بالنظر الى اسانيد الحديث. واما بالنظر الى معناه فانه لا يقال من قبل الرأي. لانه خبر عن جزاء قائمة. اذ اخبر ان رضا الله يكون برضا الوالدين وان سخط الله يكون في سخط والديه والخبر عن الجزاء لا يقال من قبل الله. وانما يعلم بالوحي فيكون من قبيل ما يسمى بالمرفوع حكم. قال العراقي رحمه الله تعالى في انديته وما ابدى عن صاحب بحيث لا يقال وفيه بيان جلالة قدر بلوغ الرضا في نفس الابوين وانه يبلغ العبد رضا الله سبحانه وتعالى وشؤم عاقبة سخطهما وانه يبلغ العبد سخط الله سبحانه وتعالى واصل السحب شدة الغضب. المقرونة المقرونة بالكراهية واصل الصبي شدة الغضب المقرونة. فسخط الوالدين وبال على صاحبه ثم ختم بحديث خامس وهو حديث ابي اسيد الساعدي وفيه قوله هل بقي من بر ابوي شيء ابرهما به بعد موتهما؟ فقال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وانفاد عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل الا بهما واكرام صديقهما فذكر خمسة انواع من البر التي تلحق الوالدين بعد وفاتهما. وهذا الحديث رواه ابو داوود وابن ماجة واسناده حسن. لانه من رواية علي ابن عبيد الانصاري عن ابي الحسين الثاعبي. وعلي بن عبيد من جملة المجانين. الا انه في طبقة متابعيه وليس له كبير رواية وانما يعرف له حديث قليل اشهره هذا الحديث صحح حديثه ابن حبان والحاكم. ومتى وقع هذا في هذه الطبقة؟ اقتضى ذلك من الحديث ذكر معنى ذلك الذهبي في الموقظة وغيره فاذا وجدت رجلا من هذه الطبق جهد وكان حديثه مستقيما وصححه من الحفاظ الاوائل من صححه كابن خزيمة او الحالة او او الحاكم علم حينئذ ان حديثه من قبيل الحسن في ادنى مراتب وغالب ما يكون من حديث هؤلاء ما لا يتعلق باصول الدين وقواعد العظام انما في ابواب البطائق والزهد والاداب والاخلاق كهذا الحديث فتقسيمه اقرب الى الصواب من تضعيفه والله اعلم لكن ينبغي ان يتنبه الى علة يهملها المتكلمون على اسانيد هؤلاء وهي علفة الانقطاع. فان انه كما ينظر الى حاله في تعديله وتجريحه ينبغي النظر الى ثبوت سماعه من الصحابي بين المجهول يحتاج الى القطع باخذه عمن اخذ عنه بعدم انتفاع جهالته بتعديل او بتجريف وهذا الراوي علي بن عبيد ثبت سماعه من ابي اسيد الساعدي عند البخاري في الادب المفرد فهذا الحديث من الاحاديث اللسان. وهذه من الاحاديث الخمسة المذكورة كلها في بيان معنى بر الوالدين ثم قال المصنف ختما لما اراده من البيان في هذا المقام والاحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا اي الاحاديث الواردة في بر الوالدين كثيرة جدا ولابي عبدالرحمن عبد الله ابن المبارك كتاب مفرد اسمه البر والصلة. ذكر فيه طرفا من بر الوالدين وكذلك لابي عبد الله محمد ابن اسماعيل البخاري كتاب اسمه بر الوالدين. اخرجه في هذا الشأن في اوله. ثم الحق به احاديث اخرى او تتعلق بادابك واخلاقك. وهذا الكتاب وهو بر الوالدين مما كان الى وقت قريب مفقود وقد وجد من حمد الله سبحانه وتعالى في احدى خزائن المغرب وعندي نسخة منه. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يعينني او غيري على اخراج هذا الكتاب اللطيف للامام البخاري الى عالم النشر والطباعة. وهذا مما يزيد العبد يقينا بان كثيرا من نفائس العلاء المصنفة في ابواب العلم لا تزال محبوسة في خزائن الكتب وصل الناس الى بعضها وبقي كثير لم يصلوا اليه بعد ففي اطراف هذه الارض من الكتب ما هو موجود لكن لم يظهر بعد. ومن اخبار هذا المقام مما يذكر استفرادا ان علامة ابا الخير العطار المكي ذكر في النفل المسكي انه رأى في مكتبة احد علماء الهند مسند الحالف بن ابي اسامة كاملا. ثم انقطع خبر هذه النسخة. والرجل المذكور في سنبدأ تسع وعشرين بعد ثلاثمائة والالف. فعهده قريب. ثم ذكر ففي اخبار حبيب الرحمن الاعظم انه مات وقد فرغ من نسخ مسند الحارث بن ابي اسامة لما وقف على نسخته عند احد الناس في الهند لكن لم ينشر بعده عمله. فمسند الحاج ابن ابي اسامة مثلا موجود في الهند قطعا هذين الخبرين لكن لم ينشر بعد بتمامه وانما نشرت زوائد منه مما اخرجه الهيكل في الباحث عن زوائد مسند الحادي. وكذا غيره من الكتب التي اتصل خبر وجودها قريبا لكن مضت من اجل الناس الان. كما اخبرني الشيخ ابن احد علماء الكويت انه قرأ كتاب الكبائر لابن القيم الذي نقل منه ابن النحاس في تنفيذ الغافلين رآه في مجلدين في مكتبة شيخه عبد الله بن خلف الدحيان المتوفى سنة تسع واربعين بعد الثلاث مئة والالف ان شاء الله موجود لكنه حبيس في مكتبة ها هنا وهناك وهذا مما يحفز طالب اهل العلم على الحرص على بحثه في خزائن الكتب لاستخراج مثل هذه الجواهر والكنوز نفع الله عز وجل بها المسلمين البيان على هذه الجملة من الكتاب ونستكمل بقيته باذن الله سبحانه وتعالى بعد صلاة العصر الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين