السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي شرح صدور المؤمنين للسنة وشرفهم باتباعها وجعلها مع القرآن نورا هاديا للجنة واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. مقرا بجلاله وربوبيته. وبوحدانيته في نيته وعبادته واشهد ان محمدا عبده ورسوله المصطفى من بريته والمخصوص بعموم رسالته صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله واصحابه وعترته اما بعد فان الناس قبل الف واربع مئة وخمسين سنة كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء لا يؤمنون بالله ولا يتبعون رسله. الا بقايا من اهل الكتاب. المؤمنين بموسى وعيسى عليه الصلاة والسلام المتبعين الدين الذي نزل من السماء لا ما افترته الاحبار والرهبان وزينته الاراء. ففي صحيح مسلم من حديث معاذ بن هشام عن ابيه عن قتادة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن عياض المجاشعي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله نظر الى اهل الارض فمقتهم عربهم وعجمهم الا من اهل الكتاب فكان اكثر اهل الارض اسرى مقيدين باغلال الضلالة. التي قيدهم بها احبار السوء. ورهبان غواية وكهنة الدجل وفلاسفة العماية محجوبين بظلمات الباطل عن نور الهدى. فبينما هم كذلك بعث الله اليهم محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل شاهدا بشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا. فهدوا الى اقوم الطرق السبل وابتلاه الله سبحانه وتعالى وابتلى به. ففي حديث عياض المتقدم ان الله عز وجل قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم انما بعثتك ليبتليك وابتلي بك فابتلي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة واداء الامانة وتبيين المقالة واعلاء واعلاء الديانة وابتلي الناس بطاعته وتصديقه واتباعه وتوقيره فامن به صلى الله عليه وسلم من امن وكفر به من كفر فجاهد صلى الله عليه وسلم الكافرين حتى نصره الله عليهم اجمعين. فعلت الرحمن واشرقت شمس الايمان واضاءت بنور رسالته القلوب بعد ظلمتها وتآلفت النفوس بعد شتاتها وفرقتها وامتلأت الارظ نورا وضياء وابتهاجا. ودخل الناس في دين الله افواجا افواج فلما اكمل الله له دينه واتم به نعمته ونشر رحمته خيره الله. فاختار صلى الله عليه وسلم لقاء ربه فاستأثر به الله ونقله الى الرفيق الاعلى والمحل الارفع الاسمى لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى ترك امته على المحجة البيضاء والسابلة الغراء ليلها كنهارها الا يزيغ عنها الا هالك. ووعى عنه المؤمنون ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الدين. وما نزل عليه من الحق مستبين وما اتاه الله من الوحي وما علمه من العلم في القرآن والسنة فهما بمنزلة العينين من الرأس والليل والنهار في الناس. اجتمعا في الايحاء والنزول. واشتركا في وجوب الطاعة والاتباع مصدرهما واحد هو الوحي المقدس. وحجيتهما واحدة في وجوب الطاعة والاتباع. قال الله تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم. وقال تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما. وقال وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وعند ابي داوود واحمد واللفظ له من حديث عبد الرحمن ابن ابي عوف الجورشي عن المقدام ابن معد كربة الكندي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الا اني اوتيت القرآن ومثله معه. الا اني اوتيت القرآن مثله معه واسناده صحيح. وقال حسان بن عطية احد التابعين كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل بالقرآن ويعلمه اياها كما يعلمه القرآن. رواه ابو داود في كتاب المراسيل فهما وحي من الله سبحانه وتعالى. لا يفترقان حتى يردا على الحوض. واشار الى هذا المعنى شيخ شيوخنا حافظ الحكمي في اللؤلؤ المكنون وغيره اذ قال فسنة النبي وحي ثاني عليهما قد اطلق الوحيان وقد تلقى الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة فسمعوهما وعقلوهما عنه واجتهدوا في حفظ مبانيهما وفهم معانيهما قال الامام احمد حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن ابي عبد الرحمن يعني السلمية رحمه الله احد كبار التابعين انه قال حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. انهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ايات. فلا يأخذون في العشر الاخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا فتعلمنا العلم والعمل وروى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن ابي تور عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه انه قال كنت انا وجار لي من الانصار في بني امية بن زيد وهي من المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وانزل يوما فاذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره. واذا نزل فعل مثل ذلك. وامرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ان يبلغوا عنه وان يؤدوا ما تحملوا منه من القرآن والسنة. واخبرهم انهم يسمعون وسيسمع منهم ففي صحيح البخاري من حديث حسان بن عطية عن ابي كبشة السلولي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو اية. وفي سنن ابي داود من حديث الاعمش عن عبد الله ابن عبد الله عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم ممن سمع منكم فادوها على اكمل وجه في احسن اداء واتقنه. مجتهدين في تبليغها كما تحملوها ونقلها كما سمعوها مع التوقي والتحفظ من الخطأ والغلط. فكانوا يعظمون الرواية عن الله وعن صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد. وكذلك قال زيد بن ارقم رواه عن عمر ابي ابو داوود ورواه عن زيد ابن ماجة واحمد واسنادهما صحيح. وقال عمرو ابن ميمون احد التابعين ما اخطأن ابن مسعود رضي الله عنه عشية خميس الا اتيته فيه قال فما سمعته يقول لشيء قط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كانت ذات عشية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ابن مسعود مريدا ذكر حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال فنكس اي خفظ رأسه. قال فنظرت اليه وهو قائم محللة ازرار قميصه قد غرورقت عيناه وانتفخت اوداجه وهو يقول او قريبا من ذلك او نحو ذلك او دون ذلك او شبيها بذلك. رواه ابن ماجه واسناده صحيح. وقال ابو هريرة رضي الله عنه لولا ما اخذ الله على اهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ثم تلا قول الله تعالى واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. رواه احمد والحاكم واللفظ له واسناده صحيح قال مجاهد بن جبر احد التابعين جاء بشير العدوي الى ابن عباس رضي الله عنهما فجعل يحدث ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر اليه فقال يا ابن عباس ما لي لا اراك تسمع لحديثي احدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع فقال ابن عباس انا كنا مرة اذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرناه بابصارنا واصغينا اليه باذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس الا ما رواه مسلم في مقدمة صحيحه. ثم سار بسيرهم من جاء بعدهم وهم التابعون. فحفظوا عنهم ما حفظوهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم. واجتهدوا في اتقانه وصيانته. واحوالهم في هذا مشهورة معروفة في ونجمت في زمانهم الفتن فاطلت برأسها واستفحل شرها وضيق مرها فاجتهدوا في صيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييز رواته وتعيين من يقبل حديثه ومن يرد. قال محمد ابن سيرين لم كونوا يسألون عن الاسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر الى اهل السنة فيؤخذ حديث وينظر الى اهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وقال عبدالله بن دكوان المدني ادركت بالمدينة مئة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من اهله رواه مسلم في مقدمة ايضا وورث عن التابعين هذا الاجتهاد والتيقظ في حفظ السنة وتمييز من يعتد بروايته ويعتمد عليها ومن ليس معتدا بروايته ولا معتمدا عليه فيها اتباع التابعين الذي جاءوا بعدهم. فتمحض من طريقة صفة من يقبل حديثه ومن يرد. فالمقبول حديثه هو من كان مسلما بالغا عاقلا سالما من اسباب الفسوق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا ان حدث من حفظه ضابطا لكتابه ان حدث من كتابه وجماع تلك المعاني ان يكون عدلا ضابطا لما يرويه. ويعرفون ضبطه وعدالته من تتبع احواله والنظر في اعماله ومقايسة ما رواه بما رواه غيره من اقرانه واصحابه. والكشف عن كتبه وكتب اشياخه واذا اطلع على ما يخدش يخدش عدالته ويوهن ضبطه رد حديثه ولم يقبل من وجوه يأتي بيانها. فكان الصحابة رضي الله عنهم سادة الامة في نقل الشريعة. وائمتها في صيانة السنة وحفظها من العوادي واسباب الخطأ رأي والغلط ثم اخذ مسلكهم واستن بسنتهم واهتدى بهديهم كما استنوا من التيقظ في الرواية جماعة من سادة التابعين كسعيد ابن المسيب والقاسم ابن محمد ابن ابي بكر وسالم ابن عبد الله ابن عمر وعلي ابن الحسين ابن علي وابو ابن عبد الرحمن ابن عوف وعباد الله ابن عبد الله ابن عتبة وخارجة ابن زيد ابن ثابت وعروة ابن الزبير ابن العوام وابو بكر ابن عبدالرحمن ابن الحارث وسليمان ابن يسار. فجدوا في حفظ السنن والرحلة فيها والتفتيش عنها والتفقه في معانيها ثم اخذ عنهم العلم وتتبع الطرق وانتقاء الرجال ورحل في جمع السنن جماعة بعدهم منهم ابن ابن شهاب الزهري ويحيى ابن سعيد الانصاري وهشام بن عروة وسعد بن ابراهيم. ثم اخذ عن هؤلاء مسلك الحديث اعتقاد الرجال وحفظ السنن والقدح في الضعفاء جماعة من ائمة المسلمين والفقهاء في الدين. منهم سفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة الهلالي ومالك بن انس وشعبة بن الحجاج وعبدالرحمن بن عمرو الاوزاعي وحماد بن سلمة وحماد ابن زيد وليت ابن سعد رحمهم الله ثم اخذ عن هؤلاء التيقظ في رواية الحديث والتنقير عن الرجال والتفتيش عن والبحث عن اسباب الغلط في النقل جماعة منهم عبدالله بن المبارك. ويحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدي وكيع بن الجراح ومحمد بن ادريس الشافعي. ثم اخذ عن هؤلاء مسلك الحديث والاختبار وانتقاء الرجال في الاثار جماعة رحلوا في جمع السنن الى الانصار وفتشوا البلاد والاقطار واطلعوا على احوال المتروكين في الجرح وعلى الضعفاء للطرح وبينوا كيفية رواية الثقات المدلسين والائمة الاثبات والمتروكين. منهم احمد بن حنبل ويحيى ابن معين وعلي ابن عبد الله ابن المديني وابو بكر ابن ابي شيبة واسحاق ابن ابراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه الله ثم اخذ عن هؤلاء مسلك الانتقاد في الرجال. والتتبع للاخبار وفحصها جماعة منهم محمد بن يحيى وعبدالله بن عبد الرحمن الدارمي وابو زرعة الرازي وابو حاتم محمد بن ادريس الرازي ومحمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري وابو داوود سليمان بن الاشعث وابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي في جماعة من اقرانهم امعنوا في الحفظ واكثروا من الكتابة وتوسعوا في الرحلة وواظبوا على حفظ السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة واقتدى بهؤلاء وسار بسيلهم من نشأ بعدهم في قرون الامة وطبقاتها واجيالها. فاتبعوا هذا المذهب وسلكوا هذا المسلك فحفظوا السنن والاثار وضبطوا الاحاديث والاخبار. وكان ديوان حفظهم وقاموس ظبطهم في مبتدأ الامر هو صدورهم ولهذا عظم احتياطهم وقوي تيقظهم واشتدت عنايتهم وتفتيشهم وتمحيصهم. ثم استعانوا على حفظ الصدور بحفظ الكتاب. فكتبوا الحديث اتباعا لامره صلى الله عليه وسلم. فيما رواه البخاري مسلم من حديث الوليد ابن مسلم الدمشقي عن ابي عمرو الاوزاعي عن يحيى ابن ابي كثير عن ابي سلمة ابن عبدالرحمن عن ابي هريرة رضي الله عنه فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم خطبته لما فتح مكة. وفي حديثه انه قام ابو شاة رجل من اهل اليمن فقال اكتبوا لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لابي شاة قال الوليد فقلت للاوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم اولا عن كتابة حديثه. لتتوجه هممهم حفظ القرآن فلا يختلط بغيره. فلما قوي فيهم هذا الداعي وقر القرآن في قلوبهم اذن لهم صلى الله عليه وسلم بكتابة حديثه فكتب عنه من كتب منهم ومن اولئك عبد الله ابن عمر وجابر ابن عبد الله وانس بن مالك رضي الله عنهم ثم كثرت كتابة الحديث في زمن التابعين فكتب منهم جمع كثير كهمنام ابن منبه وسعيد ابن جبير الحسن البصري وعامل الشعبي وفي اواخر زمانهم امر عمر ابن عبدالعزيز الخليفة المشهور بصلاحه وعدله السنن قال محمد بن شهاب الزهري وهو من صغار التابعين امرنا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله بجمع السنن كتبناها دفترا دفترا. فبعث الى كل ارض له عليها سلطان دفترا. رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله واشار الى هذا المعنى السيوطي في الفيته اذ قال اول جامع الحديث والاثر ابن شهاب امرا له عمر ثم كثر التدوين للحديث مصنفا في الجوامع والموطئات والمسانيد والصحاح والسنن. مأخوذا مما ضبطته الصدور او مما كتب في الصحف المتفرقة للصحابة والتابعين واتباعهم. وجاءت تلك التصانيف على انواع مختلفة اعلاها جمع الحديث الصحيح الثابت وحده كما فعله الامامان الجليلان محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري رحمهم الله واختط المصنفون في الحديث لكتابة الحديث وتدوينه مسلكا جليلا يكفل حفظ تلك الكتب من التحريف والتغيير بتجويد كتابته والتحقق منه بمقابلته على نسخة مسموعة معتمدة ومعارضتها بغيرها وشكل ما يشكل ودفع اللبس عما قد يلتبس مما هو معروف عند ارباب الحديث بصفة كتابة الحديث وادابها وكان من جمع الصحيح منهم كالبخاري ومسلم رحمهما الله يضعون شروطا مشددة واوصافا محددة للحديث الصحيح لا تنحصر في عدالة الرواة وضبطهم. بل ببلوغهم الدرجة العليا في ذلك مع تحقق اخذ كل راو منهم عن من فوقه بسماع او او ما في معنى السماع وسلامة الحديث من علة وخطأ يضعفه او شذوذ بالمخالفة قال فتي يوهنه ولم يكونوا يقتصرون في نظرهم على سلسلة الرواة المسماة بالاسناد فيدققون النظر في متون الاحاديث ويفحصون استقامتها ويتأكدون من برائتها من اي خلل يوجب عدم صدق نسبتها الى الجناب النبوي المقام المحمدي على صاحبه افضل الصلاة والسلام. كمخالفة صريح القرآن او ركاكة لفظ الحديث وبعد او مباينته لاصول الشريعة وقواعدها او اشتماله على امر منكر او محال. وكل ذلك وفق الاوضاع الشرعية والاحكام الدينية والمعايير الاسلامية المركوزة في ديوان تلقي الوحي المعروفة عند اهله الاوفياء الادعياء ولا الاعداء ولوجود هذه المعاني الجليلة والاصول النبيلة في رواية السنة وتلقيها وجمعها وكتابتها المجموعة في علمي شهير هو مصطلح الحديث صار لهذه الامة من الفضيلة فيه ما ليس لغيرها. فلا توجد امة حفظت اصول تلقيها ومصادر تشريعها كما حفظته هذه الامة. ليس هذا فحسب. فالمنصفون من الامم الاخرى والاديان المخالفة شهدوا بهذا. واكتفي بشهادة معظمة عند ارباب الثقافة والفكر. فصاحبها استاذ شهير في دراسة التاريخ والحضارة وكتب صفوة افكاره في كتاب سيار يعد اصلا من اصول الكتابة التاريخية هو مصطلح التاريخ وصاحبه هو الدكتور اسد جبرائيل رستم. وهو لبناني نصراني. فكان مما قاله وفي الكتاب المذكور قال اول من نظم نقد الروايات التاريخية ووضع القواعد لذلك علماء الدين الاسلامي فانهم اضطروا الى الاعتناء باقوال النبي صلى الله عليه وسلم وافعاله فقالوا ان هو الا وحي يوحى وما يتلى منه هو القرآن وما لا يتلى منه وهو السنة. فانبروا لجمع الاحاديث ودرسها وتدقيقها علم الحديث بقواعد لا تزال في اسسها وجوهرها محترمة في الاوساط العلمية حتى يومنا هذا. انتهى كلامه وقال بعد ذكره كتب مصطلح الحديث قال والواقع انه ليس بامكان اكابر رجال التاريخ في اوروبا امريكا ان يكتبوا احسن منها في بعض نواحيها. وذلك على الرغم من مرور سبعة قرون عليها. فان ما جاء فيها من مظاهر الدقة بالتفكير والاستنتاج تحت عنوان تحري الرواية والمجيء باللفظ يضاهي ما ورد في الموضوع نفسه في اهم الكتب في المانيا وفرنسا وامريكا وبلاد الانجليز. انتهى كلامه. وادى سلوك ما تقدم في رواية الحديث ابتداء ثم جمعه في كتب جامعة الى قسمة الاحاديث الى نوعين كبيرين. هما الحديث المقبول والحديث المردود. فهم ما يقبلون من الحديث ما يقبلون باعتبارات معينة يردون منه ما يردون وفق اعتبارات معينة تلك الاعتبارات مبنية على معايير علمية لا ارتجال فيها ولا اختلال. فلم يكن للسياسة او الاقتصاد او الحياة الاجتماعية او الثقافية تدخل في فرض رد شيء من الاحاديث كما لم تكن وفق ما تقدم تتدخل في قبول شيء منها وكان الحديث يرد تارة لكذب الراوي او تهمته بذلك او فحش غلطه او غفلته او وفسقه او وهمه بان يروي شيئا منه على سبيل التوهم او مخالفته للثقات او جهالته او بدعته او حفظه ويرد الحديث تارة لوجود السقط في مبادئ السند او من اخره بعد التابعي او غير ذلك وقد جمعت تلك الافراد المتنوعة في ضابطين جعلا معيارا للرد. هما وجود طعن في الراوي او سقط في الاسناد وجميع ما سبق ذكره يصور الطريقة العلمية المعتد بها في القبول والرد. ولم تكن تلك الطريقة مرضية لاتجاهات مختلفة نشأت في الناس. فبرزت فيهم قديما وحديثا اتجاهات تضع معايير واخر للقبول والرد. ففي العهد النبوي كان المنافقون. ثم في عهد الصحابة ظهرت الخوارج والرافضة باتجاهات نحو السنة ثم في زمان التابعين واتباعهم ظهر اتجاه المعتزلة. ثم ظهر اخرون من بعدهم الى يومنا هذا يرسمون طرقا للقبول او الرد للحديث النبوي لم تبنى على معايير محكوم بسلامتها وصحة اليها ويكفي في ابطالها انها تخالف الطريقة العلمية التي اعتمدها الصحابة والتابعون واتباعهم وذوو الاختصاص في قبول الحديث او رده. ومن المقطوع به ان العمدة في كل شيء هم المختصون به. اي العارفون بحقائقه ولو كان لهم اشتغال بغيره من الامور العلمية او العملية. وعقلاء الناس لا يرتضون قول طبيب في الهندسة ولا قول كمهندس في الطب فحينئذ لا يرتضى كلام من لم يكن من اهل الحديث عارفا بصناعتهم محيطا في ان يقبل ما شاء من الاحاديث او يرد منها ما شاء. فاذا تكلم سياسي او تاجر او مثقف او صحفي او ممثل او لاعب كرة في قبول حديث او رده وهو خلي من المعرفة باصول اهل الحديث في القبول او الرد ولم يبني قوله وفق قواعدهم فهذا يقال له ليس عشك فادرجي. اي ليس هذا مقاما يقبل كلامك فيه فليس لك ان تكون مع اهله وحقيق بك ان تنأى عنه بنفسك حفظا لدينك ودين المسلمين. ومعرفة هذا الاصل والعمل به في رد القبول او الرد للاحاديث الى اهل المعرفة بها يحمي دين الخلق من الاضرار به عندما يلج صوت احدهم رافعا عقيرته بان هذا حديث مقبول او هذا حديث مردود وليس من اولئك من الحديد العارفين بقواعد طرقه نقلا ونقدا. ويزيد الاستمساك بهذا الاصل اذا وقر في القلوب. امر بتعظيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجلال قدرها والتحذير من ردها وما رتب على ذلك من حكم شرعي على من رد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها او بعضها مما عرف ثبوته وصحته عند اهل المعرفة بها فان اتباع السنة والتسليم لها وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من جملة الصراط المستقيم الذي نسأل الله الهداية اليه صباح مساء. وقد فسر جماعة من السلف قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم بانه الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا صدق فان من جملة ما هو من الصراط المستقيم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين فلا يكون العبد مهتديا الى الصراط المستقيم حتى يكون متبعا محمدا صلى الله عليه وسلم وقد امرنا الله بطاعة رسوله واتباع ما جاء به. قال الله تعالى قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين. وقال تعالى واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. وقال تعالى فلا وربك لا حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ان الله سميع عليم. وقال تعالى وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا. وحذرنا الله عز وجل من معصيته ورد سنته. وترك العمل بما جاء فيها فقال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم وقال تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين قال تعالى ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. وقال تعالى ومن يعصي الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا. قال الامام اسحاق بن راهوين رحمه الله من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر اي حديث يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر. وفي فتاوى اللجنة الدائمة الذي ينكر العمل بالسنة يكون كافرا لانه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولاجماع المسلمين من انتهى كلامهم وان بروز اتجاهات متعددة تجعل لها معايير خاصة للقبول او الرد تخالف المعتمد عند من يؤخذ بقول فيه يستدعي تعرية تلك الاتجاهات. وبيان خطأها وخطرها. تارة لرد اصحابها عن غيهم تارة لتحذير الناس منهم فان السنة حصن القرآن. والقرآن حصن الاسلام. فاذا اسقط حصن السنة سيسعى من يسعى لاسقاط حصن القرآن. واذا اسقط حصن القرآن اسقط الاسلام. وهذا لا يكون بحمد الله في كل الارض بل في بلد دون بلد ولا يخفى وجود هذا في التراتيب الفكرية التي صعدت في بلاد العالم الاسلامي في اواسط القرن الماضي فانها ابتدأت بتوجيه سهامها الى السنة ثم ما لبثت ان وجهتها الى القرآن ثم هاجمت الاسلام كله تعاليمه سدا مانعا من التقدم والحضارة وصعود مدرستها الفكرية اليوم سواء المنظمة او الفوضوية يستدعي القيام بمراغمتها وتجريدها من الهالة التي احاطت بها نفسها وبيان افلاسها وكونها خطرا عظيما على البلاد والعباد. وصد عدوان المعتدين على السنة له ابواب مختلفة لا يمكن الاحاطة بها في مدة ساعة. وساكتفي ببيان اسباب نشأ منها رد السنة وكشف معايير فاسدة جعلت لاخضاع السنة للقبول او الرد من خلالها. فامتزجت الاسباب الكاسدة والمعايير الفاسدة وشكلت اصول رد السنة غالبا لا قبولها. فهي تسلط للرد لا للقبول. لان الداعين اليها لا بقبول السنة ولا يدعون اليها. فهم يجعلون تلك الاصول معايير للرد فقط. وساذكر جملة من الاصول التي ينشأ منها رد الحديث في الممارسات المعاصرة التي تشيع بين المسلمين وهي اصول ضالة ظالمة منحرفة عن جادة اهل الاسلام فالاصل الاول رد الحديث استبطانا للنفاق. فالمنافقون في الامة باقون الى قيام الساعة. وفي الناس من يبادر لرد الحديث بدعوى مموهة حقيقتها النفاق المختفي. فهو لا يرضى من الاسلام بشيء ولا يستطيع الصدع بكفره فيرد الحديث بنفاقه. فهذا الحديث الصحيح كل امتي يدخلون الجنة الا من ابى قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ قال من اطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد ابى. هذا الحديث الذي لم يضعفه احد خلال قرون الاسلام السابقة يطل عليه من يدعي رده وعدم قبوله لما فيه من رائحة الشرك التي تكرس الطاعة المطلقة للنبي صلى الله عليه وسلم فتجعلوه ندا لله فلا طاعة فوق طاعة الله ولا شيء مثلها. فيتباكى هذا المنافق على تضييع طاعة الله سبحانه بالتهوين من طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ويوهم ان هذا الحديث يجعل العبد بعيدا عن طاعة الله واتباع كتابه جاهل او متجاهلا ارتباط الطاعتين المبين في قوله تعالى ومن يطع الرسول فقد اطاع الله. فتلك الطاعة له صلى الله عليه وسلم المذكورة في الحديث هي طاعة لله عز وجل. فالرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ عنه ويأمر بما يأمر به سبحانه ولكن المنافقين لا يفقهون ولكن المنافقين لا يعلمون والاصل الثاني رد الحديث استجابة لداعي البدعة. فمن الناس من يشرب قلبه البدعة فيحيطها بسور يحفظها ولا يبالي ان يرد وراء السور احاديث تناقض بدعته. فالقدري الذي يزعم ان لا قدر وان الله لم يقدر مقادير الخلق لا تقوى نفسه على قبول قوله صلى الله عليه وسلم ان الله كتب مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات والارض بخمسين الف سنة. فيرد هذا الحديث لانه يخالف بدعته الشناعة اوجه عندما يتجرأ في الطعن في الرد على الثقات المتحققين من سلامة نقلهم وصحته كثير من رواد البدعة واربابها ان يحكوا الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم المخالفة اهوائهم من الكتب وان يطمسوا معالمها من دواوين الاسلام. ويشاركهم في هذا رواد المذاهب الفكرية معاصرة كالعلمانية او الليبرالية او الشيوعية او غيرها من المنن المختلفة التي ترى في كثير من احاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يباين مدرستها ويناقض فكرتها فتتمنى السعي الى تزييف هذه الاحاديث ونفيها من دواوين الاسلام وصدور اهله. والاصل الثالث رد الحديث استسلاما للهوى ورغبة النفس التي لا تبلغ رتبة البدعة يجري بالعبد هواه فيما يبتغيه ويهواه. ويتسارع استجابة لنفسه. ولا يتم له ايهام اقناع نفسه اخرين الا برد حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخالف هواه فمن الناس من يدفع في صدر حديث لعن الله الواشمات والمستوشمات. والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرة خلق الله فيرد الحديث بهواه ويتطلب من وجوه رده ما يتطلب ويكسوها بهرجا زائفا في خطاب منمق من شيشنة نعرفها من اخزم. لانه يخالف الاهواء الشاردة في باب الجمال من المتجملين او المتاجرين بالتجميل. ففي الحديث ما يكسر شهوة نفوسهم نحو حسن الصورة. ويدعي منهم من يدعي ان ان الحديث مكذوب اذ لا دخل للشريعة في رسم حدود الجمال لاختلافه باختلاف الزمان والمكان وكأن واضع الشرع وهو والله سبحانه وتعالى لم يعلم بما يكون من ذلك والاصل الرابع رد الحديث لضعف الايمان ووهن التصديق الجازم ومخالطة الريبة قلب من رد. فمن الخرافة عند بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم المرأة عورة فهو يرده لارتيابه وضعف ايمانه ولا يوجد في قلبه من وفور التصديق وثبوته ما يحمله على التسليم به. ولو قوي ايمانه لعلم انه خبر من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فعليه ان يسلم له. روى البخاري معلقا ووصله ابن ابي عاصم في جاء بالادب عن ابن شهاب الزهري انه قال من الله الرسالة وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم وقد ذكر الله صفة المؤمنين فقال انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. والحديث ليس فيه اي غضاضة او منقصة للمرأة. فالنبي صلى الله عليه وسلم لما اخبر بكونها عورة لم يخبر كونها شيئا مستقبحا خبيثا. وانما هو دعوة منه صلى الله عليه وسلم الى حفظها. فالناس كافة حتى كثير من الكافرين بل كلهم فيما سلف. كانوا يجتهدون في ستر عوراتهم فيحفظونها. فالحديث اغراء بحفظ المرأة حظ على على ظبط امرها في كل شيء يتعلق بها حتى لا يوصل اليها شيء مما يكره. والاصل الخامس رد الحديث تحت مطرقة محبة الدنيا. فالقلوب المولعة باعراض الدنيا اللاهثة وراءها لا تحتمل حديثا ابعدوها عنها ويمنعها منها. فالاحاديث المروية في ذم البنيان والتطاول فيه هي مردودة عند طائفة فيها من السوداوية بزعمهم تجاه زينة الحياة الدنيا وتبغيضها للنفوس وهم عاجزون عن فطم نفوسهم عن مألوفاتها فلا يتورعون عن رد تلك الاحاديث التي تحول بينهم وبين شهوة الحياة الدنيا. وتلك احاديث يراد منها الترغيب بالزهد في الدنيا لمن قدر عليه. والتحذير من المباهاة والمفاخرة في البنيان التي توقع في المحظور وينشأ منها وضع المال في غير موضعه. واذا وجدت حاجة معتبرة كتوفير المساكن او اتخاذها سبلا للكسب ونحو ذلك فلا شيء في ذلك ولم تأتي الاحاديث بالنهي عنه والاصل السادس رد الحديث بتسليط العرف عليه. وجعل العرف المنتشر بين الناس حاكما على سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا محكوما به. فحديث لا تقبل شهادة بدوي على حضري. مردود عند قوم لانه يفوح بالعنصرية ويعزز الطبقية ويمنح تشكيلا مجتمعيا فوقية مطلقة. وليس في الحديث شيء من ذلك لكن متناوله بالتحليل المتقدم يستحضر العرف الشائع للفظين المذكورين في بلده ومحيطه ويغفل عن حقيقة المراد به. وانه ليس في الحديث شيء مما ذكر. وانما يراعى فيه قيام الداعي حفظ الشهادة وادائها الذي قد يتخلف تارة فلا تقبل شهادة البدوي وقد يوجد تارة اخرى تقبل شهادته. فالبدوي قليل الورود على حواضر الناس. من المدن والقرى ولا تشتغل نفسه اذا دخل مدينة او قرية بضبط احوال اهلها لانه سريع الخروج منها. وهو كذلك اذا طلب للشهادة واريدت منه عشر ادراكه وشق الوصول اليه لانه يبدو في طلب الماء والمرعى فلا يقر له قرار غالبا واذا لم يوجد هذا الموجب قبلت شهادته. ومنه ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في قبول شهادة الاعرابي واحد في رؤية هلال شهر رمضان زد على هذا ان كثيرا من الفقهاء يرون ان المانع من قبول شهادة البدوي على الحظري هو التهمة التي تلحق الحظري المستدعي شهادة البدوي. لان الناس لا يتركون التوثق باشهاد جيرانهم واهل بلدهم ويستشهدون بالاباعد واهل البدو الا الا لريبة. فالتهمة هنا متعلقة بالحضري طالب الشهادة ابي البدوي الشاهد فالحديث كيفما كان على اي المعنيين ليس فيه شيء يفوح بالعنصرية او الطبقية او الفوقية المطلقة لتشكيلات مجتمعية في زمان او مكان ما. والاصل السابع رد الحديث خنوعا امام سلطان المتغلب وضعفي المغلوب كمن يرد اليوم قوله صلى الله عليه وسلم ما رأيت من ناقصات عقل ودين اغلب لذي لب منكن. قالت امرأة يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ فقال صلى الله عليه وسلم اما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين. فيرده بدعوى عدم اتساقه مع السلوك الانساني العام فالمهزوم امام القوة المادية الغربية والشرقية وما تنشره من من مبادئ وتحدده من اطر تبسمه من حدود يضطرب كيانه. وتتهاوى مقاييسه خاضعا لما يؤمنون به. ويبلغ الخضوع غايته عندما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاجل تشريعات بعيدة كل البعد عن الاسلام. وهم يردون من هذا من الايمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاي شيء يكون مستغربا اذا ردوا ما هو دون ذلك وليس في الحديث المذكور انتقاص للمرأة او عدها مخلوقا مسلوب الحق. فنقصان دينها بين بما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم انها تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان لاجل عذرها الذي عذرها الله سبحانه وتعالى به. فلا صلاة ولا صيام على امرأة حائض ولا نفساء. وما عداه فقد يكون في النساء من تعلو في صلاحها وديانتها فوق كثير من الرجال. وهذا امر بين في القرآن والسنة ولا اختلاف فيه واما نقصان عقلها فبينه ايضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اما نقصان العقل فشهادة امرأة تعدل شهادة رجل. وهذا شيء لا تمكن المساومة عليه. فمن امن بالله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم اذعن لهذا واقر. ففي القرآن ما يوضح هذا وهو قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى فجعل الله عز وجل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد. وهذا امر حكم الله عز وجل به مراعاة لفطرة المرأة التي وهبت من الرحمة فوق ما وهب الرجل فحفظا لها ولغيرها عاطفتها الجياشة وقويت بغيرها حتى يجتمع في المرأتين كمال الضبط للشهادة وكمال الرحمة المشهود عليه وليس في الحديث نفي كون المرأة عاقلة فكيف يكون هذا وهي كالرجل تخاطب لا تخاطب باحكام الشرع الا مع وجود العقل. وفي النساء قديما وحديثا نساء يفوقن كثيرا من الرجال في العقل والحكمة والادراك والاصل التامن رد الحديث بدعوى عدم تماهيه مع النظريات العلمية ومغايرته للمدارك المعرفية كمن حديث اذا وقع الذباب في شراب احدكم فليغمسه ثم لينزعه فان في احد جناحيه داء وفي الاخرة شفاء مقدما قواعد الطب وحفظ الصحة مستغربا اجتماع الداء والدواء. ويغفل عن كون تلك قواعد تغيرت كثيرا عبر التاريخ. فالقواعد الحديثة للطب ليست هي القواعد الطبية. بل القواعد المتجددة فيه يوما بعد يوم ليست كتلك القواعد التي كانت قبل عقود قليلة. اما الوحي النازل من الله سبحانه وتعالى فانه لا يتغير ابدا. وان اجتماع الداء والدواء ممكن في اشياء كثيرة. فالنحلة تخرج من اعلاها عسلا وتلقي من اسفلها سما. فالنحلة التي نأكل عسلها متلذذين به. كم قتلت ابرها ناسا من الخلق لشدة ما يكون فيها من السم. فاجتمع في النحلة داء ودواء. وسم وشفاء والحية التي يقتل سمها يعمد كثير من المتداوين قديما الى استلال شيء منها ليضعوه فيما يكون دواء لدفع تلك السموم. وبعد ذلك فقريبا قبل عقود قليلة. كان الجدري مبتدأ مداواته بما يخرج من المريض. وذلك باخذ مواد من جلد المصاب وحقنها بشخص اخر. ويولد ذلك مناعة المستقبلية ضد مرض الجدري. وفوق هذا وذاك فان بحوثا معاصرة من مسلمين واخرين بينهم بينت ما في قوله صلى الله عليه وسلم اذا وقع الذباب في اناء احدكم من بيان للداء والدواء انه يوجد في تركيب الذباب شيء يدفع كثيرا من الجراثيم والميكروبات التي تكون من ادواء وعلل والاصل التاسع رد الحديث لكونه لم يعد مواكبا للعصر الحديث. ولا متسقا مع انماطه المعيشية اطره الحضارية كمن يرد بهذه الدعوة قوله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة الا مع ذي محرم. ويرسم حولها في الحديث ضوضاء نتجت من خلل الايمان لا اختلاف الزمان. فالاحكام الشرعية تمت بوضع الهي يتجاوز حدود الزمان والمكان. فهي باقية في منظومة التشريع الرباني. في كل زمان ومكان. ولا ينشأ من هذا الحديث منع المرأة والاتكاء عليه لحرمانها من حق لها حيل بينها وبينه ان تطلبهم وتستخرجه بالطريق الشرعي. ولا يرمي كذلك لاساءة الظن بها. بل فيه القيام بما يجب لها من الرعاية ودفع عناء السفر ومشقته عنها وحمايتها من عوارضه المعلومة عند العقلاء من كل امة. على ان للفقهاء في هذا بحثا متسع الاطراف ليس هذا محل بيانه. والمقصود هنا ابطال دعوى رد الحديث المذكور ثبت للزمان وانه لا يقبل لكونه مناقضا للوضع البشري اليوم. والاصل العاشر رد الحديث اتباعا صفات الانسانية في السياسة او الاقتصاد او الثقافة او الاجتماعي او الرياضة او غيرها. كمن يرد قوله صلى الله عليه وسلم اسمع واطع وقوله صلى الله عليه وسلم على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره الا ان يؤمر بمعصية. فالمؤمنون بالنظم الديمقراطية او الشيوعية يردون هذا هذين الحديثين وما كانا في معناهما. فالديمقراطي المؤمن بمنازعة ولي الامر باسم المعارضة يرد صلى الله عليه وسلم اسمع واطع. والشيوعي المؤمن بحتمية الطاعة المطلقة للحاكم او حزبه الاحمر يرد قوله صلى الله عليه وسلم على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره الا ان يؤمر وهذا الرد وذاك ناشئ من اتباع فلسفة انسانية معينة تتعلق بنظام الحكم والسياسة ولها كثيرة في فلسفات مختلفة تتعلق بالاقتصاد او الثقافة او الفكر او الرياضة او الاجتماعي او غير فيها كلها تخرج من مسكات تلك الحضارات والفلسفات الانسانية المخالفة لتشريع الاسلام. فليس واجبا علينا اهل الاسلام ان نؤمن بتلك الفلسفات وان نرد ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث. بل نحن مؤمنون بالوحي الذي جاء به صلى الله عليه وسلم مكذبون بما يخالفه من الفلسفات الانسانية في الحضارات البشرية عبر التاريخ ايها المؤمنون ان هذه الاصول الفاسدة وجدت سوقا رائجة اليوم لطغيان المادة واستبداد الانسان وضعف في الايمان وكثرة الفتن وغذاها رد الامر الى غير اهله. والرجوع في الحكم على الاحاديث الى غير العلماء بها وتلقي معانيها من غير اهلها. والركض وراء كل رويبضة. واساءة الظن بمن يجب اساءة احسان الظن به التهافت في الاخذ عن كل احد دون تمييز وتتبع منافذ الاتصال البشري المختلفة ودعم نشر تلك الاصول تارة باضعاف حجية السنة. وتارة بالطعن في ضبطها ونقلها حفظا للصدر او كتابة بالقلم وتارة بتهويل انتشار الموضوعات. وكل تلك الدعاوى زيف مبهرج. فان حجية ثابتة بالقرآن الكريم الذي لا يسع مسلما ان يرده او ان يكذب بشيء مما جاء فيه وتتابع في ذلك التصديق بالاحاديث النبوية والاثار السلفية ومن عقد من اجماع الامة الاسلامية قرنا بعد قرن بحجية سنية النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعها وتحريم ردها. وكذلك ما يقعقع به من يقعقع حول ضبط الاحاديث حفظا او كتابة فانه يبطله ما مضى مما ذكرناه من عناية الصحابة ثم من بعد الى يومنا هذا بضبط الاحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظها صدرا وسطرا بحيث لا يتطرق اليها تغيير او تحريف او تزييف. ولو رام احد اليوم ان يزيف شيئا من احاديث النبي صلى الله عليه وسلم لاخرج الله عز وجل له الجهابدة. الذين ينحرون فكرته قبل ان تتجاوز رأسه. واما ما يذكرون من تهويل انتشار الاحاديث الموضوعة. فالاحاديث الموضوعة كان اهل الحديث قديما وحديثا. هم اعلم بها وكانوا هم الحصون الواقية الذين دفعوا في صدر الوضاعين ومنعوا انتشار تلك الاحاديث وبينوها وهي نزر يسير في جناب ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا اخذتكم الحمية تجاه تلك الاحاديث الموضوعة فيجب ان تأخذكم الحمية اكثر تجاه الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على العمل بها واتباعها وتصديقها والتحاكم اليها ان هذه الهجمة الشرسة ينبغي ان تحرك فينا حماسة اسلامية وغيرة دينية في تعظيم السنة النبوية وقبولها والاحتجاج بها عبر مظاهر مشهودة من العمل بالسنة وتعليمها ونشرها بين المسلمين بناء المعاهد والكليات المتخصصة فيها واعداد المشاريع العلمية الخادمة لها. وتأهيل الاجيال المعتزة الحاملة لها وتصنيف الكتب المقربة لمقاصدها الواردة في الاحاديث. وبيان ما يكذب عليها شبه المشبهين فيها ولكم ايها الحاضرون خاصة وايها المؤمنون كافة. البشرى ببقاء السنة النبوية. وحفظها فقد مات محمد صلى الله عليه وسلم قبل اكثر من الف واربع مئة سنة. وحفظ الله سنته وزال الطاعنون فيها وذابوا كما يذوب الملح. وقطع الله ذكرهم واخزى سيرتهم تصديقا لقوله تعالى الا ان شانئك هو الابتر. فالمبغضون للنبي صلى الله عليه وسلم الكارهون سنته هم المنقطعون الذين لا قال لهم واما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد بقيت عبر هذه القرون الطويلة وستبقى اليوم بعد اليوم فان الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظها. قال الله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. فهذه الاية اصل في حفظ السنة النبوية. وبيان ذلك من طريقين. احدهما طريق ذكره ابن حزم رحمه الله في كتاب الاحكام. فقال فاخبر تعالى ان كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي. والوحي بلا خلاف ذكر. والذكر محفوظ بنص القرآن. فصح بذلك انك كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل. انتهى كلامه. والاخر طريق بينه علامة المعلمين اذ قال رحمه الله عند هذه الاية والذكر يتناول سنته صلى الله عليه وسلم بمعناه ان لم يتناولها بلفظه بل يتناول العربية وكل ما يتوقف تتوقف عليه معرفة الحق. انتهى كلامه. فهذان الطريقان المذكوران تبينان دلالة قوله صلى الله عليه وسلم انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. ان الله عز وجل حافظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم من حديث ابن شهاب الزهري عن نافع مولى ابي قتادة عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف انتم اذا نزل فيكم ابن مريم؟ فانكم منكم. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فأمكم منكم اي حكم بينكم باتباع القرآن والسنة. فالسنة باقية الى الزمان الاخير الذي ينزل فيه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. فسنة النبي صلى الله عليه وسلم باقية مستمرة وضاءة مرفوعة غير مرفوضة عالية في جميع البلاد والانصار بعز عزيز او ذل ذليل يعز به الله من يشاء وذلا يذل الله عز وجل به من يشاء. فلا خوف على سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وانما خوف على احاد الناس ونحن منهم ان تزيغ قلوبنا فنرد حديثه صلى الله عليه وسلم ونترك العمل سنته وهذه البشرى لكم بثبوت سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبقائها وما سبق ذكره من وجوب الى ممارسات عملية مشهودة ينبغي ان يحرك في نفوسنا الحماسة الدينية والغيرة الايمانية تجاه ذلك ويتأكد هذا في بلدنا هذا فان بلدنا هذا وولاته وعلماءه واهله هم غرة الزمان في اهل السنة فعليهم من الواجب تجاه حفظ السنة والقيام بحقها والمساعدة على حفظها ونشرها وتعليمها وبيان احكامها والرد على المخالفين لها. ونقض شبهاتهم ما لا يجب على غيرهم. وان الله سبحانه على اذا اراد بعبد خيرا اصطفاه فجعله من جنوده الذين يذبون عن شرعه ويحفظون دينه. فالله الله اهل الاسلام قاطبة والله الله اهل هذه البلاد خاصة في الذود عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم انكم لن تشرفوا باموالكم ولا الوانكم ولا انسابكم ولا احسابكم ولا بلادكم وانما شرفتم به صلى الله عليه وسلم وفي سنن الترمذي من حديث بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن ابيه عن جده معاوية رضي الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انكم تتمون سبعين امة انتم اكرمها واعزها على الله هذه الكرامة والعزة كان مبتدؤها من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فيكم. فانعشكم الله واحياكم محمد صلى الله عليه وسلم. فيا اتباع محمد بعد اربعين واربع مئة سنة والف. احفظوا حق محمد صلى الله الله عليه وسلم فيكم واعرفوا قدر سنته وما يجب عليكم في اتباعها وقبولها والعمل بها عن حياضها والمعونة على ذلك اسأل الله سبحانه وتعالى ان يحيينا على الاسلام والسنة. امين. وان يميتنا على الاسلام والسنة. اللهم احينا على الاسلام والسنة وامتنا على الاسلام والسنة. اللهم احينا على خير حال. وامتنا على خير حال. وقلوبنا جميعا الى خير المآل اللهم احفظنا بالاسلام قائمين واحفظنا بالاسلام قاعدين واحفظنا بالاسلام نائمين. اللهم احفظ على بلاد المسلمين عامة دينها واحفظ على هذه البلاد خاصة دينها وما تقوم به تجاه سنة محمد صلى الله عليه وسلم اللهم وفق ولاة امرها وعلمائها وارباب الرأي والحل والعقد فيها الى تعظيم سنة نبيك الله عليه وسلم والعمل بها والمحافظة عليها والرد على اعدائها ونقض شبهات المشبهين فيها. اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطنا وارزقنا اجتنابه. اللهم اجعلنا من عبادك المتبعين رسولك صلى الله عليه وسلم المستسلمين لدينك المصدقين بوعدك الخائفين من وعيدك. اللهم فرج كرب المكروبين هموم المهمومين واصلح احوال المسلمين ووفقنا وولاة امرنا الى ما تحب وترضى والحمد لله رب العالمين شكر الله لمعالي الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي هذه المحاضرة القيمة وهذا الايضاح ونسأل الله عز وجل ان يجعل ذلك في موازين حسناته