السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي انزل القرآن في رمضان وجعله بينات من الهدى والفرقان واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الاحسان واشهد ان محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للانس والجان صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه ما حان حين وان اما بعد فهذا المجلس الرابع في شرح تفسير ابن سعدي واسمه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف فقد انتهى بنا البيان عند قوله واخبر انه لا ريب فيه استكمالا للقسم الاول المشتمل على مقدمة المصنف وتفسير فاتحة قرآن نعم بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. سبحانك اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا. اللهم علمنا ما انفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله الا وغفر له ولشيخنا قال واخبر انه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه. وذلك لاشتماله على الحق العظيم في اخباره واوامره امره ونواهيه. ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة الصفة الرابعة من الصفات الاحدى عشرة التي وصف بها القرآن الكريم فقال واخبر انه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه نافيا امرين عن القرآن احدهما وقوع الريب فيه والاخر وقوع الشك فيه وهما متلازمان باعتبار ان الشك مبتدأ والريب منتهى فان حقيقة الشك تداخل الادراك وحقيقة الريب قلق النفس واضطرابها فاول ما يجري في النفس وقوع الشك بتداخل الادراك فيها فاذا تتايعت بالشك وقوي فيها انقلب فصار ريبا. لاستواء الاضطراب حينئذ في بس فحقيقة الريب وقوع اضطراب وخلل وقلق في النفس اذ ليس الريب هو الشك ومن فسره به فهو على وجه التقريب. باعتبار ان الريب مدخله الشك فلا يكون ريب الا بوجود شك فكل ريب فيه شك وليس كل شك فيه ريب والذي جاء في مواضع كثيرة من القرآن هو نفي الريب لان نفي الريب يتضمن نفي الشك والزيادة وما ذكرناه من ان حقيقة الريب هو قلق النفس واضطرابها والذي اختاره جماعة من المحققين منه هم ابن تيمية الحفيد وصاحبه ابو عبد الله ابن القيم وحفيده بالتلمذة ابو الفرج ابن رجب والاجماع الذي نقله ابن ابي حاتم وغيره ان الريب هو الشك باعتبار وجود اصله فيه فكل ريب فيه شك. فلاجل وجود هذا المعنى فالاجماع صحيح. لان مما يشتمل عليه في معنى الريب وجود الشك. لكن ليست حقيقة الريب هي الشك ولابد من وجود قدر زائد على الشك في الريب بان يزداد الشك في النفس ويقوى فيها حتى ينقلب الى قلق واضطراب وقد نفى الله سبحانه وتعالى الريب في القرآن في ايات عديدة. فقال تعالى ذلك الكتاب لا ريب آآ فيه هدى للمتقين وقال تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين وقال وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه. من رب العالمين وقال تعالى فلا تكن في مرية منه انه الحق من ربك فهؤلاء الايات الاربع فيهن نفي الريب عن القرآن. ونفي الريب عنه مشتمل على نفي الشك والاية الرابعة جاء فيها نفي المرية والمرية مرتبة متوسطة بين الشك والريب فاول ما يقع التداخل في الادراك يكون شكا فاذا قوي صار مرية. فاذا قويت صارت ريبة ولهذا لم يقع في القرآن نفي الشك عنه فقط وانما جيء بنفي الاعظم فنفيت المرية فيه مرة واحدة ونفي الريب في الايات الثلاث اللاتي ذكرناهن فلا ريب في القرآن والريب المنفي عن القرآن نوعان احدهما ريب يوجد فيه والاخر ريب يوجد منه فمن الاول قوله تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وفي القراءة الاخرى اختلافا كبيرا فنفى الله سبحانه وتعالى ان يوجد في القرآن ريب بان يناقض بعضه بعضا لانه كما اخبر الله سبحانه وتعالى عنه كتابا متشابها اي يشبه بعضه بعضا تصديقا ومهما لاح للعبد ان شيئا من القرآن يناقض بعضه بعضا فهو غلط منه على القرآن واي اية توهمت ان اية اخرى من القرآن تناقضها او توهم اضطرابها معها فمنشأ ذلك من قصور المعرفة والعلم فمثلا قوله تعالى فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فقارئ هذه الاية قد يخيل اليه وهما ان هذه الاية يعارضها قوله تعالى يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه الاية الاولى فيها نفي وجود الانساب والاية الثانية وما بعدها فيها اثبات وجود الانساب بمعرفة العبد امه واباه واخته واخاه وزوجه وابناه ولا تناقض بين الايتين فان اثبات معرفة الخلق بعضهم بعضا مذكور في القرآن نفسه قال الله سبحانه وتعالى واقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل منهم اني كان في قرين وهذا الكون كان اين في الدنيا فهو يعرفه في الدنيا ثم قال الله عز وجل بعدها فاطلع فرآه في سواء الجحيم اي لانه عرفه لانه لما اطلع وقف على حاله وعرف ان هذا هو صاحبه. فاثبت الله سبحانه وتعالى وجود المعرفة بين الخلق في الاخرة. فلا بد حينئذ ان يكون نفي الانساب في الاية الاولى غير اثباتها في الاية الاخرى من سورة عبسا فالمثبت معرفة بعضهم بعضا بعد القرار والمنفي معرفة بعضهم بعضا عند الفرار فاذا نفخ في الصور وتنادى الناس ووضع الحساب انقطعت معرفة الخلق بعضهم ببعض. فاذا اقروا في دار القرار جنة او او نارا عرف الله سبحانه وتعالى عرف الناس بعضهم بعضا واحسن من هذا ان يقال ان المعرفة المنفية هي معرفة النفع لا معرفة الصلة لقوله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم فاثبت الله سبحانه وتعالى وجود معرفة في اية ثم نفى حصول الانتفاع بها فلا يكون بين تلك الايات التي ذكرناها شيء من التناقض وايهام الاضطراب الذي يوقع العبد في اعتقاد ان القرآن يوجد فيه ريب واما نفي الريب ان يوجد منه ان يكون له اثر فمنه قوله تعالى وان كنتم في ريب مما زلنا على عبدنا تأتوا بسورة من مثله فالقرآن اذا سمعه العبد والقى اليه سمعه واقبل اليه اورثه الطمأنينة. قال الله تعالى الا بذكر الله تطمئن القلوب. واعظم ذكر الله هو قراءة القرآن الكريم. واعتبر هذا فيما اخبر الله سبحانه وتعالى به عن الجن في سورة الجن والاحقاف اذ قال سبحانه وتعالى قل اوحي الي انه ايش سمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا. وقال مفصلا تلك الحال في اخر سورة الاحقاف. واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن. فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم فاخبر الله سبحانه وتعالى في هؤلاء الايات ان الريب لم يوجد من القرآن وانما وجد منه اذكار وادكار لانهم رجعوا الى قومهم وولوا اليهم منذرين ودعوهم الى اتباع ما جاء به النبي الله عليه وسلم فقالوا يا قومنا اجيبوا داعي الله وامنوا به ونفي وقوع الريب في القرآن ووجود الريب منه جعل القرآن في اعلى مراتب اليقين انه حق اليقين. اذ قال تعالى في اخر سورة الحاقة وانه لتذكرة للمتقين. وانا لنعلم ان منكم مكذبين وانه لحسرة على الكافرين وانه لحقوا اليقين فاخبر الله سبحانه وتعالى ان القرآن يحصل به ادراك كانه رأي العين يخالطه العبد ويلابسه لما تقدم ان مراتب الادراك ثلاث هي علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فاعلاها هو حق اليقين. فالقرآن الكريم في اعلى مراتب الادراك فهو حق اليقين. واذا كان كذلك فانه لا يمكن ان يوجد فيه ريب ولا يوجد منه ريب ثم ذكر المصنف رحمه الله موجب نفي الريب عنه فقال وذلك لاشتماله على الحق العظيم في اخباره واوامره ونواهيه فسبب انتفاء الريب هو فيما ذكره بقوله لاشتماله على الحق العظيم في اخباره واوامره ونواهيه فاذا كان كذلك فان ورود الريب عنه ممتنع فلو قال قائل هؤلاء الكافرون من الاولين والاخرين يرتابون في القرآن فكيف يصح هذا النفي قيل ان الريب الذي يوجد منهم منشأه فساد قلوبهم لا من القرآن الكريم. قال الله تعالى وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون فالريب الذي وقع ريب منهم مرده قلوبهم. والريب الذي نفاه الله سبحانه وتعالى وقوع الريب في القرآن او وجود الريب من القرآن واقتصر المصنف رحمه الله على ذكر موجب نفي الريب عنه بانه يشتمل على الحق والصحيح ان الريب منتف عن القرآن لامرين احدهما انه نزل من الحق والاخر انه نزل بالحق فان الله سبحانه وتعالى جمع بين هذين في ايات كثيرة فقال وبالحق انزلناه وبالحق نزل وقال ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق. وقال ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وقال نزله روح القدس من ربك بالحق. الى غير لهؤلاء الايات المشتملة على تقرير ان القرآن نزل من الحق ونزل بالحق. فالاجتماع هما لا يقع في القرآن الكريم ريب فاما الاول وهو انه نزل من الحق اي من الله فمعناه المتحقق كونه موجودا ربا معبودا له الاسماء الحسنى والصفات العلى قال الله تعالى في وجوده افي الله شك وقال تعالى في ربوبيته وهو رب كل شيء. وقال تعالى في الوهيته الله لا اله الا هو الحي القيوم. وقال في اسمائه ولله الاسماء الحسنى. وقال في صفاته ولله المثل الاعلى اي الوصف الاعلى في احسن الاقوال وهو قول ابن عباس واختيار واختيار ابي عبد الله ابن القيم واما كونه نزل بالحق فهو المتحقق كونه تاما صدقا في اخباره وعدلا في احكامه. فالاجتماع هذين الامرين كان القرآن نازلا بالحق. قال الله سبحانه وتعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا فهو حق في فهو حق في اخباره بصدقه وحق في احكامه بعدله قال الله عز وجل في خبره ومن اصدق من الله قيلا وقال ومن اصدق من الله حديثا وقال قال تعالى في حكمه ان الحكم الا لله. وقال افحكم الجاهلية يبغون؟ ومن احسن من والله حكما لقوم يوقنون فالاجتماع هذين الامرين ان القرآن نزل من الحق ونزل بالحق صار القرآن حق اليقين. ولم ما كان القرآن حق اليقين انتفى عنه الريب. فلا ريب يقع فيه ولا ريب يوجد منه نعم قال رحمه الله وانزله مباركا وانزله مباركا وانزله مباركا فيه الخير الكثير والعلم الغزير والاسرار البديعة والمطالب الرفيعة فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والاخرة فسببها الاهتداء به اتباعه ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة الصفة الخامسة من الصفات الاحدى عشرة التي وصف المصنف بها القرآن فاخبر ان القرآن مبارك ومعنى كونه مباركا انه ثابت الخير في اصله دائم الخير في فرعه فبركة القرآن تجمع بين امرين احدهما ثبوت الخير في اصله والثاني وفور الخير في فرعه فالقرآن باعتبار اصله كثير الخير وباعتبار فرعه اي ما يكون منه وينتج عنه فانه متوافر الخير. فلا يزال خير القرآن باقيا متكاثرا متناميا الى يوم القيامة. فحقيقة البركة كثرة الخير فالبركة تجمع بين كون الخير كثيرا وبين كونه باقيا فخير القرآن كثير وهو باق الى يوم القيامة. ولذلك صار من صفات القرآن انه مبارك. قال الله سبحانه وتعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه. وقال تعالى وهذا تاب مبارك انزلناه فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون. وقال تعالى وهذا مبارك افا انتم له منكرون. وقال تعالى كتاب انزلناه مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب فهؤلاء الايات فيهن اثبات بركة القرآن وقد جمعنا ثلاثة امور اولها ذكر القرآن فان الله سبحانه وتعالى ذكره تارة باسم الكتاب وذكره تارة باسم الذكر فذكره باسم الكتاب لما فيه من الجمع وهذا المعنى مناسب البركة. وتقدم ان القرآن جمعه بامرين. احدهما جمع الفاظي والمباني رسما وجمع المعاني والمقاصد حكما واما اخباره عند ذكر بركته بكونه ذكر فلان يتذكر به العبد يذكر به العبد فاما كون العبد يتذكر به ففي قوله تعالى ما انزلنا عليك القرآن لتشقى الا تذكرة لمن يخشى. واما كون العبد يذكر به فلقوله تعالى وانه لذكر لك ولقومك. فالاجتماع هذين الامرين صار القرآن ذكرا وثانيها ذكر كونه مباركا اي مجعولا فيه البركة فان الله سبحانه وتعالى جعل فيه البركة ووضع البركة يختص به سبحانه وتعالى. فهو الذي يبارك ما شاء من الاعيان والافعال وليست لغيره. ومن الخطأ الواقع نسبتها الى الخلق بقولهم ابارك لك او ابارك عليك او اباركك فانما هذه مضافة الى الله سبحانه وتعالى فيقول العبد اسأل الله لك البركة او بارك الله لك او بارك الله عليك والاخبار عن ذلك لا يكون بهذا الفعل. وانما بان يقول العبد بركت له او بركت عليه اي سألت الله له البركة او سألت الله عليه البركة. اما قولهم ابارك لك او ابارك عليك فليس معناها سألت الله لك البركة لان بناء الفعل على المفاعلة يمنع من ذلك فوضع البركة هو لله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى في صدر سورة الاسراء سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله فالذي بارك هو الله سبحانه وتعالى. ولا يضاف وضع البركة الى غيره. فالذي جعل مباركا هو الله فهو مبارك بما وضع الله سبحانه وتعالى فيه من البركة وثالثها ذكر انزاله من الله سبحانه وتعالى تقريرا لكونه كتاب الله وذكره الذي جعل الله سبحانه وتعالى فيه البركة وبركة القرآن نوعان احدهما بركة ذاتية لازمة والاخر بركة فعلية متعدية تأمل اول وهو البركة الذاتية اللازمة فما يوجد في القرآن من البركة لفظا معنى قال الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر فهذه بركة ذاتية لازمة للقرآن واما البركة الفعلية المتعدية فما يصل الى الخلق من بركة القرآن قال الله سبحانه وتعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم فمن بركة القرآن ما يحصل من الاستقامة والهداية الى اقوم الاعتقادات والاقوال والاحوال فبركة القرآن تكون ذاتية تارة وتكون متعدية تارة اخرى ومواقع البركة في القرآن سبع فان بركة القرآن تلتمس من اشياء سبعة اولها بركة قراءته قال تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم وثانيها بركة استماعه قال تعالى واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون والانصات قدر زائد عن الاستماع فان الاستماع هو الاقبال على سماع القرآن بنية والانصات هو ترك الاشتغال عنه بغيره وثالثها بركة علمه قال تعالى الرحمن علم القرآن فمن رحمة الله سبحانه وتعالى تعليمه ايانا القرآن فنجد من بركة القرآن بتعلمه ورابعها بركة العمل به قال الله تعالى في الاية المتقدمة وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه. يعني اعملوا به وهاتان المنزلتان وهما بركة العلم والعمل هما المذكورتان بالاية الثالثة او الاية الرابعة وهي التي لما ذكر الله عز وجل فيها بركة القرآن قال ليدبروا اياته فان المقصود بتدبر القرآن هو العلم والعمل به والخامس بركة التذكر والاتعاظ به كما قال تعالى كتاب مبارك انزلناه ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب والسادس بركة الاستشفاء به قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين فمن بركة القرآن انه يستشفى به والسابع بركة الحكم به والتحاكم اليه. قال تعالى افحكم الجاهلية يبغون؟ ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون وحكم الله سبحانه وتعالى هو ما جاء في كتابه القرآن فهؤلاء السبع هن مواقع البركة في القرآن فمن اراد ان يلتمس بركة القرآن اقبل عليهن وشرط الانتفاع بالتبرك بهن ان يكون وفق قطاب الشرع ومراده. فاذا اراد احد ان يتبرك بواحد من هذه الامور السبعة وجب ان ان يكون تبركه بالمشروع لا بالمبتدع فان من قواعد التبرك العظيمة انه ما ثبتت بركته فلا يجوز التبرك به الا على الوجه المأذون به فاذا تبرك العبد به على الوجه غير المأذون به لم تحصل بركته وربما كان اثما باعتبار كل مسألة بحسبها فاذا اردت ان تتبرك بالقرآن وفق مورد من هذه الموارد السبعة فاقبل عليه كما علمنا من نبينا صلى الله عليه وسلم. واياك والوقوع في شيء من الاحداث الذي يراد به التبرك ولا يوجد فيه وانا اذكر لك من كل واحد من هذه المواقع مثالا يفعله الناس على ارادة البركة ولا بركة فيه فمما يفعله بعض الناس التماس بركة قراءته انهم يقصدون الى وضعه بصوت مسجل في البيت لدفع الشياطين. فتجد احدهم يخرج من بيته ثم القرآن يقرأ بصوت محبوس مسجل رجاء هذه البركة وهذا فعل لا يجوز التبرك به. لان من شرط القراءة النية والنية معدومة في هذا التسجيل. وقد يكون القارئ الذي يقرأ غير حي بل توفاه الله منذ مدة طويلة ومنه مما يقع من الناس في التبرك باستماع القرآن ان منهم من يجعل رنين هاتفه ايات من القرآن الكريم. فاذا اتصل به متصل خرجت هؤلاء الايات لينتبه الى الاتصال والله سبحانه وتعالى ما انزل القرآن ليكون منبها للخلق بنداء بعضهم بعضا. وانما لمقاصد مشروعة من التذكر والاتعاظ والاعتبار والهداية والانتفاع الى غير ذلك ومما يقع فيه الناس طلبا للبركة بعلم القرآن ارسال الخواطر بالفكر فيه بلا هدى مما يسميه اليوم كثير من الناس تدبرا وحقيقته انه تفسير اشاري ولنا معه مقام اخر لكن تجد من الناس من يزعم ان هذا من علم القرآن وهو كاذب على القرآن كقول احدهم زاعما التدبر بذكر ما ذكره الله في صدر سورة طه لما قال موسى اني لاهله اني انست نارا لعلي اتيكم منها بقبص فذكر ان هذه الاية فيها ان الانسان اذا كان مع اهله لا يتركهم الا بالاستئذان منهم وهذا المعنى وان كان حقا في مقام دون مقام فهو حق ثابت بادلة اخرى. اما هذه الاية فليست مفيدة هذا او قول احدهم ان قوله تعالى وان الله لمع المحسنين انه ما من امرئ ذي احسان الا وعلى وجهه وبهاء يكون لمعة ولمعانا فهذا كذب على الله في كون هذه الاية تدل على ذلك والقائل بهذا وهذا كلاهما يزعمان التبرك بالقرآن علما ومما يقع من الناس في التبرك بالقرآن عملا استفتاح طلب الرزق به فان كثيرا ممن يتجرون اذا فتحوا حوانيتهم اي دكاكينهم للاتجار صباحا وجدت صوت القرآن يملأ الارجاء وهم يريدون بذلك بركة الاستفتاح بالقرآن وان هذا من طلب الرزق وهذا وجه من التبرك بالقرآن عملا مما لم تأتي به النصوص لم تأتي به الادلة فهو غير مشروع ومن التبرك في القرآن استشفاء وهو غلط ما يفعله بعض الناس من جعل المصحف موضوعا في بيوتهم لدفع الاوبئة او في سياراتهم لدفع الحوادث فان التبرك بالقرآن هكذا لم يقع فلا يستشفى بالقرآن في دفع هذه الاوبئة والحوادث بما يفعله هؤلاء ومما يقع غلطا من التبرك في الحكم به ان من الناس من اذا اشتبه عليه امر فزع الى فتح المصحف ثم اخذ الحكم من الاية التي وقعت عليها عينه زاعما انه يتبرك بحكم القرآن كفعل احد خطب امرأة فلما اراد ان يبرم الامر اراد ان يحتكم الى القرآن ففتح المصحف فوقعت عينه على قوله تعالى خذها ولا تخف فوجد في نفسه ان هذا حكما من الله تبركا بالقرآن في انه يتزوج ونسي المسكين ان هذه الاية بالثعبان الذي خافه موسى فهذه الامور التي ذكرناها واشباهها مما يطلب فيه الناس التبرك من القرآن من المواقع السبعة الفائت ذكرها هو تبرك غير مشروع لاند من شرط التبرك بالقرآن ان يكون وفق الهدي الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فاذا اردت ان تتبرك بالقرآن قراءة او استماعا او علما او عملا او تذكرا او استشفاء او حكما فلا بد من معرفة الهدي النبوي وما كان عليه سالف الامة فاذا سلكت لذلك انتفعت وملئ القرآن بركة فكان كتابا مباركا لانه نزل من المتبارك المبارك من ملك مبارك على رجل مبارك في بلد مبارك في وقت مبارك فمنشأ بركة القرآن من خمسة امور اولها انه نزل من المتبارك المبارك وهو الله سبحانه وتعالى فالله عز وجل هو الذي يتبارك وهو الذي يبارك فتباركه فعله في نفسه ومباركته فعله في غيره. قال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. اي عظم وزاد خيره فلا يقال هذا الفعل الا لله وهو سبحانه وتعالى الذي يبارك ان يضع البركة كما تقدم في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله والثاني انه نزل به ملك مبارك وهو من جبريل عليه السلام. قال الله سبحانه وتعالى قل نزله روح القدس من ربك فان اسم روح القدس وهو بسكون الدال في قراءة ابن كثير وضمها في قراءة غيره من العشرة اشارة الى الطهر المشتمل على البركة وثالثها انه نزل على رجل مبارك وهو محمد صلى الله عليه وسلم ما الدليل من القرآن على انه صلى الله عليه وسلم مبارك ما فيها الاخبار عن عماهم هم ما الجواب رحمة رحمة ايش ورفعنا لك ذكرك ليس فيه البركة رحمة ولم يأتي في القرآن التصريح بانه صلى الله عليه وسلم مبارك باللفظ وانما جاء بما يدل على ذلك في الايات التي اخبر الله عز وجل فيهن انه صلى الله عليه وسلم مبعوث ليزكي والمزكي هو المطهر بالخير والبركة وانما يزكي من تزكى. قال الله سبحانه وتعالى هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ودلائل بركة النبي صلى الله عليه وسلم قطعية واردة في السنة النبوية ومنها في حديث ام معبد انها قالت مر بنا رجل مبارك الى غير ذلك من الاحاديث. ورابعها انه نزل في بلد مبارك. قال الله سبحانه وتعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. وخامسها انه نزل في وقت مبارك قال تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فلما نزل بالقرآن من المتبارك المبارك ملك مبارك على رجل مبارك في وقت مبارك وبلد مبارك اركان القرآن مباركا فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا بركة القرآن اللهم اجعل القرآن لنا شفيعا وحجة وبيانا. اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا. واجعله امامنا وقائدنا الى جنات النعيم. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب غمومنا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك. ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك. ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. وهذا اخر المجلس