بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك لك الحمد ربنا كثيرا ولك الشكر كثيرا اللهم لك الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا. والصلاة والسلام الاتمان على امام الهدى وسيد الورى رسول الله نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وهدى ونذيرا وسراجا منيرا. صلى الله ربي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وابعدوا ايها الاخوة الكرام تمر رحاب البيت الحرام ينعقد هذا المجلس الاسبوعي الخامس والاربعون بفضل الله تعالى وتوفيقه من مجالس مدارستنا لهذا السفر المبارك زاد المعاد في هدي خير العباد صلى الله عليه واله وسلم للامام شمس الدين ابي عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى بهذا اليوم الخميس ليلة الجمعة الحادي عشر من شهر ربيع الاخر سنة خمس واربعين واربعمائة والف من هجرة المصطفى فصلى الله عليه وسلم مستكثرين في مجلسنا هذا في ليلتنا هذه من صلاتنا وسلامنا على حبيب قلوبنا وامامنا وقدوتنا وهادينا وشفيعنا يوم الحشر غدا نبي الامة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستمطرين من صلوات ربنا علينا عشرة اضعاف صلاتنا على نبينا عليه الصلاة والسلام. وهو القائل فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا يا رب صل على النبي واله والصحب ما بثنى القمران. وانصر عبادك اهل غزة انهم في كربة من وطأة العدوان وقف بنا الحديث ليلة الجمعة الماضية ايها الكرام في اثناء فصل خصه المصنف رحمه الله لصفحة من مشاعر نبي الامة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصل في ضحكه وبكائه. في هديه في هذا الباب الباب الذي خلق عليه البشر فطرة وهي نعمة امتن الله بها. اما قال سبحانه وانه هو اضحك وابكى فضحك البشر وبكاؤهم نعمة امتن الله بها عليهم. ومن لا يضحك ولا يبكي او فاقد احدى هاتين نعمتين هو على خلاف الفطرة البشرية به علة تحتاج الى دواء. فاذا ما عاش الانسان حياته على مقتضى الطبيعة الفطرة وجد من موجبات الضحك والبكاء ما تعيشه مشاعر الفؤاد ولابد. ولان نبينا عليه الصلاة والسلام بشر بل في ذروة سنام البشر اوتي من هذه المشاعر اعلاها واسناها واجملها واكملها عليه الصلاة والسلام قدم الحديث عن فصل في ضحكه والمواقف والجمل التي اوردها المصنف رحمه الله تعالى. وعطف على ذلك ما وقف الحديث واثناءه ليلة الجمعة الماضية في بكاء المصطفى صلى الله عليه واله وسلم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الاولين والاخرين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم صلي وسلم اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولنا ولوالدينا وللمسلمين قال المصنف رحمه الله واما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ولكن كان تدمع عيناه حتى تهملا. ويسمع لصدره ازيز. وكان بكاؤه تارة رحمة للميت. وتارة خوفا على امته وشفقة وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وهو بكاء اشتياق ومحبة واجلال مصاحب للخوف والخشية. نعم هكذا كان الحبيب المصطفى رسولنا صلى الله عليه وسلم اوتي في مشاعر قلبه واحاسيس فؤاده اكمل ما اوتيه بشر. كما اوتي في اخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم على مراتب اخلاق البشر. كما اوتي في مراتب العبودية اعلاها. لقد بوأه الله جل جلاله. اعلى المراتب في كل مناحي الحياة ومن ذلكم ما يتعلق بمشاعر القلب واحاسيس الفؤاد. البكاء شعبة من المشاعر. يعيش بها الانسان بفطرته ولابد ومن لا يجد لها اثرا ولا طريقا معبدا في قلبه فهي علة تحتاج الى دواء. ولانها نعمة امتن الله بها يبكي العباد تنفسا من هموم الحياة ومتاعبها. يبكي بعض العباد خشية من الله يبكون تلذذا نعمة الدموع التي تذرف شوقا ومحبة الى المقامات العظيمة. الى لقي الكريم سبحانه. الى ما وعد به عباده اهل الصلاح والتقى والايمان. هي المشاعر التي يعيشها البشر. ونبينا عليه الصلاة والسلام كان بشرا من جنس البشر وحفظت الروايات ونقلت السنة المواضع التي ذرفت فيها عين الحبيب عليه الصلاة والسلام. وبكى وتقاطرت فيها دمعات فاذا بها من اجل المواقف التي يبكي فيها بشر يبكي عليه الصلاة والسلام تارة رحمة للميت. وتارة يبكي اذا قرأ القرآن او استمع الى القرآن يبكي على امته خوفا وشفقة يبكي من خشية الله صلى الله عليه واله وسلم. وتقدم ان هذه الجمل الموجزة التي المصنف اورد لها شواهد معدودة لتلك القضايا التي يقف بها المسلم كانه حاضر بين يديه عليه الصلاة والسلام لما بكى في تلك المواقف فاذا كنت حاضرا بين يديه صلى الله عليه وسلم وشهدت مجلسا من مجالسه رأيته يبكي فيها فما الذي تكون فيه مشاعرك ساعتها حتما انك سترصد الموقف باهتمام وحرص بالغ تنظر لم بكى تتعلم كيف يبكي العبد اسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وها هو ذا لم نحضر مجالسه التي ضحك فيها او وبكى فيها لكننا ها نحن ذا نحضر المجالس التي تروى فيها المواقف التي بكى فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهي متعددة ومتنوعة في اسباب البكاء وفي المواقف التي استدعت دمعاته الكريمة عليه الصلاة والسلام. فتروى هذه على سبيل الايجاز والا فدواوين السنة ومروياتها حافلة. وحفظ فيها من ذلك قدر كبير. لكن الوصف المشترك ان بكاءه على هيئة الاعتدال والقصد والتوسط الذي اقيم عليه هديه الكريم كله صلى الله عليه وسلم فلمس فيه المبالغة في رفع الصوت بالبكاء كما لم يكن ضحكه بقهقهة ورفع صوت كذلك البكاء وجد فيه هذا المعنى من التوسط والاعتدال والقصد عليه الصلاة والسلام بعدما اوجز هذه العبارات سوق الشواهد الموجزة على تلك المواقف التي اشار اليها رحمه الله احسن الله اليكم قال رحمه الله ولما مات ابنه ابراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا بك يا ابراهيم لمحزونون. تقدم هذا في مجلس ليلة الجمعة الماضية وان ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في ذي الحجة في السنة الثامنة من الهجرة وامه مارية القبطية رضي الله عنها ومات في السنة التاسعة من الهجرة طفلا رضيعا فبكى عليه الصلاة والسلام رحمة له. فلما سئل تبكي يا رسول الله لانه موقف وجدت فيه دمعاته تنزل من عينيه. اهو بكاء جزع وسخط اهو بكاء اعتراض على قدر الله ان فقد وليده الرضيع في بدايات عمره وسنواته الاولى فقال عليه الصلاة والسلام تدمع القلب تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول الا ما يرضي ربنا. من الرضا بما قد كتب الله وقسم وقدر على العبد قال وانا بك يا ابراهيم لمحزونون. يعتدل تصيبنا المصائب فتحزن القلوب. تنزل بنا الهموم فتبكي العيون لكن لا شيء من ذلك عند المؤمن يحمله على ان يتجاوز حدود العبودية والادب مع الله. ولا نقول الا ما يرضي ربنا نبكي لاننا بشر والذي لا يبكي قاسي القلب كالذي لا يبكي فلا يرحم كالذي لا يبكي فلا يحزن بمصاب يحل به او بامته قسوة القلب مذمومة ولذلك جاءت الشريعة بالوعيد على قساة القلوب قساة العيون اصحاب الجفاف والقحط من الدموع تلك قلوب قاسية. ولما ذكر الله عز وجل شأن كتابه الكريم واثره العظيم في النفوس قال فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين. الله نزل احسن الحديث. كتابا متشابها مثانيا تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله. فبكى عليه الصلاة والسلام لما مات صغيره طفله الرضيع الذي سماه باسم قليل ابيه ابراهيم عليه السلام. فرح بمقدمه وقد اتاه بعد فترة من اولاده الذين قد كبروا وشبوا فمات وامتدت الحياة ببعضهم. فكان اول صغير يأتيه وليس يخفى على احد حجم فرحة الاب بمولود يأتيه بعد انقطاع من الاولاد. فاذا فرح به كان في سنواته الاولى من اشد ما يتعلق به القلب فرحة به. وهو يراه في مهد الطفولة ويرى فيه كل البراءة والفرحة وحجم النعمة من الله. فلما يفقد في تلك المرحلة من العمر يكون الوقع شديدا على القلب مؤلما على النفس فبكى عليه الصلاة والسلام مع تمام مقام عبودية الرضا والاسترجاع والصبر على ما كتب الله فقال ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا بك يا ابراهيم لمحزونون احسن الله اليكم قال رحمه الله وبكى لما شاهد احدى بناته ونفسها تفيق وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها الى قوله تعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس فصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وينفخ ويقول رب الم تعدني الا تعذبهم وانا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك وبكى لما جلس على قبر احدى بناته وكان يبكي احيانا في صلاة الليل. هذه مواضع اوجز فيها المصنف الله امثلة وشواهد بكى فيها النبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم. من ذلك قوله وبكى لما شاهد هذا احدى بناته ونفسها تفيض. في حديث اسامة بن زيد في الصحيحين ان ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم ارسلت اليه وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم. يعني اسامة كان حاضرا ذلك المجلس. فارسلت احدى بناته قال وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم وسعد وابي قال نحسب ان ابنتي قد احتضرت فاشهدنا فارسل اليها السلام. ارسلت احدى بناته اليه تقول له احدى بنيات الصغيرات تحتضر فاشهدنا فاحضر الينا يا رسول الله. وهو عليه الصلاة والسلام جالس مع اسامة وزيد وابي قال فارسل اليها السلام ويقول ان لله ما اخذ وما اعطى وكل شيء عنده مسمى. فلتحتسب ولتصبر فارسلت تقسم عليه يعني الا اتيتنا فقام صلى الله عليه وسلم وقمنا فرفع فرفع الصبي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه تقعقع يعني تحشرج بخروج الروح. والصبي بين يديه ونفسه تقعقع. يعني تحشرج والروح تخرج في لحظاتها الاخيرة قال ففاضت عينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ قال هذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده ولا يرحم الله من عباده الا الرحماء كانت ابنته التي ارسلت اليه زينب رضي الله عنها في ان احدى بناتها قد حضرت يعني حضرتها الوفاة فارسل اليها بتعزيتها وتصبيرها. فلما اقسمت عليه ان يأتيها بر بقسمها واتاها. عليه الصلاة والسلام. فلما وضع بين يديه يحتضر وروحه تخرج وهو يحشرج رق قلبه عليه الصلاة والسلام فبكى. بكى في موضع ثان صلوات الله وسلامه عليه في حديث عبد الله ابن مسعود وهو ايضا في الصحيحين. قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي قال ابن مسعود قلت اقرأ عليك وعليك انزل قال فاني احب ان اسمعه من غيري. قال فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد. وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. قال امسك فاذا عيناه تذرفان صلى الله عليه واله وسلم. كان الحامل له على البكاء ما سمع من كتاب الله. وما وجد من اثر ربما كان سياق الايات تحديدا فيها ما يدعو الى البكاء. لان الله يقول له فكيف اذا جئنا بك يا محمد؟ فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك يا محمد يعني على هؤلاء يعني على امته شهيدا. فبكى عليه الصلاة والسلام استعظاما للموقف وشفقة بامته ومن اهوال ما يكون في يوم القيامة فكان بكاؤه حدا استوقف عنده ابن مسعود رضي الله عنه لما فقال له حسبك قال فالتفت فاذا عيناه تذرفان في موضع ثالث قال المصنف رحمه الله تعالى وبكى لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه في ما اخرج احمد والترمذي وقال حسن صحيح عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت. وهو يبكي او قال وعيناه طرقان او تهرقان عثمان بن مظعون من اوائل المهاجرين الذين اخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم وبين بعض الانصار. فكان من اوائل الصحابة تيموتا بالمدينة بل قيل هو اول من مات بها من المهاجرين واول من دفن بالبقيع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقدمه الهجرة كان معروفا بالصلاح والزهد والتقى فرق له عليه الصلاة والسلام وحزن لبكائه وقبله وهو ميت وهو يبكي صلواته الله وسلامه عليه. قال المصنف رحمه الله وبكى لما كسفت الشمس في حديث عثمان بن مظعون اخرج ابو داوود والترمذي وابن ماجة وصححه الالباني من هذا الحديث في لفظه من رواية عائشة رضي الله عنها فقالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل يعني من عينيه عليه الصلاة والسلام قال المصنف رحمه الله وبكى لما كسفت الشمس فصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وينفخ ويقول ربي الم تعدني ان لا تعذبهم وانا فيهم وهم يستغفرون ونحن يستغفرون اخرج الحديث عامة اصحاب السنن. والحديث اصله في الصحيحين في اصل قصة الكسوف وفزع النبي صلى الله عليه وسلم. يقول ابو موسى رضي الله عنه فقام فزعا يخشى ان تكون الساعة. خرج يجر رداءه مستعجلا الى ادراك في المسجد لما اصابه من الهول. صلى فاذا صلاته على غير المعتاد باطول صلاة شهدها الصحابة. اطول امن واطول ركوع واطول سجود. فكان موقفا عظيما شوهد فيه من هول الموقف في قلبه عليه الصلاة والسلام وفي وجهه وفي عباراته ما كان حدثا رصده الصحابة. الرواية في غير الصحيحين جاء فيها لفظ النفخ والبكاء في الصلاة فيما اخرج الامام احمد في المسند وابو داود والنسائي وغيرهم قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فاطال القيام. ثم ركع فاطال الركوع ثم رفع اتان. قال شعبة واحسبه قال في السجود نحو ذلك. ثم قال وجعل يبكي في سجوده وينفخ النفخ المقصود بها الهيئة التي يمتلئ بها الصدر من البكاء فيمتلئ هواء يحتاج صاحبه الباكي الذي امتلأ صدره من الالم بالبكاء ان يخرجه فيخرج على هيئة النفخ فاذا بكى وتداخلت المشاعر خرج نفسه على هيئة النفخ لمحتبس في صدره من الم البكاء. قال وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول ربي لم تعدني هذا وانا استغفرك. ربي لم تعدني هذا وانا فيهم. ثم ذكر الحديث قال فلما قال عرضت علي الجنة حتى لو مددت يدي لتناولت من قطوفها وعرضت علي النار فجعلت انفخ خشية ان يغشاكم الى اخر ما ذكر في الحديث وفيه شاهد بكائه عليه الصلاة والسلام فزعا وخوفا وتعظيما واجلالا لله في صلاته الكسوف عليه الصلاة والسلام قال رحمه الله وبكى لما جلس على قبري احدى بناته اخرج البخاري في الصحيح من حديث انس رضي الله عنه قال شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لشهدناها تدفن قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر قال فرأيت عينيه تدمعان. عليه الصلاة والسلام. فها هو ذا تدمع عيناه لما تدفن ابنته وتدمع عيناه لما يغرغر الصغير بين يديه تدمع عيناه لما مات ابنه ابن ابراهيم تدمع عيناه لما حضر جنازة عثمان ابن مظعون رضي الله عنه وهو يدفنه. بكى عليه الصلاة والسلام في مواضع هي اماكن للبكاء وبكى في غيرها. قال وبكى وكان يبكي احيانا في صلاة الليل. وتقدم حديث عبدالله ابن الشخير عن ابيه رضي الله عنه لما قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي قال ولجوفه ازيز كازيز المرجل من بكاء. اخرجه احمد والنسائي. وتقدم ان ازيز المرجلي هو غليان القدر التي تكون على النار. فاذا طبخت وفار الماء الذي بها اهتز القدر لاثر البخار وتصاعده من غطاء القدر فيحدث له ارتجاج وصوت وارتطام للقدر بغطاء فيكون له صوت يسمى عزيزا. والمرجل القدر العظيم وليست اي قدر يشير الى الصوت الحاصل مما يحصل من ارتجاج قدري التي فار فيها الماء المغلي بالنار بكى عليه الصلاة والسلام في مواضع سواها كما في حديث يوم بدر وقد اخرج الامام البخاري من حديث علي رضي الله عنه واخرج احمد ما كان فينا فارس قال علي رضي الله عنه ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد. ولقد رأيتنا وما فينا وما فينا الا نائم الا رسول الله. صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى اصبح. يدعو الله يناشده النصر الذي وعده حتى استنزل النصر بدعواته تلك. بدمعاته تلك. استنزل ملائكة السماء التي قال تلت مع اهل الاسلام يوم بدر بشدة التضرع وصدق اللجأ الى الله كان يعلمنا عليه الصلاة والسلام كيف تتعلق القلوب المؤمنة ساعة الشدائد بالدعاء بالله. وان كانت في اضعف واشد المواقف صعوبة فانها تنصر باذن الله ويمتد لها النصر باذن العزيز الحميد. ويسخر لها الله جل جلاله ما شاء من جنوده التي لا الا هو سبحانه وتعالى ايضا اخرج ابن حبان في صحيحه عن عطاء ابن ابي رباح قال دخلت انا وعبيد بن عمير على عائشة فقلت لعبيد بن عمير قد ان لك ان تزور. فقال عبيد اقول يا امة كما قال الاول زر غبا زر غبا تزدد حبا. قالت دعونا من رطانتكم هذه فقال ابن عمير اخبرينا يا اماه باعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسكتت ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة ذريني اتعبد الليلة لربي فقالت قلت والله اني لاحب قربك واحب ما يسرك. قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته ثم بكى حتى بل الارض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وهم حتى اخر قال افلا اكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة اية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار. لايات لاولي الالباب الايات الاخيرة العشرة من سورة ال عمران وهكذا كان بكاؤه صلى الله عليه وسلم في دعائه في تضرعه في خشوعه في وقوفه بين يدي الله. وتقدم بكم حديث ابن مسعود في بكائه لما قرأ عليه سورة النساء. من مواضع بكائه صلى الله عليه واله وسلم ما اخرج في الصحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه قال زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر امه فبكى وابكى من حوله وقال استأذنت ربي في ان استغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في ان ازور قبرها فاذن لي. قال فزوروا القبور. فإنها تذكر الموت ومما اخرج مسلم ايضا في الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في ابراهيم عليه السلام ربي انهن اظللن كثيرا من الناس. فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم وقول عيسى عليه السلام ان تعذبهم فانهم عبادك. وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم. قال فرفع قال فرفع يديه وقال اللهم امتي امتي اللهم صلي وسلم وبارك وقال اللهم امتي امتي وبكى فقال الله عز فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب الى محمد وربك اعلم فسله ما يبكيك فاتاه جبريل عليه السلام فسأله فاخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو اعلم فقال الله يا جبريل اذهب الى محمد فقل له انا سنرضيك في امتك ولا نسوا فقل انا سنرضيك في امتك ولا نسوؤك اخرجه مسلم فاللهم صل وسلم وبارك عليه وارزقنا شفاعته يوم نلقاك يا اكرم الاكرمين اللهم جازه خير ما جازيت نبيا عن امتي اللهم املأ قلوبنا بمحبته واتباع سنته اخرج الشيخان ايضا البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابي حازم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترد علي امتي الحوض وانا اذود الناس عنه كما يذود الرجل ابل الرجل عن ابله. فقالوا يا نبي الله اتعرفون يعني يوم القيامة اتعرف امتك من بين الامم؟ قال نعم لكم سيما ليست لاحد غيركم. تردون علي غرا محجلين من اثار الوضوء. ثم قال وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فاقول يا رب هؤلاء من اصحابي فيجيبني ملك فيقول هل تدري ما احدثوا بعدك وفي رواية فيقال انهم قد بدلوا بعدك فاقول سحقا سحقا بكى عليه الصلاة والسلام في مواضع تدمع فيها العين ويرق فيها القلب. لما اشتكى سعد بن عبادة شكوى له. اتاه عليه الصلاة والسلام يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص وعبدالله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية يعني اصابته اغماءة فقال اقد قضى؟ يعني هل مات؟ فقالوا لا يا رسول الله فبكى صلى الله عليه وسلم. فلما رأى القوم بكاءه بكوا فقال الا تسمعون؟ ان الله لا يعذب بدمع العين ولا حزن القلب ولكن يعذب بهذا واشار الى لسانه او يرحم وفي صحيح البخاري ايضا من حديث انس رضي الله عنه قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم يعني يوم مؤتة فقال يحدث اصحابه اخذ الراية زيد فاصيب. ثم اخذها جعفر فاصيب. ثم اخذها عبدالله بن حتى فاصيب ثم اخذها خالد بن الوليد عن غير امرة ففتح له وقال ما يسرنا انهم دانا او قال ما يسرهم انهم عندنا وعيناه تذرفان. صلى الله عليه واله وسلم يبكي لما اصابه من فقد اصحابه شهداء في تلك الوقعة العظيمة التي بعثهم فيها امراء يوم مؤتة وفي الصحيحين ايد من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة بدر وفيها فلما اسروا وسارى يعني في غزوة بدر قال عليه الصلاة والسلام مستشيرا يسأل ابا بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الاسارى قال ابو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة ارى ان تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله ان يهديهم للاسلام فقال عليه الصلاة والسلام ما ترى يا ابن الخطاب فقال والله قال لا والله يا رسول الله ما ارى الذي رأى ابو بكر ولكني ارى ان تمكنا فنضرب اعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه لانه اخوه. وتمكنني وتمكنني من فلان نسيبا سمى نسيبا له. فاضرب عنقه. قال فان هؤلاء ائمة الكفر وصناديدها ثم قال فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ابو بكر يعني مال قلبه الى رأيي ابي بكر رضي الله عنه ولم يهوى ما قلت قال فلما كان من الغد جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر قاعدين يبكيان فقلت يا رسول الله اخبرني من اي شيء تبكي انت وصاحبك؟ فان وجدت بكاء بكيت وان لم اجد بكاء تباكيت بكاءكما فقال عليه الصلاة والسلام ابكي للذي عرض علي للذي عرض علي اصحابك من اخذهم الفداء لقد عرظ لقد عرظ علي عذابهم ادنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه. وانزل الله عز وجل ما كان لنبي من ان يكون له اسرى حتى يسخن في الارض. تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة. والله عزيز حكيم الى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله ان الله غفور رحيم. قال فاحل الله عز وجل الغنيمة لهم المقصود بذلك ما كان من المواقف العظيمة التي بكى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. خشية عند سماع القرآن تارة تضرعا بين يدي الله بالدعاء تارة. عند مشاهد الموت وحضور القبور وتذكر الاخرة تارة. تذكر مواقف الهول والفزع الشفقة على الامة التي كانت تبكي قلبه الكريم صلى الله عليه وسلم تلك مواضع يا كرام بكى فيها نبي الامة. صلى الله عليه وسلم. واذ نقول بكى فيها نبي الامة فبكى عظيمها عليه الصلاة والسلام. بكى امامها وقائدها بكى الذي علم الامة كيف اعبدوا الله وكيف تسيروا الى الله وكيف تتقرب الى الله؟ يعلمنا ببكائه كيف نبكي من خشية الله؟ اذ البكاء من خشية اجل مواطن البكاء واعظمها واجلاها واشرفها بين يدي العبودية في الطريق الى الله. ولهذا فان غالب بكاء الرسل عليهم السلام كان من خشية الله او ما سمعتم قول الحق سبحانه لما سمى من سمى من الرسل والانبياء ابراهيم وموسى اسماعيل وادريس وغيرهم فقال عز وجل اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن حملنا نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا بوكية اثنى الله بذلك كما اثنى على الانبياء اثنى على ورثتهم. اثنى على خلفائهم في البشر اولي العلم. حملة العلم رسالة هم خلفاء الانبياء والرسل اثنى الله على اهل العلم اذا حضرت قلوبهم خشية الله فبكت من خشيته جل وعلا اقتداء بالانبياء والرسل الكرام قال الله عز وجل واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين وفي اية اخرى يقول الحق سبحانه ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاثقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاثقال يبكون ويزيدهم خشوعا. لا تنسى عبد الله انه اذا اجتمع العباد بين يدي الله واشتد بهم الوقوف في هول الموقف العظيم ودنو الشمس من رأس الخلائق يبحثون عن ظل قليل. يقول عليه الصلاة والسلام سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. ذكر منهم رجل ذكر الله ففاضت عيناه فيض العينين بالبكاء من خشية الله. عبودية عظيمة يحبها الله ويكتب لصاحبها من النجاة والسعادة والامن من النار. عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله. طوبى لعين ذرفت يوما من حياتها دمعة خشية من الله بسجدة في السحر في دعوة في مناجاة في تضرع في ساعة الم في ساعة فرح المواضع التي تبكي فيها العين انما هي قلوب حية انست بخالقها. واستشعرت عظمته فبكت. طوبى والله لعين. اما ان القلوب تحزن ولا وان العيون لتبكي ولابد لكن شتان بين بكاء وبكاء شتان بين بكاء من خشية الله وتعظيم الله والشوق الى الله ومحبة الله وبين بكاء على دنيا زائلة وتفاهات فانية وامور حقيرة. طوبى لقلوب تعلقت بالله ففرحت بذكره وانست بكتابه وبكت من خشيته هذه القلوب الحية هي اسعد القلوب في الحياة يا كرام كل بكاء يبكي به صاحبه يصاحب بكاءه حرقة في القلب. والم في الصدر وانزعاج وكد في البدن الا البكاء من خشية الله فانه والله يورث فرحة وانشراحا وسرورا وابتهاجا. عجيب! لانه بكاء من خشية الله فلا ينال القلب الباكي من خشية الله الا عظيم رضا وسرور وطمأنينة تحل عليه منحة من الله ورضا منه جل جلاله للقلب الباقي من خشية الله. تلك مواضع مختصرة مجملة موجزة من سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. بكت في عيناه الكريمتان خشية من الله سبحانه وتعالى. نعم احسن الله اليكم. قال رحمه الله والبكاء انواع احدها بكاء الرحمة والرقة. والثاني بكاء الخوف والخشية والثالث بكاء المحبة والشوق اما الرحمة والرقة فقد تقدمت امثلتها لما يموت بعض الصغار بين يديه لما يحضر قبرا يدفن فيه بعض صحابته رضي الله عنهم تبكي عيناه صلى الله عليه وسلم ويقول انما هي رحمة ويعلنها ان تلك الدمعات النازلة من عينيه صلى الله عليه وسلم رحمة من الله في قلب من يشاء جل جلاله بكاء الخوف والخشية كبكائه في قيام الليل كبكائه في المواقف العظيمة كلما كسفت الشمس فقام يبكي صلى الله عليه وسلم في دعائه. بكاء المحبة والشوق هو الذي اشار اليه المصنف رحمه الله عند سماع القرآن قال وهو بكاء اشتياق ومحبة واجلال. مصاحب للخوف والخشية. فسماع القرآن يبكي صاحبه لا لان وانا مزعج للقلب او مضائق للصدر. حاشا لان الله يقول طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى. الا تذكرة لمن يخشى. فسماع القرآن يبعث على البكاء بكاء الاشتياق والمحبة. بكاء الاجلاد لله عز وجل. لانه يسمع كلام العلي الكبير. فاذا هي ايات فيها من عظمة الجلالة واوصاف الحق سبحانه ما يجعل القلب يمتلئ شوقا واجلالا لله. يسمع ايات فيها من الوعد والوعيد ووصف الجنة والنار ما يحمله ايضا على الاجلال المستصحب لعظمة الجبار في ذلك الموقف العظيم. يسمع اخبار الانبياء مم السابقة يسمع في كتاب الله العديد من المواقف والايات والسور فاذا هو بكاء محبة واشتياق. اشتياق للقاء من يسمع كلامه من يعد عباده من يمنيهم من يعفو عنهم من يغفر لهم ويتجاوز من يتعرف الى عباده باسماء وصفاته المبثوثة في الايات والسور فيبكي العبد الحاضر قلبه يبكي شوقا واشتياقا ومحبة واجلالا عند سماعه لكتاب الله الكريم احسن الله اليكم قال رحمه الله والرابع بكاء الفرح والسرور والخامس بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله. نعم. اما الفرح والسرور فحالة يعيشها القلب لفرط الفرح فتذرف العينان ليست دمعات حزن ولا الم ولا بكاء بل دمعات فرح. وسيشير نصنف بعد قليل بالتفريق بين بكاء السرور والفرح حزن. اما بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم ائتماله. وعدم احتماله. سواء كان المؤلم حسيا او معنويا. المؤلم والحسي كالم يصيب البدن او جرح نازف او كسر في العظم اجاركم الله. فان المريض اذا سقط فكسر منه عظم او جرح فيه يد او بطن فظل ينزف فانه من شدة الالم يبكي جزعا من الالم الذي يصيبه. وهذا كلنا عرضة له لكن ستتفاوت فمن المتماسك الجلد الصبور الذي لو خرجت روحه ما زال متماسكا ومنا الجزع الذي لا يقوى على احتمال شوكة فيصيح ويرتفع صوته وبكى والناس بين هذا وذاك لكنه اذا كان بكاء في تلك المواقف فهو بكاء الجزع من ورود المؤلم. اما المؤلم المعنوي فاشد ايلاما من الالم الحسي الم الم الم المصائب التي تحل بالقلوب. الم الهموم الم النكد والاحزان. سواء كانت مصيبة للعبد في نفسه في اهله في ولده في ماله فانه ربما ما اصاب بدنه شيء لكنه المه هم اطبق عليه فجعل يبكي. المه حزن شديد على شيء عظيم حل به فظل يبكي كما تبقي القلوب الحية لمصابي الامة في احداثها الجلل. يبكي اذ يرى ما باخوانه وامهاته وابائه مما من الظلم والعدوان والبطش والطغيان فيبكي رقة على حالهم. يبكي جزعا من ورود المؤلم والمؤلم في مثل مواقف الامة العصيبة هذه شيئا. احدهما ما حل ببعض الامة في طرف الدنيا هنا او هناك. فيألم لالم وتلك امارة حياة القلوب وايمان اصحابها. اما المؤلم الثاني فشعوره بالعجز عن ان ينصر اخوته قل القليل. الشعوره بعدم قدرته على ان يكون بينهم واحدا منهم. يشاركهم في همهم وحزنهم ومصاب بهم فيضم قدميه الى اقدامهم ليزيدهم ثباتا. ويضم بدنه الى ابدانهم فتزداد الصفوف التحاما. يحزن لذلك فيصيبه الجزع فربما بكت العينان لكنه جزع محمود اذا لم يبلغ العبد به ما نهي عنه. والمقصود ان الجزع من الالم الحسي او المعنوي مأذون به بل هو من الفطرة امر لا يملك الانسان ابتداءه ولا دفعه لكنه يملك التحكم في مقداره. فاذا تجاوز هذا البكاء والحزن المؤلم حسيا او معنويا. اذا تجاوز حده لاين يبلغ بالعبد الى احد امرين كلاهما منهي عنه شرعا. وكلاهما خطير على دين العبد اما القنوط من رحمة الله والجزع واليأس يشعر انه خلاص انتهى كل شيء. فيبكي حتى ينهار بالبكاء فيكون فريسة للشيطان والاخرى المنهي عنها ان يصل الى التذمر والسخط والجزع والاعتراض على اقدار الله فربما نطق بعضهم بما لا يقوله مؤمن يعرف الله ليسأل لماذا حل بي هذا؟ وماذا عساني قد فعلت؟ وما الذي جنيته؟ حتى اكون وصلت الى كذا وكذا وكذا وهكذا اذا امتد الحزن والبكاء حسا او معنى يتجاوز به العبد حدود المأذون له فيقع في المحذور. وانما المحمود ما كان بمقتضى الفطرة وما لا يملك العبد دفعه فتنزل الدمعات بكاء لجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله. كما قال المصنف رحمه الله احسن الله اليكم. قال رحمه الله والسادس بكاء الحزن والفرق بينه وبين بكاء الخوف ان بكاء الحزن يكون على ما مضى من حصول مكروه او فوات محبوب وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك. هذا تفريق لطيف. يبكي المرء احيانا من الحزن واحيانا من الخوف وفرق بين الاثنين الحزن على ما فات والخوف مما هو ات فإذا هما مقامان ليس يخاف الإنسان من شيء مضى بل يحزن عليه انما الخوف مما سيأتي في المستقبل. قال رحمه الله والفرق ان بكاء الحزن يكون على ما مضى. من حصول مكروه او فوات محبوب ففات فيظل يبكي لا بأس ان يبكي لحظتها في يومها وليلتها. لكن ان يظل باكيا على ذلك ايام متتابعة وسنين عددا. فذلك فليس من الحكمة ولا العقد والحزم والانصاف في شيء. قال اما بكاء الخوف فيكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك يعني من حصول المكروه او فوات المحبوب يغيب عنه ابنه زوجه زوجته فيتوقع حصول مكروه فقد الاتصال به لا يعرف حاله طال الانتظار وهو في مظنة هلاك كأن يكون في مقام حرب او ركوب بحر او حصول مرض ووباء. فلما فقد خبره وعز عليه معرفة حاله يبكي خوفا عليه من حصول مكروه كما قال او فوات محبوب. نعم احسن الله اليكم قال وبكاء الخوف يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن ان دمعة السرور باردة والقلب فرحان ودمعة الحزن حارة والقلب حزين ولهذا يقال لما يفرح به هو قرة عين واقر الله عينه به. ولما يحزن هو سخنة عين واسخن الله وعينه به. هذا ايضا تفريق لطيف اخر. بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن كلاهما بكاء وكلها دمعان لكن دمعة السرور كما قال باردة. والقلب فرحان يحصل للانسان نعمة وعطية وباب من الخير ما كان يتوقعه فاذا به يبكي من شدة الفرح دباعاته التي تنزل دمعات باردة والقلب فرحان. اما دمعات الحزن فساخنة حارة كما قال والقلب حزين. ثم فقال لي هذا في لغة العرب اذا قيل قرة العين فانما يقصد به ما اقر الله به عينه لان فيها من القرن والقرن ضد الحر ففيها برودة للعين. يعني ابرد الله دمعة عينك ولا تبرد دمعة العين الا اذا كانت بفرح وسرور وبيقابل ذلك يقال فيما يحزنه هو سخنة عين او يقال اسخن الله عينه به. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله والسابع بكاء الخور والضعف والثامن كأ العجز والضعف العاجز الضعيف في لحظة انهيار يبكي لشدة ما هو فيه من العجز والخور. نعم قال والثامن بكاء النفاق وهو ان تدمع العين والقلب قاس فيظهر صاحبه الخشوع وهو من اقصى الناس قلبه اسأل الله العافية والسلامة لكنه بكاء يفعله اهل النفاق كما يفعلون بعض العبادات يظهرون البكاء ويتباكون لكن ليس حضور في القلب. فاذا فقد القلب اصل العبودية وهو الايمان فقد شعب الايمان من باب اولى. نعم احسن الله اليكم قال رحمه الله والتاسع البكاء المستعار والمستأجر عليه كبكاء النائحة بالاجرة فانها كما قال عمر بن الخطاب تبيع عبرتها وتبكي بشجو غيرها. يقول ليس اللائحة الثكلى كالمستأجرة كان بعضهم اذا المت به مصيبة او مات عنده ميت استأجر اولئك النوائح المستأجرات مستأجرة تأتي امرأة باجرة لمدة ساعة او ساعتين وتأخذ الاجرة المتفق عليها وتكون مهمتها ووظيفتها وعملها ان تبكي في ذلك المجلس اظهارا لحزن اهل المجلس على بكاء من مات منهم. فيكون هذا بكاء وانت ترى فيه دمعات. وهل يصطنع المرء البكاء وهل يقدر على اصطناعه وافتعاله؟ الجواب نعم. فان قلت كيف؟ فتلك صنعة لا يعرفها الا اصحابها قال بكاء المستأجرة كبكاء النائحة بالاجرة. كما قال عمر رضي الله عنه تبيع عبرتها يعني دمعتها فتأخذ اجرة ابكي بشجو غيرها يعني بحزن غيرها على مصابه. نعم. احسن الله اليكم قال رحمه الله والعاشر بكاء الموافقة وهو ان يرى الرجل وهو ان يرى الرجل الناس يبكون لامر ورد عليهم فيبكي معهم ولا يدري لاي شيء يبكون. ولكن رآهم يبكون فبكى. نعم كما مر في قصة بلال رضي الله عنه لما دخل على النبي عليه الصلاة والسلام يؤذنه بالصلاة فوجده يبكي فبكى لبكائه عمر رضي الله عنه يوم بدر لما اتى ورسول الله عليه الصلاة والسلام وابو بكر يبكيان قال ما ما يبكيك يا رسول الله فان وجدت بكاء تبكيت فان وجدت بكاء بكيت والا تباكيت فيبكي مشاركة لمن حوله في البكاء فيسمى بكاء الموافقة احسن الله اليكم قال وما كان من ذلك دمعا بلا صوت فهو بكى مقصور. وما كان معه صوت فهو بكاء ممدود. على بناء الاصوات قال الشاعر بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني وما يغني البكاء ولا العويل. دمع بلا صوت يقال له في لغة بكن بكى من غير همز. فاذا كان مصحوبا بصوت فهو بكاء يقولون وفي الغالب البكاء المحبوس صوته اشد في نفس صاحبه من المصاحب للصوت لان الصوت فيه تنفيس لبعض ما يحتبس في القلب. فاذا احتبس وظل يبكي ولا صوت لبكائه ورأيت الدموع تهطل من العينين فاعلم انه بكاء شديد. ويسمى في اللغة بكن لا بكاء. قال بكت عيني وحق لها بكاها. وما يغني البكاء ولا العويل حكي هذا البيت من انشاد عبدالله بن رواحة رضي الله عنه في رثاء حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه وقيل هي لكعب ابن المالكي ابن مالك رضي الله عنهم جميعا. نعم احسن الله اليكم. قال رحمه الله وما كان منه مستدعا متكلفا فهو التباكي. يعني ما كان من البكاء يستدعيه صاحبه ويتكلف يعني لم يحضره البكاء لكنه يستجلبه ويتكلف في التباكي. نعم قال وهو نوعان محمود ومذموم فالمحمود ان يستجلب لرقة القلب ولخشية الله لا للرياء والسمعة. والمذموم ان يجتنب لاجل الخلق. من لم يجد بكاء يشرع له ان يتباكى ان يستجلب البكاء ولكن في موضعه الصحيح من خشية الله يحضر صلاة فيسمع اية او او دعاء او تضرعا او موقفا يستدعي البكاء لكنه يجد بعدا بحضور قلبه وجفاف عينه فما يزال يحاول تحايلوا على نفسه بالبكاء فهو يستجلب البكاء. فان كان في مقامه الحميد فهو تباك محمود. وان كان رياء وسمعة لاجل ان يكون بين الناس في مجلس او في موقف يقال عنه انه ممن يبكي فيستجلب البكاء لاجل ذلك فكفاه من الذم الاثم والوعيد انه في سياق الرياء والسمعة نسأل الله السلامة احسن الله اليكم. قال رحمه الله وقد قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه يبكي هو هو وابو بكر في شأن اسارى قال اخبرني ما يبكيك يا رسول الله؟ فان وجدت بكاء بكيت والا تباكيت ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا وجه الشاهد انه صلى الله عليه وسلم لم يقل له هذا ليس مطلوبا قال وان لم اجد والا تباكيت يعني استدعي البكاء لبكائه عليه الصلاة والسلام وبكاء ابي بكر رضي الله عنه احسن الله اليكم قال رحمه الله وقال بعض السلف ابكوا من خشية الله فان لم تبكوا فتباكوا. ويذكر هذا اثرا من قول ابي بكر رضي الله عنه وقيل من قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم جميعا به ختم المصنف هذا الفصل من كلامه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام والسكوت والضحك والبكاء. وبه تم الفصل الذي نستأنف بعده فصلا في هديه صلى الله عليه عليه وسلم في خطبه وما زالت ليلة الجمعة ايها المباركون ميدانا يتسابق فيه المحبون بكثرة صلاتهم وسلامه بهم على حبيب القلوب وانسها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مستشعرين فضل الصلاة عليه وبركتها وعظيم وثوابها. يا رب صل على خير الورى ابدأ. وجد علينا بحسن القرب منه غدا. واكتب لنا ساعة البلوى طاعته واسقنا من ندى الكفين منه ندى. اللهم صل وسلم وبارك عليه ازكى صلاة واتم سلام يا ذا الجلال والاكرام اللهم اجعل لنا ولامة الاسلام جميعا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين اللهم يا ناصر المظلومين ويا راحم المستضعفين نسألك نصرا قريبا وفرجا عاجلا لاخوتنا المسلمين في فلسطين اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم وتولى بعنايتك امرهم يا حي يا قيوم. اللهم انت مولانا ومولاهم فنعم المولى ونعم النصير وحسبنا الله لا اله الا هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما اعلمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وعافي مبتلانا يا ذا الجلال والاكرام. اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا يا عذاب النار وصل يا ربي وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب بالعالمين