بسم الله الرحمن الرحيم نحمد الله جل جلاله على نعمه العظيمة والاءه الجسيمة. فالحمد لله على عظيم فضله واحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه. واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي الى رضوانه. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وبعد ايها الاخوة الكرام فمن رحاب بيت الله الحرام ينعقد مجلسنا هذا السابع والعشرون من مدارس مجالستنا لكتاب زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه واله وسلم للامام شمس الدين ابي عبدالله ابن القيم رحمه الله تعالى. مستكثرين في ليلتنا هذه المباركة ليلة الجمعة. وفي هذا الموضع مبارك من بيت الله الحرام مستكثرين من صلاتنا وسلامنا على سيد الانام. نبي الهدى والرحمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونحن نقلب صفحات من شأن اخباره وسيرته العطرة صلوات ربه وسلامه عليه. ولسان وحال احدنا لك حبنا وحنيننا وهوانا يا من الى درب الجنان هدانا. صلى عليك الله يا منحوضه يوم القيامة شوقنا ومنانا. فاستكثروا في مجلسكم هذا ايها المباركون من صلاتكم وسلامكم على نبيكم صلى الله عليه وسلم بقدر ما ترجون. من مضاعفتها صلاة من ربكم عليكم. وانتم قد علمتم قوله عليه الصلاة والسلام فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا صلى الله عليه واله وسلم. وقف بنا الحديث ليلة الجمعة الماضية في ذكر فصل في غزواته وبعوثه وسراياه صلى الله عليه واله وسلم. تتمة لما ساقه تصنف رحمه الله في فصل حداته وشعرائه وخطبائه وحرسه عليه صلاة ربي وسلامه. وهذا مع ما سبقه من فصول وما سيلحقه ايضا من فصول اخر انما هي نبذ موجزة. وهذا الفصل في الغزوات والبعوث والسرايا ليس هو على التفصيل بل انما هو وريقات معدودة. اوجز فيها اسماء الغزوات وعددها وما الذي منها فيها قتال وما الذي لم يقع فيه قتال؟ لكن تفاصيل هذه الغزوات واخبارها تفصيلا تأتي لاحقا في كلام المصنف رحمه الله عندما اورد ما يتعلق بشأن تفصيل الغزوات او المغازي في سيرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسوله الامين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولنا ولوالدينا وللمسلمين قال المصنف رحمه الله فصل في غزواته وبعوثه وسراياه. الفرق بين الغزوة والسارية ان الغزوة ما قاد فيها النبي عليه الصلاة والسلام القتال بنفسه. او ما قاد فيها الجيش بنفسه. سواء وقع القتال او لم يقع فكل جيش يخرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى غزوة. سواء وقع القتال او لم يقع اما اذا بعث صلى الله عليه وسلم كتيبة من اصحابه في مهمة وقع فيها القتال او لم يقع فانها تسمى سرية اصطلاحا والا فالكل يمكن ان يقول له غزوة وهذا جرى عليه اصطلاح المؤرخين وارباب السير. فالفرق بين الغزوة والسرية مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم فان شارك فيها فهي غزوة والا فهي سرية والسرايا في السيرة النبوية اكثر بكثير من الغزوات وسيأتي تعدادها بعد قليل وهذا الاصطلاح جرى فاذا سمعت غزوة غزوة بواط العشيرة غزوة ودان هذه غزوات وان لم تكن مشهورة فالمقصود فيها خروج النبي صلى الله عليه وسلم واذا سمعت سرية فانما هي بتوجيهه عليه الصلاة والسلام وخرج فيها بعض اصحابه. هذا الاصطلاح سار في كل بعوث التي وقعت في سيرته صلى الله عليه وسلم الا غزوة مؤتة فانها وان لم يشارك فيها صلوات ربي وسلامه عليه فانها سميت غزوة وسببوا ذلك الى عدة امور منها انها من اكبر السرايا التي بعثها. عادة ما تكون السرايا اعدادها قليلة لكن مؤتته كانت اكبر سرية بعثها في حياته عليه الصلاة والسلام. ومنها ايضا انه تعاقب عليها ثلاثة امراء بتأميره عليه الصلاة والسلام عندما عينهم واحدا تلو واحد فخرجوا الى تلك الموقعة في مؤتمر فسميت غزوة من بين سائر السرايا لعظيم شأنها ووقعها في حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وبين هذا الحديث في فصل الغزوات والبعوث والسرايا ها هنا مدخل لابد منه ايها الكرام. وهو ان النبي عليه الصلاة والسلام نبي رحمة وبعث كما قال الله عز وجل عنه وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فكيف يمكن ان نجمع بين وصف رسالته بالرحمة وبين وصف رسالته بالجهاد والقتال. لان الجهاد والقتال لا رحمة فيه وقد قال عليه الصلاة والسلام كما اخرج البخاري معلقا بصيغة التمريض واخرجه احمد وغيره رحم الله الجميع. والحديث حسن بشواهده قال بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف امري ومن تشبه بقوم فهو منهم فقوله بعثت بين يدي الساعة بالسيف صريح ان بعثته عليه الصلاة والسلام جاءت بالجهاد والقتال وان كانت كل شرائع الانبياء بعثت ايضا وفيها الجهاد الا انه عليه الصلاة والسلام. لما كانت رسالته للعالمين الى يوم الدين كان وصف رسالته بالجهاد اكد مما وصف به الاخوته الانبياء السابقون عليهم السلام فقوله حتى يعبد الله يعبد الله تعالى وحده لا شريك له. يعني انه بعث بالجهاد لنشر التوحيد. واقامة الدين وعبادة الله سبحانه وتعالى ونفي الجاهلية والشرك بالله قال وجعل رزقي تحت ظل رمحي لان الغنيمة التي يغنمها المجاهدون في القتال تعود عليهم وفيها سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمقصود بالرمح هنا الكراية عن القتال والجهاد عموما. فحتى لا يقع اشكال. فان البعثة بالرسالة البعثة والرسالة بالسيف لا تتنافى مع وصف الرحمة ومرد ذلك الى ان الرحمة التي بعث بها عليه الصلاة والسلام. كان ولا بد لها ان تلقى في طريقها في الدعوة الى الله اصنافا من البشر هم شياطين الانس اعداء للدعوة يصدون عن سبيل الله يعتدون ويؤذون ولابد لرد الاذى والكيد من قوة لحماية رسالة وصاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام. ولذلك فان المتصفح في السيرة يرى انه عليه الصلاة والسلام في كل غزوة زواته ما ابتدأ قتالا ولكنه قاتل من قاتله او قاتل من نقض العهد ونقض العهد اعلان بالحرب. لكن ان اناسا بالقتال من غير اذى فهذا لم يقع وخروج الفتوح التي قادت الاسلام الى شرق الارض وغربها كان ولابد لها من قوة وما زالت حياة البشرية على وجه البسيطة لا قوام لها في مجتمعاتها سواء كانت دولا او كانت مجتمعات فيها تنظيم يرأسها رئيس او امير او حاكم لابد لها من قوة تحميها من عداوة المعتدين. وتحافظ لها على هيبتها واستتبابها بامنها واستقرار امنها. فبعثته صلى الله عليه وسلم رحمة بكل وجه من الوجوه. فاذا اضفت الى ذلك رعاك الله انه عليه الصلاة والسلام بالقتال الذي يصد به غواة البشر عن الاستمرار في غيهم فهي رحمة عليهم. في مآل امره خرج عليه الصلاة والسلام بقتال المشركين في بدر وفي احد وفي الخندق وفي عدد من الغزوات. ولما خرج للقتال كان قتاله وجهاده صلى الله عليه وسلم اعلانا بالوقوف امام مد الكفر المتمادي في عدوانه وبغيه رده عن سبيل الله وكان هذا القتال رحمة لانه استنقذ الله تعالى به اناسا من الكفر ورد به عدوانا المعتدين الذين يصدون عن سبيل الله. فكان لرسالة الاسلام ان تنتشر لما وقف عدوان من تصدى لها حاربها واذى اهلها وبقي عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشرة سنة لم يشرع له القتال ولم يؤمر بجهاد وامر الصبر والاحتمال طيلة هذه الفترة حتى كانت هجرته الى المدينة صلوات الله وسلامه عليه والمقصود ايها الاحبة انه ليس من تهمة تعلق في قلب ابناء الاسلام مما يشيعها ويروج افكها بعض الاسلام فيما يتعلق برسالة الاسلام وانتشاره بالقوة والسيف واعتماده على ارغام البشرية واكراهها الدين ودخول تلك البلدان في صدر الاسلام الاول في الاسلام كان كراهية واجبارا وقوة بالجهاد التي قادها الاوائل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يزال في الاية الكريمة في قوله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين اشعار بهذا الاصل العظيم الذي بنيت عليه رسالة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. ولذلك تفصيل في اعقاب حديثنا عن الفصل الذي اورد فيه المصنف رحمه الله تعالى ما يتعلق بالغزوات والسرايا احسن الله اليكم. قال رحمه الله غزواته كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين. وسبب ذلك انه لم يؤمر بالقتال والجهاد بمكة عليه الصلاة والسلام. وانما امر بالصبر والاحتمال. حتى جاء الاذن اولا بقول به سبحانه اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا. وان الله على نصرهم لقدير. ولطالما اتاه الصحابة الاوائل يستضعفون بمكة وقد وجدوا من قريش ما تسومهم به سوء العذاب فلا يجد الا تصبيرهم عليه الصلاة والسلام صبرا ال ياسر ويمر على بلاد وهو يعذب ويرى بام عينيه صلى الله عليه وسلم. الاذى الذي كان يناله وينال اصحابه فليس له الا الصبر والتصبير والاحتمال. كل ذلك مدة ثلاث عشرة سنة التي بقيها بمكة في الدعوة الى الاسلام هذا بما فيه من حكمة جليلة في تشريع الله سبحانه وتعالى فان فيه مقصدا جليلا تربى فيه الصحابة الاوائل على الاحتمال والصبر وعلى كثير من قوة العزائم التي كان لها اثرها في ثبات اسلامهم اقدامهم في هذا الدين وبه حملوا الرسالة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بدءا من حروب الردة في جزيرة العرب وانتهاء ان بالفتوحات التي بلغت الاسلام في شرق الارض وغربها. فقوله كل البعوث والغزوات والسرايا كانت بعد الهجرة لان ان الشرعة بالجهاد ما جاءت الا بعد ذلك في مئات كثيرة في مثل قوله تعالى يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير. وما كان المؤمنون لينفروا كافة. في اية اخرى. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون. وايات كثيرة فيها الامر بالجهاد اية للدين وذبا عن حياضه وحراسة لشريعته ونشرا له وتبليغا لرسالة الله سبحانه وتعالى. ثلاث عشرة تبحظ مقولة كل كل مفتر على الاسلام ان الاسلام لو نزل بالسيف وانتشر به لكانت اول ايات قرآن نزولا او في ثناياها امرة بالجهاد. لكن ان يبقى ثلاث عشرة سنة وهي مليئة بالعدوان والاذى عليه الصلاة والسلام ولصحبه الكرام وهذا في اظهر ما يكون دحضا لذلك الافتراء. فما الذي يمنعه من قتالهم ولماذا لم تأمر الشريعة بالقتال انذاك بالرغم مما كان فيها من تطاول واذى بلغ حد القتل بل بلغ حد الخروج من من مكة فاذن لاصحابه بالهجرة الى الحبشة. الهجرة الاولى والثانية. ثم ما لبث ان جاء الامر بالهجرة الى المدينة. كان في ذلك حصار عظيم جائر بقي فيه النبي عليه الصلاة والسلام ومن امن معه في شعب ابي طالب حتى اشتد بهم الامر نحوا من ثلاث سنين. ما هذا اذا كان الاسلام دينا فيه القوة والقتال والارهاب والعنف فما الذي صبرهم ثلاث عشرة سنة؟ ولم لم يؤمروا وبقتال طيلة هذه الفترة انما هو دين جاء في ثناياه بين تشريع الاحكام وتقرير المثل والمبادئ جاء ايضا بالسيف حماية لبيضته وارهابا لاعدائه واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم فالتشريع للجهاد في الاسلام ليس بدعا في الاديان بل ليس مخالفا لما تألفه البشرية القديمة والمعاصرة والحاضرة في انه لابد للعيش البشري على وجه الحياة من سلاح وقوة يحفظ له امنه فاذا كان هذا مقررا في عرف البشرية فلماذا يستنكر على شريعة الاسلام؟ وما جاء به من احكام وما نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فعلى مدى ثلاث عشرة سنة لم يؤمر بقتال. وانما امر بعد هجرته الى المدينة فكل البعوث انما كانت في مدة عشر سنين التي قضاها بالمدينة بعد الهجرة صلوات الله وسلامه عليه احسن الله اليكم قال رحمه الله فالغزوات سبع وعشرون وقيل خمس وعشرون وقيل تسع عشرة وقيل غير ذلك هذه اقوال ان عدد الغزوات سبع وعشرون وهو الذي رجحه ائمة المغازي كالواقد وابن اسحاق وابن سعد رحم الله الجميع. وقيل خمس وعشرون وقيل تسع عشرة غزوة. قال المصنف رحمه الله وقيل غير ذلك. يعني قيل ايضا احدى وعشرون غزوة وقيل ست وعشرون غزوة. اختلف ارباب السير في تعداد المغازي. والسبب اما الخلاف الحاصل في تسمية بعض الغزوات. فربما تعدد اسم الغزوة الواحدة فتورد على انها غزوتان فيزيد العدد. غزوة المريسيع وبني المصطبق هل هي واحدة او اثنتان؟ وكذلك الشأن في بعض اسماء الغزوات التي ربما وقع الريب فيها او ما تناقضته الرواة وفي تحديدها وتوسع ابن سعد فبلغ بعدد المغازي التي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه عدها سبعا وعشرين تبعا للواقدي وهو مطابق لما ذكره ابن اسحاق. قال ابن اسحاق رحمه الله وكان جميع ما غزى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين غزوة. اول غزوة غزاها بنفسه والدان. وهي غزوة الابواء. ثم غزوة مواطن الى ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الاولى يطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر التي قتل فيها صناديد قريش ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ماء لبني سليم ثم غزوة يطلب ابا سفيان بن حرب حتى بلغ قرقر الكدر ثم غزوة غطفان الى نجد وهي غزوة ذي امر ثم غزوة نجران معدن حجازي فوق الفرع ثم غزوة احد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بني النظير اجلاهم الى خيبر. ثم غزوة ذات الرقاع النجران ثم غزوة بدر الاخرة لميعاد ابي سفيان وهي غزوة السويق. ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان من هذيل ثم غزوة ذي قرد يطلب عيينة ابن حصن ثم غزوة بني المصطلق من ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون. ثم غزوة خيبر ثم اعتمر عمرة القضاء ثم غزوة الفتح فتح مكة ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك. قال رحمه الله قاتل رسول الله صلى الله عليه من ذلك في تسع غزوات وهي التي يسوقها المصنف الان رحمه الله تعالى. هذا الذي عده ابن اسحاق ستا وعشرين غزوة ذكرها ابن سعد سبعا وعشرين وان السرايا كما سيأتي تعدادها تزيد على سبع واربعين وزادها بعضهم فوق ذلك بكثير كما يأتي ذكره لاحقا. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله قاتل منها في تسع بدر واحد والخندق وقريضة. والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف. وقيل قتل في بني النظير والغابة ووادي القرى من اعمال خيبر. قاتل في تسع مع ان الغزوات كانت كما سمعتم سبعا وقيل ست وعشرين. فما معنى انه قاتل في تسع منها ان البقية لم يقع فيها قتال. فما الذي حصل؟ اما انه خرج عليه الصلاة والسلام فما وجد اعداءه او فاته طلبهم عليه الصلاة والسلام. او حصل تراشق بالنبل وانصراف دون ان يقع التحام وقتال. لكن الذي وقع فيه قتال ما سماه المصنف رحمه الله بدر واحد والخندق وبني قريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف وقيل ايضا في بني والغابة ووادي القرى من اعمال خيبر هذا العدد المحدود الذي وقع فيه القتال هو كل ما حصل فيه قتال قاده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. ذكر منها تسعا وان المجموع كما سمعت سبع وعشرون او ست وعشرون ومن اصح ما يروى في هذا العدد المذكور ما اخرج الامام البخاري. في الصحيح رحمه الله عن ابي اسحاق فقال كنت الى جنب زيد ابن ارقما فقيل له كم غزى النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال تسع عشرة فقال فقيل له كم غزوت انت معه؟ قال سبعة عشرة يعني فاته منها غزوتان قال السائل قلت فايهم كان اول؟ قال العسيرة او العشير. فذكرت ذلك لقتادة فقال العشير ضبط اسم الغزوة نسبة الى المكان ومراد زيد ابن ارقم رضي الله عنه الغزوات التي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سواء وقع فيها او لم يقع. فيما اخرج مسلم فيما اخرج ابو يعلى بسند صحيح. والحديث اصله في مسلم عن جابر رضي الله عنه ان لدى الغزوات احدى وعشرون غزوة فكيف نجمع بينها وبين ما ذكره زيد انه تسع عشرة غزوة؟ والفارق منهما اثنتان فلعله فات زيدا رضي الله عنه ذكر غزوتي الابواء وبواطن. لانه لم يذكرها بدلالة انه لما سئل ايهم كان اول؟ قال ذي العشرة وقد كانت غزوة الابواء وغزوة بواط قبلها. ولعل مرد ذلك لصغر سن زيد رضي الله عنه فما ادركها. او لم ولم يحفظها فذكر ما حفظ رضي الله عنه وارضاه. والمقصود ان عدد الغزوات حتى فيما اخرج الائمة المحدثون لم ينضبط بعدد متفق عليه. يقول زيد في صحيح البخاري انها تسع عشرة غزوة. ويقول جابر رضي الله عنه عند ابي يعلى واصل الحديث في مسلم انها احدى وعشرون غزوة. واصحاب المغازي يريدون العدد بما يزيد على ذلك كما سمعت في الارقام التي ذكروها رحم الله الجميع احسن الله اليكم قال رحمه الله واما سراياه وبعوثه فقريب من ستين. ستين سريا. وذكر ابن سعد ان سبع واربعون. قال الحافظ بن حجر هي تقارب السبعين اذا بين ما ذكره ابن سعد انها سبع واربعون وما ذكره ابن القيم انها قريب من ستين. يقول الحافظ ابن حجر انها تقارب السبعين. قال رحمه الله وقرأت بخط مغلطاي ان مجموع الغزوات والسرايا مئة وهو كما قال والله اعلم انتهك رحمه الله. معنى ذلك انك لو جعلت الغزوات نحوا من ثلاثين سبع وعشرون او خمس وعشرون. وجعلت مجموعة مع السرايا تبلغ مائة فيكون تعداد السرايا بين السبعين والثمانين. ولهذا قال الحافظ ابن حجر هو قريب مما قال. ان مجموع ان مجموع ما حصل من قتال او دعنا نقول مجموع ما خرج من المدينة في آآ تحركات عسكرية بالاصطلاح المعاصر كان مائة مرة قاد فيها النبي عليه الصلاة والسلام الجيش بنفسه في هذا العدد خمس وعشرين او سبع وعشرين او احدى وعشرين او اقل والباقي بعث فيها اصحابه لم يقع في كلها قتال ليس في المئة بعثة كان فيها قتال بل حتى الغزوات لم يقع القتال الا في تسع من سبع وعشرين او من خمس وعشرين. وعامة السرايا كذلك لم يقع فيها قتال بل اغلب السرايا الاصل انهما وقع فيها قتال بل وغالب ما يقع فيها تراشق بالنبل وتناضح ثم انصراف من الطائفتين. انما وقع القتال في الغزوات خاصة. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله والغزوات الكبار الامهات سبع بدر واحد والخندق وخيبر والفتح وحنين وتبوك. لماذا سميت بالغزوات الكبار الامهات لانها وان وقع القتال في تسع فان السبع هذه منها على وجه الخصوص نزل في شأنها قرآن يتلى الى يوم القيامة وتضمدت من الاحكام والحكم والوقائع والاحداث والقصص شيء اعظم من مجرد القتال الذي وقع في الغزوة فاما غزوة بدر فقتال وانتهى وانصرف الناس واحد كذلك والخندق لكن ما تحقق في تلك الوقائع شيء اعظم من القتال وانتصارهم في بدر وعودة الكرة عليهم في احد وانهزام المشركين في الخندق هو ليس مجرد حدث عسكري ان قريشا التقت بجيش رسول الله عليه الصلاة والسلام في بدر فخسرت كذا وهزمت بكذا. قال هذه غزوات امهات كبار ولذلك فان عامة المسلمين اذا سئل عن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم فانما يذكر غالبا هذه الغزوات الكبار بدرا واحدا والخندق وفتح مكة وحنين وتبوك كما قال المصنف رحمه الله اضافة الى غزوة خيبر. هذه غزوات امهات كبار وتفاصيلها تأتي لاحقا في كلام المصنف رحمه الله تعالى. اما على تاريخها الزمني الواقع في سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام فان جل ما وقع من الغزوات كان في السنة الثانية من الهجرة وليست الاولى اما الاولى فاستقراره ومقامه بالمدينة عليه الصلاة والسلام وبناء المسجد وتأصيل الاخاء بين المهاجرين والانصار وتشريع الاحكام وترتيب نظام الدولة حتى استقر الامر. فلما شرع الجهاد وامر القتال كانت احداثها ابتداء من السنة الثانية من الهجرة وعامة ما وقع من المغازي كان في السنة الثانية. فغزوة الابواء ومواطن والعشير وسفوان المسمى بغزوة بدر الاولى. وغزوة بدر الكبرى وبنو سليم وبنو قينو قاع والسويق وهي بدر الاخرة كلها وقعت في السنة الثانية من الهجرة واما في السنة الثالثة فكان فيها من الغزوات النبوية غزوة ذي امر وبحران واحد وحمراء الاسد. في السنة الرابعة لم يقع عن الغزوات الا بني النظير وبدر الموعد التي توعد فيها مع ابي سفيان. لما قال موعدكم العام المقبل. في السنة الخامسة من الهجرة كانت غزوة دومة الجندل وبني المصطلق والاحزاب او الخندق وغزوة بني قريظة. في السنة السادسة لم يكن الا صلح الحديبية غزوة بني لحيان في السنة السابعة من الهجرة كانت غزوة الغابة غزوة خيبر غزوة ذات الرقاع والعمرة التي قضى فيها النبي عليه الصلاة الصلاة والسلام عمرته التي تحلل منها في الحديبية. في السنة الثامنة فتحت مكة. وبعد فتح مكة اتجه الى الطائفة كانت غزوة والطائف او ما تسمى بغزوة ثقيف في السنة السابعة لم يكن الا غزوة تبوك. واما في العاشرة فلم يقع منه قتال لان الناس فقد دخلوا في دين الله وغزوة تبوك انما قصد بها وقد فتحت مكة قصد بها بلاد الروم. فتوجه الى شمال الجزيرة فانظروا كيف كانت البعثات والسرايا والغزوات النبوية كانت في خط التاريخ الزمني متدرجة في الكثرة من السنة الثانية الى السنة التاسعة التي ما كان فيها الا غزوة تبوك. فلك ان تقول ان الغزوات وقعت بين السنة الثامنة بين السنة الثانية في الهجرة والسنة الثامنة. فعلى مدار نحو من سبع سنوات فقط كانت غزوات المصطفى عليه الصلاة والسلام وليس فيها قبل وبعد شيء سوى غزوة تبوك وحدها في السنة التاسعة. وبقي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة لم يقع فيها قتال حتى لحق فبالرفيق الاعلى في صدر السنة الحادية عشرة في شهر ربيع الاول صلى الله عليه واله وسلم. نعم. احسن الله اليكم قال رحمه الله والغزوات الكبار الامهات سبع بدر واحد والخندق وخيبر والفتح وحنين وتبوك. وقد عرفت تواريخه فبدل في السنة الثانية واحد في السنة الثالثة والخندق كان في السنة الخامسة وخيبر في السنة السابعة وفتح مكة في الثامنة وحنين ايضا في الثامنة وتبوك وحدها كانت في قال وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن فسورة الانفال سورة بدر وفي احد اخر ال عمران من قوله واذ غدوت من اهلك تبوأ المؤمنين مقاعد للقتال. الى قبيل اخرها يسير وفي قصة الخندق وقريظة صدر سورة الاحزاب وسورة الحشر في بني النظير وفي قصة الحديبية وفي قصة الحديبية وخيبر سورة الفتح. واشير فيها الى الفتح وذكر الفتح صريحا في سورة النصر. اما هذه الغزوات الكبار فان لها احداثا عظاما بدر سماها الله تعالى يوم لانها يوم عظيم كتب فيه النصر للاسلام في اول مواجهة لقي فيها النبي عليه الصلاة والسلام اعداءه كانت وقعة عظيمة فيها انتصار الاسلام وارتفاع رايته وقوة شأنه وتسامع العرب بانتصارهم على قريش في غزوة بدر فنزل فيها سورة الانفال. ومن اراد ان يفهم ان يفهم ويفقه احداث بدر فليقرأ سورة الانفال وما ذكره ائمة التفسير فيها من الروايات التي تتعلق بتلك الايات فان لها شأنا عظيما يتعلق بغزوة بدر. قال وفي احد النصف الثاني من سورة ال عمران تقريبا من قوله تعالى واذ غدوت من اهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم تمت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما. وعلى الله فليتوكل المؤمنون. قال الى قبيل اخرها بيسير. فان اخرها ايضا تناولت غزوة حمراء الاسد الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح للذين احسنوا منهم واتقوا اجر عظيم الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. وهذه الايات في غزوة حمراء الاسد التي كانت عقب انصرافهم من احد. قال رحمه الله تعالى وفي قصة الخندق وقريظة صدر سورة الاحزاب. يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها الى قوله تعالى اورثكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطؤوها. وكان الله على كل شيء قديرا. قال وسورة الحشر في بني النظير ولهذا فان من اسماء سورة الحشر ان تسمى بسورة بني النظير التي ذكر الله تعالى فيها شأن اهل الكتاب من يهود بني النظير بحصارهم واجلائهم من المدينة. وفي قصة الحديبية وخيبر سورة الفتح. بل سميت بسورة الفتح لان الفتح كان فيها موعودا ولان صلح الحديبية ذاته كان فتحا للاسلام والمسلمين في تلك السنة. قال وذكر الفتح يعني فتح مكة طريحا في سورة النصر اذا جاء نصر الله والفتح يعني فتح مكة فانه جاء صريحا في هذه السورة فهذه الغزوات والامهات الكبار التي وقعت بهذه الاسماء نزل فيها قرآن يتلى وكانت احداثها فيها من العظمة وشأن يتعلق بالاسلام وتبدل حاله وتطور مواجهته للكفر واهله ما تحمله احداث السيرة تفصيلا وستأتي الى لاحقا ان شاء الله تعالى احسن الله اليكم. قال رحمه الله وجرح منها صلى الله عليه وسلم في غزوة واحدة وهي احد. ما اصابه الصلاة والسلام شيء من الاذى في تلك المواقع التي قاتل فيها التي وقع فيها قتال في التسع الغزوات الا في احد لما سقط صلى الله عليه وسلم في الحفرة التي حفرها الخبيث ابن ابي قميئة فسقط عليه الصلاة والسلام على جنبه فكانت سقطته تلك سببا لاصابته. فانكسرت ثنيتاه عليه الصلاة والسلام. وشجت جبهته ودخلت حلقته من المغفر في وجنته عليه الصلاة والسلام فكانت تلك اصابة بلغت نبي الله عليه الصلاة والسلام في غزوة احد قصة ولم يصب في غيرها من الوقائع والغزوات عليه الصلاة والسلام احسن الله اليكم قال رحمه الله وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين يقصد بالقتال القتال الحقيقي الذي هو ضرب وقتل في صفوف المشركين. في سورة الانفال في شأن بدر اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين امنوا سالقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان. والحديث في الصحيحين ايضا عن وصف قتال الملائكة مع النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته يوم بدر قتالا حقيقيا. اذ يشتد رجل في اثر احد المشركين سمع صوتا من فوق رأسه يقول اقدم حيزوم. فلما ذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام قال صدقت ذاك من مدد السماء الثالثة. واذ يرفع سيفه ليضرب خصمه اذا بضربة تخطب انف المشرك فيخر صريعا ويخضر اجمع. ولما رجع ابو سفيان قال معتذرا لقريش عما اصابه من الهزيمة والله ما ان لقينا القوم حتى منحناهم اكتافنا. ولا يلام فينا احد. لقينا رجالا بيضا على خيط ملق بين السماء والارض. والله لا يقوم لها شيء ولا يقابلها شيء لم يكن يعلم انها ملائكة الله التي قاتلت ونصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حنين كذلك لقد نصركم الله في كثيرة ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم شيئا. وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها. فكان قتال الملائكة قتالا نقيا والا فمعية الملائكة كانت دوما وما خذل الله نبيه عليه الصلاة والسلام في وقعة من الوقائع. والملائكة تصف كصفوف بني ادم في الجيش وهم قاتلون لكن القتال المقصود به الضرب والقتل وقع في هاتين الغزوتين تحديدا. وباقي الغزوات كان فيها التثبيت الاسلام وفيها التأييد والنصرة وفيها قوة العزائم وفيها ما امر الله عز وجل من وجوه النصر لنبيه عليه الصلاة والسلام. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلت المشركين وهزمتهم ورمى منها بالحصى في وجوه المشركين فهربوا. يوم الخندق لان الله عز وجل قد قال اذ جاءتكم جنود من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. فارسل الله ريحا ان اكفأت قدورهم وخلعت خيامهم فانتصبوا لذلك فما استقاموا فانصرفوا راجعين. فكان تأييدا من الله عز وجل بارسال الملائكة يوم الخندق فقذفت الرعب في قلوبهم حتى انصرفوا مهزومين. قال ورمى منها بالحصى في وجوه المشركين وحصل مثل ذلك في بدر قال شاهت الوجوه ورمى بكف من حصباء فما اصابت احدا منهم الا خر صريعا يوم بدر. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله وكان الفتح في غزوتين بدر وحنين. يقصد بالفتح النصر الذي هزمت فيه جيوش المشركين كانت في بدر وحنين. اما في احد فقد كانت الجولة الاولى لاهل الاسلام ثم اعادوا وابتلي المسلمون ففي احد بما كان منهم بما يأتي تفصيله ان شاء الله تعالى. وبقية الوقائع كالخندق مثلا والحديبية لم يكن فيها قتال بمعنى انتصار وانهزام للمشركين. انتصار للمسلمين وانهزام كما حصل في بدر وحنين. التي كان فيها ايضا اه نصر النبي عليه الصلاة والسلام وما وقع ايضا من السبي الذي عاد به بعد ذلك الى مكة احسن الله اليكم قال رحمه الله وقاتل بالمنجنيق وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة وهي الطائف. هذا يعني ما يسميه بالاصطلاح العسكري المعاصر اليوم الحرب المدفعية او القتال المدفعي المنجنيق هو الة تشبه المدفع توضع القذيفة وترمى بالة بحيث تصيب الخصم والعدو على بعد او على ارتفاع وعلو. لم يكن بين يديه عليه الصلاة والسلام مثل ذلك الا في غزوة الطائف في حصارها فرمى بالمنجنيق. نعم وتحصن بالخندق في واحدة وهي الاحزاب. اشار عليه به سلمان الفارسي. نعم. وتعلمون القصة انه لما سمع صلى الله عليه وسلم بمقدم قريش واحلافها في عشرة الاف مقاتل لم يكن يرى عليه الصلاة والسلام انه بامكان اهل المدينة مقابلة هذا العدد الكبير فاستشار اصحابه فاشار سلمان رضي الله عنه بما عهده من فارس وقد كان عندهم من حروب آآ فارس وما تمارسه من اساليب عسكرية وخدعة بما شأنه حفر الخندق الذي يصد عدوان الاعداء. فكانت الفكرة التي قالها سلمان فارتضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يحفر الخندق من شمال المدينة بين حرتيها ليبقى مدخل المدينة محصن بالخندق واما باقي جهاتها فمحاطة بجبال لا تتيح للجموع الكبيرة والجيوش الكثيرة الدخول منها. فكان رأيا مسددا وكانت خطوة كان بها بناء الخطة في الخندق او في غزوة الاحزاب على منع هذا العدد الكبير كان ذلك منهم وقوفا عند الخندق ثم رجوع بعد ايام قضوها على مشارف الخندق وحصان دام اياما حتى الله عليهم الريح التي اكفأت قدورهم وخيامهم فرجعوا خاسرين. هذه جملة ما اورده المصنف رحمه الله ايجازا في هذا الفصل في البعوث والغزوات والسرايا. وفي ختام هذا المجلس ها هنا وقفات مهمة تتعلق بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام في شأن الغزوات التي افتتحنا بها المجلس من المهم لبني الاسلام ان يكونوا فيها على فقه ودراية وبصيرة فان اعداء الاسلام ما زالوا يروجون الافك في وصف الاسلام بالعنف والدموية وانه ما انتشر الا بالقتال وان الاسلام دين سيف وانه من النصوص ما تشهد لذلك كما ذكرت في صدر المجلس قوله عليه الصلاة والسلام بعثت بين يدي الساعة بالسيف. والايات الامرة بالقتال. يا ايها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا في غير الله واعلموا ان الله مع المتقين وعامة ايات التي امرت بالجهاد والقتال. فاذا اضفت الى ذلك ان كثيرا من كتب السير السيرة النبوية وصفت او او كتبت بحصر المغازي. وهكذا صنع الاوائل كالواقد مثلا وابن اسحاق فانهم سموا ما صنفوه في في تلك الوقائع بكتب المغازي. يعني ذكروا فيها شأن الغزوات النبوية فانحصار مفهوم السيرة النبوية في المغازي. او اذا اقبل مسلم يدرس السيرة فانما يقبل على دراسة الغزوات بدءا من بدر واحد وما بعد فاذا قيل له ما السيرة النبوية؟ قال الغزوات. واذا قيل له ماذا تعرف من السيرة النبوية فلا يعرف الا المغازي المغازي صفحة من السيرة النبوية. لكنها ليست كل شيء. السيرة النبوية بيت الزوجية السيرة النبوية صلاة. السيرة تشريع لاخلاق السيرة النبوية حياة نبوية كاملة. فيها كل شيء يتعلق بهدي الاسلام وسيرة نبي الاسلام صلى الله عليه وسلم فاختزال السيرة في المغازي قصور ما اراده العلماء الاوائل الذين صنفوا في المغازي وذلك ان ان المغازي او الغزوات هي احد العلوم النبوية. فان العلوم النبوية فيها غزوات وفيها شمائل وفيها سيرة وفيها النبوي وفيها خصائص نبوية وهذا كله حزمة لمن اراد ان يتعلم ما يتعلق بسيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام الكاملة من جميع انحائها. فالمغازي احد ابوابها وليست كل شيء في السيرة النبوية وها هنا نقاط يحسن فهمها لمن اراد ان يحيط بفقه السيرة النبوية في باب المغازي تحديدا. اولها كل الغزوات كما سمعت في صدر كلام المصنف رحمه الله في الفصل كانت بعد الهجرة. وذلك لعدم الامر بالجهاد في مكة. اذا عشرة سنة من الدعوة النبوية كانت صبرا واحتمالا للاذى مع بلوغ الاذى حد القتل في بعض اصحابه واضطرارهم الى الخروج والفرار بدينهم هجرة الى الحبشة ثم الى المدينة. بل اذى بلغ النبي عليه الصلاة والسلام في تطاول وضعوا سلى الجزور على ظهره الشريف ورموه بالتهم ساحر وكذاب وشاعر ومجنون. حتى بلغت بهم محاولة قتله وسفك دمه عليه الصلاة السلام فثلاث عشرة سنة كانت كلها دعوة مع صبر واحتمال وتجاوز وعفو. ثم كانت العشر السنوات الاخيرة ومن حياته التي شرع فيها الجهاد فهمك لهذه النقطة مهم لتدحض الافتراءات التي يوصف فيها الاسلام بانه دين ما جاء الا بالسيف والقتال ولو كان كذلك لجاء الامر بالقتال في اول سنة من سنوات الدعوة. اذا فاكثر من نصف سنوات دعوته عليه الصلاة والسلام كانت صبرا واحتمالا للاذى. ثانيا الغزوات التي قادها النبي عليه الصلاة والسلام بنفسه لا تتجاوز ثلث العمل العسكري في السيرة النبوية كلها. فان مجموع الغزوات والسرايا والبعوث كما يقول الحافظ ابن حجر نقلا عن ابن قريب من مئة قال وربما كان اكثر فاذا كان هذا العدد ولنقل انه مائة. ومجموع الغزوات كان خمسا وعشرين التي قادها بنفسه عليه الصلاة والسلام في اعلى عدد سبع وعشرين. الخمس وعشرين ربع المئة. واذا قلت سبع وعشرين فانت قريب من الثلث افيكون عليه الصلاة والسلام حريصا على القتال متعطشا الى الدماء كما يزعمون وحاشاه صلى الله عليه وسلم ثم يكون ثلثا العمل العسكري في زمنه يبعث به اصحابه مكتفيا بارسالهم هذا امر يحتاج الى فهم لمن يدرك سيرته عليه الصلاة والسلام ثالثا هذه الغزوات التي بلغت احدى وعشرين غزوة او ثلاثا وعشرين او خمسا وعشرين. قاتل منها في كم فيه تسع ثلث هذا العدد هو الذي وقع فيها القتال والثلثان التي خرج فيها بنفسه انصرف من غير قتال افيكون هذا حرصا على اراقة الدماء وتعطشا اليها؟ ام هو محاولة قدر المستطاع لعصمة الدماء والله ما اراد الا استنقاذهم من النار الى جنة عرضها السماوات والارض. افيخرج ليقتلهم عليه الصلاة والسلام ويرجع الى المدينة رابعا جميع ما ذكر في تعداد قتلى الغزوات النبوية في السيرة متفاوت فبعضهم ذكر ان عدد القتلى يتراوح من ستمائة وخمسة وعشرين قتيلا الى الف وثمانية عشر من الطرفين ومشركين. وقيل كان عدد القتلى من المسلمين مئتان وست وثلاثون. ومن المشركين ستمائة وخمس وعشرون فالمجموع ثمانمائة وواحد وستون قتيلا واعلى تقدير ذكر ان مجموع القتلى لا يتجاوز مائتين واثنين وستين مسلما والفا واثنين وعشرين مشركا المجموع في اعلى تقدير في كل الاحصاءات التي ذكرها الباحثون والدارسون لا يبلغ الفا وثلاثمائة من المسلمين والكفار على حد سواء. مجموع القتلى من الطرفين لا يتجاوز الفا وثلاثمائة في جهاد استمر كما سمعت من السنة الثانية في الهجرة الى التاسعة في سبع سنوات في خمسة وعشرين غزوة في مئة بين غزوة وسرية عدد القتلى ما تجاوز الفا وثلاثمائة من الطرفين. حدثني الان عن القتلى والصرعى في الحرب العالمية الاولى التي لا يعرف الناس الى اليوم العدد الفعلي حقيقة فيها كم؟ فمن قائل انهم خمسة وثلاثين مليون بين قتيل وجريح قوت والحرب العالمية الثانية كانت ضعف هذا العدد الذي تجاوز ستين مليونا وكلها ارقام يعترف البشر المعاصر انه ليس على وجه التحديد بل هو على التقريب. اذ لا يعلم عددا من هلك بسبب هاتين الحربين احد من البشرية اطلاقا فغزوات رسول الله عليه الصلاة والسلام وقتاله على مدى عشر سنوات بالمدينة لم يبلغ فيها القتلى من الطرفين اكثر من الف وثلاثمائة انسان اهذا حرص على القتل ام عصمة للدماء؟ اهو حرص على الاستنقاذ ام رغبة في الهلاك والفناء سادسا او خامسا لم يقاتل عليه الصلاة والسلام في كل تلك الغزوات الا من قاتله. او نقض العهد معه ونقض العهد اعلان حرب. اتظن ان من يقصد يعني يخرج عليه الصلاة والسلام في بدر لاعتراض قافلة ابي سفيان فيفر ابو سفيان بالقات بالقافلة ويجد النبي عليه الصلاة والسلام نفسه امام جيش فيه الف مقاتل امر لا مفر منه فيقعد ويستشير اصحابه حتى يشيروا عليه بالثبات والمضي معه في القتال. ماذا تريده ان يفعل وقد ودى جيشا امامه بل ما خرج عليه الصلاة والسلام الا في ثلاثمائة وبضعة عشر وانه ما دعا الناس للخروج الى القتال. فماذا تريد ان يفعل في احد يقدم عليه ثلاثة الاف مشرك من مكة قاصدين المدينة. فخرج يلقاهم في احد. ماذا تريده ان يفعل في الخندق اقبلوا بعشرة الاف يا اخوة كل هذه الوقائع يخرج فيها جيش المشركين يقصده في المدينة يقطعون فيها اكثر من اربع مئة وخمسين كيلو من مكة الى المدينة يقودون الجيوش والجحافل يريدون قتاله. فما المطلوب ان يفعله اي قائد بل اي عاقل في دفع ذلك العدوى ما الذي سيفعله؟ فمن لم يكن الا ان يرد القتال بقتال وان يصد العدوان فكيف يفسر هذا بانه اعتماد للاسلام على السيف واعتماد لنشره بالقوة وارغام للناس في القتال على الاسلام لدخولهم فيه هذه الافتراءات يا كرام انما تدحض على بينة من علم وبصيرة لمن فقه السيرة النبوية. سادسا من هذه الوقائع كلها لم يقتل عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة احدا قط الا ابي بن خلف في غزوة احد واحد فقط من الالف وثلاثمائة كان مقتولا بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام. والسبب ان ابي بن خلف لعنه الله قصد النبي عليه الصلاة والسلام قائلا اين محمد لا نجوت ان نجا فيقصده مقبلا بقتال فقال عليه الصلاة والسلام دعوه فاخذ الحربة فرماه بها فوقعت في نحره فمات منها في عودته الى مكة فاذا كانت غزواته عليه الصلاة والسلام البالغة خمسا وعشرين او سبعا وعشرين ونحوها. وحصل فيها القتال في تسع منها لم بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام الا واحدة من امته فقط فان ذلك من اظهر الدلائل واقواها حجة ودفعا افتراء المفترين في مسألة وصفه ووصف رسالته عليه الصلاة والسلام بالحرص على القتل واراقة الدماء. سابعا لم اذا عليه الصلاة والسلام في حروبه قط وغزواته وبعوثه وسراياه الا باخلاق عجزت البشرية المعاصرة ان تستوعبها فضلا عن ان تنتهجها في اخلاقيات الحروب في احترام كبار السن والنساء والولدان والاطفال ومن لا لهم في الحرب لم تحفظ وقائع السيرة النبوية حادثة في الغزوات. كان فيها اعتداء على وليد او طفل او شيخ كبير طاعن في السن او اغتصاب للنساء او هتك للحرائر وانتهاك للحرمات. لم يأمر عليه الصلاة والسلام بقتل كبير طاعن في السن الا دريد ابن الصمة شاعر هواز لانه كما يقال مهندس حربها وهو الذي شارك في جيشها فكان جزاء لما تولى من امر القتال في تلك الغزوة. هل بعد ذلك كله يقال يا كرام ان الاسلام دين جاء بالسيف متعطش للدماء. اذا اضفت الى هذا سياق النبوة وبعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام بعد اربعين سنة من حياته اعترفت فيها قريش بصدقه وامانته وشهدت له بكل جميل ثم تبدلت بعد ذلك نكرانا بل عدوانا وتطاولا واذى. ومع ذلك صبر واحتمل عليه الصلاة والسلام. وما كان فيه من قتال الا كما سمعت في بدر واحد والخندق وسائر الغزوات التي كان فيها يرد عدوانهم وقد بلغوا بجيوشهم مدينة او اطرافها فماذا عساه ان يفعل؟ بل انه لما تملك نواصي امرهم واقبل في فتح مكة منتصرا عليه الصلاة والسلام فتجمعوا حوله فسألهم ما تظنون اني فاعل بكم قالوا اخ كريم وابن اخ كريم. قال اذهبوا فانتم الطلقاء. ابعد هذا العفو النبوي العظيم الذي ما عرف التاريخ مثله توصف عليه الصلاة والسلام او توصف رسالته او اتباع ملته بالارهاب والعنف. يا قوم لسنا نعتب على الحقدة من اعداء الاسلام في التزوير والافك والبهتان. لكن العتب على بني الاسلام في جهلهم وضعف حجتهم وقصور علمهم في الدفاع عن دينهم والذب عن حياضه والانتصار لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام. حق والله على كل مسلم صادق في ايمانه محب لنبيه عليه الصلاة والسلام ان يقف منتصرا وقد علم من اخبار في سيرته ما يتقوى به في الدفاع وذب الاعداء وافتراءاتهم. ماذا فعلت جحافل الاستعمار من سوء وتنكيل واغتصاب وهتك للحرمات. لو دخل الاسلام بلاد البشرية بالقوة والكراهية فما الذي ابقى تلك البشر الشرية على الاسلام في اوقات ضعفه وانحسار امره وانكسار شوكته. ان السيف قد يفتح البلد لكنه لا يفتح القلب اعتقادا للحق واعتناقا به. لكن البشرية عربها وعجمها التي عرفت الاسلام. فامنت به امنت به لكونه حقا ولا بد للحق من قوة تحميه وتذب عنه وترد عنه العدوان لان الحق ان كان وحده استكبر عليه شياطين الانس والجن فشرع الجهاد حماية للدين وذبا عن حياضه والى اليوم ما زالت الدول تفاخر بجيوشها تستعرض قواتها العسكرية فلماذا يذم به الاسلام؟ ولماذا يستكثر على صدر الاسلام وعهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ ان تكون له قوة تحميه من الاعداء وتذب عنه العدوان. يا قوم نحن بحاجة الى فقه في السيرة ومعرفة باحداثها يتجرع فيها المسلمون قوة وحصانة علمية وفكرية يعتزون فيها بدينهم ويفتخرون فيها بنبيهم ولسان حال احدهم مقامك يا سيدي صين وعنك الاله يكف العدى. وشاهت وجوه الذين اعتدوا وبالسوء والشر ادوا اليد فاستكثروا من صلاتكم وسلامكم عليه صلى الله عليه واله وسلم ليلتكم وجمعتكم غدا فهي من خير ما يكتنزه عبده في صحيفته اللهم صل وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون. وصل يا ربي وسلم وبارك عليه عدد ما غفل عن الصلاة عليه الغافلون واجعلنا الهي بالصلاة والسلام عليه في تفريج الكربات وقضاء الحاجات ما وعدت به المصلين عليه من امته صلى الله عليه واله وسلم اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين