السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله حمدا حمدا والشكر له توانيا وكثرا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بكرة واصيلا وعلى اله وصحبه ومن اتخذه اماما ودليلا اما بعد فهذا المجلس الثالث في شرح كتاب فتح المجيد للعلامة عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا البيان الى ايضاح ما ذكره رحمه الله من كلام ابي العباس ابن تيمية الحفيد بكشف حقيقة التوحيد الذي جاءت به الرسل وان التوحيد الذي جاءت به الرسل انما يتضمن اثبات الالهية لله وحده بان يشهد ان لا اله الا الله فيجعل له العبادة كلها الاله هو المستحق للعبادة ولا يكون المرء عابدا له حتى يجعل عبادته لله وحده فحقيقة الاله شرعا هي المذكورة في قول ابي العباس المعقول في الصفحة العاشرة بعد المئة والاله هو المألوه المعبود الذي يستحق العبادة اي هو الذي تألهه القلوب بالحب والخضوع فان حقيقة التأليه انجماع القلب على الحب والخضوع فاذا صار هذا التأليه لله عز وجل كانت هذه هي العبادة المأمور بها ترعى فحقيقة الاله ترجع الى جعل العبادة له سبحانه وتعالى دون سواه هذا هو معنى الاله الذي جاءت به الادلة واريد من العبد تحقيقه تحقيقه ثم ذكر ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى معنى باطلا للاله فقال وليس هو الاله بمعنى القادر على الاقتراع وهذا معنى حادث في تفسير حقيقة الاله والتحريف جار في باب توحيد الالهية كما هو جار في توحيد الاسماء والصفات وشهر ذكره عند المتكلمين بالاسماء والصفات لعموم البلوى به في القرون الاول مع القرون المتوسطة اما القرون المتأخرة فقد عظمت البلوى في توحيد العبادة فلم يكن ميل الناس عن الحق في توحيد العبادة مشهورا في قرون الامة الاولى والمتوسطة وانما صار مشهورا في قرونها الاخيرة. فاستفاض بيان علماء اهل السنة لحقيقة التحريف الواقعة في باب الاسماء والصفات وليس يعني هذا ان التحريف لم يقع في بابي توحيد الربوبية والالهية. بل وقع هذا فانحرف كثير من الناس عن مراد الشرع في حقائق الربوبية والالوهية وجرى من طوائف اخرى فيهم تعطيل معاني الالوهية والربوبية عما جاء به الشرع فالتحريف والتعطيل يقعان في معاني الربوبية والالهية كما يقعان في معاني الاسماء والصفات فاذا ذكر مثلا في باب الاسماء والصفات ان نفي العلو تعطيل لله عن علوه وفوقيته سبحانه وتعالى. او ذكر ان تأويل العلو بمعنى يراد به العظمة والجلال دون اثبات الفوقية وان ذلك باطل فان هذين امرين التحريف والتعظيم يقعان في معاني الربوبية والالوهية ومن افراد ما وقع من التحريف في معاني الالوهية ما ذكره ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من قول من يقول ان الاله هو قادر على الاختراع فيفسر الاله بذلك. وهذا تحريف عن معنى الالوهية والاله الذي جاء به الشرع فان معنى الاله بالشرع هو المألوف المعبود الذي يستحق العبادة فلا تكون الا له وتفسير الاله بانه القادر على الاختراع او الخالق من جنس تحريف المحرفين في باب الاسماء والصفات فكما وقع التحريف في معان ذكرنا طرفا منها في الاسماء والصفات وقع التحريف في هذا المقام فمال من مال عن تحريف عن عن حقيقة الاله المذكورة شرعا الى هذه الحقيقة المدعاة ان الاله هو قادر على الاختراع وزعموا ان هذا من اخص وصف الاله. وجعلوا اثبات ذلك هو الغاية في التوحيد كما يفعل ذلك من يفعله من متقدمة الصفاتية المثبتة للصفات بطريق علم كلام المتضمن وانواع القواعد العقلية المذكورة عندهم في باب الاثبات وهو الذي يقولونه عن ابي الحسن يعني الاشعري واتباعه وهؤلاء لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ووجه جهلهم بالتوحيد الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والمذكور في قوله فان مشرك العرب مقرين بان الله وحده خالق كل شيء وكانوا مع هذا مشركين. قال الله تعالى وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون. فلما وجد هذا المعنى علم ان ما ادعي من معنى الالهي غير صحيح لان العرب الذين طولبوا باثبات الالهية لله فقيل لهم قولوا لا اله الا الله تفلحوا لم يجيبوا الى ذلك بل قالوا اجعل الالهة الها واحدا؟ ان هذا لشيء عجاب. ولو كان معنى الاله هو الخالق او القادر على الاختراع لجاءوا اليه مدعنين. لانهم يقرون بالربوبية ويعترفون بان الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق المدبر قال ابو العباس قال طائفة من السلف تسألهم من خلق السماوات والارض فيقولون الله وهم مع هذا يعبدون غيره؟ قال الا قل لمن الارض ومن فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل افلا تذكرون الى قوله فان تسحرون فالايات المذكورة ونظائرها في القرآن تدل على اثبات الجاهلية الاولى بمعنى الربوبية اثباتا يدل على ان الاله عندهم ليس هو الخالق القادر الاختراع اذ لو كان كذلك لما انكروا. فلما وقع الانكار منهم علم ان هذا المعنى المدعى للاله باطل لان العرب لم تجب اليه مع اقرارها بالربوبية ومما ينبغي التنويه به فيما يتعلق بفهم باب الربوبية ان القول بان المشركين يثبتون توحيد الربوبية لا يراد به اثباتا تاما من كل وجه بل هو اثبات يفارق اثبات الموحدين من وجهين احدهما ان اثبات الموحدين مفصل واثبات اولئك مجمل فما يثبته الموحد من توحيد الربوبية يكون على التفصيل في افراده بما لا يوجد له نظير المشركين فالمعرفة بالربوبية عند المشركين هي معرفة عامة مجملة تتضمن اقرارا كليا لافراد الربوبية بخلاف معرفة الموحد فان الموحد يعرف من معاني ربوبية الله تفصيلا ما قامت به الادلة وشهدته قلوب الموحدين والاخر ان توحيد الموحدين للربوبية سالم من الاعتقادات الباطلة ان توحيد الموحدين للربوبية سالم من الاعتقادات الباطلة بخلاف توحيد المشركين للربوبية فان اقرارهم بالربوبية تكتنبه انواع من الاعتقادات الباطلة في الربوبية كاعتقاد في الاستسقاء بالانواء والتمائم والرقى وغير ذلك فهذان فرقان يدلان على مباينة توحيد الربوبية عند الموحدين لما عليه المشركون. واشار الى وقوع المباينة اجمالا اهلا ابو العباس ابن تيمية في شرح العقيدة الاصفهانية وهذا الفرق لا يرجع على الاصل العام المقرر عند اهل العلم من اثبات المشركين للربوبية بالابطال بل هذا يتضمن اثبات المشركين الربوبية لله لكن لا على وجه تام بل على وجه ناقص هو المتقدم ذكره في البيان السالف ثم قال ابو العباس ابن تيمية رحمه الله فليس كل من اقر بان الله تعالى رب كل شيء خالقه يكون عابدا له دون ما سواه داعيا له دون ما سواه راجيا له خائفا منه دون ما سواه يوالي فيه ويعادي فيه ويطيع رسله ويأمر بما امر به وينهى عما نهى عنه. انتهى فربما وجد الاقرار بالربوبية ولم يوجد الاقرار بالالوهية. كالواقع من مشركي العرب ولوجدان هذا المعنى استفاض في القرآن نصب ادلة الربوبية ارغاما للمشركين بتكذيب دعواهم في توحيدهم الربوبية فانهم اذا كانوا يقرون بالربوبية لزمهم حينئذ ان يقروا لله عز وجل بالعبادة والالوهية فان الربوبية قنطرة الالوهية. اي يرادوا منها الوصول الى الاقرار بالالوهية لله سبحانه وتعالى فمعرفة ربنا عز وجل بالربوبية لا تكفي بما يجب من حقه بل هي مفضية الى الحق الاعظم وهو الاقرار له سبحانه وتعالى بالالهية والعبودية وذكر ابن الوزير في ترجيح اساليب القرآن على اساليب اليونان ان في القرآن خمس مئة اية في الربوبية ونقله عن صاحب كتاب مذاهب السلف وامتلاء القرآن بتقرير هذا المعنى اريد منه الزام المشركين بتوحيد الالهية والعبادة. وان من اثبت له الخلق والملك والرزق والتدبير وغير ذلك من افراد الربوبية هو حقيق وحده لا شريك له بالاقرار بان ان العبادة والالوهية لا تكون الا له ثم ذكر ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ان عامة المشركين اقروا بان الله خالق كل شيء واثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وجعلوا له انجادا. فاعتقادهم بالشفعاء والانداد دال على الاقرار منهم بان الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر الرازق فهؤلاء الشفعاء والانداد هم كما يزعمون شركاء لله سبحانه وتعالى ووسطاء عنده فاتخذوهم لنية الشفاعة والتقرب الى الله سبحانه وتعالى فقالوا ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى. وقالوا هؤلاء وقالوا هؤلاء شفعاء هؤلاء عند الله وهذا يتضمن اقرارهم بالله سبحانه وتعالى ربا. فهم يثبتون ربوبية الله عز وجل لكنهم اتخذوا هؤلاء شفعاء ووسائط عند الله سبحانه وتعالى. وذكر ابو العباس رحمه الله تعالى جملا من الاي الدالة على اثباتهم الشفعاء والانداد المتضمن اثباتهم ربوبية الله سبحانه وتعالى كقوله تعالى ام اتخذوا من دون الله شفعاء الاية وقوله ومن الناس من يتخذ من دون الله ادادا يحبونهم كحب الله ثم قال رحمه الله ولهذا كان من اتباع هؤلاء اي من المقرين بان معنى الاله هو القادر على الاختراع من يسجد للشمس والقمر والكواكب ويدعوها ويصوم وينسك لها ويتقرب اليها ثم يقولون ان هذا ليس بشرك انما الشرك اذا اعتقدت انها اذا اعتقدت انها المدبرة لي فاذا جعلتها سببا واسطة لم اكن مشركا فهؤلاء اي لا يعرفون من معنى الشرك الا ما تعلق بالربوبية فاذا وجد معنى الاعتقاد في الربوبية بان غير الله هو المدبر الرازق الخالق وجد الشرك عنده فان خلا اعتقادهم من ذلك لا يكون ذلك عندهم شركا وان جعل شيئا من عبادته لغير الله عز وجل فهم يلازم بين الشرك في الربوبية والشرك في الالوهية. فيزعمون ان اصل الشرك في الالوهية هو الشرك في الربوبية وان من جعل شيئا من العبادة لغير الله عز وجل دون اعتقاد كون ذلك المعبود خالقا مدبرا رازقا تثبت له معاني الربوبية فهذا لا يسمى عندهم شركا. وبنوه على الاصل للمتقدم في تفسير الاله انه القادر على الاختراع فان خلا من هذا المعنى فلا يكون ذلك عندهم شركا بل انما يكون عند من يراه مخالفا للدلائل الشرعية منكرا وظلما وحراما لكنه لا يبلغه الشرك لزعمه ان الشرك لا يكون الا مع اعتقاد الربوبية. فهذا الاعتقاد المخالف للشرع بني على التفسير المنحرف بمعنى الاله. قال ابو العباس ومن المعلوم بالاضطرار من دين اسلامي ان هذا كرك اي اذا وقع العبد بجعل شيء من العبادة لله عز وجل فانه واقع في الشرك ولو لم يعتقد ان ذلك المعبود له الخلق والرزق والملك والتدبير ونعش هذا القول باخرة ممن كتب في حقيقة التوحيد والشرك وتوهم انه يبنيه على الدلائل الشرعية وهو انما يبنيه على القواعد المنطقية الفاسدة التي نشأ منها الغلط في توحيد العبادة فان من اسباب زيغ الخلق في توحيد العبادة خشو علوم المنطق والفلسفة بينهم التي سرت اليهم من علوم من تقدمهم من الامم من اليوناني وغيرهم. ثم شاعت في بيان الحقائق الشرعية حتى انحرف من انحرف في الحقائق الشرعية في توحيد الربوبية وتوحيد الالوهية وتوحيد الاسماء والصفات ومن مثل انحرافهم في حقائق الالوهية ما ذكرت لك انفا من قول من يقول انه لا شرك بالالوهية الا بشرك في الربوبية. فان خلا الشرك من معنى الربوبية لم يكن جعل العبادة شركا فان هذا معنى باطل مبني على قول من يقول ان الاله هو القادر على الاختراع ثم قال ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى والاله هو المستحق للعبادة بخلاف من لا يشهد الا ربوبيته ومشيئته وقدرته او مجرد احسانه ونعمته فانهما مشهدان ناقصان قاصران وانما يقتصر عليهما من نقص علمه بالله وبدينه اللذيذ بعث به رسله وانزل به كتبه كأهل البدع من الجهمية والقدرية الجبرية والقدرية المعتزلة وشهود ربوبيته وقدرته ومشيئته مع شهود رحمته واحسانه وفضله مع شهود الهيته ومحبته ورضاه وحمده والثناء عليه ومجده هو مشهد اهل العلم والايمان من اهل السنة والجماعة وانتظم في هذا الكلام ان مشاهد الخلق فيما يتعلق بحق الله ثلاثة احدها مشهد من يشهد ربوبية الله سبحانه وتعالى وقدرته ومشيئته مشهد من يشهد ربوبية الله وقدرته ومشيئته فقط وثانيها مشهد من يشهد احسانه وفضله وانعامه مشهد من يشهد احسانه وانعامه وفضله فقط وثالثها مشهد من يشهد ربوبيته وقدرته ومشيئته مع رحمته واحسانه وفضله مع الهيته ومحبته ورضاه وحمده فالمشهدان الاولان ناقصان قاصران لقيامهما ببعض حق الله سبحانه وتعالى اما المشهد الثالث فهو المشهد الكامل المأمور به شرعا وهو مشهد اهل العلم والايمان من اهل السنة والجماعة فانهم يعرفون الله سبحانه وتعالى بربوبيته وقدرته ويعرفونه سبحانه باحسانه ورحمته ويعرفونه سبحانه بعبادته والهيته فاجتماع هذه المعاني سير مشهدهم كاملا لوفائه بما يجب شرعا في حق الله عز وجل وتابع المصنف رحمه الله تعالى النقل عن جماعة من اهل العلم كابي العباس ابن تيمية الحفيد وابي عبدالله ابن القيم شدة الحاجة الى بيان ما يلزم من توحيد الالهية والكمال في التصنيف الاقلال من النقل فانه ليس المراد من التصنيف الكامل ان يجمع المرء كلام الخلق من ها هنا وها هنا وانما تستكثر من النقل اذا احتيج اليه في تأييد معنى وتقويته او تزيين في باطل ونسفه واما ما عدا ذلك فان كمال التصنيف ان يبين الانسان ما رامه من حقائق العلم بكلام بين واضح لا يطيل فيه المتابعة بين النقول تطويلا دون حاجة مما ينقص به قدر تصنيف الماء. اما اذا وجدت الحاجة فلا بأس حينئذ من تكثير هذه النقول بل ربما تعين ذلك اذا توقف الافهام او كشف الشبه على ذكر كلام اهل العلم رحمهم الله تعالى. فما تراه في كتب ائمة الدعوة الاصلاحية في جزيرة العرب من استكثار من النقل عن علماء كل مذهب في باب التوحيد عن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة اوجبه انحراف الناس في باب توحيد العبادة حتى نسب الى هؤلاء الائمة المتبوعين المعظمين عند الناس كابي حنيفة ومالك والشافعي احمد ما هم ورأوا منه مما يتعلق بتوحيد الالهية والعبادة نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين اجمعين قال المصنف رحمه الله تعالى وقول الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون قال الشارح الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله تعالى بالجر عطف على التوحيد ويجود الرفع على الابتداء قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى العبادة هي طاعة الله بامتثال ما امر الله به على السنة الرسل. وقال ايضا العبادة اسم جامع لكل لما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة. قال ابن القيم رحمه الله تعالى ومدارها على خمسة عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية وبيان ذلك ان العبادة منقسمة على القلب واللسان والجوارح والاحكام التي للعبودية خمسة واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح. وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح قال القرقبي رحمه الله تعالى اصل عبادة التذلل والخضوع وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات. لانهم يلتزمونها ويفعلون خاضعين متذللين لله تعالى ومعنى الاية ان الله تعالى اخبر انه ما خلق الانس والجن الا لعبادته فهذا هو الحكمة في خلقهم قلت وهي الحكمة الشرعية الدينية. قال العماد ابن كثير رحمه الله تعالى وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور وذلك هو حقيقة دين الاسلام لان معنى الاسلام الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع انتهى. وقال ايضا في تفسير هذه الاية ومعنى الاية ان الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له. فمن اطاعه جازاه اتم عيونا عصاه عذبه اشد العذاب. واخبر انه غير محتاج اليهم بل هم الفقراء اليه في جميع احوالهم وهو خالقهم صديقهم قال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه في الآية الا لأمرهم ان يعبدوني وادعوهم الى عبادتي وقال مجاهد رحمه الله تعالى ان لامرهم وانهاهم اختاره الدجاج وشيخ الاسلام. قال ويدل على هذا قوله تعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى. قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤمر ولا ينهى قال في القرآن في غير موضع اعبدوا ربكم وقوله اتقوا ربكم فقد امرهم بما خلقوا له وارسل الرسل بذلك هذا المعنى هو الذي قصد بالاية قطعا وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالاية عليه. قال وهذه الاية تشبه قوله تعالى وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله. ثم قد يطاع وقد يعصى. وكذلك ما خلقهم الا لعبادته ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون وهو سبحانه لم يقل انه فعل الاول وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم الثاني. وهو عبادته. ولكن ذكر الاول ليفعلوهم فيكونوا هم الفاعلين له. فيحصل لهم بفعله سعادتهم ويحصل ما يحبه ويرضاه منهم ولهم. انتهى. ويشهد ولهذا المعنى ما تواترت به الاحاديث فمنها ما اخرجه مسلم في صحيحه عن انس ابن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يقول الله تعالى لاهون اهل النار عذابا. لو كانت لك الدنيا وما فيها اكنت مفتريا بها؟ فيقول نعم فيقول قد اردت منك اهون من هذا وانت في صلبها قال ولا ادخلك النار فابيت الا الشرك فهذا المشرك قد قال فما اراده الله تعالى منه من توحيده والا يشرك به شيئا فقال فما اراده الله منه فاشرك وهذه هي الارادة الشرعية الدينية كما تقدم. فبين الارادة الشرعية الدينية والارادة الكونية قدرية عموم وخصوص مطلق. يجتمعان في حق مخلص المطيع وتنفرد الارادة الكونية القدرية في حق عاصي. فافهم تنجو به من جهالات ارباب الكلام وتابعيهم. بيان هذه الجملة من جهتين الجهة الاولى احاد مفرداتها والجهة الثانية نظم سياقها فاما الجهة الاولى وهي احاد مفرداتها فقوله العبادة اسم جامع الجامع هو المحتوي افرادا متعددة هو المحتوي افرادا متعددة وقوله سميت وظائف الشرع اي ما رطب شرعا فالوظيفة هي المرتب المعين ومنه سمي التزام الانسان بعمل وظيفة لانه يدأب على التزامه بترتيب معين واصله عنده فيما سلف ما كان يقدر للانسان من العطاء من طعام او رزق ثم استعمل هذا المعنى في الواقع في حال الناس اليوم وهو يرجع الى اصل الترتيب وقوله قال العماد اي عماد الدين فجعلت عوضا عن الاضافة وهذا من طرائق اختصار الالقاب فهم يقولون العماد يريدون عماد الدين والتقي يريدون تقي الدين والوجيه يريدون وجيه الدين والالقاب المضافة الى الدين من محدثات العجم التي سرت الى العرب واقل احوالها الكراهة لما فيها من التزكية واعظام النفس وكان الكمل من اهل العلم يكرهون ذكرهم بها وان سماهم اهلهم بهذه الالقاب ومن المأتور عن ابي زكريا النووي انه كان يكره ذلك وينهى عنه وكذا قال ابو العباس ابن تيمية في الاعتذار عن لقب تقي الدين انما سماني به اهلي اي فاشتهر به رحمه الله تعالى فلم يكن يرضاه ولا يرغب فيه فهي الفاظ تنبغي مجانبتها وتركها ولم تكن العرب تتمدح بالالقاب لان اللقب انما يعوز الناقص الضعيف اما الكامل فهو عنه غني ولهذا استغنى جمهور الكملي من الخلق عن الالقاب الا ما جعله لهم الشرع فانت لا تجد في خطاب الشرع استفاضة فيما جعل للنبي صلى الله عليه وسلم من القاب سوى ما دل على غاية ارساله من الرسالة والنبوة والعبودية. ولا ترى في اصحابه ذكرا بهذه قال فانهم يذكرون ولا يجعل بين ايديهم لقب معرف لهم. لانهم كملوا اغنوا عن الالفاظ ونقص غيرهم فاحتاج الى الالقاب وصار يرغب فيها واعظم ما كانت العرب تتطلع اليه وتعتني به هو الكنى فكانوا يرون ان ذكر الرجل بكنيته اعظام له. فكانوا يخاطبون عظماءهم وكبراءهم لكناهم ولا يباشرونهم باسمائهم. كما انهم لا يجعلون لهم القابا يعظمونهم بها وهذا المعنى هو المراد في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه النسائي وغيره عن انس قولوا بقولكم او ببعض قولكم يعني ما اصطلحتم عليه من المخاطبة لكبرائكم دون زيادة على ذلك وقوله وترك المحظور اي الممنوع والمراد به المنهي عنه شرعا وهو المكروه والمحرم فالحظر هو المنع واستعمل في كلام اهل العلم لاجل المجانسة في السجعة مع المأمور والا فاصله في الشرع هو النهي الذي يرجع الى التحريم او الكراهة وقوله في الصفحة الثالثة عشر بعد المئة ويشهد لهذا المعنى ما تواترت به الاحاديث اصله التواتر الكثرة والتتابع ثم استعمل عند المحدثين على من على ما روي من طرق بغير حصر ما روي من طرق بغير حصر ودل على صدقه بنفسه ودل على صدقه بنفسه واثبات التواتر في عرف المحدثين مقرر عند اهل السنة والجماعة وانما يبطل منه بعض المعاني التي ادعاها من ادعاها وادخلوها في حقيقة التواتر وليست كذلك ذكر هذا ابو العباس ابن تيمية الحفيد ويوجد استعمال التواتر في كلام جماعة من المحدثين الاول كابي عبدالله البخاري وابي بكر ابن خزيمة رحمهما الله واما الجهة الثانية وهي نظم سياقها فان المصنف رحمه الله تعالى شرع يبين ما ذكره امام الدعوة رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد من قوله وقول الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وابتدى بيانه بذكر الحكم الاعرابي لقوله وقول الله تعالى فذكر فيه وجهين احدهما الجرو وهو الخفض عطفا على التوحيد اي على قول المصنف كتاب التوحيد فانه واقع حينئذ مضافا اليه وحكمه الجر فاذا عطب عليه جعل للمعطوف عليه حكمه جعل للمعطوف حكم المعطوف عليه فصار مجرورا والثاني الرفع على الابتداء باستئناف الكلام فكأن المصنف ابتدأ كلاما جديدا فقال وقول الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون في رفع على الابتدائي حين اذا ويجوز به ايضا الاسكان على ارادة الوقف عن الحكم تبعا لما عطف عليه او النصب عطفا مع بقاء الحكم في نزع الخافظ وهما وجهان فيهما ضعف فالوجه بل وجهان المشهوران في الاعراب هما الجر والرفع على ما تقدم بيانه وذكر الوجوه النحوية في بيان الحقائق العلمية يؤخذ منه ما يحتاج اليه دون وقوف على جميع افراده لئلا يستحيل البيان كتابا نحويا يذهب باصل منفعة العلم المراد بيانه. فيكتفى منه بما يبين ما احتيج اليه. واما الزائد فيعطل ويترك القول فيه الى محله من بيان الحقائق النحوية هذه هي جادة اهل العلم وهي مفارقة لجادتين احداهما جادة من لا يذكر من النحو شيئا ولا يورد منه خبرا ولا خبرا والجادة الثانية جادة من يملأ بيان الحقائق العلمية في غير النحو بالوجوه والاقوال النحوية ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى حقيقة العبادة نقلا عن جماعة من اهل العلم. وموجب تفسير النقل ما سبق. وقوع الغلط في باب توحيد العبادة حتى الدعي ما ادعي على الداعين اليه من انهم مفارقون لما عليه اهل العلم من السابقين فتكريما لهذه المقالة وتزييفا لهذه الدعوة. دأب علماء الدعوة الاصلاحية على ذكر كلام المتكلمين في هذه المعاني من العلماء السابقين وابتدأ المصنف رحمه الله تعالى بيان حقيقة العبادة بما ذكره عن ابي العباس ابن تيمية الحفيد المذكور في قوله قال شيخ الاسلام فان المصنف رحمه الله تعالى تابع في هذا الاصطلاح اصله وهو تيسير العزيز الحميد. الذي نوه مصنفه في دبادة كتابه انه اذا اطلق فقال شيخ الاسلام فانه يريد ابا العباس احمد ابن تيمية الحبيب فاذا وقع ذكر لهذا اللقب فانه مجعول في هذا الكتاب في ابي العباس ابن تيمية الحفيد وقد قال في بيان حقيقة العبادة العبادة هي طاعة الله بامتثال ما امر الله به على فالسنتي الرسل فاصل العبادة يرجع الى ثلاثة امور احدها كونها طاعة لله عز وجل فان من اطاع الله عبده وثانيها كون تلك الطاعة تقع بامتثال امر الله كون تلك الطاعة تقع بامتثال امر الله فلا تقعوا بامتثال الرأي او الهوى وهذا معنى قوله رحمه الله في مقام اخر والله امرنا ان نعبده بما شرع لا بالاهواء والبدع والله امرنا ان نعبده بما شرع لا بالاهواء والبدع انتهى كلامه وثالثها ان سبيل معرفة المأمور به هو ما جاءت به الرسل ان سبيل معرفة ما امر به هو ما جاءت به الرسل ثم اردف ذلك بنقل اخر عنه فقال وقال ايضا العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة وهذا بيان في حقيقة العباد عبادتي باعتبار المفعول اي الذي يكون فيها فيصير الشيء عبادة اذا كان مفعولا موافقا لما احبه الله سبحانه وتعالى ورضيه من الاقوال والاعمال الظاهرة والباطنة فمثلا اذا صلى العبد لله كانت صلاته عبادة لان هذه الصلاة من محاب الله اراضيه وهذا المولد الذي ذكره ابو العباس وهو الاعتداد بالمفعول في بيان حقيقة العبادة جادة قويمة صحيحة ولما قصر فهم من لم يفهم اعترض على هذا الحد فزعم انه غير واف لان ذلك المتكلم جعل مدار نظره الفعل وغفل عن المفعول وهذا وذاك كلاهما طريق صحيح لبيان الحقائق الدينية وغيرها وان كان الاولى حد العبادة على وجه اكمل ان يأتي ذكره لكن لا يقتضي ذلك المعنى الكامل تزييف ما ذكره. ابو العباس ابن تيمية ابطاله لكن يقال هو حد صحيح الا ان غيره في الكشف عن ماهية العبادة اتم وبه تعلم ان الحدود المذكورة في كلام اهل العلم تتفاوت في وفائها ببيان تلك الحقيقة. تفاوتا لا يقتضي لزوما صحة احدها وبطلان غيره. وان وجد هذا في جملة منها. فانه يوجد تارة حد صحيح وحد باطل لكن يوجد ايضا تارة اخرى حج صحيح وحد اصح و نفوذ النظر في ذلك يكون باعتبار ما يفتح على العبد من المعرفة بحقائق الشرع والحلق في معرفة كلام العرب الذي وضعت عليه الحقائق الشرعية بين الحقائق الشرعية مبنية على اصول كلام العرب بما ذكر في الشرع من تلك الحقائق واذا تقررا هذا فان العبادة هي تأله القلب بالحب والخضوع فان العبادة هي تأله القلب بالحب والخضوع وهي نوعان احدهما عبادة توحيدية وهي تأله القلب بالحب والخضوع لله وهي تأله القلب بالحب والخضوع لله والاخر عبادة شركية وهي تأله القلب بالحب والخضوع لغير الله وهي تأله القلب بالحب والخضوع لغير الله فالعبادات في الوجود كيفما دارت لا تخرج عن النوعين المذكورين. فاما ان تكون العبادة توحيدية بان يتأله القلب حبا وخضوعا لله او تكون شركية بان يجعل هذا التأله بالحب والخضوع لغير الله سبحانه وتعالى وهذا البيان المتقدم هو للعبادة باعتبار اصلها الكلي اما باعتبار العبادة المطلوبة شرعا فان العبادة المطلوبة شرعا هي التوحيدية فقط فاذا اريد بيان العبادة شرعا قيل هي تأله القلب بالحب والخضوع لله لان هذا القدر هو المراد من العبد وهذه الحقيقة للعبادة هي العبودية الخاصة فان العبودية نوعان احدهما عبودية عامة وهي عبودية جميع الخلق لله عز وجل بالغلبة والقهر فهم عباد لله بالربوبية والاخر عبودية خاصة وهي عبودية الحب والخضوع وهي عبودية الحب والخضوع وهذه عبودية الالوهية وتسمى عبادة الفرق بين العبودية والعبادة ان العبودية اعم فتتعلق بجميع الخلق من وجه وهو العبودية الكونية العامة وتتعلق ببعض الخلق خاصة من وجه وهي عبودية الالهية التي تسمى عبادة اشار الى هذا الفرض ابو عبد الله ابن القيم في مدارج السالكين وعبدالله ابا بطين في جواب له مذكور في الدرر السنية فاذا سئلت عن الفرق بين العبودية والعبادة اخبرت بان العبادة فرض من افراد العبودية تختص بالعبودية الخاصة التي هي عبودية الالهية والعبادة الشرعية المأمور بها لله سبحانه وتعالى نوعان والعبادة الشرعية المأمور بها لله سبحانه وتعالى نوعان احدهما عبادة شرعية عبادة شرعية وهي تأله القلب لله بالحب والخضوع باتباع الشرع تأله القلب لله بالحب والخضوع باتباع الشرع والاخر عبادة بدعية عبادة بدعية وهي تأله القلب بالحب تأله القلب لله بالحب والخضوع بمخالفة الشرع بمخالفة الشرع بان يكون العابد واقعا في البدع فعبادة المبتدع باعتبار جعلها لله سبحانه وتعالى تألم صحيح لكن بالنظر الى ايقاعه العبادة على وجه لم يأذن به الشرع تكون عبادته باطلة لانها عبادة بدعية ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلام ابي عبد الله ابن القيم ببيان ما تدور عليه العبادة فقال في مدارج السالكين ومدارها على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية وبيان ذلك ان العبادة منقسمة على القلب واللسان والجوارح اي كائنة بالقلب واللسان والجوارح فتوقع العبادة تارة للقلب فتكون عبادة قلبية وتوقع تارة باللسان فتكون عبادة لسانية وتوقع تارة للجوارح وتكون عبادة واقعة بها منسوبة والمراد بالجوارح الاركان التي هي الات العبد من يد وقدم ونحوهما مما يوقع العبد به العبادة سميت جوارح لان العبد يجترح بها العمل. اي يكتسب بها العمل فتذكر تارة باسم الجوارح وتذكر تارة باسم الاركان فهما لفظان متحدان في المسمى يدلان على شيء واحد لكن مع اختلاف دلالتهما عليه فان الات العبد التي يوقع بها فعله سميت جوارح باعتبار انه يجترح بها ويكتسب وسميت اركانا باعتبار ان العبد مركب من تلك الالات. والمعنى الاول يرجع الى الوضع اللغوي والمعنى الثاني يرجع الى الوضع العقلي والمقصود ان تعرف ان العبادة تقسم على ثلاثة القلب واللسان والجوارح ثم بين ان احكام العبودية تتعلق بخمسة امور. فقال والاحكام التي للعبودية خمسة واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح. فهذه خمسة احكام تكون بتلك الموارد الثلاثة المتقدمة فإذا ضربت الثلاثة في الخمسة كان ناتجها خمس عشرة قاعدة فمثلا الواجب يكون تارة بالقلب كالتوكل ويكون تارة باللسان قول لا اله الا الله وتارة بالجوارح لا الصلاة وقل مثل ذلك في سائر الانواع وقول ابي عبدالله ابن القيم والاحكام التي للعبودية خمسة عدول عما يذكره اكثر الاصوليين من تسميتهم تلك الاحكام بالاحكام التكليفية وعدل ابو عبد الله ابن القيم عن قولهم لما يكتنف الاحكام التكليفية من اعتقاد باطل فان اسم التكليف اجنبي عن الكتاب والسنة لا يوجد بالمعنى الذي ادعي له عند الاصوليين ومبناه عند القائلين به على نفي الحكمة والتعليل عن افعال الله عز وجل فانهم يزعمون ان فعل الله سبحانه وتعالى لا يكون عن حكمة وعلة لما توهموه من ان اثبات الحكمة والتعليل في افعال الله يوهم نقصه واحتياجه عز وجل اذا خلقه وهو مذهب باطل مردول بدلائل الكتاب والسنة المثبتة الحكمة والتعليل بافعال الله سبحانه وتعالى فلما نفى هؤلاء الحكمة والتعليل عن افعال الله عز وجل انتظم في هذا النفي نفي الحكمة والتعليل في الامر والنهي فصار حينئذ تكليفا يجعل على العبد ليس لحكمة ولا لعلة. اشار الى هذا المعنى ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابو عبد الله ابن القيم رحمهما الله تعالى ثم اتبع المصنف النقل المتقدم عن ابن القيم بنقل عن ابي عبدالله القرطبي صاحب التفسير بين فيه حقيقة العبادة فقال اصل العبادة التذلل والخضوع والمراد باصلها المعنى الذي ترجع اليه رجوعا كليا لا تستوي فيه جميع الافراد وقد ذكر بعض اهل العربية ان العبادة والخضوع والتذلل معان متقاربة اي ترجع الى اصل في الوضع اللغوي عام لكن بينها فرق واذا ذكر واحد منها لبيان اخر فانما يذكر تقريبا كالواقع في كلام بعض اهل العربية العبادة عند العرب التذلل لا يراد بها انها تكون كذلك من كل وجه. وانما على وجه التقريب وذكر ذلك للتقريب سائغ لكنه لا يكون موافقا لما ينبغي من تمام الفهمي والافهام لهذه الحقيقة عند العرب فاذا قيل حينئذ العبادة التذلل فالمراد التقريب اما في التحقيق فان العبادة لا تكون ذلا وممن اشار الى الفرق بين العبادة والذل ابو هلال العسكري في كتاب الفروق اللغوية. وبين ان الذل يتضمن الاكراه فيقع كرها وهذا المعنى لا يناسب اصل العبادة الشرعية العبادة الشرعية انما تكون بحب وخضوع ولذلك ذكر في غير هذا المقام ان العبادة تكون بمعنى خاص امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع وهذا ايضاح العبادة التوحيدية التي ذكرناها انفا من انها تأله القلب لله بالحب والخضوع. فان حقيقة هذا التأله هي امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع وبينا وجه العدول عن ذكر الذل الى ذكر الخضوع لامرين احدهما موافقة الخطاب الشرعي فان المذكور في الخطاب الشرعي هو الخضوع دون الذل فان الخضوع يكون شرعيا دينيا وقدريا كونيا فيتقرب به الى الله حال كونه شرعيا دينيا واما الذل فلا يكون الا كونيا قدريا فلا يتقرب الى الله سبحانه وتعالى به وهذا هو المذكور في الاحاديث النبوية ومنها حديث ابي هريرة عند البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا قضى الله الامر من السماء ضربت الملائكة خضعانا لقوله وضرب الملائكة بالاجنحة خضوعا عبادة لله سبحانه وتعالى. وثبت عند البيهقي باسناد صحيح في قنوت عمر انه قال ونؤمن لك ونؤمن بك ونخضع لك ولم يأتي في كلام السلف من الصحابة والتابعين واتباع التابعين ذكر الذل في هذا المقام وانما كانوا الخضوع والاخر ان الذل يتضمن نقصا وفي ذلك محظوران اولهما ان قلب الدليل فارغ من الاقبال على الله الذي هو حقيقة العبادة ان قلب الذليل فارغ من الاقبال على الله الذي هو حقيقة العبادة وثانيهما ان الذل يذكر في خطاب الشرع في حال الامتهان و الايلام قال الله تعالى خاشعين من الذل في اية اخرى في هذا المعنى. وليس في كتاب الله عز وجل خلاف ذلك مما يدل على ان الذل يكون كمالا. فاصل الذل اذا ذكر هو نقص يخالف كمال الحال الذي تورثه العبادة وبه تعلم وجه العدول بقولنا عند بيان حقيقة العبادة الشرعية هي امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع ان موجبه هو رعاية هذين الامرين الذين دل عليهما خطاب الشرع تفصيلا واجمالا. وتعلم ايضا ان الخضوع شيء والذل شيء. وان الفرق بينهما معروف عند اهل العربية واذا ذكر احدهما بيانا للاخر فانما هو على وجه التقريب لا انه يقع موقعه من كل وجه ثم ذكر القرطبي رحمه الله تعالى ان وظائف الشرع اي ما رتب من الشرع على المكلفين اي العباد عبادات لانهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى فسميت العبادة عبادة لما فيها من الخضوع على ما تقدم بيانه وقوله هو وغيره على المكلفين الموافق للخطاب الشرعي ان يقال على العباد فان الله امرهم العبادة وسماهم عبادا فيسمون بهذا اغثنا. اما التكليف ففيه ما فيه مما تقدم ذكره ثم قال المصنف رحمه الله ومعنى الاية ان الله تعالى اخبر انه ما خلق الانس والجن الا لعبادته فهذا هو الحكمة في خلقهم اي ان الانس الجن مخلوقون لاجل عبادة الله عز وجل فخلقهم هو الحكمة فهو فامرهم بالعبادة هو الحكمة من خلقهم وهذه الحكمة هي تعليل غاية لا تعليل علة والفرق بينهما ان تعليل الغاية قد يقع منهما طلب منهم وقد لا يقع اما تعليل العلة فانه لا بد من وقوعه ولا تنفك فيه العلة عن معلولها وهو المراد عند الفقهاء في قولهم الحكم يدور مع علته جودا وعدم اما تعليل الغاية فربما وجد ما اريد من الحكم وربما لم يوجد كامر الله عز وجل الخلق بالعبادة وخلقهم لها فانهم قد يعبدون الله وقد لا يعبدونه وهذه الحكمة المذكورة بين المصنف رحمه الله تعالى انها الحكمة الشرعية الدينية فقال قلت وهي الحكمة الشرعية الدينية والاصل فيما ابتدأه بقوله قلت انه من زوائده على تيسير العزيز الحميد فهو ينوه باشياء يذكرها زيادة على تيسير العزيز الحميد في ابتداء قوله قلت فهو يذكر في هذه الجملة ان الحكمة المذكورة حكمة شرعية دينية لان الحكمة الالهية نوعان احدهما الحكمة الكونية القدرية الحكمة الكونية القدرية والاخر الحكمة الشرعية الدينية الحكمة الشرعية الدينية ومن الافراد المنتظمة في الحكمة الشرعية الدينية ان الله خلق الخلق لاجل عبادته قال المصنف نفسه في قرة عيون الموحدين عند هذه الاية دلت الاية على ان الله خلق الخلق لحكمة عظيمة وهي القيام بما وجب عليهم من عبادته وحده وترك عبادة ما سواه ففعل الاول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهي العبادة انتهى كلامه فالخلق مخلوقون لاجل عبادة الله وخلقهم لها يتضمن امرهم بها فانهم لاجلها خلقوا فتكون الاية دالة على ان الخلق مخلوقون للعبادة بلفظها وانهم مأمورون بها بلازمها فيجتمع في الاية الدلالة على معنيين احدهما ان الخلق مخلوقون للعبادة والاخر ان الخلق مأمورون بالعبادة فالاول دلت عليه الاية بلفظها والثاني دلت عليه الاية بلازمها ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلاما ل عماد الدين ابي الفداء اسماعيل ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى في تفسيره قال فيه وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور وذلك هو حقيقة دين الاسلام لان معنى الاسلام الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع وهذا الكلام المنقول عن ابن كثير اريد منه معنى قوله لا نصه هذا من فرائض اهل العلم فيما ينقلونه فانهم لا يلتزمون ان يكون بلفظه بكتبه وانما يكون بالمعنى ويكثر هذا كلام ائمة الدعوة ولا سيما الامام محمد ابن عبد الوهاب فانه ربما قال قال فلان لا يريد انه بلفظه لكن يريد انه بمعناه فتكون قال بمعنى ذكر على وجه التوسع في المعنى فربما كانوا لقلة الكتب يكتبون من حفظهم فيذكرونه على ارادة المعنى عنده لا بلفظه او انهم كانوا يرون ان في ذكر اللفظ تطويلا تضيق عنه الاوراق مع قلة وجودها في البلاد النجدية فيكتفون بتلخيص المعنى مع عزوه اليه فما وجدت من نقل في كتبهم لا يطابق اللفظ المعزو الى احد فلا تسارع الى تغليطهم بل انظر الى الاصل الذي اعتمدوه وهو الاعتداد بالنقل بالمعنى لاجل داع من الدواعي التي ذكرناها او غيرها من موجبات ذلك وفيما ذكر عنه بيان ان عبادة الله عز وجل ترجع الى الطاعة التي تتعلق بفعل المأمور وترك المحظور وهو الممنوع منه شرعا وهذا بيان للعبادة باعتبار طرد من اجل افرادها والا فمما يلزم ذكره اتماما ايضا التصديق بخبر الشرع لان حكم الله سبحانه وتعالى نوعان احدهما حكم خبري والاخر حكم طلبي فالحكم الخبري يقع امتثاله بالتصديق والحكم الطلبي يرفع امتثاله بفعل المأمور وترك المحظور وهذه الطاعة هي كما قال حقيقة دين الاسلام اي التي يتحقق بها الدين الذي اراده من اراده الله من الخلق ووجه ذلك قوله لان معنى الاسلام الاستسلام لله تعالى فلا يكون المرء عابدا لله عز وجل الا باستسلامه لله وهذا الاستسلام يتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع لله سبحانه وتعالى ثم نقل عنه في تفسير هذه الاية قوله ومعنى الاية ان الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له من اضاعه جازاه اتم الجزاء ومن عصاه عذبه اشد العذاب واخبر انه غير محتاج اليهم لقوله بعد ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون وهذا رد على من زعم ان اثبات العبادة بالحكمة والتعليم يوهم الحاجة وبوبوا بابا عندهم يسمونه باب نفي الاغراض والحاجات يريدون به نفي الحكمة والتعليل لما توهموه من ان اثباتها يتضمن اثبات حاجة الله عز وجل وافتقاره الى وافتقاره الى خلقه وهذا معنى نفاه الله عز وجل بعد ذكره الحكمة من خلق الخلق فقال ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون. فتبرأ من الحاجة الى الخلق فانتفاع الخلق بالعبادة عائد اليهم هم. والله عز وجل مستغن عن عبادتهم. لقول بالفداء بل هم الفقراء اليه في جميع احوالهم وهو خالقهم ورازقهم. قال الله تعالى يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله. والله هو الغني الحميد وهذا الفقر عام في جميع الافراد في الظاهر والباطن فلا يقتصر على تقري حاجة الظاهر من مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك بل اعظم من ذلك حاجة الباطل في دفع ضرورته. فان في الباطن ضرورة بالحب والخضوع لا يملؤها الا حب العبد لله وخضوعه له سبحانه وتعالى ثم ذكر عن علي ابن ابي طالب انه قال في قوله تعالى الا ليعبدون اي الا لامرهم ان يعبدوني وادعوهم الى عبادتي وقال مجاهد اي الا لامرهم وانهاهم. اختاره الزجاج صاحب معاني القرآن وشيخ الاسلام يعني ابن تيمية الحفيد فالمراد من قوله الا ليعبدون الا ليعبدون ايقاع الامر والنهي عليهم اي امرهم فيمتثلون امري وانهاهم فيمتثلون نهي ثم قال قال ويدل على هذا قوله ايحسب الانسان ان يترك سدى؟ قال الشافعي لا يؤمر ولا ينهى ووقع في كلام جماعة من السلف تفسير قوله تعالى الا ليعبدون بقولهم الا ليوحدون وهو المعنى الذي ذكره امام الدعوة في ثلاثة اصول وغيرها وذكرنا ان هذا التفسير للعبادة بالتوحيد له وجهان احدهما انه من تفسير الشيء باخص افراده انه من تفسير الشيء باخص افراده اي اعظمها واعلاها والتوحيد اعظم العبادة لله عز وجل وثانيها وثانيهما انه من تفسير الشيء بما وضع له شرعا انه تفسير الشيء بما وضع له شرعا فان اسم العبادة اذا ذكر في خطاب الشرع فالمراد به التوحيد فقول الله يا ايها الناس اعبدوا ربكم اي وحدوا وحدوه روي هذا عن ابن عباس وذكر البغوي عن ابن عباس ان كل امر في القرآن بالعبادة فهو امر بالتوحيد ولم يذكر له اسنادا ولا رأيته مسندا الا انه معنى صحيح فاذا ذكرت العبادة فالمراد بها توحيد الله سبحانه وتعالى ثم ذكر عن ابي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ان في القرآن في غير موضع اعبدوا ربكم اتقوا ربكم فقد امرهم بما خلقوا له وارسل الرسل بذلك وهذا المعنى هو الذي بالاية قطعا اي اية الذارية وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتاجون ويحتجون بالاية عليه. اي ان المراد منه امتثال امر الله سبحانه وتعالى ونهيه ثم قال ابو العباس ابن تيمية وهذه الاية يعني وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون تشبه قوله تعالى وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ثم قد يطاع وقد يعصى. وكذلك ما خلقهم الا لعبادته. ثم قد يعبدون وقد لا بدون وهو سبحانه لم يقل انه فعل الاول وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم وهو عبادته عبادته. ولكن ذكر الاول ليفعلوا هم الثاني. فيكونوا هم الفاعلين له يحصل لهم بفعله سعادتهم ويحصل ما يحبه ويرضاه منهم ولهم انتهى كلامه. وهو معنى الكلام المتقدم ذكره عن المصنف في قرة عيون في قرة عيون الموحدين انه قال ففعل الاول وهو خلقهم ليفعلوا هم الثاني وهو العبادة ثم قال المصنف رحمه الله تعالى ويشهد لهذا المعنى ما تواترت به الاحاديث اي تواترا معنويا فان التواتر نوعان احدهما تواتر لفظي وهو ورود ذلك على معنى المتواتر المذكور انفا بلفظه والاخر تواتر معنوي وهو وروده على معنى المتواتر المذكور انفا لا بلفظه بل بل بمعناه فتتكاثر الاحاديث النبوية في تقرير معنى ما وان اختلفت الالفاظ المذكورة في خبرها عن هذا المعنى فالاحاديث النبوية متواترة في بيان ان الحكمة من خلق الجن والانس هي عبادة الله سبحانه وتعالى وان الله عز وجل ارادها من الخلق ارادة شرعية دينية ومنها ما في صحيح مسلم وهو عند البخاري ايضا وانما عزاه المصنف الى مسلم لنقله بلفظه عنه. وكان الاولى استيفاء عزوه الى البخاري لان الحديث المخرج فيهما يلزم عزوه اليهما وهو ما اخرجه البخاري ومسلم واللفظ له عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى لاهون اهل النار عذابا لو كانت لك الدنيا وما فيها اكنت مهتديا بها فيقول نعم. فيقول قد اردت منك اهون من هذا وانت في صلب ادم لا تشرك احسبه قال ولا ادخلك النار فابيت الا الشرك فقوله قد اردت منك اي ارادة شرعية كونية ولهذا قال المصنف فهذا المشرك قد خالف فما اراده الله تعالى منه من توحيده والا يشرك به شيئا. فقال فما اراده الله منه فاشرك به غيره وهذه هي الارادة الشرعية الدينية كما تقدم فليست هذه الارادة ارادة كونية قدرية لانها لو كانت ارادة كونية لم تتخلف. لكن لما تخلفت في بعض افرادها فصار من الخلق من يعبد الله ومنهم من لا يعبد الله تعين ان الارادة ارادة شرعية دينية لا كونية قدرية ويبين هذا قول المصنف بعد فبين الارادة الشرعية الدينية والارادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق يجتمعان في حق المخلص المطيع وتنفرد الارادة الكونية القدرية في حق العاصي فهم ذلك تنجو به من جهالات ارباب الكلام وتابعيهم. لان بيان حقيقة الارادة الالهية مما وقع فيه الزلل عند المتكلمين ونشأ من هذا الزلل الغلط في ابواب عدة من الاعتقاد وهدى الله عز وجل اهل السنة والحديث الى الحق فبينوا ان ارادة الله سبحانه وتعالى نوعان احدهما الارادة الكونية القدرية والاخر الارادة الدينية الشرعية والفرق بينهما من وجهين احدهما ان ما كان عائدا الى الارادة القدرية الكونية فلا بد من تحقق وقوعه ان ما كان عائدا الى الارادة الكونية القدرية فلابد من وقوعه فلا يتخلف ابدا اما ما يعود الى الارادة الشرعية الدينية فقد يقع وقد لا يقع فربما كان ثابتا ظاهرا بالامتثال وربما كان متروكا متخلفا بالاهمال والاخر ان الارادة الكونية القدرية تتعلق بمحبوبات الله ومكروهاته على حد سواء. ان الارادة الكونية القدرية تتعلق بمحبوبات الله ومكروهاته على حد سواء اما الارادة الشرعية الدينية فتنحصر في محاب الله ومراضيه اما الارادة الشرعية الدينية فتنحصر في محاب الله ومراضيه واذا تقرر هذان الفرقان بينهما تبين حينئذ ان الارادتين تجتمعان في حق المخلص المطيع وتنفرد الارادة الكونية القدرية في حق العاصي فما وقع من العاصي من تركه عبادة الله سبحانه وتعالى هو من ارادة الله غير خارج عنها لكن وقوعه يرجع الى الارادة الكونية القدرية فوقع عصيانه بارادة الله قدرا وكون لا بارادة الله سبحانه وتعالى شرعا ودينا فان الله لم يرد منه الكفر والعصيان نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وقوله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا والطاغوت قال الشارح رحمه الله تعالى الطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحج قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الطاغوت الشيطان وقال جابر رضي الله عنه طاغية كهان كانت تنزل عليهم الشياطين. رواهم ابن ابي حاتم وقال مالك رحمه الله تعالى الطاغوت كل ما عبد من دون الله قال العباد ابن كثير رحمه الله تعالى الطاغوت الشيطان وما دينه من عبادة غير الله قلت وذلك المذكور بعض افراده وقد حده العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى حدا جامعا فقال الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع. فطاغوت كل قوم من يتحاكمون اليه غير الله ورسوله او يعبدونه من دون الله. او على غير بصيرة من الله او يطيع او يطيع له فيما لا يعلمون انه طاعة لله فهذه طاغية عالمي اذا تأملتها وتأملت احوال الناس معها رأيت اكثرهم اعرض عن عبادة الله تعالى الى عبادة الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم الى طاعة الطاغوت ومتابعته. واما معنى الاية فاخبر تعالى انه في كل طائفة من الناس رسولا بهذه الكلمة ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ان يعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه كما قال تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة مثقالا فصام لها والله سميع عليم وهذا معنى لا اله الا الله فانها هي العروة الوثقى. قال العماد ابن كثير في هذه الاية وكلهم يدعوا الى عبادة الله وانهى عن ما سواه فلم يزل سبحانه يوصل الى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في قوم نوح الذين ارسل اليهم وكان اول رسول بعثهم الله تعالى الى اهل الارض الى ان ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الانس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا اوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. وقال تعالى في هذه الاية الكريمة ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان يعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. فكيف يسوغ لاحد من المشركين بعد هذا ان يقول لو شاء الله ما عبدنا ما دونه منها شيء. فمشيئة الله تعالى الشرعية عنهم منفية لادنى هنا. ومع ذلك على السن رسله. واما مشيئته الكونية هو وهي تمكينهم من ذلك قدرا فلا حجة لهم فيه. لانه تعالى خلق النار واهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر. وله ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة. ولهذا قال فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة. انتهى قلت وهذه الآية وهذه الاية تفسير الاية قبلها وذلك قوله فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة. فتدبر ودلت هذه الاية على ان الحكمة في ارسال الرسل ومعهم الى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه. وان هذا هو دين الانبياء والمرسلين وان اختلفت شريعتهم. كما قال تعالى قل يا جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. وانه لا بد في الايمان من العمل من القلب والجوارح بيان هذه الجملة من جهتين الجهة الاولى احاد مفرداتها والجهة الثانية نظم سياقها فاما الجهة الاولى وهي بيان مفرداتها فقوله الطاغوت مشتق تقدم ان الاستقاق هو رد لفظ الى اخر بمناسبة بينهما في المبنى والمعنى ورد لفظ الى اخر لمناسبة بينهما بالمبنى والمعنى وقوله مجاوزة الحد المراد بالحد هنا منتهى الشيء المراد بالحد هنا منتهى الشيء وقوله قال العماد تقدم انه على حذفي المضاف واجعلي المح له فتقديره قال عماد الدين وسلف بيانه وقوله وقد حده مع قوله حدا جامعا الحج احد المعرفات عند علماء المنطق والفلسفة قال الاخضري في السلم المنورة معرف الى ثلاثة قسم عد ورسم ولفظي علم والمقدم عندهم الحد ومن احسن ما قيل في بيان حقيقته قول الطوسي في تجريد المنطق هو قول يدل على ماهية الشيء بالذات قول يدل على ماهية الشيء بالذات وما يذكر في كتب متأخر المنطقيين من رده الى الخاصة او غيرها لا يبين عنه بيانا شافيا وكما يقال ان كلام الاوائل في العلوم النقلية اكمل فان كلوا كلام الاوائل في العلوم العقلية اكمل ووقع في مواضع عندهم من علومهم مخالفة متأخريهم لما كان عليه متقدموهم من التحقيق فالانتفاع بكتب اوائلهم اكثر وان كانت هذه العلوم لا يحتاج اليها في الاصل وانما يؤخذ منها ما يفسر ما شاع وذاع اما تقصدها بالدرس والتعليم وان تكون اصلا يطلب يفرغ فيه العبد قوته فهذا مما لا ينبغي وانما يأخذ المرء قدرا يسيرا يستعين به على فهم المصطلحات الرائجة في كتب علماء اهل السنة من المتوسطين والمتأخرين ككتب ابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابي عبدالله ابن القيم واضرابهم ممن جاء بعدهم فانه لا يكون فهم مواضع منها الا بمعرفة اصطلاحات مذكورة في العلوم العقلية والترشح لهذا انما يكون في حال المنتهين فلا يرد المرء في علوم العقلية في حال الابتداء. ولا هي من عموم من علوم عموم الخلق وكان علماء قطرنا يدرسون هذه العلوم فكانوا يدرسون السلم المنورق والشمسية والتهذيب لكن لا على قراءة عامة بين الطلبة وانما كانت من العلوم التي يتذاكر فيها المشايخ اذا اجتمعوا وربما قرأ بعض اكابرهم هذه العلوم على من يتقنها اذا وردوا البلد كقراءة شيخنا عمر ابن عبد اللطيف ال الشيخ رحمه الله تعالى كتاب فن المنطق للعلامة الشنقيطي عليه فانه لاجل المقصد المذكور وكذا ابتدأ شيخنا ابن باز قراءة المنطق على الشنقيطي ولم يتمه وتركه رحمه الله تعالى لما كان عليه قلبه من محبة العلوم النقلية والميل اليه ميلا كاملا زهد فيه معه الى النظر في العلوم العقلية وهي علوم كما سلف لا يحتاج اليها فيها اصلا وانما وقعت الحاجة على جهة التبع للمعنى الذي تقدم ذكره انفا وقوله في الصفحة الثامنة عشر بعد المئة فانها هي العروة العروة اسم لما يتعلق به العروة اثم لما يتعلق به وقوله الوثقى اي القوية وهو مؤنث الاوثق واما الجهة الثانية وهي نظم تياقها فان المصنف رحمه الله تعالى شرع يبين معنى قول الله تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت مستفتحا بيانه بذكر حقيقة الطاغوت وانه مشتق من الطغيان اي راجع الى هذا الاصل في لسان العرب وهو عندهم مجاوزة الحد اي تعدي منتهى الشيء. فاذا تعدى منتهى الشيء زائدا عليه على وجه الافراط سمي ذلك طغيانا ورجع اليه اشتقاق الطاغوت ثم نقل رحمه الله تعالى اثرين صحيحين في بيان الطاغوت احدهما عن عمر انه قال الطاغوت الشيطان والاخر عن جابر انه قال الطواغيت كهان كانت تنزل عليهم الشياطين وقول عمر رضي الله عنه هو باعتبار الاطلاق في العرف القرآني فان الجاري في القرآن عند اطلاق الطاغوت مفردا ارادة الشيطان قال الله تعالى والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت اي في سبيل الشيطان وربما جاء اطلاق الطاغوت في القرآن لا على ارادة حصره بالشيطان بل على ارادة معنى اعم يأتي ذكره في كلام ابن القيم ويذل عليه بذكر الفعل مجموعة مع قال الله تعالى والذين كفروا اولياءهم الطاغوت يخرجونه من النور الى الظلمات والطاغوت في هذه الاية لا يقتص بالشيطان واما اثر جابر رضي الله عنه فانه ملازم قول عمر راجع الى المعنى العام فان اصل الطاغوتية من الشيطان ومن ركن اليه واعتمد عليه صار له حظ من هذه الطاغوتية. ومن اولئك الراكنين اليه الكهان الذين تتنزل عليهم الشياطين فصار لهم حظ من الطاغوتية باعتبار اتصالهم بالطاغوت الاعظم وهو الشيطان. ثم اتبع هذين الاثرين بقول مالك الطاغوت كل ما عبد من دون الله بوجود معنى مجاوزة الحد. لان المطلوب من العبد هو ان يعبد الله وحده لا شريك له فاذا عبد من دون الله سبحانه وتعالى فصار معبودا لا عبدا فانه يكون طاغوتا واذا وقعت هذه العبادة برضاه ودعوته فالطاغوتية متحققة فيه فمن دعا الناس الى عبادة نفسه او عبد دون الله عز وجل فهو طاغوت في نفسه اما من عبد من دون الله لا برضاه ولا بدعوته الخلق الى الله فان مرجع الطاغوتية ليس اليه. وانما الى فعل الفاعل للعبادة فمن فعل الفعل بعبادة غير الله عز وجل ممن لم يرضى تلك العبادة ولا امر بها فهو طاغوت باعتبار الفعل اي باعتبار عبادته غير الله سبحانه وتعالى. اما المعبود نفسه فلا يكون طاغوتا كمن عبد الانبياء او الملائكة او الصالحين فان هؤلاء في انفسهم ليسوا طواغيته وانما الطاغوت هو فاعل العبادة الذي جعلها لغير الله سبحانه وتعالى ثم ذكر كلام ابن كثير اذ قال الطاغوت الشيطان وما زينه من عبادة غير الله. وهذا يرجع الى ما تقدم بيانه في ايضاح وجه كلام جابر ابن عبد الله ان الاصل ان الطاغوت هو الشيطان ثم ما اتصل به ورجع اليه صار له حظ من الطاغوتية ثم قال المصنف مبينا وذلك المذكور اي في كلام السابقين بعض افراده اي بعض افراد الطواغيت وقد حده العلامة ابن القيم حدا جامعا وهذا امتداح منه لما ذكره ابن القيم في اعلام الموقعين من حد الطاغوت فهو المقدم في بيان حقيقته عنده فقال الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع فما وقعت فيه المجاوزة مما يرجع الى العبادة او الاتباع او الطاعة فانه طاغوت ثم قال فطاغوت كل قوم من يتحاكمون اليه غير الله ورسوله او يعبدونه من دون الله او يتبعونه على غير بصيرة من الله او يطيعونه فيما لا يعلمون انه طاعة الله فهذه طواغيت العالم اي ما يرجع الى هذا المعنى ينتظم فيه جماع طواغيت العالم ولهذا جعل العلامة سليمان ابن سحمان رحمه الله تعالى انواع الطواغيت ثلاثة احدها طاغوت عبادة وثانيها طاغوت اتباع وثالثها وغوصوا طاعة فالى هذه الانواع الثلاثة ترجع الطاغوتية في العالم ثم قال اذا تأملتها وتأملت احوال الناس معها رأيت اكثرهم اعرض عن عبادة الله تعالى الى عبادة الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم الى طاعة الطاغوت ومتابعته. انتهى كلامه وجماع ما تقدم من القول في بيان حقيقة الطاغوت ان الطاغوت له معنيان وجماع ما تقدم من بيان حقيقة الطاغوت ان الطاغوت له معنيان احدهما معنى خاص وهو الشيطان وهذا المعنى هو المراد عند اطلاق ذكره في القرآن وهذا المعنى هو المراد عند اطلاق ذكره في القرآن وثانيهما معنى عام وثانيهما معنى عام واحسن ما قيل فيه قول ابن القيم ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع وعلامته في القرآن ذكر الفعل معه مجموعة وعلامته بالقرآن ذكر الفعل معه مجموعا لان ذكر الفعل على الجمع يدل على التعدد وتعدد الافراد في الطاغوتية يتحقق بقول ابن القيم كل ما تجاوز به العبد حده من معبود او متبوع او مطاع ثم قال المصنف واما معنى الاية فاخبر تعالى انه بعث في كل طائفة من الناس رسولا بهذه الكلمة ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ايعبد الله وحده واتركوا عبادة ما سواه ولا يراد باجتناب مجرد الترك بل ذكر الاجتناب يراد به شيئا احدهما مباعدة الفعل المذكور معه مباعدة الفعلي المذكور معه والاخر مباعدة الاسباب الموصلة اليه مباعدة الاسباب الموصلة اليه وهذا ابلغ في النهي وامكن في الزجر فلا ينهى العبد عن الفعل المحظور وحده بل ينهى عنه وعما يوصل اليه وهو الواقع في القرآن في المنهيات المعظمة انها تذكر بالاجتناب لا بمجرد الترك والانتهاء عنها فقط فقوله في الاية واجتنبوا الطاغوت ينتظم فيه الامران معا باعدوهم وباعدوا كل سبب يوصل اليه ويدل عليه ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما يدل على تقرير المعنى المذكور في قوله ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فقال كما قال تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة المثقال انفصام لها والله سميع عليم فجمع بين الكفر بالطاغوت والايمان بالله المقابلان الامر بالعبادة واجتناب الطاغوت في الاية السابقة فيكون قوله تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله مفسرا قوله ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فقوله ان اعبدوا الله معناه مذكور في قوله ويؤمن بالله وقوله واجتنبوا الطاغوت مذكور في قوله فمن يكفر بالطاغوت فيكون فتكون عبادة الله للايمان به وتوحيده ويكون اجتناب الطاغوت بالكفر به قال المصنف وهذا معنى لا اله الا الله لان لا اله الا الله تشتمل على النفي والاثبات فهي تنفي عبادة غير الله وتثبت العبادة لله وحده وهذا هو المذكور في قوله ان اعبدوا الله فانه اثبات عبادته وقوله واجتنبوا الطاغوت فانه نفي العبادة عن غير لله سبحانه وتعالى ثم قال فانها يعني لا اله الا الله هي العروة الوثقى وهذا تفسير جماعة من السلف للعروة الوثقى انها لا اله الا الله لما فيها من النفي والاثبات الذي يجعلها بمنزلة علية تكون برتبة ما يتعلق به فينجو المتعلق به حينئذ لقوة تلك العروة وشدتها ومعنى قوله لا انفصام لها اي لا انقطاع لها فلا تنقطع منفعتها عن العبد بالدنيا ولا في الاخرة ثم ذكر كلام ابن كثير رحمه الله في هذه الاية فقال وكلهم يعني الرسل يدعو الى عبادة الله وينهى عن عبادة ما سواه فلم يزل سبحانه يرسل الى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في قوم نوح الذين ارسل اليهم وكان اول رسول بعثه الله تعالى الى اهل الارض يعني نوحا الى ان ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته اي عمت دعوته الانس والجن في المشارق والمغارب. وكلهم كما قال الله تعالى ما اوصلنا بهم قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون وقال تعالى في هذه الاية الكريمة ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فهذه الاية المذكورة عند المصنف يفسرها ايضا قوله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اي انه لا اله الا انا فاعبدوه. فقوله ان اعبدوا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت تفسيرها انه لا اله الا انا فاعبدون فهي تجمع ما فيها من النفي والاثبات ثم قال ابن كثير بعد فكيف يسوء لاحد من المشركين بعد هذا ان يقول لو شاء الله ما بدنا من دونه من شيء اي فهي دعوا كاذبة لا مولد لها لان دعوة الرسل بلغتهم ان يعبدوا الله عز وجل ولا يشركوا به شيئا ثم قال ابن كثير فمشيئة الله تعالى الشرعية عنهم منفية. لانهم نهاهم عن ذلك على السن رسله واما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدرا اي من الكفر والشرك قدرا فلا حجة لهم فيه لانه تعالى خلق النار واهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ولهذا قال فمنهم من هدى الله ومنهم من حقس حقت عليه الضلالة انتهى كلام وفيه بيان الفرق بينما اريد من الخلق شرعا ودينا وما اريد منهم كونا وقدرا فالله سبحانه وتعالى اراد منهم دينا وقدرا التوحيد والايمان ولكن وقع منهم الكفر والعصيان وذلك غير خارج عن ارادة الله بل هو عائد الى الارادة الكونية القدرية ووقع في كلام ابي الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى قسمة المشيئة الالهية الى قسمين احدهما مشيئة شرعية دينية والاخر مشيئة كونية قدرية وهذه القسمة لا وجه لها وهي لا توافق دلائل القرآن والسنة فالمشيئة لا يكون شيء منها شرعي ولا تقسم المشيئة الى شرعية وقدرية ذكر هذا شيخ شيوخنا محمد ابن ابراهيم في مجموع فتاويه وانما الذي يقسم هذين القسمين مما يرجع الى المعنى المقرر هي الارادة فالارادة الالهية نوعان احدهما الارادة الكونية القدرية وتختص بمثل المشيئة الارادة الكونية القدرية وتقتص باسم المشيئة والاخر الارادة الشرعية الدينية وتختص باسم المحبة والرضا وتختص باسم المحبة والرضا وببيان هذا المعنى يبين كلام اب الفداء ابن كثير انه اراد الارادة الكونية ارادة الالهية بقسميها الكونية والشرعية لكنه عبر عن ذلك بالمشيئة فلم يقع موافقا للادلة الشرعية. وذكرنا تنويه العلامة ابن ابراهيم بغلق قسمة المشيئة الى نوعين ثم قال المصنف رحمه الله وهذه الاية تفسير الاية قبلها وذلك قوله فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة اي منهم من وافق الارادة الالهية الشرعية الدينية فكان مهديا ومنهم من لم يوافق هذه الارادة الشرعية الدينية فصار من اهل الضلالة ثم قال فتدبر اي امعن النظر في فهم ذلك وبسط رحمه الله تعالى ما امر به من التدبر في كتاب قرة عيون الموحدين فقال رحمه الله تعالى في كلام نفيس ينبغي ان يلحق بهذا الموضع منه فتح المجيد قال ومنهم من حقت عليه الضلالة فاشرك مع الله غيره بعبادته ولم يقبل هدى الله الذي جاءت به الرسل كما قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه ان انه لا اله الا انا فاعبدون وهذا التوحيد الذي خلقوا له ودعوا اليه هو توحيد الالهية توحيد القصد والطلب واما توحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات وتوحيد الافعال فهو توحيد والاعتقاد واكثر الامم قد اقروا به لله. واما توحيد الالهية فاكثرهم قد جحدوه. كما قال تعالى عن قوم هود لما قال ان اعبدوا الله ما لكم من اله غيره قالوا اجئتنا لنعبد الله وحده وقال مشركوا قريش اجعل الالهة الها واحدا ان هذا لشيء عجاب. وهذه الآية وهي قوله ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان يعبدوا الله اغتنموا الطاغوت تبينوا معنى الاية التي قبلها. وكذلك الايات بعدها. وان المراد بالعبادة التي خلقوا لها هي عبادة خالصة التي لم يلبسها شرك بعبادة شيء سوى الله. كائنا من كان. فلا تصح الاعمال الا بالبراءة من عبادة كل ما يعبد من دون الله تعالى. والله تعالى خلق الثقلين خلق الثقلين ليعبدوه. فمنهم من فعل ومنهم من اشرك وكفر كما قال تعالى في هذه الاية فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فقال تعالى وما من رسول الا ليطاع باذن الله. بين ان حكمة الرب في خلق الجن والانس لا تقتضي ان كلا يفعل ما خلق له وارسلت له الرسل وارسلت الرسل لاجله. ولهذه الحكمة اهلك الله من لم يعبده وحده. ولم يقبل ما جاءت به رسله وشرع قتالهم لنبيه صلى الله عليه وسلم واتباعه. فمنهم من اطاع وهم فاقلوه ومنهم من عصى وهم الاكثرون. انتهى بلفظه من قرة عيون الموحدين. في الصفحة الثانية والتسعين. الى الصفحة الرابعة والتسعين ثم قال المصنف في فتح المجيد ودلت هذه الاية على ان الحكمة في ارسال الرسل دعوتهم ومنهم الى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وان هذا هو دين الانبياء والمرسلين وان اختلفت شريعتهم كما قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وهم باعتبار اصل الدين يدعون الى شيء واحد وهو عبادة الله عز وجل اما باعتبار تفاصيل الشرائع فانهم يختلفون فيما لكل من شريعة ومنهاج وفي الصحيح من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الانبياء اخوة لعلات دينهم واحد وشرائعهم شتى. والاخوة لعلات هم الاخوة لرجل واحد مع اختلاف امهاتهم. فالانبياء دينهم واحد وهو دين الاسلام. واما باعتبار تفاصيل ما فيه من الشرائع فانهم يختلفون بينهم وبتقرير هذا المعنى يعلم ان الدين الالهي او السماوية دين واحد فلا يصح ان يقال الاديان السماوية لان تعدادها بالجمع يوهم اختلافها. والنبي صلى الله عليه وسلم لما اخبر عن الدين الالهي السماوي قال دينهم واحد. فالانبياء متفقون في اصل الدين وهو عبادة الله عز وجل. ومفترقون في تفاصيل الشرائع ثم قال المصنف وانه لا بد في الايمان من العمل من القلب والجوارح اي لا الايمان والتوحيد الذي جاءت به الرسل ودعت اليه الا باجتماع القلب واللسان والجوارح على توحيد الله سبحانه وتعالى نعم احسن الله اليكم قال المصنف رحمه الله تعالى وقوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. قال الشارح رحمه الله تعالى قال مجاهد رحمه الله وقضى يعني وصاه وكذا قرأ ابي ابن كعب وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهم ولابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقضى ربك يعني امر. وقوله تعالى الا تعبدوا الا اياه المعنى ان تعبدوه وحده دون ما سواه وهذا ما معنى لا اله الا الله؟ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى والنفي المحض ليس توحيدا وكذلك الاثبات بدون النفي فلا يكون التوحيد الا متضمنا للنفي والاثبات. وهذا هو حقيقة التوحيد وقوله تعالى وبالوالدين احسانا اي وقضاء وقضى ان تحسنوا بالوالدين احسانا كما قضى بعبادته وحده لا شريك له. كما قال تعالى في اية اخرى ان اشكر لي ولوالديك الي المصير. وقوله اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما اي لا تسمعوا ما قولا سيئا حتى ولا التأفيف الذي هو ادنى مراتب القول السيء. ولا تنهر ما اي لا منك اليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن ابي رباح رحمه الله لا تنفض يديك على والديك. ولما نهاه عن الفعل القبيح بالقول القبيح امره بالفعل الحسن والقول الحسن فقال وقل لهما قولا كريما اي لينا طيبا بادب وتوقير. وقوله واغفر لهما جناح الذل من الرحمة. اي تواضع لهما. وقوله وقل رب ارحمهما اي في وعند وفاتهما كما ربياني صغيرا. وقد ورد في بر الوالدين احاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن انس رضي الله وغيره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال امين امين امين فقالوا يا رسول الله على ما امنت فقال جبريل فقال يا محمد رغم انف امرئ ذكرت رغم انف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي عليك قل امين. فقلت امين ثم قال رغم انف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له قل امين فقلت امين ثم قال رغم انف امرئ ادرك ابويه او احدهما فلم يدخلاه الجنة فقل امين فقلت امين. وروى الامام احمد من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انف رجل ادرك والديه احدهما او كلاهما لم يدخل الجنة. قال ابن كثير رحمه الله تعالى صحيح من هذا الوجه وعن ابي بكر وعن ابي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انبئكم باكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله وعلى الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال الا وقولي الا وشهادة الزور فما زال يكررها رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وعن ابي اسيد الساعدي رضي الله عنه قال بنا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم اذ جاء رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هي منبر ابوي شيء ابرهما به بعد موتهما فقال صلى الله عليه وسلم نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانفاذ عهدهما من بعد وصلة الرحم التي لا توصل الا بهما واكرام صديقهما. رواه ابو داوود وابن ماجة. والاحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا بيان هذه الجملة من جهتين الجهة الاولى احاد مفرداتها واليد الثانية نظم سياقها فاما الجهة الاولى وهي احاد مفرداتها فقوله قال العلامة اي البالغ في العلم غايته واصله العلام وزيدت الهاء للمبالغة كقولهم ايضا الفهامة والنسابة فهي الفاظ موضوعة للدلالة على بلوغ الغاية بما اضيف اليه من علم ومعرفة وقوله ولا التأثيث اي قول اف وهي كلمة توجع وتلوم وضجر وقوله لا تنقض النبض التحريك بشدة وقوله بر الوالدين اي الاحسان اليهما ففي صحيح مسلم من حديث النواس ابن سمعان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال البر حسن الخلق فاستعمال الخلق الحسن احسان ووقوعه مع الوالدين يكون به برهما وقوله رغم انف امرئ اي لصق بالرغام وهو التراب اي لصق بالرغام وهو التراب وذاك دعاء عليه بالذل والهوان وذلك دعاء عليه بالذل والهوان وقوله صحيح من هذا الوجه الوجه عند المحدثين هو سلسلة رواة حديث ما فهو بمعنى السند والاسناد والطريق كما تقدم بيانه وذكرنا حينئذ قول من قال بالفرق بين الساد والاسناد وقوله في الصفحة الثانية والعشرين بعد المئة وعقوق الوالدين اصل العقوق الشك والقطع اصل العقوق الشك والقطع وعقوق الوالدين قطع ما يجب لهما عنهما قطع ما يجب لهما عنهما فكلما رجع الى هذا الاصل فانه عقوق وقوله عن ابي قسي بضم همزته تصغير اسد وفي الرواة ايضا من اسمه اسيب بفتح همزته الا ان الصحابي المذكور وهو ابو اسيد الساعدي بضم الهمزة وقوله من بني سلمة بكثر اللام لا فتحها قوم من الانصار كانوا بالمدينة وقوله انفاد عهدهما اي امضاؤه اي امضاءه والعمل به واما الجهة الثانية وهي نظم سياقها فان المصنف رحمه الله تعالى شرع يبين ما ذكره امام الدعوة من ادلة هذا الباب وهو قوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه الاية وابتدى بيانه بما نقله عن مجاهد وهو ابن جبر المكي احد علماء التابعين ان قضى يعني وصا والوصية اثم لما عظم شرعا او عرفا والوصية اثم لما عظم شرعا او عرفا ومراده مجاهد بتفسير القضاء في الاية بالوصية تعظيم المذكور فيها ان مما وصى به الله سبحانه وتعالى الا نعبد الا اياه وبالوالدين احسان ثم قال المصنف وكذا قرأ ابي ابن كعب وابن مسعود وغيرهم اي قرأوا الاية ووصى ربك الا تعبدوا الا اياه وهذه من قراءات الصحابة التي صحت عنهم ثم انقطعت تلاوتها ولم تدرج في القراءات المتواترة المعمول بها فان المنقول عن الصحابة مما صح عنهم وجوه من القراءة لا توجد في المصحف المكتوب بايدينا اليوم كما صح عند البخاري ومسلم من قراءة ابن مسعود وابي الدرداء رضي الله عنهما في سورة الليل والذكر والانثى والذي في مصاحفنا وما خلق الذكر والانثى وتقدم ان القراءة المعتدة بها عند القراء باتفاق ما جمعت شروطا ثلاثة احدها التواتر وربما ذكر باسم صحة الاسناد احدها التواتر وربما ذكر باسم صحة الاسناد وثانيها موافقته رسم مصحف عثمان رضي الله عنه وثالثها موافقته وجها نحويا معتدا به موافقتها وجها نحويا معتدا به قال ابن الجزري في طيبته وكل ما وافق وجه نحوي وكان للرسم احتمالا يحوي وصح اسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الاركان فتكون القراءة المذكورة جادة لانخرام شرط تواترها مع عدم موافقتها رسم المصحف وينتفع بها كما تقدم في التفسير وفي وجوه العربية ثم ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن جرير انه قال في قوله وقضى ربك يعني امرا فقضاء الله سبحانه وتعالى هو امر والقضاء الالهي نوعان احدهما قضاء ديني شرعي احدهما قضاء ديني شرعي يتعلق بامر الله الشرعي يتعلق بامر الله الشرعي ومنه قوله في هذه الاية وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه والاخر قضاء كوني قدري قضاء كوني قدري متعلقه امر الله الكوني متعلقه الله الكون ومنه قوله تعالى فقضاهن سبع سماوات فقضاهن تبع السماوات اي قدرهن خلقا كونيا بجعلهن تبع سماوات ثم قال المصنف وقوله تعالى الا تعبدوا الا اياه المعنى ان تعبدوه وحده دون سواه وهذا معنى لا اله الا الله فالآية المذكورة تجمع اثبات العبادة لله ونفيها عما سواه كجمع كلمة لا اله الا الله للنفي والاثبات وابان المصنف عن هذا بعبارة اوفى في قرة عيون الموحدين فقال فقوله الا تعبدوا فيه معنى لا اله الا الله وقوله الا اياه فيه معنى لا اله الا الله. وهذا هو معنى كلمة خلاص انتهى كلامه ولتلميذه حمد ابن عسير كلام قريب منه في ابطال التنديد ثم نقل المصنف عن ابن القيم انه قال والنفي المحض ليس توحيدا وكذلك الاثبات بدون النهي فلا يكون التوحيد الا متضمنا للنفي والاثبات وهذا هو حقيقة التوحيد انتهى كلامه لان طرق ذكر حكم ما طريقان احدهما اثبات ذلك الحكم لمن اثبت له اثبات ذلك الحكم لمن اثبت له والاخر نفي ذلك الحكم عن من نفي عنه نفي ذلك الحكم عن من نفي اعنه فقولك مثلا زيد قائم فيه اثبات القيام له وقولك لم يقم زيد نفي ذلك الحكم عنه واوفى طريق في ادانة حكم ما هو الجمع بين الاثبات والنفي فاذا قلت لم يقم احد الا زيد جمعت له هذا الحكم جمعا تاما بالظن بين الاثبات والنفي فاثبت له القيام ونفيته عن غيره فكذلك امر التوحيد لا يستقيم الا بالجمع بين الاثبات والنفي فالنفي المحض اي الخالص الذي لم يقرن بالاثبات ليس توحيدا وكذلك الاثبات بدون النفي لا يكون توحيدا والتوحيد هو ما جمع بين النفي والاثبات وهذه هي حقيقة التوحيد فتثبت العبادة لله وحده. وتنفيها عما سواه ثم قال المصنف رحمه الله وقوله تعالى وبالوالدين احسانا ايقظا ان تحسنوا بالوالدين احسانا كما قضى بعبادته وحده لا شريك له فهو قضاء شرعي ديني ومن طرائق بيان حكم الاحسان الى الوالدين وتعظيم حقهما في القرآن قرنه بحق الله كقوله في هذه الاية وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا وقوله ان اشكر لي ولوالديك الي المصير فجمع بين حق الخالق وحق المخلوق وهما الوالدان تعظيما لحق الوالدين. وانهما من اولى الخلق باداء حقهما واية سورة لقمان ان اشكر لي ولوالديك. تفسر المأمور به في قوله وبالوالدين احسانا ان الاحسان اليهما يكون بشكرهما وافراد الشكر تستغرق جميع الاعمال فان الشكر كما تقدم موارده القلب واللسان والجوارح قال الشاعر افادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجب. فكل الافراد المنتظمة في شكر الوالدين قلبا ولسانا وعملا ترجع الى المأمور به في قوله تعالى وبالوالدين احسانا وتقدير قدر الاحسان موكل الى العرف فان من الحقائق الشرعية ما يوكل بيان حده الى العرف قال ابن سعدي رحمه الله تعالى والعرف معمول به اذا ورد حكم من الشرع الشريف لم يحج كالاحسان الى الوالدين فلم يحد بحد اي لم يقدر بقدر بل وكل الى العرف فكل ما عد في العرف احسانا وجب جعله لهما وكان اداؤه من برهما ومن طرائق وضع الشرع ان الله عز وجل تكفل ببيان حقه وهو العبادة ورد حقوق الخلق اليهم فوكلها الى اعرافهم ووجه الفرق بينهما ان حق الله لا تستقل العقول بمعرفته فلا سبيل اليه الا بوحي فلذلك حده الله في كلامه وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم واما حقوق الخلق فانها تختلف قدرا باختلاف الازمنة والامكنة والاحوال والافراد فرجع امر اقامتها الى الخلق حسب اعرافهم التي تؤثر فيها ازمنتهم وامكنتهم واحوالهم وهذا من دقائق الحكمة الالهية في وضع الاحكام الشرعية ثم قال المصنف وقوله وان اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما اي لا سمعهما قولا سيئا حتى ولا التأثيث اي قول اف تضجرا وتألما الذي هو ادنى مراتب القول السيء فالنهي عن التأثيث نهي عما فوقه بطريق الاولى كالسب باللسان او الايذاء بالجوارح عياذا بالله من حال اولئك ثم قال ولا تنهرهما اي لا يصدر منك اليهما فعل قبيح واصل النهي واصل النهر هو الزجر قال كما قال عطاء بن ابي رباح لا تنفض يدك يديك على والديك اي لا تحركهما بشدة اباء وامتناعا في وجه والديه فان هذا من جملة المنهي عنه من زجرهما المذكور في قوله ولا تنهرهما ثم قال ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح امره بالفعل الحسن والقول الحسن. فقال وقل له قولا كريما اي لينا طيبا بادب وتوقير ومن طرائق البيان القرآني الاعتداد بالاقتران فيقرن بين امرين تكليلا في بيان المعنى كالقرن بين حق الله وحق المخلوق او القرن بين جزاء الطائعين وجزاء العاصين. او القرن بين النهي عن القبيح والامر بالمليء فان الجمع بين المتقابلات مما يزيد البيان بيان. وهذا من طرائق القرآن في ادانة الحقائق للشرعية المرادة من الخلق ثم قال وقوله واخفض لهما جناح الذل من الرحمة اي تواضع لهما وجناح الذل شيء غير الذل فان العرب تجعل للكلمة افرادا معنى وتجعل لها تركيبا معنى اخر ومن سوى بين الكلمة على كل احوالها فهو غالط على العرب في كلامهم ومخطئ في فهم كلام الشرع فان وضع الكلام الشرعي جاء على سنن كلام العرب. والعرب تذكر الكلمة تارة بمعنى وتذكر الكلمة تارة بمعنى اخر اذا وقعت مركبة فله الحديث مثلا هو في كلام العرب الغناء وبه فسره ابن مسعود واقسم عليه لكن اللهو دون ترتيب ليس معناه الغناء وانما اثم لكل ما كان اشتغالا بالبطالة وربما يكون مأذونا به وربما كان منهيا عنه فقول الله تعالى في اخر سورة الجمعة واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها وتركوك قائما لا يفسر اللهو فيه بالغناء الا بليد الفهم ومن يأتي الى كلام ابن مسعود ثم يزعم ان اللهو هو الغناء لاثر ابن مسعود لم يفرق بين مقام الافراد ومقام التركيب في كلام العرب. ولهذا الطائر في القرآن الكريم وفي غيره. فجناح الذل شيء اخر غير مجرد الذل. والمراد بجناح الذل التواضع والحامل عليه هو طلب الرفق بهما ولذلك قال من الرحمة فهو ليس ذل مهانة وصغار كما وظع اسم الذل لذلك بل هو ناشئ عن رحمة بوالديه ثم قال وقل ربي ارحمهما اي في كبرهما وعند وفاتهما كما ربياني صغيرا اي جزاء تربيتهما لي في حال الضعف وهي حال الصغر ثم استطرد المصنف رحمه الله تعالى تبعا لاصله. فذكر احاديث في بر الوالدين فقال وقد في بر الوالدين احاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق يعني من اسانيد عن انس رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم رغم انف امرئ ادرك ابويه او احدهما فلم يدخلاه الجنة اي لم يكونا سببا في دخوله الجنة لبره لهما. قل امين فقلت امين فالداعي لهذه الدعوة هو امين السماء والمؤمن عليها هو امين اهل الارض واجتماعهما على ذلك تعظيم للامور الثلاثة المذكورة في هذا الحديث. ومن جملتها ما يتعلق ببر الوالدين ثم اتبعه بحديث اخر عن ابي هريرة بمعنى حديث انس الذي تقدم عزاه المصنف الى اه مسند الامام احمد ونقل بعده قال العماد ابن كثير صحيح من هذا الوجه. لان ابن كثير جرت عادته بذكر حديث من مسند احمد باسانيدها ثم يعزوها الى غيره بعده. كهذا الحديث فانه عند مسلم وانما قدم ارجو هذا الحديث الى احمد عند ابن كثير لعادته في سرد الاحاديث باسانيدها من المسند ثم تخريجها من غيره. واما بحسب الجادة التي ينبغي سلوكها فعزوه الى مسلم اولى لما تقرر من صحة كتابه ابي ثم اتبع الحديثين بحديث ثالث عن ابي بكرة الثقفي رضي الله عنه وفيه ان من اكبر الكبائر عقوق الوالدين. وتقدم ان عقوق الوالدين قطع ما يجب لهما عنهما فكل ما حبس من حقهما مما هو واجب لهما يسمى عقوقا وهو من اكبر الكبائر ثم ذكر حديثا رابعا عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في قط الوالدين رواه الترمذي وغيره وصححه ابن حبان والحاكم واختلف في وقته ورفعه والصحيح انه موقوف لفظا مرفوع حكما ورجح الترمذي وقفه وهو الذي ينبغي المصير اليه بالنظر