الحمد لله الذي اكمل لنا الدين واتم علينا النعمة وجعل امتنا خير امة وبعث فينا رسولا يتلو علينا اياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة واشهد ان لا اله الا الله وحده وحده لا شريك له شهادة تكون لنا خير عصمة واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة تكون لنا نورا من كل ظلمة وبعد ترحب الجامعة الاسلامية ممثلة بمعالي مديرها الدكتور حاتم ابن حسن المرزوقي بضيفها العزيز فضيلة الشيخ الدكتور صالح ابن عبد الله العصيمي عضو هيئة كبار العلماء لالقاء محاضرة بعنوان ادوات حفظ الامن الفكري فليتفضل فضيلة الشيخ مشكورا مأجورا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي هدانا سبل الخيرات وامدنا بانواع العطايا والهبات احمده سبحانه واشكره واتوب اليه من كل ذنب واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صلي على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد ان الله سبحانه وتعالى لما خلق ادم عليه الصلاة والسلام واهبطه من الجنة وزوجه الى الارض فكانت مستقرا لهما ولذريتهما سبق في تقديره سبحانه ان حياة هذه الذرية لا تنتظموا ولا يستقيم حالها الا بمقومات متى وجدت وجدت الحياة الطيبة ومتى فقدت فقدت الحياة الطيبة وان من جملة هذه المقومات اصل الامن فاذا وجد الامن امكنا ان تستقيم الحياة كيطيب العيش ويهنأ ويكون الناس في امنة في مقاصدهم ومصالحهم في العاجل والعاجل وتحقيقا لهذا اشاد الله سبحانه وتعالى بهذا العصر بالقرآن الكريم بمسالك مختلفة تارة بالامتنان بوجود الامن باستقامة الحياة وتارة ببيان شؤم سلب الامن انه يورد عاقبة سلب استقامة الحياة وقال الله عز وجل ممتنا على قريش فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف فقريش لم تهنأ حياتها الا بوجود الامن وقال في بيان سوء عاقبة سد الامن ضرب الله قرية كانت امنة مطمئنة. يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف. فكان اول مذكور ذكره الله في حال هذه القرية انها كانت امنة مطمئنة فلا سبيل الى استقامة حياة الناس في اي عصر او مصر الا بوجود الامن وكان انموذج الامن فيما تقدم يحدد في جوانب متعددة يأمن فيها الناس على دمائهم واموالهم واعراضهم. واما اليوم فقد صارت حقيقة الامن واسعة فانت تسمع مفردات عدة تدرج في الامن فهناك الامن الغذائي وهناك الامن البيئي وهناك ايضا الامن الفكري بالاضافة الى انواع قديمة من الامن كلها صارت من ضرورات الحياة التي لا بد من وجودها. فاذا وجدت هذه المفردات في اصل الامن استقام للناس عيشهم وطابت حياتهم. واذا فقد شيء منها اضر بحياة الناس وتقسيم حقيقة الامن الى هذه المفردات هو ابتغاء العناية بتحصيلها فتتوجه الانظار تارة الى طلب الامن البيئي وتتوجه تارة اخرى الى طلب الامن الغذائي وتتوجه تارة ثالثة الى طلب الامن الفكري. بالاضافة الى توجهها الى الانماط المعروفة القديمة من الامن وهذه الالفاظ التي ذكرناها مما استجدنا من مفردات الامن هي من جنس المصطلحات. والمصطلح يحدد حركة البشر في ورقيهم وانعكاس احوال حياتهم. والاصل فيه القاعدة المشهورة لا مشاحة بالاصطلاح. فان الاصطلاح الذي يجعل للدلالة على معنى من المعارك يكون مقبولا بشرطين احدهما الا يكون مخالفا للشريعة التي ندين لله سبحانه وتعالى بها. والاخر الا يكون مخالفا للسان العربي. فمتى وجد هذان الشرطان؟ قيل حينئذ تحقيقا لا مشاحة بالاصطلاح ومن جملة تلك المصطلحات الامن الفكري الذي شاع باخر وصار دليلا على جملة من المعالم والاعلام التي يطلب حصولها ويحذر من ذهابها وانها متى وجدت وجد امن الفكر. ومتى زالت فان الفكر يكون معرضا للخطر والمتكلمون في العلوم العقلية قديما وحديثا ابتداء من الفلسفة اليونانية وانتهاء الى المنطق الاوروبي اليوم هو ان اختلفت عباراتهم التي يعبرون بها عن حقيقة الفكر لكنهم يجمعون على ان اصله وحركة العقل فالفكر حركة عقلية لكن هل تلك الحركة تتعلق بالمعقول دون المحسوس؟ ان تشمل المحسوس والمعقول ان يكون لها اسم باعتبار معقول واسم اخر باعتبار محسوس او انها تتعلق بالمبادئ دون الغايات او بالغايات المبادئ او بالصلة بالانتقال الذهني بين الغايات والمبادئ فهذه مذاهب مختلفة في تحديد حقيقة الفكر لكنهم يجمعون على ان هو حركة للعقل. فيكون حينئذ ما يقال من الامن الفكري يطلب به حصول والاستقرار لحركة الفكر. فانه اذا وجدت هذه الامانة لحركة الذكر كان في حسن منيع من الاختلال والاضطراب. واذا فقدت فان هذا العقل يكون معرضا والاضطراب بانواع مختلفة من الاختلال والاضطراب. تارة تكون من جهة ما يتعلق بالمعقولات كالافكار المخالفة للشرع او العرف او لغيرها وتارة ان يكونوا حتى في اشياء محسوسة كشرب الخمر فانه يؤدي الى العقل واضطرابه. والمقصود ان من المقاصد التي تنبغي العناية بها تحقيق الامن الفكر وهذا التحقيق له بلاطان. احدهما رعاية العقل بامداده بما يقويه والاخر وقايته من الغوائل التي تفسده. فنحن نحتاج الى رعاية عقولنا بامدادها وتقويتها حتى نحصل امننا. كما اننا نحتاج ايضا الى حمايتها من الغوائل التي تكتنفها. فمتى تسللت اليها ما افسدتها فمن يطلب تحقيق الامن الفكري لابد ان نلاحظ هذين الامرين وان ينظر اليهما وفق مستوى واحد كما يقال فهو يطلب ما يحصل به دعاية الذكر تقوية له كما يطلب ايضا ما يحصل به الوقاية البكر حذرا من ان يتسلل اليه شيء يفسده واذا اردنا ان نستمد ما يوصلنا الى هذه الغاية كان المعول عليه عندنا اهل الاسلام هو خزانة الشريعة فان خزانة الشريعة من القرآن والسنة مملوءة بتشييد اصول تمكن رعايتها من حصول الامن الفكري بالاضافة الى الوقائع القدرية في كل امة قديما وحديثا فانها توجد رصيدا اخر يشارك في اقامة اصول تعين على توفير الامن الفكري. حتى مما يوجد في المدارس الشرقية او الغربية من التجربة او الاستقرار او غيره مما يدفع معه المرء انه لاحظت هذا الاصل تؤدي الى الامن الفكري. لكن نحن المصدرون بل مشغولون بان نتتبع ما في خزانة الشريعة وان نستخرجها وان نؤذيها لانفسنا حتى يمكننا ان نسعى لتأمين سواء في ذواتنا نحن او في من حولنا من الناس فكلنا او واجبنا ذو زوج او ذو ولد او يكون له تلاميذ واصحاب كالواقع في هذه الجامعة فنحتاج الى تتبع هذه الاصول التي جاءت في خزانة الشريعة وتعين على تحقيق الامن الفكري فمتى عرفناها سارعنا الى اعمارها فاذا اعملت في نفوس الناس اثمرت حينئذ حدوثها الامن الوتر والتفريط الواقع في رعاية هذه الاصول والنظر اليها بضعف هو الذي ادى الى اهمال الامن الفكري انه شيء نشاز خارج عن حركة العقل وطبيعة الحياة ونظام الانسان فيها. وهو في الحقيقة مدركا في الشريعة وان كان هذا اللفظ وهو لفظ الامن الفكري مفقود منها والشريعة جاءت بملاحظة المقاصد غايات لا بملاحظة الالفاظ والمباني. والوصول الى الغايات ومن جملتها الامن الفكري اختلفت عبارات المتكلمين في العلوم فيما يعبرون به للوصول الى غاية الشيء. فانت تجد الفقهاء يذكرون هنا الوسائل التي توصل الى غايات هي المقاصد وتجد الاصوليون وتجد الاصوليين يذكرون الاسباب. وتجد النحات يذكرون الادوات. وهذه الفاظ الثلاثة المستعملة في انواع العلوم التي ذكرناها من الوسائل والاسباب والادوات حقيقتها ما يوصل الى الغايات لكن اختلفت العبارات المؤدية اليها باعتبار اثرها واولاها بالاستعمال فيما يتعلق بمطالب المعاني ومنها الامن الفكري استعمال كلمة الاداء لان اصل الاداة ما فهي تؤدي فعلا يوصل الى شيء من الامور ولا يرتفع هذا الفعل الا بالالغاء ولذلك تجده في كلام ان كذا وكذا اداة ملغاة والا فالاصل عملها. فاستعمال هذه اللفظة فيما يتعلق بمخاطبة المعاني اولى من استعمال غيرها فانه في الوسيلة والسبب قد يوجد ان لكن لا يوجد متعلقهما من المقصد او ما جعل السبب مسببا له. واما في الاداء فانه يوجد هذا الاثر ما لم يمنع منه مانع. فاستعمال هذا اوفق ومن غيره فكانت هذه المحاضرة بعنوان ادوات حفظ الامن الفكري. اي الاليات التي بدأت استعملت اوصلت الى حصول الامن الفكري. وسنذكر من هذه الادوات مما جاء في خزانة الشريعة شيئا باعتبار ما تناسب المقام. فمن تلك الادوات وحدانية الله سبحانه وتعالى وهو ان يعتقد العبد ان جميع عمله يكون لله سبحانه وتعالى. فحبه لله ورجائه لله وتوكله على الله واستعانته بالله واستغاثته بالله فانه متى وجد هذا المعنى وصل للعقل طمأنينة. قال تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون لان حقيقة الايمان بالوحدانية افراغ العبد قلبه من التوجه الى غير الله سبحانه وتعالى فلا يكون في قوله نظر الى احد يرمقه بالحق سوى الله سبحانه وتعالى. فاذا ملئت قلوب الخلق وعقولهم بوحدانية الله سبحانه وتعالى كان المرء امن القلب العقل والفكر لا يتوجه بارادته لغير الله سبحانه وتعالى. وهذا التوجه الى الله يمد له بما يقويه ويحفظه. قال تعالى اليس الله بكاف عبده؟ واعظم ما تحقق به العبودية هو وحدانية الله. فاذا وجد هذا الاعتقاد الكامل في نفس العبد من اعتقاده وحدانية الله سبحانه وتعالى فان الله يكمل عقله. فيكون باعتبار انداد بالقوة قلبا وعقلا قويا نافذا لا بصيرة. وكذلك هو في امنة حسن من القوائم التي تفسد قلبك. فالشرك الذي هو ضد الوحدانية. يورث صاحبه خلع قلبه بالشرك فالمشرك دائم الخوف لانه يتوجه الى غير الله سبحانه وتعالى. قال تعالى سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. فاذا وجد الشرك في القلب صار صاحبه مرعوبا. فيكون العقل حينئذ مشوشا غير امن على نفسه من ان يقرأ عليه ما ينشأ منه اختلال واضطراب. فالذي يكون لله سبحانه وتعالى يحرز اصلا وثيقا من اصول الامن الفكري. فلا يمكن ان ان تجد موحدا تام التوحيد يصدر منه ما يخل من اهل الفكر. لانه يعلم انه عبد لله فهو لا يتحرك في ملكوت الله الا بامر الله وهذه هي حقيقة الافراد بالعبادة بان يعلم العبد ان ايراداته وحركاته الظاهرة والباطنة كلها او لامر الله سبحانه وتعالى. وليس شيء مما خوطبنا به امرا. ونهيا في الشريعة الا وهو يدعو العبد الى حفظ حركة عقله. ومن جملة هذه الاصول اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. فان الله بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرة ثم اخبرني الله سبحانه وتعالى ان طاعته صلى الله عليه وسلم تثني الرحمة سبحانه وتعالى فقال واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. بل محبته صلى الله عليه وسلم التي هي مبتدأ رحمته عز وجل يكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فاذا ملئت القلوب باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم جنابه علم العبد ان هذا العقل لا ينبغي ان تكون حركته بامر احد من الخلق استقلالا الا بامر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه هي النكتة بان الله عز وجل قال يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فذكر لفظ الطاعة مع اسمه سبحانه وذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يذكرها مع اولي الأمر لأن طاعته تبع لطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا ولدت متابعته صلى الله عليه وسلم في القلوب فلم يكن في قبر العبد اتباع لاحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للعقل حينئذ نظر في ان يبتغي اصغاء سمعه الى احد من الخلق ليعلق في قلبه شيء مما يخل بالامن الذكري لو يعلم ان الذي بعث اليه وامر بطاعته هو محمد صلى الله عليه وسلم. فصارت طاعته برقاما بين اهل الجنة واهل النار ففي صحيح البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كل امتي يدخلون الجنة الا من ابى قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد ابى. فالعبد اذا اطاع صلى الله عليه وسلم واتبعه علم انه لا يتبع من الناس احد سوى محمد صلى الله عليه وسلم وان كل احد يؤخذ من قوله ويرد سوى جناب النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يكون حينئذ قابل لان يعلق في عقله شيء يؤدي الى اختلال حركته واضطرابها. ومن جملة تلك الاصول الاستغناء بالوحي فان الله لما بعث الينا محمد صلى الله عليه وسلم انزل عليه القرآن فكان القرآن وحي الله واتى الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم وحي فقال فيه وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. فصار نور الوحي في هذه الملة موجودا في كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له صلى الله عليه وسلم فاستمسك بالذي اوحي اليك. اي استمسك بالوحي الذي بعثك الله سبحانه وتعالى به من القرآن والسنة واخبرنا بان هذا جاء مشتملا على كل ما يحتاجه الناس. فقال تعالى ونزلنا اليك الكتاب ذهبت بيانا لكل شيء اي ايضاحا لكل شيء. ففي القرآن والسنة غنية مما سواهما فيما يتعلق باصلاح دين الناس. وما يوجد من العلوم النافعة في امور الدنيا فان الابن والاباحة بها موجود في كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم. ومتى استقر هذا الاصل في النفس العبد وانه يستغني بالوحي الذي هو في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم صار العقل امنا من حدود حركة تؤدي الى اختلال واضطراب في مسيرته. فانه يعلم ان ما جاءه من كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم شفاء وغناء ووفاء وفيه الكباية. وعند النسائي وغيره من حديث جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله الله عليه وسلم رأى مع عمر بن الخطاب ورقة من التوراة فقال امتهوكون يا ابن الخطاب؟ والله لقد جئت بها بيضاء نقية اي المتحيرون ابن الخطاب. ولقد جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم ببيان وبلاغ مشتمل على الصفاء والنطاء الذي دل عليه بوصف لقد جئتكم بها بيضاء نقية. ومن جملة تلك الاستقامة على الشرع قال الله تعالى فاستقم كما امرت ومن تاب معك. وقال تعالى واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم وفي صحيح مسلم من حديث سفيان ابن عبد الله التقفي رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم اوصني وهو في قل لي قول لا اسأل عنه احدا بعدك. وفي لفظ غيرة. فقال صلى الله عليه وسلم قل امنت بالله فاستقم وفي غير مسلم ثم استحي والاستقامة اقامة العبد نفسه على الصراط المستقيم الذي هو دين الاسلام. واذا قام العبد على الاسلام كان مقرا باستسلامه لله سبحانه وتعالى. وهذا الاستسلام يحمله على ان يجعل حركة عقله وفق ما يحبه الله ويرضاه. فاذا ابتغى عقله السير في غير محاب الله يراضي منعته الاستقامة من ان يتحول اليها. وهذا المنع هو الذي يثمر له الم فيكون العقل امنا وتكون حركته الفكرية مطمئنة لان صاحبه يلاحظ امر الله سبحانه وتعالى وامر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة. ويعلم انه اذا عدل عن شيء من ذلك فانه يكون ميلا واتباعا التي نهينا عن اتباعها كما قال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ومن جملة تلك الاصول التسليم للشرع. قال تعالى ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون. وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. فمتى وجد هذا المعنى وهو كمال الاقتناع بما ورد بخطاب الشرع من القرآن والسنة واستوى قلب العبد على لامر الله سبحانه وتعالى وشرعه فان الاهواء التي تميل به عن شرع الله سبحانه وتعالى لا يكون لها محل. ولذلك الاية المتقدمة لقوله تعالى ثم جعلناك على شريعة منار. قال بعد امره باتباعها قد فاتبعها ولا اواء الذين لا يعلمون. فالذي يخرج عن اتباع هذه الشريعة سيقع في اتباع الاهواء. واتباع الاهواء لون من الوان الانحراف الفكري الذي يضاد امن الفكر. فمخرص الانسان وسبيل فكاكه من هذا هو ان يسلم للشرع وان يرد الاهواء فيستقيم له حينئذ فكره. ومن جملة تلك الاصول تلقي الدين عن اهل فان الله بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم واخبرنا عن موته فقال انك ميت وانهم ميتون وان صلى الله عليه وسلم لم يترك لنا من الدنيا شيئا وانما ترك لنا صلى الله عليه وسلم الدين وجعل ميراثه من الدين العلماء وفي حديث ابي الدرداء عند ابي داوود وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء ورثة الانبياء وان لم يورثوا درهما ولا دينارا. وانما ورثوا العلم فمن اخذه اخذ بحظ وافد. فمن اراد ان يعرف ميراث النبي صلى الله عليه وسلم من العلم فان مفزعه يكون الى العلماء وهذا تصديق قول الله تعالى فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. وعند ابي داوود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع منكم من سمع منكم اي ان الدين يتلقى بينكم نقلا فيؤخذ عن اهله الذين هم اهلهم. العارفون باحكامه الواقف على حلاله وحرامه المدركون لمعاني كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا تلقى العبد الدين على الوجه الصحيح فان الفكر حينئذ لا يمكن ان ينبو عن الاستقامة ويقع فيما يفسد فان تلقي الدين على الوجه الاتم ينشأ منه كمال العقل واكمل الناس عفوا هم العالمون بالدين. قال تعالى وتلك يضربها للناس وما يعقلها الا العالمون فالعالمون بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هم احرى الناس بان يكونوا عقلنا فاذا تلقى العبد عنهم تلقيا صحيحا للدين لم يكن ممكنا ان يقع منه ما يخل بالامن الفكري بل كان سبب تلقيه الدين على هذا الوجه حصنا منيعا له في حفظه امنه الفكري وصيانته من الغوائل التي تفسد ومن جملة تلك الاصول الحذر من المتشابه. فان الله سبحانه وتعالى لما ذكر في صدر سورة ال عمران الكتاب قال منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وفي الصحيحين من حديث عائشة ان النبي صلى الله وسلم تلا هذه الاية ثم قال فاذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاولئك الذين سمى الله فاحذروا. اي اذا وجدتم من يتبع المتشابه ويطلب نشره وبده ويقبل عليه فانه من الذين حذر الله عز وجل من اتباعه. وتحريرنا من اتباعهم لما يثمره ذلك من الزيغ الذي بعرفنا اليوم بالانحراف الفكري وهو واحد من افراد الزيت. فمن اتبع اهل المتشابه رجع عليه ذلك بالزيف ومن جملة هذا الزيغ حدوث الاختلال والاضطراب في عقله. وقد ذكر اهل العلم ان اصل الشبهة منزوع من المأخذ الملبس لانها يشتبه فيها الحق والباطل. فاذا صدر هذا عن مشبه يبث هذه المتشابهات بين الناس فان من يلقي الى هذا سمعه رصيده شباك تلك الشبهة فتعلق به فيقع فيما لا يحمد عاقبته. وعند ابي داود من حديث عمران ابن حسين رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمع بالدجال فلينأى عنه فان الرجل يأتيه قولوا هو مؤمن يعني عن نفسه ثم يتبعه لما يبعث به من الشبهات. فالمشبه اذا بت هذه الشبهات والقى العبد اليها سمعه واقبل عليها بنفسه رجع ذلك عليه باضطراب عقله وفكره واختلال حاله. فحين اذ يفقد الامن الفكري. واما الذي ينأى بنفسه عن الاقبال على المروجين للشبهات الناشرين لها فانه نفسه بسياج متين يحول بينه وبين فساد عقله. فيكون في مأمن من الغوائد التي تفسده ومن هذا المعهد عظم كلام السلف بالتهليل من الاصغاء الى اهل البدع. لما يروجونه من الشبهات. والامر كما قال في السير فان القلوب ضعيفة والشبه خطافة. فالشبهة بالقلب بمنزلة الكلاب الذين الا القي على القلب علق به افسده فاذا فسد قلبه فسد عقله واختل فكره. ومن جملة تلك اصول التي يحصل بها تحقيق الامن الفكري ربط الامر الى اهله. وترك منازعتهم. فان نظام حياة الناس لا يستقيموا في دينهم ودنياهم الا بان يولى كل احد ما عني به واقبل عليه وولاية الامر بالاسلام ترجع الى ولاية السلطنة والحكم وهذه للامراء والى ولاية بوتي والعلم وهذه للعلماء ما العبد مأمور ان يرد الامر اليهم وان يترك منازعتهم. قال تعالى واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اداءوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. فمتى الانسان الامر الى اهله ولم يستغل به لانه ليس من جملة وظيفته حفظ عقله من حدود اختلال في في حركته فان الشريعة جاءت وابقى ما به تصلح حياة الناس. فان الناس كافرهم ومؤمنهم على ان وظائف الحياة مقسومة بينهم. وكذلك وقع في الشرع تأصيل هذا بتقسيم الوظائف الناس والاية التي ذكرتها لكم هي من جملة ذلك وان الامر يرد الى اهله. وكذلك الحديث الواجب في الصحيحين النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الامام وانه جنة من القتال يتقى به ويقاتل من ان يصدروا عن قوله اي يصدر عن قوله بما يتعلق بامر الجهاد. فمتى رجعنا الى ترتيب الوظائف باعتبار الوضع الشرعي والوضع الدنيوي الذي تستقيم به حياة الناس علم العاقل ان من كمال العقل ان يشتغل المرء بوظيفته هو وان يترك لكل احد امره. فمثلا الطالب في الجامعة وظيفته ان يعتني بدراسته الاكاديمية وان يتخذ من خارجها ما يقوي هذه الدراسة الاكاديمية. فاذا اشغل نفسه بما ليس من وظيفته رجع ذلك عليه بفساد عقله وانت ترى في نظام الحياة الجامعية ان بعض الطلبة يقع له تعطل في دراسته منشأه الاصل هو في دخوله فيما ليس له وانه لو اقام نفسه على ما هو له وترك ما لغيره لغيره بين ذلك من اسباب حصوله ووصوله الى مأموله ومطلوبه ومن جملة تلك الاصول السمع والطاعة لمن ولاه الله سبحانه وتعالى امرنا. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. وفي صحيح البخاري من حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اسمعوا واطيعوا وان تامر عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيدا. وفي صحيح مسلم عنيد ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره ما لم يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة اي لا سمع حينئذ ولا طاعة في تلك المعصية وهذا الاصل الذي وقع كانوا في مواضع كثيرة من خطاب الشرع هو من اعظم ما يتحقق به الامن الفكري. لان اقامة على امام واحد يتولى امرهم تنتظم به امور حياتهم. فاذا فقد هذا الامام فقد نظام الحياة كله. وهذا يقع في بعض الاحوال. ومن هنا سأل حذيفة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه في حديث الفتن في الصحيحين فقال له فان لم يكن لهم جماعة ولا امام فارشده النبي صلى الله عليه وسلم الى ما به صرحوا فقال فاعتزل تلك الفرق كلها. وبذكر الجماعة والامام الى انه لا ينتظم امر الناس في حياتهم الا بامير يسوسهم. وهذا موجود حتى في البهائم العجمية فانت لو رأيت سلبا من الطيور او قطيعا من البهايم الدواب بذوات الاربعة وجدت كل جملة منها ولها رأس يطبع ويقدم وكذلك في حياة الناس لا ينتظم الامر الا بمثله. فمن وعى هذا الاصل ادرك ان من تحقيق الامن الفكري السمع والطاعة له في الماعون. وان الخروج عن هذا السمع والطاعة يؤدي الى اختلال حركة العقل. لانها منازعة دعوة للشريعة الاسلامية والطبيعة الانسانية. فالشريعة الاسلامية كما تقدم داعية اليه. وكذلك الطبيعة الانسانية فان الناس كمجموعة من الكائنات الحية كما يقال لا ينتظر امرهم كسائر انواع هذه الكائنات الا بمقدم يرجعون اليه. فمن وعى هذا وادركه كما سبق صار مدركا ان مما يحفظ به سير عقله حركة فكره هو السمع والطاعة لمن ولاه الله سبحانه وتعالى امرنا. ومن جملة تلك الاصول لزوم الجماعة فتلك الامامة التي ذكرناها لا توجد الا مع جماعة ولا يوجد ابدا في اي ملة او شريعة او واقع في حياة الناس ان يوجد متأمر على غير جماعة بشرية منتظمة. ولما كان هذا اصلا بوجود الامام كان لابد من لزوم الجماعة التي يسوسها الامام. قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تبركوا في سنن ابي داوود من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عليكم بالجماعة فلزوم الجماعة هو سير فيما عليه الناس والعاقل يدرك ان سداد حياته ان يكون مع الناس وكان الامام احمد يكره مخالفة الناس ما لم يكن في حرام. فالاصل جريان المرء مع الناس فيما اعتادوه وكانوا عليه ومن جملة ذلك معنى لزوم جماعتهم بان لا يخرج عنهم. وهذا يؤمن فكرهم بان يعلم انه ينبغي ان يكون سيره منتظما بهذه الجماعة لا منفردا عنه. فانه متى انفرد عن هذه الجماعة فصار نشاذا وشذوذا وقلما تجد انسانا ينفرد عن جماعة في مطلب علمي حتى في العلوم العصرية من المعالم البشرية من الطب او الادب حتى الا وتجد ان هذا الانفراد يؤدي الى مصيره الى اقوال لا تنتظر بمجموع هذا العلم عند اربابه واصحابه. فكذلك الذي يخرج عن جماعة المسلمين لا يستقيم له فكره فانه يختل اختلالا كثيرا. وهذا يبتدأ اولا بالنظر اليهم جزرا لانه يرى انه في داخلة لنفسي على حال تخاطب حال هؤلاء. ثم ربما حمله ذلك على اعتزالهم ومباينتهم ثم ربما اوقعه ذلك في ومقاتلتهم كما اتفق هذا في الخوارج في الصدر الاول فالخوارج بالصدر الاول لما انكر عليهم من انكر من الصحابة ما وقعوا فيه من حلق الذكر في مسجد الكوبة بدأ ينمو في نفوسهم الشعور بالعزة عن جماعة المسلمين. ثم تطور هذا الشعور من المسلمين ثم نمى اكثر واكثر فاعتزلوا جماعة المسلمين وخرجوا الى حوراء وهي موضع قريب الكوفة ثم ادى وجود هذا التشكيل البشري الى استقلاله البكري بالنظر الى اولئك بالكفر والبدء بمنازعتهم ومقاتلتهم. فنمو هذه الفكرة التي هي مثال صريح في اختلال العقل كان من من الخروج عن جماعة المسلمين ومن جملة تلك الاصول التي يحفظ بها الامن الفكري اجتناب الغيوم. وهو مجاوزة الحج الشرعي على الزيادة فهو يزيد فوق المأذون به شرعا زائدا على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين. وقد قال الله تعالى يا اهل الكتاب لا تغروا في دينكم. وفي سنن ابي داوود سنن النسائي وابن من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اياكم والغلو وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود ان النبي الله عليه وسلم قال هلك المتنطعون اي المتوغلون في التقعر والغلو. وحقيقة الغلو في مبدأه العقل انه غليان الفكر. فان الفكر يعرض له غلو كغليان الماء على النار. فاذا امتد هذا الغليان ادى الى الغلو واصل الوضع العربي للغين واللام والواو يدل على هذا المعنى ويصدقه. فالغلو من اعظم المظاهر الذي يتبين بها اغتيال سير حركة الفكر. فاذا اجتنبه العبد وكان حريصا على ان يكون سيره قصدا معتدلا فانه حينئذ يحذر عقله من الغوائل التي تفسده. ويكون عقله المستقيم الموافق الوسط الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عقلا كاملا وافرا لا يمكن ان يخرج عن ما تقتضيه طبيعة الامر الفكري اصابه ضيوف فانك ترى مظاهر كثيرة من تطبيقات الخروج عن ما يقتضيه سلامة سير العقل والفكر. ومن جملة تلك الادوات والاصول التي تؤدي الى حفظ الامن الفكري امساك اللسان فان اللسان مغراف القلب. والله سبحانه وتعالى شدد علينا فيه تشديدا عظيما. فقال ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد قال ابن مسعود رضي الله عنه ما رأيت شيئا احق بطول حبس من لسان رواه ابن ابي الدنيا في كتاب الصمت لان اطلاق اللسان وكثرة الهدر والكلام يؤدي الى اضطراب حركة سير العقد. فبين الهدر والاكثار والترتبة من الكلام. و سور حركة العقل ارتباط وثيق. فان الحكمة توجد في اهل الصمت والسبب يوجد في اهل الهدي وكثرة الكلام وتوترته. فلا يستقيم للانسان عقله الا في لسانه وامساكه. ومتى ارسله فسد لسانه واختل عقله؟ فالصامت اقرب الى نفور امنه الفكري من المهدار كثير الكلام ولا يكون شيء من اسباب دخول النار اعظم من هذا. ففي حديث الزائر ان اعظم ما يدخل به الناس اكثر ما يكفر به الناس. النار الفرج واللسان. وفي حديث معاذ ابن جبل عند الترمذي وغيره قوله صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على وجوههم او قال على مناخرهم اي انوفهم الا حصائد السنتهم مما يبين شدة خطر انسان اللسان والذي يقود الى النار يقطع بانه خلاف السيل السوي للعقل. واما السيل السوي للعقل والحركة المنتظمة المحوطة بحبس اللسان فانها تؤدي بصاحبها الى الجنة جعلنا الله واياكم من اهلها. ومن جملة تلك الادوات صيانة السمع من الاصغاء الى الشائعات. قال الله تعالى ولا تقفوا ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا. وقدم الامر بالصيانة السبع. لان اكثر ما يصل الى الانسان مما يؤدي الى اختلال دينه وعقله وفكره هو اصراؤه السمع الى من لا ينبغي اسقاء السمع اليه اذا حفظ الانسان سمعه فلم يسمع الا ما ابيح له سماعه وما يحسن به سماعه مما امر لم يصل الى العقل ما يؤدي الى تشويش حركته. وفي حديد الافك لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم زينب عن امر عائشة قالت رضي الله عنها احمي سمعي وبصري. وهذه حقيقة الصيانة بانها اخبرته بانها تحمي سمعها وبصرها مما يقال ثم قالت ما علمت الا خيرا. فالذي يصون سمعه وبصره لا ينبغي هذا يحفظ عقله وفكره وينتظم سيره. فيكون حينئذ العقل امنا مستقرا مطمئنا ولا يبدر منه شيء يخل بالامن الفكري. واما الذي يكون مصفيا السمع لكل احد ملتقضا الكلام من كل ما يشيعه دون تبين له عاملا بمقتضى ذلك فان هذا يؤدي الى اضطراب حركة عقله وسيرها فتفسد حينئذ ومن جملة الادوات التي يحصل بها حفظ الامن الفكري الفرار من الفتن. فان الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دارا للفتنة والابتلاء. وفي حديث معاوية رضي الله عنه وعن ابيه عند ابن ماجة باسناد حسن ان النبي صلى الله الله عليه وسلم قال لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة وهذه الفتن تتكاثر بتقارب الزمان فانها تكثر في اخر الزمان وارشدنا الى ان نحفظ انفسنا من عواقبها الوقيمة بالفرار منها. وفي حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوشك ان يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعث الجبال مواقع القبر يفر بدينه من الفتن فمن كمال الدين ان يفر العبد بدينه من الفتن ومن اثار ذلك مما يتعلق بامرنا ان الذي يفر بدينه من الفتن يحفظ فكره فيكون امنا مطمئنا. والذي يورد نفسه على الفكر على الفتن يكون في هذه الفتن ما يؤدي الى حركة عقله واضطرابه فكره فيفسده حين اذ فينبغي ان يحرص العبد على ان يفر من الفتن لان لا تفسد دينه وعقله وتؤدي به الى عاقبة وخيمة ومن جملة تلك الادوات التواصي بالحق والصبر بين المؤمنين. فان الله سبحانه وتعالى قال في سورة العصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر اي امر بعضهم بعضا بالحق وامر بعضهم بعضا بالصبر فان الانسان كما يقال مدني بالطبع وهذه القاعدة قاعدة قديمة من فلسفة اليونان ثم نظمها ابن خلدون في مقدمة و فرق الكلام عليها وقسمه في كلام عظيم يحسن لطالب العلم ان يقف عليه. وهذه المدنية هي التعارف الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرة. فالناس مفتقرون لتعارف بعضهم الى بعض. فلا قوام لحياتهم الا بهذا لكن هذه الحياة لا يمكن ان تنتظم بين اهل الاسلام خاصة الا بان نوصي بعضهم بعضهم بالحق وان يوصي بعضهم هم بعضهم بالصبر فالمرء لا يأمن على نفسه بان يقع منه شيء يخل ويكون المقوم له حينئذ واحد من المؤمنين الذي يوصيه بالحق ويوصيه بالصبر على ذلك الحق. ومن هنا كان المؤمن مرآة المؤمن. ففي حديث ابي هريرة رضي الله عنه عند ابي داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن مرآة المؤمن ومن بعد هذه المرآة حصون الوصية بالحق والصبر. فليس المراد بالمرآة ان تعكس اخطاءه. لتذكرها للاخرين وانما حقيقة الايمان ان تتبسط باخطائه كي تعرفه بها وترشده اليها كي يخرج منها فتكون للصفتين المذكورتين لاهل الربح في سورة العصر وهو انهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر ومن جملة هذا التواصل بالحق والتواصي بالصبر انتظام هذا البرنامج في هذه الجامعة المباركة فالقائمون عليها وعلى رأسهم معالي الدكتور حامي حاتم المرزوقي وكذلك المختصون بهذا في الوحدة الفكرية وكذلك انتم وانا نشارك بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر في تحقيق هذا الامر العظيم وهو امن الفكر الذي الذي تفتقر اليه حياتنا. فنحن في حاجة شديدة له في امر ديننا وفي امر دنيانا فكل ما يقدم من اي واحد منا متكلما او مستمعا او مقررا او موافقا او مشجعا او شاكرا كله داخل في جملة هذه الاداة العظيمة وهي التواصي بالحق والتواصي بالصبر. فاسأل الله سبحانه وتعالى ان يتقبل منا اجمعين. وان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم. وان يبارك لنا ولكم في الاعمال والاعمال اللهم انا نسألك البركة في اعمالنا ونسألك البركة في اعمالنا ونسألك البركة في افواجنا ونسألك البركة في ونسألك البركة في نياتنا ونسألك البركة في ذرياتنا. اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير وانت خير زكاها انت وليها ومولاها. اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. واشكركم جميعا على حسن استماعكم واسأله سبحانه وتعالى ان يجعل ذلك من العلم النافع لنا ولكم وان يجعله حجة لنا ولكم وان لا يجعله حجة علينا وعليكم وان يرزقنا جميعا العمل به والحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين الحمد لله على التمام وشكر الله لفضيلة الشيخ صالح على ما قدم من درر الكلام ونسأل الله العلي القدير ان ينفع به الاسلام والمسلمين. مرحبا بكم فضيلة الشيخ دائما في الجامعة الاسلامية الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس هدية المملكة العربية السعودية للمسلمين في العالم شكر الله للجميع حضورهم وعلى المحبة والعلم نلتقي دائما وسلام من الله عليكم ورحمته وبركاته