الحمد لله ما عظمه معظم وسار اليه راغب متعلم. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. شهادة نبرأ بها من شرك الاشراف فتوجب لنا النجاة من نار هلاك. واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله ربه بالهدى ودين الحق قال يظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فبلغ رسالته واداها واسلم امانته وابداها. انت بدعوته اظهروا الحجج. واندفعت ببيناته الشبهات واللجج. فورثنا المحجة البيضاء والسنة الغراء لا يتيه فيها ملتمس ولا يرد عنها مقتبس. صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه عدد من تعلم وعلم اما بعد فلم يزل العلم ايها المؤمنون ارثا جليلا. تتعاقب عليه الاماثل جيلا فجيلا. ليس لطلاب المعالي هم سواه ولا رغبة لهم في مطلوب العداء. كيف لا وبه تنال سعادة الدارين وطيب العيشين هو شرف الوجود ونور الاغوار والندود. حلية الاكابر ونزهة النواظر. من مال اليه نعيم. ومن جال به غنم ومن انقاد له سلم لو كان سلعة تباع لبذلت فيه الاموال العظام او صعدت السماء لسمت اليه نفوس الكرام هو من المساجد وفي المفاخر اشرفها اكرم المآثر مآثره واحمد الموارد موالده. فالسعيد من حظ نفسه عليه ركاب روحه الي والشقي من زهد فيه او زهد وابعد عنه او بعد. انفه بانيج العلم مزكوم وختم هذا عبد محروم والعلم يدخل قلب كل موفق من غير بواب ولا استئذان ويمنعه المخذول من حرمانه لا اسقنا اللهم بالحرمان وان مما يملأ النفس سرورا ويشرح الصدر ويمده نورا اقبال الخلق على مقاعد التعليم صراطه المستقيم واذل دليل واصدقه تكاثر الدروس العلمية وتوالي الدورات التعليمية حلاوة في قلوب المؤمنين وسجن في حلوق الكفرة والمنافقين. فالدروس معقودة والركب معكوفة والفوائد شارقة والنفوس سائقة. الاشياخ درر العلم والتلامذة ينضمون عقده. وان من الاحسان الى هذه الجموع الصاعدة والاجيال الواعدة ارشادها الى سر حيازة بالعلم الذي يظهرها بمأمولها ويبلغها مأمنها رحمة بهم من الضياع في صحراء الاراء وظلماء الاهواء واعمالا لهذا الاصل. جاء الحديث الليلة ايها المؤمنون عن تعظيم العلم. فان حظ العبد من العلم موقوف على حظ به من تعظيمه واجلاله. فمن امتلأ قلبه بتعظيم العلم واجلاله صلح ان يكون محلا له. وبقدر نقصان هيبة العلم في القلب حظ العبد منه حتى يكون من القلوب قلب ليس فيه شيء من العلم. فمن عظم العلم لاحت انواره عليه ووفدت رسل فنونه الي ولم يكن لهمته غاية الا تلقيه. ولا لنفسه لذة الا الفكر فيه. وكأن ابا محمد الدالمي الحافظ رحمه الله لمح هذا المعنى فختم ختام العلم من سننه المسماة بالمسند الجامع بباب في اعظام العلم واعون شيء على الوصول الى اعظام العلم واجلاله. معرفة معاقب تعظيمه. والمراد بمعاقل تعظيم العلم اصول الجامعات المحققة لعظمة العلم في القلب. فمن اخذ بها كان معظما للعلم مجلا له. ومن ضيعها لنفسه اضاع ولهواه اطاع فلا يلومن ان فتر عنه الا نفسه يداك اوكتا وفوك نفخ ومن لا يكرم علم لا يكرمه العلم. وسنأتي بالقول باذن الله على عشرين معقدا يعظم بها العلم من غير بسط لمباحثها. فان المقام يحتمل والاتيان على غاية كل ماقد يحتاج الى زمن مديد. والمراد هنا التبصرة والتذكير وقليل يبقى فينفع خير من كثير يلقى في رفع. فخذ من هذه المعاقل بالنصيب الاكبر. تنل الحظ الاوفر من رياض الفنون وحدائق العلوم. واياك والاخلاد الى مقالة قوم حجبت قلوبهم وضعفت نفوسهم فزعموا ان هذه الاحوال غلو وتنطع وتشدد غير مقنعة فقد ضرب بينهم وبينها بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. فليس مع هؤلاء على دعواهم من ادلة الشرع ما يصدقها. ولا من شواهد الاقدار ما يوثقها. وانما هي عذر البليد وحجة العاجز واين الغلو والتنطع من شيء الوحي شاهده؟ والرعين الاول سالكه. فكل معقد ثابت باية محكمة او سنة مصدقة او اثار عن خير القرون الماضية. واذا وثقت بصدقها وعقلت خبرها وخبرها فلا تقعد همتك عقبة الكسل والثواني تتسلل اليها وهي تزلزل هذه احوال من مضى من سلف الامة وخير الورى فاين ترى من الثريا بل من سمت نفسه الى مقاماتهم ادركها فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح قلبك هذه المعاقد وتدبر من قولها ومعقولها واستنبط منطوقها ومفهومها فالمباني خزائن المعاني المعقد الاول من معاقل تعظيم العلم. تطهير وعائه وهو القلب. فان لكل مطلوب وعاء. وان وعاء العلم قلب الوعاء يعكره ويغير ما فيه. وبحسب طهارة القلب يدخله العلم. واذا ازدادت طهارته ازدادت قابليته للعلم المال ومثل العلم في القلب كنور المسمار ان صفا زجاجه شعت انواره وان لطخته الاوساخ كسفت انواره فمن اراد حياز العلم فليزين باطنه ويطهر قلبه من نجاسته. فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف. وطهارة القلب يا ايها المؤمنون ارجعوا الى اصلين عظيمين. احدهما طهارته من نجاسة الشبهات. والاخر طهارته من نجاسة الشهوات ولما لطهارة القلب من شأن عظيم. امر بها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما امر في قوله تعالى في سورة المدثر فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطن وهو قول حسن له مأخذ صحيح. واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحيي من نظر الله الى قلبك. وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا. قال مسلم الحجاج حدثنا عمر الناقبات قال حدثنا كثير ابن هشام قال حدثنا جعفر بن ورقان عن يزيد الاصم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم احذر تمائن نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت كسر مهانيك. من طهر قلبه فيه العلم حل. ومن لم يرفع منه نجاسته ودعه العلم وارتحل. واذا تصفحت احوال طائفة من طلاب العلم في هذا المعقد. رأيت خللا بينا فاين تعظيم العلم من امرئ تروح الشهوات والشبهات في قلبه وتغدو. تدعوه صورة محرمة وتستهويه مقالة مجرمات. حسبه والتلذذ بالمحرمات فيه غل وفساد وحسد وعناد ونفاق وشقاق انى لهؤلاء وللعلم ما هم من ولا هو اليهم. قال سهل ابن عبد الله رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور. وفيه شيء مما يكره الله عز وجل. اما المعقد الثاني فاخلاص النية فيه. فان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم وصولها كما قال تعالى وما تفرق الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما البينة. وقال البخاري في الجامع المسند الصحيح. ومسلم في المسند الصحيح. واللفظ للبخاري. حدثنا عبد الله بن قال اخبرنا ما لك عن يحيى ابن سعيد عن محمد ابن ابراهيم عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى. وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من السلف الصالحين الا الاخلاص لله رب العالمين. قال ابو بكر المروذي رحمه الله سمعت رجلا يقول لابي عبدالله يعني احمد بن حنبل وذكر له الصدق والاخلاص فقال ابو عبد الله بهذا ارتفع القوم وانما ينال المرء العلم على اخلاصه والاخلاص في العلم ايها المؤمنون يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم للمتعلم. الاول ان يقصد بالتعلم رفع الجهل عن نفسه بتعريفها بما عليها من العبوديات وايقافها على مقاصد الامر والنهي. والثاني رفع الجهل عن الخلق بتعليمهم وارشادهم لما فيه صلاح دنياهم واخرتهم. والثالث احياء العلم وحفظه من الضياع والاصل الرابع العمل بالعلم فالعلم شجرة والعمل ثمرة وانما يراد العلم للعمل. ولقد كان السلف رحمهم الله يخافون اخوات الاخلاص في طلبهم للعلم. فيتورعون عن لا انهم لم يحققوه في نفس الامر. فهشام الدستوائي رحمه الله يقول والله ما استطيع ان قل اني ذهبت يوما اطلب الحديث اريد به وجه الله عز وجل. وسئل الامام احمد هل طلبت ان لله فقال لله عزيز ولكنه شيء حبب الي فطلبته. ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل وهو الاخلاص في اموره كلها دقيقها وجليلها سرها وعلنها. ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية. قال سفيان الثوري رحمه الله ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي. بل قال سليمان الهاشمي ربما حدثوا بحديث واحد ولينية فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات المعقد الثالث جمع همة النفس عليه. فان شعث النفس اذا جمع على العلم اذ تم واجتمع. واذا شغل به وبغيره ازداد تفرقا وشتاتا وانما تجمع الهمة على المطلوب بتطلب ثلاثة امور. اولها الحرص على ما ينفع فمتى وفق العبد الى ما ينفعه حرص عليه. وثانيها الاستعانة بالله عز وجل في تحصيله. فان لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده. وثالثها عدم العجز عن بلوغ البغية منها. وقد جمعت هذه الامور الثلاثة في الحديث الذي رواه مسلم بن حجاج قال حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة وابن نميرة قال حدثنا عبد الله بن ادريس الربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرص وعلى ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. فمن اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه بل كل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمرات العلم وليستعن بالله عليه ولا يعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما املاه. قال الجنيد رحمه الله ما طلب احد شيئا بجد وصدق الا ناله لم ينله كله نال بعضه. الجد بالجد والحرمان بالكسل. فانصب عن قريب غاية الامل. فانهوا واستيقظ من الغفلة فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات. قال ابن ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ورزفه قمر العزيمة اشرقت بنور ربها ومن تعلقت همته بمطعم او ملبس او مأكل او مشرب لم يشم رائحة العين. واعلم بان العلم ليس يناله من همه في مطعم او ملبس فاحرصي تبلغ فيه حظا وافرا واهجر له طيب المنام وغلسي. وان مما ايعلي الهمة ويسمو بالنفس اعتبار حال من سبق. وتعرف همم القوم الماضيين. فابو عبد الله احمد بن حنبل كان وهو في الصبا ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ. فتأخذ امه بثيابه وتقول رحمة به حتى يؤذن الناس او يصبحوا. فقرأ الخطيب البغدادي رحمه الله. صحيح البخاري كله على اسماعيل الحيري في مجالس اثنان منها في ليلتين من وقت صلاة المغرب الى صلاة الفجر واليوم الثالث من ضحوة النهار الى صلاة المغرب ومن المغرب الى طلوع الفجر. قال الذهبي في تاريخ الاسلام وهذا شيء لا اعلم احدا في زماننا يستطيعه ورحم الله ابا عبدالله كيف لو رأى همم اهل الزمان ماذا يقول؟ وكان ابو محمد ابن السبان اول ابتدائه يدرس الليل كله فكانت امه ترحمه وتنهاه عن القراءة بالليل. فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفنة شيء من الانية العظيمة ويتظاهر بالنوم فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس. وقد رأيت في بعض المجموعات القبطية في مكتبة ندية خاصة مما ينسب لعبد الرحمن ابن حسن ال الشيخ صاحب فتح المجيد قوله رحمه الله شعرا شمم الى طلب العلوم ديونا. وانهض بذلك بكرة واصيلا قال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون جهولا. فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همة في الثريا ولا تكن شابا بدن شايب الهمة فان همة الصادق لا تشيب. كان ابو الوفاء ابن عقيل اذكياء العالم من فقهاء الحنابلة. وهو في الثمانين ينشد ويقول ما شاب عزمي ولا حزني ولا خلقي ولا اولائي ولا ديني ولا كرمي وانما اعتاض شعري غير صبغته والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم المعقد الرابع صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. فان كل علم نافع مرده الى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وباقي العون اما خادم لهما. فيؤخذ منهما تتحقق به الخدمة. او اجنبي عنهما فلا يضر الجهل به فالى القرآن والسنة يرجع العلم كله. وبها امر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم وهل اوحي الى ابي القاسم صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن والسنة؟ ومن جعل علمه القرآن والسنة كان متبعا غير مبتدع ونال من العلم او فراه. قال ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثول القرآن قال فان فيه علم الاولين والاخير. وقال مسروق رحمه الله ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن. الا ان علمنا يقصر عنه وينسب لابن عباس رضي الله عنهما انه كان ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه افهام الرجال. وما احسن قول عياض يحصبي في كتابه الالماع العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق اللاحد. علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت تابع عن صاحبه واعلى الهمم في طلب العلم. كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل. وقد كان هذا هو علم السلف عليهم رحمة الله ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع. فالعلم في السلف اكثر والكلام في من بعدهم اكثر. قال حماد ابن قلت لي ايهما السخفياني العلم اليوم اكثر او فيما تقدم؟ فقال الكلام اليوم اكثر والعلم مفيد ما تقدم اكثر. المعقل الخامس سلوك الجادة الموصلة اليه. لكل مطلوب ايها المؤمنون طريق يوصل الي فمن سلك جادة مطلوبه اوقفته علي ومن عدل عني لم يظفر بمطلوبه وان للعلم طريقا من اخطأها ضل ولم ينل المقصود. وربما اصاب فائدة قليلة مع تعب كثير. يقول الزرنودي رحمه الله في كتابه تعليم تعلم وكل من اخطأ الطريق ظل ولا ينال المقصود قل او زل. وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة. وقد ذكر هذا الطريق بلفظ جامع ماتع محمد بن محمد مرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس في منظومة له يسمى الفية يقول فيها فما حوى الغاية في الف سنة؟ شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع تأخذه على مفيد الناصحين. فطريق العلم وجادته مبنية على امرين. من اخذ بهما كان معظما للعلم لانه يطلبه من حيث يمكن الوصول اليه. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح. فلابد من حفظه ومن ظن انه ينال العلم بلا حفظ فانه يطلب محالا. والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للضالع. اي المعتمد عند اهل فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشهورا. فمن يحفظ الفية الاثار بالنحو ويترك الفية مالك. اما الامر الثاني فاخذه على مفيد ناصح. فتفزع الى شيخ تتفهم عنه معانيه. يتصل بهذين الوصفين واولهما الافادة وهي الاهلية بالعلم. فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه. حتى ادرك فصارت له ملكة قوية في والاصل في هذا ما اخرجه ابو داوود رحمه الله في سننه. قال حدثنا زهير بن حرب وعثمان ابن ابي شيبة قال حدثنا جرير عن الاعمش عن عبد الله ابن عبد الله عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم. واسناده قوي والعبرة عموم خطامنا بخصوص المخاطبة. فلا يزال من معالم العلم في هذه الامة ان يأخذه الخالق عن السالم. اما الوصف الثاني النصيحة وتجمع معنيين اثنين احدهما صلاحيته للاقتداء به والاهتداء بهديه وجله وسمته والاخر معرفته بطرائق التعليم بحيث يحسن تعليم المتعلم. ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي في الموافقات. اما المعقد السادس فرعاية فنونه في الاخذ وتقديمه الاهم فالاهم. ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها ايها المؤمنون بتمتيع البصر بجميع اجزائها ويفوت من حسنها عند الناظر بقدر ما يحتجب عنه من اجزائها. والعلم هكذا. من رأى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم. قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره جمع العلوم ممدوح. من كل كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مطلع على الاسرار. يقول شيخ شيوخنا محمد بن مانع رحمه الله في الطلاب ولا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة اذا كان يعلم من نفسه قوة على تعلمه. ولا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله. ويذري بعالمه. فان هذا نقص ورذيلة. فالعاقل ينبغي له ان يتكلم بعلم. او يسكت بحلم. والا دخل تحت قول القائل ان سهلا دم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل علوما لو قراها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل انتهى كلامه وانما تنفع رعاية فنون العلم باعتماد اصلين. احدهما تقديم الاهم فالاهم مما اليه الم تعلم بالقيام بوظائف العبودية لله. سئل ما لك بن انس امام دار الهجرة عن طلب العلم طيب حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى حين تمسي فالجنة. قال ابو عبيدة رحمه الله قال من شغل نفسه بغير المهم اضر بالمهم. وقدم الاهم ان العلم جم والعمر طيف زار او ضيف الم والاخر ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن حتى اذا استكمل انواع العلوم نظر الى ما وافق طبعه منها وانس من نفسه قدرة عليه فتبحر فيه سواء كان فنا واحدا او اكثر اما بلوغ الغاية في كل فن والتحقق بملفته فانما يهيئ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة ثم ينظر المتعلم فيما يمكنه من تحصيلها افرادا للفنون ومختصراتها واحدا بعد واحد او جمعا لها الافراد هو المناسب لعموم الطلبة. ومن تيار شعر السناقطة قول احدهم وان ترد تحصيل فن تممه. وعن سواه قبل الانتهاء منه وفي ترادف العلوم المنعجاء. انت توأمان سبقا ليخرجا. ومن عرف من نفسه قدرة على الجمع جماعة وكانت حاله استثناء من العموم. ومن نواقض هذا المعقد المشاهدة الاحزام عن تنوع العلوم. والاستخفاف المعالم والاشتغال بما لا ينفع مع الورع بالغرائب. ومالك يقول شر العلم الغريب وخير العلم الذي قد رواه الناس. المعقد الثامن لزوم التأني في طلبه وترك العجلة. فان تحصيل العلم لا يكون جملة واحدة. اذ القلب يضعف عن ذلك فان للعلم فيه ثقلا كثقل الحجر في يد حامله. كما قال تعالى انا القي عليك قولا ثقيلا. اي القرآن واذا كان هذا وصف القرآن الميسر. كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن هنديه كذا فما الظن بغيره من العلوم؟ وقد وقع تنزيل القرآن رعاية لهذا الامر منجما مفرقا باعتبار الحوالي والنوازل. كما قال تعالى ده فذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. وهذه الاية حجة في لزوم التأني في طلب العلم والتدرج فيه وترك العجلة كما ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه والراغب اصفهاني في مقدمة جامع التفسير. ومن شعر ابن النحاس الحلبي قوله رحمه الله اليوم شيء وغدا مثله من نخب العلم التي تلتقط يحصل المرء بها حكمة وانما السيل اجتماع النقط. قال شعبة ابن الحجاج اختلفت الى عمرو ابن دينار خمسمائة مرة وما سمعت منه الا مائة حديث في كل خمسة مجالس كحديث وقال حماد ابن ابي سليمان لتلميذ له تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا آآ ومقتضى نجوم التأني والتدرج البداءة بالمتون القصار. المصنفة في فنون العلم حفظا واستشراحا عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها. ومن تعرض للنظر في المطولات فقد يجني على دينه. وتجاوز الاعتدال في العلم ربما ادى الى تضييعه. ومن مدائع الحكم او يعد الكريم الرفاعي احد شيوخ العلم بدمشق الشام في القرن ماضي قوله طعام الكبار سم الصغار وصدق فان الرظيع اذا تناول طعام الكبار مهما لذ اهلكه واعطبه ومثله من يتناول المسائل الكبار من المطولات ويوقف نفسه مع ضعف الالة على خلاف العلماء وتعدد مذاهبهم في المنقول والمعقول. المعقل التاسع الصبر في العلم تحملا واداء. اذ كل من الامور لا يدرك الا بالصبر. واعظم شيء يتحمل به النفس. طلب المعالي تصبريها عليها. ولهذا كان الصبر والمصابرة مأمورا بهما لتحصيل اصل الايمان تارة ولتحصيل كماله تارة اخرى كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا. وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. قال يحيى ابن ابي كثير بتفسير هذه الاية هي مجالس الفقه. ولن يحصل احد العلم الا بالصبر. قال يحيى ابن ابي كثير لا استطاع العلم براحة الجسم. فبه يخرج من معرة الجهل. قال الاصمعي من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. وبه تدرك لذة العلم. قال بعض السلف من لم يحتمل الم التعليم لم يذق لذة العلم ولابد دون الشهد من سم لسعتي. وكان يقال من لم يركب المصاعب لم ينل الرغب طيب اه وصبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه. فالحفظ يحتاج الى صبر. والفهم يحتاج الى صبر مجالس العلم يحتاج الى صبره ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر. والنوع الثاني صبر في ادائه ومسهله الى اهله والجلوس للمتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر واحتمال زلاتهم يحتاج الى صبرات وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبي فيهما والثبات عليهما لكل الى شاو العلا وثبات ولكن عزيزا في الرجال ثبات. ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد. قال ابو يعلى الموصلي المحدث اني رأيت وفي الايام تجربة للصبر عاقبة محمودة الاثر وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظهر. المعقد العاشر ملازمة اداب العلم. قال ابن رحمه الله في كتابه مدارج السالكين ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وقلة ادبه عنوان شقاوته وبواريه. فما استجيب خير الدنيا والاخرة بمثل الادب. ولاستجلب حرمانهما بمثل قلة الادب. انتهى والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. وانما يصلح للعلم من تأدب بآدابه في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه. قال يوسف بن الحسين بالادب تفهم العلم. لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له وقليل الادب يعز العلم ان يضيع عنده. سأل رجل البقاعي ان يقرأ عليه له البقاعي فجلس الرجل متربعا. فامتنع البقاعي من اقراءه وقال له انت احوج الى الادب منك الى العلم الذي جئت تطلبه. ومن هنا كان السلف رحمهم الله يهتمون بتعلم الادب. كما يهتمون بتعلم العلم قال ابن سيرين رحمه الله كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم. بل طائفة منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم. قال ما لك بن انس لفتى من قريش يا ابن اخي تعلم الادب قبل ان تتعلم انما العلم وكانوا يظهرون حاجتهم الي. قال مخلد بن الحسين لابن المبارك يوما نحن الى كثير من نحن وتذكر ان صدق هذا الضمير علينا اعظم ممن تقدمنا. نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. وكانوا يوصون به ويرشدون اليه. قال ما لك كانت امي عممني وتقول لي اذهب الى ربيعة يعني ربيعة ابن عبد الرحمن فقيه اهل المدينة في زمنه اذهب الى ربيعة فتعلم من ادبه قبل علمه. وانما حرم كثير من طلبة العصر العلم بتضييع الادب فترى احدهم متكئا بحضرة شيخه بل يمد اليه رجليه ويرفع صوته عنده ولا يمتنع عن اجابة هاتفه او غيره فاي ادب عند هؤلاء ينالون به العلم. اشرف الليث ابن سعد رحمه الله على اصحاب الحديث رأى منهم شيئا كأنه كره. فقال ما هذا؟ انتم الى يسير من الادب احوج منكم الى كثير من العلم. فما يقول الليل لو رأى حال كثير من طلاب العلم في هذا العصر المعضل السابع المبادرة الى تحصيله. واغتنام سن الصبا والشباب. فان العمر زهرة اما ان بسلوك المعالي ثمرة واما ان تذبل. وان مما تثمر به زهرة العمر المبادرة الى تحصيل العلم. وترك الكسل والعجز واغتنام سن الصبا والشباب امتثالا للامر باستباق الخيرات. كما قال تعالى فاستبقوا الخيرات وايام الحداثة فاغتنمها. الا ان الحداثة لا تدوم. قال احمد رحمه الله ما شبهت الشباب الا بشيء ان كان في كمي فسخط. والعلم في سن الشباب اسرع الى النفس. واقوى تعلقا ولصوقا. قال الحسن البصري العلم في الصغر كالنقص في الحجر انتهى كلامه. فقوة بقاء العلم في الصغر كقوة بقاء النقص في الحجر فمن اغتنم شبابه نال ارضه وحمد عند مشيده سرى. اغتنم سن الشباب يا فتى عند اذ يحمد القوم السراط واضر شيء على السلام التسويف والتأمين فيسوف احدهم ويركب بحر الاماني باحلام اليقظة ويحدث نفسه ان الايام المستقبلة ستفرغ له من الشواغل وتصفو من المخدرات والعوائق المنظورة ان من كبرت سنه كثرت شواغله وعظمت قواطعه مع ضعف الجسم ووهن القوى. ولن تدرك الغايات رغم بالتلهف والترجي والتمني ولست بمدرك ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لوني. ولا يتوهم ما سبق ان الكبير لا يتعلم بل هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا كبارا كما ذكره البخاري رحمه الله وفي كتاب العلم من صحيحه وانما يعسر التعلم في الكبر كما بينه الماوردي في ادب الدنيا والدين لكثرة الشواغل وغلبة القواطع وتكاثر العلائق فمن قدر على دفعها عن نفسه ادرك العلم. وقد وقع هذا في جماعة من النبلاء طلبوا العلم كبارا فادركوا منه قدرا عظيما. منهم القفال الشافعي رحمه الله الحادي عشر صيانة العلم عما يشين. مما يخالف المروءة ويخدمها. فمن لم يصن العلم لم يصنه العلم كما قال قال الشافعي ومن اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به قالوا الى جوال اسم العلم عنا. قال وهب بن منبه رحمه الله لا يكون من الحكماء. لا ينال العلم بطال ولا لا تصل ولا ملول ولا من يألف البشر. وجماع المروءة كما قاله ابن تيمية الجد في المحرر وتبعه حفيد في بعض فتاويه قال استعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه. قيل لابي محمد سفيان بن عيينة قد استنبط من القرآن كل شيء. فاين المروءة فيه؟ فقال في قوله تعالى خذ عفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. ففيه المروءة وحسن الادب ومكارم الاخلاق. انتهى كلامه. ومن الزم الادب النفس للطالب تحليه بالمروءة وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي طالب. تحليهم المروءة وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها. كحلق لحيته. فقد عده في خوارم المروءة ابن حجر الهيثمي من الشافعية وابن عابدين من الحنفية. او كثرة الالتفات في الطريق وعده من خوارمها ابن سهام الزهري وابراهيم النخعي من المتقدمين. او مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا داعية وعده من الخوارم. جماعة منهم ابو بكر الطرطوشي من المالكية وابو محمد ابن قدامة ابو الوفاء ابن عقيل من الحنابلة او صحبة الاراذل والفساق والمجان والبطالين وعده من خوارم المروءة جماعة منهم ابو حامد الغزالي وابو بكر ابن الطيب من الشافعية. والقاضي عياض الي من المالكية. او الاحداث والصغار وعده من الخوارم ابن الهمام وابن لجيم من الحنفية. ومن اخل بمروته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام ولا ينال من شرف العلم الا الحطام. المعقد الثاني عشر انتخاب الصحبة الصالحة له. فالانسان مدني بالطبع واتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق. فيحتاج طالب العلم الى معاشرة غيره من الطلاب لتعينه هذه المعاشرة على تحصيل العلم والاجتهاد في طلبه. والزمالة في العلم كلمة من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود. ولا يحسن بقاصد العلا الا انتخاب صحبة صالحة تعينه ان للخليل في خليله اثرا. قال ابو داوود والترمذي والسياق لابي داوود حدثنا ابن بسار قال حدثنا ابو وابو داوود قال حدثنا زهير بن محمد قال حدثني موسى ابن وردان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل. يقول الراغب الاصفهاني ليس الجليس الجليس بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر اليه. لا تصحب الكسلان في حالاته كم صالح لفساد اخر يفسد عدوى البليد الى الجليد سريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد والجليد هو الجاد الحازم وانما يختار للصحبة من يعاشر للفضيلة لا للمنفعة ولا للذة فان عقد المعاشرة يبرم هذه المطالب الثلاثة الفضيلة والمنفعة واللذة كما ذكره شيخ شيوخنا محمد الخضر بن حسين في رسائل الاصلاح فانتخب صديق الفضيلة جميلا. فانك تعرف به. قال ابن مسعود رضي الله عنه الرجل بمن يصاحب فانما يصاحب الرجل من هو مثله. يقول ابو الفتح البستي اذا ما اصطنعت امرئا فليكن شريفا لجالي زكي الحسن فنزل الرجال كنذل النبات فلا للشمال ولا للحطب. ويقول ابن مانع رحمه الله في الطلاب وهو يوصي طالب العلم يقول ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل المدون والوقاحة وسيء والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. انتهى كلامه. وكان هذا اي قول سفيان بن عيينة اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب يعني الحديث الذي يستفاد لعلوه او لمحل ما الا اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل. فقد يحرم العلم لاجل صاحبه. فاحذر هذا الصنف وان تزيى بزي العلم فانه يفسدك من حيث لا تشعر المعضل الثالث عشر بذل الجهد في تحفظ العلم. والمذاكرة به والسؤال عنه. للتلقيه عن الشيوخ لا ينفع الله ومذاكرة به وسؤال عنه يحقق في قلب طالبه تعظيمه لكمال الالتفات اليه والاشتغال به. فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القليل. والسؤال اقبال على العالم. فبالحفظ يقرر العلم في قلبه. فينبغي ان يكون جل همة الطالب مصروفا الى الحفظ والاعادة. كما يقوله ابن الجوزي في صيد خاطره. ولم يزل العلماء الاعلام يحضون على الحفظ ويأمرون به. قال عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة. ما وعيته بقلبي ولكته بلساني سمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يقول حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من فاعنا بما قرأنا ليس بعلم ما حاول القمط ما العلم الا ما حواه الصدر. والمتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه واذا قدر على ما كان يصنع من الفرات فليأخذ به فقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. ومن عقل هذا المعنى لم يزل من الحفظ في ازدياد. وابن مالك صاحب الالفية حفظ في يوم موته خمسة شواهد. وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس. ويقوى تعلقه بها والمراد بالمذاكرة مدارسة الاطان. وقد امرنا بتعاهد القرآن. الذي هو ايسر العلوم قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله بن يوسف قال اخبرنا ما لك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة ان عاهد ما امسكها وان اطلقها ذهبت. ورواه مسلم من حديث مالك به نحوه. قال ابن عبد البر في كتابه تمهيدا عند هذا الحديث واذا كان القرآن الميسر للذكر كالابل المعطلة من تعاهدها امسكها فكيف بسائر العلوم؟ انتهى كلامه. وكان الزهري رحمه الله يقول انما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة وبالسؤال عن العلم تفتح خزائنه. قال ابن شهاب الزهري رحمه الله انما هذا العلم وتفتتحها المسألة وحسن المسألة قسم العلم. والسؤالات المصنفة كمسائل احمد المروية عنه هان جلي على عظيم منفعة السؤال. وقلة الاقبال على العالم بالسؤال اذا ورد على بلد يكشف مبلغ العلم فيه هذا سفيان الثوري لما قدم رحمه الله عسقلان مكث ثلاثا لا يسأله انسان عن شيء فقال لرواد ابن الراحة احد اصحابه اي اطلب لي من ينقلني بالاجرة اخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه العلم. فمن لقي شيخا فليغتنم لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه. ويحتاج اليه لا سؤال متعنت ممتحن. وهذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته يحفظ قوته ويدفع ابدا. فالحفظ غرس العلم والمذاكرة سقيه والسؤال عنه تنميته. المعقد عشر اكرام اهل العلم وتوقيرهم. ان فضل العلماء عظيم. ومنصبهم منصب جليل. لانهم اباء الروح فالشيخ ابو للروح كما ان الوالد اب للجسد. وفي قراءة ابي بن كعب رضي الله عنه النبي اولى المؤمنين من انفسهم وهو اب لهم. وهذه الابوة المذكورة في هذه القراءة ليست ابوة النسب اجماع وانما هي الابوة الدينية الروحية. فالاعتراف بفضل المعلمين حق واجب. قال شعبة ابن الحجاج كل من سمعت منه حديثا فانا له عبدا. واستنبط هذا المعنى من القرآن محمد بن علي الاجفوي فقال رحمه الله اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبدا. قال الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله او لذلك انتهى كلامه. وقد امر الشرع برعاية حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا. قال احمد حدثنا هارون قال حدثنا بوهبة قال حدثني مالك بن الخيل الزيادي عن ابي قبيل المعافي عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي من لم يدلك كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حق طه امسك ابن عباس رضي الله عنه يوما بركاب زيد ابن ثابت رضي الله عنه. فقال زيد اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس انا هكذا نصنع بالعلماء ونقل ابن حزم الاجماع على توقير العلماء واكرامهم. والبصير بالاحوال السلفية يقف على حميد احوالهم في توقيف علمائهم. فقد كان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اذا جلسوا الي كانوا كأنما على رؤوسهم الطير لا يتحركون. وقال محمد ابن سيرين رأيت عبدالرحمن بن ابي ليلى واصحابه يعظمونه ويسودونه ويشرفونه مثل الامير. وقال يحيى الموصلي رأيت ما لك ابن انس غير مرة وكان لاصحابه من الاعظام والتوقير له واذا رفع احد صوته صاحبه. فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم. مما يدخل تحت هذا الاصل له والاقبال عليه وعدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه. واذا حدث عنه عظمه من غير غلوة بل ينزله منزلة الا يشينه من حيث اراد ان يمدحه. وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه. ولا يؤذيه بقول او فعل تلطف في تنبيهه على خطأه اذا وقعت منه زلاة. ومما تناسب الاشارة اليه هنا باختصار وجيز معرفة ازاء زلة العالم وانه ستة امور. الاول التثبت في صدور الزلة منها. والثاني التثبت في كونها خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها. والثالث ترك اتباعه فيها والرابع التماس العذر له بتأويل سائغ. والخامس بذل النصح له بلطف وسر لا عنف يسير والثالث حفظ جنابه فلا تهجر كرامته في قلوب المسلمين. ومما يحذر منه مما يتصل بتوقيد العلماء ما صورته التوقير ومآله الاهانة والتحقير كالازدحام على العالم والتضييق عليه والزائه الى اعفن السبل فما ماته شيم ابن بشير الواسطي المحدث الثقة رحمه الله الا بهذا. فقد ازدحم اصحاب الحديث علي فطرحوه عن حماره فكان سبب موته رحمه الله. المعقد الخامس عشر رد مسكنه الى اهله المعظم للعلم يعول على زهاقنته وجهابذة اهله لحل مشكلاته. ولا يعرض نفسه لما لا تطيق. خوفا من قولي على الله بلا علم والافتراء على الدين. فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف صوت السلطان فان العلماء بعلم تكلموا وببصر نافذ سكتوا فان تكلموا في مسك فتكلم بكلامهم ان سكتوا عنه فليسعك ما وسعهم. ومن اشق المشكلات الفتن الواقعة. والنوازل الحديثة التي تتكاثر مع الزمن والناس في هذا الباب طرفان ووسط. فقوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها. وفزعوا الى الاهواء ويستمدونها من حماس الخطباء ورقة الشعراء وتحليلات السياسيين وارجافات المنافقين. وقوم على العلماء لكنهم لا يرضون بقالهم ولا يرتضون مقالهم فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم يجدوه مالوا عنهم. والناجون من نال فدا السالمون من وهج محن. هم من فزع الى العلماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم وطرح قوله لقولهم التجربة والخبرة هم كانوا احق بها واهلها واذا افترقت اقوالهم اخذ بقول جمهورهم وسوادهم ايثارا للسلامة فالسلامة لا يعدلها شيء وما احسن قول ابن عاصم في مرتقى الوصول وواجب في مشكلات الفهم تحسين ما الظن باهل العلم. ومن جملة رد زلات العلماء والمقالات الباطلة لاهل البدع والمخالفين. فانما يتكلم فيها العلماء راسخون كما بينه الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم. واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا. فانما نشأت كثير من الفتن يوم تعرض للرد على زلات والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناس الاغماض. والجادة السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقولهم فيها. المعقد السادس عشر توقير مجالس العلم وازال اوعيته. فمجالس العلماء الانبياء قال سهل بن عبدالله من اراد ان ينظر الى مجالس الانبياء فلينظر الى مجالس العلماء. يجيء فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته ويجيء اخر فيقول ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول ليس بهذا القول وليس هذا الا لنبي او لعالم لهم ذلك. وقال ما لك بن انس ان مجالس العلماء تحتضن بالخشوع والسكينة والوقار. وقد كان مالك الله اذا اراد ان يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وشرح لحيته وتمكن من جلوسه بوقاره وهيبة ثم حدث. وكان عبدالرحمن ابن مهدي لا يتحدث في مجلسه. ولا يبرى فيه قلم ولا يتبسم فيه احد كان وكيع بن الجراح في مجلسه كأنه في صلاة. فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس العلم حقها. فيجلس فيها ينسة الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليه ولا يلتفت عنه من غير ضرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها او يلتفت اليها ولا يعبث بيديه او رجليه ولا يستند بحضرة شيخه ولا يعتمد على يده الى ورائه او جنبه ولا يفتي تنحن حول الحركة ولا يتكلم مع جاره واذا عطس خفض صوته واذا تثائب ستر فمه بعد ربه جهدا ينضم الى توقير مجالس العلم ازدال اوعيته التي يحفظ فيها وعمادها الكتب. فاللائق بطالب العلم صون وحفظه واجلاله والاعتناء به فلا يجعله صندوقا يحشوه بودائعه. ولا يجعله بكى. واذا وضعه بلطف وعناية رمى اسحاق ابن رهويه يوما بكتاب كان في يده فرآه ابو عبدالله احمد ابن حنبل فغضب وقال اهكذا يفعل بسلام الابرار؟ ولا يتكئ علي او يضع عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه. المعقد السابع عشر الذب عن العلم والذود عن خياضه. فان للعلم حرمة وافرة. توجب الانتصار له. اذا تعرض بما لا يصلح وقد ظهر هذا الانتصار عند اهل العلم في مظاهر منها الرد على المخالف فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية للدين ونصيحة للمسلمين. ولم يزل الناس يرد بعضهم على بعض. كما قال قال الامام احمد لكن من يرشح لذلك هم العلماء لا الدهماء مع نجوم الادب وترك الجور والظلم ومنها هجر مبتدع المجمع عليه كما ذكره ابو يعلى فلا يؤخذ العلم عن اهل البدع لكن اذا اضطر اليه فلا بأس كما في الرواية عنه لدى المحدثين. وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية الحبيب مقررا اصلا كبيرا تعظم الي في ازمنة الجاهلية والفتن قال رحمه الله فاذا تعذر اقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك الا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة واجبة مع مفسدة مرجوحة خيرا من العكس. انتهى كلامه. ومنها زجر المتعلم اذا تعدى في بحثه. او ظهر ومنه لدد او سوء ادب فكان عبدالرحمن بن مهدي ان تحدث احد في مجلسه او برئ قلم صاح ولبس نعليه ودخل وكان وكيع اذا انكر من ابي جلسائه شيئا ان فعل ودخل وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا محمد ابن ابراهيم ال الشيخ. فكم من مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتصدق في فاخذ بنعليه وانصرف. وحضر شاب مجلس سفيان الثوري فجعل يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم فغضب سفيان وقال لم يكن السلف هكذا. لم يكن السلف هكذا كان احدهم لا يدعي اماما ولا يجلس في الصدر حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة. وانت تتكبر على من هو اسن منك قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي. وكان رحمه الله يقول اذا رأيت الشاب يتكلم عند وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلسه زجرا له فليفعل. كما فعل سفيان وكما كان يفعله شعبة رحمه الله مع عفان ابن مسلم في درسه وقد يزجر المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته فالسكوت جواب ما قال الاعمش ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز. فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده المعقد الثامن عشر التحفظ في مسألة العالم. فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم. فان من السؤال ما المراد به التشغيل وايقان الفتنة واشاعة السوء. ومن انس منه العلماء هذه المسائل لقي منهم ما لا يعجبه كما مر معك في سجن متعلم. فلابد من التحفظ في مسألة العالم. ولا يفلح في تحفظه فيها الا من اعمل اربعة اصول اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل؟ فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم لا التعنت تهكم فان من ساء قصده في سؤاله يحرم بركة العلم ويمنع منفعته. فمن الناس من يسأل وله وفي سؤاله قصد باطل يريد التوصل به الى مقصود الله فاذا غفل عنه المفتي وافتاه بما يريد به واشاع واذا تنبه الى قصده حال بينه وبينه. وزجره عن غيه. قال القرفي رحمه الله تعالى في كتابه الاحكام سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة هل يجوز ام لا؟ فارتبت وقلت له السائل ما افتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فان كل احد يعلم ان عقد صاحب القاهرة جائز. فلم ازل به حتى قال انا اردنا ان نعقده خارج القاهرة فمنعنا لان انه استحلال يعني نكاح تحليل وهو نوع من الانكحة المحرمة. فجئنا للقاهرة فقلت له لا يجوز لا بالقاهرة ولا بغيرها. ووقع مثل هذا لابي العباس ابن تيمية الحفيد في فتوى تتعلق باهل الذمة ذكرها تلميذه البار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه اعلام الموقعين ردت عليه غير مرة في وجه غير الوجه السابق لها. فكان يقول لا يجوز. حتى قال في اخر مرة هي المسألة المعينة وان خرجت في عدة قوالب. اما الاصل الثاني فالتفطن الى ما يسأل عنه. فلا تسأل عما لا نفع فيه. اما بالنظر الى حالك او بالنظر الى عين المسألة. سأل رجل احمد بن حنبل عن يأجوج ومأجوج؟ امسلمون هم؟ فقال قال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا. ومثله السؤال عما لم يقع. او ما لا يحدث به كل احد وان ما يخص به قوم دون قوم. اما الاصل الثالث فالانتباه الى صلاحية حال الشيخ للاجابة على سؤاله. فلا يسأله في حال تمنعه ككونه مهموما او متفكرا او ماشيا في طريق او راكبا لسيارته. بل يتحين طيب نفسه. قال قتادة رحمه الله سألت ابا الطفيل مسألة فقال ان لكل مقام مقالا. وسأل رجل ابن المبارك عن حديث وهو يمشي فقال ليس هذا من توقيد العلم. وكان عبدالرحمن بن ابي ليلى يكره ان يسأل وهو يمشي اما الاصل الرابع فتيقظ السائل الى كيفية سؤاله. باخراجه في صورة من حسنة متأدبة فيقدم الدعاء للشيخ ويبدله في خطابه ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته اهل السوق واخلاق العوام. قال جعفر بن ابي عثمان كنا عند يحيى بن معين. فجاءه رجل مستعجل فقال يا ابا زكريا حدثني بشيء اذكرك به فقال يحيى اذكرني انك سألتني ان احدثك فلم افعل. واذا تأملت سؤالات الواردة على اهل العلم اليوم. رأيت في كثير منها سلب التحفظ واسفاف الادب. اترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع لا يتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عون مقالب فسؤالاتهم مفاتيح الفتن واسباب المحن وويل لهم مما يصنعون. وما هؤلاء الى مقالة زيد ابن اسلمة رحمه الله لما سأله رجل عن شيء تخلط عليه فقال زيد اذهب ثبت علم كيف تسأل ثم تعال فسل. وكم هم المحتاجون الى مثل مقالة زيد ابن اسلم رحمه الله المعقد التاسع عشر شغف القلب بالعلم وغلبته عليه. فصدق الطلب له يوجب محبته وتعلق القلب به ولا ينال العبد درجة العلم حتى تكون لذته الكبرى فيه. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح السعادة ومن لم يغلب لذة ادراكه وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم ابدا انتهى كلامه وانما تحظى بلذة العلم بثلاثة امور ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه السالف احدها بذل الوسع والجهد. وثانيها صدق الطلب. وثالثها صحة النية والاخلاص. ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ومن سمر هذه اللذة في احوال السابقين من علماء الامة. رأى عجبا فلسان احدهم ما لذتي الا رواية مسند قد قيدت بفصاحة الالفاظ ومجالس فيها تحل سكينة ومذاكرات معاشر الحفاظ. ان لذة العلم ايها المؤمنون فوق لذة السلطان والحكم التي تتطلع اليها نفوس كثيرة وتبذل لاجلها اموال وفيرة وتسفك دماء غزيرة بات ابو جعفر النسبي مهموما من ضيق البال وسوء الحال وكثرة العيال. فوقع في خطئه فرع من فروع مذهبهم وكان رحمه الله حنفيا فاعجب به فقام يرقص في داره ويقول اين الملوك وابناء الملوك اين الملوك وابناء الملوك؟ اذا خاض في بحر التفكر خاطري على من معضلات المطالب حقرت ملوك الارض في نيل ما حووا وملك المنى بالكتب لا بالكتائب ولهذا كانت الملوك تتوق الى لذة العلم وتحس فقدها وتطلب تحصيلها. قيل لابي جعفر المنصور الخليفة العباسي المشهور الذي كانت ممالكه تملأ الشرق والغرب هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تمله. فقال وهو مستو على كرسيه وسرير ملكه بقيت خصلة. ان اقعد مصطبة يعني مكانا مرتفعا. ان اقعد على مصطبة وحولي اصحاب الحديث اي طلاب العلم فيقول المستمني وهو الذي يستجيش حديث المحدث ويبلغه الناس فيقول المستملي من ذكرت رحمه الله يعني فيقول حدثنا فلان قال حدثنا فلان ويسوق الاحاديث المسندة. فانظر افتقاره من العلم وطلبه تحصيله وجوعته الي. ومتى عمر القلب بلذة العلم سقطت لذات العادات وذهلت النفس عنها. فالنظر بن ثميل يقول لا يجد المرء لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعا. بل الالام لذة بهذه اللذة ومحمد بن هارون الدمشقي يقول لمحبرة تجالسني نهاري احب الي من انسي الصديق ورزمتك غد اي ورق ووزمتك غد في البيت عندي احب الي من عدل الدقيق ولطمة في الخد مني الذ لدي من شرب الرحيق. ولا تعجب. فما هذه الاحوال الا مس عشق العلم ابن القيم يقول في روضة المحبين واما عشاق العلم فاعظم شغفا به وعشقا له من كل بمعشوقه وكثير منهم لا يشغله عنه اجمل صورة من البشر انتهى كلامه. فاين هذا الشغف يا طلاب العلم اين هذا الشغف ممن يقدم حظه من عرسه على حظه من درسه ويكون جلوسه الى السمان وشيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء وتقوى عزيمته للتنقل في الفلوات ولا تقوى على السير في نقل المعلومات وينهض نشيطا لقنص الطير ويرقد كسلا عن صيد الخير. فما حظ هؤلاء وكثير ما حظهم من تعظيم العلم وقلوبهم مأسورة بمحبة غيره. المعقد العشرون حفظ الوقت العلم اذا كان العلم ايها المؤمنون اشرف مطلوب. والعمر يطوى كجليد يذوب. فعين العقل حفظ والخوف من تقضيه بلا فائدة. والسؤال عنه يوم القيامة يحملني واياك على المبالغة في رعاية قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره ينبغي للانسان ان يعرف شرف زمانه وقدر وقته. فلا منه لحظة في غير قربان. ويقدم فيه الافضل فالافضل من القول والعمل. انتهى كلامه. ومن هنا عظمت رعاية العلماء للوقت. حتى قال محمد بن عبد الباقي البزاز ما ضيعت ساعة من عمري في لهو او لعب وقال ابو الوفاء ابن عقيل الذي صنف كتاب الفنون في ثمانمئة مجلد. قال رحمه الله اني لا يحل لي ان اضيع ساعة من عمري. وبلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم على الاكل فلقد كان احمد بن سليمان البوقاسي المتوفى عن ثمانية وعشرين سنة يقرأ القراءات في حال اكله خوفا من ضياع وقته في غيرها. فكان اصحابه يقرأون عليه وهو اول مأكله ومشربه بل كانوا يقرأ عليهم وهم في دار الخلاء. فقد كان ابن تيمية الجد رحمه الله اذا دخل الخلاء لقضاء حاجة قال لبعض من حوله اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك. وتجلت هذه الرعاية اية للوقت عند القوم رحمهم الله في معالم عدة لم تبلغها الحضارات الانسانية قاطبة من كثرة دروسهم. فقد كان النووي رحمه الله يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على والشوكاني رحمه الله صاحب نيل الاوتار تبلغ جلوسه في اليوم والليلة ثلاثة عشر درسا منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته. واربى محمود الالوسي صاحب التفسير عليهم جميعا. فقد كان يدرس في يوم اربعة وعشرين درسا. ولما اشتغل بالتفسير والافتاء نقصت الى ثلاثة عشر درسا. ومنها كثرة مدروساتهم. فقد درس ابن التبان المدونة نحو الالف مرة وربما وجد في بعض كتب عباس ابن الفارسي بخطه درسته الف مرة وكرر طالب بن عبدالرحمن المعروف بن عطية والد صاحب التفسير المشهور كرر صحيح البخاري سبعا مئة مرة ومنها كثرة مكتوباتهم. فاحمد بن عبد الدائم المقدسي احد شيوخ العلم من الحنابلة بيده الفي مجلد. ووقع مثله لابن الجوزي. ومنها كثرة مقروءاتهم. فابن الجوزي رحمه الله طالع وهو بعده في الطلب عشرين الف مجلد. ومنها كثرة شيوخهم. الذين جاوز عدد شيوخهم كثير في هذه الامة واعجب ما ذكر ان ابا سعد السمعاني عدد شيوخه سبعة الاف سيئة قال ابن النجار في ليل تاريخ بغداد وهذا شيء لم يبلغه احد. ومنها كثرة مسموعات ومقروءاتهم على شيوخهم. من التصانيف المطولة والاجزاء الصغيرة. فقد تعد بالالاف المؤلفة كما وقع لابن السمع المذكورة وصاحبه ابن عساكر في جماعة اخرين. ومنها كثرة مصنفاتهم حتى عدت الف لجماعة من علماء هذه الامة منهم عبدالملك بن حبيب عالم الاندلس وابو الفرج ابن الجوزي. فاحفظ ايها طالب وقتك فلقد ابلغ في نصحك الوزير الصالح بن هبيرة وهو يقول والوقت انفس ما عنيت بحفظه واراه اسهل ما عليك يضيع. والى هنا بلغ الحول التمام. وحسن قطع الكلام بالختام قياس ذات العلم وطلابه ويا قصاد الفقه واربابه امتثلوا معاقد التعظيم وانتم تقبلون على مقاعد التعليم تجدون نفعه وتحمدون عاقبته. واياكم والتهاون بها والعزوف عنها فانها مفتاح العلم ومرقاة الفهم فبها تجمع العلوم وتؤصل وبها تيسر الفنون وتحصل. فشمروا عن ساعد جد. ولا تشغلوا بميعة الجدة واحفظوا رحمكم الله قول ابي عبد الله ابن القيم رحمه الله عز وجل طالب النفوذ الى والدار الاخرة بل الى كل علم وصناعة ورئاسة بحيث يكون رأسا في ذلك مقتدى به فيه يحتاج ان يكون شجاعا مقداما حاكما على وهمه غير مقبول تحت سلطان تخيله جاهزا في كل ما سوى مطلوبه لما توجه الي عارفا بطريق الوصول الي والطرق القواطع عنها مقدام الهمة ثابت الجأش لا عن مطلوبه لو ملائم ولا عدل عادل كثير السكون. دائم الفكر غير مائل مع لذة المدح. ولا الم الذم بما يحتاج اليه من اسباب معونته. لا تستفزه المعارضات. شعاره صبر وراحته التعب. محبا لمكارم الاخلاق حافظا لوقته لا يخالط الناس الا على حذر كالطائر الذي يلتقط الحب بينهم قائما على نفسه بالرغبة ابى طامعا في نتائج الاختصاص على بني جنسه غير مرسل شيئا من حواسه عبثا ولا مسرحا خواطره في مراتب الكون وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحائلة بينك وبين المطلوب. انتهى كلامه رحمه الله فما اجمله ذكرا وتبصرا. اللهم يسر لنا تعظيم العلم واجلاله. واجعلنا ممن سعى له كذلك فناله اللهم انا نسألك علما نافعا ونعوذ بك من علم لا ينفع اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ابدا ما احييتنا. واجعلها الوارث منا. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الى النار مصيرنا ولا تسلط علينا نستقبل