السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل الدين مراتب ودرجات. وسير للعلم به اصول ومهمات واشهد ان لا اله الا الله حقا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم باسناد كل الى سفيان ابن عيينة عن عمرو دينار عن ابي قابوس مولى عبد الله بن عمر عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه عليه وسلم قال الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين في تلقينهم احكام الدين وترقيتهم في منازل ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على مهمات العلم. باقراء اصول المتون. وبيان مقاصدها كلية ومعانيها الاجمالية. ليستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم. ويجد فيه المتوسطون ما اذكرهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم. وهذا شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته الثامنة ثمان وثلاثين واربع مئة والف. وهو كتاب تعظيم العلم لمصنفه فيه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم بارك لنا في شيخنا وانفعنا بعلمه واجزه عنا خير الجزاء. قلتم احسن الله اليكم في مصنفكم تعظيم العلم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ما عظمه معظم وسار اليه راغب متعلم. واشهد ان لا اله الا الله وحده وحده لا شريك له شهادة نبرأ بها من شرك الإشراق. فتوجب لنا النجاة من نار الهلاك. واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ رسالته واداها واسلم امانته وابداها. انتصبت بدعوته اظهر الحجج. واندفعت ببيناته الشبهات فورثنا المحجة البيضاء والسنة الغراء لا يتيم فيها ملتمس ولا يرد عنها مقتبس. صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه عدد من تعلم وعلم. اما بعد فلم يزل العلم ارثا جليلا يتعاقب عليه الاماكن جيلا جيلا. ليس لطلاب المعالي هم سواه. ولا رغبة لهم في مطلوب عداه. وكيف الا وبه تنال سعادة الدارين وطيب العيشين. هو شرف الوجود ونور الاغوار والنجود. حلية الاكابر ونزهة النواب من مال اليه نعيمة ومن جال به غنم ومن انقاد له سلم. لو كان سلعة تباع لبذلت في الاموال العظام او صعد في السماء نسمت اليه نفوس الكرام. هو من المتاجر ارباحها وكالمفاخر اشرفها اكرم المآثر مآثره واحمد الموارد موارده. فالسعيد من حض نفسه عليه وحث ركاب روحه اليه والشقي من زهد فيه او زهد وابعد عنه او بعد. انفه باريج العلم مزكوم وختم القفا هذا عبد محروم. والعلم يدخل قلب كل موفق من غير بواب ولا استئذان ويرده المحروم من خذلانه لا تشقنا اللهم بالحرمان. وان مما يملأ النفس سرورا اشرح الصدر ويمده نورا. اقبال الخلق على مقاعد التعليم وتلمسهم صراطه المستقيم. وادل دليل اصدقه تكاثر الدروس العلمية وتوالي الدورات التعليمية حلاوة في قلوب المؤمنين وشجا في حلوق الكفرة والمنافقين يقين فالدروس معقودة والركب معكوفة والفوائد شارقة والنفوس فائقة الاشياخ يمثلون درر العلم تلامذة ينظمون عقدة وان من الاحسان الى هذه الجموع الصاعدة والاجيال الواعدة ارشادها الى سر حيازة العلم الذي يغفرها بمأمولها ويبلغها مأمنها. رحمة بهم من الضياع في صحراء الاراء وظلماء الاهواء واعمالا لهذا الاصل جمل الحديث ايها المؤمنون عن تعظيم العلم فان حظ العبد من العلم موقوف على حظ قلبه من تعظيمه وجلاله. فمن امتلأ قلبه بتعظيم العلم واجلاله صلح ان يكون محلا له بقدر نقصان هيبة العلم في القلب ينقص حظ العبد منه حتى يكون من القلوب قلب ليس فيه شيء من العلم فمن عظم العلم اناحت انواره عليه ووفدت رسل فنونه اليه. ولم يكن لهمته غاية الا تلقيه ولا لنفسه لذة الا وكأن ابا محمد الدارمي الحافظ لمح هذا المعنى. فختم كتاب العلم من سننه المسمى بالمسند بباب في عظام العلم واعون شيء على الوصول الى اعظام العلم واجلاله معرفة معاقد تعظيمه وهي اصول الجامعة المحققة لعظمة العلم في القلب. فمن اخذ بها كان معظما للعلم مجلا له. ومن ضيعها فلنفسه ولهواه اطاع فلا يلومن ان فترى عنه الا نفسه ويدعكه فوق نفخ. ومن لا يكرم العلم لا يكرم العلم وسنأتي بالقول باذن الله على عشرين معقدا يعظم بها العلم من غير بسط لاباحثها. فان المقام لا يحتمل والاتيان على غاية كل ماقد يحتاج الى زمن مديد. والمراد هنا التبصرة والتذكير. وقليل يبقى فينفع من كثير يلقى فيرفع فخذ من هذه المعاقد بالنصيب الاكبر تنهي الحظ الاوفر من رياض الفنون وحدائق العلوم واياك والاخلاد الى مقالة قوم حجبت قلوبهم وضعفت نفوسهم فزعموا ان هذه الاحوال غلو وتنطع وتشدد غير مقنع فقد ضرب بينهم وبينها بسور له وباب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فليس مع هؤلاء على دعواهم من ادلة الشرع ما نصدقها ولا من شواهد الاقدار ما يوثقها وانما هي عذر البريد وحجة العاجز فاين الغلو والتنطع من شيء الوحش شاهد؟ والرعي الاول سالكه فكل معقل منها ثابت باية محكمة او سنة مصدقة او اثار عن خير القرون الماضية. فاذا وثقت بصدقها وعقلت خبرها وخبرها. فلا تقع همتك بخطبة الكسل والتواني تتسلل اليها وهي تجلجل. هذه احوال من مضى من سلف الامة خير الورى فاين الثرى من الثريا؟ بل من سمت نفسه الى مقاماتهم ادركها فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاحك. فاشهد قلبك هذه المعاقد. وتدبر من قولها ومعقولها واستنبط منطوقها ومفهوم فالمباني خزائن المعاني. ابتدأ المصنف وفقه الله كتابه بالبسملة. ثم ثنى بالحمدلة ثم ثلث بالشهادة لله عز وجل بالوحدانية. ولمحمد صلى الله عليه وسلم الرسالة مقرونة بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه به وهؤلاء الاربع من اداب التصنيف اتفاقا. فمن صنف كتابا استحب له ان بالبسملة والحندلة والشهادتين والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه. وقوله في الحمدلة وسار اليه راغب متعلم. اي وسار الى الله راغب متعلم والسير الى الله هو لزوم طريقه بسلوك الصراط المستقيم. هو لزوم طريقه بسلوك الصراط المستقيم. ذكره ابن رجب بكتاب المحجة في سير الدلجة فسر السير الى الله اذا اطلق في كلام اهل العلم فانهم يريدون به لزوم طريق اسلامي وهو الصراط المستقيم الموصل الى الله سبحانه وتعالى. والسير فيه بالقلب لا بالبدن. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد فاعلم ان العبد انما يقطع منازل الى السير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه. فاعلم ان العبد انما يقطع منازل السير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه. واشار الى ذلك بعضهم بقوله قطع المسافة بالقلوب اليه لا بالسير فوق مقاعد الركبان. قطع المسافة بالقلوب اليه لا بالسير فوق مقاعد الركبان اي ان قطع مسافة الوصول الى الله والفوز برضاه تحصل القلب في منازل الصراط المستقيم. لا بسير القدم في منازل طريق يفضي الى موضع يريده الانسان ويطلبه وقوله في الشهادة لله عز وجل بالوحدانية شهادة نبرأ بها من شرك جواك اي من حبائل الشيطان في اسقاط الناس في الشرك. اي من حبائل الشيطان في الناس بالشرك. فان الشرك بتحريك الراء هو حبالة الصائد. التي ينصبه لقنص الصيد وحبالة الصائد التي ينصبها لقنص الصيد. ومن حبائل الشيطان ما ينصبه لقنص الناس ونقلهم من دين الاسلام الى دين الشرك. ومن بدائع قول بعض الادباء البدعة شرك الاشراك. البدعة شرك الاشراك. اي حبالة الكبرى التي ينصبها للخلق من اهل الاسلام فينقلهم من دين الاسلام الى دين شرك بما يزين لهم من البدع. فان اهل الاسلام ينفرون عادة من الشرك والكفر. لكنه يخرج لهم بدعة في قالب التقرب الى الله سبحانه وتعالى حتى اذا علقت قلوبهم بها نقلهم بعد ذلك الى الكفر وقوله في الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة واندفعت ببيناته الشبهات ولجت اللجت بفتح اللام التمادي في الخصومة. اللجج بفتح اللام التمادي في الخصومة ثم ذكر المصنف كلاما جامعا في فضل العلم. وكان مما قال فيه قوله ونور الاغوار والنجود. اي منورهما. ونور الاغوار والنجود اي منورهما العلم نور لما كان فيه من مواطن الارض. فان الاغوار جمع غور والنجود جمع نجد. والغور اسم لما سفل من الارض ونزل. والغور اسم لما سفل من الارض ونزل. والنجد اسم لما ارتفع منها. فالعلم اذا توطن في بلد من غائر او منجد فانه يحصل به نور الاهتداء للبلد. وغور جزيرة في العرب تهامة ونجدها ما ارتفع عن تهامة الى العراق. فالموضع المتسفل من جزيرة العرب يسمى ما تهامة فاذا ارتفع عنه السائر وعلاه متجاوزا اياه فكل ما يليه من مرتفع الارض الى بلاد العراقي يسمى نجدا. وقال فيه ايضا حلية الاكابر. اي زينتهم فالحلية اسم لما يتزين به وحلية الانسان نوعان. احدهما حلية باطنة. وهي الحلية التي يزين بها باطن والاخر حلية ظاهرة. وهي الحلية التي يزين بها ظاهر البدن والعلم من الحلية الباطنة واثاره تبدو على البدن. فان القلب يزين بالعلم في باطن الانسان فيكون العلم حلية لباطن احدنا. فاذا استقر في باطنه ظهرت اثار تلك الزينة على بدنه لما يرى عليه من حسن الهدي والسمت والدل. فان يتميزون بطلبهم العلم في احوالهم الباطنة والظاهرة عن غيرهم ممن لم يطلب علم وكان هذا يعرف في السلف ان الانسان اذا طلب العلم ظهر عليه في نسكه ومشيه كلامه ما يتميز به عن غيره من اغمار الناس الذين لا يطلبون العلم ولا يأخذون بحظ منه وقوله فالدروس معقودة والركب معكوفة اي محبوسة اي محبوسة فالعطف اللبث والاقامة. فاذا قيل عكف انسان عند احد يطلب منه العلم اي اقام عنده ولازمه حتى يأخذ منه العلم وقوله فيها ايضا الاشياخ ينثرون درر العلم. اي يستخرجونه. فالنسل هو الاستخراج ومنه قولهم نزلت الكنانة. وهي الوعاء الذي تجعل فيه السهام فالجعبة التي تحفظ فيها السهام تسمى كنانة فاذا نثر ما فيها واستخرج سمي هذا نثلا فمن وظائف الاشياخ المعلمين انهم يستخرجون للمتعلمين درر العلم فالعلم عبادة. واكمل الناس فيها حالا من يجتهد في تلمس عيون العلم ودرره ويبلغه الناس. فان العلم ليس مقاما لاظهار العبد نفسه على الخلق والترفع عليه وانما هو مقام نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هداية الخلق. ومن صدق بهذه النيابة ان يجتهد المعلم في استخراج درر العلم ودفعها الى المتعلمين. لتحصل لهم الكفاية التامة فيما يطلبون من العلم. ثم ذكر المصنف ان من الاحسان الى ملتمس العلم ارشادهم الى سر حيازته. وهو تعظيم العلم واجلاله. فنيل ملتمس العلم منه مرهون باجلاله وتعظيمه. فمن عظم العلم حصل ما يؤمنه منه ومن لم يعظم العلم لم يبالي العلم به وحجب عن مقصوده فيه فلم يدرك منه ما يؤمن واشد شيء يعين على الوصول الى تعظيم العلم هو معرفة معاقد تعظيمه والمراد بمعاقد تعظيم العلم الاصول الجامعة المحققة عظمة العلم في القلب اصول الجامعة المحققة عظمة العلم في القلب. فكل اصل منها اذا اخذ به افضى الى حصول عظمة العلم في القلب. فاذا استوى في القلب تعظيم العلم زكى القلب. وصار محلا العلم فحصل العبد مطلوبه منه. وفي هذه الرسالة ذكر عشرين معقدا من معاقد تعظيم العلم على وجه متوسط بين الايجاز والاطناب. فالمراد هنا التبصرة والتذكير وقليل يلقى فينفع خير من كثير يلقى في رفع. فان العلم لا يحمد مجرد البسط والاتساع وانما يحمد بحصول المدارك ووقوع الانتفاع فان من صارت نهمته في العلم معلما او متعلما ان يستكثر من العبارات حجب عن المقصود الاعظم من العلم وهو هداية النفس والخلق الى ما ينفعه. وهذه الهداية تحصل غالبا بتقليل الكلام. فان جمع ما ينفع اصل وضع الشريعة. فان الشريعة جاءت مسلوكة في دلائل مضبوطة من القرآن والسنة. ولو اريد بسطه لكان هذا الديوان النازل الينا وهو كتاب الله القرآن ديوانا مؤلفا من مجلدات كثيرة لا عد لها ولكن حصول النفع للخلق انما يكون في جمع ذلك بما يدركونه فينتفعون هنا به فوقع تنزيل القرآن في اربع عشرة ومئة سورة. وكذا الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من عيون الاسلام التي ترجع اليها الاحكام خبرا وطلبا هي مضبوطة مجموعة فاذا عقلت هذه المعاني بجمعها حصل الانتفاع ووقع للخلق ما يؤمن من قوة مداركهم ومعرفة ما ينتفعون به في الدنيا والاخرة. فاللائق باحدنا او متعلما هو الاعتناء بتحصيل ما ينفع. لا الغرام بالبسط والاتساع الذي قد يضيع ما ينفع فان في كثير القول ما يضيع بركة قليله. ثم ذكر ان السير على هذه الاصول المذكورة في الرسالة جادة شرعية وطريقة سنية سنية فانه ليس شيء من هذه الاصول الا وهو مشيد على اية محكمة او سنة صدقه او عمل عن خير القرون الماضية من السلف الصالح من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم او من اتباعهم او من اتباع التابعين. فهي جادة تعظيم العلم. واجلاله. واعظامه في هذه الامة وضعفها في الناس لا يصيرها امرا منسوبا الى التعمق او تنطع فان كثيرا مما به صلاح الخلق قد ترك ومن جملة ذلك حفهم العلم بتعظيم فان تعظيم العلم صار غريبا في الناس. والة هذه الغربة الى نزع العلم منهم. فانك ترى من الخلق يتهافتون على طلب العلم. اما بحفظه او بالسعي في فهمه عند اشياخه او بالقراءة في دواوين العلم او غير ذلك من طرائق تحصيل العلم. ثم لا يرجعون بعد المدة المديدة الا بشيء قليل. ومنشأ ذلك ان تعظيم العلم نزع من اكثر قلوب الخلق. لان ان العلم اخرج من كونه عبادة الى كونه مظهرا من مظاهر ما يسمى بالحياة الاجتماعية او الحياة العلمية والثقافية فلما حجب الخلق عن كون العلم عبادة تقرب الى الله سبحانه وتعالى ضعف في قلوبهم اعظامه واجلاله ولما ضعف هذا التعظيم والاجلال ظعف وصول ما ينفع من العلم اليهم. ومما يعانون به على تعظيم العلم ايقافهم على معاقل تعظيم العلم من الاصول الجامعة عظمة العلم في القلب مما اذا اخذ به العبد صار معظما للعلم فانتفع بالعلم. ومن جملة ذلك هذه الاصول العشرون المذكورة في هذه الرسالة فانها معاقد لتعظيم العلم يصل بها الانسان الى ما ينفعه من العلم. والعلم نافع هو ما حصل العبد به الهداية في الدنيا والاخرة. فان من الناس من قد يرى في الخلق من لا لا يقوم بتعظيم العلم وينسب الى كثرته. وهذا ليس هو العلم النافع. فليس العلم النافع بالكثرة والوفرة. ولكن العلم النافع بحصول الهداية والخير في النفس والخلق. واذا قرن الى ذلك البسط والاتساع فيه مع حسن تعليمه فهذه منة الهية وعطية ربانية. لكن الامر الحقيقة بالشغل اعتناء العبد ما ينفعه من العلم فانه ولو كان قليلا اوصل الى النفس والخلق كثيرا من الخير نعم قلتم احسن الله اليكم الماقد الاول تطهير وعاء العلم وهو القلب. فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء العلم القلب الوعاء يعكره ويغير ما فيه. وبحسب طهارة القلب يدخله العلم. واذا ازدادت طهارته ازدادت قابليته للعلم ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاجه شعت انواره والى لطخته الاوساخ كسفت انواره فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه ويطهر قلبه بالنجاسته. فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف وطهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين. احدهما طهارته من النجاسة الشبهات. والاخر طهارته من نجاسة الشهوات ولمال طهارة القلب من شأن عظيم امر بها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما امر في قوله تعالى في سورة المدثر وثيابك فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطل وهو قول حسن له مأخذ صحيح. واذا كنت من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك. فاستح من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطاياه. قال مسلم بن الحجاج حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا كثير من هشام قال حدثنا جعفر ابن برقان عن يزيد الاصم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولا ينظر الى قلوبكم واعمالكم واحذر كمائن نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت تشربها من طهر قلبه فيه العلم حل. ومن لم يرفع منه نجاسته ودعه العلم وارتحل. واذا تصفح احوال طائفة من طلاب العلم فيهم هذا المعقد رأيت خللا بينا فاين تعظيم العلم من امرئ تغدو الشهوات في قلبه وتروح تدعوه صورة محرمة وتستهويه مقالة مجرمة حشره المنكرات والتلذذ بالمحرمات قربات فيه غل وفساد وحسد وعناد ونفاق وشقاق. انا لهؤلاء وللعلم منه ولا هو اليهم. قال سهل بن عبدالله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما ما يكره الله عز وجل. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الاول من معاقد تعظيم العلم هو تطهير وعاء العلم. والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم. والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم ثم ابان عنه بقوله وهو القلب فان لكل مطلوب وعاء وان دعاء العلم القلب ثم ذكر ان القلب له مع العلم حالان احداهما ان يكون القلب طاهرا فينتفع بالعلم ويدخله وتزداد قابليته له والاخرى ان يكون القلب متلطخا بالاوساخ من النجاسات القلبية فيحصل له بالنقص دخول العلم اليه واستقراره فيه بقدر ما فيه من النجاسة المذهبة كما لا النور. وشبهه بنور المصباح. فقال ومثل العلم في القلب كنور المصباح زجاجه شعت انواره والا لطخته الاوساخ كسفت انواره اي ذهبت. فالكسوف هو ذهاب النور. ثم ارشد ملتبس العلم الى الحال التي ينبغي ان يكون عليها فقال فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه وليطهر قلبه من نجاسته. اي ليكون قلبه صالحا للعلم بدفع تلك النجاسات عنه وعلله بقوله فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف. والمراد به العلم النافع في الدنيا والاخرة فان العلم النافع في الدنيا والاخرة لا يلامس القلوب الا مع طهارتها. فاذا كانت القلوب طاهرة لامسها العلم النافع. وان كانت تلك القلوب نجسة ووجد فيها علم فان العلم الذي حط فيها ليس العلم الذي يطلب شرعا فان العلم بطلبه شرعا هو العلم النافع الموصل الى خشية الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان طهارة القلب ترجع او الى اصلين عظيمين احدهما طهارته من نجاسة الشبهات والاخر طهارته من نجاسة الشهوات. فان هذين النوعين هما مجمع الامراض القلبية التي تحط بالقلب فان القلب تارة يمرض ويضعف عن الخير لما يعتنيه من امراض الشهوات. وتارة تصيبه تلك الحال بما ايعتريه من امراض الشبهات. ثم ذكر انه لما لطهارة القلب من شأن عظيم فقد بودر وبها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما انزل عليه فكان من اول النازل عليه في القرآن في سورة في مدته قوله تعالى وثيابك فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطن وهو قول حسن له صحيح. وقد ذكر ابو جعفر ابن جرير في تفسيره ان هذا هو قول اكثر السلف. ومأخذه الصحيح الذي اشار اليه هو رعاية سياق الايات. ومأخذه الصحيح الذي اشار اليه هو رعاية ثياب الايات فان الامر بتطهير الثياب وقع بين الامر بتعظيم الله وتكبيره بتوحيده وبين النهي عن الشرك. فالمناسب بين هذا و ان يكون معنى قوله تعالى وثيابك فطهر اي طهر اعمالك من الشرك. واصول نجاسات القلب ثلاث. اولها نجاسة الشرك واصول نجاسات القلب ثلاث. اولها نجاسة الشرك. وثانيها نجاسة البدعة وثالثها نجاسة المعصية. ذكره ابو عبدالله ابن القيم في كتاب الفوائد. والعبد مأمور بان يطهر قلبه من هذه النجاسات كلها. ثم قال واذا كنت تستحي من نظر مخلوق الى وسخ قلبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا فان الجاري في عادة الناس كراهية احدهم ان ينظر الى وسخ عالق ببدنه او ثوبه فيعتريه الحياء لما تكون عليه تلك الحال من النقص عند الخلق. واحق بالحياء استحياؤه من الله سبحانه وتعالى ان يكون في باطنه شيء من النجاسات من الذنوب المعاصي والخطايا ثم ذكر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم. وفيه بيان محل نظر الله من العبد. فان الله ينظر الى العبد في شيئين احدهما قلبه والاخر عمله. فالتقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر. فالتقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر. وبحسب كمال حال العبد في قلبه به وعمله يكون كماله عند ربه سبحانه وتعالى. ثم ذكر قول ابن القيم في نوليته واحذر اما الى نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت كسر مهان. وكمائن النفس هي المختفية فيها. فان اصل الكمون هو الخفاء. والعبد يخفي في نفسه ذنوبا لا يعلمها بعد الله الا هو. فان قلب الانسان قد ينغرس فيه كبر او غل او حقد او حسد لا يطلع عليه الا الله سبحانه وتعالى. وتلك الكمائن من الذنوب من اعظم المرديات. فانها اذا غلبت على العبد اردته واهلكته. كما قال واحذر كبائل اللاتي متى خرجت عليك اي استولت عليك فصرت مؤتمرا بامرها كسرت كسر مهانئ اي صرت ذليلا حقيرا فان حركة العبد وارادته تكون تبعا لها. فيكون يدا بطغيان نفسه الذي يجره الى الذل والمهانة. وان فاتته دلة الدنيا لم يسلم من ذلة الاخرة ولهذا ثبت في الصحيح ان المتكبرين يجعلون في الاخرة في صور الذر اي في صور النمل يطأهم الناس اي باقدامهم فاصدرهم الله واذلهم بجعلهم في صورة مخلوق ضعيف مهين وهو النملة. ثم زاد اهانتهم واذلالهم بان الناس يطؤون باقدامهم. فاذا رأيت تلك الحال التي يعاقب بها المتكبرون. والعقت بهم كل من كان له طغيان في نفسه علمت شدة ما ذكره ابن القيم من قوله خرجت عليك كسرت كسرا مهاني ثم ذكر من احوال طائفة من طلاب العلم ما يباين هذا المعقد ويناقضه. ممن تغدو قلوبهم وتروح في الشهوات والشبهات. وختم بقول سهل ابن عبد الله التستري رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكرهه الله. اي يمتنع على القلب. ان يدخله العلم النافع الذي يحصل به نور القلب من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم اذا كان فيه شيء يكرهه الله اي اذا كان القلب منجمعا على مباغظ ومساخط لا يحبها الله سبحانه وتعالى ولا يرضاها. فحينئذ لا يصل اليه النور من العلم النافع. الذي تخرج ثمرته على النفس والخلق في الدنيا والاخرة فهؤلاء محجوبون بظلمة قلوبهم عن الوصول الى ما ينفعهم. واصله في التنزيل قوله تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. قال سفيان ابن عيينة في تفسير هذه الاية احرمهم فهم القرآن. احرمهم فهم القرآن. وحرموا من فهم القرآن عقوبة لهم. فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بنقيض قصدهم. فانهم يتكبرون على الخلق بما ينسبون انفسهم اليه من الظهور والعلو. فاذلهم الله سبحانه وتعالى بالجهل ذكره ابن كثير في تفسيره فمن العقوبات النازلة على الخلق ضرب قلوبهم بالجهل. واحق بذلك هم الذين تشتمل قلوبهم على مساخط الله ومباغضه. والذي يحجبون عنه يمنعون منه هو العلم النافع المورث خشية الله مما يرى اثره في الدنيا والاخرة قد تجد عند اناس ينسبون الى الاخلاق الرديئة من الكبر والطغيان والحسد والغل والحقد اشياء من العلم لكنها صورة العلم لا حقيقته. فالعلم النافع الذي يثمر خيرا في الدنيا والاخرة قد منعوا منه بما اصابوا من تلك الذنوب. فيعاقبون بالجهل. فتارة يكون هذا الجهل بعدم ايقافهم على ذخائر العلم من التحقيقات النافعة وتارة ان يكون هذا الجهل بترك العمل بموجب العلم فيكون عند احدهم علم واسع لكن لا يظهر انتفاعه به لانه لا يعمل به فيمنع بركة علمه بحصول حال من الجهل وهي ترك العمل بالعلم فان هذا يسمى جهلا. وهذه الحال التي ذكرناها مما جاءت سائلها في الشرع الحكيم وابان عن ذلك جماعة من السلف منهم سفيان ابن عيينة وسأل ابن عبد الله التستري ومحمد ابن يوسف الفريابي في اخر تخوف طالب العلم من الغفلة عن ملاحظة حال قلبه. وانه اذا تسللت اليه تلك الامراض واستولت عليه فانه قد يخدع نفسه بنسبتها الى العلم لما يرى من كثرة محفوظه او تردده على حلق الاشياخ او ادمانه القراءة وهو غافل عن حقيقة ما ينفعه من العلم لانه واقف مع صورة العلم لا حقيقته فيحجب بتلك الصورة عن الحقيقة النافعة. نعم. قلتم احسن الله اليكم المعقد الثاني اخلاص النية فيه ان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم اصولها قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. وقال البخاري في الجامع مسند الصحيح. ومسلم في المسند الصحيح واللفظ البخاري. حدثنا كان عبد الله ابن مسلمة قال اخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد عن محمد ابراهيم عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من السلف الصالحين لا بالاخلاص لله رب العالمين. قال ابو بكر المروذي سمعت رجلا يقول ابي عبد الله يعني احمد بن حنبل وذكر له الصدق والاخلاص فقال ابو عبد الله بهذا ارتفع القوم وانما ينال المرء العلم على قدر اخلاصه والاخلاص في يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم المتعلم اذا قصدها الاول رفع الجهل عن نفسه بتعريفها ما عليها من عبوديات وايقافها على مقاصد الامر والنهي. الثانية رفع الجهل عن الخلق بتعليمهم وارشادهم لما فيه صلاح دنياهم واخرته الثالث احياء العلم وحفظه من الضياع الرابع العمل بالعلم. فالعلم شجرة والعمل ثمرة وانما يراد العلم اعمل وقد كان السلف رحمهم الله يخافون فوات الاخلاص في طلبهم العلم. فيتورعون عن ادعائه لا ان انهم لم يحققوه في قلوبهم بل هشام يقول والله ما استطيع ان اقول اني ذهبت يوما اطلب اذ اريد به وجه الله عز وجل. وسئل الامام احمد وهل طلبت العلم لله؟ فقال لله عزيز ولكنه شيء حبب الي فطلبته ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقدها هذا الاصل وهو الاخلاص في اموره كلها دقيقها وجليلها سرها وعلنها. ويحمل على هذا التفقد شدته معالجة النية. قال سفيان الثوري رحمه الله ما علمت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي. بل قال سليمان الهاشمي ربما احدث بحديث واحد ولينية فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثاني من معاقد تعظيم العلم. وهو اصل النية فيه وحقيقة الاخلاص شرعا تصفية القلب من ارادة غير الله. تصفية القلب من ارادة غير الله. فمدار الاخلاص على امرين. احدهما تصفية قلب وهو تخليته من كل شائبة تكدره. وهو تخليته من كل شائبة تكدرها والاخر تعلق تلك التصفية بارادة الله. تعلق تلك التصفية بارادة الله فيكون القلب مجموعا على ارادة الله سبحانه وتعالى. فلا يخالطه شيء من الارادات الفاسدة كارادة العلو في الارض او محبة المدح والثناء او نيل المناصب والرئاسات او حوز الجاه والتعظيم عند الخلق واشرت الى حقيقة الاخلاص بقول اخلاصنا لله صف القلب من ارادة سواه فاحذر اخلاصنا لله صف القلب من ارادة سواه فاحذر يا فطن. وعلل المصنف طلب الاخلاص في اخذ العلم بقوله فان اخلاص الاعمال قبولها وسلم اصولها. فالسبيل الاعظم لقبول الاعمال ووصولها الى الله سبحانه وتعالى كونها متقبلة عنده هو ايقاعها على حال الاخلاص. ثم قال وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من سلف الصالحين الا بالاخلاص لله رب العالمين. وذكر من شواهد احوالهم ما يدل على ما كانوا عليه من الاخلاص فلجلالة ما كان في قلوبهم من الاخلاص لله سبحانه وتعالى ادركوا مقاما عاليا عند الله وخلقه ثم قال وانما ينال المرء العلم على قدر اخلاصه. فاذا عظم اخلاص العبد عظم حظه من العلم قال ابن عباس رضي الله عنهما انما يحفظ المرء على قدر نيته. انما يحفظ المرء على قدر نيته. رواه ابن عساكر وغيره. وذكر الحفظ خرج مخرج كونه الاصل في طلب العلم. فجميع طرائق طلب العلم من الحفظ والفهم والقراءة وغيرها معلقة بنية العبد. فمن حسنت نيته في العلم صار له من القوة والاعانة عليه ما لا يكون لغيره. ولهذا فان القوة التي تمد العبد في العلم ليست هي القوة الظاهرة فقط. وانما اعظم منها القوة الباطنة اخلاص لله سبحانه وتعالى وارادة مرضاته. فاذا قويت هذه القوة في نفس الانسان صار له من فيه ما يزاحم به اهل القوى الظاهرة. فكم رأينا انسانا لم يؤتى قدرا بالغا من متانة الحفظ وجودة الفهم. لكنه تقدم على غيره ممن شاركه في الطلب وكان على حال اكمل منه في القوة الظاهرة لان الاول صار له من الاخلاص لله ومحبة ما يرضاه الله سبحانه وتعالى ما قويت به نفسه وتيسر عليه طلبه. وذاك صار له من الغرور والزهو بالقوة الظاهرة ما حجب به عن فسبقه غيره ممن هو في الصورة الظاهرة اقوى منه في حفظه وفهمه وهذا من شواهد قول ابن عباس انما يحفظ المرء على قدر نيته. ثم ذكر المصنف ان الاخلاص في العلم يقوم على اربعة يقول بها تحقق نية العلم للمتعلم. اولها ان يقصد المتعلم رفع الجهل عن نفسه فيكون اول باعث له على طلب العلم ابتغاء رفع الجهل عن نفسه. بتعريفها بما عليها من الامر والنهي والعبودية لله سبحانه وتعالى. فاعظم وازع يحمله على طلب العلم ارادته رفع الجهل عن نفسه بهدايتها الى الطريق الموصل الى الله سبحانه وتعالى. وثانيها رفع الجهل عن الخلق بان يسعى في تعليمهم وارشادهم وهدايتهم بمنافعهم العاجلة والاجلة وثالثها احياء العلم وحفظه من الضياع. فيسعى في بث العلم والترغيب فيه ويكون هذا من مقاصده في طلبه ان يعين بطلبه العلم متعلما او معلما على حفظ العلم في امة المسلمين ورابعها العمل بالعلم فينوي بطلبه العلم تحري العمل به وانه يجمع من العلم ما ان يكون معونة له على العمل الصالح المقرب عند الله سبحانه وتعالى. فمن اراد ان يحقق نية العلم فليطلب اقامة هذه الاصول الاربعة في نفسه. فمن اقام هذه الاصول الاربعة في نفسه حصلت له نية الاخلاص في العلم بان يكون طالبا له مريدا رفع الجهل عن نفسه اولا ثم رفع الجهل عن الخلق ثانيا ثم حفظ العلم من الضياع وتقويته في بلاد المسلمين ثم العمل بالعلم واشرت الى هذه الاصول الاربعة بقول ونية للعلم رفع الجهل عن عن نفسه كغيره من النسم ونية للعلم رفع الجهل عن عن نفسه فغيره من النسم وبعده التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن وبعده وبعده التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن. وقوله النسم اي الخلق وقوله زكن اي ثبت ثم ذكر ما كان عليه السلف من تخوفهم فوات الاخلاص في نفوسهم لا انهم لم يحققوه فكان السلف يجتهدون في تحقيق الاخلاص ثم يتخوفون على انفسهم عدم تحقيق ثم قال ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل وهو الاخلاص في اموره كلها. دقيقها ودليلها. سرها وعلنها. ثم ذكر الى طلب تفقد الاخلاص في الاعمال فقال ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية اي عظم ما يجده الانسان من الشدة في تصفية نيته اي عظم ما يجده الانسان من الشدة في تصفية نيتي ثم ذكر قول سفيان الثوري ما عالجت شيئا اشد علي من نيتي لانها تتقلب علي اي ما كابدت شيئا كان اشق علي من نيتي. وعلله بقوله لانها تتقلب عليه. اي تتغير من حال الى حال. وصار تقلب النية وصفا لها لان محلها القلب. وصار تقلب النية لها لان محلها القلب. واصل تسميته قلبا كونه متقلبا. واصل تسميته قلبا كونه متقلبا. قال الشاعر قد سمي القلب قلبا من تقلبه. فاحذر على القلب من قلب وتحويل سمي القلب قلبا من تقلبه. فاحذر على القلب من قلب وتحويل. فاذا كان محل النية وهو قلب متقلبا في اصله اي متحولا متغيرا من حال الى حال فان ما يوضع فيه ومن جملته النية كونوا من وصفه التقلب والتحول من حال الى حال. ثم ذكر قول سليمان الهاشمي رحمه الله ربما احدث بحديث واحد ولينية اي مقصد حسن. فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي. اي تحولت نيتي فاذا الواحد يحتاج الى نيات. اي يحتاج فيه العبد الى رد نيته الى قصدها الحسن. فان الانسان يكون له قصد حسن ثم اذا شرع في الامر تحول عنه فيحتاج الى اعادته نيته الى ما كان عليه. وهذا الامر الذي ذكره سليمان الهاشمي يسمى تصحيح النية. يسمى تصحيح النية وهو رد النية الى المأمور به شرعا. وهو رد النية الى المأمور به شرعا. اذا عرض لها ما يغيرها او يفسدها. اذا عرظ لها ما يغيرها او يفسدها فالعوارض التي تعرض للنية نوعان فالعوارض التي تعرض للنية نوعان احدهما عوارض مغيرة. والاخر عوارض مفسدة. احدهما عوارض مغيرة اخر عوارض مفسدة والعوارض المغيرة هي التي تنقل فيها النية الى القصد المباح هي التي تنقل في النية من القصد المأمور به شرعا الى القصد المباح. واما العوارض المفسدة فهي العوارض التي النية من قصدها الحسن الى قصد فاسد. محرم شرعا. فالعبد يعرض له في اعماله الصالحة ومنها العلم ما يغير نيته تارة وما يفسدها تارة اخرى. فان الانسان قد يخرج من بلده لمجالس من مجالس العلم. ثم تتحول تلك النية الى ما يغيرها من المباحات. بان يكون قصد الضرب في الارض والفرجة في البلدان فيتحول من قصد حسن الى قصد مباح وتارة يخرج من القصد الحسن المطلوب شرعا الى قصد فاسد. بان يورثه النظر في العلم واهله محبة الظهور والعلو في الارظ وان يذكره الناس ويثنوا عليه فتنتقل نيته من قصدها الحسن الى قصدها الفاسد. فينبغي ان يجتهد العبد في تصحيح نيته. واذا عرظت له هذه الاحوال اعاد نيته الى حالها السابقة. وبهذا سبق من سبق من الاولين فانهم كانوا يلاحظون نياتهم لا يغفلون عنها فاذا رأى احدهم ان نيته عرض لها من العوارض ما غيرها او افسدها اخذ بزمام نيته رد الى المأمور به شرعا. نعم. قلتم احسن الله اليكم المعقد الثالث جمع همة النفس عليه فان شعاة النفس اذا على العلم تأم واجتمع. واذا شغل به وبغيره ازداد تفرقا وشتاتا. وانما تجمع الهمة على المطلوب بتفقده ثلاثة امور اولها الحرص على ما ينفع فمتى وفق العبد الى ما ينفعه حرص عليه. ثانيا الاستعانة بالله عز وجل في اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده. ثالثها عدم العجز عن بلوغ البغية منه وقد جمعت هذه الامور الثلاثة في الحديث الذي رواه مسلم ابن الحجاج قال حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة وابن نمير قال حدثنا عبد الله بن ادريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه عليه وسلم قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. فمن اراد جمع همته على العلم فليشعر في نفسه شعلة حرص عليه لانه ينفعك بل كل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمار العلم وليستعن بالله عليه ولا اعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما امله. قال الجنيد ما طلب احد شيئا بجد وصدق الا انا له فان لم ينله كله نال بعضه. الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصبت صبعا قريب غاية الامل فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات قال ابن القيم في كتابه فوائد اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة اشرقت ارض القلب بنور ربها. ومن تعلقت همته بمطعم او ملبس او مأكل او مشرب لم يشم رائحة العين بان العلم ليس يناله من همه في مطعم او ملبس فاحرص لتبلغ فيه حظا وافرا واهجر له طيب المنام وان مما يعلن الهمة ويسمو بالنفس اعتبار حال من سبق وتعرف همم بالقوم الماضين. فابو عبدالله احمد ابن بل ان كان هو في الصبا ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ فتأخذ امه بثيابه وتقول رحمة به حتى يؤذن الناس او يصبحوا الخطيب البغدادي صحيح البخاري كله على اسماعيل الحيني في ثلاثة مجالس اثنان منها في ليلتين من وقت صلاة المغرب الى صلاة الفجر واليوم والثالث من ضحوة النهار الى صلاة المغرب ومن المغرب الى طلوع للفجر. وهذا شيء لا اعلم احدا في يستطيع. رحم الله ابا عبد الله. كيف لو رأى همم اهل هذا الزمان؟ ماذا يقول؟ وكان محمد ابن التبان اول ابتدائه يدرس الليل كله فكانت امه ترحمه وتنهاه عن القراءة بالليل فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت شيء من الالية العظيمة ويتظاهر بالنوم. فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس. وقد رأيت في بعض المجموعات الخطية في مكتبة نجدية خاصة مما ينسب الى عبدالرحمن بن حسن ال الشيخ صاحب فتح المجيد قوله شمل الى طلب العلوم بكرة واصيلا وصل السؤال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون جهولا. فكن رجلا على الثرى ثابتة وهامة همته فوق الثريا سابقة. ولا تكن شابا البدن اشيب الهمة فان همة الصادق لا تجيب. كان ابو الوفاء ابن معاقل احد اذكياء العالم من فقهاء الحنابلة ينشد وهو في الثمانين. ما شاب عزمي ولا حزم ولا خلقي ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وانما اعتاد شعري غير صبغته. والشيب في الشعر غير في الهمم. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثالث من معاقد تعظيم العلم وهو جمع همة النفس على عليه اي جمع همة النفس على العلم. بان يتوجه اليه بارادته كلها. فلا يشتغل بغيره وذكر ان شعث العلم اي تفرقها اذا جمع على العلم التأم واجتمع. فينال المرء من العلم اذا جمع همته عليه. واذا شغلت النفس بالعلم وغيره فانها تزداد تفرقا شتاتا ثم ذكر ان جمع الهمة على المطلوب يكون بتطلب ثلاثة امور. اولها الحرص على ما ينفع وثانيها الاستعانة بالله في تحصيله. اي في تحصيل ذلك النافع. وثالثها عدم العجز عن من بلوغ البغية منه. اي بان لا يتقاعد العبد عن ادراك ما يؤمله ويرجوه من مطلوب ينفعه وذكر في ثانيها وهو الاستعانة بالله قول الاول اذا لم يكن من الله عون للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده اي اذا لم يصحب المرء بعون من الله سبحانه وتعالى فان اول شيء يرديه ويهلكه واجتهاده باغتراره بما له من القوى. فان من الناس من تغره قوته. العلمية او بلية فتحجبه عن طلب العون والمدد من الله سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان هذه الامور الثلاثة جمعت في حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز بكسر الجيم وتفتح ايضا. فجمل الحديث الثلاث دالة على هذه الامور الثلاثة واحدا واحدا ثم ذكر ان من اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه. بل كل في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمرات العلم. فالعلم اصل كل خير. ذكره القرار في العلم اصل كل خير ذكره القرافي في الفروق ثم قال في الحث عليه وليستعن بالله عليه لا يعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما امله. وذكر من كلام الجنيد والشيعي الحسن ما يقوي النفس في هذا ثم قال فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات. وذكر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد في تقرير هذا المعنى. ثم ذكر من احوال الاوائل وهمم القوم الماضيين ما يحرك العبد الى محاذاتهم والاقتداء بهم. فذكر ما كان عليه احمد بن حنبل رحمه الله في حال الصبا. ابان كونه صغيرا انه ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ. فتأخذ امه بثيابه رحمة به وشفقة عليه وتقول حتى يؤذن الناس او يصبحوا. اي امسك عن الخروج حتى يؤذن الناس لصلاة الفجر او الصبح قريبا من وقت الفجر ثم تخرج الى حلق الشيوخ ثم ذكر الحال التي اتفقت لابي بكر الخطيب قراءة صحيح البخاري كله على اسماعيل الحيري في ثلاثة مجالس على النعت المذكور في وصفها. وهذه الحال التي اتفقت له مما يستبعد وقوعه ضعاف الهمم. فانهم يرون ان هذا الامر الذي ينسب الى الخطيب ضرب من الخيال. والواقع يكذبه فان الخطيب نفسه اخبر عن ذلك في تاريخ بغداد في ترجمة شيخه اسماعيل الحيري انه اتفق له صحبته وقراءة البخاري عليه في ثلاثة مجالس وهذا امر يدل على علو الهمة وعظم محبة العلم والشغف به. وان هذه المحبة لما استولت على القلب امدت بقوة ظاهرة من الصبر على العلم والبقاء عليه مدة طويلة. ثم ذكر كلام الذهبي في قلة هذا في الناس وانه يعز وجوده فيهم ولا يراد بهذا الكلام ولا ما كان من جنسه القطع بامتناع ذلك وانما الاعلام بعسره وصعوبته. فان الحالة التي اتفقت لابي بكر الخطيب مما يعسر ويصعب لكن انها ليست مما يمتنع فان الناس يشتركون في قدرهم على الافعال. ويفترقون فيما ايمدون به من معونة الله سبحانه وتعالى. وقد يجعل الله عز وجل للمتأخر ما جعله للمتقدم او اكثر وقد ذكر ابن طولون في الفهرست الاوسط انه اراد محاذاة الخطيب. فصنع مثل صنعه وقرأ صحيح بخاري على احد شيوخه في المدة نفسها التي قرأها فيها الخطيب على شيخه اسماعيل الحيذي. فهذه الامور التي يذكرها من يذكرها من اهل العلم لا يراد بها امتناع تكرار وقوع مثل ذلك او ما هو اعظم منه. وانما المراد بيان عسره وصعوبته. وان العبد يحتاج الى امر عظيم لبلوغ تلك الحال. وسر تلك الحال هو الكمالات الباطنة فان الكمالات الباطنة هي التي تمد العبد بقوة ظاهرة فيصير له من القدرة على الشيء ما ليس لغيره وهي الكمالات التي تزين بها سلفنا. فتقرأ في اخبارهم وسير احوالهم ما يظنه بعض ضربا من الخيال من كثرة الذكر او قراءة القرآن او ادامة الصلاة او صبر المتطاولة فيتمادى من يتمادى ويزعم ان هذا وان صحت اسانيده الا ان العقل لا يقبله. وصدق وكذب فاما صدقه فان العقل الظاهر الذي لا يستند الى خبر الشرع ولا الى الاسانيد الصحيحة يتوهم مثل ذلك. واما كذبه فان العارفين بالكمالات الباطلة مما جاء في الكتاب والسنة. بيقين يقطعون بان العبد يكون له من المدد والاعانة والقوة على ما يريده مما لم يكن له من قبل او لا يكون لغيره ايضا. فيجعل الله عز وجل له قدرة على قراءة القرآن. او على حفظ العلم او على تعلمه او على تعليمه بحسب ما صار له من الكمالات الباطنة. فاصل مدار الامر في تفاوت حال من سبق عن حالنا انه كان لهم من الكمالات الباطنة ما استدعى لهم عونا ومددا من الله لا نحظى به فتجد احدهم يمد بجلوسه قوة من الفجر الى مغيب الشمس. ولا يقدر احدنا على ان يجلس ساعات معدودات مع ان البدن واحد فهذا انسان وانت انسان. ولكن الفرق في الكمالات الباطل. فهذا له من الكمالات الباطنة من الشوق الى الله والانس به ومحبة رضاه وارادة ما عنده ما ليس لاحدنا. فيكون له من القوة ما لا لاحدنا من القوى ثم ذكر من احوال الاوائل ايضا حال ابي محمد ابن التبان انه كان يفعل ما يفعل من دراسته الليلة كله وكانت امه تشفق عليه وتنهاه فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفنة وهي انية عظيمة ويتظاهر بالنوم ان يظهروا لها كأنه نام. فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس ثم ذكر بيتين مريحين في الحث على الجد والاجتهاد ينسبان الى عبدالرحمن ابن حسن ال الشيخ صاحب فتح المجيد انه قال شمر الى طلب العلوم ذيولا انهض لذلك بكرة واصيلا. وصل السؤال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون جهولا. ثم قال فكن رجلا رجله على الثرى اي في الارض وهامت وهمته فوق الثريا. وهو نجم معروف عند العرب. ثم قال ولا لا تكن شاب البدن اشيب الهمة فان همة الصادق لا تشيب اي لا تكن ممن حاله في بدنه شباب واما في همته فحاله الشيء. وعلله بقوله فان همة الصادق لا تشيب. فاذا صدق المرء في طلال ما يؤمنه ويريده صار له من الهمة ما يعينه على اقامة بدنه على مطلوبه وان كان في الصورة الظاهرة اشيب البدن. لكن همته الباطنة كانها في سن الشباب اشيب الهمة الاشيب وصف للرجل اذا خالطه الشيء. الاشيب وصف للرجل اذا الشيب ولا يقال له شايب في اصح قولي اهل اللغة ولا يقال له شايب في اصح قولين اهل اللغة. والمراد ان من الناس من يكون اشيب الهمة مع كونه في سن الشباب. ومن الناس من يكون شاب الهمة مع كونه في سن الشيب. فمدار الامر على كون الهمة شابة فاذا كانت الهمة شابة حملت البدن ولو كان ضعيفا خائر القوى على طلب ما ينفعه. فترى في ابناء التين والسبعين والثمانين من الحرص على ما ينفعهم ومن جملته العلم ما لا تراه عند كثير من الشباب الذين لهم من القوة في ابدانهم ما ليس لاولئك. لكن هؤلاء مع كون ابدانهم صحيحة قوية الا ان هممهم ضعيفة مريضة فمدار الامر على الهمة فاذا قويت الهمة قوي البدن على طلب ما ينفعه ثم ذكر بيتين بريحين لابي الوفاء ابن عقيل كان ينشدهما وهو ابن ثمانين سنة. فيقول ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وانما اعتاظ شعري غير صبغته والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم. اي كون انساني اشيب في صورته الظاهرة هو غير كونه اشيب في صورته الباطنة. فان البلية في كون الهمة الباطنة في حال الشيبوبة وذلك اشد اذا كان هذا في حال الشباب في الصورة الظاهرة. فاذا كان الانسان شابا لا يحتمل ان يجلس الساعة والساعتين ولا يقوى على قراءة الصفحة والصفحتين ولا يعتني بطلب ما ينفعه ويتعاجز عنه فان هذا مريض الهمة. وينبغي ان يحرص على مداواة نفسه والا فانه يعجز عن ذلك. ولهذا كان السلف يسوسون انفسهم باصلاحها في سن الشباب. لان من اعتاد شيئا لزمه وان ضعف بدنه عنه. قالت حفصة بنت سيرين يا معشر الشباب. عليكم بالعبادة. فانما عبادة في الشباب اي ان مبتدأ ما يراد من العبادات الكاملة انما يبقى مع المرء اذا كبرت سنه اذا كان حريصا عليه في شبابه فيقوى عليه ولو كان كبيرا لاعتياده له ان صار هو ولذته وبغيته ومحبته فيكون له من القوة عليه في باطنه ما لا يكون لغيره. وترى من الناس من يسوف ويقول اذا صرت كبيرا في السن اكثروا من الذكر وقراءة القرآن وصلاة النفل. فاذا صار في سن الكبر لم يقدر على ذلك. لانه لم يعتد هذا في فصارت همته الباطنة عاجزة عن ذلك. واما من كان حريصا على ذلك في شبابه فانه يبقى على ذلك لان اعتادت تلك الحال. وتجد هذا صدقا في احوال الناس في العلم والعبادة وغيرها ان منهم من كبار السن من له قوى في تلك الاعمال وانواع العلوم لا تكونوا لاولئك الشباب الذين يريدون مزاحمتهم. نعم. قلتم احسن الله اليكم الماقد الرابع صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. ان كل علم نافع مرده الى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وباقي العلوم اما قادم لهما فيؤخذ منه ما تتحقق به الخدمة او اجنبي عنهما فلا يضر الجهل به. فالى والسنة يرجع العلم كله وبه ما امر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم. والاحي لا بالقاسم صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن والسنة. ومن جعل علمه قال والسنة كان متبعا غير مبتدع ونال من العلم اوفره. قال ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثور القرآن فان فيه علم الاولين والاخرين. وقال مسروق ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن الا ان علمنا يقصر عنه. وينسب لابن عباس رضي الله عنهما انه كان ينشد. جميع العلم في القرآن لكن تقاسم عنه افهام الرجال وما احسن قول عياض يحصب في كتابه الماء العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت عن تابع عن صاحبيه. وعلى الهمم في طلب العلم كما قال ابن القيم في الفوائد طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل. وقد كان هذا هو علم عليهم رحمة الله ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع. فالعلم في السنة اكثر والكلام في من بعدهم اكثر قال حماد بن زيد قلت لايبا السختياني العلم اليوم اكثر او فيما تقدم فقال الكلام اليوم اكثر العلم فيما تقدم اكثر. ذكر المصنف وفقه الله المعقل الرابع من معاقد تعظيم العلم. وهو الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. اي توجيه همة النفس في العلم الى علم القرآن والسنة لان العلوم النافعة ترد اليهما فكل علم نافع اصله في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر ان باقي العلوم لها حالان. الحال الاولى العلوم الخادمة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم العلوم الخادمة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهي الات فهمهما اي معينة على فهم الكتاب والسنة. ووصفها ابن حجر في فتح الباري لانها الضالة المطلوبة. اي المقصودة المنشودة. فما يخدم الكتاب والسنة بالاعانة على فهمهما مما يطلب ابتغاء تحصيل تلك الخدمة. والحال الثانية العلوم الاجنبية عنهما. والامر فيها ما ذكره بقوله فلا يضر الجهل به اي لا يضر الجهل بالاجنبي عن الكتاب والسنة وعن خدمتهما ووصفها ابن حجر في فتح الباري بقوله وهي الضارة المغلوبة اي المفسدة المطرحة التي لا يحتاج الناس اليها. ثم ذكر قول ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليتور القرآن. اي اي ليحركه بالبحث فيه وازالة النظر في معانيه. ثم قال فان فيه علم الاولين والاخرين. ثم ذكر قول مسروق وهو ابن عبدالرحمن الاجدع. احد التابعين من اهل الكوفة ما نسأل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم او قال محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن الا ان علمنا عنه وتصديقه قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء اي ايضاحا لكل شيء فكل شيء الناس اصله في القرآن والسنة ثم ذكر ما ينسب لابن عباس جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه وافهام الرجال ثم ذكر بيتي عياض الي فقهاء المالكية انه كان يقول العلم في اصلين لا يعدهما المضل عن الطريق اللاحب علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت عن تابع عن صاحبه. والطريق اللاحب هو الطريق الواضح فالزائغ عن الطريق الواضح لا يوفق الى اصل العلم وهو علم الكتاب والسنة الشأن في اصابة الخير الذي يكون في الكتاب والسنة هو بحسب صدق القصد في التجرد لله بالتوحيد ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء والمتابعة. فمن جرد نفسه في التوحيد والاتباع حصل له في النفع والانتفاع واذا عرظ للانسان ما يفسد توحيده واتباعه عرظ له ما يفسد علمه فعجب عن تقدير من فهم الكتاب والسنة لما مس به من الهوى واذا كان العبد له ذكاء ولم يكن له هدى فانه لا ينتفع بعلمه. فالشأن في اصابة علم نافع بالكتاب والسنة هو تزكية النفس وطهارتها فمن زكت نفسه وطهرت حصل له الانتفاع بذكائه. اما من يكون ذكيا غير ذكي فان ذكاءه لا يوصله الى المعاني الدقيقة. في فهم والسنة ثم ذكر المصنف ان اعلى الهمم في طلب العلم هي همة العبد الذي يكون طلابا لعلم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نفس المراد اي ما يريده الشرع من العبد اي ما يريده الشرع من العبد وعلم حدود المنزل من الاحكام. ثم ذكر ان هذا هو علم السلف عليهم رحمة الله. ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع فالعلم في السلف اكثر لان علمهم مداره على الكتاب والسنة. قال والكلام في من بعدهم اكثر لان الناس اغرموا بتطويل العبارات وبسط الاشارات وحجبوا عن علم الكتاب والسنة العلوم الخادمة تارة وبالعلوم الاجنبية تارة اخرى. ثم ذكر قول حماد بن زيد قلت لايوب السقياني العلم اليوم اكثر او فيما تقدم يعني فيما سلف من الصحابة والتابعين فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيما اكثر فتفريع الناس في الكلام في العلم كثير. لكن معرفتهم بالكتاب والسنة اقل من الحال التي كان عليها الاولون فكان الاولون على حال كملى من فهم الكتاب والسنة. وان قلت عباراتهم. واما من بعدهم فقد كثرت عباداتهم وحجبوا عن فهم كثير من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كثرة العلم التي كانت عند السلف نشأت من اعتنائهم بما ينفع من هداية الكتاب والسنة فلما جمعوا نفوسهم على ما ينفع استغنوا بالنافع من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم عن تطوير العبارات هو هذا في نفوسهم صحة نياتهم. وخلوص مقاصدهم. فكانوا يطلبون ما يطلبون من العلم. مرضاة لله سبحانه وتعالى وابتغاء لتقوية الدين وهداية الناس. فصار لهم بتلك الحال من الكمال في فهم الكتاب والسنة ما ليس للمتأخرين حتى صار من سمات كلام المتقدمين والمتأخرين ان كلام المتقدمين قليل كثير البركة وان كلام المتأخرين كثير قليل البركة. اشار الى هذا ابو عبد الله ابن القيم في مداره السالكين وابن ابي العز في شرح العقيدة الطحاوية. فالكلام القليل يكون نافعا مع اقبال العبد على اصل علم وهو القرآن والسنة اذا قارنه خلوص النية وسلامة القصد. واما اذا حصل فساد في هذا او ذاك وهي الحال التي غلبت على المتأخرين صرت تجد عنده من الكلام الكثير الذي لا يرجع على العبد الا بنفع قليل قلت ما احسن الله اليكم المعقد الخامس سلوك الجادة الموصلة اليه لكل مطلوب طريق يوصل اليه فمن سلك جادة مطلوبه اوقفه عليه ومن عدل عنها لم يظفر بمطلوبه. وان العلم طريقا من اخطأها ضل ولم ينل المقصود وربما اصاب فائدة قليلة مع تعب كثير. يقول الزرنجي في كتابه تعليم وتعلم. وكل من اخطأ الطريق ضل ولا ينال المقصود تقل اوجلت. وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع القليلة وقد ذكر هذا الطريق بلفظ جامع مانع محمد وارتضى ابن محمد الزبيدي صاحب تاج العروس في منظومة له تسمى الفية يقول فيها فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجحي على مفيد الناصحين. فطريق العلم وجادته مبنية على امرين من اخذ بهما كان معظما للعلم. لانه يطلبه من اذ يمكن الوصول اليه. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح فلابد من حفظ. ومن ظن انه ينال العلم بلا حفظ فانه يطلب محالا والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للراجح اي المعتمد عند اهل الفن. فلا ينتفع طالب يحفظ المغبور في فن ويترك مشهورا. فمن يحفظ قضية الاثاري في النحو يترك الفية ابن مالك. واما الامر الثاني فاخذوه على مفيد ناصح فتفزع الى شيخ تتفهم عنهما عالية يتصف بهذين الوصفين اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك فصارت له قوية فيه والاصل في هذا ما اخرجه ابو داوود في سننه قال حدثنا زهير ابن حرب وعثمان ابن ابي شيبة قال حدثنا جرير الاعمش عن عبد الله بن عبدالله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون يسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم واسناده قوي. والعبرة بعموم الخطاب لا بخصوص المخاطب فلا يزال من معالم العلم في هذه الامة ان يأخذه الخالف عن السالف. اما الوصف الثاني فهو النصيحة وتجمع معنيين اثنين. احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه وسمته والاخر معرفته بطرائق التعليم بحيث يحسن تعليم المتعلم. ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي رحمه الله في الموافقات. ذكر المصنف وفقه الله المعهد الخامس من معاقد تعظيم العلم وهو سلوك الجادة الموصلة اليه. والجادة هي الطريق. وذكر ان كل مطلوب له طريق من سلكه وقف عليه. ومن عدل عنه لم يظفر بمطلوبه. ومن جملة ذلك ان العلم طريقا من سلكها وصل الى بغيته منه. ومن اخطأها فان منتهاه الى حالين الحال الاولى ان يضل فلا ينال مقصوده. ان يضل فلا ينال مقصوده. والحال الاخرى وان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير. ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير فالمخطئون جادة العلم تارة ينتهي بهم سلوكهم الى فراغ النفس من العلم فلا يحصل منه شيئا وتارة ينتهي امره الى تحصيله شيئا قليلا. مع كونه بدل تعبا كثيرا في طلب العلم ثم ذكر من الكلام المنقول عمن تقدم ما يدل عليه ومن جملته قول ابن القيم رحمه الله الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة. فالتعب الكثير الذي يعرض طلاب العلم اليوم ويحرزون معه فائدة قليلة منشأه واحد من هذه الامور الثلاث الجهل بالطريق. فيلتمس العلم جاهلا الطريق الموصل اليه. وتانيها الجهل افات الطريق وهي الشرور التي تعرض للعبد فيه. فان كل طريق يسلك عليه شرور قاعدة لمن؟ سلكه. وثالثها الجهل بالمقصود. اي بالمراد الاعظم من طلب العلم وهو الرفعة عند الله سبحانه وتعالى بامتثال شرعه. فلما وجدت هذه المعاني كلها او بعضها عند اكثر المنتسبين الى العلم اليوم صارت الحال التي ذكرها ابن القيم متحققة فيهم فتجده هم يتعبون تعبا كثيرا. لكنهم لا ينالون من العلم الا قليلا. وقد ذكر شيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله ان طالب العلم كان يطلبه سبع سنين ثم ينبل فيه القضاء او الافتاء بل ذكر ابن بدران في المدخل ان طلب العلم لا يستغرق من صاحبه سوى ست او اكثر يسيرا. وهذه المدة التي ذكراها ليست بمستبعدة على الحال التي كانوا عليها. فانهم كانوا في طريق العلم بمن سبقهم فيأخذون عن الاشياخ الذين تلقوا العلم ممن سلك جادة اخذه. فيكون في امنة لهم في طلب العلم ويحصلونه سريعا. واما اليوم فقد تحققت تلك الاحوال التي ذكرها ابن القيم. فتارة يوجد الجهل بالطريق وتارة يوجد الجهل بافاتها. وتارة يوجد الجهل بالمقصود من سلوك تلك الطريق. وتارة توجد هذه الامور الثلاثة كلها فيحصل من التعب الكثير ما تقصر العبارة حالا عن وصفه ولا ترجع اولئك الذين انهكوا ابدانهم وانفقوا اموالهم سوى بعلم يسير ومنشأ ذلك من هذه العلل التي ضربت في الناس بعطن حتى صاروا محرومين من العلم مع شدة رغبتهم فيه. ثم ذكر ممن نعت الطريق الموصل فاذا العلم محمد مرتضى الزبيدي في الفية السند اذ قال فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصح. فطريق العلم وجادته مبنية على امرين. فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح. والمراد بجمعه للراجح جمعه للمعتمد عند اهل بل جمعه للمعتمد عند اهل الفن فلابد من حفظ والمحفوظ المعول عليه هو المتن لما انتهى اليه ارباب علم من العلوم. فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشهورة كمن يحفظ الفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن ما لك. فمن معائب اخذ العلم اليوم عدم حفظ اصول المعتمدة عند اهله فلا بد من العناية بالحفظ. وان يكون محل المحفوظ منك هو المتن المعتمد عند اهل الفن. ومما يخل بحفظ المتن المعتمد افتان عظيمتان احداهما حفظه من نسخة غير وثيقة. فيعمد محب العلم وملتمسه الى الاخذ من النسخ التي لا يبالي بصحتها وسلامتها واتقانها. في حفظ من شيء غير صحيح كنسخة رائجة من كتاب مراقي السعود ادخل فيها بيتان ليسا من السعود فيحفظها طالب العلم ضانا ان هذين البيتين من ذلك المتن ولهذا نظائر فالنسخ فاسدة اليوم كثيرة لان العلم صار اليوم تجارة. فصار الناشرون والطابعون له اكثرهم تجار ولم تكن هذه حال العلم من سبق فان تجارة العلم غالبا كانت عند اهله من العلماء الذين كانوا يسمون الى اختهم قريب بالقطبيين فكانوا علماء يشتغلون الكتب جمعا وبيعا ثم طباعة لما نشأت المطابخ وقل ان تجد احدا ممن ابتدأ علم في بلد الا وكانت له مطبعة سواء كان هذا في مطابع الشام او مطابع مصر او مطابع الجزائر او مطابع البحرين فالسابقون الى في العالم الاسلامي هم العلماء وهم الذين ادخلوا هذه التقنية عند المسلمين لاجل طباعة الكتب. ثم صار تجارة نشأت هذه النسخ الفاسدة. والافة الثانية الحفظ من نسخ دخلها الاصلاح. الحفظ من نسخ دخلها الاصلاح وهي النسخ التي تصرف فيها من تصرف من المعتنين بالكتب الذين يعمدون الى تحويل الفاظها بحسب ما يرونه راجحا. فيعمد احدهم الى متن معتمد ويغير كلمة. او يغير بيتا ممن ويقول ان النظم الاصلي فيه العيب الفلاني من عيوب علم العروض او علم القافية. فالحفظ من هذه النسخ المصلحة معيب ايضا. فاذا حفظ الانسان فليحفظ من النسخ المعتمدة التي ابقت على وضع الكتاب الاصلي كان منظوما او كان منثورا وكانت هذه جادة من سبق فان من سبق اكثر تصحيحا واصلاحا للمتون من اهل العصر لكنهم كانوا يجعلونها في الشروح. واذا طالعت شرح ابن غازي المكناسي الفية ابن مالك وجدته اصلح في شرح كثيرا من ابيات لكن لا يعرف في بلاد المغرب احد حفظ الالفية بتصحيحات ابن غازي اي بتحويلاته لنص الفية ابن مالك ما رآه اختيارا بل بقي الناس يحفظون الفية ابن مالك وفق نصها الذي جعله عليه فلا ينبغي ان يشتغل الطالب العلم بالنسخ المصلحة سوى النسخ التي وقع الاصلاح فيها في خطاب الشرع. فهذا امر لا بأس به. كالذي اليه علماء هذا العصر من نحو مئة سنة لما طبعوا العقيدة الواسطية فانهم طبعوا يأتي فيها على رواية حفص عن عاصم. مع ان اصل الكتاب ليس على هذه القراءة. فان المصنف رحمه الله كان يقرأ على ابي عمرو بن العلا ولكنه طبع وفق هذه القراءة لتحقق حصول الانتفاع الاكمل بها. وكذلك مثله اصلاح الفاظ الحديث نبوي وفق ما انتهى الينا من النسخ التي بايدينا. فهذا لا بأس به فيستثنى من هذه الافة الامران المذكوران في الكتاب والسنة ثم ذكر الامر الثاني وهو اخذ ذلك المتن على مفيد ناصح. فيفزع الى شيخ يتفهم عنه معاني ذلك المتن يتصف بوصفين. اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم. فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى صارت له ملكة قوية فيه. وذكر الاصل في ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم يصنع ممن سمع منكم فان الاصل في العلم في هذه الامة انه يؤخذ بالتلقي فيتلقاه الخلف عن السلف لهم. واما الوصف الثاني فهو النصيحة بان يكون المعلم ناصحا. وتجمع معنيين احدهما صلاح الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه. ودله وسمته. والاخر معرفته بطرائق التعليم فاما الاول وهو صلاحيته للاقتداء به اي بان يكون على حال حسنة من امتثال الشريعة فيصلح ان يكون مقتدا به في امتثالها ويهتدى به في هديه ودله وسمته. والهدي اسم بالطريقة التي عليها العبد والهدي اسم للطريقة التي يكون عليها العبد. وعطف الذل والسمت عليه من عطف الخاص على العام من عطف الخاص على العام فاصل العام الهدي وهو الطريقة التي يكون عليها الانسان. واما الدل فهو الهدي المتعلق بالصورة الظاهر. هو الهدي علقوا بالصورة الظاهرة. واما السمت فهو الهدي المتعلق بالافعال اللازمة او المتعدية الهدي المتعلق بالافعال اللازمة للانسان في حركته او المتعدية الى غيره الصورة يسمى دلا. وانضباط الحركات يسمى سمتا. وكلاهما يرجعان الى الهدي فهو والوعاء الجامع لهما واما معرفته بطرائق التعليم فالمراد بها معرفته بمسالك ايصال العلم للمتعلمين وهي التي ارادها بقوله بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي كره الشاطبي في الموافقات. فان ايصال العلم للناس يكون على ادحاء مختلفة وليس وفق صورة واحدة لا يفرج عنها. وتقدير تلك الصورة بحسب ما يصلح للناس ويصلحون به. في وامكنتهم واحوالهم فقد يحدث المرء للناس من الاحوال التي تعينهم على طلب العلم ما يحفظ به العلم. واصل ذلك قول عمر ابن عبد العزيز رحمه الله تحدث للناس اقضية بقدر ما يحدثون من الفساد اي يحصل لهم من انواع القضاء في الردع والزجر اشياء لم تكن في من تقدمهم ابتغاء زجرهم عن الشر الذي تمادوا فيه وتطاولوا متسابقين اليه. وكذلك يكون في الخير. فان الناس يحدث لهم من الاحوال التي تعينهم على حفظ الخير ما يبقي الدين فيهم. فمثلا كان في علم القراءات لا يوجد سيئ اسمه الجمع الى المئة الخامسة. ثم لما ضعفت همم الناس وتغيرت احوالهم وجد ما ايسمى بجمع القراءات ولو اراد احد ان يبطله بدعوى ان السلف لم يكونوا يجمعون كان صادقا فانه لا يعرف جمع القراءات عن السلف. لكن المأخذ الذي عمد اليه اهل العلم بجمع القراءات حملهم عليه ابتغاء لئلا تضيع. فاعان جمع القراءات على حفظ القراءات الى يومنا هذا. ولو قدر ان المشتغل قراءات اليوم يريد ان يفرد لكل راوي ختمة مع ضيق اوقات الناس وكثرة اشغالهم صار امرا شاقا ضعفت القراءات في الناس فمثله تلك الاحوال التي تحدث للناس في العلم فان الامر ليس توقيفيا وانما تصلح للناس من الاحوال ما يعينهم على حفظ العلم فيهم. فيكون ما يمدون به من طرائق التعليم. ووسائله وسبله ما يعينهم على حفظه وبقائه فيه. ومن جملة ذلك ترتيب هذا البرنامج على هذا فان المقصود به معونة الناس على حفظ العلم فيهم. لا انه غاية المراد وروضة المرتاد بان لا يطلب الا بهذه الطريقة وان من حضره قد اصاب العلم بل يحتاج الى اعادة النظر في هذه المتون حفظا وفهما مرات ويقسم ذلك في سنته كلها. لكن لا يمنع من هذه الحال. لان حفظ الدين في الناس صار اليوم لا يمكن الا بمثل هذه المسالك. ومن جملته وجود المعاهد والكليات والمدارس فانها لم كانت لم تكن مرتبة عند السلف على هذه الحال ثم احتيج الى حفظ العلم بايجاد اماكن يخص بها مما يسمى بالمعاهد او المدارس او الكليات فالامر في ذلك يرجع الى ملاحظة اصل نافع وهو التربية العلمية التي يحفظ بها العلم والدين في الناس اهل العلم اذا الخلق فيكون مع ايصال العلم اليهم ولو كان قليلا ما يحفظ العلم فيه شواهده حاصلة في احوال الناس فان من عرف احوال الناس رأى ان مما يعينهم على ذلك حسن التلطف في الاخذ بايديه من العلم ومن بدائع الكلمات ما كان يذكره العلامة طاهر الجزائري رحمه الله انه كان يقول لاصحابه ومنهم بهجة البيطار الذي نقل عنه هذه الكلمة انه كان يقول لهم اذا جاءكم رجل يريد ان يتعلم هو في ثلاثة ايام فقولوا له يمكنك. وعلموه في هذه الايام الثلاثة ما يحب به النحو فيبقى في طلبه فان من الناس من قد يأتيه احد يريد العلم فيقول اريد ان اطلبه في ثلاثة ايام. فيقول لا تقدر على ذلك فينقطع عن العلم نية ومن الناس من اذا جاءه ملتمس للعلم فقال ذلك قال احضر معنا وستدرك خيرا ثم يجلس عنده ثلاثة ايام ويبقى عنده ربما ثلاث سنوات لما احب العلم واذكر ان احد من ادركت من المشايخ وهو الشيخ محمد ابن حنطي رحمه الله جاء الى حلقة عالم مشهور في بلدة عنيزة نسبه بعض الحاسدين له الى مقالات الباطلة مكذوبة عليه. قال فاتيت من الرياض لزيارة اهلي في شقراء. فوصلت الى عنيزة ارادة ان اشق على هذا الرجل بالكلام واستخرج ما عنده من المقالات التي يذكرونها عنده. فاتيت اليه ووافقت درسه في العقيدة السبع فجلست وراء الحلقة استكبارا ان اجلس في حلقته وهو ينسب الى تلك البقالة. فلما سمعت درسه بالتحرير الباهر والعلم النافع. قال فلما قام قمت معه فسألته اسئلة في العقيدة يرمى بالمخالفة فيها فكان جوابه فيها بكلام ابن تيمية وكلام ابن القيم. قال فعرفت ان الرجل محسود. فرجعت واخذت اغراظي ومتاعي ولازمته حتى مات. فكان هذا الرجل لما سمع شيئا في مجلس واحد فارق ما كان عليه من المعلمين وتحول الى هذا المعلم ولازمه حتى مات وهو الشيخ عبدالرحمن ابن ناصر ابن سعدي رحمة الله على الجميع. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد السادس رعاية فنونه في الاخذ وتقديم الاهم فالمهم. ان الصورة سنة يزيد حسنها بتمتع البصر بجميع اجزائها. ويفوت من حسنها عند الناظر بقدر ما يحتجب عنه من كجزائها والعلم هكذا بل رعى فنونه بالاخذ. واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم. قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره جمع العلوم ممدوح من كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مضطرع على الاسرار ويقول شيخ شيوخنا محمد بن مانع في ارشاد الطلاب. ولا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة اذا كان ومن نفسه قوة على تعلمه ولا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزري بعالمه فان هذا نقص ورذيلة فالعاقل ينبغي له ان يتكلى بعلم او يسكت بحلم والا دخل تحت قول القائل اتاني ان سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفه الناس علوما لو قراها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل. انتهى كلامه. وانما تنفع رعاية للعلم باعتماد اصلين احدهما تقديم الاهم فالمهم مما يفتقر اليه المتعلم في القياد بوظائف العبودية لله. سئل مالك ابن انس فقال حسن جميل ولكن انظر للذي يلزمك من حين تصبح الى حين تمسي فالزم. قال ابو عبيدة كما عمر ابن متنى منشغل نفسه بغير المهم وضر بالمهم الاهم ان العلم جمع والعمر طيف زار او ضيف الم. والاخر ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن حتى اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما وافق طبعه من هو انس من نفسه قدرة عليه فتبحر فيه سواء كان فنا واحدا ام اكثر اما بلوغ الغاية في كل فن والتحقق بملكته فانما يتهيأ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة ثم ينظر المتعلم فيما يمكنه من تحصيلها افرادا للفنون مختصراتها واحد بعد واحد او جمعا لها والافراد هو المناسب لعموم طلبة ومن طيار شعر الشناقطة قول احدهم وان تريد تحصيل فان تميمه عن سواه قبل الانتهاء ما وفي ترادف العلوم نعجة توأمان استبقا ان يخرجا. ومن عرف من نفسه قدرة على الجمع جمع وكانت حاله استثناء من العموم. ومن نواقض هذا المعقد مشاهدة الاحجام عن تنوع العلوم والاستخفاف ببعض المعارف والاشتغال بما لا ينفع مع الولع من غرائب وكان مالك يقول شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. ذكر المصنف ووفقه الله عقد السادسة مما عقد تعظيم العلم. وهو رعاية فنونه في الاخذ. اي بالاقبال على تلقيها الاهم فالمهم اي تقديم ما تشتد اليه حاجته وتتأكد في حقه طلبته. ثم ذكر ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها بتمتيع البصر بجميع اجزائها. فاذا نظر المرء الى جميع اجزاء تلك حصل له الاستمتاع بها واذا حجب عن بعضها فاته من المتعة بها على قدر ما حجب منها. فكذلك العلم اذا اخذ المرء بفنونه واشرف عليها حصل له من جمال العلم وقوته ولذته ما لا لغيره ثم قال من رعى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم. اي قويا الته في العلم ببلوغها الكمال لان العلم يأخذ بعضه ببعض فهو يرجع الى اصول جامعة كرابطة ثم ذكر قول ابن الجوزي جمع العلوم ممدوح. ثم ذكر بيتا لابن الورد قال فيه من كل فن قدوة له تجهل به فالحر مطلع على الاسرار. ثم ذكر وصيتين عظيمتين من وصايا العلامة محمد بن عبد العزيز ابن مانع ان رحمه الله في ارشاد الطلاب الاولى انه لا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة الثانية انه لا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزني بعالمه. فاما الوصية الاولى ها في قوله ولا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة. فمن اراد النبل في العلم فلا ينبغي ان يهمل شيئا من العلوم النافعة المعينة على فهم الكتاب والسنة. وذكر شرط ذلك قوله اذا كان يعلم من نفسه قوة على تعلمه. اي اذا قوي على ذلك العلم حسن به ان ينفق من قوته ما يعينه على ذلك ويكون ذلك بارشاد معلمه الذي يهديه الى كيفية اخذ ذلك العلم. واما الوصية الثانية في قوله ولا يسوء له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزني بعالمه ان يحط من قدره فعلله بقوله فان هذا انقص ورديدة اي نقص في حال المتكلم وهو من مردود الافعال. فان العلوم المستعملة عند على اختلاف انواعها هي من العلوم الممدوحة المحمودة. فليس من العقل ان يجلي المرء بشيء منها وان يجعله معيبا لجهله به. وقال بعد فالعاقل ينبغي له ان يتكلم بعلم او يسكت علم فان الكلام يمدح اذا كان بعلم. ويمدح السكوت اذا كان بحلف. فان الكلام يمدح اذا كان بعلم ويمدح السكوت اذا كان بحلم. فاذا كان الكلام بجهل والسكوت بطيش فان هذا يزري بالمرء ويدل على نقصان عقله. ثم قال والا دخل تحت قول قائل اتاني ان سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل علوما لو قرأها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل ومعنى قوله ما قلاها اي ما ابغضها. فالقلى هو البغض فلو تعاطى هذه العلوم. واخذها عن اهلها لم يقع في قلبه بغضها والنفرة منها ثم ذكر ان رعاية فنون العلم تنفع باعتماد اصلين. احدهما تقديم الاهم فالمهم وبين تدريجه بقوله مما يفتقر اليه المتعلم في القيام بوظائف العبودية اذ المراد من اخذ العلم اصلا هو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى. فالمقدم في حقك ما تمسك حاجتك اليه في اقامة العبودية لله سبحانه وتعالى. فمن الجهالة ان يبتدأ احد طلب العلم بدراسة النحو او دراسة الاصول او غيرها من العلوم الالية مع تفريطه فيما يلزمه من متين العلم في الدين مما ويمسي عليه في امر اعتقاده وطهارته وصلاته. وذكر قول ما لك بن انس لما سئل عن طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى حين تمسي فالزمه. اي اشتغل بطلب ما تشتد حاجتك اليه مما يلازمك طول يومك كطهارتك وصلاتك وغير ذلك. فاحرص على تقديم تعلمها ثم اطلب ما وراء ذلك ثم ذكر الامر الاخر فقال ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن بان يأخذ في كل بن طرفا بدراسة متن مختصر فيه. ثم اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما وافق طبعه منها وانس من نفسه قدرة عليه. اي فاوغل فيه واجتهد في طلبه. ثم قال اما بلوغ الغاية في كل فن اي النهاية والتحقق بملكته اي بان يكون راسخ القدم فيه فانما يهيئ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة اي بلوغ هذا الحد لا يكون لعموم الناس وجمهورهم وانما يكون لاحاد منهم يؤتون في انواع العلم ثم ذكر بعد ذلك ان المتعلم ينظر فيما يمكنه من تحصيلها افرادا للفنون ومختصراتها واحدا بعد واحد او جمعا لها فالافراد هو المناسب لعموم الطلبة فيعمد الى متن ويجمع نفسه عليه حفظا وفهما ثم اذا فرغ منه انتقل الى متن اخر ثم اذا استوفاه انتقل الى متن اخر في فن اخر حسب ما يلزمه فيتعاطى من المتون المختصرة في انواع الفنون ما تصير له به ملكة في هذه العلوم متنوعة مصيبا من كل فن طرفا حسنا بارشاد معلميه. ثم بعد ذلك اذا وجد من نفسه قوة على شيء منها جعل نهمته وبغيته وطلبته هو ذلك الفن او ذلك الفنين الذين يميل اليهما. ثم ذكر بيتين في الارشاد الى ذلك وان تريد تحصيل فن تممه اي اتمه. وعن سواه قبل الانتهاء مه اي انتهي عن ذلك فكلمة ما هي كلمة زجر فلا تدخل في فن حتى تتم ذلك الفن. ثم قال وفي ترادف في العلوم اي في الجمع بين علمين او اكثر بان يكون احدهما رديفا للاخر المنع جاء اي منع من تلك الحال فلا يخلط بين انواع الفنون قال ان توأمان استبقا لن يخرجا فشبههما بحال الولدين الخارجين من رحم الام انهما اذا تزاحما عند المخرج فلم يخرج احدهما. فان تقدم احدهما تبعه الاخر. فكذلك يكون في العلم. اذا زحم بعضه ببعضه لم يقدر العبد عليه. واذا اخذه شيئا فشيئا وصل بغيته منه. ثم ذكر من طيار شعر الشناقظة ما انشده بعضهم في ذلك من هذا المعنى وقوله طيار شعر الشناقطة البيت الطيار هو البيت الشائع الذي لا يعرف قائله البيت الطيار هو البيت الشائع الذي لا يعرف قائله. ثم ذكر ان من عرف من نفسه قدرته على الجمع جمع وكانت حاله استثناء من العموم. فمن الناس من تكون له قوى خارقة. فيؤتى فهما وحفظا لا يتاه اكثر الناس فهذا تكون حاله استثناء. والاصل في الطلب هو الافراد. فيفرد ثم ينتقل الى علم اخر وهذه هي الحال التي كان عليها من تقدم. ثم لما صرنا الى الحال التي صرنا اليها من قلة الدروس والمعلمين وازدحام الاوقات صار الطالب مضطرا الى ان يحظر في الاسبوع الواحد ثلاثة متون في ثلاثة فنون فهذا تجدد للناس بحسب احوالهم فمن كانت احواله تمكنه من الافراد بان يكون متمكنا من ملازمة عالم يعرف العلوم فهذا يلزم الافراغ. واما من لم يحصل له الالتزام بعالم او بمدرسة علمية تؤهله باخذ العلوم شيئا فشيئا فان انه يجتهد على الحال التي صرنا اليها بحضور مجالس للعلم لكنه يحسن المزج بينها بما يناسب حاله وحاجته فيرقي نفسه شيئا فشيئا. وكان من تقدم يستعينون على العلم بالشيخ المرشد. ثم صار اعز من الاحوال التي يفقدها الناس في الشرف والعلوم مما كانوا يذكرونها فصار الارشاد في العلم عزيزا. فصار الطالب يتخبط يذهب الى درس يبقى فيه مدة ثم يبقى ينتقل الى درس اخر مدة اخرى فيضعف حظه من العلم فالطالب يستعين على الحال التي اليها بالشيوخ المرشدين ويطلب منهم النصيحة في طلبه العلم حتى يحرز بغيته منه. ثم ذكر ثلاثة امور من نواقض هذا المعقد اولها الاحجام عن تنوع العلوم. فتجد من الناس من يوقف نفسه على علم واحد من انواع الضعف. وتانيها الاستخفاف ببعض المعارف. اي عدم المبالاة بها فتجد من الناس من يستخف شيء من العلوم المستعملة عند المسلمين. لانه لم يتعاطاه. فمن الناس من اذا فتح له باب الفقه ذم الحديث. ومن الناس من اذا فتح له باب الحديث ذم الفقه. ومن الناس من اذا فتح له باب النحو ذم الاصول. ومن الناس من اذا فتح له باب الاصول ذم النحو وكل هذه الطرائق طرائق مذمومة. فان العلوم المستعملة عند المسلمين علوم شريفة. ينبغي ان يحصل طالب العلم منها حاجته وبغيته والا يستخف بشيء منها. وثالثها الاشتغال بما لا ينفع مع الورع بالغرائب. فمن الناس من يشتغل بشيء لا ينفعه ويزيد في الطنبول نغمة بان يكون له شغف بالغرائب اي بالمسائل المستغربة التي لا تنطوي على نفع ولم يجلي اهل العلم بطلبها ولا البحث عنها. كالذي ذكره السيوطي في من ترك الاقران ان كثيرا من الناس كانوا يسألونه عن ماء طوفان نوح هل كان مالحا ام كان عذبا؟ فهذا ليس من جنس الاشتغال بما لا ينفع بل من الورع بالغرائر فانه لا يترتب على ذلك شيء يحتاج اليه الناس وهذا كثير في الناس اليوم تجد من الناس من يشتغل بالفظول ويغيب عن الاصول. فتجد الواحد يحظر درس في علل الحديث او في معرفة مراتب الرواد وهو لا يحسن وضوءه وصلاته. وهذا رأيناه بزعم ان اهل الحديث لا يطلبون علم الفقه من المتن الفقهية فيبقى جاهلا لا يعرف وضوءه الصحيح ولا صلاته الصحيحة. ثم يذكر لك القواعد التي يميز بها بين سفيان الثوري وسفيان ابن عيين. ولو ومات ولم يعرف سفيان ابن عيينة وسفيان الثوري ما سله الله. ولكنه اذا مات ولم يحسن طهارته وصلاته سأله الله. وكان السؤال عظيما وفي صحيح البخاري ان حذيفة رأى رجلا يصلي لا يقيم سجوده وركوعه. فلما فرغ من صلاته ناداه فقال منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ فقال منذ اربعين سنة. فقال اما انك لو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذا صرنا نراه اليوم في من ينتسب الى العلم. لا يقيم صلاته ولا طهارته ولا ما يلزمه من احكام ثم تجده مشغول بعلوم لا يحتاجها الان كأن ينشغل بعلم علل حديث او بعلم الرجال او بعلم اصول الفقه او بعلم العروض والقوافي عما ينفعك فلأصل طلب العلم ان تطلب ما ينفعك ويوصلك الى الله سبحانه وتعالى. وغيره يأتي تبعا. اما ما جعله الناس عكسا فهذا من انواع الفساد في العلم ولذلك من اسباب ضعف العلم في الامة الفساد الذي ضرب الامة في العلم وتنوعت اثاره ومظاهره ومشاهده منها مما ذكرنا فطالب العلم ينبغي ان يحذر من الاشتغال بما لا ينفع وان يكون متنزها عن الورع بالغرائب. واذا راجت بين ناس مسألة غريبة فليمسك عنها. فان الشر في ضمنها. فان العلم الذي يحتاجه الناس هو العلم الظاهر. هذا هو العلم الذي يحتاج الناس العلم الظاهر المنشور المشهور هو الذي يحتاجه الناس. ولذلك لم يكن عند الناس في الازمنة المتقدمة العلم على هذه الحال من ان الانسان يكثر من المقروءات على الاشياء. كان عندهم اصول معروفة لا يتعدونها. اذا رأيت كيف كان طلب العلم في او بالعراق او في هذه البلاد في الحرمين او في بلاد مصر او في بلاد المغرب تجد ان مدارس علمية قائمة كالحرمين او بالازهر او الاموي او الزيتونة او القرويين قائمة على كتب معينة يعيدونها مرارا ويلزمونها. فكانوا ينتفعون في العلم ويتخرج العلماء الذين يفسرون القرآن ويشرحون البخاري ومسلم تصنيفا. ثم صرنا اليوم نرى عدم المكنة في اصول العلم بل التزهيد فيها حتى صاروا يرون ان اعادة ما ينفع من المتون عيبا ويزعمون بالعلوم العظيمة كتفسير القرآن وشرح البخاري وشرح صحيح مسلم. ثم يموت احدهم ولم يشرح سوى كتاب الطهارة الصلاة من البخاري وهو يسلي نفسه والاخرين بانهم يطلبون العلم النافع وهذا ليس العلم النافع العلم النافع ان تعرف ما يريد الله هذا هو العلم النافع اما ان تجمع نفسك على علوم يمكن تأخيرها او تعاطيها على غير هذه الطريقة هذا هو ينبغي ان يكون عليه الانسان ان يعتني بما ينفعه من العلم الذي يدخل معه القبر. ولذلك كان ابو عمر المقدسي رحمه الله يقول الناس يقولون العلم ما حفظ في الصدر وانا اقول يعني نفسه العلم دخل معك القبر هذا هو العلم العلم الذي يدخل معك القبر هو الذي تحتاجه وتنتفع به احرص على طلب هذا اعادته مرارا كثيرة. واذا عابك احد بذلك فاعرف انه مدحك من حيث اراد ان يعيبك. كما قال رجل للدار من انت لولا العلم؟ فقال مدحني حيث اراد ان يذمنني. يعني اثبت له ان له مقام بسبب بسبب ايش؟ سبب العلم. كذلك الذي بانك تشتغل بهذه المتون وانه ينبغي ان تشتغل بالبخاري ومسلم فاعلم انه مدحك من حيث اراد ان يعيب. وان هؤلاء يبقون طول عمرهم يقولون هذا ثم يخرجون خالي الوفاض من العلم. كما قال رجل للشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله وقد رآه في مجلس يقرئ روضة المربع وكان يحظر عنده قديما فقال له بعد الدرس سلم عليه يا شيخ عبد الله انتم ذالحين في الروض المربع والناس وصلوا القمر يقول انتم الى الان تقرأون الروض الناس وصاروا القمر قال انت لا وصلت القمر ولا قريت روض المربع هذي حال الناس صارت نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد السابع اي مبادرة الى تحصيله واغتنام سن الصبا والشباب فان وزهرة اما ان تصير بسلوك المعالي ثمرة. واما ان تذبل وان مما تثمر به زهرة العمر. المبادرة الى تحصيل العلم وترك الكسل والعيش واغتنام سن الصبا والشباب امتثال الامر واستباق الخيرات كما قال تعالى فاستبقوا خيرات وايام الحداثة فاغتنمها الا ان الحداثة لا تدوم. قال احمد ما شبهت الشباب الا بشيء كان في قمي فسقط والعلم في سن الشباب اسرع الى النفس واقوات تعلقا ولصوقا. قال الحسن البصري رحمه الله العلم في الصغر في الحجر فقوة بقاء النعيم في الصغر كقوة بقاء بالحجر فمن اغتنم شبابه نالئز به وحمد عند به سواه. الاغتنم سن الشباب يا فتى عند المشيب يحمد القوم السرى. واضر شيء على الشباب التسويف وطول الامل فيسوف احدهم ويركب بحر الاماني ويشتغل باحلام اليقظة. ويحدث نفسه ان الايام المستقبلة ستفرغ له من الشواغل وتصفو من المكدرات والعوائق والحالة المنظورة ان من كبرت سنه كثرت شواغله وعظمت قواطعه مع ضعف الجسم اسمعوا عن القوى ولن تدرك الغايات العظمى بالتلهف والترجي والتمني. ولست بمدرك ما فات مني ابلة ولا بنيت ولا لوني. ولا يؤتاه ما سبق ان الكبير لا يتعلم. بل هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا كبارا ذكره البخاري رحمه الله في كتاب العلم ابن صحيحه. وانما يعسر التعلم في الكبر كما بينه الماء في ادب الدنيا والدين لكثرة الشواغل وغلبة القواطع وتكاثر العلائق. فمن قدر على دفعها عن ادرك العلم. وقد وقع هذا لجماعة من نبلاء طلبوا العلم كبارا. طلبوا العلم كبارا فادركوا منه قدرا عظيما منهم القفال الشافعي رحمه الله ذكر المصنف وفقه الله المعقد السابع من معاقد تعظيم العلم وهو المبادرة الى تحصيله اي المسارعة الى تلقيه. ويكون ذلك بما ارشد اليه بقوله. واغتنام سن الصبا والشباب لان للعمر زهرة هي الشباب فاذا اغتنمها المرء اثمرت واذا لم يغتنمها ذبلت وذهبت ومما تثمر به زهرة العمر في العلم المبادرة الى تحصيله بان يسارع اليه ويبادر به نفسه في حال الصغر. وذكر قول الشاعر وايام الحداثة فاغتنمها. الا ان الحداثة لا تدوم. لان الحداثة سن القوة فيكون للانسان في بدنه ما يعينه على تحصيل مطلوبه من العلم. واتبعه بقول احمد ابن حنبل ما شبهت الشباب الا بشيء كان في كمه فسقط. اي فهو سريع التقضي. بمنزلة شيء كان يحمله الانسان معه ثم سقط منه ثم ذكر ان العلم في سن الشباب اسرع الى النفوس واقوى تعلقا ولصوقا. فمن بادر العلم في سن الشباب قوي العلم في نفسه وثبت كقوة ثبات النقص في الحجر. فمن اغتنم شبابه نادى اربه وحمد عند به صراخ كما قلت في بيت يتيم الاغتنم سن الشباب يا فتى عند المشيب يحمد القوم الثرى اي المسير في الليل ثم ذكر مما يضر الشباب في اخذ العلم التسويف وطول الامل فيرجوا احدهم انه سوف يحفظ وسوف يقرأ وسوف يلازم الشيخ الفلاني حتى يمضي عليه عمره وهو يؤمل في الايام تقبلتي شيئا ثم لا يفعله كما قال فيسوف احدهم ويركب بحر الاماني ويشتغل باحلام اليقظة واحلام اليقظة تركيب يراد به ما لا حقيقة له. واحلام اليقظة تركيب يراد به ما لا حقيقة له. فيكون في حال تضاف الى احلام اليقظة فهي خيال زائف لا رواء ولا ظل له ثم ذكر ما عليه الخلق في الحال المنظورة اي في الحال المشاهدة في واقع الناس في طلب العلم ان من كبرت سنه كثرت شواغله قواطعه مع ضعف الجسم ووهن القوى. فاذا تقدم بك العمر لم تزل قواك في ضعف وقواطعك في كثرة فيصعب ذلك عليك طلب العلم. وليس المذكور في هذه الجملة يراد به منع حصول العلم في حال الكبر بل ذلك ممكن لكن مع شرط التقلل من الشواغل ومنازعة العوائق وقطع العلاء فاذا طلب العلم مع الكبر على هذه الحال من قطع العلائق ومدافعة العوائق والتقلل من اشغال امكن للمرء ان يدركه. قال البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه وتعلم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بارا فان دين الاسلام لما خطبوا به كانوا كبارا كحال ابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ثم كان لهم من العلم والايمان بالدين ما ليس لغيرهم لانهم اقبلوا على معرفة الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم اقبالا كليا فمن كانت هذه حاله مع الكبر من صدق الاقبال على العلم والتقلل من الشواغل ومنازعة العواد امكن ان يطلب العلم ولو كان كبيرا وهذا مذكور في تراجم جماعة من اهل العلم منهم القفال الشافعي فانه طلب العلم في حال الكبر فصار من ائمة بمذهب الشافعية الذين يشار اليهم ولا يزال هذا في قرون الامة ان فيهم من يطلب العلم مع حال الكبر ومع ذلك يتمكن منه حتى ينسب الى التقدم فيه. فالكبر ليس مانعا من طلب العلم. وانما شرطه التقلل من الشواغل وقطع العلائق ومدافعة العوائق. فاذا وجد هذا امكن للانسان ان يطلب العلم وان ينبذ فيه وان يؤخذ عنه ان ينسب الى التقدم فيه مع كونه لم يطلبه الا كبيرا. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثامن لزوم التأني في طلبه وترك العجلة ان تحصيل العلم لا يكون جملة واحدة القلب ويضعف عن ذلك وان للعلم فيه ثقل كثقل الحجر في يد حامله قال تعالى انا سنلقي قولا ثقيلا اي القرآن. واذا كان هذا وصف القرآن الميسر كما قال تعالى. ولقد يسرنا القرآن للذكر فما الظن بغيره من العلوم؟ وقد وقع تنزيل القرآن رعاية لهذا الامر منجما مفرقا باعتبار الحوادث والنوازل كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك بدلناه ترتيلا. وهذه الاية حجة في لزوم التأني في طلب العلم والتدرج فيه وترك العجلة. كما ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه والراغب في مقدمة جامع التفسير. ومن شعر ابن نحاس الحلبي قوله اليوم شيء وغدا مثله من نخب العلم التي تلتقط يحصل المرء بها حكمة وانما السيل اجتماع النقط. قال شعبة ابن الحجاج خمسمائة مرة وما سمعت منه الا مائة حديث في كل خمسة مجالس حديث. وقال حماد بن ابي سليمان لتلميذ له علم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا. ومقتضى لزوم التأني بالتدرج البداءة بالمتون القصار المصنفة في فنون العلم حفظا واستشراحا والميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها. ومن تعرض للنظر المطولات فقد يجني على دينه وتجاوز الاعتدال في العلم ربما ادى الى تضييعه. ومن بدائع الحكم قول عبدالكريم الرفاعي اي احد شيوخ العلم بدمشق الشام في القرن الماضي طعام الكبار سم الصغار وصدق فان الرضيع اذا تناول طعام الكبار ما لذ وطاب اهلكه واعطبه ومثله من يتناول المسائل الكبار من المطولات ويوقف نفسه مع ضعف الالة على العلماء وتعدد مذاهبهم بالمنقول والمعقول. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثامن من معاقد تعظيم العلم وهو لزوم التأني في طلبه وترك العجلة بالتدرج فيه والترقي شيئا فشيئا وعلله بان العلم الماء لا يحصل جملة واحدة فالقلب يضعف عن ذلك فان للعلم في القلب ثقلا كثقل الشيء بيد حامله فكما ان الابدان تكل عن حمل الشيء الثقيل فكذلك تكل القلوب عن حمل العلم الثقيل دفعة واحدة واتفق ترتيب ذلك في نزول القرآن فانه نزل منجما اي مفرقا. واصل نجم الوقت المضروب واصل النجم الوقت المضروب. فاتفق انزال القرآن منجما مفرقا على هذه السورة لحفظه علما وعملا بان يأخذه المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم والمبلغ اليه وهم الصحابة رضي الله عنهم شيئا فشيئا فيحفظونه ويفهمون مراد الشرع فيه. وذكر قول الله تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليهم القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك. وبين ان الخطيب البغدادي او راغب الاصبهاني ترى ان هذه الاية اصل في التأني في العلم واخذه متدرجا وترك العجلة فيه. ثم ذكر من الشعر والنثر ما يقرر هذا المعنى ويبينه. ثم بين مقتضى لزوم التدرج والتأني في العلم انه يكون بامرين احدهما البداءة بالمتون القصار المصنفة في فنون العلم حفظا تشراحا والاخر الميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها. فمن اراد ان يكون متأنيا متدرجا في اخذ العلم فانه يبدأ بالمتون المختصرة حفظا واستشراحا قوته فيها ويعزف عن مطالعة المطولات فلا يشتغل فيها. لان اشتغاله بها مع تلك الحال ربما اضعفه واوهنه وربما امضغه واعاقه وصرفه عن العلم كلية او وقع في شيء من شبهات وذكر كلمة تنسب الى عبد الكريم الرفاعي انه كان يقول طعام الكبار سم الصغار. اي ما يتناوله الكبار طعاما يتقوون به فانه يكون صما للصغار. كاللحم اللذيذ الذي يستطيبه الكبار مطبوخا ومشويا انه اذا دفع الى الرضيع وغدي به ربما اهلكه واعطبه ومات من ساعته. وهذا معنى قوله هو وغيره طعام الكبار سم الصغار اي ما يجتمع عليه الكبار لينتفعوا به في العلم يكون لصغار المشتغلين بالعلم سما ناقعا يقطعهم عما ينفعهم من العلم. هذا معنى هذه الكلمة. ومن الناس من يطلقها يريد بها الناس عن تلقي العلم عن كبار العلماء سدنا فيزعم ان الاخذ عن هؤلاء لا ينتفع به للمبتدئين ويقول طعام الكبار سم الصغار اي ما يدرسه هؤلاء الكبار يكون بالنسبة للصغار سما وهذا معنى باطل ولم يرده القائلون هذه كلمة وانما ارادوا ان العلم الذي يجتمع عليه الكبار من النظر في المطولات ربما صار سما لمن كان صغيرا فمن اراد ان يتأنى في العلم فانه يأخذ بهذين الامرين بان يستفتح علمه بالمتون المختصرة حفظا واستشراحا ويبلغ في اخذها اتقانا ويعزف عن مطالعة المطولات فلا يقبل عليها الا مع قوة الالة ويكون من كتب العلم ما ينوء بحمله العصبة من الرجال. فان من الكتب الدقيقة من لا تشرب عليه اكثر افهام خلق وقد ابتدأ شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله اقراء درء تعارض العقل والنقل في درس الخميس صباحا ثم لما بلغ منه مئة صفحة اوقف الدرس. لان اكثر الناس لا يدركون هذه المعاني وكانوا طلابا للعلم مع ذلك يعجزون عن فهم شيء من دقيق العلم الذي في مثل هذه الكتب. فرأى معلمهم ان منفعتهم في حجب هذا عن وانه يخلص هذا لافراد من الخلق تكون لهم مكنة على تعاطي هذه الكتب. وهؤلاء هم المعلمون الناصحون باحوال الناس الذين يحملونهم على ما ينفعهم. ومن الناس اليوم من يدعو دعوة واسعة الى ما يسميه كسر حجاب تعظيم الكتب الكبار وان طلاب العلم خوفوا منها. وان هذا اورثهم الضعف بالعلم. وهذا جهل. فان الذي اورث الطلاب ضعف في العلم هو جرائتهم على الكتب المطولة وعزوفهم عن المختصرات. فلما صارت هذه حالهم وجد الخلل فيهم. واما تطلعهم الى الكتب المطولة فقد كانت طريقة اهل العلم نهيهم عن ذلك حتى يبلغوا المكنة فيها اما بقراءتها مع من الطلبة او بمطالعتها بانفسهم. وكان لشيخ شيوخنا محمد بن ابراهيم رحمه الله درس لا يحضره الا اربعة لا يقرأ به الا مثل هذه الدقائق من العلم ولم يكن درسا مفتوحا للناس كافة. فكان المعلمون الناصحون يأخذون بها هذا واما المتسارعون الى صورة العلم الذين يزعمون انهم يقرؤون دراء التعارض للعقل والنقل او منهاج السنة النبوية او على المنطقيين او غير ذلك من الكتب الدقيقة. او علل الدار قطني ويعقدون في ذلك دروسا في المساجد او خصائص ابن جني فهذا لم يكن من عادة اهل العلم وانما كانوا يقصون بها الاذكياء النبهاء. لانه ربما صار لغيرهم فتنة. فان كثيرا ممن تطلع الى هذه الكتب ربما وقع عنده من الغلط على العلم واهله ما كان منشأه انه ارتفع الى تلك الكتب ولم يبلغ القدرة عليه فاذا بلغت القدرة عليها فحين ذلك اقرأ ما تشاء منها. ومن كان قويا في اصول العلم لم يحتج الى تلك الكتب. فان من كان ينفع الناس كانت كتبه التي بين يديه قليلة وانما كان متين العلم في اصوله. فهذا الرجل الذي ذكرناه قريبا وهو عبدالرحمن بن سعدي الذي يظحي الناس ويمسون على الانتفاع بكتبه لم يكن في مكتبته سوى مئتي كتاب. فكانت هذه الكتب التي تحفل بها مكاتبنا محجوبة اكثرها عنه. لكن كان عنده من اصول العلم في حفظه وفهمه ما امكنه به ان يزاحم الاوائل ويوجد عنده من المعاني التي يقطع الناظر بانه لم يطلع على كلام من تقدمه لان هذه الكتب كانت مفقودة ثم وجد كلامه موافقا لكلامهم. لانه اوتي من دقيق الفهم مع قوة الاصول ما نبل به في العلم. فطالب العلم اذا وثق اصوله بز في العلم ولو لم يطالع المطولات حتى صار يزاحم اهله. فالشأن في حسن الفهم لا في كثرة الاطلاع وان كانت كثرة الاطلاع ممدوحة لكن بعد البناء الوثيق. اما المطالعة للمطولات مع عدم البناء الوثيق فان هذا يردي صاحبه غالبا. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد التاسع الصبر في العلم تحملا واداء اذ كل جليل من الامور لا يدرك الا الصبر واعظم شيء تتحمل به النفس طلب المعالي تصبرها عليه. ولهذا كان الصبر والمصابرة مأمورا بهما لتحصيل ولتحصيل كماله تارة اخرى. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا وقال تعالى واصبر نفسك الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. قال احمد ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية هي جالس الفقه ولن يحصل احد العلم الا بالصبر. قال يحيى بن ابي كثير ايضا لا يستطاع العلم براحة الجسم الصبر يخرج من معرة الجهل. قال الاصمعي من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. وبه ادرك لذة العلم. قال بعض السلف من لم يتحمل الم التعليم لم يذق لذة العلم. ولا بد دون الشهد من سبل سعة. وكان وقال من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب. وصبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه. فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالس علم يحتاج الى صبر. ورعاية حق شيخه تحتاج الى صبر. والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه الهي. فجلوس المتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر. واحتمال زلاتهم يحتاج يا صبر وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما. لكل الى شؤو وثبات ولكن عزيز في الرجال ثبات. ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد. قال ابويا على الموصلي رحمه الله المحدث اني رأيتها في الايام تجربة للصبر عاقبة محمودة الاثر وقل من جد في شيء تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع من معاقد تعظيم العلم وهو الصبر في العلم تحملا واداء. والمراد بالتحمل التلقي. وبالأداء البذل والبذل فالمرء مفتقر الى الصبر في العلم في طرفين تحملا بتلقيه عن اهله واداء ببذله وبثه للاخذين عنه. وكل امر جليل نافع لا ينال الا بالصبر ولهذا ملئ القرآن بالامر بالصبر والحث عليه ومدحه وذكر فضل اهله. قال الله تعالى يا ايها الذين الذين امنوا اصبروا وصابروا. امرا للعبد بالصبر والمصابرة. والصبر هو حبس النفس على حكم الله والمصابرة هو وجود ذلك عند المنازعة. فالمصابرة حال تطلب من الانسان اذا وجد ما ينازعه بحبس نفسه على حكم الله. فمبتدأ الحبس على حكم الله يسمى صبرا. فاذا تمادى به الصبر حصلت له منازعة من النفس او من الشيطان او من غيرهما. فاذا غالب تلك المنازعة صارت هذه حال المثابرة. وذكر قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الاية. وان يحيى ابن ابي كثير رحمه الله قال في تفسيرها هي مجالس الفقه. فالعبد مأمور بان يصبر نفسه على مجالس العلم تقربا الى الله سبحانه وتعالى بارادة وجهه. ثم ذكر ان العلم لا يحصل الا بالصبر. وذكر ان من منفعة العلم في الصبر امران. احدهما انه يخرج العبد مما عرة الجهل فعيب الجهالة لا يخرج منه العبد الا بالصبر. والاخر انه تدرك به لذة العلم. فلذة العلم لا اتدرك الا بالصبر كما قال الشاعر ولابد دون الشهد من سم لسعة. والشهد هو العسل في شمعه واستشهده والعسل في شمعه فاذا اراد مجتبي العسل ان يأخذه من الشمع اصابته ابر النحل فكذلك الامور المعظمة دونها وخزات الالم. فلا بد ان يصبر الانسان نفسه عليها ثم ذكر ان ان صبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه اي في تلقيه. فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر. فلن تحفظ الا بصبر. ولن تفهم الا بصبر ولن تحضر مجالس العلم الا بصبر. ولن ترعى حق شيخك الا بصبر. والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليه الى اهله اي في نشره بين الناس. لان الجلوس للمتعلمين له لذة في مبدأ الامر ثم اذا طال الامد صار فيه ثقل على النفس. فيحتاج المعلم الى منازعة نفسه من هذا الثقل حتى يقيم بالصبر على الجلوس للمتعلمين. فيصبر بالجلوس للمتعلمين. ويصبر كذلك على افهامهم. ويصبر زلاتهم ولا يستقيم حال معلم لا يحدث قلبه بهذا ويريد ان يستقيم له الناس على هواه وهذا شيء لم يكن لخير الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فقد بلغ من اذية الناس به ان يأتي اليه الاعرابي من جلبابه حتى يؤثر رداؤه في عنقه صلى الله عليه وسلم اي باحمراره وتغيره اصبروا صلى الله عليه وسلم على مشقة ما يجده من الالم. فكذلك المعلمون الصادقون يصبرون على ما يجدون ولا يبالون بهذه الحال. فانها حال كتبها الله على كل من اراد اقامة دينه انه ما من نبي الا عودي كما قال ورقة ابن نوفل في الصحيحين. وكما تكون المعاداة للانبياء تكون المعاداة لوراثهم من العلماء وقد يعاديهم من ينتسب الى العلم والخير. فالمعلم الناصح يصبر على هذا ويعلم انه من الابتلاء لا يعامل الخلق كما يعاملونه؟ بل يعامل الخلق بما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه. فالألم الذي قد يعتريه لقول فلان او فعل فلان هو من كيد الشيطان له. ومما يدفع كيد الشيطان عنه ان يتسل بحال الانبياء عليهم صلوات الله وسلامه فانهم ابتلوا باقوامهم. بل ابتلي بعضهم باهل بيوتهم بل ابتلي بعضهم بازواجهم. كما ابتلي نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام بزوجيهما. فاذا كان صفو الخلق وهم الانبياء ابتلوا بما ابتلوا به في تعليم الناس الخير وبث الدين وهدايتهم فان من ينوب عنهم في بث العلم لا بد ان يعرض له من الناس احوال ودواؤها ان يصبر كما صبر الانبياء وان يعامل خلق كما عامل الانبياء الخلق فيقتدي بائمته من اهل الهدى من الانبياء والعلماء والصديقين الشهداء والصالحين فيسير بسيرهم. ولا يبالي بما يحصل من الناس. لانه لا يعامل الناس. وانما يرى ان جلوسه وتعليمه وصبره قربة تقربه الى الله سبحانه وتعالى. فيكون ذلك اعظم مدد يمد الانسان من الصبر. ثم ذكر ان فوق هذين النوعين من الصبر نوع اخر اعظم وهو الصبر فيه مودة الثبات عليهما فان الانسان قد يصبر مدة لكن الثبات على الرشد مما يعز في نفوس الناس فينبغي اذا وفق الانسان للصبر ان يحدث نفسه بان الصبر لا ينتهي الى امد. قيل لابي عبد الله احمد ابن حنبل متى الفراغ يا ابا عبد الله؟ قال الفراغ في الجنة. يعني لا يجد الانسان راحة من العنت والمشقة التي تمسه في فيه او في اهله من الخلق الا بان يدخله الله سبحانه وتعالى الجنة جعلنا الله واياكم من اهلها. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد العاشر ملازمة اداب العلم. قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه وقلة ادبه عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدنيا والاخرة الادب ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الادب. والمرء لا يسمو بغير الادب وان يقل ذا حسب ونسب قال ابن القيم قال ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه وقلة ادبه شقاوته وبواره فما استجلب خير الدنيا والاخرة بمثل الادب. ولاستجلب حرمانهما بمثل قلة الادب والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. وانما يصلح للعلم من تأدب باداب في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه قال يوسف بن الحسين بالادب تفهم العلم لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له وقليل الادب يعز العلم ان يضيع عنده. سأل رجل البقاعية ان يقرأ عليه فاذن له البقاعي. فجلس الرجل متربعا فامتنع البقاعي من اقراءه وقال له انت احوج الى الادب منك الى العلم الذي جئت تطلبه ومن هناك السلف رحمهم الله يعتنون بتعلم الادب كما يعتنون بتعلم العلم. قال ابن سيرين رحمه الله كانوا الهدي كما يتعلمون العلم. بل ان طائفة منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم. قال مالك ابن كم من قريش يا ابن اخي تعلم الادب قبل ان تتعلم العلم وكانوا يظهرون حاجتهم اليه قال مخلد بن الحسين لابن مبارك يوم نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. وكانوا يوصون به ويرشدون اليه قال مالك رحمه الله كانت امي تعممني وتقول لي اذهب الى ربيعة تعني ابن ابي عبد الرحمن فقيه اهل المدينة في زمنه فتعلم من ادبه قبل علمه. وانما حرم كثير من طلبة العصر العلم بتضييع الادب ترى احدهم متكئا بحضرة شيخه بل يمد اليه رجليه ويرفع صوته عنده ولا يمتنع عن اجابة الجوال او غيره فاي ادب عند هؤلاء ينالون به العلم؟ اشرف الليث ابن سعد على اصحاب الحديث فرأى منهم شيئا كأنه كره فقال ما هذا؟ انتم الى يسير من الادب احوج منكم الى كثير من العلم فماذا يقول الليث لو رأى حال كثير من طلاب العلم في هذا العصر وذكر المصنف وفقه الله المعقد العاشر من معاقد تعظيم العلم وهو ملازمة اداب العلم. واستفتحه بكلام عظيم النفع لابن القيم في مدارج السالكين ذكر فيه ان ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وان قلة ادب المرء عنوان شقاوته وبواره. فمدار الفلاح والسوء على حسن الادب وحرمانه فما استجلب خير الدنيا والاخرة بمثل حسن الادب. ولاستجلب شر الدنيا والاخرة بمثل قلة الادب ثم ذكر قول الاول والمرء لا يسمو به بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب ثم قال وانما يصلح للعلم من تأدب بآدابه في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه اي لا يكون من اهل العلم الا المتأدب فيه وذكر قول يوسف بن الحسين بالادب تفهم العلم وبين وجهه فقال لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له. وقليل الادب يعز العلم ان يضيع عنده. فان اذا رأى في المتعلم ادبا اجتهد في تعليمه وتفهيمه. واذا رأى فيه قلة ادب بادره بحرمان العلم لان العلم يعز ان يجعل عند قليل الادب. وانك لتعجب من شيخ لو تقدم اليه احد طلابه يطلب منه ان يتزوج ابنته امتنع من تزويجه. ثم اسر الى قريب منه بانه قليل الادب في الدرس ثم تراه لا يؤدبه بشيء في درسه. واصلاحه في درسه دينا اعظم من طلب صلاحه ابنته زوجا لان صلاحه دينا يحفظ به دينه ودين المسلمين. واما اقترانه بسهارته اليه فانما هو امر نكاح يحصل به مصلحة واحد او اثنين. فالاصلاح للناس بتأديبهم في العلم اعظم المقامات. ولذلك كان من سبق يعظمونه عظيما شديدا كما ذكر المصنف في ذلك ما ذكر من الاثار والاقوال عن اهل العلم رحمهم الله تعالى وانهم كانوا نون به فيرون تعلم الادب مثل تعلم العلم او يقدمونه عليه. وتشتد وصيتهم به في انفسهم وفي اصحابهم وفي اهليهم وذراريهم. وذكر قول مخلد ابن الحسين ابن المبارك يوما نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. اي يحتاج الناس الى الادب اكثر من حاجتهم الى العلم فان الادب به تصلح النفوس وتزكو. واما قلة الادب مع العلم الكثير فانها تفسد صاحبها وتفسد الناس وهذا الذي ذكره مخلد ابن الحسين قاله على وجه الازراء والعيب والانتقاص لئلا تغتر بانهم مع كمال احوالهم الى ما هو اعظم واعظم من الادب. ثم ذكر المصنف ان هذه الابدة وهي تضيع الادب هي السبب اعظم في حرمان كثير من طلبة العلم فتجد في الناس رغبة في العلم وحرصا على طلبه لكنهم لا بادابهم ولذلك لا يفلحون فيه فتجد من احوالهم مما ذكره المصنف وغيره اشياء العلم وانك لتعجب من رجل رشي. يجلس في حلقتك وهو يوليك ظهره. فلاي شيء جلس اليك؟ وانما تجلس الى احد اذا اقبل عليك فاذا اقبل عليك جالس فاقبل عليه بوجهك. ووالله لم ارى هذا فيما تقدم من المجالس رأيته في الكتب ان يحضر طالب الى شيخ في مجلسه ثم يوليه ظهره. وما حصل هذا الا في الازمنة المتأخرة. حتى صار الناس يرونه امرا واسعا ويزعمون ان التنبيه عليه تشديد وتنطع وغلو وشدة على الطالبين وهذا جهل بالدين فان حقيقة الدين اعظام العلم واجلاله والترغيب فيه وان يجلس اليه اهله متأدبين بادابه لا ينفع العلم بلا ادب والمقصود بنفعه ان يحصل الخير منه وان يفشوا في الناس وان يهتدي الناس الى الحق فاذا لم يكن معه ادب لم يفلحوا وان بلغت لديهم المجالس كثرة من العد في عقد الدروس او وجدت الكتب كثرة ما لم يوجد في الزمن قدم كالحال التي عليها نحن الان. فان الة العلم عندنا اوفر مما تقدم في وجود الكتب وتيسير مجالس العلم. لكن الادب عند الناس اليوم يكاد يكون غريبا حتى صرت تجد في الناس مشاهد لم يصدق الانسان انها تكون من خدية اهل العلم لان من قرأ عن العلم في الكتاب والسنة وكلام الاوائل عرف ان العلم عبادة. وكثير من الناس يذكر لك شرطي العبادة ان خلاص والاتباع فاذا اردت ان تطلب الاتباع عنده في العلم لم تجده. ما عنده اتباع في العلم يقول انا على طريقة السلف ثم اذا رأيت طريقة وجدته صفرا منها. يضع كتابه على الارض. يمد رجليه عند شيخه. يتكئ يولي شيخه ظهره. يستند على كرسي شيخه الى غير ذلك من الاحوال التي تدل على حرمان الادب. وقد لا يلام المتعلمون كثيرا بقدر ما يلام فان المعلم الصادق ينصح للناس ولا يطلب مدحهم وثناؤهم وان نسبوه الى الشدة لم يؤلمه ذلك فان الشدة في بحق محمودة وقد امرنا بها في مواضع كثيرة من الكتاب والسنة. لكن يترفق الانسان في حمل الناس على الحق بالحق مداراة لهم في طلب تقويمهم. وهذا امر تحصل له منفعتهم سواء في نفوسهم او في من يأخذ عنهم. فان من الادب في نفسه عند شيوخه كان حقا يؤدى اليه من اصحابه الاخذين عنه. فطالب العلم ينبغي له ان يحرص على الاداب وان مما ينبه اليه في باب الاداب ان بعض الاخوان قد يحظو مجالسه كهذه المجالس ثم يقوم وقد ترك كوبا او ترك من او ترك حاملا للمصاحف تقطع به الصفوف هو الذي احضره وهذه ليست حال طلاب العلم. طالب العلم ينبغي ان يكون على الادب الكامل. وقد من ادركنا ممن كانوا متأدبين في احوالهم والفاظهم فتجد في احوالهم من حسن الادب والتلطف في معاملة او في معاملة اصحابهم من المشايخ ما يدل على سمو نفوسهم. وانهم يرعون الادب ويتخيرون حتى الالفاظ التي يريدون ان يخاطبوا بها شيخا اكبر منهم او قرينا ملازما لهم او من هو اقل من ذلك. فكان انتفاعهم العلم عظيما واليوم ترى مجالس طلاب العلم وفيها وحشة لغربة الادب. فلما صار الادب غريبا صارت النفوس وفيها وحشة لان العلم صار مظهرا اجتماعيا وليس عبادة يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى. والا فالذي يعرف ان العلم عبادة يحرص على كيفية طلب العبادة هذه. كيف يطلب العلم؟ كيف يكون فيه؟ كيف يكون في مجلسه؟ كيف يكون في كلامه؟ كيف يكون في جلوسه كيف يكون بذهابه؟ هذا هو الذي يحفظ به الناس ويحفظ به الدين. اما الحال التي صرنا عليها والله ان الانسان ليشتكي الى الله من هذه الحال شكوى عظيمة تجد ان تستغرب حقيقة ما كان الطلبة يخرجون من المساجد قبل خروج شيخهم. ما كانوا يخرجون من المساجد حتى يخرج الشيخ وهذا اصله في السنة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنصرفوا حتى انصرف يعني من صلاتي. فكان ابن عمر لا يخرج من المسجد حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم الان يخرجون من المجلس والشيخ يتكلم الشيخ يختم المجلس وتجدهم اوزاعي يقومون. هذا شيء ينفطر منه نفس الانسان. ليست لحقه يا اخوان. لكن لحق تعظيم دين الله عز عز وجل تعظيم دين الله ان تعز دين الله عز وجل تلتزم بآدابه تلتزم باخلاقه تعرف ان هذه عبادة تقربك الى الله سبحانه وتعالى عبادة بحقها لا تطلبها كما تشتهي انت وتفعل فيها ما تشتهي انت لا تطلبها كما يريد الله سبحانه وتعالى. لعل الله سبحانه وتعالى ينظر اليك في هذا المقام فيغفر لك. مقام واحد يغفر به الانسان. لذلك مجالس السلف كان حتى بري القلم ما فيه. بري كان ما يبرون القلم بانه يخرج له صوت ما يبرون القلم. والان يكلم بالجوال امام شركة يجلس هو الذي يقرأ واحد يقرأ البخاري ورن جواله يرد امام الشيخ يعني لا عظم شيخه ولا ما هو اعظم وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذا كيف يكون العلم؟ لا يكون العلم. يا اخوان لا تحجبنا هذه المظاهر عن عبادة العلم اننا نتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى. مهما شق علينا كل ما شق كان اعظم في حسن العبادة ابتلينا باحسان العمل فيا طلاب العلم احسنوا العمل في طلب العلم. احسنوا العمل في طلب العلم باخذه بطريقة من سبق. لا بالاهواء والاراء والطرائق المعاصرة التي احدثها الناس تجدون بركة ذلك في العلم. ولهذا كان من سبق يطلب العلم مدة ثم ينبل كما ذكرت سبع سنين وست سنين الان واحدنا يجلس عشر سنوات خمسطعش سنة ولا يحصل شيء. لانه عنده فساد في طلب العلم بانواع كثيرة. منها هذا الباب باب بالعلم فنسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا جميعا من اهل الادب نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الحادي عشر صيانة العلم عما يشين مما يخالف المروءة ويخرمها من العلم لم يصنه العلم قاله الشافعي رحمه الله ومن اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظم ثم وقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. قال وهب بن منبه رحمه الله لا يكون البطال من الحكماء لا يدرك العلم بطال ولا كاسل ولا ملول ولا من يأنف البشر. وجماع المروءة كما قاله ابن تيمية الجد في محرر وتبعه حفيده في بعض فتاويه استعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه. قيل لابي سفيان ابن عيينة قد استنبطت من القرآن كل شيء فاين المروءة فيه؟ فقال في قوله تعالى خذ العفو وامر واعرض عن الجاهلين. ففيه المروءة وحسن الادب ومكارم الاخلاق. ومن الزم ادب النفس للطالب تحليه بالمروءة وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها كحلق لحيته فقد عده في خوارم المروءة. ابن الهيتمي الشافعية وابن عابدين من الحنفية او كثرة الالتفات في الطريق وعده من خوارمها ابن شهاب الزهري وابراهيم النخاعي من المتقدمين او مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة داعية. وعده من الخوارج جماعة منهم ابو بكر الطرطوشي من المالكية وابو محمد ابن قدامة وابو الوفاء ابن عقيل من الحنابلة او صحبة الاراذل والفساق والمجان والبطالين وعد من خوارم المروءة جماعة. منهم ابو حامد الغزالي وابو بكر ابن الطيب من الشافعية. والقاضي عياض اليحصبي من المالكية او مصارعة الاحداث والصغار وعده من الخوارج منهما وابن نجيم من الحنفية. ومن اخل بمروءة وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام ولم ينل من شرف العلم الا الحطام ذكر المصنف وفقه الله المعقد الحادي عشر من معاقد تعظيم العلم. وهو صيانة العلم اي حفظه وحمايته عما يشين اي يقبح. ثم بين البشين المقبح فقال مما يخالف المروءة يخرمها فكل شيء كان مخالفا الوضوء خادما لها فان العلم يحفظ ويحمى عنه واستفتح بيان هذا المعقد بالكلمة المأثورة عن الشافعي رحمه الله انه قال من لم يصن العلم لم يصنه العلم اي من لم احفظ العلم قائما بحقه فان العلم لا يحفظه. ومن جملة حفظ العلم رعاية المروءة فيه عن خوارمها. ثم ذكر ان من اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه وقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه فيخرج من العلم ولا ينسب اليه ولا الى وينسب الى البطالة والمجانة وذكر قول وهب بن منبه رحمه الله لا يكون البطال من الحكماء اي لا الماجن المشتغل بالباطل معدودا في اهل الحكمة والعلم. ثم ذكر معنى حفظ المروءة عن ابن تيمية الجد وحفيده احمد ابن عبد الحليم ابن عبد السلام انهما قالا استعمال ما ويزنه وتجنب ما يدنسه ويشينه. فمدار المروءة على امرين. فمدار المروءة على امرين احدهما استعمال المجمل المزين. استعمال المجمل المزيل دين والاخر اجتناب المقبح المشين. والاخر اجتناب المقبح المشين. ثم ذكر استنباط سفيان ابن عيينة المروءة من القرآن في قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. ثم قال ومن الزم ادب النفس للطالب بالمروءة يعني اتصافه بها. قال وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها. وخوارم هي مفسداتها واصل الخرم هو الشق فكانها تشق المروءة وتفسدها ثم ذكر جملا مما قل بالمروءة مأتورا عن اهل العلم من الاوائل كحلق اللحية او كثرة الالتفات في الطريق او مد الرجلين في مجمع من الناس من غير بحاجة ولا لضرورة او صحبة الاراذل والفساق والمجان والبطالين او مصارعة الاحداث والصغار. فكل تلك امور المذكورة مما ينبغي ان يتجافاه ملتمس العلم الا يخل بمروءته فيزول اسم العلم عنه. ثم قال بعد من اخل بمروءته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام. اي يحصل له من فضيحة بخلع اسم العلم عنه ما لا يغيب عن احد من الناس حتى يشهر بذلك عند خواص الناس وعوامهم ثم قال ولم ينل من شرف العلم الا الحطام. فالمتهتكون في مروءاتهم لا ينالون من شرف العلم الا فتاتا تلك الفتات الذي يلقى كالامور التي يحصلها الناس من شهادات او رئاسات او غيرها مع تلبسهم بما يخل بمرؤاتهم فهؤلاء لم يصيبوا من العلم على الحقيقة الا حطاما لا ينتفعون به. فغاية شهادته في العلم او رئاسته العلم ان ينتفع بها في الدنيا. واما في الاخرة فانه ربما حرمها لعدم اقامتها على الوجه المحبوب المرضي عند الله سبحانه وتعالى وهذا اخر المجلس. واذكر في ختامه منبها امورا. اولها من اراد ان يحصل على نسخة من الكتاب فيمكنه الحصول على ذلك من مكتبة النصيحة المقابلة للبوابة الجنوبية من الجامعة الاسلامية وهي مفتوحة اليوم بعد الدرس حتى الساعة الحادية عشر. فيمكن الحصول في هذه المدة على النسخة. وكذلك هم يبقون اليوم من الساعة الرابعة الى الحادية وعشر اي الى الحادي عشر والنصف مساء فيمكن ان يحصلها الانسان في تلك الاوقات ويتخير من الاوقات ما لا معه شيء من العلم. وثانيها انبه من يحضر هذا الدرس ان من شرط حضوره عدم شرح له لا لي ولا لغيري. وهذي من وجوه فساد العلم. فكان الشرح لا يحظر ابدا في مجالسه. الا اذا كان هو الكتاب الذي يقرأ فحينئذ يحضر. واما ان يحضر الطالب ويقرأ متنا ومعه شرح ولو لنفس الشيخ فهذا ليس من ادب العلم لان الشرح يحجبك عما يلقى اليك من العلم ويشغلك به. فالاصل ان تتابع كلام شيخك فهو يتكلم اليك ويلقي الكلام اليك وهذا حجاب يمنعك منه فلا احل لاحد ان يحضر مجلسي ومعه شرح لا لي ولا لغيري فان هذا من ادب العلم النافع الا شيئا كان كتبه في هذه الدروس على نسخته فهذا يحضره ليزيد فيه او ينقص او يتخير فهذا امر سائغ لا شيء فيه وثالثها من كان له سؤال فانه يمكنه ان يكتبه في ورقة ثم نجيب عليه في اخر البرنامج ورابعها سننبه على اصطحاب المجلد الثاني في بعض المجالس لنقرأ فيه اشياء تسرد نعين اوقاتها. وخامسها انبه الى ان كل احد يحتاط في اثبات ما سمعه فاذا فاته شيء يكتب عنده فوت ثم يستدركه في وقت اخر وينتبه بما يلقى اليه من العلم بان لا يفوته شيء منه ويرتب وقته على ما يعينه على حضور البرنامج. بعض الناس يقولون البرنامج طويل. ثم اذا جئت الى الطويل وجدته يذهب بعد درس الفجر يجلس يفطر ساعتين ثم يتحدث ساعتين ثم بعد ذلك يصلي الظهر ثم يقول نتغدى وننام ثم يتغدون يتحدثون يبقى عشر دقائق لا يكاد ينام فيها ثم يحضر درس العصر ويغيب عن المغرب والعشاء ويقول البرنامج ثقيل الثقل في عدم حسن الترتيب. انسان ينبغي ان يكون حازما في هذه المدة في ترتيب وقته. وسادسها انبه الى انه لا ينبغي ان يتبعني احد الا احد يقرأ فوتا عليه. فالاسئلة محلها الاوراق وما عدا ذلك لست انا في حاجة الله ولستم انتم في حاجة الي الا احدا عنده موت فهذا يتبعني ويقرأ ما يشاء من الفوت واخرها ان الطلاب الذين حظوا بالسكن سواء السكن الخيري او السكن الميسر او الطلاب المستضافين من خارج البلاد على نفقة بعض المحسنين من حق البرنامج عليهم ان يلتزموا به فلابد ان يلتزم به طالب العلم لانك اعنت عليه لاجل ان تحظره. فلا يكن من فساد امرك ان تفرط في هذا الحق الذي اعطي اليك. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا