السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي صير الدين مراتب ودرجات. وجعل للعلم به اصولا مات واشهد ان لا اله الا الله حقا. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم باسناد كل الى سفيان ابن عيينة عن عمر ابن دينار عن ابي قابوس مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين. في تلقينهم احكام الدين وترقيتهم في منازل اليقين ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على مهمات العلم باقراء اصول المتون وتبيين مقاصدها كلية ومعانيها الاجمالية. ليستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم. ويجد فيه المتوسطون ما يذكرون وهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم وهذا المجلس الثاني في شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته السادسة ست وثلاثين بعد الاربعمائة والالف وهو كتاب تعظيم العلم. لمصنفه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي. فقد انتهى بنا البيان الى قوله المعقد الحادي عشر. نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه وللمسلمين اجمعين. قلتم حفظكم الله تعالى في مصنفكم تعظيم العلم. المعقد الحادي عشر صيانة العلم عما يشين مما يخالف المروءة ويخرمها. من لم يصن العلم لم يصمه العلم قاله الشافعي رحمه الله. ومن اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. قال وهب ابن منبه رحمه الله جعلناكم بطال من الحكماء. لا يدرك العلم بطال ولا كسل ولا ملول ولا من يألف البشر. وجماع المروءة كما قاله ابن تيمية رحمه الله الجد في المحرر وتبعه حفيده رحمه الله في بعض كتابه استعمال ما يجمله ويزنه وتجنب ما يدنسه ويشينه قيل لابي محمد سفيان ابن عيينة رحمه الله تعالى قد استنبطت من القرآن كل شيء فاين المروءة فيه؟ فقال في قوله تعالى فيما اعرض عن الجاهلين ففيه المروءة وحسن الادب ومكارم الاخلاق. ومن الزم قدم النفس للطالب تحليه بالمروءة وما يحمل عليها خوارمها التي تخل بها كحلق لحيته. فقد عده في خوارم المروة ابن حجر الهيتمي من الشافعية وابن عابدين من الحنفية. او كثرة الانتفاذ من طريق عده من خوارمها ابن شهاب الزهري وابراهيم النخعي من المتقدمين. ومد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة داعية وعده من الخوارج جماعة منهم ابو بكر طرطقشي من المالكية وابو محمد ابن قدامة وابو الوفاء ابن عقيل من الحنابلة او صحبة الاراذل والفساق والنجان والبطارين من خوارج المروءة جماعة منهم ابو حامد الغزالي وابو بكر ابن الطيب من الشافعية او مصارعة الاحداث والصغار وعده من الحنفية علم الا الحطام ذكر المصنف وفقه الله المعقد الحادي عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو صيانة العلم اي حفظه وحمايته. عما يشين اي يقذف. ثم بين المشين المقبح فقال مما يخالف المروءة ويخرمها. فكل شيء اتصل بمخالفة المروءة وخرمها فان العلم يحفظ ويحمى عنه وسيأتي مزيد بيان لمعنى المروءة واستفتح بيان هذا المعقد بالكلمة المأثورة عن الشافعي انه قال من لم يصن العلم لم صنع العلم اي من لم يحفظ العلم فان العلم لا يحفظه ومقتضى ذلك ان من حفظ العلم في نفسه وفي الناس فاقامه وفق المقدر شرعا وعظمه في نفسه وفي الخلق نال من العلم بغيته ثم ذكر ان من اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. فيخرج من العلم والحكمة الى البطالة والمجانة. وذكر قول وهم ربهم احد التابعين لا يكون البطال من الحكماء. اي لا يكون الماجد المشتغل بالباطل من اهل الحكمة والعلم ثم ذكر بيتا في ذلك اتبعه ببيان حقيقة المروءة نقلا عن ابن تيمية الجد وحفيده ابي العباس ابن تيمية احمد ابن عبد الحليم انهما ذكرا حدها فقال استعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه. فمدار المروءة على امرين فمدار المروءة على امرين. احدهما استعمال المجمل المزين والاخراج اجتناب المدنس المشين ثم ذكر استنباط ابي محمد سفيان ابن عيينة المروءة من القرآن في قوله تعالى خذ العفو وهو امر بالعرف واعرض عن الجاهلين. ثم قال ومن الزم ادب النفس للطالب تحليه بالمروءة. يعني صافه بها وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها. والخوارم جمع خرم وهو الشق والخوارم جمع خم وهو الشق. وخوارم المروءة مفسداتها. وخوارم المروءة مفسداتها فما افسد المروءة باضعافها او اذهابها فانه خارم لها. ينبغي ان يتجنبه متلمس العلم ثم ذكر جملا مما يخل بالمروءة مأثورا عن اهل العلم من وائل كحلق اللحية او كثرة الالتفات في الطريق او مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة داعية او صحبة الاراذل والفساق والمجان والبطالين او مصارعة الاحداث والصغار. فكل هؤلاء مذكورات مما يتجافاه ملتمس العلم. لانه مما يخل بالمروءة فيضعفها فيزول اسم العلم عن متعاطيها ثم قال بعد ومن اخل بمروءته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام اي بان عواره وظهرت عورته لان المروءة يدعو الى حفظها كرامة النفس ولو لم صاحبها منسوبا الى العلم. فاذا كان المرء منتسبا الى العلم فهو احرى ان يكون كريم النفس. فلا يواقع شيئا من هذه الخوارم المخلة ثم قال بعد ولم ينل من شرف العلم الا الحطام. اي لا يصل الى المتهتك قليل المروءة من العلم الا شيء يسير بمنزلة الفتات المتساقط من طعام او غيره. نعم احسن الله اليكم قلتم وفقكم الله تعالى المعقد الثاني عشر انتخاب الصحبة الصالحة له فالانسان مدني بالطبع واتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق فيحتاج طالب العلم الى معاشرة غيره من الطلاب لتعينه هذه المعاشرة على تحصيل العلم والاجتهاد في طلبه. والزمانة في العلم كلمة من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود ولا يحسن بقاصد العلا الا الا انتخاب صحبة صالحة تعينه فان للخليل في خليله اثر قال ابو داوود والترمذي والسياق لابي داوود حدثنا ابن مشال قال حدثنا ابو عامر كلاهما قال حدثنا زهير ابن محمد قال حدثني موسى ابن وردة عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل. يقول الراغب الاصفهاني رحمه الله تعالى سيعداء الجليس لجليسه بما قاله وفعاله فقط بل بالنظر اليه. لا تصحب الكسلان في حالاته كم صالح بفساد اخر يفسد عدوى والجليد هو الجاد الحازم وانما يختار للصحبة من يعاشر للفضيلة المنفعة ولا للذة فان عقد المعاشرة يبرم على هذه المطالب الثلاثة الفضيلة والمنفعة واللذة كما ذكره شيخ شيوخنا محمد الخضري ابن حسين في رسائل الاصلاح انتخب صديق الفضيلة زميلا فانك تعرف به. قال ابن مسعود رضي الله عنه اعتبر الرجل بمن يصاحب فان يصاحب الرجل من هو مثله وانشد ابو الفتح البستي رحمه الله تعالى لنفسه اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجار زكي الحسب فنذل الرجال كنجل النبات فلا للثمار ولا للحطب. ويقول ابن مانع رحمه الله تعالى في ارشاد الطلاب وهو يوصي طالب العلم ويحذر كل الحذر من مخالطة سفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. وكان هذا عين قول سفيان ابن عيينة رحمه الله تعالى اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل فقد يحرم المتعلم العلم لاجل صاحبه فاحذر هذا الصنف وان تزين بزي العلم فانه يفسدك من حيث لا تحس. ذكر المصنف وفقه الله المعقل الثاني عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو انتخاب الصحبة الصالحة له اي اختيار صفوة من الخلق يصحبهم فيه اي اختيار صفوة من الخلق يصحبهم فيه فالانتخاب هو اختيار الصفوة. والداعي الى اختيار تلك الصفوة في صحبة العلم ان انسان مدني بالطبع اي لابد له من الاجتماع مع غيره من ابناء جنسه. ومشاركتهم في مصالحهم بمعونة بعضهم بعضا. واصله في القرآن قوله تعالى وجعلناكم شعوبا دائل لتعارفوا اي لتنعقد بكم اي لتنعقد بينكم اصرة المعرفة المحققة مصالحكم وهي المسماة بالمدنية. ثم ذكر ان اتخاذ الزميل ضرورة لازمة في نفوس الخلق. فالمرأة مفتقر الى من يؤانسه ويشاركه في مطلوبه. ثم قال بعد والزمالة في العلم ان سلمت من الغوائل نافعة في الوصول الى المقصود. اي الرفقة في العلم معونة في اخذه. من انفع ما يكون شرط ان تسلم من الغوائل اي من العواد المفسدة لها كتزين بعضهم لبعض او محاباة بعضهم بعضا وترك قيام بعضهم على بعض بالنصح والتواصي بالحق. فانهم اذا تخاذلوا عن اطر انفسهم على الخير ونهيها عن الشر ربما نقلوا من الخير الذي ارادوه الى شر لم يتوقعوه ثم قال ولا يحسن بقاصد العلا اي المطالب العالية. ومن جملتها العلم الا انتخاب صحبة صالحة تعينه وعلله بقوله فان للخليل في خليله اثرا اي للزميل في زميله اثرا وابلغ او الزمالة ما ارتفع الى الخلة وهي كمال المحبة المنعقدة بين الزميلين. ثم ذكر اصل هذا من السنة وهو حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه ابو داوود والترمذي وهو حديث حسن. فالرجل يكون مجاليا الذي يأنس به في دينه الذي يدين به. فينبغي ان يتخير العبد من الاخلاء من يكونوا معينا له على الخير موحدا لله متابعا سنة النبي صلى الله عليه وسلم نافيا البدع عن نفسه متخلصا من الاهواء محبا للخير راغبا في العلم. ثم ذكر من المنقول عن الاوائل نثرا ونظما ما يبين اثر الجليس في جليسه ثم بين اعدو الاواصر التي تنعقد بها الصحبة. فان الناس يتصاحبون لاحد ثلاثة مطالب لا رابيع لها المطلب الاول صحبة الفضيلة والمطلب الثاني صحبة المنفعة والمطلب الثالث صحبة اللذة فتنعقد رابطة بين امرئ وغيره تارة لاجل فضيلة يتشاركون في طلبها وتنعقد تارة اخرى بين هذا وذاك لاجل منفعة يرجوها احدهما من الاخر وتنعقد تارة اخرى بين هذا وذاك رجاء لذة يصيبها من صاحبه وهذه المطالب الثلاث لا خير في شيء منها الا في اولها. وهي ان تكون رابطة الزمالة منعقدة على اصرة الفضيلة. فيشارك المرء غيره لاجل تحصيل فضيلة يتعاونان على تحصيلها لان ملتمس المنفعة او اللذة معك اذا حازها ولاك ظهره. واما صاحب الفضيلة فانه لا يزال يشاركك ما تريد من الفضائل. ولو قدر انه ابتعد عنك لم يبتعد الا في خير. واما ملتمس الفضيلة او اما ملتمس المنفعة او اللذة فانهما ربما جر عليك شرا بعد مفارقتهما لك. ثم قال بعد فانتخب صديق الفضيلة زميلا فان تعرف به اي تتميز به. ومن المنقول عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله اعتبروا الرجل بمن يصاحب. اي استدلوا على الرجل واعرفوه بمن يصاحب فانما يصاحب الرجل من هو مثله. فاذا صحب اهل الفضائل الكاملة من اهل التوحيد والسنة والطاعة فهو منهم ومعهم. واذا الى المتلطفين بالشرك او البدعة او المعاصي فهو معهم ومنهم. ثم قال قال ابو الفتح اذا ما اصطنعت امرأ فليكن شريف النجاري. اي الاصل. والنجار بكسر النون وضمها ايضا وشريف النجار زكيا الحسب. فندل الرجال كندل النبات فلا لثمار ولا للحطب. والانساب مؤثرة في الطبائع ذكره ابن تيمية الحفيد في اقتضاء الصراط المستقيم. ولذلك لا تلم خوارم المروءة اولئك العادات الا بساقط الاصل. ثم ذكر من كلام ابن مانع رحمه الله وصيته طلاب العلم في ويحذر كل الحذر من مخالطة السفهاء واهل المجون والوقاحة وسيء السمعة والاغبياء والبلداء. فان مخالطتهم سبب الحرمان وشقاوة الانسان. لان ما هم فيه من سفه او مجون او وقاحة او سوء سمعة او غباوة او ينجذب الى الانسان من خليله الذي يرافقه اذا طالت مدة صحبته له. واشد من ذلك ان ينأى المرء بنفسه عن كل امرئ يتوجس منه شرا بشرك او بدعة او هوى فان مضرة هؤلاء على دين العبد وعقله اشد من مضرة السفهاء واهل المجون والوقاحة والاغبياء. ثم ذكر قول سفيان ابن اني لاحرم جلسائي الحديث الغريب يعني الحديث الذي يستفاد لعلوه او محل معناه لموضع رجل احد ينتقي ان يمنعهم ان يروي لهم حديثا لما يراه من حضور من لا يستحق العلم معهم. فقد يحرم تعلموا العلم لاجل صاحبه. فينبغي ان يتخير المرء من الصحبة من يجمله في اخذ العلم. ويعينه عليه ويقربه منه ويحببه فيه. فان صحبتك مثل هذا مما يعينك على قطع الطريق الى الله سبحانه وتعالى فان النفس يثقل عليها ان تسير وحدها وتجد مشقة في ذلك وتجذبها انواع من الواردات من العلائق والعوائق والعوائد فلا مخلص لها الا باسباب من جملتها ان يتخذ المرء خليلا ناصحا يصطفيه يقارنه في طلب ما يبتغيه من العلا واعظمه العلم. نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقل الثالث عشر بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه اذ تلقيه عن الشيوخ لا ينفع بها حفظ له مذاكرة به وسؤال عنه فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الالتفات اليه والاشتغال به فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العالم. فبالحفظ يقرر العلم في القلب وينبغي ان يكون جل همة الطالب مصروفا الى الحفظ والاعادة كما يقوله ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد خاطره ولم يزل العلماء الاعلام يحضون على الحفظ ويأمرون به. قال عبيد الله بن الحسن رحمه الله وجدت احضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي ولكته بلساني وسمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى يقول حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ليس بعلم ما حاول القمطر ما العلم الا ما حواه الصدر. والمتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي نفسه منه. واذا على ما كان يصنع من الفرات فليأخذ به فقد كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. ومن عقل هذا المعنى لم يزل من الحفظ في ازدياد فلا ينقطع عنه حتى الموت كما اتفق ذلك لابن مالك صاحب الالفية النحمية فانه حفظ في يوم موته خمسة شواهد. وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس تعلقه بها والمراد بالمذاكرة مدارسة اقران. وقد امرنا بتعاهد القرآن الذي هو ايسر العلوم. قال البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن فقال اخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة ان عاهد عليها امسكها وان اطلقها ذهبت. رواه مسلم من حديث ما لك به نحوه. قال ابن عبدالبر في كتابه التمهيد عند هذا الحديث. واذا اذا كان القرآن ميسر للذكر كالابل المعقدة من تعاهدها امسكها فكيف بسائر العلوم؟ وكان الزهري رحمه الله يقول انما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة وبالسؤال عن العلم تفتتح خزائنه. قال الزهري رحمه الله انما هذا العلم خزائن وتفتتح هذه المسألة. وحسن المسألة نصف العلم والسؤالات المصنفة كما احمد المرويات عنه برهان جلي على عظيم منفعة السؤال. وقلة الاقبال على العالم والسؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه. فهذا سفيان الثوري رحمه الله يقدم عسقلان فيمكث ثلاثا لا يسأله انسان عن شيء فيقول لرواد بن الجراح احد اصحابه اكتر لي اخرج من هذا البلد هذا بلد يموت فيه فمن لقي شيخا فليغتنم لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه لا سؤال متعنت ممتحن. وهذه المعاني الثلاثة لعلم منزلة الغرس للشجر تنميته بما يحفظ قوته ويدفع افته. فالحفظ غرس العلم والمذاكرة سقيه والسؤال عنه تنميته. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثالث عشر من معاقد تعظيم العلم وهو بذل الجهد في تحفظ العلم والمذاكرة به والسؤال عنه ذاكرا ثلاثة اصول في اخذ العلم. احدها تحفظ العلم اي حفظه وثانيها مذاكرته. اي مدارسته مع الاقران وثالثها السؤال عنه. اي الاستفهام عنه من اهله. ثم افاض ويبين ذلك مستفتحا كلامه بما يتعلق بالحفظ ذاكرا منفعته فقال اذ تلقيه يعني العلم عن الشيوخ لا ينفع بلا حفظ له. ومذاكرة به وسؤال عنه. فهؤلاء تحقق في قلب طالب العلم تعظيمه بكمال الالتفات اليه والاشتغال به فالحفظ خلوة بالنفس والمذاكرة جلوس الى القرين والسؤال اقبال على العلم. ثم ذكر منفعة الحفظ فقال ففي الحفظ يقرر العلم في القلب اي يثبت فيه ويكون راسخا. وذكر مما ذكر في مدحه قول عبيد الله بن الحسن وجدت احضر العلم منفعة. اي اسرعه حضورا في النفع. اي اسرعه نورا في النفع وجدت احضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي. اي اتقنته وضبطته بقلبي ولقته بلساني. اي حركت به لساني متحفظا له. فان من قواعد حفظ العلم ان من اراد حفظ شيء رفع صوته به ليستعين برفع الصوت على ثبات المعنى في القلب. فان الحفظ يستجلب من المحفوظ بجمع التين. احداهما العين بامضاء البصر في المحفوظ. والاخرى الاذن برفع الصوت حتى يصل المحفوظ الى الاذن فيقر في القلب فاذا اردت حفظ شيء فارفع صوتك. واذا اردت فهم شيء فاخفض صوتك به فان القراءة المتفهمة تحتاج الى جمع قلب على المراد فهمه. ولا يمكن جمع القلب الا بخفظ الصوف لان رفع الصوت يشوش على القلب ويؤثر فيه اضطرابا فاذا حفظت فارفع صوتك واذا تفهمت فاخفضه ثم ذكر قول ابن عثيمين رحمه الله حفظنا قليلا وقرأنا كثيرا فانتفعنا بما حفظنا اكثر من انتفاعنا بما قرأنا ثم بيت الخليل ابن احمد ليس بعلم ما حوى القمط ما العلم الا ما الصدر والقمطر بكسر القاف وفتح الميم اسم وعاء كانت تحفظ فيه الكتب اسم وعاء كانت تحفظ فيه الكتب بمنزلة الحقيبة التي يتخذها الناس اليوم في مقامه. ثم ذكر ان المتلمس للعلم لا يستغني عن الحفظ ولا يجمل به ان يخلي منه واذا قدر على ما كان يصنع ابن الفرات فليأخذ به. فان ابن الفرات كان لا يترك كل يوم اذا اصبح ان يحفظ شيئا وان قل. فاذا عقل مقتبس العلم هذا الاصل. فرتب حفظه على هذا الوجه فلم يومه من حفظ ازداد من المحفوظ وثبت في قلبه. وبقي قادرا على الحفظ حتى وان كان هرما لان القدرة على الحفظ لا تتعطل الا بزوال العقل. فاذا خلف المرء او جن لم يكن قادرا على الحفظ. واما الكبر والهرم فغير مانع لكنه يحتاج الى رياضة شديدة لمن لم يكن متعاطيا الحفظ من قبل. فان كان المرء متعاطيا حفظ من قبل فانه لا يزال قادرا على الحفظ حتى يموت ومن اخبار من مضى فيه ان ابن مالك صاحب الالفية حفظ في يوم موته خمسة شواهد من الشعر واتفق لابي الفرج ابن الجوزي انه حفظ القراءات العشر بعد سن الثمانين. ولما تحول ابن هشام النحوي من مذهب الشافعية الى مذهب الحنابلة وكان كبيرا حفظ مختصر الخرقي ومما يحول بين ملتمس العلم وبين الحفظ افتان عظيمتان. الاولى رياضة القلب في الحفظ ترك رياضة القلب في الحفظ فان القلب الة تقوى بتدريجها فاذا اخذتها شيئا فشيئا وردها على الحفظ تهيأ لك من قوته بعد ما لم يكن لك في الابتداء فمن مردود الافعال المبادرة بالهجوم على القلب بتكثير المحفوظ. لمن لم يكن يتعاطى الحفظ ومن حسن الفعال المقربة للمنال ان تدرج نفسك اذا ابتدأت الحفظ. فتبدأ بشيء يسير ثم ترقي نفسك اما بما تعلمه من قوتها او بارشاد معلمك الناصح. وهذا اكمل. فتهيأ يتهيأ بعد مدة من قوة الحفظ لك ما لم يكن لك من قبل. فقد ذكر ابو فداء العسكري في الحث على طلب العلم انه لما ترعى يطلب العلم كان يجد عناء في الحفظ فيبقى مدة مديدة في شيء يسير فلم يزل يأخذ نفسه بالرياضة اي يدرج نفسه شيئا فشيئا في محفوظه تقليلا له وتأكيدا لاخذه فيكرره مرات كثيرة. حتى بلغ من قدرته على الحفظ. وهو يخبر عن نفسه اولا انه لم يكن اذا قدرة بلغت به الحال ان يحفظ قصيدة لرؤبة ابن العجاج قاتم الاعماق خاوي المخترق وهي ثلاثمئة بيت في سحر واحد. فانه لما احسن رياضة قلبه بالترقي نال ما اراد من حفظه والافة الثانية استطالة الطريق والاستعجال. فتجد احدهم هجا على المحفوظات فهو يحفظ هنا في ثلاثة الاصول ثم يسمع مدع حفظ الحديث فيتحول الى الاربعين النووية ثم يسمع ثالثا يشكر حفظ معاني القرآن ويثني على اهلها فيتحول الى معاني القرآن ثم ينقطع عن هذا وذاك فلا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى ومن بدائع ابن قوله من استطال الطريق ضعف مشيه. فاذا اخذ المرء نفسه في طريق العلم شيئا فشيئا متدرجا بما يرشده اليه الناصحون من اهل العلم العارفون به وصبر على ذلك فانه يدرك مأموله من علم ثم ذكر المصنف منفعة المذاكرة فقال وبالمذاكرة تدوم حياة العلم في النفس ويقوى تعلقه بها وبين معنى المذاكرة بقوله والمراد بالمذاكرة مدارسة الاقران. اي ان تجتمع انت وزميل ان تجتمع انت وزميلا وزميل لك في مدارسة ما تلقيت ما هم من العلوم حفظا او فهما ثم ذكر ان اصل المدارسة هو الامر بتعاهد القرآن وفيه قوله صلى الله عليه وسلم انما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة اي المقيدة ان عاهد عليها امسكها اي ان راقبها واحاطها بعنايته امسكها وان اطلقها باهمالها والغفلة عنها ذهبت واذا كان هذا في العلم واذا كان هذا في القرآن الذي هو اصل العلم فكيف بسائر العلوم؟ ثم ذكر السؤال فقال وبالسؤال عن العلم تفتح خزائنه. وذكر قول الزهري انما هذا العلم خزائن. وتفتتحها المسألة فاذا سأل المتعلم اشياخه في مسائل العلم حاز خيرا كثيرا لا يناله من لا يعني بهذا الامر ثم قال وحسن المسألة نصف العلم ثم بين ان قلة الاقبال على العالم بالسؤال اذا ورد على بلد تكشف مبلغ العلم فيه. فان من طرائق اقتباس العلم سؤال الاشياخ الواردين فانهم ربما شغلوا عن عقد مجالس للتعليم لكنهم لا يشغلون عن الاجابة عن سؤالات السائلين. فربما لقيت احدا من العلماء الكبار المشار اليه ولم يمكنك القراءة عليه اما لضيق وقته او غير ذلك لكن يمكنك ان تقيد عنه سؤالات. فاذا رتب المرء لقياه بالاشياء وكان عنده كناش للسؤالات جمع خيرا كثيرا كالذي اتفق في مسائل احمد التي جمعها ابنه صالح وابنه عبد الله و ابن هاني واسحاق ابن المنصور في اخرين من اصحابه. ثم قال فمن لقي شيخا فليغتنم لقاءه بالسؤال عما يشكل عليه ويحتاج اليه لا سؤال متعنت ممتحن. ثم ختم هذا المعقد بقوله وهذه المعاني الثلاثة للعلم. وهذه المعاني الثلاثة للعلم بمنزلة الغرس للشجر وسقيه وتنميته. بما يحفظ قوته ويدفع افته. فالحفظ غرس العلم. فاذا حفظت غرست العلم في قلبك والمذاكرة سقيه اي بمنزلة الماء الذي يجرى الى ذلك العلم سقيا له والسؤال عنه تنميته اي تزكيته وتقويته وتكثيره في النفس. نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقد الرابع عشر اكرام اهل العلم وتوقيرهم ان فضل العلماء عظيم ومنصبهم منصب جليل لانهم اباء الروح. فالشيخ ابو للروح كما ان الوالد الجسد وفي قراءة ابي بن كعب رضي الله عنه النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو اب لهم والابوة مذكورة في هذه القراءة ليست عبوة اجماعا وانما هي الابوة الدينية الروحية فالاعتراف بفضل المعلمين حق واجب. قال شعبة ابن الحجاج رحمه الله تعالى كل من سمعت منه حديثا فانا له وعبد واستنبط هذا المعنى من القرآن محمد ابن علي الادفوي الادفوي رحمه الله تعالى فقال اذا تعلم الانسان من عالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله فتاه لذلك. وقد امر الشرع في حق العلماء اكراما لهم وتوقيرا واعزازا؟ قال احمد في المسند حدثنا هارون قال حدثنا ابن وهم قال حدثني ما لك بن المخير الزيادي وعن ابي قبيل المعافري. عن عبادة الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه امسك ابن عباس رضي الله عنهما يوما بنك ابي زيد ابن ثابت رضي الله عنه فقال زيد رضي الله عنه اتمسكني وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما انها هكذا نصنع بالعلماء. ونقل ابن حزم رحمه الله تعالى الاجماع على توقيع علماء واكرامهم. والبصير بالاحوال السلفية يقف على حميد في توقير علمائهم فقد كان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اذا جلسوا اليه كانما على رؤوسهم الطير لا يتحركون وقال محمد ابن سيرين رحمه الله بيت عبدالرحمن بن ابي ليلى واصحابه يعظمونه يعظمونه ويسودونه ويشرفونه مثل الامير من الاعظم لهم التوقيع له عدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه. واذا حدث عنه عظمه من غير غلو بل ينزله منزلته لان لا يشينه من حيث اراد ان يمدحه. وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه بقول او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطأه اذا وقعت منه زلة ومما تناسب الاشارة اليه هنا باختصار وجيز معرفة واجب ازاء زلة عالم وهو ستة امور. الاول التثبت في صدور الزلة منه. والثاني التثبت في كونها خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها والثالث ترك اتباعه فيها والرابع التماس العذري له بتأويل سائر. والخامس بذل النصح له بلطف وسر الا بعنف فيما تشير والسادس حفظ جنابه فلا تهدر كرامته في قلوب المسلمين. واما يحذر منه مما يتصل بتوقيع علماء ماسورته التوقير وماله الاهانة والتحقيق ازدحام على العالم والتضييق عليه والجائه الى احسن السبل. فما مات هشيم ابن بشير الواسطي رحمه الله المحدث الثقة الا بهذا. فقد ازدحم حائض الحديث عليه فطرحه عن حماره فكان سبب موته. ذكر المصنف وفقه الله المعقل الرابع عشر من معاقل تعظيم العلم وهو اكرام اهل العلم وتوقيرهم اي اجلالهم واكبارهم لما لهم من الفضل العظيم والمنصب الجليل فهم اباء الروح. فالشيخ اب للروح كما ان الوالد اب للجسد. والابوة الروحية هي الابوة في تلقي العلم قال ابن تيمية الحفيد الشيخ والمعلم والمؤدب اب للروح. الشيخ والمعلم والمؤدب اب للروح والد اب للجسد. ذكره تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين. ثم ذكر عن شعبة قوله كل ومن سمعت منه حديثا فانا له عبدا اي انا له ممتن حتى اصير بمنزلتي مملوكي له فانه ملكه بما اسدى اليه من الخير في التعليم. وذكر استنباط هذا المعنى من قرآن من كلام محمد بن علي الاجفوي انه قال اذا تعلم الانسان من العالم واستفاد منه الفوائد فهو له عبد قال الله تعالى واذ قال موسى لفتاه وهو يوشع ابن نون ولم يكن مملوكا له. وانما كان متلمذا له متبعا له فجعله الله فداه لذلك انتهى كلامه. ثم بين ان الشرع امر برعاية حق العلماء اكراما لهم. وتوقيرا واعزازا وذكر حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من امتي وذكر افرادا حتى قال ويعرف لعالمنا حقه. فالعالم له حق اثبتته الشريعة. ومن المأثور عن صدره الاول ما اتفق لابن عباس رضي الله عنهما من امساكه بركاب زيد ابن ثابت. والركاب اسم للابل التي تتخذ للركوب من الرواحل. والركاب اسم للابل التي تتخذ للركوب من الرواحل وامساك ابن عباس له اي اخذها بخطابها حتى تتذلل وتلين لراكبها فقال زيد اتمسك لي وانت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عباس انا هكذا نصنع بالعلماء ثم نقل اجماع اهل العلم على توقير العلماء واكرامهم عن ابن حزم الاندلسي. ثم قال والبصير بالاحوال السلفية اي بما كان عليه سلف الامة يقف على حميد احوالهم في توقير علمائهم في الصحابة والتابعين واتباعهم وذكر من شواهده ما صدق المذكور عنه ثم قال فمن الادب اللازم للشيخ على المتعلم ما يدخل تحت هذا الاصل التواضع له والاقبال عليه عدم الالتفات عنه ومراعاة ادب الحديث معه. واذا حدث عنه عظمه من غير غلو بل ينزله منزلته لئلا يشينه من حيث اراد ان يمدحه ان يمدحه وليشكر تعليمه ويدعو له ولا يظهر الاستغناء عنه ولا يؤذيه بقول او فعل وليتلطف في تنبيهه على خطأه اذ وقعت منه اذا وقعت منه زلة. ثم ذكر نبذة في معرفة الواجب تجاه زلة العالم هي من عيون ما في هذه المقيدة. فان زلة العالم من طبع العالم. فان الله خلق الخلق وهم مقارنون للخطيئة والسيئة. فبدور الزلة من العالم هو من الجبلة الادمية. والخليقة الطبعية التي جعل الله سبحانه وتعالى الناس عليها. فاذا صدر من احد من العلماء زلة فان مما يرعى معه اقامة هذه الامور الستة. واولها التثبت في صدور الزلة منه. اي تحقق في كون المنقول عنه زلة هو مما صدر عنه. فلربما عزي الى احد زلة هو منها فان نقل الناس لا فطام له ولا زمام. وثانيها التثبت في كون تلك الزلة خطأ وهذه وظيفة العلماء الراسخين فيسألون عنها فان الامر كما قال الاول وكم من عائب صحيحا وافته من الفهم السقيم. والحكم على شيء من اقوال العلماء وافعالهم. انه خطأ هي وظيفة الراسخين ذكره الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم لانها من جنس ابي الذي لا يميزه الا الراسخ. فمخافة اشتباهها وتجاذب الحق والباطل في الظاهرة جعل امر كشفها موكولا الى اهلها المحققين علمها من العلماء راسخين فاليهم المفزع في تحقيق ذلك الامر الذي صدر عن احد من العلماء انه زلة من الزلات ثم ذكر الامر الثالث وهو ترك اتباعه فيها فان من زل لم يكن خطأه سلما يعتذر به في متابعته. بل اذا تبين جلله وخطأه لم يتبع في ذلك التماس العذر له بتأويل شائق اي تطلب ما يحمل عليه كلامه مما له مأخذ قوي في العلم وان رجح عند المتكلم غيره فان موارد العلم مما تتباين فيها الانظار فيها معارف الرجال. فمن بان له زلل عالم بحجة وبرهان اجتهد في التماس العذر له بتأويل ممكن. لان العالم لا يتصور منه قصد الخطأ. فانه لم يبتغي العلم الا رجاء ان يقربه الى الله سبحانه وتعالى. فاذا صدرت منه زلة فالظن الحسن به انه لم يرد تلك الزلة وخامسها بذل النصح له بلطف وتيسير لا بعنف وتشهير. لان المقصود من بيان زلته عن خطئه وبلوغ هذا الغرض يمكن باللطف والتيسير. اما العنف والتشهير فربما حمله وعلى التعصب لها والاصرار على خطئه. ثم ذكر سادسها وهو حفظ جنابه. والجنابة هو الجانب والمراد به القدر. فيحفظ قدره ولا تهدر كرامته في نفوس المسلمين. بل يبقى ما له من الرتبة والمنزلة عندهم فان الخطيئة مقارنة للادمية. واذا صدر من احد من خطأ لم يحسن ان يجعل غرضا لاسقاطه واهانته عند الناس بل من ثبت مقامه في العلم والسنة حفظ قدره تعظيما للشريعة ثم ذكر ختما مما يحذر عنه وينأى منه مما يتصل بتوقير العلماء ما صورته التوقير ومآله الاهانة والتحقير. فيكون مبتغيه قاصدا توقير صاحب العلم لكنه يعرضه للضيق والاهانة كالذي اتفق من ازدحام اصحاب في الحديث على هشيم ابن بشير الواسطي حتى طرحوه عن حماره فكان سبب موته رحمه الله. نعم الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقل الخامس عشر رد مشكله الى اهله فالمعظم للعلم يعول على دهاقنته والجابدة من اهله لحل ولا يعرض نفسه لما لا تطيق خوفا من القول على الله عز وجل بلا علم. والافتراء على الدين فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف صوت الصلح قال فان العلماء بعلم تكلموا وببصر نافل سكتوا فان تكلموا في مشكل فتكلم بكلامهم وان سكتوا عنه فليسعك فليسعك ما وسعهم من اشق المشكلات الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمن والناس في هذا الباب طرفا ووسق. فقوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها الى الاهواء والاراء يستمدونها من هيجان الخطباء ورقة الشعراء وتحليلات السياسيين وارجافات المنافقين. وقوم يعرضونها على العلماء لكنهم لا قال هم ولا يرضون مقالهم فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم يجدوه مالوا عنهم والناجون من نار الفتن السالمون وهج المحن هم هم من فزع الى العلماء ولزم قولهم. وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم فطرح قوله واخذ بقولهم تجربتها والخبرة هم كانوا احق بها واهلها. واذا اختلفت اقوالهم لزم قول جمهورهم وسوادهم ايثارا للسلامة فالسلامة لا يعدلها شيء. وما احسن قول ابن عاصم رحمه الله تعالى في ملتقى الوصول وواجب في مشكلات الفهم تحسين الظن باهل العلم. ومن جملة المشكلات رد زلة العلماء والمقالات الباطلة لاهل البدع والمخالفين. فانما يتكلم فيها العلماء الراسخون بينه الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات وابن رجب رحمه الله في العلوم والحكم. واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولدت فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا. فانما نشأت كثير من الفتن حين على زلات العلماء والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناشئة الاغمار والجادة السالمة عضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقولهم فيها ذكر المصنف ووفقه الله المعقد الخامس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو رد مشكله الى اهله ومشكل العلم ما غمض منه وتعارضت فيه البينات. ما غمض منه وتعارضت فيه البينات فمن تعظيم العلم رد ما كان على هذه الصفة من الغموض وتعارض البينات الى اهل العلم والحال كما قال فالمعظم للعلم يعول على دهاطنته وجهابذة اهله لحل مشكلاته والدهاقنة والجهابدة وصفان لاهل العلم فالدهاقنة جمع اهقان بكسر الدال وتضم. وذكر الفتح ايضا وهو قوي التصرف في حدة. وهو قوي التصرف في حدة. اصله اعجمي ثم ما عرب ومثله ايضا الجهابدة. فانه جمع جهبذ بكسر الجيم وهو النقاد الخبير ببواطن الامور. وهو النقاد الخبير ببواطن الامور. فالمرء يرد ما اشكل من العلم الى الى المتصفين بهذه الرتبة من اهله ولا يعرض نفسه لما لا تطيق اي من كلفة سؤال الله سبحانه وتعالى خوفا من القول على الله بلا علم على الدين فالمرء يحجم عن المخاطرة بدينه في ابتداء القول في شيء من المشكلات مع وجود العلماء الراسخين المتكفلين ببيانه. ثم قال فهو يخاف سخطة الرحمن قبل ان يخاف صوت السلطان فالحامل له على احجامه وتعظيم الله واجلاله. الا يتكلم في دين الله سبحانه وتعالى بشيء تعظم عليه تبعته في الدنيا والاخرة. ثم ذكر حال العلماء فقال فان العلماء اي من ائمة الهدى بعلم تكلموا وبوصل نافذ سكتوا فانهم اذا منهم كلام فمنشأه العلم. واذا سكتوا عن امر لج فيه الناس فمنشأ سكوتهم بصر النافذ اي العقل الكامل. فانه يكون لهم من كمال المعرفة والخبرة. مع طول المدة وكثرة التجربة ما لا يكون لغيرهم ممن هو اصغر منهم علما وان كان في اعين الناس ممن هو اصغر منهم عمرا وان كان هو في اعين الناس اعظم علما ثم قال فان تكلموا في مشكل فتكلم بكلامهم وان سكتوا عنه فليسعك ما وسعهم. لان السلامة لا يعدلها شيء. والسلامة التي لا تعدل حاديها الخوف من الله سبحانه وتعالى ان يتكلم المرء بشيء في دين الله فاذا اوقفه الله عز وجل بين يديه فسأله لم يجد لنفسه مخرجا. وربما ظهرت ندامته على قوله في الدنيا بتأسفه على صدور كلام منه جر الى اراقة الدماء وترويع الامنين وهتك العورات انا يسعه من السلامة الدينية ان يكل الامر الى العلماء الراسخين العارفين بهذا. ثم ذكر بعد ان من اشق المشكلات التي تغضب على الناس الفتن الواقعة والنوازل الحادثة التي تتكاثر مع امتداد الزمان ثم بين اقسام الناس فيها فقال والناس في هذا الباب طرفان ووسط فهم ثلاثة اقسام فالقسم الاول قوم اعرضوا عن استفتاء العلماء فيها وفزعوا الى الاهواء والاراء يستمدونها من هيجان للخطباء ورقة الشعراء وتحليلات السياسيين وارجافات المنافقين. فهو يغمض عينه ويصم اذنه عن قول العلماء فيها ويلتمس من غيرهم ما يوافق رغبته وهواه والقسم الثاني قوم يعرضونها على العلماء ليظهروا منهم بما يوافق ما في نفوسهم ثم تكون حالهم انهم لا يرتضون قالهم ولا يرضون يرضون مقالهم. فكأنهم طلبوا جوابا يوافق هوى في نفوسهم فلما لم يجدوه مال عنهم. ثم ذكر القسم الثالث فقال والناجون من نار الفتن السالمون من وهج المحن. هم من فزع الى العلماء ولزم قولهم وان اشتبه عليه شيء من قولهم احسن الظن بهم فطرح قوله لقولهم فالتجربة والخبرة هم كانوا احق بها واهلها واذا افترقت اقوالهم اخذ بقول جمهورهم وسوادهم ايثارا بالسلامة السلامة لا يعدلها شيء والمراد السلامة السلامة الدينية. فكم من امرئ هتك دينه باقدامه على هذه النوازل وتجرؤه عليها فعرض دينه لما بدده وفرقه. فخرج من التوحيد الى الشرك. او من السنة الى البدع او من الطاعة الى المعصية بجريرة جرائته بالقول في المشكلات على ما لا طاقة له به وقوله السالمون من وهج المحن المراد بالوهج حر النار. ونار المحن لها حر ثم قال بعد ومن جملة المشكلات اي الامور التي تغمض وتتعارض فيها البينات رد زلات والمقالات الباطلة لاهل البدع والمخالفين فانما يتكلم فيها العلماء الراسخون بينه الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم لانها من جنس المتشابه الذي لا يترشح له الا الراسخ في العلم. وللشاطبي كلام منثور واسع الاطراف في الموافقات والاعتصام في بيان ذلك. واما ابن رجب انه ذكر هذا في جامع العلوم والحكم. فقال في اوفى بيان ومن انواع النصح لله تعالى وكتابه. ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو مما يختص بالعلماء. رد الاهواء المضلة بالكتاب والسنة. وبيان دلالتهما اعلى ما يخالف الاهواء كلها. وكذلك الاقوال الضعيفة من زلات العلماء وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها انتهى كلامه لان من لم ترسخ قدمه في العلم ربما رد البدعة ببدعة. فالعلماء هم متكفلون برد هذا وطلاب العلم ينقلون كلام العلماء. فاذا رأى طالب العلم بدعة في بلده نظر في كلام العلماء فيها مما تلقاه عند عنهم. فرد بما ذكروا. فان كانت البدعة التي ظهرت لا علم له بها ولا خبرة بوجود رد للعلماء فيها فزع الى العلماء فسألهم فطلاب العلم في رد البدع بمنزلة المبلغين اقوال العلماء ليسلموا من رد بدعة ببدعة او زيادة وهم يريدون تخفيفهم فان للعالم من الرسوخ ما يبين له الحق ويبينه بايسر سبيل ثم ذكر الحالة التي صار الناس عليها بقوله واذا واذا تعرضت الناشئة والدهماء للدخول في هذا الباب تولى فتن وبلايا كما هو مشاهد في عصرنا. فانما نشأت كثير من الفتن يوم تعرض للرد على زلات العلماء والمقالات المخالفة للشريعة بعض الناشئة الاغمار والجادة السالمة عرضها على العلماء الراسخين والاستمساك بقولهم فيها. واصل هذا في اثار السلف ما اتفق من حال ابي موسى الاشعري مع اهل الحلق الذين رآهم مجتمعين في المسجد يسبحون ويحمدون ويهللون. فاحجم عن الانكار عليهم وفزع الى ابن مسعود. ولما اخبر ابن مسعود سأله ابن مسعود ماذا رأيت؟ فقال رأيت خيرا. فلم يبادر ابو موسى الاشعري الى انكار ذلك رده الى من هو عند اهل الكوفة ارسخ قدما واثبتوا علما في معرفة السنة والبدعة فكان من مقام ابن ابن مسعود الحميد في رد تلك البدعة ما لم يكن لابي موسى الاشعري وهو السابق بعلمها والاطلاع على احوال اهلها وصار اصلا في رد كشف هذه المعضلات من البدع من البدع الحادثات الى العلماء الراسخين. وقوله الاغمار جمع غمر. بضم الغين وسكون الميم. وتضم ايضا فيقال غمر وهو الذي لم يجرب الامور ولم يطلع على حقائقها. وهو الذي لم يجرب الامور ولم يطلع على حقائق نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقد السادس عشر توقير مجالس العلم واجلال اوعيته فمجالس العلماء كمجالس الانبياء قال ابن عبد الله رحمه الله تعالى من اراد ان ينظر الى مجالس الانبياء فلينظر الى مجالس العلماء. يجيء الرجل فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حلف عنك ويأتيه بكذا وكذا يجيء الرجل فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته سوى خوف يقول ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا. فيقول ليس يحنث بهذا القول وليس هذا الا لنبي او لعالم فاعرفوا لهم ذلك وقال مالك ابن انس رحمه الله ان مجالس العلماء تحتضن بالخشوع والسكينة والوقار وقد كان مالك رحمه الله اذا اراد ان يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن من جلوسه بوقار وهبة ثم حدث وكان عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله الله تعالى لا يتحدث في مجلسه ولا يرى فيه قلم ولا يتبسم فيه احد. وكان وكيع ابن الجراح رحمه الله تعالى في مجلسه كأنهم في صلاة ان يعرف لمجالس العلم حقها فيجلس فيها جلسة الادب ويصغي الى الشيخ ناظرا اليه فلا يلتفت عنه من غير ضرورة. ولا يضطرب لضجة يسمعها ولا يعبث بيديه او رجليه ولا يستند بحضرة شيخه ولا يتكئ على يده ولا يكثر التنحنح والحركة ولا يتكلم مع جاره واذا عطس خفض صوته ستر فمه بعد رده جهده. وينضم الى توقير مجالس العلم اجلال اوعيته التي يحفظ فيها وعمادها الكتب. فاللائق بطالب العلم صون كتاب وحفظه واجلاله والاعتناء به فلا يجعله صندوقا يحشوه بودائعه. ولا يجعله بوقا واذا وضعه وضعه بلطف وعناية. وما اسحاق يوما بكتاب كان في يده فرآه ابو عبدالله احمد ابن حنبل رحمهم الله فغضب وقال اهكذا يفعل بكلام الابرار؟ ولا يتكئ على او يضعه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه. ذكر المصنف وفقه الله المعقد السادس عشر من معاقد تعظيم العلم وهو توقير مجالس العلم اي اجلالها واعظامها. واجلال اوعيته والاوعية ما يحفظ فيه العلم من كتاب ونحوه والداعي الى هذا المعقد هو ان مجالس العلماء كمجالس الانبياء فان العلم ميراث النبوة وذكر من الاثار السلفية ما يبين هذا ثم قال فعلى طالب العلم ان يعرف لمجالس العلم حقها وهو ما ثبت بطريق الشرع لا بالطول والدرع. وذكر من انحاء ذلك ووجوهه ان يجلس فيها جلسة الادب الى الشيخ ناظرا اليه لا يلتفت عنه من غير ضرورة ولا يضطرب لضجة يسمعها الى اخر ما ذكره من الاداب اللائقة بمجلس العلم ثم قال وينضم الى توقير مجالس العلم اجلال اوعيته التي يحفظ فيها وعماد الكتب فاللائق بطالب العلم صون كتابه وحفظه واجلاله والاعتناء به. فلا يجعله صندوقا يحشوه اي يملؤه بما يودعه فيه من اشياء يدخرها مكنوزة لوسطه. ولا يجعله بوقا بان يلفه حتى يكون في صورة البوق الذي ينفخ فيه. واذا وضعه وضعه بلطف وعناية اكبارا واجلالا له وذكر ما اتفق ان اسحاق بن راهويه رمى يوما بكتاب كان في يده فغضب ابو عبدالله احمد بن حنبل وقال قال اهكذا يفعل بكلام الابرار؟ وهذه الغضبة الغضنفرية والصعقة الاثرية موجبها ان يكون فيه كلام الابرار. فكيف اذا كان فيه كلام الله او كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فالكتب التي بايدينا مملوءة بالايات القرآنية والاحاديث النبوية فحقها اعظامها واجلالها ومن جملة الادب معها الا يتكئ على الكتاب او يضعه عند قدميه واذا كان يقرأ فيه على شيخ رفعه عن الارض وحمله بيديه توقيرا واجلالا له. نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقل السابع عشر. الذب عن العلم والذود عن حياضه للعلم حرمة وافرة توجب الانتصار له اذا تعرض لجنابه بما لا يصلح. وقد ظهر هذا الانتصار عند اهل العلم في مظاهر منها الرد على المخالف من فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية للدين ونصيحة للمسلمين. ولم يزل الناس يرد بعضهم على بعض قاله الامام احمد رحمه الله لكن مرشح لذلك هم العلماء لا الدهماء مع لزوم الادب وترك الجور والظلم. ومنها هجر مبتدع ذكره ابو يعلى الفراوي اجماعا فلا يؤخذ العلم عن اهل البدع لكن اذا اضطر اليه فلا بأس كما في الرواية عنهم لدى المحدثين. وفي ذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الحفيد مقررا اصلا كبيرا تعظم الحاجة اليه في ازمنة الجاهلية والفتن. فاذا تعذر اقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك الا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ذلك الواجب. كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة خيرا من العكس. ومنها زجر المتعلم اذا تعدى في بحثه او ظهر منه لدد او سوء ادب. كان عبدالرحمن المهدي رحمه الله ان تحدث احد في مجلسه او بري قلم صاح ولبس نعليه ودخل وكان وكيع اذا انكر من امر جلسائه شيئا فعل ودخل وشوهد هذا مرارا من شيخة شيوخنا محمد ابن ابراهيم ال الشيخ فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتشدق في فاخذ نعليه وانصرف وحضر شاب مجلس سفيان الثوري رحمه الله فجعل يترأس ويتكلم ويتكبر بالعلم فغضب سفيان وقال لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف هكذا كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجلس في الصدر حتى يطوى هذا العلم ثلاثين سنة وانت تتكبر على من هو اسن منك قم عني ولا اراك تدنو من من مجلسي وكان يقول اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من زجرا له فليفعل كما فعل سفيان. وكما كان يفعل شعبة ما عفان ابن مسلم في درسه. وقد ينزل المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته في السكوت جوابا قاله الاعمش ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز رحمه الله فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده. ذكر المصنف وفقه الله المعقل السابع عشر من معاقل تعظيم العلم. وهو الذب عن العلم اي الدفاع عنه والذود عن حياضه اي الحيلولة دون موارده من العلماء والتصانيف لما للعلم لما للعلم من حرمة وافرة توجب الانتصار له. وذكر جملة من مظاهر انفصال اهل العلم علمي له منها الرد على المخالف. فمن استبانت مخالفته للشريعة رد عليه كائنا من كان حمية للدين نصيحة للمسلمين قال الامام احمد لم يزل الناس يرد بعضهم على بعض فليس رد القول مخالف الدليل من هجر القول بل هذا اصل مقرر وثيق في الشرع وهو من وظائف العلماء فهم مرشحون لذلك دون الدهماء. والدهماء هم العامة. سموا دهناء لانهم قد غطوا الارض فاصل الدهن التغطية. سموا دهماء لانهم قد غطوا الارض. فاصل الدهم التغطية واكثر اهل الارض من قبل ومن بعض هم من العوام الدهماء. ومنها هجر المبتدع اجماعا فان مما يحفظ به العلم ان ان يهجر اهل البدع فلا يؤخذ العلم عنهم. فالاصل تركهم الاعراض عنهم لكن ان اضطر اليه فلا بأس كان يكون في دراسة نظامية لا سبيل له الى التخلي من الاخذ عن الممسوس ببدعة او غير ذلك من الاحوال وفق المقرر عند المحدثين في الرواية عن اهل البدع وتتأكد مراعاة هذا في ازمنة الجاهلية والفتن كما هو المذكور في الكلام المنقول عن ابن تيمية الحفيد. ومنها جدر المتعلم اذا تعدى في بحثه وظهر او ظهر منه لدى اي خصومة شديدة او سوء ادب فانه يزجر اذا بدر منه شيء من ذلك وذكر من احوال السلف ما كان عليه عبدالرحمن ابن مهدي وما كان عليه وكيع ثم قال وشوهد هذا مرارا من شيخ شيوخنا ابن ابراهيم ال الشيخ فكم مرة رؤي منصرفا لما سمع طالبا يتصدق في مقاله فاخذ نعله وانصرف فزجرهم بالاعراض عنهم. ثم ذكر قول سفيان لما بدر من شاب طلب الرئاسة بالكلام والتكبر في العلم لم يكن السلف هكذا لم يكن السلف هكذا. كان احدهم لا يدعي الامامة ولا يجلس في الصدر اي في المقدم من المجلس حتى يطلب هذا العلم ثلاثين سنة. وان تتكبر على من هو اسن منك قم عني ولا اراك تدنو من مجلسي. ثم ذكر عنه قوله اذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ يعني بين ايدي اهل العلم علم الكبار وان كان قد بلغ من العلم مبلغا فايس من خيره فانه قليل الحياء. ومن قل حياؤه قل ورعوه واذا قل الورع سلب العبد العلم. ثم قال وان احتاج المعلم الى اخراج المتعلم من مجلسه زجرا له فليفعل اي اذا رأى ان المنفعة له ولغيره ان يخرجه من مجلسه فينهاه عن حضور هذا فليفعل فان هذا من حفظ العلم والانتصار له. وذكر من المأثور في فعله عن بعض السلف ثم قال وقد المتعلم بعدم الاقبال عليه وترك اجابته. فالسكوت جواب قاله الاعمش. ورأينا هذا كثيرا من جماعة من الشيوخ منهم العلامة ابن باز فربما سأله سائل عما لا ينفعه فترك الشيخ اجابته اي اعرض عن اجابته وامر القارئ ان يواصل قراءته او اجابه بخلاف قصده تأديبا له وحفظا لحرمة العلم فان مجرد صدور السؤال لا يستحق به الجواب. قال ابن مسعود من افتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون. رواه الدارمي. فمن الاجوبة ما يكون حق فمن الاسئلة ما يكون حقه الاعراض عنه. ومن صحب العلماء وتزكى باحوالهم هذا ظاهرا فيهم. نعم الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقل الثامن عشر التحكم في مسألة العالم فرارا من مسائل الشغب وحفظا لهيبة العالم فان من السؤال ما يراد التشغيل وايقاظ الفتنة واشاعة السوء. ومن انس منه العلماء هذه المسائل لقي منهم ما لا يعجبه. كما مر معك في زجل المتعلم فلابد من التحفظ في مسألة عالم ولا يفلح في تحفظه فيها الا من اعمل اربعة اصول اولها الفكر في سؤاله لماذا يسأل؟ فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم لا التعنت تودعكم فان من ساء قصده في سؤاله يحرم بركة العلم ويمنع منفعته. وفي الناس من يسأل وله في سؤاله قسط باطل يريد التوصل به الى مقصود له اذا غفل عنه المفتي وافتاه بما يريد فرح به واشاعه واذا تنبه الى قصده حال بينه وبين مراده وزجره عن غيه. قال القرافي رحمه الله تعالى في كتابه الاحكام سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة هل يجوز ام لا؟ فارتبت وقلت له اي للسائل ما افتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام فان كل احد يعلم وان عقد نكاح بالقاهرة جائز فلم ازل به حتى قال انا اردنا ان نعقده خارج القاهرة فمنعنا لانه استحلال يعني نكاح تحليل. وهو نوع من الانكحة المحرمة فجئنا للقاهرة فقلت له لا يجوز لا بالقاهرة ولا بغيرها ووقع مثل هذا لابي العباس ابن تيمية الحبيب رحمه الله تعالى في فتوى تتعلق باهل الذمة ذكرها تلميذه البار ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه اعلام الموقعين ردت عليه غير مرة في وجه غير وجه السابق لها فكان يقول لا يجوز حتى قال في اخر مرة هي المسألة المعينة وان خرجت في عدة قوالب. اما الاصل الثاني التفقه الى ما فالتفطن الى ما يسأل عنه. فلا تسأل عما لا نفع فيه اما بالنظر الى حالك او بالنظر الى المسألة نفسها. سأل رجل احمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن يأجوج ومأجوج امسلمون هم؟ فقال له احكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟ ومثله السؤال عما لم يقع او ما لم او ما لا يحدث به كل احد وانما يخص به قوم دون قوم. اما الاصل الثالث فالانتباه الى صلاحية حال الشيخ للاجابة عن سؤاله. فلا يسأله في حال تمنعه ككونه مهموما او متفكرا او ماشيا في طريق او راكبا سيارته بل يتحين طيب نفسه. قال قتادة رحمه الله تعالى سألت ابا الطفيل مسألة فقال ان لكل مقام مقالة. وسأل رجل ابن ابن المبارك رحمه الله تعالى عن حديث وهو يمشي فقال ليس هذا من توقير العلم. وكان عبدالرحمن بن ابي ليلى رحمه الله تعالى اكرم ان يسأل وهو يمشي اما الاصل الرابع فتيقظ السائل الى كيفية سؤاله باخراجه في صورة حسنة متأدبة ويقدم الدعاء للشيخ مبجله في خطابه ولا تكون مخاطبته له كمخاطبته اهل السوق واخلاط العوام. قال جعفر ابن ابي عثمان كنا عند احد معين فجاءه رجل مستعجل فقال يا ابا زكريا حدثني بشيء اذكرك به. فقال يحيى اذكرني انك سألتني ان احدثك فلم افعل. واذا تأملت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم. رأيت من كثير منها سلب التحفظ وسفساف الادب فترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع لا يتخيرون وقت الايراد المناسب. ولا يتلطفون في عرض المطالب فسؤالاتهم مفاتيح الفتن المحن وويل لهم مما يصنعون. وما احوج هؤلاء الى مقاتل زيد ابن اسلم لما سأله رجل عن شيء فخلط عليه فقال زيد. اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعالى فسل وكم هم المحتاجون اليوم الى مثل مقالة زيد ابن اسلم. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثامن عشر من معاقد تعظيم العلم وهو التحفظ في مسألة العالم. اي حفظ النفس عن الخطأ بالتوقي فيها. اي حفظ النفس عن الخطأ بالتوقي فيها. وموجبه المذكور في قوله فرارا من مسائل الشر وحفظا لهيبة العلم والشغب بسكون الغين. وهو تهييج الشر وتحريكه ثم ذكر ان المفلح في السؤال المتحفظ فيه هو من اعمل اربعة اصول. اولها الفكر في اله لماذا يسأل اي اي شيء يحمله على السؤال؟ فيكون قصده من السؤال التفقه والتعلم لا التعنت والتهكم قم فان من ساء قصده في سؤاله يحرم بركة العلم ويمنع منفعته. ثم ذكر من احوال الناس ان منهم من يسأل وله في سؤاله قصد باطن يريد به التوصل الى مقصود باطل له. كالمذكور في المسألتين معروضتين على القرافي وابن تيمية الحفيد رحمهما الله. ثم ذكر الاصل الثاني وهو التفطن الى ما يسأل عنه. فلا يسأل عن شيء الا شيئا ينفعه. واما ما لا ينفعه فلا ينبغي له ان يسأل فيه كسائل احمد ابن حنبل ان يأجوج ومأجوج او مسلمون هم ثم ذكر الاصل الثالث وهو الانتباه الى صلاحية حال الشيخ للاجابة على سؤاله اي تهيؤه للجواب فانه ربما كان مهموما او مغموما او مشغولا في طريق او في حال فلم يحسن سؤاله ذكر من المأثور عمن سبق شيئا في ذلك. ثم ذكر الاصل الرابع وهو تيقظ السائل الى كيفية سؤاله بان يخرجه في صورة حسنة متأدبة فيقدم الدعاء للشيخ. ويبجله في خطابه اي يعظمه ثم يعرض سؤاله عليه. ولا مخاطبته شيخة كمخاطبته اهل السوق واخلاط العوام. ثم ذكر الداهية المدهية من والات اهل العصر في حالها فقال واذا تأملت السؤالات الواردة على اهل العلم اليوم رأيت في كثير منها سلب التحفظ وسفساف فالادب ثم ذكر من احوالهم فترى من يسأل متهكما او يسأل محتقرا يسألون عما لم يقع او ما وقع ولا ينفع لا يتخيرون وقت الايراد المناسب ولا يتلطفون في عرض المطالب فسؤالاتهم مفاتيح الفتن واسباب المحن وويل لهم مما يصنعون. ثم ذكر قول زيد ابن اسلم لما خلط سائل فقال له اذهب فتعلم كيف تسأل ثم تعال فسل وقوله سفسفا الادب اي رديئة فاستفساف من كل شيء هو الرديء نعم. احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقل التاسع عشر. شغف القلب بالعلم وغلبته عليه. فصدق الطلب له يوجب محبة وتعلق القلب وتعلق القلب به ولا ينال العبد درجة العلم حتى تكون لذته الكبرى فيه. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة ومن لم يغلب لذة ادراكه على لذة جسمه وشهوة نفسه لم ينل درجة العلم ابدا. وانما تنال لذة العلم بثلاثة امور ذكرها ابو عبد الله ابن القيم في كتابه السالف. احدها بذل الجهد وثانيها صدق الطلب وثالثها صحة النية والاخلاص. ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ومن سبر هذه اللذة في احوال السابقين من علماء الامة رأى عجبا فلسان احدهم ما لذتي الا رواية الا رواية مسند قد قيدت بفصاحة الالفاظ ومجالس فيها تحل سكينة ومذاكرات معاشر الحفاظ. ان لذة العلم فوق لذة السلطان والحكم التي تتطلع اليها نفوس كثيرة وتبذل لاجلها اموال وفيرة وتسفك دماء غزيرة بات ابو جعفر النسفي مهموما من ضيق البال وسوء الحال وكثرة العياد فوقع في خاطر اي فرع من فروع مذهبه وكان حنفيا فاعجب به فقام يرقص في داره ويقول اين الملوك وابناء الملوك؟ اين الملوك وابناء الملوك اذا خاض في بحن التفكر خاطري على درة من معضلات المطالب حقرت ملوك الارض في نيل ما حوى ونلت المنى بالكتف لا بالكتائب لهذا كانت الملوك تتوق الى لذة العلم وتحس بقدها وتطلب تحصيلها. قيل لابي جعفر المنصور الخليفة العباسي المشهور الذي كانت ممالكه تملأ الشرق والغرب. هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله فقال وهو مستو على كرسيه وسليم ملكه. بقيت خصلة ان اقعد على مسطبة وحولي اصحاب الحديث اي طلاب العلم فيقول المستملئ من رحمك الله يعني فيقول حدثنا فلان قال حدثنا فلان ويسوق الاحاديث المسندة فانظر الى شدة افتقار هذه الخليفة الى لذة العلم وطلبه تحصيلها وجوعته اليها ومتاعمر القلب بلذة العلم سقطت لذات العادات وذهلت النفس عنها فالنظر ابن شميل رحمه الله يقول لا يجد المرء لذة العلم حتى يجوع خمسة جمعة بل تستحيل الالام لذة بهذه اللذة ومحمد ابن هارون الدمشقي ويقول لمحبرة تجالسني نهاري احب الي من انس الصديق ورزمتك غد في البيت عندي احب الي من عدل الدقيق ولطمة عالم في الخد مني الذ لدي من شرب من شرب الرحيق ولا تعجب فما هذه الاحوال الا الا مس عشق العلم. فابن القيم رحمه الله يقول في روضة المحبين. واما عشاق العلم فاعظم شغفا به وعشقا له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا يشغله عنه اجمل صورة من البشر. فاين هذا الشغف يا طلاب العلم ممن يقدم حظه من عرسه على حظه من درسه ويكون جلوسه من السمار والشيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء. وتقوى عزيمته للتنقل في الفلوات ولا تقوى على السير في نقل المعلومات وينهض نشيطا لقنص الطير ويرقد كسلا عن صيد الخير. فما حظ هؤلاء وكثير هم ما احظهم من تعظيم العلم وقلوبهم مأسورة بمحبة غيره. ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع عشر من معاقد تعظيم العلم وهو شغف القلب بالعلم مغالبته عليه اي محبته العلم حتى يبلغ شغاف قلبه. وشغاف القلب هو غشاؤه فيبلغ حبه العلم باطن قلبه. فصدق الطلب للعلم يوجب محبته تعلق القلب به ثم ذكر ان المرء يحظى بلذة العلم باحراز ثلاثة امور ذكرها ابن القيم في مفتاح دار السعادة احدها بذل الوسع وهو الطاقة والجهد فيه وثانيها صدق الطلب وثالثها صحة النية والاخلاص ثم ثم قال ولا تتم هذه الامور الثلاثة الا مع دفع كل ما يشغل عن القلب. ثم ذكر بعد من اخبار الاوائل عظيم من اناث هذه اللذة ومحبتها والشغف بها ما يخبر عن ذلك اصدق خبر حتى كان الملوك اليها ويرجونها. وذكر خبر ابي جعفر المنصور وفيه قوله بقيت خصلة ان اقعد على مصطبة وحولي اصحاب الحديث اي على مكان مرتفع ليروي الحديث في كتب عنه. ثم ذكر ان هذه الاحوال داعيها هو عشق العلم وغلبته على القلب. ثم لوح باحوال مذمومة يقع فيها بعض المنتسبين الى العلم مما يدل على ضعف محبتهم له. كان منها قوله ويكون جلوسه الى السماري اي اصحاب الثمر شيوخ القمراء احب اليه من الجلوس الى العلماء. وشيوخ القمراء قال محمد بن عقبة الشيباني شيوخ ديون شيوخ دهريون اي طويلة اعمارهم. يجتمعون في ليالي القمر اي الليالي المقمرة فيتحدثون بايام الخلفاء ولا يعرف احدهم كيف يتوضأ فيتحدثون بايام الخلفاء ولا يعرف احدهم كيف يتوضأ فتجد من المنتسبين الى العلم من يأنس بهؤلاء و بمسامرتهم عن الانتفاع بالعلماء. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى المعقد العشرون حفظ الوقت في العلم اذا كان العلم اشرف مطلوب والعمر يطوى كجليل يذوب فعين العقل حفظ الوقت فيه والخوف ومن تقضيه بلا فائدة. والسؤال عنه يوم القيامة يحملني واياك على المبالغة في رعايته. قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره ينبغي للانسان ان يعرف شرف وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة ويقدم فيه الافضل فالافضل من القول والعمل ومن هنا عظمت رعاية على مائل الوقت حتى قال ابن عبدالباقي البزاد ما ضيعت ساعة من عمري في لهو او لعب. وقال ابو الوفاء ابن عقيل رحمه الله الذي صنف كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد. اني لا نريد ان نضيع ساعة من معموري وبلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم حال الاكل فلقد كان احمد بن سليمان البقاسي المتوفى عن ثمانية وعشرين. المتوفى عن ثمانية وعشرين يقرأ القراءات في حال اكله خوفا من ضياع وقته في غيرها فكان اصحابه يقرأون عليه وهو يتناول مأكله ومشربه بل كان يقرأ عليهم وهم في دار الخلاء فكان ابن تيمية الجد رحمه الله اذا دخل الخلاء لقضاء حاجة قال لبعض من حوله اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك وتجلت هذه الرعاية للوقت عند القوم رحمهم الله في معالم عدة لم تبلغها الحضارات الانسانية قاطبة. منها كثرة دروسهم فقد كان النووي رحمه الله كل يوم فقد كان النووي رحمه الله يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على مشايخ قف والشوكاني رحمه الله صاحب نهي الاوطان تبلغ دروسه في اليوم والليلة ثلاثة عشر درسا منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته. واربى محمود الى صاحب التفسير عليهم جميعا فقد كان يدرس باليوم اربعة وعشرين درسا. ولما اشتغل بالتفسير والافتاء نقصت الى ثلاثة عشر درسا. ثم رأيت في ترجمة محمد بن ابي بكر لجماعة موسى وتبلغ في اليوم والليلة نحو خمسين درسا ومنها كثرة مدروساتهم فقد درس ابن التبان المدونة نحو الف مرة وربما وجد في بعض كتب عباس الفارسي بخطه الف مرة وكرر غالب بن عبد الرحمن المعروف بابن عطية والد صاحب التفسير المشهور صحيح البخاري سبعمائة مرة ومنها كثرة مكتوباتهم فاحمد ابن عبد الله المقدسي رحمه الله احد شيوخ العلم من الحنابلة كتب بيده الفي مجلد ووقع مثله لابن الجوزي رحمه الله. ومنها كثرة مقروءاتهم فابن الجوزي رحمه الله طالع وبعد في الطلب عشرين الف مجلد ومنها كثرة شيوخهم فالذين جاوزوا جاوز عدد شيوخهم الالف كثير في هذه الامة واعجب ما ذكر ان ابا سعد السمعاني بلغ عدد شيوخه سبعة الاف شيخ. قال ابن النجار رحمه الله في نيل تاريخ بغداد. وهذا شيء لم يبلغه احد. ومنها كثرة مسموعاتهم ومقروءاتهم على شيوخهم من في المطولة والاجزاء الصغيرة فقد تعد بالالاف المؤلفة كما وقع لابن السمعاني المذكور وصاحبه ابن عساكر رحمه الله تعالى في جماعة اخرين ومنها كثرة مصنفاتهم حتى عدت الف مصنف لجماعة من علماء هذه الامة منهم عبدالملك بن حبيب عالم الاندلس وابو الفرج ابن الجوزي رحمهم الله فاحفظ ايها وقتك فلقد ابلغ الوزير الصالح ابن هبيرة رحمه الله تعالى في نصحك بقوله والوقت انفس ما عنيت بحفظه واراه اسهل ما عليك ذكر المصنف وفقه الله المعقد المتمم للعشرين وهو حفظ الوقت في العلم لان العلم مطلوب والعمر يطوى كجليد يذوب فلا يمكن احرازه الا بحفظ الوقت فيه ومن هنا عظمت رعايته العلماء للوقت وبلغت بهم الحال ان يقرأ عليهم حال الاكل بل كان يقرأ عليهم وهم في دار الخلاء كالمذكور هنا عن ابن تيمية الجد ومثله في قراءة ابن ابي حاتم على ابيه وما وقع منهما هما غيرهما لا يباين اعظام العلم فان القارئ كان خارج الكنيف مباعدا له وانما اراد حفظ الوقت بالانتفاع اي به ثم ذكر جملة من المعالم التي برزوا فيها في حفظ الوقت حتى صارت اعلاما شهيرة في هذا الامة ككثرة دروسهم وكثرة مدروساتهم وكثرة مقروءاتهم وكثرة شيوخهم وكثرة مسموعاتهم وكثرة مما لا ينال مثله الا بحفظ الوقت ثم ختم ببيت ابن هبيرة والوقت انفس ما عنيت بحفظه اي شغلت حفظه واراه اسهل ما عليك يضيع. واراه بالضم. بمعنى اظن. ويجيء ايضا بالفتح اراه بمعنى اعلم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله تعالى الخاتمة. الى هنا بلغ القول التمام وحسنا قطع الكلام بالختام. فيا سداة العلم وطلاب ويا قصاد الفقه واربابه امتثلوا معاقل التعظيم وانتم تقبلون على مقاعد التعليم. تجدوا نفعه وتحمدوا عاقبته واياكم التهاون بها والعزوف عنها فانها مفتاح العلم وميقات الفهم. فبها تجمع العلوم وتؤصل وبها تيسر الفنون وتحصل. فشمروا عن الجد ولا تشغلوا بميعة الجد. واحفظوا رحمكم الله قول ابي عبد الله ابن القيم رحمه الله طالب النفوذ الى الله والدار الاخرة بل الى كل علم كصناعة ورئاسة بحيث يكون رأسا في ذلك مقتدا به فيه يحتاج ان يكون شجاعا مقداما حاكما على وهمه غير مقهور تحت سلطان تخيله زاهدا في كل ما سواه تطلبه عاشقا لما توجه اليه عارفا بطريق الوصول اليه وطرق القواطع عنه مقدام الهمة ثابت الجأش لا يثنيه عن مطلوبه لو ملائم ولا عدل عادل كثير السكون دائما الفكر غير مائل مع لذة المدح ولا الم الذنب قائما بما يحتاج اليه من اسباب معونته لا تستفزه المعارضات وشعاره الصبر وراحته التعب محبا لمكارم الاخلاق حافظا لا يخالط الناس الا على حذر. فالطائر الذي يلتقط الحب بينهم قائما على نفسه بالرغبة والرهبة. طامعا في نتائج الاختصاص على بني جنسه غير مرسلين شيئا من حواسه عبثا ولا مسرحا خواطره في مراتب الكون. وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق الحائلة بينك وبين المطلوب انتهى كلامه فما اجمله ذكرى وتبصرة! اللهم يسر لنا تعظيم العلم واجلاله واجعلنا ممن سعى له كذلك فناله. اللهم انا نسألك علما نافعا ونعوذ بك من علم لا ينفع. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وعملا. اللهم اقسم لنا من ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ابدا ما احييتنا واجعله الوارث منا. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا الى النار مصيرنا ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. ختم المصنف وفقه الله كتابه بالنداء في شدات العلم وهم من اخذ بطرف منه فالشادي في العلم هو الاخذ طرفا منه فالشادي في العلم هو الاخذ طرفا منه وقال في ندائه امتثلوا معاقد التعظيم وانتم تقبلون على معاقد على مقاعد التعليم تجد نفعه وتحمد عاقبته ثم ذكر من كلام ابن القيم ما يبين الخصال التي ينبغي ان يتحلى بها من يطلب الامامة في الدين. فذكر اثني فذكر اثنين وعشرين خصلة ردها بعد الى امرين فقال وملاك ذلك هجر العوائد وقطع العلائق. وملاك الامر هو قوامه ونظامه وعماده. فالخصال المتقدمة تنتظم بردها الى هجر العوائد وقطع العلاء المراد بهجر العوائد ترك ما جرت عليه عادة الناس والمراد بقطع العلائق الصلات الحائلة بين العبد وبين مطلوبه. وزاد ابن القيم في موضع اخر رفض وفرق بينها وبين العلائق بان العوائق هي الحوادث الخارجية. اي التي تعرض للعبد من غيره ان العلائق هي التعلقات الداخلية القلبية. فتحصيل المطلوبات يرجع الى ثلاثة اصول فتحصيل المطلوبات يرجع الى ثلاثة اصول. احدها هجر العوائد وثانيها قطع العلائق وثالثها رفض العوائق فمتى تحرى الانسان هؤلاء في طلب مقصوده ادركه. واليها اشرت فقلت اهجر عوائدهم واقطع ملائكه اهجر عوائدهم واقطع علائقهم وارفض عوائقهم ان كنت ذا طلب وارفض عوائقهم ان كنت ذا طلبي. فنكون بهذا قد فرغنا بحمد الله من قراءة الكتاب الاول اكتبوا طبقة سماعه سمع علي جميع لمن حضر الجميع ومن كان عليه فوت يقيد فيقول كثيرا منه. جميعة كتاب تعظيم العلم بقراءة غيره في البياض الثاني في البياض الاول جميع ومن عليه فوت يكتب كثيرا. وفي البياض الثاني بقراءة غيره صاحبنا ويكتب اسمه تاما فتم له ذلك في مجلسين بالميعاد المثبت في محله من نسخته. واجزت له روايته عني اجازة خاصة من معين لمعين في معينة والحمد لله رب العالمين صحيح ذلك وكتبه صالح ابن عبد الله ابن حمد العصيمي يوم الجمعة. الخامس والعشرين من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين بعد الاربع مئة والالف في المسجد النبوي بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والحمد لله اولا واخرا ولقاؤنا بعد المغرب في الكتاب الثاني باذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين