السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي انزل القرآن في رمضان وجعله بينات من الهدى والفرقان واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الاحسان واشهد ان محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للانس والجان صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما حان حين وان اما بعد فهذا المجلس الاول بشرح تفسير السعدي واسمه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف ابتداء من القسم الاول المشتمل على مقدمة المصنف وتفسير فاتحة القرآن ومما ينبغي الانباه اليه قبل ابتداء قراءة الكتاب ان المصنف وضع مقدمتين لتفسيره فالمقدمة الاولى مقدمة علم والمقدمة الثانية مقدمة كتاب فاما المقدمة الاولى وهي مقدمة العلم فانه جعلها ايضا اثنتين احداهما مقدمة تشتمل على فوائد مهمة تتعلق بتفسير القرآن من بدائع الفوائد فلما فرغ منها زادها زوائد من فوائد تلك القواعد والاخرى مقدمة تشتمل على اصول وكليات من اصول التفسير وكلياته لا يستغني عنها المفسر للقرآن وهاتان المقدمتان سنجردهما مفردتين مجموعتين باسم مقدمة التفسير للعلامة ابن سعدي ونشرحهما في مقام اخر واما المقدمة الثانية وهي مقدمة الكتاب تهيأ ايضا اثنتان احداهما مقدمة سابقة وهي المقدمة التي وضعها المصنف لجزء طبعه من الكتاب في حياته قديما والاخرى مقدمة لاحقة وهي المقدمة التي وضعها المصنف للكتاب كله فلما طبع بعد وفاته رحمه الله طبعت مع كتابه فالاولى منهما خاصة بتلك الطبعة المشتملة على بعض تفسيره من تفسير سورة الكهف الى تفسير سورة النمل واما الثانية فهي مقدمة لكتابه كله وسنقتصر على قراءة المقدمتين اللتين وضعهما المصنف للكتاب مبتدئين اولا بالمقدمة اللاحقة وهي العامة للكتاب كله ثم نتبعها باذن الله المقدمة الثانية وهي الخاصة التي جعلها للقدر الذي طبعه من كتابه في حياته نعم بسم الله الله وسلم اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين قال علامة ابن قال العلامة عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى في كتابه تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي انزل على عبده الفرقان الحمد لله الذي انزل على عبده الفرقان الفارق بين الحلال والحرام والسعداء والاشقياء والحق والباطل. وجعله برحمته هدى للناس عموما وللمتقين خصوصا. من ضلال الكفر المعاصي والجهل الى نور الايمان والتقوى والعلم. وانزله شفاء للصدور من امراض الشبهات والشهوات. ويحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات وشفاء للابدان من امراضها وعللها والامها واسقامها واخبر انه لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه. وذلك لاشتماله على الحق العظيم في اخباره اوامره ونواهيه ابتدأ المصنف رحمه الله كتابه بالبسملة ثم ثنى بالحمدلة والابتداء بهما سنة ماضية وسيأتي تفسيرهما في موضعه اللاحق ومن مستحسنات الاداب ابتداء التصانيف باربعة امور اولها البسملة وثانيها الحمدلة وثالثها الشهادتان بالشهادة لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة والرابع الصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه فمن صنف كتابا استحب له ان يبتدأ بهؤلاء الاربعة واذا اقتصر على شيء منها فلا بأس به. واقل ذلك الاتيان بالبسملة وحده وقد زاد المصنف رحمه الله على الاقل بان الحق الحندلة بالبسملة فقال حامدا الحمد لله الذي انزل على عبده الفرقان والفرقان هو القرآن قال الله تعالى تبارك الذي نزل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرا وقال تعالى وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس وانزل الفرقان وسمي القرآن فرقان لما فيه من التفريق بين المتقابلات كما سيأتي بيانه وذكر المصنف في حمده ان الفرقان الذي هو القرآن انزله الله على عبده يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وانزال القرآن شرعا هو هبوط القرآن من الله تكلما هو هبوط القرآن من الله كتابة وتكلما فقولنا قبوط اي تحضره من علو الى سفل فمن حذر من علو الى سفل سمي نازلا وقولنا من الله لانه صادر منه سبحانه وتعالى ابتداء وقولنا كتابة او تكلما اشارة الى نوعي انزال القرآن فان انزال القرآن نوعان احدهما انزال كتابه والاخر انزال تكلمي تأما انزال الكتابة فان الله سبحانه وتعالى انزل القرآن من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا وجعله في بيت العزة وهذا الانزال هو المذكور في قوله تعالى انا انزلناه في ليلة القدر وقوله تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة قال ابن عباس رضي الله عنهما قصر القرآن من الذكر فجعل في بيت العزة في رمضان رواه النسائي واسناده جيد وروى النسائي ايضا عنه انه قال انزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا ثم انزل متفرقا في عشرين سنة واسناده صحيح فوقع فصل القرآن من الذكر الذي هو اللوح المحفوظ وانزله الله سبحانه وتعالى مجموعة مكتوبا وجعله في بيت العزة وهو الانزال المذكور في الايتين السابقتين وفيه الاثران المذكوران عن ابن عباس عند النسائي في السنن الكبرى ونقل القرطبي في تفسيره الاجماع على ذلك واما انزال التكلم فان الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن وسميعه منه جبريل ثم نزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا حسب الحوادث والوقائع قال الله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا وقال تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قرأناه تتبع قرآنه فتكلم الله سبحانه وتعالى بالقرآن ونزل منه بسماع جبريل له ثم اقرأه جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم فاذا ذكر انزال القرآن فالمراد به المعنى المذكور الجامع لانزال الكتابة وانزال التكلم وقد حمد المصنف الله سبحانه وتعالى على انزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بجعله فرقانا والوالد في القرآن ان الله سبحانه وتعالى حمد نفسه على انزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بجعله كتابا فقال في صدر سورة الكهف الحمدلله الذي انزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجا قيما وما حمد الله به نفسه في انزال القرآن بكونه كتابا اكمل مما جرى على لسان المصنف من حمده الله على انزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بكونه فرقان لامرين احدهما ان الاول هو الوارد في كلام الله والتاني وارد في كلام عبد من عباده هو المصنف وما جاء في كلام الله هو اكمل قطعا من كلام غيره فحمد الله على انزال القرآن كتابا اعظم من حمد الله على انزال القرآن فرقان والاخر ان حمد الله على انزاله القرآن على عبده فرقانا يتعلق بالمعاني فقط اذ الفرقان هو الذي يفرق به بين المتقابلات من حق وباطل وهدى وضلال وسعادتي وشقاء واما حمده على انزاله القرآن بجعله كتابا فانه يتعلق بالالفاظ والمباني والمقاصد والمعاني فالكتاب اجمع من المحاسن اجمع للمحاسن من الفرقان وهو اسم للوحي النازل من كلام الله على محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار كونه مجموعا قال الله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه وقال تعالى وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا واما القرآن فانه اسم للوحي النازل من كلام الله على محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار كونه مقروا متلوا قال الله تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم وقال تعالى لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا ولاجل هذا وقع في القرآن الاشارة الى الكتاب باسم الاشارة البعيد في قوله ذلك الكتاب وباسم الاشارة القريب في قوله وهذا كتاب انزلناه مبارك واما القرآن فلم يقع في اياته الاشارة اليه الا باسم الاشارة هذا ولم تقع الاشارة اليه باسم الاشارة البعيد ذلك ووجه التفريق بينهما ان الكتاب اسم للوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم من كلام الله باعتبار كونه بعيدا مكتوبا في اللوح المحفوظ وباعتبار كونه مكتوبا في المصاحف واما القرآن فانه اسم له باعتبار كونه مقروا متلوا نسمعه بيننا فقوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين هو اشارة للقرآن حال كونه مكتوبا في صحف اللوح المحفوظ قال الله تعالى رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وقال تعالى كلا انها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بايدي سفرة كرام بررة فهؤلاء الايات في سورة البينة وسورة عبس لا تتعلقان بصحف القرآن الذي بين ايدينا وانما تتعلقان بصحف اللوح المحفوظ الذي كتب فيه القرآن وهو الذي يرجع اليه الضمير في قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون اي تلك الصحف في اللوح المحفوظ التي كتب فيها القرآن الكريم وقد ذكر الامام مالك في موطئه ان قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون اشبه شيء به الايات التي ذكرناها من سورة عبس كلا انها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة بايدي سفرة كرام بررة فالكتاب والقرآن وان كان اسمين للوحي النازل من كلام الله على محمد صلى الله عليه وسلم فان متعلقه ما مختلف فان القرآن عد قرآنا باعتبار كونه مقروءا متلوا بيننا واما الكتاب فعد كتابا لانه مكتوب في صحف اللوح المحفوظ ومكتوب في المصاحف فحمد الله على انزاله الكتاب اعلى مما ذكره المصنف من حمده الله سبحانه وتعالى على انزاله الفرقان لان اصل الكتب هو الجمع وجمع القرآن نوعان احدهما جمع المباني رسما والاخر جمع المعاني حكما فاما جمع المباني رسما فالمراد به كتابتها وتقييدها مرسومة بخط واما جمع المعاني حكما فالمراد به جمع ما عظم وجل من معاني القرآن الكريم ومقاصده وجمع القرآن رسما اربعة انواع احدها جمعه في اللوح المحفوظ وثانيها جمعه في بيت العزة وثالثها جمعه بالمصاحف ورابعها جمعه في الصدور فاما النوع الاول وهو جمع القرآن في اللوح المحفوظ فهو المذكور في قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه على ما بيناه من معنى ذلك بما ورد في ايات القرآن الكريم واما النوع الثاني وهو جمعه في بيت العزة ففيه الاياتان المتقدمتان انا انزلناه في ليلة القدر وقوله انا انزلناه في ليلة مباركة على ما تقدم من قول ابن عباس والاجماع الذي نقله القرطبي في تفسيره واما النوع الثالث وهو جمعه في المصاحف فهو المشارع اليه في قوله تعالى وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا فانه اشارة الى مكتوب مستقبل. جعله الله سبحانه وتعالى اية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بان ما انزله عليه من كلام سوف يكتب ويحفظ بالخط فوقع الامر كذلك وصار الديوان الجامع له مكتوبا هو المصحف واما النوع الرابع وهو جمعه في الصدور فهو المذكور في قوله تعالى بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم ومحله من الصدور هو القلب قال الله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين فهذه الاوعية الاربعة يجمع فيها القرآن رسما كما هو واقع حقيقة باللوح في اللوح المحفوظ وبيت العزة والمصحف وحكما في صدورنا فان الكتابة في الصدر هي كصورة النقش المكتوب الثابت في الاوراق والقراطيس واما جمع المعاني حكم فهو اربعة انواع ايضا احدها جمع تمام المعاني وثانيها جمع مجد المعاني وتلدها جمع تصريف المعاني ورابعها جمع تصديق المعاني فاما النوع الاول وهو جمع تمام المعاني فهو المذكور في قوله تعالى وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا فان القرآن تام لا نقص فيه فهو تام في الاخبار صدقا وتام في الاحكام عدلا واما النوع الثاني وهو جمع مجد المعاني فهو المذكور في قوله تعالى قاف والقرآن المجيد فهو الذي لا منتهى لعلو معانيه ومهما ظن انسان انه يحيط به علما ولا يفوته شيء من معانيه فانه لا يمكنه ذلك واما النوع الثالث وهو جمع تصريف المعاني فهو المذكور في قوله تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل وقوله وكذلك نصرف الايات بان تجيء ايات القرآن على وجوه مصرفة فهو جامع بين الجمال والجلال والوعد والوعيد والترغيب والترهيب الى غير ذلك من انواع المتقابلات التي تصرف عليها وجوه القرآن واما النوع الرابع وهو جمع تصديق المعاني فهو المذكور في قوله تعالى الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها متان ان يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعض فهذه الانواع الثمانية المتعلقة بجمع القرآن رسما وحكما تبين جلال حمد الله نفسه على انزال القرآن على عبده كتابا فلو اتبع المصنف ما جاء في القرآن لكان اكمل مما صار اليه من حمده الله سبحانه وتعالى على انزاله القرآن على عبده فرقانا ثم شرع المصنف رحمه الله يحمد الله سبحانه وتعالى على الفرقان موصوفا باحدى عشرة صفة فالصفة الاولى هي المذكورة في قوله الفارق بين الحلال والحرام والسعداء والاشقياء والحق والباطل وقد علمت قبل ان القرآن سمي قرآنا لانه يفرق به بين المتقابلات وهؤلاء المتقابلات ذكر منها المصنف ثلاثة اولها تفريقه بين الحلال والحرام وثانيها تفريقه بين السعداء والاشقياء وثالثها تفريقه بين الحق والباطل وذكر نحو هذا الكلام في تفسير سورة الفرقان. فمدار التفريق عنده على هؤلاء الثلاثة والذي دل عليه لفظ القرآن ان القرآن فرقان لتفريقه في حالين احداهما انه فرقان في الدنيا بين المؤمنين والكافرين والاخرى انه فرقان في الاخرة بين المنعمين والمعذبين قال الله تعالى قل يا ايها الناس انما انا لكم نذير مبين فالذين امنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك اصحاب الجحيم فان هذه الاية ذكرت بعثه صلى الله عليه وسلم نذيرا ثم ذكرت تفريقه صلى الله عليه وسلم بالنذارة فهو فرق في الدنيا بين المؤمنين والكافرين فالمؤمنون مذكورون في الاية في قوله فالذين امنوا وعملوا الصالحات والكافرون مذكورون في قوله والذين سعوا في اياتنا معاجزين ودلت ايضا على انه فرقان في الاخرة بين المنعمين والمعذبين فذكر الله نعيم المنعمين في قوله اولئك لهم مغفرة ورزق كريم وذكر عذاب المعذبين في قوله اولئك اصحاب الجحيم فكان القرآن فرقانا باعتبار تفريقه بين المؤمن والكافر والمنعم والمعذب فهي يفرق في الدنيا بين اهل الايمان واهل الكفران ويفرق في الاخرة بين اهل النعيم واهل العذاب فمن اتبع القرآن في الدنيا فهو من اهل الايمان. ومن اعرض عنه تهوى من اهل الكفران ومن اتبع القرآن في الاخرة فهو من اهل النعيم ومن اعرض عنه فهو في الاخرة من اهل العذاب الاليم قال الله تعالى فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة اعمى فالقرآن فارق بين المؤمن والكافر وفارق بين المنعم والمعذب فاذا اردت ان تعرف في الدنيا اهل الايمان واهل الكفران تعرظ اقوالهم وافعالهم واحوالهم على القرآن فمن وجدته متبعا القرآن عرفت ان قوله وفعله وحاله هو من قول وفعل وحال اهل الايمان ومن وجدته معرضا عن القرآن فان قوله وفعله وحاله قول وفعل وحال اهل الكفران واذا اردت ان تعرف اهل النعيم والعذاب الاليم في الاخرة فاعرض هؤلاء على القرآن فانه يوشك ان يعرف اصحاب الجنة من اصحاب النار فان للجنة طريقا وان للنار طريقا فاذا عرضت تلك الاقوال والافعال والاحوال على القرآن فوجدتها لاهل النعيم فان اهلها يوشكون ان يكونوا هم اهل النعيم جعلنا الله واياكم منهم واذا وجدت ان اقوالهم وافعالهم واحوالهم هي في القرآن افعال اهل العذاب الاليم اصحاب الجحيم اعاذنا الله واياكم من ذلك. فانهم يوشكون ان يكونوا في الاخرة من اهل العذاب الاليم وهذا الفرقان جعله الله سبحانه وتعالى فصلا ليميز الناس احوالهم ايمانا وكفرا ونعيما وعذابا فلا يهلك على الله الا هالك واما الصفة الثانية فهي المذكورة في قوله رحمه الله وجعله برحمته هدى للناس عموما وللمتقين خصوصا من ضلال الكفر والمعاصي والجهل الى نور التقوى والعلم فالله سبحانه وتعالى جعل القرآن هدى اي متقدما لارشاد الناس فانهم اي متقدما لارشاد الخلق فانهم يهدون به وهداية القرآن للخلق نوعان احدهما هداية عامة للناس والاخر هداية خاصة للمؤمنين تأمل النوع الاول فهو المذكور في قوله تعالى شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس واما النوع الثاني فهو المذكور في قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين فالقرآن كائن هدى للناس اجمعين وكائن خاصة هدى للمتقين والفرق بين الهدايتين ان هدايته للناس هي باقامة الحجة وهدايته للمتقين المؤمنين هي بإيضاح المحجة فان الله سبحانه وتعالى يهدي الناس باقامة الحجة عليهم. قال الله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال الله سبحانه وتعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فجعل الله سبحانه وتعالى هداية القرآن للناس باقامة الحجة عليهم فانه بانزال القرآن قامت الحجة على الناس اجمعين وما اوتي النبي صلى الله عليه وسلم اية تدل على صدقه اعظم من القرآن وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي من الانبياء الا اوتي اوتي من الايات ما مثله امن عليه البشر وانما كان الذي اوتيته وحيا اوحاه الله الي واني ارجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة واما هدايته للمتقين المؤمنين بايضاح المحجة فهي ببيان تفاصيل الطريق الموصل الى الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم وقال تعالى قد جاءكم كتاب ونور مبين قد جاءكم من الله كتاب ونور مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه. ويهديهم الى صراط مستقيم فالقرآن كفيل بايضاح تفاصيل منازل السير الى الله سبحانه وتعالى فاذا اهتدى الناس بالقرآن قامت عليهم الحجة. واذا اهتدى المتقون بالقرآن اتضحت لهم المحجة والمستمعون هذا المجلس هم من المؤمنين المتقين فاجدر بهم ان يقبلوا على القرآن مهتدين به في ايضاح المحجة كما يفتقر اليه العبد في سره او جهره او ظاهره او باطنه او خاصة نفسه او مع عامة الخلق كله في القرآن الكريم وما يفتقر اليه المسلم باعتقاده او قوله او عمله كله في القرآن الكريم فمن اراد ان يكون هديا مهديا فعليه ان يقبل على القرآن ملتمسا الهدى منه فمن التمس الهدى من القرآن هداه الله ونوره ومن اعرض عن القرآن ضل وشقي وقيام الناس بهذا في انفسهم قليل فان الفازعين الى القرآن يستنبطون وجوه هداياته في معاشهم ومعادهم ودينهم ودنياهم قليل فالمرء تجري عليه وقائع وتبدر منه احوال وتصدر منه اقوال واعمال فلا يلتمس الهدى من القرآن وعظم ضعف هذا لما اقتصر على جعل القرآن كتابا تحل الفاظه دون معرفة حقائقه ومعانيه فيكون غاية الناس منه الالفاظ والمباني وهم يقرأونه مرة بعد مرة وهم لا يعقلون المقاصد والمعاني واقبح شيء ان يسري ذلك الى مقامات التعليم في المساجد او المدارس او الجامعات اذ يحال بين القلوب وبين هداية القرآن فلا ينشرح به صدر ولا يطمئن به قلب ولا تهدأ به نفس ولست احدثك شيئا من ضرب الخيال فهذا رجل كان في القرن الماضي حسن النزع من القرآن قوي الفهم والاستنباط له املى تفسير القرآن مرتين ولم يكتب عنه الا شيء يسير منه طبع مفرقا وهو العلامة الجزائري عبد الحميد ابن باديس فان هذا الرجل مع ما وصل اليه من حسن الفهم والقرآن اخبر عن حال سابقة له فذكر انه درس تفسير البيضاوي للقرآن في جامع الزيتونة بتونس فتخرج فيه ولم يعلم ان القرآن كتاب هداية لان غاية ما يطلبه كثير من المشتغلين بتفسير القرآن هو الاطلاع على الالفاظ والمباني دون غور في حقائق المقاصد والمعاني فذاك الذي ذكرناه في هداية القرآن لنا بايضاح المحجة انظر قول الله سبحانه وتعالى فيه ان هذا القرآن يهدي للتي هو هي اقوم فالقرآن يهدي للتي هي اقوم في الاعتقادات والقرآن يهدي للتي هي اقوم في الاقوال. والقرآن يهدي للتي هي اقوم الاعمال وانظر ايضا قوله سبحانه وتعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام اي طرق الخيرات ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم فلو ان هؤلاء الايات وجدنا سبيلا الى صدورنا ورسخت حقائقهما في قلوبنا لكان القرآن لنا هاديا الى طرق الخير مخرجا لنا من الظلمات الى النور موصلا الى الصراط المستقيم فهو يهدي المتقين الى الصراط المستقيم الذي هو دين الله في الدنيا ويهديهم الى الصراط الذي هو الجسر المنصوب على جهنم في الاخرة فمن اهتدى بالقرآن هداه الله ومن اكتفى بالقرآن كفاه الله وما احسن ان توافق هؤلاء الكلمات في ابتداء مجالس شرح هذا الكتاب ليالي رمضان الذي هو شهر القرآن لنغتنم اقبالنا على القرآن ملتمسين ان يكون القرآن كتاب هداية تستنير به البصائر وتتنور به الضمائر وتنشرح الصدور وتطمئن القلوب فان الله قال شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فذكر ان انزال القرآن في رمضان وقع لامرين احدهما ان يكون هدى للناس اي متقدما بارشادهم والاخر ان يكون بينات اي حججا ظاهرة وادلة قاهرة من الهدى الذي هو الارشاد والفرقان الذي هو التفريق بين المتقابلات وهذا اخر هذا المجلس اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء احزاننا وذهاب غمومنا اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا واجعله امامنا وقائدنا الى جنات النعيم وفي ختام هذا المجلس انبه الى امور احدها ان مجالس هذا الدرس ستتوالى باذن الله سبحانه وتعالى كل ليلة في هذا الموضع بعد صلاة التراويح وثانيها ان من رغب في سؤال عما ذكرنا او ما لم نذكر فليكتبه في ورقة وسنجيب على سؤاله بعد الدرس حسب ما تيسر من سعة الوقت وثالثها اني لا اسمح لاحد بان يتبعني فان في القرآن والبلد الحرام شغلا الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين