السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي انزل القرآن في رمضان وجعله بينات من الهدى والفرقان واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الاحسان واشهد ان محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للانس والجان صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما حان حين وان. اما بعد فهذا المجلس السادس بشرح تفسير ابن سعدي واسمه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف استكمالا للقسم الاول المشتمل على مقدمة المصنف وتفسير فاتحة الكتاب يا الله بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. سبحانك اللهم لا علم لنا الا ما علمت اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا اللهم بما علمتنا وزدنا علما. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى قال واخبر انه مصدق ومهيمن على الكتب السابقة فما شهد له فهو الحق وما رده فهو المردود لانه تضمنها وزاد عليها. وقال تعالى فيه يهدي به الله من اتبع سبل السلام فهو هادي لدار السلام. مبين مبين لطريق الوصول اليها. وحاث كاشف الطريق الموصل الى دار الالام ومحذر عنها ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة صفتين من الصفات الاحدى عشرة التي ذكرها للقرآن الكريم وهما كونه مصدقا لما تقدمه من الكتب ومهيمنا عليها وفرغنا من بيان معنى هاتين الصفتين وبقي من الكلام بقية وهو ان المصنف لما ذكر هاتين الصفتين اتبعهما بذكر اثرين ناشئين منهما فانه نشأ من كون القرآن مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه ما ذكره في قوله فما شهد له فهو الحق وما رده فهو المردود الى اخر كلامه فالاثار المذكورة الناتجة من كون القرآن مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه اثنان احدهما انه معيار الحق والباطل وهو المذكور في قول المصنف فما شهد له فهو الحق وما رده فهو المردود فالحق والباطل يعرفان بعرض ما فيهما على القرآن فاي امر تعلق به اعتقاد او قول او فعل ثم اردت ان تعرف جلية الامر فيه هل هو حق ام باطل؟ فاعرضه على القرآن فان القرآن يبين الحق من الباطل وذلك لامرين احدهما ان الله سبحانه وتعالى انزله بالحق قال تعالى وبالحق انزلناه وبالحق نزل فما كان موافقا له فهو الحق لا ريب لان القرآن جاء بالحق وما شهد له القرآن بالحق فهو حق والاخر ان الله سبحانه وتعالى جعله فرقانا قال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وقال تعالى وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وانزل الفرقان وتقدم ان الفرقان هو الذي يفرق به بين المتقابلات فالقرآن يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلالة والسعادة والشقاء فما شهد له القرآن بالحق فهو حق وما لم يشهد له القرآن بذلك فانه يكون مردودا لانه باطل ومهما ابتغى الناس شيئا يعدلون به الاقوال والافعال والاحوال والخلق فلا يجدون اصدق من القرآن. لانه كلام قال الله تعالى ومن اصدق من الله قيلا. وقال تعالى ومن اصدق من الله حديثا فما حاك في نفسك منه شيء اهو حق ام باطل؟ فاطلب تمييز حقه من باطله بالقرآن والمهدي من هداه الله سبحانه وتعالى الى ذلك. فجعل القرآن ميزان الحق في تمييز الحق من باطل والهدى من الضلال والسعادة من الشقاء ثم علل المصنف رحمه الله رد معرفة الحق والباطل الى القرآن لقوله بقوله لانه تضمنها وزاد عليها والجامع لكل شيء مغن عن كل شيء. فهو الذي يعرف به حق كل شيء وباطل كل شيء. فالقرآن الكريم جاء مشتملا على ما في تلك الكتب وزيادة كما قال تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيان لكل شيء اي موضحا لكل شيء وبهذه الكلية يكون القرآن كافيا في بيان الحق من الباطل واما الامر الاخر وهو الاثر الثاني من اثار ما تقدم وهو كون القرآن موصلا الى الجنة. جعلنا الله واياكم من اهلها. وهو المذكور في قوله وقال تعالى فيه يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام فهو هاد لدار السلام مبين لطريق الوصول اليها وحاج عليها كاسب عن الطريق الموصلة الى دار الالام ومحذر منها فنتج من كون القرآن مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه انه يوصل الى الجنة وذكر المصنف دليلا على ذلك وهو قوله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام والسلام في هذه الاية فيه قولان احدهما انه الله لان السلام من اسماء الله سبحانه وتعالى. كما قال تعالى في اخر في اخر سورة الحشر هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن. الى تمام الاية. فمن اسماء الله سبحانه وتعالى السلام فيكون معنى الاية ان الله سبحانه وتعالى يهدي بالقرآن من اتبع رضوانه سبله سبحانه وسبل الله سبحانه هي انواع ما امر به لان الطريقة الموصلة الى الله باعتبار اصله واحد قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل. فتفرق بكم عن سبيل وقال تعالى قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من تريكين. فسبيل الله باعتبار وضعها واحدة. وباعتبار مفردات ما فيها من انواع المأمور به واختلاف متعلقاته بالخالق والخلق تكون سبلا. وهي المرادة في هذه الاية. فسبل والله هي كل ما امر الله سبحانه وتعالى به مما يوصل اليه ويقع منه سبحانه وتعالى موقع الرضا والاخر ان السلام السلامة فيكون معنى قوله تعالى سبل السلام اي طرق السلامة التي اذا سلكها العبد اوصلته الى السلامة وطرق السلام نوعان احدهما طرق السلام في الدنيا طرق السلام في الدنيا وهو ما بعث الله به الينا محمدا صلى الله عليه وسلم فمن اتبع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حصلت له السلامة قال تعالى فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن لم يضل ولم يشقى فقد صار سالما. وحصل السلامة والاخر طرق السلامة في الاخرة وهي مقاماتها اذا سلم العبد فيها فاذا ادخل قبره وصار فيه فهو مفتقر فيه الى سلامة واذا بعث من قبره صار مفتقرا بعد الى سلامة واذا حشر الناس احتاج الى سلامة ولا يزال ملتمسا هذه السلامة بعد نشره وحشره الى حسابه ودار قراره فلا غنى له عن طلب السلامة حتى توصله تلك السلامة الى اخر السلامة. وهي الجنة ولذلك سماها الله سبحانه وتعالى دار السلام فقال تعالى والله يدعو الى دار السلام وقال تعالى لهم دار السلام عند ربهم ولما كانت تلك هي غاية الغايات في سلامة الاخرة كان دعاء الانبياء عند اخر طريق يوصل اليها وهو الصراط انهم يقولون اللهم سلم سلم فمن اثار كون القرآن مصدقا لما بين يديه ومن الكتاب ومهيمنا عليه انه يصل العبد به الى السلامة فهي سلامته في الدنيا والاخرة. ومن وصل الى السلامة وكان مستقره دار السلام حظي فيها برؤية السلام سبحانه وتعالى فصارت هذه الاية جامعة لانواع السلام التي يفتقر اليها العبد في الدنيا والاخرة ومردها الى القرآن اذ قال الله سبحانه وتعالى فيه جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم جعلنا الله واياكم من اولئك اجمعين نعم قال رحمه الله وقال تعالى مخبرا عنه كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير فبين اياته اكمل تبين واتقنها اي اتقان وفصلها بتمييز الحق من الباطل الرشد من الضلال تفصيلا كاشفا للبس. لكونه صادرا من حكيم خبير. فلا يخبر الا بالصدق الحق واليقين ولا يأمر الا بالعدل والاحسان والبر. ولا ينهى الا عن المضار الدينية والدنيوية ذكر المصنف رحمه الله في هذه الجملة الصفة الثامنة من الصفات الاحدى عشرة وهي المستكنة مدخرة في قوله تعالى كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم طبيب ثم بين ان الصفة المذكورة في هذه الآية مدارها على امرين احدهما احكام القرآن المذكور في قوله احكمت اياته والاخر تفصيل القرآن المذكور في قوله تعالى ثم فصلت وذكر المصنف رحمه الله ان الامر الاول وهو احكام القرآن يرجع الى شيئين احدهما ان الله بين آياته اكمل تبيين والاخر ان الله اتقنها اي اتقان فاما الاول وهو ان الله بين اياته اكمل تبيين فلانه جاء بيانا للناس وتبيينا لما يحتاجون. قال الله تعالى هذا بيان للناس وقال ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء فالقرآن في نفسه بيان اي واضح وهو بالنسبة للخلق مبين اي موضح لما يحتاجه الخلق واما الامر الثاني وهو ان الله سبحانه وتعالى اتقنه اي اتقان فمعناه اتى به على اكمل الوجوه وكما تقدم فانه لا يوجد فيه ريب ولا يوجد منه ريب قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم اياته. اي ما من نبي الا واراد الشيطان افساد ما يتلوه من كتاب الله سبحانه وتعالى ورام التلبيس عن الخلق فينسخ الله ما يلقي الشيطان اي يزيله ويمحيه ويمحوه ثم يحكم الله سبحانه وتعالى اياته. فايات سبحانه وتعالى محكما. وقال تعالى صنع الله الذي اتقن كل شيء فكل شيء من خلق الله وامره هو متقن وامر الله يراد به وحيه واعظمه القرآن. قال تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا. وقال تعالى الا له الخلق والامر فالامر هو وحيه المنزل قرآنا على محمد صلى الله عليه وسلم فلاجتماع هذين الامرين من تبيين القرآن اكمل التبيين واتقانه اتم اتقان صار القرآن موصوفا بكون اياته احكمت واما الامر الثاني وهو تفصيل اياته المذكور في قوله تعالى ثم فصلت فذكر المصنف انه يرجع الى شيئين ايضا احدهما تفصيلها بتمييز الحق من الباطل والاخر تفصيلها بتمييز الرشد من الضلال ففصلت ايات القرآن حتى صار مميزا بين الحق والباطل ومميزا بين والضلال. وهذا للأمران كلاهما ذكرا في خبر الجن مع القرآن فتمييزه بين الحق والباطل هو المذكور في اخر سورة الاحقاف في قوله تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن مثلا ما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديك يهدي الى ايش؟ يهدي الى الحق والى طريق مستقيم فالقرآن مميز بين الحق والباطل. وهو ايضا مميز بين الرشد والضلال. قال تعالى قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا. فالقرآن مميز بين الحق والباطل ومميز بين كالرشد والضلال. ولهذا صار القرآن مفصلا كما اخبر الله سبحانه وتعالى عنه. ثم ذكر المصنف صفة تفصيله فقال تفصيلا كاشبا كاشفا للبس اي لا يوجد معه اشتباه حق بباطل فان اللبس ان تتداخل سورة الحق والباطل والهدى والرشد والضلال فلا تتميزان واما القرآن فقد جاء كاشفا للبس كما قال الله سبحانه وتعالى عنه انه لقول فصل ان يفصلوا بين الحق والباطل وبين الرشد والهدى فصلا لا يبقى معه لبس. وهذه حقيقة كونه فرقان فان حقيقة الفرقان هو ان يقع الفصل الذي لا لبس فيه كما قال تعالى وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم ايش؟ التقى الجمعان فكان فرقانا لانه ميز المؤمنين عن الكافرين. فالقرآن لا يبقى معه لبس حق بباطل ولا لبس رشد بضلال قال ثم بين المصنف ما اوجب وقوع القرآن كذلك من كونه محكما ومفصل فقال لكونه صادرا من حكيم قابيل قال تعالى وانك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم وهي صنوا هذه الاية فهذا الوصف من الاحكام والتفصيل جاءني امرين احدهما العلم والاخر الحكمة فاما العلم فانه مذكور في هذه الاية في اسم الله الخبير وفي الآية الثانية بسم العليم لان حقيقة الخبرة هو الاطلاع على العلم الباطن فتلك الاية تصدق الاية المذكورة واما الحكمة فمذكورة في الايتين كليهما في اسمه سبحانه وتعالى الحكيم فالقرآن نزل بعلم كما قال الله سبحانه وتعالى انزله بعلمه وقال فصلناه على علم وكذلك انزل القرآن بحكمة كما قال تعالى وما ذلك ما ذلك ما انزل اليك من الحكمة. او واذكر لذلك ما انزل اليك من الحكمة. وفيها وصف القرآن بكونه حكمة وما بقي من الايات وفيها ذكر الحكمة مع الكتاب فالمراد بها السنة. واما الاية المذكورة فالمراد فيها القرآن الكريم بانه مشتمل على الحكمة من الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر المصنف بعد ما يبين هذا الاحكام والتفصيل في قوله فلا يخبر الا بالصدق والحق واليقين ولا يأمر الا بالعدل والاحسان والبر ولا ينهى الا عن المضار الدينية والدنيوية. والاية السابقة ذلك مما اوحى اليك ربك فمن الحكمة وهذا الذي ذكره المصنف في هذه الجملة يبين ما نشأ من علم القرآن وحكمته الراجع الى احكامه وتفصيله. وتقريب هذه الجملة ان القرآن باعتبار حكمه نوعان احدهما حكم خبري والاخر حكم طلبي وهو المشتمل على الامر والنهي فاما الحكم الخبري فهو المذكور في قول المصنف فلا يخبر الا بالصدق والحق واليقين. واما الحكم الطلبي فهو اذكروا في قول المصنف ولا يأمر الا بالعدل والاحسان والبر. ولا ينهى الا عن المضار الدينية والدنيوية القرآن باعتباره خبره لا يخبر الا بما كان صدقا قال تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون. وهو حق كما قال تعالى وانه لحق يقين وهو يقين كما اخبر الله سبحانه وتعالى وحق كما تقدم في قوله تعالى انا انزلنا عليك الكتاب بالحق فخبر القرآن صدق وحق ويقين. واما طلبه فهو كما اخبر عنه في امره. قال ولا يأمر الا بالعدل والاحسان والبر اذ قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان. وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى. واما نهيه الذي ذكره بقوله ولا ينهى عن المضار ولا ينهى الا عن المضار الدينية والدنيوية ففي قوله تعالى عن الفحشاء والمنكر والبغي فالقرآن لاجل احكامه وتفصيله صار حكمه اتم شيء خبرا وطلبا فخبره واقع حقا وصدقا ويقينا. وطلبه في امره مشتمل على العدل والاحسان والبل ومشتمل في نهيه عن النهي عن كل ما يضر العبد في العاجل والاجل. فلأجل هذا كان القرآن كما اخبر الله عز وجل عنه في هذه الاية كتاب احكمت اياته ثم فصلت وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب ونستكمل بقيته ان شاء الله تعالى في الدرس المقبل