدهم وانتهازهم الفرص. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم الاية وقال تعالى وليأخذوا حذرهم واسلحتهم ود الذين كفروا ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم الاية ونحو ذلك من الايات. واما السياسة الداخلية فمسائلها راجعة الى نشر الامن طمأنينة والطمأنينة داخل المجتمع وكف المظالم ورد الحقوق الى اهلها والجواهر العظام التي عليها مدار السياسة الداخلية ستة الاول الدين وقد جاء الشرع بالمحافظة عليه ولذا قال صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه. وفي ذلك ردع بالغ في تبديل الدين واضاعته. الثاني الانفس وقد شرع الله في القرآن القصاص محافظة عليها قال تعالى ولكم في القصاص حياة الاية. وقال تعالى كتب عليكم القصاص في القتلى الاية وقال تعالى قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا. الثالث العقول وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها. قال تعالى امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. وفي الحديث كل مسكر حرام ما اسكر كثيره فقليله حرام. ولاجل المحافظة على العقول وجب الحد على شارب الخمر. الرابع الانساب وللمحافظة عليها شرع الله حد الزنا قال تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة الاية الخامسة الاعراض وجعل ولاجل المحافظة عليها شرع الله جلد القاضي في ثمانين. قال تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء اجردوهم ثمانين جلدة الاية. السادس الاموال ولاجل المحافظة عليها شرع الله قطع يد السارق. قال تعالى والسارق والسارق فقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله. والله عزيز حكيم. الاية فتبين ان انه من الواضح ان اتباع القرآن كفيل للمجتمع بجميع مصالحه الداخلية والخارجية. ذكر المصنف رحمه الله ضعه في هذه الجملة المسألة السابعة من المسائل العشر التي هي السياسة مريدا بها السياسة الشرعية وهي السياسة المستفادة من الشرع. فان انواع السياسات في الناس ثلاث فان انواع السياسات في الناس ثلاثة احدها السياسة الشركية. وهي المشتملة على الشرك كالدعوة الى عبادة الاموات او الحكم بغير الشرع او غير ذلك وثانيها السياسة البدعية. وهي المشتملة على البدع. كاقامة الاعياد البدعية امتثال بها او غير ذلك من انواع البدع. وثالثها السياسة الشرعية وهي الموافقة للشرع وهذه السياسة هي السياسة التي بينت في القرآن والسنة وبها تكلم العارفون بالكتاب والسنة الم يزل علماء الاسلام طبقة بعد طبقة يصنفها كتبا سميت بهذا من اقدمها كتاب السياسة لابي بكر ابن خزيمة رحمه الله صاحب الصحيح. ثم صنف اقوام بعده كتبا في هذا من اشهرها كتاب الاحكام ام السلطانية للماوردي وكتاب الاحكام السلطانية لابي يعلى الفراء وكتاب السياسة الشرعية لابن تيمية وكتاب الطرق الحكمية لابن القيم. فاعلم الناس بسياسة الشرع هم العلماء العالمون بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه السياسة تتميز عن غيرها من السياسات انه لا وجه لها الا واحد فهي سياسة بينة واضحة كما جاءت في القرآن والسنة. وقد ذكر المصنف رحمه الله ان القرآن بين اصول لها وجعلها مقسومة قسمين. احدهما السياسة الخارجية. والاخر السياسة الداخلية. والمراد بالسياسة في الخارجية ما يعامل به الكفار الخارجون عن جماعة المسلمين. والمراد بالسياسة الداخلية ايعامل به المسلمون في جماعتهم. فذكر رحمه الله ان مدار السياسة الخارجية على اصلين. احدهما اعداد القوة الكافية لقمع العدو والقضاء عليه. وقد قال الله تعالى في هذا الاصل واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الاية فالله سبحانه وتعالى امرنا باعداد العدة من القوة لارهاب هؤلاء الكافرين التحصن منهم وهذا الاعداد يتناول افراد المسلمين في احادهم وولاة امورهم في فاعداد القوة نوعان احدهما اعداد خاص وهذا في حق كل احد بنفسه. والاخر اعداد عام. وهذا ما زاد عن اعداد الواحد. فهذا مفوض الى ولي الامر فان الامر في هذا اليه ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الامام جنة يتقى به ويقاتل من ورائه. اي ان ولي الامر يرجع اليه في تدبير ما يتعلق باعداد القوة العامة لجماعة المسلمين. والاصل الثاني الوحدة الصحيحة حول تلك القوة التي سمتها الشريعة الاجتماع. فان الله امرنا بالاجتماع حول تلك القوة. قال تعالى اقسموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا في اي اخر. ثم ذكر المصنف رحمه الله ان ففي ايات القرآن ذكر افراد تتبع هذا الاصل كالايات المتعلقة بالصلح والهدنة ونبذ العهود وغير ذلك وذكر ما ذكر من الايات. ثم اكد على ما يتبع هذين الاصلين من الحذر والحرز والتحرز من مكائدهم وانتهازهم الفرص كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم الاية وغيرها من الايات في هذا المعنى. والمؤمنون مأمورون بالحذر من الكافرين لانهم اعداؤهم. فالكفر منعقد على عداوة المسلمين فالعداوة التي بيننا وبينهم هي عداوة دينية مستحكمة بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم فكل كافر يعد نفسه عدوا للمسلمين. لا عداوة ناشئة من ارض او مال فقط بل هو بل هي عداوة ناشئة مما يعتقده في دين هؤلاء المسلمين انهم على دين باطل وانهم لم يتبعوا ما يعظمه من الانبياء او غيرهم. ثم ذكر رحمه الله جماع السياسة الداخلية في قوله فمسائلها راجعة الى نشر الامن والطمأنينة داخل المجتمع وكف المظالم ورد الحقوق الى اهلها. وهذه الجمل ترجع الى ان السياسة الداخلية يراعى فيها حفظ ثلاثة اصول احدها امن الناس على دمائهم وتانيها امن الناس على اموالهم. وثالثها امن الناس على اعراضهم. فالامن في هذه الاصول الثلاثة كرره النبي صلى الله عليه وسلم في غير مقام. حتى ابداه واعاده في خطبة حجة الوداع فانه او امر المؤمنين بتوقير هذه الحرمات بينهم فجعل دم المسلم وماله وعظه حراما على اخيه المسلم ثم ذكر رحمه الله الجواهر العظام التي عليها مدار السياسة الداخلية مما يرجع الى الاصول الثلاثة المتقدمة فيها وهي ست جواهر الاول الدين. فقد جاء الشرع بالمحافظة عليه. فقال صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه. وقال صلى الله عليه سلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث وذكر منها لدينه التارك للجماعة. والثاني الانفس وقد شرع الله القصاص محافظة عليها. فقالوا لكم في القصاص يا اولي الالباب الى غير ذلك من الايات. والثالث العقول وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها. في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما قمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه. وفي الحديث كل مسكر حرام. والرابع وللمحافظة عليها شرع الله حد الزنا وغيره. قال تعالى الزانية والزاني فجدوا كل واحد منهما مئة جلدة الاية والخامس الاعراض ولاجل المحافظة عليها صححوها مكتوبة عندكم الخامسة. الخامس الاعراض ولاجل المحافظة عليها شرع الله جلد القاذف ثمانين جلدة فقال والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة. والسادس الاموال ولاجل المحافظة عليها شرع الله قطع يد السارق فقال والسارق قوى السرقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا. الاية فهؤلاء الجواهر الست العظام هي اصول ما يحفظ في السياسة الداخلية بين المسلمين. نعم قال رحمه الله المسألة الثامنة التي هي تسليط الكفار على المسلمين. فقد استشكلها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود بين اظهورهم وافتى الله جل وعلا فيها بنفسه في كتابه فتوى سماوية ازال بهذا وذلك انه لما وقع بالمسلمين ما وقع يوم احد استشكلوا ذلك فقالوا كيف يدال منا المشرك وكيف يدال منا يكون ويسلطون علينا ونحن على الحق وهم على الباطل فافتاهم الله في ذلك بقوله تعالى مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم ان هذا قل هو من عند انفسكم وقوله تعالى قل هو من عند انفسكم او اوضحه على التحقيق بقوله تعالى. ولقد صدقكم الله وعده واذ تحسوا لهم باذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم قم عنهم ليبتليكم. فبين في هذه الفتوى السماوية ان سبب تسليط الكفار عليهم جاءهم من قبل انفسهم. وانه هو فشلهم وتنازعهم في الامر وعصيان بعضهم الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبتهم في الدنيا. وذلك ان الرماة الذين كانوا بسفح الجبل بل يمنعون الكفار ان يئتوا المسلمين من جهة ظهورهم طمعوا في الغنيمة عند هزيمة المشركين في اول الامر. فتركوا امر الرسول صلى الله عليه وسلم لاجل رغبتهم في عرض من الدنيا ينالوه ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة المسألة الثامنة من المسائل العشر. وهي تفريط الكفار على فانت ترى اليوم الكفار مسلطين على اهل الاسلام بما لهم من الغلبة والظهور وقد استشكل هذا اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما مسهم الضر بما نزل عليهم يوم احد من لمن قتل منهم رضي الله عنهم. فافتاهم الله في ذلك بقوله او لما اصابتكم مصيبة قد اصبتم مثليها قلتم ان هذا قل هو من عند انفسكم. فمنشأ ذلك منكم انتم ايها المسلمون. ثم ذكر تصنف ان هذا الاجمال الواقع في قوله تعالى قل هو من عند انفسكم بينه الله سبحانه وتعالى في قوله حتى اذا شلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاية فبين الله سبحانه وتعالى فيها ان سبب تسليط الكفار عليهم ما وقع بينهم من الفشل والتنازع والاختلاف والرغبة في الدنيا. فلما صارت قلوبهم مشتملة على ذلك سلط الله سبحانه وتعالى عليهم الكفار تأديبا لهم لينزع ذلك من قلوبهم. فالحال التي نحن فيها من تسلط الاعداء علينا منشأها ما في نفوسنا من النزاع والاختلاف والفشل رغبة في الدنيا فيؤدبنا الله سبحانه وتعالى بتسليطهم علينا. فان تأدبنا بدرء ما بيننا من والاختلاف واصلحنا حالنا ورغبنا بما عند الله سبحانه وتعالى وما اعده للمؤمنين في الدار الاخرة ان عنا هذا التسلط. فان لم نفعل فانه لا يرفع عنا. نعم قال رحمه الله عن المسألة التاسعة التي هي مسألة ضعف المسلمين وقلة عددهم وعددهم بالنسبة الى الكفار فقد اوضح الله جل وعلا علاجه في كتابه علاجها في كتابه. فبين انه ان علم في من قلوب عباده الاخلاص كما ينبغي كان من نتائج ذلك لاخلاص ان يقهروا ويغلبوا من هو اقوى منهم. ولذا لما علم جل وعلا من اهل بيعة الرضوان اخلاص كما ينبغي ونوه باخلاصهم في قوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في وبهم بين ان من نتائج ذلك الاخلاص انه تعالى يجعلهم قادرين على ما لم يقدروا عليه. قال تعالى اه قد احاط الله بها فصرح بانهم غير غير قادرين عليها وانه احاط بها فاقدرهم عليها وجعلها غنيمة لهم لما علم من اخلاصهم ولذلك لما ضرب الكفار على المسلمين في غزوة الاحزاب ذلك الحصار ذلك الحصار العسكري العظيم المذكور كورة في قوله تعالى وتظنون بالله الظنون هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. كان علاج هذا الضعف والحصار العسكري الاخلاص لله وقوة الايمان به. قال تعالى ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. فكان من نتائج ذلك الاخلاص ما ذكره الله بقوله تعالى رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا. وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا. وانزل الذين ظاهروهم من اهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا. واورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا. وهذا الذي نصرهم الله به ما كانوا يظنونه وهو الملائكة والريح قال تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتهم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنود لم تروها الاية ولاجل هذا كان من الادلة على صحة دين الاسلام ان الطائفة القليلة الضعيفة المتمسكة به تغلب كثيرة قوية الكافرة. قال تعالى لذلك سمى ولذلك سمى تعالى يوم بدر اية وبينة وفرقانا لدلالته على صحة دين الاسلام. قال تعالى قد لكم فيه فقد كان لكم اية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة الاية وذلك يوم بدر وقال تعالى ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرق ان الاية وذلك يوم بدر وقال تعالى لاهلك من عن بينة الاية وذلك يوم بدر على ما حققه بعضهم. ولا شك ان غلبة الفئة قليلة الظعيفة المؤمنة للكثيرة القوية في الكافرة دليل على انها على الحق. وان الله هو الذي نصرها كما قال في وقعة بدر وانتم اذلاء وقال تعالى اذ يوحي اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين امنوا الاية قال تعالى ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز. ثم ميزهم عن غيرهم بصفاتهم في قوله تعالى الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور والمؤمن الذين وعدهم الله بالنصر بينت على صفاتهم. احذفوا الواو بين تعالى صفاتهم نعم وهذا العلاج احسن الله اليك وهذا وهذا العلاج الذي اشرنا انه علاج للحصار العسكري اشار تعالى في سورة المنافقين الى انه ايضا علاج اقتصادي وذلك في قوله تعالى هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا. وهذا الذي اراد المنافقون ان يفعلوا بالمسلمين وهو عين الحصار الاقتصادي. وقد اشار تعالى الى ان علاجه قوة الايمان به وصدق التوجه اليه جل وعلا بقوله تعالى خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يفقهون لان من بيده خزائن السماوات والارض لا يضيع اليه مطيعا له. قال تعالى فاذا بلغن اجله فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم واقيموا الشهادة واقيموا الشهادة الا ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن توكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا وبين ذلك ايضا بقوله الا وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء ذكر المصنف رحمه الله المسألة الثامنة المسألة التاسعة من المسائل العشر المذكورة في هذا الكتاب وهي مسألة ضعف المسلمين وقلة عددهم فذكر ان الله سبحانه وتعالى اوضح علاجها في القرآن الكريم. فبين ان علاج ذلك علمه سبحانه وتعالى الصدق منهم. فاذا علم الله سبحانه وتعالى الصدق من عباده انه سبحانه وتعالى ينصرهم على عدوهم. وذكر ما اتفق للمؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الاحزاب فان الله سبحانه وتعالى اظهرهم على عدوهم لما علم ما في قلوبهم من الصدق ورفعهم مكانا عليا وكذلك كما يكون هذا دواء للحصار العسكري انه دواء للحصار اقتصادية فان الله سبحانه وتعالى اذا علم من المؤمنين اخلاصهم وصدقهم واقبالهم على الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى من فضله. فما في المسلمين من ضعف في عددهم وعتادهم واموالهم دفعه بالاخلاص لله سبحانه وتعالى وكمال الاقبال عليه وابتغاء وابتغاء الاغناء منه جل وعلا فانه اذا وجد هذا في قلوبهم مكن الله سبحانه وتعالى واظهارهم على عدوه وعدوهم. نعم قال رحمه الله المسألة العاشرة التي هي مشكلة اختلاف القلوب فقد بين تعالى في سورة الحشر ان سببها العقل بقوله تعالى لا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة او من وراء جدر بأسهم بينهم شديد جميعا وقلوبهم شتى ذلك بانهم قوم لا يعقلون. ثم بين السبب بقوله تعالى ودواء ضعف العقل هو هو انارته باتباع نور الوحي لان الوحي يرشد الى المصالح يرشد الى المصالح التي تقصر عنها العقول قال تعالى ليس بخارج منها. فبين في هذه الاية ان نور الايمان يحيى به من كان ميتا. ويضيء ويضيء له الطريق يمشي فيها وقال تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور وقال الله تعالى افمن يمشي مكبا على وجهه اهدا من يمشي سويا على صراط مستقيم. الى غير ذلك من من الايات وبالجملة فالمصالح البشرية التي بها نظام الدنيا راجعة الى ثلاثة انواع. الاول درء المفاسد المعروف عند اهل الاصول بالظروريات وحاصله دفع الظرر عن الستة التي ذكرنا قبل التي ذكرنا قبل اعني الدين والنفس سوى العقل والنسب والعرض والمال. الثاني جلب المصالح المعروف عند اهل الاصول بالحاجيات. من ومن فروعه البيوع على القول بذلك والايجارات وعامة المصالح المتبادلة بين افراد المجتمع على الوجه الشرعي. الثالث التحلي بالمكارم الاخلاق والجر على العادات المعروف عند اهل الاصول بالتحسينيات والتتميميات ومن فروعه خصال الفطرة كاعفاء اللحية وقص الشارب الى اخره. ومن فروعه ايضا تحريم المستقذرات ووجوب الانفاق على على الاقارب الفقراء. وكل هذه المصالح لا يمكن شيء اشد محافظة عليها بالطرق الحكيمة السليمة من دين الاسلام. قال تعالى كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وصلى الله وسلم على محمد وعلى اله وصحبه به اجمعين ختم المصنف رحمه الله بالمسألة العاشرة من المسائل العشر الموعود ببيانها من القرآن. وهي مشكلة اختلاف القلوب بعدم توجه قلوب المؤمنين بعضها الى بعض. ما الكل واحد قد على قلبه ظهريا لقلب الاخر فصاروا مختلفين فيما بينهم وقد ذكر الله سبحانه وتعالى منشأ هذا الداء وهو عدم العقل في قوله تعالى لا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة حتى قال ذلك بانهم قوم لا يعقلون. فالسبب في حصول المنازعة واختلاف القلوب بين المؤمنين عدم عقل المصالح الشرعية في الاجتماع فان ذهاب هذا من النفوس وهونوا عليها الاختلاف ويؤطؤ السبيل الميسر لذلك. ودواء هذا كما ذكر المصنف انارته نور الوحي فان نور الوحي يدعو الناس الى اصلاح احوالهم باقبال قلوبهم بعضها على ابعض فان نور الوحي يخرج الانسان من الظلمات كما ذكر المصنف في قوله تعالى او من كان ميتا احييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس الاية. ومن تلك الظلمات التي يخرجه منها نور الوعي ظلمة الاختلاف والاختصام والنزاع وذلك بامر الخلق بالاجتماع والتعاون على البر والتقوى واصلاح ما بينهم من الاحوال فاستتم المصنف ببيان هذه المشكلة ما وعد ببيانه من المسائل العشر ثم ذكر خاتمة اجمالية تتعلق بكل ما تقدم فهي بمنزلة ختم كله لا ختم المسألة العاشرة. فقال وبالجملة فالمصالح البشرية التي بها نظام الدنيا راجعة الى ثلاثة انواع الاول درء المفاسد يعني دفعها المعروف عند اهل الاصول بالضروريات وحاصل دفع الضرر عن الستة التي ذكرنا قبل اعني الدين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال. والثاني جلب المصالح اي جمعها وتكثيرها المعروف عند اهل الاصول بالحاجيات وهي انزل رتبة من رتبة الضروريات قال ومن فروعه البيوع على القول بذلك والايجارات وعامة المصالح المتبادلة بين افراد المجتمع على الوجه الشرعي والثالث التحلي بمكارم الاخلاق والجري على محاسن العادات المعروف عند اهل الاصول بالتحسينات والتتميمات وهو انزل رتبة من رتبة الحاجيات. قال ومن فروعه خصال الفطرة كاعفاء اللحية وقص الشارب الى غير ذلك ومن فروضه ايضا تحريم المستقذرات ووجوب اي النجاسات ووجوب الانفاق على الاقارب الفقراء. ثم ذكر ان هذه المصالح لا يجمعها شيء اعظم من المحافظة على دين الاسلام فان الله سبحانه وتعالى احكم اياته وفصل وهي سبحانه وتعالى نازلة من حكيم خبير. فلا شيء يضمن للناس صلاح امرهم في دينهم ودنياهم هم اعظم من ضمانة الله ذلك في ايات القرآن الكريم. فمن اتبع القرآن هدي ومن اعرض عنه مضل نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا جميعا من المهتدين بالقرآن وان يجنبنا سبل الزيغ والضلال. وهذا اخر البيان على هذه جملة من الكتاب اكتبوا طبقة السماع سمع علي جميع كتابي الاسلام دين كامل بقراءة غيره صاحبنا ويكتب اسمه تاما. فتم له ذلك في مجلس واحد بالميعاد المثبت في محله من نسخته واجزت له روايته عني اجازة خاصة بمعين لمعين في معين باسناد مذكور في عقود ابتهاج اجازة وفود الحجاج الحمد لله رب العالمين. صحيح ذلك وكتبه الصالح بن عبدالله بن حمد العصيمي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين واربعمائة والف للمسجد الحرام بمدينة مكة المكرمة. لقاؤنا ان شاء الله تعالى بعد العصر في كتاب مختصر في اصول العقائد الدينية والحمد لله اولا واخرا