السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي جعل الحج ميدانا للتعليم. وهدى به من شاء من عباده الى الدين القويم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما علم الحجاج وعلى اله وصحبه خيرتي وفد الحاج اما بعد فهذا شرح الكتاب الثامن من برنامج تعليم الحجاج في السنة الخامسة سبع وثلاثين واربعمائة والف وثمان وثلاثين واربعمائة والف وهو كتاب الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف. للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله. المتوفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف نعم بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا الحاضرين قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى في كتابه الحث على الحث على اجتماع كلمة وذم التفرغ والاختلاف. بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه اتوكل. الحمد لله رب والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الله تعالى خلق خلقه من العدل ووجدهم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا ليعبدوه وحده لا شريك له ويطيعوه ويتقوه. ومدار ذكره ومرجعه على اداء حقوقه وحقوق عباده اللازمة والمستحبة. التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهي شعب كثيرة واقسام فمنها ما هو اصول ومنها ما هو احكام ومنها ما هو قواعد كلية. تندرج تحتها تندرج تحتها كثير من الاحكام الجزئية ومنها مقاصد ومطالب ومنها ما هو موصل اليها. وكلها ترجع الى تحصيل صالحي وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. فمن اعظم الاوامر الالهية والشرائع السماوية والوصايا النبوية الاعتصام بحبل الله جميعا. واتفاق كلمة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم والحث على هذا بكل طريق موصل اليه من الاعمال والاقوال. والتعاون على ذلك قولا وفعلا والنهي عن الرقي والاختلاف وتشتيت شمل المسلمين. والزجر عن جميع الطرق الموصلة اليه بحسب القدرة والامكان وقد دل على هذا الاصل العظيم الكتاب والسنة واجماع الانبياء والمرسلين واتباعهم الى يوم الدين. قال تعالى وان عباده بالتمسك بحبله الذي هو دينه والاجتماع عليه. ناهيا لهم عن التفرق والاختلاف ممتنا على عباده بتوفيقه لهم لذلك. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. الاية. وقال تعالى ناهيا عن التنازع والاختلاف مخبرا ظن انه سبب للفشل مخبرا انه سبب للفشل وعدم النصر على الاعداء. قال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا ثم تذهب ريحكم الاية. وقال مذكرا عباده بنعمته التي لا يقدر عليها الا العزيز الحكيم والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم من المنافقين بتباغضهم وتفرقهم وتفرقه وتفرق قلوبهم لو اجتمعت اجسامهم جميعا وقلوبهم شتى. وقال جل جلاله ممتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم بلينه للمخالطين اعي لتاليفهم واجتماعهم وعدم تفرقهم فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظا القلب لانفضوا من حولك الاية ووصف الله المؤمنين بانهم رحماء بينهم ووصف رسوله صلى الله عليه بانه رؤوف رحيم. وقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وقالتا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ومن اعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق. كما ان السعي في تفريق كلمة المسلمين من اعظم التعاون على الاثم والعدوان. وقد قص الله علينا في كتاب في كتابه سيرة الرسل الذين بعثهم لتبليغ رسالاته وذكر نصحهم لاممهم وحرص وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام ونهيهم عن التفرق والاختلاف مما هو كثير في القرآن. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قد ابدى في هذا الاصل واعاد وامر وامر باجتماع العباد ونهى عن التفرق المفضي الى الفساد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغظوا ولا تدابروا. وكونوا عباد الله اخوان المسلم المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه الا ما يقول الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ومن اعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم واجتماعهم ونهيهم عن التفرق. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للانصار منبها لهم بمنة الله عليهم بهدايتهم واجتماعهم وغناهم بسببه يا معشر الانصار الم اجدكم ضلالا فهداكم الله به متفرقين فجمعكم الله بي عالة فاغلب الله بكل ما قال شيئا قالوا الله ورسوله امن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا لاصحابه عن تبليغه الكلام المغير المغير المغير المغير للقوة قلوب لا لا يبلغني احد عن احد شيئا فاني احب ان اخرج اليكم وانا سليم الصدر وقال لما شاوره بعض اصحابه في قتل بعض في قتل بعض المنافقين لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه اي اي لما فيه من التنفير عن الاسلام لمن يسلم فتركهم وهم مستحقون للقتل تأليفا. وكان صلى الله عليه وسلم يوصي من يبعثه للدعاية لدين الاسلام وتعليم الشرائع فيقول فيقول صلى الله عليه وسلم بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا وتطاوعوا ولا تختلفوا. وقال صلى الله عليه وسلم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. فاخبر ان الاختلاف الظاهرة سبب لاختلاف الباطن. وقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلاف هم على انبيائهم وكل هذه الاحاديث في الصحيح وتوادر عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن الخروج على ولاة اولي العلم اولت الامور والسمع والطاعة لهم وان ظلموا وعصوا. وما ذاك الا لما الا لما في الخروج عليهم من الشر عظيم. وقد امر الله ورسوله باجتماع المسلمين في كثير من العبادات. كالحج والاعياد والجمعة والجماعة لما في اجتماعهم من التواد والتواصل وعدم التقاطع ونار رسول ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة نميمة والسعاية والتقاطع والخيانة والحسد والحقد ونحوها لما فيه من الفساد وتشتيت العباد. وامر اصلاح بين الناس بكل طريق حتى انه اباح الكذب المتوصل به للاصلاح لما فيه من الصلاح. وبالجملة فمن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاته لخلق مسلميهم مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم من لين الجانب والسماحة التامة والخلق العظيم بالعفو عن اهل الجرائم وتأليف الخلق للدخول في دين الاسلام واعطاء المؤلفة قلوبهم ليسلموا ويقوى ايمانهم وتركه كل ما فيه تنفير حتى انه صلى الله عليه وسلم ويترك الافضل الاكمل ويفعل ما دونه مراعاة لقلوب الخلق وقد كان وقد كان همي وقد كان هم في بنيان الكعبة على قواعد ابراهيم فقال لعائشة لولا ان قومك عهد بجاهلية لنقضت لنقضت قواعد الكعبة وجعلتها على قواعد ابراهيم. فمن تأمل هذا فعرف انه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السمحة فاذا علمت ذلك عرفت ان من اهم قواعد الدين واجل شرائع المسلمين النصيحة لكافة الامة والسعي في جمع كلمة المسلمين. وحصول التآلف بينهم وازالة ما بينهم من التباغظ والتشاحن والاحن. وان هذا الاصل من اعظم معروف يؤمر به واضاعته من اعظم ام كريم ينهى عنه وان هذا من فروض الاعيان اللازمة لكل الامة وعلمائها وولاتها وعوامها بل هي قاعدة لا يتم الايمان الا بها فتجب مراعاتها علما وعملا. وانما كان الامر كذلك لما في ذلك من المصالح الدين النية والدنيوية التي لا يمكن حصرها وفي اضاعته من المضار الدينية والدنيوية ما لا يمكن عدها فلذلك عقدت لهذا فصلين ابتدأ المصنف رحمه الله كتابه بالبسملة ثم ثنى بالحمدلة ثم ثلثا بالصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه اجمعين وهؤلاء الثلاث من اداب التصنيف اتفاقا. فمن صنف كتابا استحب له ان يستفتحه بهن وقوله بعد البسملة وقوله بعد بعد المسبلة وبه نستعين عليه اتوكل بمنزلة التابع اللازم لها وهذه طريقة جماعة من اهل العلم يذكرون بعد البسملة شيئا من المعاني المظمنة فيها فان الباء في البسملة لملابسة ذكر الله سبحانه وتعالى وفي طي هذه الملابسة معان عدة. منها المذكور في قول المصنف وبه نستعين وعليه اتوكل فالقائل بسم الله الرحمن الرحيم يلتمس من الله سبحانه وتعالى الاستعانة به والتوكل اعليه فهي بمنزلة راتبة الصلاة بعدها. تعد من احكامها وان كانت صورتها منفصلة عنها فلا يقدح هذا في كون الاتيان بالحمدلة واقعا ثانيا ثم ذكر المصنف رحمه الله ان الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لاجل عبادته. ومدار هذه العبادة على اداء حقه سبحانه وتعالى وحقوق خلقه. فان العبد مأمور بان يعبد الله وحده لا شريك له بجعل ما يجعل من والعبادات له وحده. ومأمور باداء حقوق الخلق اليهم فان الانسان مدني بطبعه. لا تستقيم حياته الا بانسه بغيره من ابناء جنسه. ولا استقامة هذه الحياة الا باداء الناس بعضهم الى بعض حقوقهم. ثم ذكر رحمه الله ان تلك المضمنة حق الله وحق عباده ليست على درجة واحدة. فهي درجات متفاوتة كما قال فمنها ما هو اصول ومنها ما هو احكام ومنها ما هو قواعد كلية ومنها مقاصد ومطالب ومنها ما هو موصل اليها. فدرجات ما ورد في خطاب الشرع المتعلق بالعبادة سواء مما يتعلق بحق الله او بحق خلقه هو في مراتب متباينة الدرجات ثم ذكر ان هذه المراتب المختلفة على ما اشتملت عليه من اصول ومقاصد وقواعد وغيرها غايتها ترجع الى تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليدها. والمراد بالمصالح المنافع والمراد بالمفاسد المضار فمدار الشريعة على جلب المصالح ودرء المفاسد. وهذا الجلب للمصالح نوعان احدهما في تحصيل اصولها والاخر في تكثير فصولها احدهما في تحصيل اصولها والاخر في تكير فصولها واما درء المفاسد فهو كذلك قائم على اصلين احدهما دفع اصولها والاخر تقليل فصولها فالشريعة جاءت تارة في المصلحة بجلبها اي باحضارها وتارة تكون المصلحة موجودة فتكثرها الشريعة وكذلك في المفاسد جاءت الشريعة بدرءها اي بدفعها. وتارة لا يمكن دفعها فيطلب حينئذ تقليل هذا فاحكام الشرع المتعلقة بالعبادة مما يرجع الى حق الله او حق خلقه كلها اترجع الى تحصيل المصالح وتكميلها وتقليل المفاسد وتعطيل المفاسد وتقليدها والمراد بالتعطيل النفي والدفع. ثم ذكر المصنف ان من اعظم الاوامر الالهية والشرائع السماوية والوصايا النبوية الدعوة الى الاجتماع كما قال الاعتصام بحبل الله جميعا واتفاق كلمة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم الى اخر ما ذكر. فان من مقاصد الشرع العظيمة تحصيل قوة المسلمين باجتماعهم على كلمة الله من الشرع الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم. فدين لحظ فيه كون الانسان مدنيا بطبعه وزيادة. فان الناس في كل دين وملة يفتقر بعضهم الى بعض في مصالحهم. فجاءت الشريعة الحكيمة بملاحظة هذا وزيادة بتأييد وجعله اصلا من اصول الديانة ان الناس مأمورون بانضمام بعضهم الى بعض اجتماعا ائتلافا واتفاقا على شرع الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله ان هذا الاصل العظيم قد بين بيانا تاما وانعقد بالدلالة عليه القرآن والسنة والاجماع. ثم ذكر اية من القرآن تبين هذا واتبعها احاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. تبين اعتناء الشريعة بالتمسك بالاجتماع والحث على الالفة والحذر من التفرق والاختلاف فذكر قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته حتى قال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. فالاية المذكورة في تأييد هذا الاصل من وجهين احدهما في قوله واعتصموا بحبل الله والاعتصام هو شدة التمسك والتعلق وحبل الله له معنيان احدهما عام وهو دين الله والاخر خاص وهو القرآن الكريم فحبل الله يطلق اسما على الدين كله ويطلق اسما للقرآن الكريم. وهما معنيان متلازمان فان دين الله سبحانه وتعالى يعرف بكتابه عز وجل. والاخر في قوله ولا تفرقوا وهذا نهي عن التفرق. فلا يتم الاجتماع المأمور به الا بالحذر من اسباب الفرقة الناقضة حبال الوصال والوئام بين المؤمنين. ثم ذكر اية ثانية وهي قوله تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وذكر ان هذه الاية في النهي عن التنازع والاختلاف والاختبار بار انه سبب للفشل وعدم النص على الاعداء. لان الله قال ولا تنازعوا. وهذا نهي النهي يفيد التحريم فهو نهي عن حصول النزاع بالخصومة والاختلاف بين المؤمنين وعلل النهي بقوله تعالى فتفشلوا وتذهب ريحكم. اي يحصل لكم الفشل والخذلان القدرة على الوصول الى مطالبكم وينشأ من ذلك ذهاب ريحكم اي ذهاب قوتكم. ثم قرأ اية ثالثة وهي قوله تعالى والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوب ولكن الله الف بينهم. وذكر ان هذه الاية منه سبحانه وتعالى تذكير لعباده بنعمة التي لا يقدر عليها الا هو. وهو وهي حصول الالفة بين المؤمنين. فان الف المؤمنين بعضهم بعضا لا يحصل بالاموال ولا بالسلاح. وانما يحصل بتوفيق الله سبحانه وتعالى واعانته لهم على الف بعضهم بعضا. ولذلك قال والف يعني الله والف بين قلوب وبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم. اي ان الرسول الذي بعث اليهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم لو قدر انه بذل الاموال العظام في التأليف بين قلوب هؤلاء لما ادرك ذلك لان حصول الالفة بالمال ممتنع. وان وجد فهو منقطع. فاذا حصلت فاذا حصلت الفة بين احد مع غيره لاجل المال فانها سرعان ما تذهب لان الله عز وجل لم يجعل من اصول ما عقدوا به الوئام بين المؤمنين دفع الاموال بعضهم لبعض فان المال خيال زائل ولا يبقى مما يوطد العلاقة بينهم الا اصرة الايمان ورابطته التي امتن الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال له ولكن الله الف بينهم اي بما جعل في قلوبهم من الايمان والتقوى وحصول الالفة هو المعبر به في الشرع عن اجتماع المؤمنين وان اختلفوا في شيء. فان بيع الناس مجبولة على الاختلاف وهم تارة يختلفون لاجل اختلاف جبلاتهم او لاجل اختلاف بلدانهم او لغير ذلك من اسباب الطبائع التي خلقت معهم فيختلفون بينهم اختلافا قدريا. لكن يا بقى الامر الجامع بينهم حصول الالفة. وهو كون كل احد من المؤمنين يعظم حق اخيه ويعرف قدره وهذا المعنى هو الذي سمي في لسان المتأخرين بالوحدة الاسلامية. وكأن الشريعة اعرضت عن استعمال الوحدة لما في اشعار لفظ الواحد من كون الجميع على شيء واحد. وهذا متعذر شرعا وقدرا. ولكن جاءت بالامر بحصول الالفة. وهو بقاء حرمة المؤمنين وتوقينهم بعضهم بعضا في قلوبهم وان وقع بينهم ما وقع من اختلاف يرجع الى طبائعهم وجبلاتهم. ثم ذكر اية ثالثة وهي قوله سبحانه وتعالى في ذم المنافقين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. فعلامة اهل النفاق انهم في الصورة الظاهرة يظن ان بعضهم ينصر بعضا كما قال تعالى والمنافقون والمنافقات بعضهم اولياء بعض لكنهم باعتبار الحقيقة الباطنة كما اخبر الله سبحانه وتعالى عنهم في قوله تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وهذا هو الجمع بين هاتين الايتين. فقوله تعالى والمنافقون والمنافقات بعضهم او الياء بعض اي باعتبار الصورة الظاهرة. واما المذكور في قوله تعالى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى فهو اخبار عن الحقيقة الباطنة. فكل واحد من المنافقين والمنافقات يضمر لخدنه وقرنه من اهل النفاق السوء والشر. فعلم ان ما يحصل به الاتفاق والوئام هو الايمان. فاهل الايمان الظاهرة وحقيقتهم الباطنة على امر سواء في الاجتماع على كلمة الله سبحانه وتعالى وشرعه. ثم ذكر اية رابعة وهي قوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب انفضوا من حولك. قال المصنف رحمه الله لما ذكرها وقال جل جلاله ممتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم بدينه للمخالطين الداعي لتأليفهم واجتماعهم وعدم تفرقهم. فجعل الله سبحانه في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم من اللين والرفق والرحمة ما دعا نفوس الناس الى الاجتماع عليه وحصول الالفة بينهم. وفي حديث ما لك ابن الحويرة في الصحيحين قال قدمنا على النبي الله عليه وسلم فبقينا بضع عشرة ليلة وكان رؤوفا وكان رحيما رفيقا وفي لفظ وكان رحيما رقيقا. فرحمته صلى الله عليه وسلم ورفقه ورقته اكسبت من حوله حصول الالفة بينهم. فان المعلم اذا كان رحيما رفيقا رقيقا علمين انتشرت هذه الرحمة والرفق والرأفة بين المتعلمين انفسهم فصار بعضهم يرحم بعضا ويرفق بعضهم ببعض ويكون رقيقا لاخيه ثم ذكر ان الله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين بانهم رحماء بينهم وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بانه رؤوف رحيم. فاذا كان المؤتم المقتدى به صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما فحقيق بالمتبعين له ان يكونوا هم اهل رأفة ورحمة. ولذلك ذكر قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة اي قدوة حسنة. ففي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لنا في كوننا متصفين بالرأفة والرحمة كما كان امامنا ونبينا صلى الله عليه وسلم ثم ذكر رحمه الله اية اخرى وهي قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان امرا بما يحصل به اجتماع المسلمين بينهم بان يعين بعضهم بعضا على البر والتقوى وان يمتنعوا من اعانة بعضهم بعضا على الاثم والعدوان. لانهم اذا تعاونوا على البر والتقوى حصل اجتماعهم واتفاق وقوتهم واذا تعاونوا على الاثم والعدوان نشأ بينهم من الخلاف والشقاق والتنازع ما يؤدي الى فشل وذهاب قوتهم ثم ذكر رحمه الله ان من اعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق. كما ان السعي في تفريق كلمة المسلمين من اعظم التعاون على الاثم والعدوان. ثم ذكر ان الله قص علينا في كتابه سيرة الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين باعثهم لتبليغ رسالاته وذكر نصحهم لاممهم وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام ونهيهم عن التفرق والاختلاف مما هو كثير في القرآن. فلا ينتظم الدين الذي بعثت به الانبياء في اممهم الا باجتماع اولئك المؤمنين وعدم تفرقهم. وقوله رحمه الله وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام اي باعتبار كونه الدين العام للانبياء جميعا. فان الاسلام يقع اسما لجميع اديان الانبياء قال تعالى ان الدين عند الله الاسلام. وقال تعالى يحكم بها النبيون الذين اسلموا. بمعنى استسلام لله بالتوحيد. فمدار الدين الذي بعث الله به الانبياء هو الاستسلام على لله بالتوحيد. فدين كل نبي باعتبار هذا المعنى يسمى اسلاما. ثم ذكر المصنف رحمه الله من الاحاديث النبوية ما يحقق هذا المعنى من الاحاديث المروية في الصحيحين اتفاقا او انفرادا. فمنها قوله صلى الله عليه وسلم لا تحاسد ولا تناجسوا حتى قال وكونوا عباد الله اخوانا وهذه الجملة الواردة في الحديث تحتمل معنيين احدهما انها جملة تابعة ما قبلها في قوله لا تحاسدوا ولا تناجسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا فانكم اذا فعلتم ذلك صرتم اخوانا عبادا لله والاخر ان هذه الجملة مستقلة بنفسها غير متعلقة بما قبلها فهي امر بتحصيل الاسباب المؤدية للاخوة الدينية. فهي امر بتحصيل الاسباب المؤدية للاخوة الدينية ثم ذكر حديث تميم الداري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة وفيه قلنا لمن يا رسول الله. فقال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. قال المصنف رحمه الله ومن اعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم واجتماعهم ونهيهم عن التفرق انتهى كلامه فبادلوا النصيحة للمؤمنين ساع في تأليف قلوبهم واجتماعهم ناه لهم عن التفرق اختلاف. ثم ذكر حديثا اخر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للانصار يا معشر الانصار الم اجدكم فهداكم الله بمتفرقين فجمعكم الله بي كل ما قال شيئا قالوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم امن. فمما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وصار اصلا من اصول دينه. الامر جماع فان العرب كانوا يفتخرون بالاختلاف والتفرق فكل واحد منهم يعد نفسه رأسا. فكان من اعظم مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صلى الله عليه وسلم اهل الجاهلية ان اهل الجاهلية كانوا يمتدحون التفرق والاختلاف. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بمدح الاجتماع والامر به ذكره امام الدعوة رحمه الله في كتاب مسائل الجاهلية. ثم ذكر حديثا ثالثا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغني ويجوز ايضا لا يبلغني احد عن احد شيئا فان اني احب ان اخرج اليكم وانا سليم الصدر وموجب هذا ما ذكره المصنف من كون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك محذرا لاصحابه عن تبليغه الكلام المغير للقلوب. لان القلوب اذا نشأ فيها ما ما يلقى اليها من معاني الكلام الذي يحصل به التفريق بين النفوس تنافرت النفوس القلوب وتباعت تباعدت الاجسام والابدان. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم ان يبلغ عن احد شيئا يكرهه لئلا توجد النفرة في القلوب. وهذا منه صلى الله عليه وسلم تعليم وتأديب لنا فاننا اولى فان النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي محفوظ من الوقوع في خلاف الشريعة. واما نحن فقلوبنا عرظة لان تستمع الاذان لشيء فيوقر في القلوب معنى ينفر به العبد من اخيه ولا حقيقة له فيجب ان يجعل العبد لاذنه شيئا يصمها عن سماع المقالات في المؤمنين بلا بينة. فان اعراض المؤمنين محفوظة وقد الله سبحانه وتعالى على المؤمنين اعراض بعضهم بعضا. فلا ينبغي للانسان ان يصغي لاحد يبت اليه خبرا بان فلان بان فلانا قال او ان فلانا فعل. هذا اذا كان في امر عام فان كان في خاصة في نفسك بان يقول ان فلانا قال فيك او ان فلانا نال منك كان اولى بسد الاذان عن سماعه اي مثل هذه المقالات فان العبد اذا عرف ربه لم يضره الناس والعبد مأمور بان تكون مراقبته بان تكون مراقبته لله وحده ولا يبالي بحديث الناس. فان الناس يقولون ويفعلون اشياء ثم ينقلبون ويرجعون عنها. فابن ادم ضعيف لا يملك قلبه الذي بين يديه. فهو يحب احدا اليوم ويبغضه وغدا ويبغض احدا اليوم ويحبه غدا لانه لا يملك قلبه الذي بين جنبيه. فاولى بالعاقل الا ينظر الى طلب بما في قلوب الناس ولكن ينظر الى ما بينه وبين ربه. فمن اصلح ما بينه وبين الله اصلح الله وما بينه وبين الناس والخافض الرافع هو الله سبحانه وتعالى فلن يزيدك مدح الناس رفعة ولن ينال انك قدح الناس خظا. وحقيقة المخلص لله سبحانه وتعالى الا ينتظر من الناس مدحا. ولا يهاب منهم قدحا. قال بعض السلف حقيقة الاخلاص ان يستوي المادح والقادح. اي الا يعظم في نفس احد محبة احد لانه يمدحه ولا يقع في قلبه بغض احد لانه يقدح فيه ويتكلم منه. سئل الامام واحمد عن ابي كريب محمد ابن العلاء فامرهم ان يكتبوا عنه الحديث. فقال رجل انه يتكلم فيك. فقال رجل صالح ابتلي بي. فهذا كلام العارفين بالله بامره. انهم يحرصون على حفظ قلوبهم وصيانتها من كل ما يشوشها مما لا يرجع الى اصل شرعي وثيق مع عذر الناس وعدم المبالاة بهم فانما على التراب تراب وكل الناس يردون الى حكم قصد عدل هو الله سبحانه وتعالى من انتظر جزاءه من الله رفعه الله ومن انتظر جزاءه من الناس لم يناله منهم الا ما كتبه الله سبحانه وتعالى له. ثم ذكر رحمه الله حديثا اخر يوصي به النبي صلى الله عليه وسلم من كان يبعثه للدعاية اي للدعوة لدين الاسلام وتعيين وتعليم الشرائع وفيه قوله صلى الله عليه وسلم وتطاوعوا ولا تختلفوا اي ليطع بعضكم بعضا آونا على دين الله سبحانه وتعالى في تبليغه وارشاد الناس اليه. ثم ذكر حديثا اخر وهو قوله صلى الله الله عليه وسلم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. قال المصنف فاخبر ان الاختلاف الظاهر سبب للاختلاف الباطن وهذا الحديث في الصحيح قاله النبي صلى الله عليه وسلم لما امرهم ان يسووا صفوفهم في الصلاة تحذيرا لهم من الاختلاف بينهم في صفوفهم في الصلاة بتقدم او تأخر واجتماع او افتراق فارشدهم الى تسوية الصفوف وحذرهم من ان الاختلاف في الصورة الظاهرة يقود الى الاختلاف في الحقيقة الباطنة. فمما ينبغي ان يراعيه المسلمون في صلاتهم ان يتحروا ان تكون صفوفهم مستوية بالاختلاف بلا تقدم ولا تأخير خوفا من صلى الله عليه وسلم ولا تختلفوا يعني في صفوفكم فتختلف قلوبكم. ثم ذكر حديثا اخر وهو قوله صلى الله عليه سلم انما اهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم. فكان مما اوقع هلاك الامم المتقدمة ان مسائلهم التي كانوا يعرضونها على الانبياء كثيرة. منها ما هو لاجل العنت والمشقة بالانبياء وزادوا على هذا بلاء بما كان يقع منهم من المنازعة وخصومة الانبياء. فحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا. وهذه المسائل المذكورة في الحديث لم تنقض بموته صلى الله عليه وسلم. بل من الاختلاف صلى الله عليه وسلم ما تراه من الاختصام والتنازع في شيء من الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم فانت اليوم تسمع مقالات من اناس ينتسبون الى الاسلام حقيقتها منازعة النبي صلى الله عليه وسلم في الدين الذي بعث به. ولا يثبت للمرء دينه ولا يستقيم امره حتى يسلم للنبي صلى الله عليه وسلم وفي صحيح البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كل امتي يدخلون الجنة الا من ابى. قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد ابى. ثم ذكر المصنف رحمه الله اصولا جامعة في الشريعة. جاءت من دلائل كثيرة من الكتاب والسنة كلها في تقرير هذا الاصل من الحث على اجتماع كلمة المسلمين والتحذير من التفرق بينهم. كالذي تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن الخروج عن ولاة الامر ولزوم السمع والطاعة لهم وان ظلموا وعصوا وما ذاك الا لما في الخروج عليهم من الشر العظيم فان من اعظم اسباب الفرقة والنزاع بين المؤمنين هو خروج الناس على ولاة امرهم اي على حكامهم فان ذلك يؤدي الى تفرقهم وذهاب قوتهم وحصول فشلهم. ثم يحدث فيه من البلاء العظيم والشر ما لا يتناهى حصر افراده. وكثر في الاحاديث النبوية عند ذكر فتن اخر الزمان تقرير الاصل من وجوب الطاعة لاولي الامر وترك الخروج عليهم اعلاما بان كثيرا من الفتن التي ستنشأ في اخر الزمان سيكون مبدأها من منازعة ولاة الامر والخروج عليهم. فحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ابلغ التحذير لانه لا يؤدي الى خير ابدا. وكل شيء ظن الناس ان الخير فيه وقد جاءت الشريعة بالنهي فلا خير فيه. فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا لنا فيه خير الا ارشدنا اليه. ولا شيئا فيه الا حذرنا منه. وان من الخير الذي ارشدنا النبي صلى الله عليه وسلم اليه. السمع والطاعة لمن ولاه الله وعدم الخروج عليه وان جار. وان من الشر الذي حذرنا منه صلى الله عليه وسلم الخروج على ولاة الامر ومنازعتهم وقتالهم ففيه شر عظيم ووبال عاجل واجل. ثم ذكر اصلا اخر من اصول المقررات في الشريعة لتقرير هذا الامر العظيم وهو ما امرنا بالاجتماع فيه من عبادات مشهودة كالحج والاعياد والجمعة والجماعة. قال المصنف لما في اجتماعهم من التواد والتواصل وعدم التقاطع. ونهى الله ثم ذكر اصلا اخر فقال ونهى الله عن الغيبة والنميمة والسعاية والتقاطع والخيانة والحسد والحقد ونحوها بما فيها من الفساد وتشتت العباد. فهؤلاء الافات المعدودات في كلامه هن من اسباب حصول الفرقة. فنهينا عنهن لما فيها من نشوء الفرقة بين المؤمنين. فاذا اغتاب بعضهم بعضا ونم بعضهم بين بعض وسعى بعض في السوء لبعض وتقاطعوا وخان بعضهم بعضا وحسد بعضهم بعضا الى غير ذلك من انواع الشرور نشأ من ذلك تبركهم واختلافهم وتنازعهم. ثم قال المصنف قولا جامعا وبالجملة فمن تأمل سيرة الرسول صلى الله الله عليه وسلم في معاملاته للخلق مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم من لين الجانب والسماحة التامة والخلق العظيم بالعفو عن اهل الجرائم وتأليف الخلق للدخول في في دين الاسلام واعطاء المؤلفة قلوبهم هم ليسلموا ويقوى ايمانهم وتركه كل ما فيه تنفير حتى انه صلى الله عليه وسلم يترك الافظل الاكمل ويفعل ما دونه مراعاة لقلوب الخلق. وقد كان صلى الله عليه وسلم هم في بنيان الكعبة على قواعد ابراهيم اي بان ينقضها ثم يعيد بناءها على بناء ابراهيم. فان قريشا قصرت بهم النفقة عن تكميل بناء الكعبة. فتركوا الحجرة وهو منها بقدر ستة اذرع فلم يدخلوه في بناء الكعبة فهم النبي صلى الله عليه وسلم ان يهدمها حجرا حجرا ثم يبنيها على بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومنعه من من ذلك مخافة حصول الاختلاف والفرقة. فقال لعائشة لولا ان قومك حديث عهد بجاهلية قواعد الكعبة وجعلتها على قواعد ابراهيم. فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك خشية ان انشأ منه شر يقع به اختلاف وفرقة بين المؤمنين. ثم قال فمن تأمل هذا عرف انه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السمحة اي بالدين المشتمل على كونه حنيفا سمحا. والحنيفية متعلقها الخبر اي الاعتقاد والسماح متعلقها الطلب اي باب الاحكام من الامر والنهي. ومعنى الحنيفية الاقبال على الله ومعنى السماحة اليسر والسهولة. فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث بهذا الدين المشتمل على الحنيفية والسماحة. وروي هذا صريحا في حديث عائشة عند احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لتعلم يهود اني بعثت بحنيفية ثم ذكر المصنف رحمه الله ان العبد اذا علم هذا عرف ان من اهم قواعد الدين واجل شرائع المرسلين ان نصيحة لكافة الامة والسعي في جمع كلمة المسلمين وحصول التآلف بينهم وازالة ما بينهم من التباغض والتشاحن والاحن يعني ما يكون في القلوب من الحقد والغل. ثم ذكر رحمه الله ان هذا الاصل من ما يؤمر به واضاعته من اعظم منكر ينهى عنه وهو من فروض الاعيان اللازمة كل الامة وعلمائها وولاتها وعوامها قال بل هي قاعدة لا يتم الايمان الا بها فتجب مراعاتها علما فالمؤمنون كافة مأمورون بالسعي في اجتماع كلمتهم وتقوية بيضتهم وترك التنازع والاختلاف بينهم فهذا اصل عظيم مشيد في الاسلام بدلائل كثيرة من القرآن والسنة منها ما ذكره اصنف واجمع عليه اهل العلم رحمهم الله. ثم قال رحمه الله وانما كان الامر كذلك اي انما امرنا بالاجتماع لما افي ذلك من المصالح الدينية والدنيوية التي لا يمكن حصرها وفي اضاعته من المضار الدينية والدنيوية ما لا ايمكن عدها؟ فاجتماع المؤمنين جماع الفضائل والخير لهم. وافتراق المؤمنين جماع القذائل والشر لهم فان اجتمعوا عزوا وقوا وان افترقوا ضعفوا وذلوا. ولاجل تقرير هذا عقد المصنف رحمه الله الله فصلين من الكلام يأتيان فيما يستقبل. نعم قال رحمه الله فصل في بعض مسائل مفاسد الاختلاف والتنازع والتباغظ والتهاجر ومضارها لا يستريب عاقل ان الله تبارك وتعالى لم ينهانا عن امر من الامور الا وفيه من المفاسد العامة الخاصة ما اوجبته حكمته ورحمته. فاول مضار التشاحن والاختلاف. اضاعة هذا الاصل العظيم ومعصية الله ورسوله الموجب للعقاب وحرمان الثواب ونقصان الايمان وحصول الحسرة والخسران اهمال ما دلت عليه الايات القرآنية والاحاديث النبوية ومنها ما يترتب عليه من الاقتتال والاختصام والموالاة والمعاداة التي تجعل ان فراقا كل فريق يريد نصرة قوله بحق او باطل. فيحصل بذلك من ارتكاب والضلال والهوى من المفاسد العامة والخاصة. ما لا يعلمه الا الله. ويترتب على ذلك ترك الحق الذي مع المنازع نصرة للهوى وبغضا للشخص الذي جاء به. فيوجب له فيوجب له بغض بغض ما معه من الحق. ويحصل بسبب ذلك من الغيبة والنميمة والسعاية ما هو اكبر ما هو من اكبر المعاصي. ويتحير مريد الهدى حسن القصد اذا كان قليل البصيرة فلا يهتدي لسبيله ولا يدري اي الطائفتين يتبعه في اليه ويجد سيء القصد المتبع لهواه مجالا يجول فيه باعراض العلماء والصالحين وولاة امور المسلمين. فينتسب بقوله لطائفة ويتلبس بلباسها على قلب منافق من مكار مخادع فيتوصل بذلك الى مقاصد الى مقاصده الخبيثة ويبذل في به في قلوب من انتسب اليهم ما يقدر ما يقدر عليه. من البذور التي تنتج الخزي فضيحة وليس للاسف على هلاك من هذا شأنه وهذا غاية قصده فانه بسبيل من هلك فانه بسبيل من هلك وانما الاسف كل الاسف لمن يلقى اليه لمن يلقي لمن يلقى يلقي سلام عليكم. لمن يلقي اليه سمعه ويمكنه منه سمعه. احسن الله اليك لمن يلقي اليه سمعه ويمكنه من قلبه ولبه. ويصغي اليه ظانا نصحه وهو وهو في الحق قد اكبر عدو غاش. هذا بعض ما انتجه الاختلاف. ومنها انه يستدرج بالمتفرقين المباعدة والمهاجرة حتى لا يتعلم بعضهم من بعض ولا ينصح بعضهم بعضا. فيضيع من لحلتهم بصددها لو كانوا مجتمعين. ما هو من اهم الواجبات واكبر القربات واجل الطاعات الى غير ذلك من طمع اعدائهم بهم لتفرق كلمتهم وتشتت امرهم. لما ذكر والمصنف رحمه الله ان الشريعة جاءت بالامر بالاجتماع والنهي عن التفرق عقد فصلين احدهما في بيان مفاسد الاختلاف والافتراء والاخر في بيان مصالح ومنافع الاجتماع والائتلاف وذكر في هذه الجملة الفصل الاول ذاكرا بعض مفاسد الاختلاف والتنازع والتباغض تهاجر ومضارها مستفتحا كلامه ببيان ان الله لا ينهى عن شيء من الامور الا وفيه من العامة والخاصة ما اوجبته حكمته ورحمته. فالمنهيات الشرعية مشتملة على مفاسد علمناها او لم نعلمها. ويجب على العبد ان يسلم لامر الله فينتهي عما نهاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه. وقد ذكر المصنف ثلاثة مفاسد عظيمة. تنشأ من الاختلاف والتنازع. فالمفسدة الاولى اضاعة هذا الاصل العظيم. ومعصية الله ورسوله في ذلك فان العباد اذا اختلفوا وافترقوا وتنازعوا كانوا مضيعين لما امروا به من الاجتماع عاصين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما امروا به من الاجتماع. وكل معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها من انواع الفساد الباطن والظاهر ما لا يقدر العبد قدره. وكلما تزايد الناس في الاستمراء لهذه المفسدة زادت تلك المضار الناشئة منها. عقوبة من الله لهم. والمفسدة ما يترتب على الاختلاف والتفرق من الاقتتال والاختصام والموالاة والمعاداة التي اجعل المسلمين فراقا فان المسلمين اذا افترقوا واختلفوا تحزبوا فصار لكل طائفة منهم قول تدين به ومعظم تقدمه وتقتدي بقوله وفعله. فينقلبون شيعا وفرقا يفارقون ما امروا به في الشرع من الاجتماع. قال تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. اي ان هؤلاء المفرقين دينهم الذين انقسموا الى فرق واحزاب فالنبي صلى الله عليه وسلم ودينه براء من حال هؤلاء فينشأ من اختلاف المؤمنين افتراقهم وتصيرهم فرقا واحزابا ان كل فرقة فرحة بما هي عليه ثم ذكر رحمه الله تعالى ان مما ينشأ من هذه المفسدة ان اولئك المفترقين يتخذون من عظميهم ما ينصرون قوله على كل حال اتباعا للهوى ويأبون ما يأتيهم من غير بغظا للحق الذي يجيء من شخص لا يوالونه ولا يميلون اليه. ويكثر بينهم بسبب ذلك الغيبة والنميمة والسعاية فيما هو اكبر من ذلك من المعاصي. ثم ذكر ان الناس حينئذ يكونون طائفتين فطائفة حسنة القصد مريدة الهدى فتتحير مع قلة البصيرة ولا تهتدي الى الحق فان في هذه الطائفة حق وفي تلك الطائفة حق. ويضيع الحق بسبب نزاعهم واختلافهم. والطائفة الثانية طائفة سيئة القصد متبعة اهواءها. تجد وجود النزاع والخلاف بين المؤمنين مجالا خصبا ومرتعا مناسبا للوقيعة في ولاة الامر والعلماء والصالحين. فيخرجون غيبتهم نميمتهم مخرج الانتصار للحق. وحقيقة امرهم انهم لا يريدون نصرة حق وانما يريدون نصرة ولذلك تجد ان ما يدينون به يتقلب فتارة يدينون بشيء موافقة لمحبوبهم وتارة ينزعون عنه لان محبوبهم او من يعظمه وقع فيه. وكلا الطائفتين زائغة عن الهدى. فان مأمور بان يتبع الحق الذي في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فاننا امرنا بتعظيم كلامهما واتخاذه دينا. وما عدا ذلك فانه يؤخذ من قوله ويرد. كما قال الامام مالك ما من لاحد الا يؤخذ من قوله ويرد وتروى ايضا عن الحكم ابن عتيبة باسناد صحيح بل عن ابن عباس وفي اسناده مقال ثم قال قال رحمه الله متحدثا بلسان فصيح عن حال موجعة اليمة وليس الاسف على هلاك من هذا شأنه اي ممن يشيع الشر بين المؤمنين وله في باطنه خداع وهوى. قال وهذا غاية قصده فانه بسبيل من هلك وانما الاسف كل الاسف لمن يلقي اليه سمعه ويمكنه من ولبه ويصغي اليه ظانا نصحه وهو في الحقيقة اكبر عدو غاش اي انه يقع في الناس من يخدع او بمن يشيع السوء بين الناس ولا ارادة له الا نشر الشر بينهم. فيظنه ناصحا فيقلد قوله بسبب ذلك في شر عظيم. والمخرج من هذا ما ارشد الله اليه بقوله. واذا جاءهم امر من الامن او اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منه. فالمخرج ان يرد العبد امر الذي تنازع فيه الناس وصاروا اشتاتا الى من بيده الامر. وهم الامراء الذين بيدهم والحكم والعلماء الذين بيدهم الفتيا والعلم فان رد الامر اليهم يجعل العبد بسبيل امان من الوقوع في الشر بل ربما فتح له بسبب ذلك خير. واعرف رجلا اليوم يجلس يدرس العلم. كان بعيدا عنه جاهلا به. فلما وقعت قبل اكثر من عشرين سنة فتنة منها الفتن وصار الناس يجولون ويدقون بينهم بكلام لا نفع فيه فزع مسترشدا الى احد العلماء وهو العلامة صالح بن عبدالرحمن الاطرم رحمه الله ذكر له بعد صلاة الفجر ما عليه الناس متألما مستفهما عما ينبغي عليه. فقال له وهل قرأت شيئا من علمي فقال لا. فقال يا بني اطلب العلم واترك ما فيه الناس لمن هو مسؤول عن الناس. يعني من الامراء والعلماء فايقظت هذه الكلمة قلب الرجل واقبل على دراسة العلم وتحصيله حتى صار معلما له. فنشأ من رد الامر الى اهله خير عظيم. ثم ذكر المفسدة الثالثة وهو انه يستدرج بالمتفرق بالمفترقين الى مباعدة والمهاجرة ان يجروا ذلك الاختلاف المسلمين الى ان يهجر بعضهم بعضا ويباعد بعضهم بعض قال حتى لا يتعلم بعضهم من بعض ولا ينصح بعضهم بعضا. فيصبح من المصالح فيضيع من المصالح التي هم بصددها لو كانوا مجتمعين ما هو من اهم الواجبات واكبر القربات واجل الطاعات الى غير ذلك مما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الاحوال المرذولة الناقصة التي تنشأ من استدراج الخلق الى التهاجر والتباعد اذا افترقوا واختلفوا. نعم قال رحمه الله فصل في فوائد اتفاق المسلمين وتحابيهم والسعي في ذلك. وهذا هو المطلوب وهذا هو مطلوب المقصود الذي جرى الكلام لاجله. وهو المقصد الذي فيه يرغب المصلحون. واليه شمر وبه تنافس المتنافسون ولمثله فليعمل العاملون. لما اشتمل عليه من المصالح العظيمة والمهمات الجسيمة وبالجملة فجميع المفاسد التي ذكرت والتي لم تذكر في في مفاسد للتهاجر والتباغض والتدابر بهذا الامر تزول. وتصل بصاحبها الى كل خير وتؤول. وفي وتؤول فيه تحصيل فيه تحصيل به صححوها فبه تحصل الخيرات فبه تحصل الخيرات وتنزل البركات وتستجاب الدعوات وتبدل السيئات بالحسنات نفاق كلمة المسلمين يجتمع شمل الدين ويحصل لهم بذلك في الارض العز والتمكين وبه زيدوا الاسلام والايمان لان الايمان عند اهل السنة والجماعة قول وعمل. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والسعي في هذا من اكبر الطاعات. فيزيد به الايمان درجات. وبالتآلف وبالاجتماع يحصل التعاون على جميع خصال البر والتقوى والخير. قال الله قال تعالى لا خير في كثير من نجوة هم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس. وقال النبي صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل بافضل من درجة الصيام والقيام والصدقة. قالوا بلى يا رسول الله. قال اصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة. وفي رواية لا اقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين فاي درجة اعظم من هذه الدرجة التي زاد بها على امهات الفضائل الصلاة والصيام والصدقة قال النبي صلى الله عليه وسلم والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. افلا اخبركم بشيء اذا فعلتموه تحاببتم. افشوا السلام بينكم. فرتب صلى الله عليه وسلم دخول الجنة وجود الايمان ورتب وجود الايمان على حصول التحاب الذي هو سبب الائتلاف. ونبه على ونبه ها ونبه على الدواء لهذا بافشاء السلام. لان لين الكلام الذي من الذي من الذي من افشاء السلام احسن الله اليك. الذي من اجله افشاء السلام من اكبر الدواعي لذلك لما فرغ المصنف من الفصل المجعول لبيان مفاسد التفرق اتبعه بالفصل المجعول لاجل ذكر فوائد اتفاق المسلمين فذكر رحمه الله ثلاث فوائد من فوائد اتفاق المسلمين. فالفائدة الاولى ان جميع مفاسد التهاجر والتباغظ والتدابر تزول بالاتفاق والاجتماع فيحصل بسبب ذلك خير عظيم. والفائدة الثانية ان اتفاق كلمة المسلمين يجتمع به شمل الدين ويحصل بذلك في الارض العز والتمكين. فاذا اجتمع المؤمنون وائتلفوا عزوا وامكنهم الله سبحانه وتعالى من عدوهم ارو ظاهرين. والفائدة الثالثة تقوية الدين. فباجتماع المسلمين اقواد دينهم. كما قال وبه يزيد الاسلام والايمان لان الايمان عند اهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ثم ذكر من الاعمال الصالحة ما يكون سببا للاجتماع والائتلاف فاذا وقع نشأ من هذا قوة المسلمين كقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس وقوله صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والقيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال اصلاح ذات البين وقوله صلى الله عليه وسلم والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. افلا اخبركم بشيء اذا فعلتموه احببتم افشوا السلام بينكم. فهذه الاعمال الصالحة اذا اظهرها المسلمون وجاؤوا بها نشأ من ذلك اجتماعهم وائتلافهم. فقوي دينهم. نعم قال رحمه الله فصل اذا علم هذا فالواجب على المسلمين عموم وعلى اهل العلم خصوصا ان او في هذا الامر ويتحملوا من اجله المشاق. ويبذلوا جهدهم وطاقتهم وطاقتهم بحصول التوادد التقاطع والتهاجر ويرغب غيرهم فيه امتثالا لامر الله وسعيا في محبوبه وطلبا للزلفة لديه فيوطنوا انفسهم على ما ينالهم من الناس من الاذية القولية والفعلية. مع انها ستنقلب ان شاء الله راحة ومواصلة دينية. ويقابل ويقابلون المسيء اليهم بالعفو عنه والصفح وسلامة النفس. ولا عاملوه بما عاملهم به بل اذا عاملهم بالبغض عاملوه بالمحبة. واذا عاملهم بالاذى عاملوه بالاحسان ان عاملوا وان عاملهم بالهجر وترك السلام عاملوه ببذل السلام والبشاشة ولين الكلام. والدعاء له بظهر الغيب ولا يطيعوا انفسهم الامارة بالسوء بمعاملتهم من جنس ما عاملهم به. فليست هذه حالة الانبياء اي واتباعهم بل حالهم العفو والصفح عن اهل الجرائم كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال النبي الذي ضربه قومه حين دعاهم الى الله حتى ادموه فجعل يمسح الدم عن نفسه عن نفسه عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون. هذا والله الفخر الكامل الذي يبني لصاحبه في الدنيا الثناء الجميل وفي الاخرة الثواب الجزيل. قال تعالى ولا يجرمنكم شنان قوم قدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. ويحث على مقابلة المسيء بالعفو في قوله تعالى ولئن صبرت هو خير للصابرين. وقوله تعالى وان تعفوا واقربوا للتقوى. وقوله تعالى فمن عفا واصل فاجره على الله وقوله تعالى المسلمون لهذه الحالة جمع الله شملهم والف بين قلوبهم وهداهم سبل السلام واخرجهم هم من ظلمات الجهل والظلم والضلال الى نور العلم والعدل والايمان. ويجب عليهم ويجب عليهم اذا رأوا صاحب هوى يريد ان يشق عصا المسلمين ويفرق بينهم لنيل غرضه من اغراضه الفاسدة ان يقمعوه وينصحوه ولا يلتفتوا لقوله. فان من هذا حالهم اكبر الاعداء وان يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين وعدم وعدم تتبعها. خصوصا ما يصدر من رؤساء الدين والعلو والعلماء وطلبة العلم الذين لهم الحق الاكبر على جميع المسلمين بما قاموا به من علم من علم الشرع وتعليمه. الذين لولاهم ما عرف الناس امر دينهم ومعاملاتهم. فلولا هم لم يعرفوا كيف يصلون ويزكون ويصومون ويحجون؟ بل لا يعرفون يبيعون ويشترون. بل لولاهم لكان الناس كالبهائم لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. ولا عرفوا حلالا ولا حراما. فالواجب على المسلمين احترامهم وكف عنهم وكف الشر عنهم وقمع من يريدهم بأذى والتغاظي مما يصدر منهم بستره وعدم نشره نشره فساد عريض واعلم ان للخير للخير والشر علامات يعرف بها العبد. فعلامة عادة الانسان ان تراه قاصدا للخير لكافة المسلمين. حريصا على هدايتهم ونصيحتهم بما يقدر عليه من انواع النصح مؤثرا لستر عوراتهم وعدم اشاعتها قاصدا بذلك وجه الله والدار الاخرة. وعلامة شقاوة العبد ان تراه يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة ويتتبع عثراتهم ويتطلع على عوراتهم فاذا سمع بشيء صدر منهم من مكروه اشاعه واذاعه. بل ربما نشر معه شرحا من ابتداعه. فهذا العبد بشر المنازل عند الله بشر المنازل عند الله مقيت عنده. متعرض لمساخطه يوشك ان يفضحه في دنياه قبل اخرى لم ان لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح وتبديل السيئات بالحسنات. فحقيق بمن لنفسه عنده قيمة تنيربأ بها عن هذه الخصلة عن هذه الخصلة الذميمة ويتأمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة وقوله صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل ولم يدخل الايمان في قلبه لا تؤذوا المسلمين. ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. ومن يتبع له عورته يفضحه ولو في جوف بيته. هذا الوعيد الشديد في عموم المسلمين. واما العلماء والصالحون فالوقوع بهم اقبح واقبح وهو علامة على معاداة الله ومحاربته. لان الله لان الله قال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب. وقد قال بعض السلف ان لم يكونوا العلماء اولياء والله فلا ادري من هم اولياؤه وصدق رحمه الله فان ولاية الله انما تنال بحسب قيام العبد باوامر الله قال ولاهل العلم من هذا اكبر نصيب فانه لا يكاد ينال العبد طرفا من العلم يصير فيه رئيسا. حتى ويجد ويمضي عليه زمن طويل وهو متجرد لطلب العلم تاركا لما عليه اهل الدنيا مستغرقا اكثر اوقاته واشرف ساعاته بالاشتغال بالعلم الذي هو بنفسه اجل الطاعات. وهم احرى بولاية الله من غير فكيف يمكن فكيف يمكن بالقدح فيهم من غلبت عليه الشقاوة؟ وافنى زمانه يمكن احسن الله اليك فكيف يمكن بالقدح في من غلبت عليه الشقاوة؟ وافنى زمانه بالقيل والقال ولم يضرب مع الصالحين بسهم فائس الاعمال فلا تراه باحثا عن امر دينه. ولا مجالسا للعلماء على وجه الاستفادة منهم. بل لو سئل عن ادنى مسألة من امر دينه لم ينطق ببنت شفاه. ومع هذا فقد اطلق لسانه بسلب العلماء واهل الدين فيما قاله انه مصيب. نعم قد اصاب طريق اهل الشر والتحق بالحيوانات الخسيسة. التي اتركوا الاطعمة الطيبة وتذهب الى الجيفة ونحوها من الاطعمة الخسيسة. لتركه المحاسن واقباله على ما ظنه وعلى ما ظنه مساوئ وانحرف عن طريق اهل الخير فليس بكفئ ان يذكر معهم وانما يذكر لان لا لان لا يغتر به المغترون. ويقع بشبكته الجاهلون. ولعله يرتدع ويتوب ويقنع الى ربه ينيب وليس على طريق التوبة حجاب ولا ذنب الا وراءه مغفرة الملك الوهاب لمن تاب واناب لما فرغ المصنف رحمه الله من الفصلين السابقين في ذكر تلات مفاسد من مفاسد الافتراق والتنازع وثلاث فوائد من فوائد الاجتماع والائتلاف شرع يحث على تقرير هذا الاصل والقيام به. فقال اذا علم هذا فالواجب على المسلم عموما وعلى اهل العلم خصوصا ان يسعوا في هذا الامر ويتحملوا من اجله المشاق. ويبذل جهدهم وطاقتهم الى اخر ما ذكر. فحقيق بكل مريد الخير لنفسه وللمؤمنين ان يكون ساعيا في جمع كلمتهم محذرا لهم من الاختلاف والتفرق. وقال في الاعانة على وجود هذا المسلك في نفوس الداعين اليه قال ويقابلون المسيء اليهم بالعفو عنه. والصفح وسلامة النفس. فان الانسان لا يخلو من ضد مخالف ولو كان في رأس جبل كما قال ابن الورد. وقال ابن مسعود رضي الله وعنه من ظن انه يسلم من الناس فهو مجنون. رواه الدارمي فحقيق بمريد الخير اذا اسيء اليه الا يعامل الى المسيء بما عامله به من الاساءة. بل يعامله بالبر والاحسان اليه قال ولا يطيعوا انفسهم الامارة بالسوء بمعاملته من جنس ما عاملهم به. فان نفس الانسان اذا ظلم واسيء اليه دعته الى معاملة ظالمه والمسيء اليه بجنس ما فعل. والعاقل المريد للخير الراغب في الدرجات العلا يحمل نفسه على تخليصها من هذه الارادة السيئة وملئها بارادة الخير لمن اساء اليه فهي حال الانبياء وكمل الخلق فانهم يعفون عمن اساء اليهم فيزيدهم الله سبحانه وتعالى بذلك رفعة. قال صلى الله عليه وسلم وما ازداد عبد بعفو الا عزا. رواه مسلم ثم ذكر من مثل ذلك قصة النبي الذي كان في امة من قبلنا انه عليه الصلاة والسلام لما دعا قومه فضربوه بالحجارة وادموا وجهه وجسده كان يمسح الدمع عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون. وهذا غاية الطهارة القلبية ان العبد لا يضمر والشر لمن بادره به مع جهله وعدم ادراكه لما يريده داعيه الى الخير من انواع البر الاحسان التي تخفى عليه وبلوغ هذه الغاية يحصل به العبد في الدنيا الثناء الجميل وفي الاخرة تواب الجزيل. كما ذكر المصنف ايا واحاديث في هذا المعنى ومنها قوله تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم عن ردوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. قال وقال تعالى ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وقال تعالى وان تعفوا اقرب للتقوى. وقال تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله الى غير ذلك من الايات العظيمة. التي تبين ان من عفا وصفها عن الناس ولم يبادلهم بالسوء الذي يبتدرونه به فان الله سبحانه وتعالى يجعل له المقام الكريم والمنزلة الرفيعة في الدنيا والاخرة. وبلوغ هذه الحال شاق على النفوس. فان النفس مطبوعة على الظلم والجهل. قال تعالى وكان ظلوما جهولا في وصف الانسان في اخر سورة الاحزاب فيدعوه ظلمه وجهله الى الوقيعة في من اساء اليه لكن ان اذا راض العبد نفسه على الاخلاق الفاضلة وهذبها من انواع الفساد القلبي بان لا يلتفت الى الناس ولا يريد منهم شيئا فمهما اساؤوا اليه فانه يعامل باساءتهم الله سبحانه وتعالى. فهو يعفو عنهم رجاء احسان الا قال تعالى وهل جزاء الاحسان الا الاحسان. واذا اردت ان تعرف مشقة ذلك فاطلبه في نفسك في حق من اساء اليك او ظلمك او اعتدى عليك في عرض او في مال او في غير ذلك فانه يشق على النفس مشقة شديدة لكن النفوس الطاهرة تقوى على هذا فهذا محمد صلى الله عليه وسلم طرده قومه وضربوه ووضعوا سلا الجزور على ظهره وقتلوا عمه حمزة رضي الله عنه فلما قدر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودخل مكة منصورا عفا عنهم ولم يؤاخذهم بجريرة من سبق من افعالهم وذلك لكمال طهارة نفسه صلى الله عليه وسلم وعدم ملاحظته الخلق. وفي اخبار احمد بن محمد بن عبدالهادي صاحب ابن تيمية انه اجتمع يوما مع اخدانه واقرانه من اصحاب ابن تيمية وكان منهم رجل مقدم في العلم يقال له ابن قاضي الجبل كان اكبر من ابن عبدالهادي سنا واوسع في علم الفقه خاصة. فلما تنازع في مسألة غضب ابن الجبل فجمع بصاقه ثم بصق في وجه ابن عبد الهادي شوفوا المشهد يعني جمع البصاق ثم تفل في وجهه فمسحها ابن عبدالهادي على وجهه وقال طاهر باجماع المسلمين مسح مسح البصاق الذي وقع على وجهه وقال طاهر باجماع المسلمين. ولذلك مع ان هذا الرجل مات صغيرا قريبا من الاربعين وليس له الا تصانيف يسيرة الا ان الله ابق النفع الكثير بهذه التصانيف وجعل فيها البركة وبلوغ هذه العغاية يحتاج الى دوام مجاهدة بنزع العبد نفسه من الطينية والصعود بها في مراقي التزكية بمعاملة الله سبحانه وتعالى والا ينتظر من الناس شيئا فخيرهم وشرهم اليه سواء لانه يعامل وبذلك الله فما وصله من خيرهم فبفظل الله. وما وصله من شرهم فمن نفسه اي من معاصيه التي كسبها اجلها الله اليه بهذه الفتن التي تعرض له في نفسه ودينه. ثم قال المصنف فاذا وفق المسلمون لهذه الحالة يعني من العفو ومعاملة من اساء اليهم بالاحسان جمع الله شملهم والف بين قلوبهم وهداهم سبل السلام الى اخر ما قال ثم قال ويجب عليهم اذا رأوا صاحب هوى يريد ان يشق عصا المسلمين ان يسعى بالتفريق بينهم قال ان يقمعون ان يمنعوه من الشر الذي هو فيه. وينصحوه ولا يلتفتوا لقوله فان من هذا حاله اكبر الاعداء اعي في تفريق المؤمنين وبث الفرقة بينهم ونشر المساوئ فهذا من نواب ابليس في الارض. ثم قال يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين وعدد عدم تتبعها. والعورات اسم لما يكره كانوا صدوره عنه فالعورة شيء مبغوض مكروه يكره الانسان ان يصدر منه ذلك. فاذا وقع منه فقد اصاب عورة كمسلم يشرب خمرا او يقع في فجور او غير ذلك. فالعبد اذا اطلع على شيء من عورات المسلمين سترى طه ولم يتتبعها ليكشفها. ويتأكد هذا كما قال فيما يصدر من رؤساء الدين والعلماء وطلبة اهل العلم فان العلماء وطلبة العلم هم من بني ادم ويجوز عليهم من الذنوب والخطيئات ما يجوز على الناس كافة ولكن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم جعلوا لاهل العلم من المكانة ما ليس لغيرهم. وما تسمعه من جعجعة من بعض الناس الذين يزعمون نفي القداسة والكهنوت عن اهل العلم فهذه جهالة مرذولة فانه لا كهنوت في الاسلام ولكن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم جعلوا لاهل العلم منزلة نالوها بالعلم الذي اخذوه من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه وهذا حق جعله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للعالم واهل العلم المشتغلين به. فمن علامة المؤمنين قيامهم بهذا الحق. وهذا المنزل الذي جعل لهم لم يجعلوه هم لانفسهم. واذا رأيت احدا منهم يطلب لنفسه شيئا فاعلم انه ليس من اهل العلم الكاملين. فاهل العلم الكاملون يستغنون بما جعله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم من الحق ان يطلبوا حقا غيره. لكن ينبغي للمسلمين ان يفوا لاهل العلم وطلابه بالحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى لهم. وهذا الامر غصة في حلوق المبطلين. من المنافقين وغيرهم. الذين تضيق صدورهم وجود العلماء وطلبة العلم الذين يبينون الحق وينشرون الهدى ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر علموا هؤلاء بانواع من الكلام يريدون بها نزع مهابة العلم واهله من قلوب المؤمنين فيقولون لا كهنوت بالاسلام ولا قداسة لاحد والناس كلهم سواء الى غير ذلك من المقالات الباطلة المرذولة التي يعرف العبد الذي يسمع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم انه كلام باطل فان الله سبحانه وتعالى قال شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما بالقسط فاستشهد الله باهل العلم تعديلا لهم. والنبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء ورثة الانبياء. رواه ابو داوود باسناد حسن. فهذه المكانة جعلها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم علماء واهل العلم فلا يطلب نزعها منهم الا منافق يبطن شرا للمسلمين. والا فمريد الخير للمسلمين على تعظيم علمائهم والاستفادة منهم والصدور عن اقوالهم ويفرح اذا رأى سواد طلاب العلم اقبالا على العلم ونهلا عنه فان دين المسلمين بالعلماء واهل العلم فانه اذا ذهب العلماء ذهب الدين والعلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله لا يقبض وهذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس وانما يقبضه بقبض العلماء فاذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالا فاستفتوا فافتوا فظلوا واضلوا. فيكون مآل الناس بعد ذهاب العلماء هو حصول الضلالة والفساد وقال الزهري وهو احد كبار التابعين كان من مضى من علمائنا يعني من الصحابة وكبار التابعين يقولون الاعتصام قاموا بالسنة نجاة. والعلم يقبض قبضا سريعا فثبات العلم فنعش العلم ثبات الدين والدنيا وذهاب العلم ذهاب ذلك كله. واعتبر هذا في كل فكل بلد تراه اليوم من بلاد المسلمين هو بسوء حال كان قبله في خير حال لانه كان العلم فيهم منشور والدين منصورا والعلماء متكاثرون وطلبة العلم جادون في اخذه فلما ضعف هذا الامر فيهم قل الخير فيهم ولو قدر انهم صاروا في حال احسن من المباني والمراكب وغير ذلك من احوال الدنيا لكن حصل لهم من النقص والشر والاختلاف والفرقة والتنازع ثم ظيق الحال وسلب كثير من صلاح الحال عنهم بسبب ذهاب العلم وموته فبقاء العلم والحرص عليه وتعظيم اهله والدعوة اليه من اعظم ما يحفظ به الاسلام. فينبغي لاهل للمسلمين ان يعرفوا علماء واهل العلم وطلابه حقهم. ومن هذا الجنس وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في قوله خصوصا ما يصدر من من رؤساء الدين والعلماء وطلبة العلم الذين لهم الحق الاكبر على جميع المسلمين بما قاموا به من علم بالشرع وتعليمه الذين لولاهم ما عرف الناس امر دينهم ومعاملاتهم فلولاهم لم يعرفوا كيف يصلون يزكون ويصومون ويحجون بل لا يعرفون يبيعون ويشترون بل لولاهم لكان الناس كالبهائم لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ولا عرفوا حلالا ولا حراما. ثم قال فالواجب على المسلمين احترامهم وكف الشر عنهم هم وقطع وقمع من يريدهم باذى والتغاظي عما عما يصدر منهم بستره وعدم نشره لان نشره فساد عريض. ثم استطرد رحمه الله فذكر ان للخير والشر على ما يعرف بها العبد. فعلامة سعادة الانسان ان تراه قاصدا للخير لكافة المسلمين. حريصا على هدايتهم بما يقدر من انواع النصح موترا لستر عوراتهم. ثم قال وعلامة شقاوة العبد ان تراه يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة ويتتبع عثراتهم ويتطلع على عوراتهم فاذا سمع بشيء صدر منهم من المكروه اشاعه واذاعه ثم فقال فهذا العبد بشر المنازل عند الله مقيت عنده متعرض لمساخطه يوشك ان يفضحه في دنياه او قبل اخراه ان لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح وتبديل السيئات الحسنات. ثم قال فحقيق بمن لنفسه عنده اي قدر ومنزلة ان يربأ بها عن هذه الخصلة الدميمة اي من تتبع العورات ونشرها. قال ويتأمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم ويتأمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة. وقوله صلى الله عليه وسلم يا معشر شر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته. واعظم الفظيحة ان يفضح العبد على رؤوس اوصي الاشهاد. فكم من انسان يستتر اليوم عن الناس بجلوسه في غرفة ربما تكون مظلمة. ثم يحرك من ازرار هذه ما يكون وقيعة في علماء المسلمين وطلبة العلم منهم. ويظن ان احدا لا يعلم عنه شيئا. ولكن الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء. ولئن ستره اليوم ظلمة الليل والجدران. فيوم القيامة لا يستره شيء بين يدي الله فيفضحه الله في اعظم مشهد ويظهر له من القبائح في اوسع مقام فيكون له من الفضيحة العريضة والذكر السيء ما يذكر به الانسان سوء قبيحته التي جاء بها في الدنيا. وهذا اعظم وازع للعبد عن ان يظن ان ما يفعله من الفضائح والقبائح التي يبث بها الشر بين المسلمين في هذه الوصايا في هذه الوسائل لا يطلع عليها احد فان الله مطلع عليها ان فضيحة الله لاحد اعظم فضيحة فان فضائح الناس للناس تستر او تنسى واما فضيحة الله للعبد فلا تستر ولا تنسى نسأل الله سبحانه وتعالى ان يسترنا فوق الارض وان يسترنا يوم العرض ثم ذكر رحمه الله ان هذا الوعيد الشديد الذي ذكرناه في عموم المسلمين. واما العلماء والصالحون فالوقوع به ان اقبح واقبح وهو علامة على معاداة الله ومحاربته لان الله قال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب. وقد قال بعض السلف ان لم يكونوا العلماء ان لم يكونوا العلماء اولياء الله فلا ادري من هم اولياؤه؟ فاذا عاد العبد اولياء الله من العلماء وطلبة العلم فقد بارز الله سبحانه وتعالى وحاربه وويل لمن بارز الله سبحانه وتعالى وحاربه. ثم قال رحمه الله بعد ذكره ما تقدم. وصدق رحمه الله فان ولاية الله انما تنال بحسب قيام العبد باوامر الله اي ان العبد لا يكون وليا لله الا على قدر لما يقوم به من امر الله واعظم ومن اعظم من يقوم بامر الله هم اهل العلم الساعون في طلبه فان هؤلاء لهم من ذلك اكبر نصيب. قال فانه لا يكاد ينال العبد طرفا من العلم يصير فيه رأسا حتى يجتهد ويجد ويمضي عليه زمان طويل وهو متجرد لطلب العلم. تاركا لما عليه اهل الدنيا مستغرقا لاكثر اوقاته واشرف ساعاته بالاشتغال بالعلم الذي هو بنفسه اجل الطاعات وهم احرى بولاية الله من غيرهم. اي ان من رأيته قد نال حظا من العلم وحاز منه نصيب وافرا فانه لم ينله بمال ورثة ولا باب اعقبه ولا برئاسة تأثلها وانما ناله بجد واجتهاد وسهر في الليل والناس نيام ومكابدة لمشاق العلم الذي طلبه من افضل الطاعات. فحينئذ هو حقيق بان يكون من اولياء الله ومن تعرض لاولياء الله فويل له من الله. قال رحمه الله فكيف يمكن بالقدح فيهم من غلبت عليه الشقاوة وافنى زمانه بالقيل والقال ولم يضرب مع مع الصالحين بسهم من نفائس الاعمال فلا تراه بعيدا عن عن امر دينه ولا مجالسا للعلماء على وجه الاستفادة منهم بل لو سئل عن ادنى مسألة من امر دينه لم ينطق ببنت شفته اي لم يتكلم بكلمة ومع هذا فقد اطلق لسانه بسلب العلماء واهل الدين زاعما في فيما قاله انه مصيب يرخي المرء ليتا لهذا ويصغي اليه سمعا ويقبل منه ان يتكلم في احد من العلماء والصالحين مريد تنقصه والوقوع فيه وهو خلو من الاشتغال بالاعمال الصالحة فارغ من مجالسة العلماء مشغول بالقيل والقال والبطالة والعطالة. ثم قال بعد ذكر من هذه حاله؟ قال نعم. قد اصاب طريق اهل الشر والتحق بالحيوانات الخسيسة التي تترك الاطعمة الطيبة وتذهب الى الجيفة ونحوها من الاطعمة الخسيسة كالذباب الذي يقع على العذرات وغيرها ولا يقع على العسل. قال لتركه المحاسن واقباله على ما ظنه مساوئ وانحرف عن طريق اهل الخير فليس بكفؤ ان يذكر معهم وانما يذكر لان لا يغتر به المغترون ويقع بشبكته الجاهلون اولئك كثير لا كثر الله سوادهم. وقد استولى كثير منهم في البلاد الاسلامية على منابر الاعلام وغيره. فتراه قد جعل العلم اهله موقعا للسخرية والهمز واللمز فمن الغبن المستبين والجهل المبين ان يسمع المسلم الى هؤلاء وان يقبل منهم قولهم وان يقع في علماء بلده وطلاب العلم ويغفل العبد عن ان هؤلاء هم اولياء الله سبحانه وان التعرض لهم من اسباب الخذلان في الدنيا والاخرة. وكما قلت سابقا ما لمحت بلدا تولد فيه شر اليوم الا كان منشأه من كون هذا البلد كان دارا للعلم ومنارا له. فلما طوي بساطه وخمدت ناره وذهب اهله تكاد اهل الشر فيه فلا يزال الشر يكثر بكثرتهم. فان تدارك النفس الناس انفسهم واعادوا للعلم بهجته. ووقروا اهله حثوا ابناءهم عليه اعاد الله سبحانه وتعالى الى البلد خيرا. فان بلاد الاسلام لا تحفظ الا بالاسلام اذا كان الاسلام قويا صار البلد قويا. واذا كان الاسلام فيه ضعيفا فلا يزال البلد من ضعف الى ضعف ومن شر الى شر ومن بلاء الى بلاء نسأل الله ان يتدارك المسلمين برحمته نعم قال رحمه الله فصل ومن اعظم ما يجب الاعتناء به على اهل العلم الا يجعلوا الاختلاف بينهم في المسائل الدينية التي لا يخرج المخالف فيها الى البدع او الشرك سببا وداعيا الى التفرق وتشتيت القلوب. وموجبا للقدح يعني بسببها والموالاة والمعاداة عليها. فان هذا ظلم وتعدي. لا يحل باجماع المسلمين فما زال السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يختلفون في مسائل الدين ولا ينكر بعضهم على بعض. ولا ولا بغضهم على بعض ان يتبعه والا ضلله ولا يوجب بعضهم على بعض اي ان يتبعه والا ضل له. فان هذه مرتبة لا تصلح الا للرسول صلى الله وعلى الا للرسل صلوات الله عليهم. فهم الذين يضلل مخالفهم واما من عاداهم فلم تضمن له العصمة. ومن الله بعباده ان جعل اختلاف هذه الامة رحمة رحمة ليثيب المصيب ويعفو عن المخطئ حجة ونجاة وعصمة. فالواجب على اهل العلم ان يبذلوا جهدهم بتحري الحق والصواب. والا يضللوا المخالفين فلهم لهم مثلهما اخطأ او اصاب وهذا في جميع المسائل التي تعارضت فيها اقوال سلف الامة بحسب ما اداهم اليه اجتهادهم وذلك مثل وذلك مثل من يرى ان الماء لا ينجس الا الا بالتغير بالنجاسة لا يجوز له القدح في من يرى انه ما لم يبلغ قلتين ينجس بمجرد الملاقاة وبالعكس. وكذلك من يرى ان الماء تعمل في رفع الحدث يصير طاهرا غير مطهر. لا يضلل من يراه طاهرا مطهرا وبالعكس. ولا من يرى ان الصلاة في وبالنجس ناسيا تعاد على من لا يرى الاعادة وبالعكس ولا من يرى وجوب صوم ليلة الثلاثين من شعبان في الغيم على من استحباب الفطر او اباحته ولا ولا العكس. ولا من يبيح فعل النوافل ذوات الاسباب في اوقات النهي. على من يمنعها وبالعكس وامثال هذه المسائل التي لم يزل الخلاف فيها بين السلف والى الان فلا يحل لمن يرى احد القولين فيها ينكر على غيره على وجه القدح به فان هذا ظلم لا يجوز. بل وظيفة اهل العلم في مثل هذه المسائل الخلافية يبينوا ما يرون انه انه الصحيح بحسب قدرتهم بالدليل الشرعي الذي هو الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار بالقياس والحكم بضعف القول الاخر بالدليل الشرعي وان يردعوا من جعل هذا الخلاف سلما للاختلاف لانه بعيد عن الانصاف. نعم ان ظهر من احد من اهل العلم مخالفة مخالفة بينة لدليل شرعي صريح فانه يجب نصحه ويبين له الدليل الشرعي باقرب الطرق ولا يجعل ولا يجعل تأنيبه او غيبته في المجالس بدلا من نصحه. فليست فليست هذه طريقة اهل الانصاف. بل طريقتهم النصيحة سرا وعدم اشاعة الفاحشة. وبالجملة فالواجب على اهل العلم وغيرهم السعي في معرفة الحق في تنفيذه والعمل به والتعاون على ذلك. وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه سواء وافقه او خالفه فكما انه اذا وقع منه خطأ وزلل لم يحب اطلاع احد عليه. بل يحرص على ستر نفسه فكذلك ينبغي بان ينزل اخاه منه بهذه المنزلة. وان يحمل ما يصدر منه على احسن على احسن محمل. فان الجزاء من جنس امل فمن كان عمله مع اخوانه هكذا ستره ستر الله عليه باسباب يعلمها واسباب لا يعلمها لا يحصل لمن لم يكن بهذه المثابة. فكما اسباب لا يعلمها واسباب واسباب لا يعلمها واسباب لا ستر الله عليه باسباب يعلمها واسباب لا يعلمها سترا لا يحصل لمن لم يكن بهذه المثابة. فكما تدين تدان جزاء وفاقا. فنسأل الله تعالى واخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه. وان يصلح احوال المسلمين. امين. ويؤلف بين قلوبهم. ويهديهم سبل السلام الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم لما فرغ المصنف رحمه الله من امر عامة المسلمين بما ينبغي عليهم في حق العلماء وطلاب رجع الى بيان ما يجب ان يكون عليه اهل العلم علماء وطلابا بينهم. فقال ومن اعظم ما يجب الاعتناء به على اهل العلم ان لا يجعلوا الاختلاف بينهم في المسائل الدينية التي لا يخرج المخالف فيها الى البدع او الشرك سببا وداعيا الى التفرق وتشتيت القلوب وموجبا للقدح والطعن بسببها والموالاة معاداة عليها فانما سبق بيانه من الكلام مما يتعلق بالاختلاف والتفرق ما دام في دائرة الاسلام والسنة. اما ان خرج عنها الى البدعة والشرك فالامر كما ذكر المصنف ان القول فيه قول اخر. فانه بعضهم بعضا ما دام ذلك دائرا بين الادلة المحتملة المختلفة في امر هو من الاسلام والسنة. اما ان كان المخالف يفضي الى المخالفة في امر يقع فيه ببدعة او شرك فالامر امر اخر فان الواقع في الشرك والبدع ينكر عليه ابلغ النكير ويحذر منه اشد التحذير حسما لشره ومنعا لبلائه في المسلمين فذكر ان الاختلاف في المسائل التي تقبل الاختلاف مما يدور في دائرة الاسلام والسنة لا ينبغي ان تكون موجبة الى التفرق والاختلاف وتشتيت المؤمنين ونزاعهم وخصوبتهم. قال فما زال السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يختلفون في مسائل الدين. ولا ينكر بعضهم بعضا. ولا يوجب على بعض ان معه ولا ضلله. ومعنى قوله ولا ينكر بعضهم على بعض يعني انه لا يعده منكرا. اما رد قول فالامر كما قال الامام احمد لم يزل الناس يخطئ بعضهم بعضا. فالتنازع في المسائل العلمية بالاختلاف فيها مما جرى عليه خلاف اهل العلم لكنهم يلزمون في ذلك الامر الجامع الذي ذكره ابن رجب بايسر مقال وهو اصابة الجواب وحسن الخطاب. فيتصف العبد بان يكون مصيبا في كلامه الذي يقول وان يتأدب في خطابه لغيره من اهل العلم. ثم قال فالواجب على اهل العلم ان يبذلوا جهدهم بتحري الحق والصواب الا يضللوا المخالف لهم مثلهم اخطأ او اصاب. قال وهذا في جميع المسائل التي تعارضت فيها اقوال للامة بحسب ما اداهم اليه اجتهادهم. فالناس مختلفون في مسائل من العلم لاختلاف منتهى اجتهادهم بما ادركوا من ادلة الكتاب والسنة والاجماع والقياس كالمسائل التي ذكرها المصنف في كتاب الطهارة. ثم قال بعدها وامثال هذه المسائل التي لم يزل الخلاف فيها بين السلف والى الان. فلا يحل لمن يرى احد القولين فيها ان ينكر على غيره وجه القدح به لا على وجه بيان مخالفته في قوله. قال فان هذا ظلم لا يجوز. ثم ذكر وظيفة اهل للعلم فقال بل وظيفة اهل العلم في مثل هذه المسائل الخلافية ان يبينوا ما يرون انه الصحيح بحسب قدرتهم الشرع وان يردعوا من من جعل هذا الخلاف سلما للاختلاف لانه بعيد عن الانصاف. فالمسائل الخلافية في دائرة الاسلام والسنة ليست لواء ينصب عليه الموالاة والمعاداة. فمن قال بهذا القول فهو معي ومن قال في ذلك القول فليس معي بل قال من قال في هذا القول فانا له ولي ومن قال بهذا القول فانا له ولي. فاولئك الفقهاء الذين يرون ان اكل لحم الجزور ينقض الوضوء هم اولياء لي كما ان اولئك الذين لا يرون انه ينقض الوضوء هم اولياء لي فاولئك قالوا بدليل وهؤلاء قالوا بدليل وكلهم مجتهد طالب اصابة الحق. ثم قال نعم ان ظهر ارى من احد من اهل العلم مخالفة بينة لدليل شرعي صريح فانه يجب نصحه. ويبين له الدليل الشرعي اقرب الطرق يعني باوضحها واجلاها ابتغاء رجوعه الى الحق لا ابتغاء الظهور عليه. قال ولا يجعل او غيبته في المجالس بدلا من نصحه اي ان يكون لحمه مشاعا بالوقيعة فيه غيبة ونميمة. قال فليست هذه طريقة اهل الانصاف بل طريقتهم النصيحة سرا وعدم اشاعة الفاحشة اي طريقتهم في الرد على من خالف الدليل الصريح من اهل العلم ان يسعوا بنصحه بالسبيل المؤدية الى ذلك. وامثلها النصيحة له سرا. ولا تلزم بل قد ينصح له علانية اذا اخطأ علانية لكن اذا كان يرجى رجوعه عن تلك المقالات فاحرى لادامة وبالمسلمين على الوئام ان يسعى في ذلك سرا ليرجع عنه. ولو اظهر الرد عليه في قالب الادب مع حسن لم يكن ذلك مذموما فلم يزل الناس على ذلك ثم قال وبالجملة فالواجب على اهل العلم وغيرهم السعي في معرفة الحق والاجتهاد في تنفيذه والعمل به والتعاون على وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه سواء وافقه او خالفه. فينبغي للعبد في كل حال ان ينزل منزلة غيره كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن كان يؤمن بالله فمن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلتأته منيته وهو على ذلك وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه يعني ليعامل بالذي يحب ان يعامله الناس به. وهذا ميزان العدل في معاملة العبد غيره. ثم ختم رحمه الله تعالى بالدعاء للمؤمنين فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه وان يصلح ذات بينهم وان يؤلف بين قلوبهم وان يقوي جمعتهم ويذهب الضغينة بينهم وان يجمعهم على الحق والبر والتقوى وان يكفيهم شر الاعداء وان يحييهم جميعا على خير حال ويميتهم على خير حال وهذا اخر البيان على هذا الكتاب بما يناسب من المقال. اكتبوا طبقة السماع سمع علي جميع كتابي الحث على اجتماع كلمة المسلمين بقراءة غيره صاحبنا ويكتب اسمه تاما فتم له ذلك في مجلس واحد بالميعاد المثبت في محله من نسخته واجزت له روايته عني اجازة خاصة من معين لمعين في معين يعني من معين المتكلم. لمعين لاحدكم سواء كان معه نسخة ام لم تكن معه نسخة؟ في معين اي في الكتاب المذكور. باسناد المذكور في عقود الابتهاج لاجازة وفود الحجاج الحمد لله لله رب العالمين صحيح ذلك وكتبه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي يوم الثلاثاء الثلاثين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين واربعمائة والف للمسجد الحرام بمدينة مكة المكرمة