السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. يسر قراءة القرآن للمؤمنين. وجعل كابه هدى لا ريب فيه للمتقين. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. نزل الله عليه القرآن وجعله لكل شيء تبيانا وبث فيه تبصرة وموعظة ورحمة وهدى وفرقان. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما ما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اما بعد فان طرق تلقي العلم وتحصيله لا تنحصر في طريق واحد فهي مختلفة الانواع. ومن افرادها محاضرات واصلها في لسان العرب من الحضور الذي هو ضد الغيبة. وروي ذلك في بعض الفاظ الحديث النبوي. ففي حديث ابي ابي هريرة عند الترمذي وابن ماجة في حديث طويل وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فما من احد في ذلك المجلس الا حاضره الله محاضرة. ثم صار يستعمل في العرف اليوم باعتبار في مجلس يعقد للحديث عن موضوع ما. وهو باعتبار هذا المعنى محدث مولد. وان كان اصله اللغوي صحيحا وجاءت الشريعة وفق ذلك فان اصل جمع الناس في المساجد والقاء العلم اليهم في نسق واحد مما يعرف اليوم بالمحاضرة موروث عن الانبياء. ففي حديث الحارث الاشعري عند الترمذي وغيره واسناده صحيح في الكلمات الخمس التي امر يحيى ابن زكريا عليه الصلاة والسلام ان يعلمهن بني اسرائيل انه نادى في الناس حتى اجتمعوا في بيت المقدس اي في مسجد بيت المقدس فملؤوه وصعدوا اي من حول المسجد واتفق ذلك في احاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اذا اراد ان يحاضر الناس في شيء من بيان الامر لهم نادى الصلاة جامعة فيجتمع الناس عليه ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم ما اراد بيانه وصار هذا النسق معروفا في لغة الناس اليوم باسم المحاضرات واصل الشرعي وثيق واصله اللغوي بالمعنى العامي وهو الحضور ضد الغيبة معروف في كلام العرب وانما المعنى المولد فيه هو ما تعارف عليه الناس من كونه محادثة حول امر مخصوص والمحاضرات التي تلقى اليوم في ساجد وغيرها هي نوعان احدهما المحاضرات العامة التي تتناول امرا يهم المسلمين عامة كالامر بالتوحيد والنهي عن الشرك والدعوة الى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من البدع. ومنها محاضرات متخصصة وهي التي يراد بها بيان امر يتعلق بجملة من المسلمين لا عامتهم كالمحاضرات المتخصصة في فن من الفنون القرآن او اصول التفسير او النحو او غيرها. ومقصود المحاضرات يرجع الى امرين جامعين احدهما اصلاح احوال الخلق في عبادة الخالق والاخر ايقافهم على مهمات الحقائق فان افراد ما ترجع اليه المحاضرات من المقاصد تارة يكون لتحقيق هذا المعنى من ايقاف الخلق على ما يوقفه على عبادة الله سبحانه وتعالى وتارة يراد منها بيان مهمات من الحقائق لهم سواء تتعلق بدينهم او دنياهم وطرق بيان العلم لا تنحصر في طريق واحد ايضا فان طرق بيان العلم وايضاح للناس متنوعة ومن جملة ذلك السؤالات التي يراد منها الاستفهام عن شيء ما وهو اصل وارد في القرآن والسنة. فكم من اية تستفتح بقول الله تعالى يسألونك كقوله تعالى يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج. وكذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم في التعليم ايقاع السؤال وبوب معنى ذلك البخاري وغيره وهويت فيها احاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاسئلة كيفما دارت ترجع الى نوعين احدهما سؤالات المعلم التي يلقيها على المتعلمين والاخر سؤالات المتعلم الذين يرفعونها الى معلميهم وجماع مقصود السؤالات يرجع الى اصلين جامعين احدهما ايصال العلوم والاخر تنشيط فتارة يكون السؤال والجواب اوفق في ايصال العلم لاحد وتارة تحرك النفوس والافهام الى ادراك شيء من العلم بالقاء السؤال والجواب فيه. وهذا المجلس محاضرة متخصصة مسلوكة في سؤالات مخصصة فهي في علوم القرآن ومقاصدها في عشرة اسئلة تأتي واختير جعلها في علوم القرآن لامرين احدهما لامر خاص وهو موافقة اقامة جائزة الكويت الدولية في القرآن الكريم فان من مفردات مناشطها هذه المحاضرة نسأل الله سبحانه وتعالى ان يتقبل من القائمين عليها وان يعينهم على الخير كله. والاخر امر عام وهو جلالة علوم القرآن وشدة حاجة الناس الى الفقه في هذا العلم ومعرفته. واختير بيان مقاصد هذه المحاضرة عبر بوابة السؤال والجواب لما فيه من تيسير الافهام وايقاظ الافهام ان السؤال والجواب ايسر في حصول الادراك للخلق وهو ايضا اوفق في حصول الفهم لهم واختير بيان مقاصدها في عشرة اسئلة كما تقدم. فالسؤال الاول ما علوم القرآن؟ والسؤال الثاني ما صلة علوم القرآن بالعلوم الاسلامية؟ والسؤال الثالث ما فائدة علوم القرآن؟ والسؤال الرابع ما دواكير علوم القرآن؟ والسؤال الخامس ما منتهى عد علوم القرآن؟ والسؤال السادس من طول الجامعة علوم القرآن. والسؤال السابع ما القدر الذي يحتاجه عامة المسلمين من علوم القرآن والسؤال الثامن ما المحاذير المحيطة بعلوم القرآن؟ والسؤال التاسع ما الجادة السوية في تلقي علوم القرآن والسؤال العاشر ما سبل اثراء علوم القرآن؟ فاما السؤال الاول وهو ما القرآن فان بيان حقيقة علوم القرآن مما وقع فيها تباين عظيم بين المتكلمين فيها عند محاذاة عباراتهم بعبارات المتكلمين في فنون اخرى فان اقل اتقانا من العلوم المستعملة كاصول الفقه او النحو او غيرهما. ومنشأ ذلك امران احدهما اشتباك مطالب علوم القرآن مع التفسير. حتى كان جماعة يسمونها علوم القرآن علم التفسير. ومن هؤلاء الكافيدي في كتاب التيسير فانه مبتدئ هذا الامر ثم تبعه صاحبه السيوطي في نقاية العلوم وغيرها. فصاروا يذكرون اسم التفسير وهم يريدون به علوم القرآن. واعتذر بعض المتأخرين عنهم بان اطلاقهم علم التفسير على تقدير مضاف محذوف وهو علم اصول التفسير. وان هذه الانواع التي من علوم القرآن وسموها علم التفسير هي باعتبار كونها اصولا له فهي شبيهة بمصطلح التفسير ذكره محسن المساواة في نهج التيسير وغيره. والاخر ان المتكلم في بيان حقيقة علوم القرآن تأخرت العبارات الصادرة منهم فلا نجد كلاما قبل الالف في بيان حقيقة علوم القرآن واقدم من يوجد له كلام في وضع حد اراد به علوم القرآن خاصة هو العلامة محمد بن علي سلامة المصري فان له كتابا اسمه منهاج الفرقان وهو اقدم في علوم القرآن وفق الوضع المتأخر. وان سبقه طاهر الجزائري لما صنف كتابه التبيان خمس وثلاثين وثلاث مئة والف. لكن وضع كتاب منهج الفرقان كان ملائما للوضع الذي صار اليه الناس وزاد على الجزائري اشياء منها انه اعتنى بتعريف علوم القرآن. فصار لاجل هذين الامرين القول في حقيقة علوم القرآن عسيرا مشتبكا. ويمكن ان نذكر واحدا من كل اصل يرجع الى الاصلين المذكورين انفا. فاما المأخذ الاول وهو الذي ذهب اليه السيوطي وغيره فان السيوطي قال في نقاية العلوم وشرحها اتمام الدراية قال علم يبحث فيه عن احوال الكتاب العزيز من جهة نزوله وسنده وادائه والفاظه ومعانيه المتعلقة بالالفاظ والمتعلقة بالاحكام وغير ذلك واما السائرون وفق المأخذ الثاني فان اقدمهم وهو محمد بن علي بن سلامة قال في كتاب منهج الفرقان ذاكرا حد علوم القرآن انواع من المسائل يبحث فيها عن احوال القرآن الكريم من حيث نزوله وكيفية النطق به واداؤه وكتابته وجمعه الى اخر ما عدد من انواعه ثم قال وقد شمل ذلك علوم التفسير والرسم والقراءات واسباب النزول ثم قال الى غير ذلك مما يتعلق بالقرآن الكريم. ويشبه ان يكون محمد بن علي مسبوقا باحد العلماء الذين كانوا من في وضع المقررات الدراسية وهو العلامة محمود ابو دقيقة فان له مذكرة في علوم القرآن اشار اليها ابن سلامة هذا ويشبه ان يكون اخذ هذا الحد منه وهذه المذكرة صارت معدومة اليوم ويمكن ان تكون منها نسخة في دار الكتب المصرية او المكتبة الازهرية. فلا يخرج اول من حد علوم القرآن وفق ما تعارف عليه الناس اليوم من كونه محمودا ابا دقيقة رحمه الله او كونه من جاء بعده واقتبس منه وهو ابن سلامة في كتاب منهج الفرقان وهو مطبوع في جزئين. وهذان الحدان المذكوران يجتمعان في امرين احدهما في كون متعلق علوم القرآن ابحاث ومسائل يجمعها اسم العلم والاخر في كون تلك العلوم تتعلق بالقرآن من جهات محددة عدوا منها من جهة انزاله وترتيبه ورسمه وادائه واسناده الى غير ذلك. بيد ان هذين مفتقران الى ردهما الى الاصل الاوفق في تعريف العلوم وهو تعريفها باعتبار كونها قواعد ومسائل فان المتكلمين في حدود العلوم لهم مسالك ثلاثة مشهورة. احدها حدها باعتبار كونها قواعد ومسائل والثاني حدها باعتبار لكونها ملكة قائمة في النفس وثالثها حدها باعتبارها ادراكا ومعرفة حاصلة للمتلقي واصحها هذه المذاهب الثلاثة هو المذهب الاول الذي يعني فيه ببيان حقائق العلوم باعتبارها قواعد ومسائل اذا تجمع افدادا من العلوم ويبقى النظر في متعلق تلك القواعد والمسائل ولا يختلف المتكلمون في علوم القرآن ان تلك القواعد والمسائل ترجع الى القرآن الكريم لكنهم يفترقون بقوة رجوعها فمنها ما يكون رجوعه قريبا ومنها ما يكونه رجوعه بعيدا. فان القرآن اصل العلوم. ولذلك ادخل جماعة كثر اشياء في علوم القرآن وهي اجنبية عنه كعلم الطب القرآني او علم الفلك القرآني او غيرها من العلوم باعتبار وجود اصول لها في القرآن الكريم. والاولى ان يلاحظ المأخذ القريب المتعلق احوالي القرآن الكريم المختصة به فليس كل شيء يمكن ان يوجد في القرآن كالسياسة او الثقافة او الطب او الهندسة او غيرها ان يعد من علوم القرآن فهو علم قائم باصله لكن توجد له دلائل ومنه مسائل في القرآن الكريم فلا بد من حصر جهة تعلق تلك المسائل بالقرآن خاصة دون غيره. ولذلك يمكن ان يقال وفق ما اصطلح عليه المصنفون في الحدود من علماء المنطق والفلسفة ان علوم القرآن هي القواعد التي بها القرآن حالا او وصفا. هي القواعد التي يعرف بها القرآن حالا او وصفا. وجمع هذه العلو باسم علوم القرآن لامرين. احدهما كثرة افرادها وكونوا كل واحد مستقلا منها برأسه. فعلم ناس القرآن ومنسوخه هو اصل برأسه. وعلم اسباب النزول هو اصل برأسه وعلم رسم القرآن هو اصل برأسه الى غير ذلك من علوم القرآن. فلكثرة هذه الافراد جمع اسم هذا العلم فصار قالوا علوم القرآن اشار الى هذا الزرقاني في مناهل العرفان ثم تبعه محمد ابو شهبة في المدخل لدراسة القرآن الكريم. والثاني فخامة هذا العلم وجلالته. فجمع اسمه وقيل علوم للاعلام بان هذا العلم علم جليل اشار اليه حسن فضل ابن عباس في كتاب اتقان البرهان اما السؤال الثاني وهو ما صلة علوم القرآن بالعلوم الاسلامية فمدار العلوم الاسلامية على القرآن والسنة فانه الوحي الذي اوحاه الله سبحانه وتعالى الى النبي صلى الله عليه وسلم وجعل علم ما تعلق بهما. ففي حديث معاوية رضي الله عنه وعن ابيه في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين يعني ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ومنه قوله تعالى وما كان المؤمنون كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين. فالفقه في الدين مرده الى الفقه بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة. ومن هذين الاصلين انتشرت العلوم الاسلامية فعلوم القرآن متعلقة بالاصل الاعظم وهو القرآن الكريم. فعظمت لاجل عظمة متعلقها السؤال التالت ما فائدة علوم القرآن؟ ان علوم القرآن عظيمة الفائدة ترجع الى العبد بما يقوي ايمانه ويزيد ايقانه ويوسع مدارك علمه ويعينه على العمل يمكن ان نذكر منها افرادا. فمن تلك الفوائد شغل النفس وعمارة الوقت بالقرآن الكريم. فان امر الانسان هو عمله ولا يبقى للانسان من ايامه ولياليه الا ما اودعه فيها من ذخائر الاعمال الصالحة والاقبال على علوم القرآن يعين الانسان على شغل وقته ونفسه وعمارتهما بالاقبال على القرآن الكريم ومنها توثيق العبد صلته بالقرآن فان الاخذ في علوم القرآن تقوى بكتاب الله سبحانه وتعالى فهو يقلبه انواع ويصرفه اشتاتا ويرجع من اوله الى اخره ويستنبط ما يتعلق بهذا العلم مما ورد في القرآن الكريم ثم يلحق به اخرا فتقوى صلة علوم القرآن بالقرآن الكريم. ومنها تقوية العلم بالله ومعرفته فان القرآن كلام الله. قال الله تعالى احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله. فالمقبل على علوم القرآن تزيد معرفته بالله سبحانه وتعالى وعلمه بربه. ومنها زيادة الايمان وترسيخ الايقان وتزكية النفس. كما قال الله سبحانه وتعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون ومنها الاطلاع على معارف القرآن وذخائره فان القرآن عظيم المنفعة وفيه من انواع العلوم والمعارف ما لا ينتهي الى حد. وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا افهام الرجال ومنها العلم ببيان القرآن تدبرا وتفسيرا وتأويلا. وقد جعل ابو شهب رحمه الله في كتابه المدخل علوم القرآن مفتاح التفسير. لان المرء اذا اطلع على علوم القرآن واخذ منها بطرف حسن امكنه ان يتعاطى علم التفسير وان كان خلوا منها لم يرجع بكبير فائدة من التفسير ومن ان العلامة عبد الله ابن فودي السكتي النيجيري صنف نظما للاتقان في علوم القرآن ما هو مفتاح التفسير اي انه جعل علوم القرآن مفتاحا لعلم التفسير. والسؤال الرابع ماذا علوم القرآن والمراد بالبواتير مبتدأ ذلك العلم الذي يسمونه بلسان الناس اليوم نشأة والموافق للغة العرب وبه جاءت الاحاديث تسمية اول الشيء باكورة. فكل علم له باب وبواكير العلوم نوعان. احدهما بواكير غرائز وملكات. والاخر بواكير واقوال ومصنفات. فاما النوع الاول وهو بواكير الغرائز والملكات. فذلك انه توجد انواع من العلوم تكون مركوزة في طبائع الناس كعلم النحو او اصول الفقه او غيرهما والى ذلك اشار صاحب بقوله اول من صنفه في الكتب محمد بن شافع المطلب وغيره كان له خليقة مثل الذي للعرب من سليم اي ان علم اصول الفقه كان مركوزا في طبائع الناس وفهمومهم. مثل ما كانت العربية مركوزة فيهم فهم يتكلمون هنا على السليقة دون حاجة الى تكلف النحو. وكان احد الاعراب ينشد ولست بنحوي يلوك لسانه ولكن سليقي اقول فاعرب اي ان ذلك يقع منه وفق ما طبع عليه. واما الاقوال والمصنفات فان بواكير العلوم تارة تجيء في قول كالمأثور عن علي رضي الله عنه في ابتداء علم النحو لما ذكر بعضه بابي الاسود الدؤلي ثم امره ان ينحو هذا النحو. وجمع السيوطي رسالة لطيفة في الاثار الواردة عن ذلك عن علي رضي الله عنه وتارة تقارنها مصنفات توضع في مبتدأ الامر فيكون باكورة التصنيف في ذلك العلم هو كتاب كذا وكذا او في ذلك العلم كذا وكذا. وهذان النوعان من البواكير موجودان في علوم القرآن. فمنها ما من جملة الغرائز والملكات ومنها ما كان من جملة الاقوال والمصنفات. ولم يزل هذا العلم يزداد شيئا فشيء من ابتداء التصنيف في افراد له من زمن التابعين فان من قديم من صنف في مباحث منه في شكل المصحف او قراءاته او ناسخه ومنسوخه منهم يحيى ابن يعمر ومجاهد ابن جبر ومحمد ابن شهاب الزهري ابن دعامة ونصر ابن عاصم الليثي وعمرو بن ظالم الدولي فلهم تصانيب بعضها مطبوع في مباحث تتعلق بعلوم القرآن. ثم لم يزل الناس يصنفون في ذلك. وجاءت كتب في التفسير تحمل علوم قرآن وهذا ظاهر في القرن الثالث فما بعده فتجد اسم علوم القرآن لكن لا يراد به العلم الذي اصطلح عليه اليوم وانما يراد به تفسير واقدم كتاب يمكن الجزم بانه اول ما صنف في علوم القرآن باعتباره حاويا لها هو وكتاب فهم القرآن للحارث بن اسد المحاسبي. فهذا الكتاب وقد كان صاحبه في القرن الثالث هو اقدم كتاب اشتمل على مباحث متخصصة في علوم القرآن فقد جعله على سبعة فصول كثير منها مما في جملة ما يسمى اليوم بعلوم القرآن. والسؤال الخامس ما منتهى عد علوم القرآن بها العلوم الخاصة به لا مطلق ما يرجع الى القرآن من العلوم والمعارف فان المتكلمين في عد علوم القرآن منهم من ذكر عددا يريد به المعنى العام وهو جميع ما يرجع الى القرآن ويقتبس منه. فذكر الغزالي في الاحياء ان عدد علوم القرآن مئتين وسبعة وسبعين الفا. وذكر ابن العرب في قانون التأويل ان عدد علوم القرآن خمسون واربع مئة وسبعة وسبعون الفا وذكر الشعراني في كتابه السر المرقوم ان علوم القرآن تبلغ ثلاثة الاف علما وكل هذا باعتبار المعنى العام وهو غير مراد لنا. وانما المراد هنا عد علوم القرآن باعتبار ما اصطلح عليه باخرة من تلك القواعد او الاصول او المسائل التي تتعلق بالقرآن من جهة قصة كالانزال او الترتيب او الرسم او غير ذلك مما يندرج فيما جعلناه حالا للقرآن او وصفا. واقدم عد ذكر له هو عد الشافعي محمد بن ادريس المتوفى سنة اربع ومئتين. في قصته مع هارون الرشيد فانه لما امتحن مع هارون الرشيد في علمه بالقرآن وسأله ما علمك به؟ فقال عن اي شيء تسأل عن تنزيله او تأويله او سفريه او حظريه او ليليه او نهاريه الى اخر ما عد. وهذه القصة رواها جماعة منهم الابري في مناقب الشافعي وابن عساكر في تاريخ دمشق. وذكر اليافعي في مرآة الجنان ان الشافعي عد في تلك القصة ثلاثة وسبعين نوعا من علوم القرآن. واما القنوجي صديق حسن فانه ذكر في ابجد العلوم ان الشافعية عد ثلاثة وستين نوعا وكلاهما لم يذكر جماع تلك انواع معدودة وهذه القصة هي اصل قديم في عد علوم القرآن تحتاج الى جمع مرويات الفاظها وتعيين في علوم الواردة فيها باعتبار ان هذا هو اقدم نص ذكر فيه تعداد علوم القرآن. ثم صنف المصنفون في عد علوم القرآن فصنف الزركشي كتابه البرهان وعد فيه سبعة واربعين نوعا من انواع علوم القرآن ثم جاء بعده البلقيني فعد في كتاب مواقع العلوم في مواقع النجوم خمسين نوعا من انواع علوم القرآن واردها الى ستة اصول سيأتي ذكرها ثم قال ومنها ما لا يرجع الى تلك انواع كالاسماء والكنى والمبهمات فزاد اشياء لم يردها الى تلك الامور الستة التي ذكرها ثم جاء السيوطي فصار له عد لانواع علوم القرآن في ثلاثة مراحل. فاول عده انه بلغها خمسا وخمسين نوعا ذكره في كتاب وقاية العلوم. وثانيها انه عدها نوعين ومئة وذكر هذا في كتاب التحبير وثالثها وهو منتهاها عنده انه جعلها ثمانين نوعا ذكرها في كتابه الاتقان في علوم القرآن وذكر انه لو اراد تنويعها لزادت على الثلاث مئة ثم جاء بعد ذلك محمد ابن احمد ابن عقيلة المكي فصنف كتابا اسمه الزيادة والاحسان في علوم القرآن ذكر فيه اربعة وخمسين ومئة كنوع وذكر انه اجملها على وجه الادماج ولو اراد ان يفصلها لزادت على اربع مئة نوعين وهذا العد فيه الاعلام بان علوم القرآن لا تنتهي الى حد وان من تتبع القرآن وما جاء من الاحاديث والاثار امكنه ان يزيد على ذلك انواعا. وقد جزم الزركشي في البرهان وابن سلامة المصري في منهاج الفرقان ان علوم القرآن لا تنتهي الى عد فهي مما يمكن الزيادة عليه وقد وقع مما نبينه في مقام اخر باذن الله تعالى. والسؤال الرابع ما الاصول السادس؟ السؤال السادس ما الاصول الجامعة علوم قرآن فان الانواع المتقدمة ذكرها سواء ممن عدها سبعة واربعين نوعا او من انتهى الى اربعة وخمسين ومئة نوع وهو ابن عقيلة ينبغي ان تلاحظ اصول جامعة ترد اليها ان العلم يدرك ويعرف اذا ميز بعضه عن بعض بجمع ما ائتلف منه في اصل جامع فان هذا في الفهم واقوى في الادراك. ولمح هذا الامر الجلال البلقيني في كتاب مواقع العلوم. وهو اقدم من اعتنى بهذا ولو ان المصنفين في علوم القرآن تبعوه وساروا بسيره لكان وضع هذا العلم اوضح مما هو عليه الان فانه رد تلك الانواع التي ذكرها الى ستة اصول جامعة. اولها مواطن النزول واوقاته ووقائعه. وثانيها السند وثالثها الاداء. ورابعها الالفاظ. وخامسها المعاني بالالفاظ وسادسها المعاني المتعلقة بالاحكام. فجعل هذه الاصول الستة هي المواد التي ترد اليها الانواع الخمسة والخمسون التي ذكرها. ثم اتبعها باربعة انواع ذكر ان لا تنحصر تحت شيء من هذه الاصول الجامعة. ثم هجر هذا الاصل ولم يعتني احد من الاوائل برد علوم القرآن الى اصول جامعة. ثم نشأ في المعاصرين جماعة حاولوا رد تلك الانواع الى اصول جامعة. فمنهم من ردها الى عشرة اصول. ومنهم من ردها الى ثمانية اصول واشبه شيء ان علوم القرآن كافة ترجع الى اربعة اصول اولها نزول القرآن وثانيها جمع القرآن وثالثها قراءة القرآن. ورابعها تبيان القرآن وهذه الاصول الاربعة امكن ترتيبها باعتبار الاطوار والاحوال التي جاء فيها القرآن فان القرآن نزل اولا. ثم جمع ثانيا. ثم قرأ ثالثا ثم بين رابعا. فملاحظة هذه الاطوار باعتبار ورودها في الادلة الشرعية تجعل من الممكن يعلو هذه اصولا ترد اليها جميع علوم القرآن. وقد امكن ذلك فان المرء اذا تتبع ما عد من انواع علوم القرآن فاراد ان يردها واحدا واحدا الى هذه الاصول امكنه ذلك. وحتى العاد لانواع ثمانية او عشرة فانه يمكن عد ما ذكروه من اصول زائدة عن هذه الاربعة الى شيء منها فان منهم مثلا من يذكر التفسير واصوله ومعاني القرآن واعجاز القرآن وكل هذه ترجع الى تبيان القرآن. ورد متفرقي الامر الى شيء جامع اقوم في الفهم واحدق في الادراك فيشبه ان تكون هذه الامور الاربعة هي الاصول الجامعة لعلوم القرآن. والسؤال ما القدر الذي يحتاجه عامة المسلمين في علوم القرآن؟ ينبغي ان يعلم ان علوم القرآن منها قد مفصل ومنها قدر مجمل. فاما القدر المفصل فهو البحر الخضم الذي صنف فيه المصنفون وعد دون كالزركشي والبلطيني والسيوطي وابن عقيلة رحمهم الله. واما المجمل فهو ما يحتاجه عموم المسلمين فان عموم المسلمين يحتاجون الى اشياء من علوم القرآن. تمر على اذهانهم تطرق اسماعهم في قراءة القرآن في الصلوات كانزال القرآن وكتابته وجمعه وقراءته وعظمته وفضله ومكيه ومدنيه وناسخه ومنسوخه. فهي معان يسيرة اطلعوا عليها باعتبار ما يسمعون من القرآن او يقرأون في المصحف فان احد المسلمين يقرأ امام بعض السور قولهم مكية وعند سورة اخرى مدنية وهو يحتاج معرفة هذا المعنى وكذلك يحتاج الى معرفة ما يتعلق بنزول القرآن ويسمع انا انزلناه في ليلة القدر الى غير ذلك مما يتعلق بالنزول. وهذه المعاني التي ذكرناها يشبه ان تكون في ورقة واحدة تكفي في بيان مجمل علوم القرآن فيما يحتاجه عموم المسلمين وبيان هذا في مقام اخر المقصود ان من علوم القرآن علوم يحتاجها المسلمون عامة كالافراد التي اشرنا اليها ومنها علوم يحتاجها متخصصون من المسلمين هي من جنس فرض الكفاية. والسؤال الثامن ما المحاذير المحيطة بعلوم القرآن. ان كل علم معتد به كثير المنافع والفوائد. لا يخلو من محاذير احيطوا به تنتج غالبا من تعاطي هذا العلم وصفة اخذه وتلقيه. ومن تلك العلوم التي تحيط بها احاذير علوم القرآن فتحيط به محاذير متنوعة. فمن تلك المحاذير تجفيف الاثر الايماني لعلوم القرآن فان من الناس من يتعاطى صنعة علوم القرآن ولا يتحرك قلبه معها. فهو يأخذ من انواع علوم معرفة اسماء القرآن فيلقى اليه ان القرآن له اربعة اسماء هي القرآن والكتاب والذكر والفرقان فهذه الاسماء الاربعة ذكرها ابن جرير الطبري واما زيادة التنزيل ففيها نظر لانها وكذلك وراء هذه الاسماء اوصاف كثيرة. فالقرآن وصف انه نور وهدى ورحمة وبشرى وموعظة وبصائر ومجيد الى غير ذلك من اوصاف القرآن. فتجد المتلقي علوم القرآن يتلقى هذه الاسماء لكنه لا يجد حقائقها في قلبه. ولا يعي مآخذها في نفسه. فلاي شيء كان القرآن قال ولاي شيء كان القرآن كتابه؟ ولاي شيء هو ذكر؟ وبأي شيء يكون القرآن نورا او رحمة او هدى او بصائر فذهاب هذا المعنى من القلوب اوقع الناس في محذور عظيم وهو تجفيف الاثر الايماني لعلوم القرآن وهذا امر شائع في العلوم عند المتأخرين. فالعلوم الاصلية مع جلالتها قل ان تحرك الناس واما طريقة السلف فان العلوم التي يسمونها اليوم علوما جامدة كانت تحرك قلوبهم فعلم النحو مثلا كان مما يحرك به القلب فقد قال بعض السلف اعربنا في كثير من كلامنا فلن نلحن ولحنا في كثير من اعمالنا فلم نعرب وقال رجل للامام مالك لحنت في كذا فرآه على حال لا تحمد فقال ان يلحن المرء في لسانه اهون من ان يلحن في عمله. فكان علم النحو وهو علم النحو الذي يوصف اليوم بالغلظة والقسوة وبعده عن تحريك القلوب كان محركا للقلوب سائقا لها الى الله. واما نحن فصارت العلوم الاصلية النافعة ومنها القرآن لتعلقها بالقرآن لا تحرك فينا شيئا. وهذا ينبئ عن وجود خلل في مسلك تلقي العلم موجود بيننا ومنها ايضا الغوص في الجانب النظري دون التطبيق فتجد في كثير من ما يتعلق وبيعدي انواع علوم القرآن مد قول في بيان الجانب النظري دون ما يتعلق بالجانب التطبيق ومن ذلك ما يتعلق باداء القرآن الذي جعله البلقيني احد الاصول الستة وذكر تحته ستة انواع وذكرناه نحن وغيرنا فيما يتعلق بقراءة القرآن. فان كثيرا من المتعاطين علوم القرآن صار هذا الباب عندهم غير تطبيقي ولا ادل من وقوع ذلك من شيوع القول بينهم بان قراءة اعوذ بالله من الشيطان وفق قراءة القرآن انها بدعة. فهذا قول شاع عند جماعة من المتأخرين المتعاطين علوم القرآن الجانب النظري عندهم على الجانب التطبيقي. والا لو كان لهم اخذ بالحظ التطبيقي لوجدوا مسالك تتعلق بقراءة القرآن لا محيص عن القول بان الاستعاذة تقرأ فيها ترتيلا كما يقرأ القرآن ترتيلا. ومن اشهرها وصل الاستعاذة بالبسملة باول السورة فان هذا متعذر الا مع ترتيلها. الى وجوه اخرى تتعلق بقراءات القرآن عند ابي عمرو وغيره مذكورة في جمال الاقراء للسخاوي وفي النشر لابن الجزري. فمنشأ هذا القول الخطير جدا لانه لا سابق لهم بذلك من ان قراءة الاستعاذة ترتيلا بدعة منشأه ارظاء القوم بالجانب النظري دون عناية بالجانب التطبيقي. الى غير ذلك من المواقع وانما المقصود ذكر المثال. ومن جملة تلك ايضا تقديم معان غير صحيحة لما يمكن عده منها. فان من المعدود في انواع علوم القرآن التجويد لكن ما يذكر من معاني التجويد اليوم هو بعض ما كان يشمله اسم الترتيل عند السلف فان اسم تجويد متأخر والاسم العتيق الموجود في الكتاب والسنة لاخذ القرآن وقراءته هو الترتيب. فصار معنى تجويد عندهم معنى مخصوصا ببعض الافراد مع ترك افراد اخرى. ومنها افتراع انواع لا اصل لها من انواع علوم القرآن كالذي يسمى بالاعجاز العددي ويغرم به كثير من الناس عند الحوادث والفتن فهم يرون اية تحمل رقما ثم ينزلونها على واقعة من الوقائع ويقولون هذا من اعجاز القرآن وهذا غلط جزما اصله بل وفرعه فان مدارس عد القرآن مختلفة كما يعرفه المشتغلون بعده. فلو صح عد هذه الاية بانها تحمل الرقم الحادي عشر فلا يصح وفق مدرسة اخرى من مدارس العد انها تحمل هذا الرقم. ومن جملة تلك المحاذير ايضا تهويل تعاطي بعظ انواع علوم القرآن كعلم التفسير فان علم التفسير صار موطوء الكنف فيه وكان السلف يعظمون القول فيه ويشددون ويقولون انما هو الرواية عن الله. فصار الناس فيه اليوم ويتهاونون في ذلك تحت شعارات واسماء جعلوها وسموها تدبرا قرآن وحقيقتها نوع من التفسير الاشاري فان تدبر القرآن وفق ما دلت عليه الشريعة وما عرفه السلف ليس المعنى الذي وصار معناه المعاني التي تلقى في النفوس ثم يعبر المرء عنها وبيان هذا له مقام اخر ولكن المقصود ان ان من المحاذير التي وقع فيها من وقع فيما يتعلق بعلوم القرآن تهويل تعاطي انواع منها ومن جملتها علم التفسير واما السؤال التاسع وهو ما الجادة السوية في تلقي علوم القرآن؟ فينبغي ان نفرق بين جدتين احدى جادة اكاديمية علمية باعتبار كلية او معهد او مدرسة فهذا يختطه اصحابه ما شاءوا وان كانت تلك المحاضن الاكاديمية عجزت عن ان تضع في مدارس بيان علوم القرآن صبغة قوية ظاهرة تسامي ما كان عليه الى وقت قريب الازهر فان الازهر كان له نصيب وافر من الابداع في علوم ويكفي ان نعرف ان هؤلاء الذين ذكرناهم انفا ومنهم محمد ابن علي ابن سلامة ومحمد ابو شهبة واحمد الكومي وعبد المجيد غزلان وغيرهم كانوا هم من الاساتذة الازهيين في القرن الماضي الذين اثروا علوم القرآن بكتاباتهم واما اليوم فصارت تلك النتائج الاكاديمية ضعيفة سوى رسائل علمية مما يسمى بالماجستير او الدكتوراة تعد مشاركة نافعة وانما يعول على الامر الذي عرف به العلم وسيبقى وهو جادة تلقي العلم التي كان عليها العلماء فما من علم من العلوم الا وله جادة يؤخذ بها ومن رام العلم بغير جادة انتهى الى غير فائدة وعلوم القرآن تتعلق بها مرتبتان في جادتها. احداهما مرتبة الحفظ والاخرى الفهم. فاما مرتبة الحفظ فيكفي منها حفظ منظومة التفسير. للعلامة عبدالعزيز بن علي الزمزمي المتوفى سنة ست وسبعين وتسعمئة فانها نظم لوقاية العلوم بالسيوط في باب التفسير منها وهو مأخوذ اصلا عن كتاب جلال البلطيني مواقع العلوم الذي يعده السيوطي اول كتاب صنف في علوم القرآن. في حفظ طالب العلم هذه المنظومة يكتفي والا فان المتون المنظومة في علوم القرآن اكثر من هذا فان عبد الله ابن فودي رحمه الله له المفتاح بالتفسير وهو الف ومئتان وبيتان. نظر ما فيه الاتقان مع زيادات النقاية وله ايضا مختصر له وهو مختصر في المعنى واما الالفاظ فغيره وهو سلالة مفتاح التفسير. بل المناوي فيض القدير له نظم طويل نظم فيه الاتقان توجد قطعة منه كبيرة سقط منها اولها في دار المصرية فيكفي ان يحفظ منظومة علم التفسير المشهورة بالزمزمية للعلامة عبد العزيز الزمزمي. واما باعتبار فهم فانه يعتني بثلاثة كتب يقرأها على شيوخه. اولها القول المنير للعلامة اسماعيل ابن عثمان الزين. وقد ذكر فيه عشرة دروس في علوم القرآن. وان سماه القول المنير في علم من اصول التفسير فانه يريد بها علوم القرآن. وثانيها شرح منظومة للعلامة محسن ابن علي المساواة. المتوفى سنة خمس وخمسين وثلاث مئة والف. وثالثها فتح الخبير شرح مفتاح التفسير. فان كتاب ابن فوذي الذي نظم فيه الاتقان واسمه مفتاح التفسير شرحه احد علماء الحجاز وهو الشيخ الترمسي رحمه الله. وقد توفي سنة ست وثلاث مئة والف او قريبا من هذا التاريخ. فلخص فيه كتاب الاتقان تلخيصا حسنا. وهذا الكتاب قدم كرسائل علمية في بعض الجامعات السعودية وهو جدير بان يطبع وان يكون اصلا لانه لخص فيه الاتقان حسنا نظما ونثرا فهذه الكتب الثلاثة يقرأها المتعلم على شيخه واما ما وراء ذلك من البحر الخضم في المصنف فيقرأ فيها ما شاء لكن ان اكتفى بهذا فقد حصل اصلا نافعا في علوم القرآن. واذا اراد الزيادة فانه يقرأ في كتاب البرهان وكتاب الاتقان وكتاب الزيادة والاحسان. واما السؤال العاشر وهو ما سبل اثراء علوم القرآن. فيرجع اثراء علوم القرآن الى امرين. احدهما مصادر والاخر اشاعة موارد. فاما الامر الاول وهو دراسة مصادر فنعني به الاقبال بالدراسة على مصادر يمكن النظر فيها بتمكين علوم القرآن والزيادة عليه. فاولها القرآن الكريم فانه مهما استنبط منه المستنبطون فلا يزال القرآن ميدانا خصبا لاستخراج انواع من علوم القرآن فان كثيرا من المتكلمين في علوم القرآن خرجوا الى النظر فيما اعده العادون لذكره في علوم واهملوا النظر في القرآن نفسه لاستخراج انواع من العلوم منه. فانه يمكن للناظر ان نوعا يسميه المقطع والمتصل من انواع علوم القرآن. فهذا يندرج فيه ما يتعلق بالحروف المقطعة ويندرج فيه ما يتعلق فيما ذكروه في رسم البسملة وان البسملة اسقطت منها الالف وزيدت فيها مدة وايضا ما يذكرونه في كتب التجويد في باب المقطوع والموصول فهو يرجع الى هذا النوع وهو مستخرج من القرآن الكريم وستجدون في القرآن الكريم انواعا من علوم القرآن التي لم يذكرها من سبقه. ومنها ايضا الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. فان السنة النبوية ملأى بما يزيد علوم القرآن متانة وجلالة. واعتبري بالاحاديث المروية في علم القراءات. فان الاحاديث المروية في علم القراءات كثيرة. فاذا اقبل عليها عارف بعلوم القرآن مع تحصيله لما ينبغي من القراءات ووازن بين طريق تلقي القرآن باعتبار القراءات وبين فيه باعتبار الاحاديث وقف على مقدار عظيم من العلم فان المحدثين كانوا من اسبق الناس الى العناية بالقراءات فان اول من صنف في اصول القراءات احد المحددين. فهو ها هو ابو الحسن علي ابن عمر الدارقطني فانه اول من صنف في اصول القراء. كما ان جماعة من المحدثين عقدوا ابوابا في القراءات منهم ابو داوود في كتاب السنن والترمذي في كتابه الجامع هو الحاكم في كتاب المستدرك. وهذا لمن عرف كتب الحديث مورد تر لتمتين علوم القرآن وزيادة الانتفاع بها. ومن جملة المصادر ايضا تستحق الاقبال عليها بالدراسة كتب الاثار كمصنف ابن ابي شيبة ومصنف عبد الرزاق الصنعاني فان ان الاثار مليئة بما يزيد هذا العلم متانة وقوة وهي تفتقر الى عقل معاني تلك اثار وردها الى ما ذكروه من علو. فمثلا روى ابن ابي شيبة عن ابراهيم وهو النخعي انه قال كانوا يرون ان الالف والياء سواء وهذا يريد به ابراهيم ما يسمى في عرف القراء بالفتح والامالة. فيستوي عند اصحاب ابن مسعود والضحى والضحى الى غير ذلك مما جاء في الاثار مما يرد الى انواع كثيرة من علوم القرآن. والمشتغلون من اهل العصر فيه قليل الاطلاع غالبا على كتب الاثار. فيفوتهم كثير من المنافع والفوائد المتعلقة بعلوم القرآن مما جاء في اثار الصحابة والتابعين واتباع التابعين رحمهم الله. ومن جملة تلك المصادر المصنفات المختصة مسندة او مجردة اي المصنفات التي تتعلق بعلوم القرآن او افراد منها كالناسخ والمنسوخ واسباب النزول. ما كان منها مسندا كاسباب النزول للواحد او غيره. وما كان منها مجردا. فيقبل على الكتب المصنفة في علوم القرآن وتستخرج منها ما يتعلق بعلوم القرآن. وان تعجب فاعجب ان ابن سلامة صاحب الناس كل منسوف هو كتاب مطبوع ذكر نوعا من انواع علوم القرآن لم يذكره احد ممن صنف في علوم القرآن. وهو نوع الحربي والسلمي. فانه لما عدد ما اشتملت عليه سورة الحج من انواع علوم القرآن ذكر منها ان منها سلمي يعني نزل بالسلم ومنها حربي فهذا نوع من انواع علوم القرآن. لم يذكره لا البلقيني ولا الزركشي ولا السيوطي ولا ابن عقيل ولا احد ممن صنف بعدهم في علوم القرآن. فالاقبال على التأليف المختصة في علوم القرآن. سواء مفردة او مجموعة مجردة يزيد هذا العلم ثروة. ومن جملة تلك المصادر ايضا الاشتات من مختلف المصنفات فان المكتبة الاسلامية ان صحت تسميتها مملوءة بانواع من التصانيف التي تشتمل على اشتات من علوم القرآن من انواع علوم القرآن كليات المباني والمعاني اي كليات الالفاظ والاساليب كما يقال. وتجد ان هذا النوع يوجد كثير منه في كتب ليست متعلقة بعلوم القرآن. فمن الكتب التي اعتنت بكليات المباني والمقصود بها قولهم مثلا كل كأس في القرآن فهو خمر من جملة هذه الكتب كتاب التنبيه والرد على اهل البدع ابي الحسين الملكي فهذا فيه عدة صفحات تتعلق بهذا ليست موجودة في الكتب المصنفة في علوم القرآن ولا هذا الكتاب معدود منه بل ما يتعلق بكليات المعاني التي يسمونها كليات الاساليب. يوجد في كلام من ليس مصنفا في على علوم القرآن اكثر مما يوجد في كتب اولئك. فمن الذين تكلموا في هذا الجاحظ وابن تيمية وابن القيم والشاطبي فلهم كلام في كليات المعاني ليس موجودا في الكتب المختصة بالتفسير ولا بعلوم القرآن. واما الاصل الثاني وهو اشاعة موالي فنعني به وجود محاضن تعنى بعلوم القرآن فان هذا مما يزيد اثراء علوم القرآن ويثور النظر فيها. ومن جملة ذلك المراكز البحثية. وهي مراكز تنشأ للعناية بعلوم القرآن فمثلا نجد اليوم تفسير كذا وتفسير كذا وتفسير كذا. ولكن كم من تفسير القرآن موجود في غير كتب التفسير ولو عمد الى مركز بحث يستخرج التفاسير الموجودة في غير كتب التفسير لجمعنا ثروة طائلة واليوم نجد من صنف في التفسير ابن تيمية او تفسير ابن القيم او تفسير ابن رجب وكلها مجتذبة من كتب ليست للتفسير فكيف اذا كان هذا العمل متعلقا بجميع الكتب المشهورة المستعملة واعتبر هذا في كتب اللغة القديمة كالتهذيب والصحاح والعين ففيها من تفسير القرآن الكريم اشياء لا توجد في كتب التفسير ونرى تحريرات للمفسرين تأخذ بقلوبنا ثم نبصرها مذكورة في كتاب العين للخليل ابن احمد او في كتاب الصحاح للجوهر. ومن جملة ذلك المؤسسات العاملة. وهي المؤسسات التي تجعل لاجل العناية بعلوم القرآن ومن جملتها المدارس المختصة بان تجعل هناك مدرسة مختصة بعلوم القرآن فانها ادعى لبقاء هذه كثرتها في الناس وهذا موجود في بعض البلاد التي عنيت بالتفسير فانه لولا وجود مدرسة عنيت بعلم التفسير لما بقيت عند اولئك. ومن جملتها الجوائز التقديرية. فالجوائز التقديرية التي تجعل متعلقة بالقرآن ينبغي ان يكون من جملتها جوائز تتعلق بالابداع في علوم القرآن. ومن جملتها ايضا المسابقات المحفزة وهي التي تشجع الناس على اقصد الباحثين والمتخصصين على العناية بعلوم القرآن والبحث فيها. ومن جملتها ايضا المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات التي تعنى بعلوم القرآن. فوجود هذه الموارد واشاعتها في الناس والعمل بها مما يزيد الثروة في علوم القرآن. فهذه جملة من القول المتعلقة بسؤالات البيان في علوم القرآن تستدعي ان جميعا الاقبال على هذا العلم والعناية به وان نرفع اليه رؤوسنا لمزيد الانتفاع به فهو متعلق بالقرآن الكريم الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى. ولا ينبغي ان يزهدنا قلة الاشتغال به او وجود ذلك في محاضن اكاديمية فقط فان هذا العلم محتاج اليه في العلم كله ولا ينبل المرء في علوم الشريعة حتى يكون اخذا بنصيب حسن من علوم القرآن. فارجو ان تكون هذه السؤالات مع اجوبتها موقدة للاذهان وموقظة للوسنان ومنبهة لما ينبغي ان يشتغل به كل حريص منا. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا واياكم علما نافعا وعملا صالحا اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم انا نسألك علما نافعا وعملا صالحا وايمانا زائدا ويقينا راسخا اشكر لكم جميعا حضوركم وحسن انصاتكم. واشكر بهذه البلاد اميرا وحكومة عنايتها بالقرآن الكريم. واسأل الله سبحانه وتعالى على ان يوفقهم للاقبال على القرآن الكريم قراءة وحفظا وعملا ودعوة وتحاكما وان يجعلنا جميعا من اهل القرآن وانصاره والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين