السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي جعل الحج مقاما للتعليم وهدى فيه من شاء من عباده الى الدين القويم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما علم الحجاج وعلى اله وصحبه خيرة وفد الحاج اما بعد فهذا شرح الكتاب الثاني عشر من برنامج تعليم الحجاج في سنته الاولى ثلاث وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وهو كتاب الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين بعد الثلاثمائة والالف نعم الصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في كتابه الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وعليه اتوكلت الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الله تعالى خلق خلقه من العدم واوجدهم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا. ليعبدوه وحده لا شريك له ويطيعوه ويتقوه ومدار ذكره ومرجعه على اداء حقوقه وحقوق عباده اللازمة والمستحبة التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وهي شعب كثيرة واقسام فمنها ما هو اصول ومنها ما هو احكام ومنها ما هو قواعد كلية تندرج تحتها كثير من الاحكام الجزئية ومنها مقاصد ومطالب ومنها ما هو موصل اليها وكلها ترجع الى تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها من اعظم الاوامر الالهية والشرائع السماوية والوصايا النبوية. الاعتصام بحبل الله جميعا واتفاق كلمة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم والحث على هذا بكل طريق موصل اليه من الاعمال والاقوال والتعاون على ذلك قولا وفعلا. والنهي عن التفرق والاختلاف وتشتيت شمل المسلمين. وازدجروا عن جميع الطرق الموصلة اليه بحسب يا هذا الاصل العظيم الكتاب والسنة واجماع الانبياء والمرسلين واتباعهم الى يوم الدين. قال تعالى امرا عباده بالتمسك بحبله الذي هو دينه ولاجتماع عليه. ناهيا لهم عن التفرق والاختلاف. ممتنا على عباده بتوفيقه لهم لذلك. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن ان الا وانتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. الاية وقال تعالى ناهيا عن التنازع والاختلاف. مخبرا انه سبب للفشل وعدم النصر على الاعداء. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. الاية وقال مذكرا عباده بنعمته التي لا يقدر عليها الا العزيز الحكيم والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم. وقال ذا من المنافقين بتباغضهم وتفرق قلوبهم ولو اجتمعت اجسامهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. وقال جل جلاله وقال لقد هي للمخاطبين الداعي لتأليفهم واجتماعهم وعدم تفرقهم. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. الاية وصف الله المؤمنين بانهم رحماء بينهم ووصف رسوله بانه رؤوف رحيم. وقال لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا وعلى الاثم والعدوان ومن اعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق. كما ان في تفريق كلمة المسلمين من اعظم التعاون على الاثم والعدوان. وقد قص الله علينا في كتابه برسالاته وذكر نصحهم لاممهم وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام ونهيهم عن التفرق والاختلاف مما هو وكثير في القرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قد ابدى في هذا الاصل واعاد. وامر العباد ونهى عن التفرق المفضي الى الفساد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوان المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ومن اعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم ونهيهم عن التفرق. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للانصار منبها لهم بمنة الله عليهم بهدايتهم واجتماعهم وغناهم بسببه. يا معشر الانصار الم اجدكم ضلالا فهداهم الله بمتفرقين فجمعكم الله عالة فاغناكم الله بي. كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله امن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا لاصحابه عن تبليغه الكلام المغير القلوب لا يبلغني احد عن احد شيئا فاني احب ان اخرج اليكم وانا سليم الصدر. وقال ما شاوره بعض اصحابه في قتل بعض المنافقين لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه اي لما فيه من تنفيذ عن الاسلام لمن يسلم فتركهم وهم مستحقون للقتل تأليفا. وكان صلى الله عليه وسلم من يبعثه للدعاية لدين الاسلام وتعليم الشرائع فيقول بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا لا تعسروا وتطاوعوا ولا تختلفوا. وقال صلى الله عليه وسلم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فاخبر ان الاختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن. وقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم. وكل هذه الاحاديث في عليه وسلم النهي عن الخروج عن ولاة الامور. والسمع والطاعة لهم وان ظلموا وعصوا. وما ذاك الا الا لما في الخروج عليهم من الشر العظيم. وقد امر الله ورسوله باجتماع المسلمين في كثير من العبادات. كالحج والاعياد والجمعة والجماعة لما في اجتماعهم من التواجد والتواصل وعدم التقاطع. ونهى الله ورسوله هو عن الغيبة والنميمة والسعاية والتقاطع والخيانة والحسد والحقد ونحوها. لما فيها من الفساد وتشتت وامر بالاصلاح بين الناس بكل طريق. حتى انه اباح الكذب المتوصل به للاصلاح. لما فيه من صلاح وبالجملة فمن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاته للخلق قريبهم وبعيدهم من لين الجانب والسماحة التامة والخلق العظيم بالعفو عن اهل الجرائم وتأليف القي للدخول في دين الاسلام واعطاء المؤلفة قلوبهم ليسلموا ويقوى ايمانهم وتركه كل ما فيه تنفير حتى انه صلى الله عليه وسلم يترك الافضل الاكمل ويفعل ما دونه مراعاة لقلوب الخلق. وقد كان هم في بنيان الكعبة على قواعد ابراهيم فقال لعائشة لولا ان قومك حديث عهد بجاهلية لنقضت قواعد الكعبة وجعلتها على قواعد ابراهيم. فمن تأمل هذا عرف انه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السمحة فاذا علمت ذلك عرفت ان من اهم قواعد الدين علمائها وولاتها وفي المرسلين. النصيحة لكافة الامة والسعي في جمع كلمة المسلمين. وحصول التائب الوا في بينهم وازالة ما بينهم من التباغض والتشاحن والاحن. وان هذا الاصل من اعظم معروف به واضاعته من اعظم منكر ينهى عنه. وان هذا من فروض الاعيان اللازمة لكل الامة وعلمائها وولاة وعوامها بل هي قاعدة لا يتم الايمان الا بها. فتجب مراعاتها علما وعملا. وان كان الامر كذلك لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية التي لا يمكن حصرها. وفي اضاعة من المضار الدينية والدنيوية ما لا يمكن عدها. فلذلك عقدت لهذا فصلين. الجملة ده اصلا عظيما من اصول الديانة وهو مدح الاجتماع وذم الافتراق وابتدأ بيانه بذكر ان الله عز وجل لما خلق الخلق فامرهم بعبادته جعل ما امرهم به على درجات متفاوتة فمنها شرائع هي اصول ضرورية لازمة للعبد. ومنها احكام دون ذلك ومنها قواعد كلية تضطرب في ابواب الديانة وتلتئم فيها احكام متفرقة ومنها ما هو وسائل الى تلك المقاصد وهي تجتمع جميعا في بيان ان غاية الشريعة العظمى هي هي تحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها فالشريعة الغراء مبنية على هذا بل ذهب ابو محمد ابن عبد السلام الى ان الشريعة كلها مبنية على جمع المصالح وان ذكر درء المفاسد انما وقع على وجه التبع فان طلب تحصيل المصالح يستدعي بالضرورة طلب وأد المفاسد المسمى في عرف الأصوليين والفقهاء بدرء المفاسد ومن جملة ما رغب الشرع به من تلك المصالح المطلوب تحصيلها وتكميلها الحث على الاعتصام بحبل الله عز وجل واتفاق كلمة المسلمين وائتلاف قلوبهم فان هذا اصل اصيل وركن اكيل من مقاصد الشرع التي ابدى فيها الشرع واعاد بطرائق عدة ومسالك متنوعة فمن جملة ذلك ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى اصلا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وحبل الله له معنيان احدهما عام وهو دين الله الذي هو الاسلام والاخر خاص وهو كتاب الله وهما معنيان متلازمان. فمن اعتصما بكتاب الله اعتصم بدينه. ومن اعتصم بدينه اعتصم بكتابه. الا ان حبل الله يأتي تارة في خطاب الشرع او كلام الصحابة والتابعين على ارادة المعنى العام. ويأتي تارة اخرى على ارادة المعنى الخاص والاية المذكورة كما سبق انفا اصل في الامر بالاجتماع. اعني قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فان الاية شيئين احدهما الامر بالتمسك بحبل الله عز وجل ولاجتماع عليه واكد طلب الاجتماع بقوله تعالى جميعا تنبيها الى عدم تخلف احد منهم وسياق الاية متسق دونها فلو قيل واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا وقعت وقعت الجملة موقعها من البيان لكن لما ادخل فيها ذكر قوله تعالى جميعا كان ادخاله تنبيها الى ضرورة الاجتماع عليه فان التمسك الصادق هو الذي يقارن اهله اجتماعهم وائتلاف قلوبهم عليه والثاني النهي عن التفرق في قوله تعالى ولا تفرقوا والنهي للتحريم كما هو مقرر في نهي الله عز وجل عن التنازع وانه ينشأ منه الفشل في قوله تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم فمات تنازع المسلمون خاصتهم وعامتهم الا اورثهم ذلك التنازع الفشل الذريع المبادرة اليهم فالنجاح والفلاح لا يجامع التنازع وانما يجامع التنازع الفشل فهو المقارن له فلا يوجد التنازع الا ويقارنه الفشل. وفي الاية تصريح بالنهي عن التنازع وانه مذموم مدحور في الشرع فان قال قائل فقول الله سبحانه وتعالى وان تنازعتم في شيء فردوه فان قوله فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول اذن بالتنازع منهيا عنه فما الجواب واضح؟ واضحة الاشكال ليس باشكال لكن سمها ايش ذكر حقيقته نعم ان قوله سبحانه وتعالى وان تنازعتم في شيء خبر عن وقوعه قدرا لا ارادته شرعا وقوله تعالى ولا تنازعوا خبر عن حكمه الشرعي وانه منهي عنه فجريانه قدرا لا يؤذن بتسويغه فلا تكون الاية المذكورة مرشدة الى تسويغ التناسع واباحته وانه لا محظور فيه. لان قول الله سبحانه وتعالى ولا تنازعوا صريح في النهي عنه فانه واقع في الوضع اللغوي على ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى امتنان الله عز وجل على المؤمنين بتأليف قلوبهم. فقال والف بين قلوب بهم وكانت هذه الفة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم اليهم ورحمته صلى الله عليه وسلم لهم فبرحمته صلى الله عليه وسلم لهم اجتمعوا وائتلفوا على الحق الذي دعاهم اليه. وهذه الاية اصل لما ذكرته انفا من ان المقصود في الشرع حصول الفة القلوب. واما ما يذكر من امر الوحدة الاسلامية فانها ليست في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام متقدم اهل العلم. وانما هو شيء يوجد في الخيال ولا يوجد في الاعيان وانما المطلوب شرعا الممكن وقوعه هو حصول الالفة كما امر الله سبحانه وتعالى بها. فالمأمور به شرعا هو الالفة الاسلامية الوحدة الاسلامية فسراب لا وجود له. ثم ذكر رحمه الله تعالى ما بينه الله عز وجل من حال المنافقين وانهم متفرقون كما قال تعالى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى واذا كان التفرق حال اهل النفاق فان الاجتماع والائتلاف حال اهل الايمان فان الاحوال الايمانية تباين احوال اهل النفاق ثم ذكر من اوصاف المؤمنين انهم رحماء بينهم. فكل واحد منهم يرحم اخاه بما يبديه له من المعاملة بينه وبينه وليس المقصود بالرحمة مجرد وجود الشفقة. فان وجود الشفقة رحمة في مقام. كما ان وجوده تعنيف والتأديب رحمة في مقام اخر واعتبر هذا فيما شرعه الله عز وجل المقدرة شرعا كالردة والزنا وغيرها. فان وضع تلك الاحكام لا يراد به اهانة الخلق وابتذال وانما المراد به رحمتهم باخراجهم من حمأة الذنوب التي تلطخوا بها بتطهيرهم الى ما ينقلهم الى حال ايمانية اكمل وذلك فيما شرعه الله عز وجل من الحدود. فما يبدر في الاحكام الشرعية من الغضب والتعنيف في مقام لا تخالف الرحمة بل هي الرحمة المناسبة لتلك الحال. ثم ذكر وصف النبي صلى الله عليه وسلم في اخر سورة التوبة بقوله تعالى بالمؤمنين رؤوف رحيم. فكان صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما. والمقتدي به حقيق ان يكون له حظ من رأفة ورحمته صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين. ثم ذكر ما امر الله عز وجل به من الاقتداء به في قوله تعالى لكم في لرسول الله اسوة حسنة. ومن التأثي به كون العبد رحيما رؤوفا باخوانه من المؤمنين. ثم ذكر ما جاء في الكتاب من الامر بالتعاون على البر والتقوى والحذر من التعاون على الاثم والعدوان. ثم قرر ان من اعظم البر السعي في جمع كلمة واتفاقهم بكل طريق كما ان السعي في التفريق بين المسلمين من اعظم التعاون على الاثم والعدوان. ثم ذكر طرفا من حال الرسل الذين ذكرهم الله عز وجل في كتاب به وما اتفق لهم من نصحهم اممهم بالاجتماع وتحذيرهم من الاختلاف والتفرق ثم ذكر احاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في الامر بالاجتماع والنهي عن التفرق المفضي الى الفساد. كنهيه صلى الله عليه وسلم عن ادرى الى اخر والتدابر الى اخر ذلك وما فيها ايضا من امره صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لائمة المسلمين وعامتهم ومن اعظمها النصيحة لهم فيما يؤلف بين قلوبهم. واورد من جملة ذلك الاصل الكلي الذي تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن الخروج عن ولاة الامر والسمع والطاعة لهم وان ظلموا وان عصوا لما في الخروج عليهم من الشر العظيم. فانه لا يلتمس احد ازالة شر من الشرور القائمة بالخروج على الامام المنصوب الا كان ما يتولد بعده من الشر اعظم. ذكره ابو العباس ابن تيمية في منهاج السنة النبوية وتلميذه ابن القيم في اعلام الموقعين. وهذا الاصل الذي شيدته الشريعة لا يراد به حفظ السلاطين المراد به حفظ جماعة المسلمين فلا يستقيم امر جماعة المسلمين الا بولاية يرد اليها تدبير الامر وذلك المتولي هو قائم باحد المقامات التي يناب فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم. فان مقام النبي صلى الله عليه وسلم فيه منازل عدة ففيه مقام الامامة ومقام الافتاء ومقام التعليم ومقام القضاء وكل واحد من هذه المقامات صار في الامة من يتولى تدبيره والقيام تدبيره والقيام به. فمن تولى امر الناس بولاية الامامة فهو نائب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها. والواجب عليه ان يقوم فيهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به فان عدل وظلم وجار ولم يخرج من الاسلام فقد عن الخروج عليه لا لاجل سواد عينيه ولا لحفظ كرسيه وانما لحفظ جماعة المسلمين. فالمقاصد عظم من الامر بالسمع والطاعة لا يراد بها حفظ احد من الخلق بل المراد حفظ المسلمين كلهم. ومن ظن لجهله ان المراد بها اقامة عروش الظلم والجور فذلك من سوء الظن باحكام الله سبحانه وتعالى. وكثير من متكلمين في هذه المسائل اليوم يقعون في سوء الظن بالله سبحانه وتعالى. وربما بدر من كلامهم ما يتضمن ان غير الشريعة خير للناس من الشريعة حتى قال قائلهم ان اودى المسلمين اليوم لا يقام ولا يحفظ الا بالانظمة الموجودة في العالم الغربي مما يسمى الديموقراطية. وهذه مقالة عظيمة ان اعتقدها فهي مقالة كفرية لان الله سبحانه وتعالى لما جعلنا مسلمين انزل علينا كتابا عظيما وسيرنا في دين كافل كامل كافل باصلاح احوال الناس في دينهم ودنياهم. فلا ينبغي ان ينجرف المرء ولا سيما طالب العلم وراء الدعوات التي تظهر فان لكل طبل قارع ولكل زمان خطير ولكن الذي يبقى هو دين الله عز وجل الذي لا يتغير ولا يتبدل. فينبغي ان يعرف المرء ما في الشرع الحكيم مما يتعلق بهذه المسائل. ثم ينزله منزلته او دون غلو ولا جفاء. ولا يتمكن المرء من ذلك الا بالاقتداء بالعلماء الراسخين. واما ان يجري وراء كل هيعة تصرخ في اطراف العالم الاسلامي فيجلب بخيله ورجله وراءها دون تبين فانه سيذكر انجلى الغبار افرس تحتك ام حمار وهذا حال الفتن فانها اذا اقبلت خفيت وغمضت على عامة الناس ولا يتبينها الا العالم الراسخ فاذا ذهبت عرفها كل احد فالسلامة في معرفة احكام الشريعة المتعلقة بهذه ومن لم يكن له نزع حسن منها فعليه ان يتقيد بما عليه العلماء الراسخون وهم في كل بلد بحمد الله ظاهرة فكما ان المتولين في البلاد الاسلامية لا يجهلون فيعرف ان حاكم هذا البلد هو فلان ابن فلان فكذلك العلماء في كل بلد لا يجهلون. وتعريفهم عامة الناس قبل خواص الخلق نعم. قال رحمه الله تعالى فصل في بعض مفاسد الاختلاف والتنازع والتباغض والتهاجر ومضارها لا يستريب عاقل ان تبارك وتعالى لم ينهنا عن امر من الامور الا وفيه من المفاسد العامة قاصة ما اوجبته حكمته ورحمته. فاول مضار التشاحن والاختلاف اضاعة هذا الاصل العظيم معصيته الله ورسوله الموجب للعقاب وحرمان الثواب. ونقصان الايمان وحصون الحسرة والخسران. اهمال ما ادلت عليه الايات القرآنية والاحاديث النبوية. ومنها ما يترتب عليها من الاقتتال والاختصام والموالاة المعاداة التي تجعل المسلمين فرقا. كل فريق يريد نصرة قوله بحق او باطل. فيحصل بذلك من ارتكاب الخطأ والضلال والهوى من المفاسد العامة والخاصة. ما لا يعلمه الا الله. ويترتب على ذلك ترك الحق الذي للشخص الذي جاء به فيوجب له بغض ما معه من الحق ويحصل بسبب ذلك من الغيبة والنميمة ما هو من اكبر المعاصي ويتحير مريد الهدى حسن القصد اذا كان قليل البصيرة فلا يهتدي ولا يدري اي الطائفتين يتبعه في غيره. ويجد سيء القصد المتبع لهواه مجالا يجول فيه جالا يجول فيه باعراض العلماء والصالحين وولاة امور المسلمين فينتسب بقوله لطائفة ويتلبس لباسها على قلب منافق مكار مخادع فيتوصل بذلك الى مقاصده الخبيثة ويبذل في قلوب بمن انتسب اليهم ما يقدر عليه من البذور التي تنتج الخزي والفضيحة. وليس الاسف على هلاك شأنه وهذا غاية قصده فانه بسبيل من هلك. وانما الاسف كل الاسف لمن يلقى اليه سمعه يمكنه من قلبه ولبه ويصغي اليه ضانا نصحه وهو في الحقيقة اكبر عدو غاش. هذا بعض ما انتجته الاختلاف ومنها انه يستدرج بالمفترقين الى المباعدة والمهاجرة حتى لا يتعلموا وبعضهم من بعض ولا ينصح بعضهم بعضا فيضيع من المصالح التي هم بصددها لو كانوا مجتمعين. ما هو من اهم الواجبات واكبر القربات واجل الطاعات. الى غير ذلك من طمع اعدائهم بهم كلمتهم وتشتت امرهم. لما قرر المصنف رحمه الله تعالى ان الشريعة جاءت بالامر بين رحمه الله تعالى في هذا الفصل بعض مفاسد الاختلاف والتنازع والتباغض والتهاجر لان كل منهي عنه شرعا فلا بد ان يتضمن مفسدة او اكثر. ومن جملة ذلك الاختلاف والتنازع فانه منهي عنه وفيه جملة من المفاسد. ذكر المصنف رحمه الله تعالى منها اضاعة هذا الاصل العظيم. وهو اقامة الجماعة والفة القلوب فان التنازع والتباغظ يؤول الى افتراق المسلمين واختلافهم. واذا افترق الخلق منهم واذا افترقا الخلق صاروا في حال مفارقة لما امرت به الشريعة وصار لهم حظ من قول الله تعالى ان الذين دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. والمراد انك لست ايها الرسول صلى الله عليه وسلم منهم في على الدين الذي جئت به فان الدين الذي جئت به يأمر بالاجتماع ويحذر من الافتراق. ومن تلك المفاسد ما يترتب على الافتراق من خصومة ومعاداة واقتتال تجعل المسلمين فرقا واحزابا. كل حزب بما لديهم فرحون. ويترتب على ذلك ان كل منتسب الى حزب منهم يسعى الى نصرة ما هو عليه. فان حبك الشيء يعمي ويصم. واذا اشربت القلوب حب قول من من المقالات وتحزبت عليه فان من يقوم في نصرته يجلب بخيله ورجله ابتغاء رفعة هذا القول ومن يدين به فيكون من اسباب ذلك كتقوية قطع اواصل الصلة بين المسلمين وتأكيد افتراقهم الى احزاب وطوائف يعادي بعضها هذه الخصومة يؤول باهلها الى المباعدة والمهاجرة. فهم يفترقون ثم يتصارمون. فيهجر بعضهم بعضا ويقطع بعضهم بعضا ويولي بعضهم بعضا ظهره ولا يقبل احد منهم على اخيه فتنقطع منافع المنافع بينهم فلا يتعلم بعضهم من بعض ولا ينصح بعضهم بعضا. فتضيع بذلك مصالح عظيمة هي من اهم الواجبات واكبر القربات كما قال المصنف فيحتجب عن كل طائفة من الخير بقدر ما عند الطائفة الاخرى فتترك هذه الطائفة الخير الذي عند تلك لعدم تمكنها من اخذه. وبالمقابل تكون تلك الطائفة على حال تقابلها فتترك ما عند تلك الطائفة من الخير. والاسلام جاء بالخير كله. فمن اراد ان اخذ اسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وترك ما بعده من انواع الاسلام التي احدثها الناس. فان الناس لا يزالون يحدثون انواعا من الاسلام يلبسونها اثوابا يحبونها ويميلون اليها. وكل حزب بما لديهم فرحون فمستقل ومستكثر ومن اراد ان يكون على الاسلام الكامل فلينظر الى دين النبي صلى الله عليه وسلم وليعمل اصوله الجوامع في حياته الخاصة والعامة فانه يكون على الدين المرتضى فان ذهب الى غيره فانه يكون على بعض الدين كالحال الواقعة بين المسلمين اليوم فانهم توازعوا في كثير من البلاد بينهم دين الله عز وجل. فصارت كل طائفة منهم تنوء بحمل قدر من الدين تجعله الاصل وتعدم ما سواه وتقابلها طائفة اخرى تجعل كل طائفة عندها من الحق بقدر ما يوافقه من الادلة. وعندها من الباطن ترك ما سواه من الدين. واعدامه وعدم رفع الرأس اليه والواجب على العبد ان يدخل في الدين كله كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة يعني في دين الاسلام كافة فلا تتركوا منه شيئا. ولا يتمكن العبد من ذلك الا بان ينأى بنفسه. عن الدخول في عرة الاحزاب والفرق بل يكون مفارقا لها ناظرا بعين البصيرة الى احكام الشريعة فان من وفق الى ذلك عرف الدين كله وعرف ما يصلح به الناس وما تعامل به كل طائفة. واما من جعل ميزانه الهوى وما يميل اليه فانه يقع في الظلم الذي حرمه الله سبحانه وتعالى نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله اصل في فوائد اتفاق المسلمين وتحابهم والسعي في ذلك وهذا هو مطلوب المقصود الذي جرى الكلام لاجله. وهو المقصد الذي فيه يرغب المصلحون واليه شمر المشمرون. وبه تنافس المتنافسون ولمثله فليعمل العاملون. لما اشتمل عليه من المصالح العظيمة والمهمات الجسيمة وبالجملة فجميع المفاسد التي ذكرت والتي لم تذكر في مفاسد التهاجر والتباغض والتدابر بهذا الامر وتصل بصاحبها الى كل خير وتؤول. فيه تحصل الخيرات وتنزل البركات وتستجاب الدعوات وتبدل السيئات بالحسنات وباتفاق كلمة المسلمين يجتمع شمل الدين ويحصل لهم بذلك في الارض والتمكين وبه يزيد اهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والسعي في هذا من اكبر الطاعات فيزيد الايمان درجات وبالتآلف وبالاجتماع يحصل التعاون على جميع خصال البر والتقوى والخير. قال قال لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس وقال النبي صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والقيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال اصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة وفي رواية لا اقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين فاي درجة اعظم من هذه الدرجة التي زاد بها على امهات الفضائل والصيام والصدقة وقال النبي صلى الله عليه وسلم والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا افلا ااخبركم بشيء اذا فعلتموه تحاببتم. افشوا السلام بينكم. فرتب صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على وجود الايمان ورتب وجود الايمان على حصول التحاب الذي هو سبب الائتلاف. ونبه على الدواء لهذا بافشال السلام لان لين الكلام الذي من اجله افشاء السلام من اكبر الدواعي لذلك. لما ذكر المصنف رحمه الله تعالى المفاسد الناشئة من الافتراق اتبع ذاك الفصل بفصل اخر ترجمه بقوله فصل في فوائد اتفاق المسلمين وذكر انواعا من الفوائد التي ترجع الى اتفاق يوصل الناس الى تحصيل الخيرات ونزول البركات وزيادة الايمان والاستكثار من الحسنات ومجانبة المعاصي والسيئات ويجتمع عقد تلك المنافع والمفاسد في الحديث الذي رواه احمد وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الجماعة رحمة والفرقة عذاب فما شئت من مصالح فهي مندرجة في قوله صلى الله عليه وسلم الجماعة رحمة وما شئت من مفاسد فهي من مندرجة في قوله صلى الله عليه وسلم والفرقة عذاب ولو لم يكن في الدين تشييدا لهذا الاصل لكان كافيا في اقامته لما فيه من البيان المعرب عن اجتماع المصالح كلها والمنافع العاجلة والآجلة في الالفة والاجتماع واجتماع المفاسد كلها والاجلة في الافتراق والتنازع والاختلاف. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله فاصلد اذا علم هذا فالواجب على المسلمين عموما وعلى اهل العلم بخصوص ان يسعوا في هذا الامر ويتحملوا من اجله المشاق. ويبذلوا جهدهم وطاقتهم بحصول التواجد وعدم تقاطع والتهاجر ويرغبوا غيرهم فيه امتثالا لامر الله وسعيا في محبوبه وطلبا للزلفى لديه فيوطنوا انفسهم على ما ينالهم من الناس من الاذلة القولية والفعلية مع انها ستنقلب ان شاء الله ومواصلة دينية ويقابلون المسيء اليهم بالعفو عنه. والصفح وسلامة النفس. ولا يعاملوه بما عاملهم به بل اذا عاملهم بالبغض عاملوه عاملوه بالاحسان وان عاملهم بالهجر وترك السلام عاملوه ببذل السلام والبشاشة ولين الكلام والدعاء له الغيب ولا يطيعوا انفسهم الامارة بالسوء بمعاملته من جنس ما عاملهم به. فليست هذه حالة الانبياء واتباعهم بل حالهم العفو والصفح عن اهل الجرائم. كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال الذي ضربه قومه حين دعاهم الى الله حتى ادموه فجعل يمسح الدم عن نفسه عن وجهه ويقول قل اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون. هذا والله الفخر الكامل الذي يبني لصاحبه في الدنيا ثناء الجميل وفي الاخرة الثواب الجزيل. قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم او عن المسجد الحرام ان تعتدوا ويحث على مقابلة المسيء بالعفو في قوله تعالى ولئن صبرت تم لهو خير للصابرين وقوله وان تعفو اقرب للتقوى وقوله فمن عفا واصلح فاجره على الله وقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الامور. فاذا وفق المسلمون لهذه الحالة جمع الله شملهم والف بين قلوبهم وهداهم سبل السلام. واخرجهم من واخرجهم من ظلمات الجهل والظلم والضلال الى نور العلم والعدل والايمان. ويجب عليهم اذا رأوا صاحب هوى يريد ان يشق عصا المسلمين ويفرق بينهم لنيل غرض من اغراضه الفاسدة ان يقمعوه وينصحوه ان من هذا حاله اكبر الاعداء وان يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين. وعدم تتبعها خصوصا ما يصدر من رؤساء الدين وعلماء وطلبة العلم الذين لهم الحق الاكبر على جميع المسلمين بما قاموا به من علم الشرع وتعليمه الذين لولاهم ما عرف الناس امر دينهم ومعاملاتهم فلولا لم يعرفوا كيف يصلون ويزكون ويصومون ويحجون بل لا يعرفون يبيعون ويشترون. بل لولاهم لكان الناس كالبهائم لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا اه ولا عرفوا حلالا ولا حراما. فالواجب على المسلمين احترامهم وكف الشر عنهم. وقمع من يريدهم باذى والتغاضي مما بستره وعدم نشره لان نشره فساد عريض. واعلم ان للخير والشر علامات يعرف بها العبد فعلامة سعادة الانسان ان تراه قاصدا للخير لكافة المسلمين. حريصا على هدايتهم ونصيحتهم بما يقدر عليه من انواع النصح مؤثرا لستر عوراتهم وعدم اشاعتها قاصدا بذلك وجه الله والدار الاخرة وعلامة شقاوة العبد ان تراه يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة ويتتبع عثراتهم ويتطلع على عوراتهم فاذا سمع بشيء صدر منهم من المكروه اشاعه واذاعه. بل ربما نشر معه شرحا ابتدائي فهذا العبد بشر المنازل عند الله مقيت عنده متعرض هو في دنياه قبل اخراه ان لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح وتبدير السيئات بالحسنات فحقيق لنفسه عنده قيمة ان يربأ بها عن هذه الخصلة الذميمة. ويتأمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة. وقوله صلى الله عليه وسلم يا من امن بلسانه ولم يدخل الايمان في قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه ومن يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته هذا الوعيد الشديد في عموم المسلمين. واما العلماء والصالحون فالوقوع بهم اقبح واقبح على معاداة الله ومحاربته. لان الله قال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من عادى وليا فقد اذنته بالحرب. وقد قال بعض السلف ان لم يكون العلماء اولياء الله. فلا ادري من هم هم اولياؤه وصدق رحمه الله فان ولاية الله انما تنال بحسب قيام العبد باوامر الله تعالى. ولاهل من هذا اكبر نصيب فانه لا يكاد ينال العبد طرفا من العلم يصير فيه رئيسا حتى يجتهد ويجد عليه زمن طويل وهو متجرد لطلب العلم. تاركا لما عليه اهل الدنيا مستغرقا لاكثر اوقاته واشرف ساعاته بالاشتغال بالعلم الذي هو بنفسه اجل الطاعات فكيف يمكن بالقدح فيهم من غلبت عليه الشقاوة وافنى زمانه بالقيل والقال ولم مع الصالحين بسهم من نفائس الاعمال فلا تراه باحثا عن امر دينه ولا مجالس للعلماء على وجه الاستفادة منهم. بل لو سئل عن ادنى مسألة من امر دينه لم ينطق ببنت شفته. ومع هذا فقد اطلق لسانه بسلب العلماء واهل الدين زاعما فيما قاله انه مصيب. نعم قد اصاب طريق اهل الشر والتحق بالحيوانات الخسيسة التي تترك الاطعمة الطيبة وتذهب الى الجيفة نحوها من الاطعمة الخسيسة لتركه المحاسن واقباله على ما ظنه مساوئ وانحرف عن اهل الخير فليس بكفئ ان يذكر معهم وانما يذكر لان لا يغتر به المغترون. ويقع بشبكة الجاهلون ولعله ان يرتدع ويتوب ويقلع الى ربه وينيب. فليس على طريق التوبة حجاب ولا ذنب الا وراءه مغفرة الملك الوهاب لمن تاب واناب. لما فرغ المصنف رحمه الله وتعالى من المقدمة الثالثة في ذكر منافع الاجتماع وفوائده شرع يبين المقصود بإيضاح التي يتحقق بها اجتماع كلمة المسلمين ويبرؤون من التفرق والاختلاف فذكر رحمه الله في هذا الفصل اربع طرائق اولها ان يسعى المصلحون من العلماء وهو لزوم الجماعة ان يسعى المصلحون من العلماء واهل العلم الى تحقيق هذا الاصل وهو لزوم الجماعة وان يجتهدوا في الحث عليه ويتحملوا في ذلك المشاق ويبذل جهدهم وطاقتهم في تحصيل التواد والتحاب بين المسلمين وثانيها ان يجتهدوا في مقابلة الاساءة بالاحسان فمن عاملهم بالسوء عاملوه بالاحسان وثالثها انه يجب عليهم اذا رأوا صاحب هوى يريد ان يشق عصا المسلمين ويفرق بينهم ان يقمعوه وينصحوه ولا يلتفتوا الى قوله في كشف بنور الحق زيف الباطلين ورابعها ان يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين وعدم تتبعها خصوصا يصدر عن رؤساء الدين والعلماء وطلبة العلم فان المرء لا ينفك عن عورة تلحقه وهي الزلة التي يتردى فيها فيجب ان تحفظ له حرمته وتوقر رتبته قال من عثرته فتستر زلته ثم استطرد الشيخ رحمه الله تعالى في ذكر علامات الخير والشر التي يعرف بها العبد ويتميز بها المتكلم في مثل هذه المسائل فان الكلمة الواحدة يتكلم بها رجلان يريد بهما يريد بها احدهما محض الحق ويريد الاخر ابطل الباطل. ويدل على كل سيرته وما يدعو اليه. ذكره ابو عبد الله ابن ابن القيم في اعلام الموقعين. فالكلمة التي تنشأ في مثل هذه الوقائع تكون مشتركة بين رجل مريد الحق ناصري ونصب الخلاف وبين رجل مبطل يلوك لسانه للفرقة ونصب الخلاف بين المسلمين ثم ذكر رحمه الله تعالى ما جاء من الوعيد الشديد في التعرض لعورات المسلمين. وهذا عام فيهم. واذا كان في اهل الرئاسة الدينية من العلماء واهل العلم فانه اشد واشد قبحا وهو علامة على معاداة الله عز وجل لان اهل العلم هم اولياء الله عز وجل وولايتهم له بما اختاروه من الانتساب الى شرعه تعلما وتعليما وتفهما وتفهيما وسعيا لنفع الخلق في هذا الباب ثم ذكر كلاما عظيما فيما تحصل به ولاية الله عز وجل. وانها انما تحصل للعبد بقدر ما ايكون عنده من القيام باوامر الله سبحانه وتعالى. فالناس في ذلك درجات مختلفات. نعم فصل ومن اعظم ما يجب الاعتناء به على اهل العلم الا يجعلوا الاختلاف بينهم في المسائل الدينية التي لا يخرج المخالف فيها الى البدع او الشرك سببا وداعيا الى التفرق وتشتيت القلوب. وموجبا للقدح والطعن بسببها. والموالاة والمعاداة عليها فان هذا ظلم وتعدي لا يحل باجماع المسلمين. فما زال السلف الصالح الصحابة والتابعين فمن بعدهم يختلفون في مسائل الدين ولا ينكر بعضهم على بعض. ولا يوجب بعضهم على بعض ان يتبعه والا ضلله. فان هذه مرتبة لا تصلح الا للرسل. فهم الذين يضللون الفهم. واما من اعداهم فلم تضمن له العصمة ومن رحمة الله بعباده ان هذه الامة رحمة ليثيب المصيب ويعفو عن المخطئ واتفاقهم حجة وعصمة فالواجب على اهل العلم ان يبذلوا جهدهم بتحري الحق والصواب والا يضللوا المخالف لهم مثل لهم اخطأ او اصاب وهذا في جميع المسائل التي تعارضت فيها اقوال سلف الامة بحسب ما اداهم اليه اجتهادهم وذلك مثل من يرى ان الماء لا ينجس الا بالتغير بالنجاسة. لا يجوز له القدح في من يرى ان ان ما لم يبلغ قلة ينجس بمجرد الملاقاة وبالعكس. وكذلك من يرى ان الماء المستعمل في رفع الحدث يصير طاهرا غير مطهر لا ظللوا من يراه طاهرا مطهرا وبالعكس ولا من يرى ان الصلاة في الثوب النجس ناسيا تعد على من لا يرى الاعادة ولا من يرى على من يرى استحباب الفطر او اباحته ولا العكس ولا من يبيح فعل النوافل ذوات الاسباب في اوقات النهي على من يمنعها وبالعكس وامثال هذه المسائل التي لم يزل الخلاف فيها بين السلف والى الان. فلا يحل لمن يرى احد القولين فيها ان ينكر على غيره على وجه القدح به فان هذا ظلم لا يجوز. بل وظيفة اهل العلم في مثل هذه المسائل الخلافية ان يبينوا ما يرون انه الصحيح بحسب قدرتهم بالدليل الشرعي الذي هو الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار بالقياس والحكم بضعف قولي الاخر بالدليل الشرعي وان يردعوا من جعل هذا الخلاف سلما للاختلاف لانه بعيد عن الانصاف. نعم ظهر من احد من اهل العلم مخالفة بينة لدليل شرعي صريح فانه يجب نصحه ويبين له الدليل في اقرب الطرق ولا يجعل تأنيبه او غيبته في المجالس بدلا من نصحه فليست هذه طريقة اهل الانصاف بل طريقتهم النصيحة سرا وعدم اشاعة الفاحشة. وبالجملة فالواجب على اهل العلم وغيرهم السعي في الحق والاجتهاد في تنفيذه والعمل به والتعاون على ذلك. وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه سواء فان وافقه او خالفه؟ فكما انه اذا وقع منه خطأ او زلل لم يحب اطلاع احد عليه بل يحرص على سترها نفسه فكذلك ينبغي ان ينزل اخاه منه بهذه المنزلة وان يحمل ما يصدر منه على احسن محمل فان جاء من جنس العمل فمن كان عمله مع اخوانه هكذا ستر الله عليه باسباب يعلمها لمن لم يكن بهذه المثابة فكما تدين تدان جزاء وفاقا. فنسأل الله ان يوفقنا اخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه. امين. وان يصلح احوال المسلمين. ويؤلف بين قلوبهم بهم سبل السلام والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم المصنف رحمه الله تعالى رسالته ببيان اصل عظيم يجب الاعتناء به. وهو انه يجب على اهل العلم ان لا يجعلوا خلاف بينهم في المسائل الدينية داعيا الى التفرق وتشتت القلوب وموجبا للقدح والطعن بسببها والموالاة والمعاداة ومحل ذلك عندهم هو المسائل التي تقبل الاجتهاد. اما المسائل التي لا تقبل الاجتهاد ليست محلا لذلك ولاجل هذا قيد المصنف عبارته فقال الا يجعل الاختلاف بينهم في المسائل الدينية التي لا ايخرج المخالف فيها الى البدع او الشرك. وانما يكون كذلك ما تعلق به الاجتهاد. اما ما امتنع الاجتهاد فيه من طول الدين العظام وقواعده الجليلة فمثل ذلك القول فيه له مقام اخر. وانما اراد المصنف تأكيد الاخوة الدينية والمحبة العلمية فيما يجري من الاختلاف في المسائل التي لا تقبل الاجتهاد. وبهذا بالمسائل التي تقبل الاجتهاد وبهذا التقرير يتبين تقييد اطلاق مشهور وهو قول بعضهم لا انكار في مسائل الخلاف فان هذا الاطلاق لا يوافق دلالة القرآن والسنة الا ان تكون ال العهد يراد بها المسائل الاجتهادية تارة في المسائل الاجتهادية فهي التي لا ينكر فيها. واما المسائل غير الاجتهادية فانه ينكر فيها واذا علم ان المسائل الاجتهادية لا انكار فيها فمحل ذلك العلم دون العمل. والمراد بالعلم ان من عمل مجتهدا في مسألة من المسائل الاجتهادية فلا ينكر عليه عمله. واما من جهة العلم فانه ينكر عليه اذا كان مأخذه ضعيفا واهنا عند من يرد عليه فلم يزل الناس هكذا فيكون المتحصل من القاعدة المقبولة شرعا انه لا انكار في مسائل الاجتهاد بالنظر الى العلم بالنظر الى العمل دون العلم لا انكار في مسائل اجتهاد بالنظر الى العمل دون العلم. والمراد بالعمل قيامه بذلك و تحققه به واما العلم وهو اختياره تلك المسألة لمن خالفه بدليله ان يرد عليه وان يبين ضعف قوله فلم يزل الناس كما قال الامام احمد رحمه الله تعالى وبتمام هذا نكون قد اتينا على هذه الرسالة المستطرفة عظيمة النفع. اكتبوا طبقة السماع فيها علي جميع هذا الكتاب لمن سمعه بقراءة غيره في مجلس واحد واجزت له روايته عني واكتبوا تقديرا الليلة التي ختمنا فيها وهي ليلة الجمعة السابع عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. وبهذا نكون قد فرغنا من دروس هذا اليوم سائلا لله عز وجل ان نلتقي في مقام قريب ولقاؤنا قريب ان شاء الله تعالى في يوم عاشوراء. والدرس القادم ان شاء الله تعالى في المسجد النبوي في يوم عاشوراء. وربما يكون ايضا ذلك اليوم في المسجد الحرام. لكن الاصل فيما يتعلق بالمسجد النبوي انه في يوم عاشوراء وغالبا يكون بعد العصر وبعد العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين