بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن نحمد الله تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد ايها الاخوة الكرام فما الرحاب بيت الله الحرام ينعقد اول هذه المجالس في مدارستنا لشرح عمدة الاحكام للامام تقي الدين ابن دقيق العين رحمه الله المنعقد هذا اليوم الاربعاء التاسع من شهر ربيع الاول سنة اربع واربعين واربع مئة والف من هجرة المصطفى صلى الله عليه واله وسلم وهذا المجلس الذي نفتتح فيه درسنا في شرح الامام تقي الدين ابن دقيق العيد رحمه الله على احاديث عمدة الاحكام للحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله هذا المجلس الاول نجعله مقدمة تتضمن مدخلين ومقدمة اما المدخلان فاحدهما حديث عن المصنف رحمه الله والاخر عن كتابه الذي نتدارسه بعون الله وبين يدي هذين المحورين او العنصرين في مجلس اليوم نقدم بتمهيد وتوطئة لابد منها وهو لماذا كتاب احكام الاحكام؟ لابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في اختياره كتابا لدرسنا الاسبوعي المنعقد كل يوم في ايام الاربعاء في بيت الله الحرام والجواب ايها الكرام اه ان الدروس التي مضت فيما سبق من تسلسل المتون التي تم دراستها بعون الله كانت تهدف الى امرين يشترك في تحقيق منهجية يراد لطالب العلم في الاصول ان يبلغها والمنهجية بمعناها العام ومحتواها التفصيلي تتكون من عناصر عدة يأتي على رأسها انتظام وتسلسل منطقي ولما يسر الله سبحانه وتعالى لنا المرور على تلك الكتب تحقق بها امران كما اسلفت احدهما التدرج الذي ابتدأنا فيه من اصول العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وانتهينا فيها الى جمع للامام تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى واما الامر الاخر فهو ايضا التنوع المذهبي الذي يسر الله لنا فيه مدارسة كتب متنوعة المذاهب. فمن مختصر الروضة للطوفي الحنبلي الى شرح جمع الجوامع لتقي الدين السبكي الشافعي لتاج الدين السبكي الشافعي رحمه الى منار الانوار للحافظ النسفي الحنفي رحمه الله. واخيرا تنقيح الفصول في علم الاصول لشهاب الدين القرار في المالكي رحمه الله تعالى واحسنوا ان هذا القدر كاف لمن اراد المرور على اصول المذاهب ومعرفة مناهجهم في عرض اصول الفقه تقرير ادللته والترجيحات والاختيارات التي تنتمي الى كل مذهب فبين التدرج المنشود والتنوع المذهبي في كتب الاصول ان الاوان لان يكون الدرس نقلة في مسار اخر غير المتون الاصولية التقليدية معتادة التي تعمد الى تقرير المسائل وعرض الادلة ومناقشتها والترجيح الى ان يكون مسارا يأخذ مسارا التطبيق وتنزيل تلك القواعد على ما جعلت لاجله وموضوعها الذي من اجلها قام هذا العلم الجليل. وهو توظيف تلك كالقواعد في ساحة النصوص الشرعية. ذلكم ان المقصود الاعظم لعلم اصول الفقه بكل ادواته وقواعده مسائله هو الوصول الى فهم صحيح لمراد الله عز وجل من كتابه الكريم ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة. هذا هو المقصود الكلي الاكبر لكل موضع لاجله علم الاصول واشتغل به الاصوليون وافنى فيه الفقهاء اعمارهم هو تحقيق بلوغ المراد من كلام الله ومن كلام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وسيبقى لعلم الاصول زخمه واثره قوته العلمية الهائلة التي تحتاج لكل من تضلع منها واستكثر منها وفتح الله عليه ابوابها تحتاج الى ان ينزل بتلك العلوم والقواعد والادلة والدلالات الى ما جعلت لاجله وهي النصوص الشرعية في كتاب بالله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحدة من الخطوات المنهجية التي لا يستغني عنها طالب العلم الذي يروم الاتقان في علم الاصول واحدة من خطواته المتقدمة ادمان النظر والقراءة الفاحصة في كتب تفسير ايات الاحكام وشروح احاديث الاحكام بانها مجال خصب خصوصا اذا كان المؤلفون لتلك الكتب من علماء الشريعة المعتنين بجانب الاصول وتقريره وتوظيفه وبيانه في شرح ايات الاحكام او احاديث الاحكام. ولتلك الكتب امثلة كثيرة وهي ايضا متعددة المذاهب ففي احكام القرآن تجدون احكام القرآن للجصاص الحنفي. واحكام القرآن للامام البيهقي الشافعي واحكام القرآن للامام ابن العربي المالكي والجامع لاحكام القرآن للامام القرطبي المالكي ولابن الفرس المالكي كذلك رحم الله الجميع تلك الكتب عندما تستدل او تشرح الايات التي تتضمن احكام الشريعة في القرآن في سورة البقرة احكام الصيام والحج والنكاح والطلاق والخلع والعدة والنفقة وسائر ما تضمنته ايات القرآن من الاحكام فانهم ليسوا مجرد نقلة لالفاظ القرآن وتفسيرها بل هم يبينون لم قالوا ان عدة المطلقة في قوله تعالى والذين يتوفون منكم عدة المتوفى عنها زوجها كذا ولماذا قالوا ان المطلقة تعتد بالحيض لا بالاطهار او بالعكس في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهم ان ثلاثة قرون ولم قالوا ان قوله تعالى واخواتكم من الرضاعة في سورة النساء تشمل مطلقا ما يصدق عليه الرضاع واقل ذلك الرضعة. وقال اخرون بل اقله الثلاث. وقيل خمس. هنا ستدرك بهذا النقاش الذي يأتون الى موضعه من الاية او من الحديث فيوظفون قواعد الاصول فتراه يقول مثلا واخواتكم من الرضاعة اطلق الرضاعة في كتاب الله ولم نجده مقيدا الا في السنة بحديث كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات كما في صحيح مسلم. من حديث عائشة رضي الله عنها او حديث لا تحرم المجة والمجدان والمصة والمصتان فدل على انها ثلاث او خمس. فيقول الحنفي مثلا هذا النص في كتاب الله ورد مطلقا ولم يقيد الا في حديث احاد فيكون زيادة على نص القرآن والزيادة على النص نسخ عندهم فما لم يكن النص بقوة المنسوخ فانه لا يقوى على نسخه فبقيت دلالة الحديث عندهم غير مؤثرة في دلالة الاية فبقي الامر على اطلاقه والمالكية اذ يوافقونهم في ان الرضاعة المحرم رضعة واحدة لكنهم يختلفون في المنطلق والبناء الذي بني عليه ان تكون الرضعة واحدة محرمة فلم يرفظ فلم يبني المالكية على مسألة الزيادة على النص كما هي عند الحنفية لكنهم نظروا الى ان اطلاق الاية الكريمة تجاذبه احدهما ثلاث رضعات والثاني خمس رضعات وذلك نوع من الدلالة التي لا يقوى معها الاحتكام الى تنزيل كلام الله. فترك التقييدان وقدمت دلالة الاية المطلقة فانظر مثلا في هذا المثال كيف ان التفسير عند من يعتني بذكر الاية لاستنباط الحكم منها لا يقتصر على مجرد بيان لفظ الاية ومعناها بل يتجاوز ذلك الى البناء الاصولي والتقرير الفقهي وقل مثل ذلك في شروح احاديث الاحكام فانها كذلك ولما بدأ الائمة رحمهم الله المحدثون في افراد احاديث الاحكام في متون كعمدة الاحكام للحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله او بلوغ المرام للحافظ ابن حجر رحمه الله او المنتقى من الاخبار للمجد ابن تيمية رحمه الله. ثم جاءت كتب الشروح على تلك الكتب الحديثية. فوضعت روح احاديث عمدة الاحكام وشروح احاديث بلوغ المرام وشروح احاديث منتقى الاخبار ولما جاءت هذه الشروح واقبل عليها الفقهاء والاصوليون عملوا فيها ما عمل المفسرون في تفسير ايات الاحكام. ومن هنا كانت تفسير احكام القرآن وشروح احاديث الاحكام كانت مستودعا عظيما مليئا بالتقعيد الاصولي والتخريج الفقهي. الذي يتجاوز معه طالب العلم قراءة شرح الحديث وبيان الخلاف المذهبي الى النزول في العمق والغوص على طرق استنباط الحكم وربطه بدلالة الحديث او الاية هذا كثير وفير في تلك الكتب وهذه العبارة انما جيء بها في هذا السياق لنقول ان متن عمدة الاحكام من احاديث سيدي الانام صلى الله عليه واله وسلم. للامام الحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله المتوفى فسنة ستمائة للهجرة كان من المتون الحديثية المعتبرة التي اعتنى بها العلماء واكبوا عليها. ذلك انه انتخب من احاديث الاحكام في الشريعة جملة عظيمة. تجاوز بها اربعمائة وخمسة وعشرين حديثا تقريبا هذا الجمع من الاحاديث مبوض على ابواب الفقه بدءا من كتاب الطهارة وانتهاء بالعتق ومما ميزه انه اقتصر في احاديثه على ما ورد في الصحيحين مكتفيا بهما عن غيرهما فصارت كل احاديث عمدة الاحكام صحيحة لاقتصاره على ما في الصحيحين فاعتنى به العلماء واقبلت عليه الشروح ومنه شرحنا الذي نتدارسه ويأتي الحديث عنه بعد قليل فاذا كان الامر كذلك علمت رعاك الله ان مدارستنا لهذا الكتاب هو ارتقاء لمسار في الدرس الاصولي ليس على مستوى تقرير القواعد وتنظيرها مجردة بل على مستوى تطبيق تلك القواعد على الفاظ الحديث النبوي مما اكتملت عليه احاديث كتاب عمدة الاحكام للحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله تعالى هذا التطبيق الاصولي مسار يحتاج اليه طالب علم الاصول سؤال هل هو للمبتدئ ام للمتوسط في درس الاصول؟ ام للمتقدم الجواب انه مفيد لكل الفئات لكنه باعتبارات مختلفة اما المتقدم الذي درس الاصول فتح له باب الفهم فيها وحقق قدرا كبيرا او سلك مسلك الدراسات النظامية فتخصص في الشريعة او في اصول الفقه وربما تجاوز ذلك الى العليا فنال منها نصيبا وافرا فان مدارسته لمثل هذه الكتب عموما تورث عنده اتقادا لملكة علم الاصول وتجسيرا بينه وبين علم الفقه. فان هذا مهم لابد منه. وستكون مثل هذه المدارسة بالنسبة اليه تثبيتا لما تقرر عنده من قواعد الاصول واثراء عظيما بامثلة فقهية جمة وحديثية كثيرة والفاظ متعددة لما مر به كثيرا من القواعد التي مرت به في مختلف ابواب دلالات الالفاظ وغيرها. وستكون ثالثا بالنسبة للمتقدم ايضا تكون له احد الكتب والموارد التي يستقي منها اسباب الخلاف بين الفقهاء وتلك لعمر الله واحدة من اهم ما يحتاج اليه طالب العلم في الاصول المتقدم فيه درجات عالية ان يدرك ان من اجل اسباب الخلاف بين الائمة الفقهاء رحمة الله عليهم اختلافهم في منزع الاستدلال وقواعد الاستنباط وستبقى هذه امثلة وشواهد حية لتلك الاختلافات التي بنيت على اختلافهم في المنطلقات وهي القواعد فيجدها مدللة بجملة كبيرة من الامثلة والشواهد اما المتوسط في دراسة الاصول فانه ايضا اوفر حظا من سابقه. ذلك انه ربما واجه صعوبات في فهم بعض الابواب. واستغلقت عليه بعض القواعد واستعصت عليه ايضا بعض العبارات فيتجلى كل ذلك اذا وقف امام الحديث او الاية فاذا به يجد المثال الذي سيتنزل عليه فهمه الاصوليين لما عجز عن هضمها بشكل تام. فاذا بالمثال يجدي له كل ذلك ويفهمه. وشيئا فشيئا كلما مر به واية وحديث وقاعدة تكررت معه في غير ما حديث ونص ادرك ان صيغ العموم التي وردت واحدة واثنتان وثلاث واربع وخمس وان ما درسه مثلا من اضافة النكرة الى معرفة مفردا كان او جمعا او الاسماء المبهمة. كيف هي تدل على العموم؟ هو مر به المثال في الدرس الاصولي لكن جاء هنا فوجد مثالا واثنين وخمسة وعشرة وفهم ان الابهام في تلك الاسماء هي اغزى العموم فيها وطبق له بالمثال فوجده مثالا حيا. قل مثل ذلك في دلالات الامر والنهي وغيرها كثير. فلما مر به ان دلالة الامر تفيد الوجوب وعلم من بعض التقعيد الاصولي انها ليست دائما بل هي على طريقة العرب واسلوبهم ان الامر ابتداء يدل على الوجوب لكن ربما كان لسياق الكلام اثره في فهم تلك الدلالات ففرق بين امر يوجه فيه الامر امره للمخاطب ابتداء بان يقول له قم او اقعد او اخرج هذا الابتداء لا يفهم منه العربي الا امرا ملزما بالخروج والقعود والقيام بخلاف ما لو قال احدهم للاخر كأن يقول التلميذ لشيخه والابن لابيه او البنت لامها ان يقول احدهم يستأذن هل اخرج فيقول له ابوه او تقول لها امها او يقول الاستاذ لشيخه اخرج اخرج هنا مع كونها صيغة امري لكنها ابدا لا تحمل معنى الالزام لانها جاءت عقب سؤال او استئذان فهذا نوع من الدلالات عنده وعليه قال الجمهور في ردهم على استدلال الحنابلة في نقض الوضوء من اكل لحم الابل انه جاء جوابا عن سؤال في قوله عليه الصلاة والسلام لما سئل انتوضأ من لحوم الابل؟ قال نعم قالوا هذا لا يدل على الوجوب لانه جاء بعد سؤال والامر بعد سؤال انما يدل على الاذن والاباحة لا على الالزام ولهذا ذهب الجمهور الى ان الحديث لا يدل على الوجوب تحتاج الحنابلة الى دلالة اخرى للاستدلال على ان الامر للوجوب. وكان لهم فيه طريقان احدهما ان السؤال معاد في الجواب فلما قالوا انتوضأ من لحوم الابل قال نعم واذا طبقت القاعدة ان السؤال معاد في الجواب فيكون الجواب نعم توضأوا فكان نعم هو الاذن وتوضأوا دلالة زائدة فيها الالزام والاستدلال الاخر وهو الاقوى عندهم والاوجه انه عليه الصلاة والسلام وان اجاب عقب سؤال لكنه فرق في الجواب بين سؤالهم عن لحم الابل ولحم الغنم فلما فرق في الجواب دل على التفرقة في الحكم فاذا قلنا ان كلا من لحم الغنم والابل لا ينقض الوضوء لم يستقم هذا التقرير مع اختلاف جوابه صلى الله عليه وسلم لقوله في الغنم ان شئت على كل حال هذه امثلة متعددة ستمر بالدارس لمن يدرس متونا او شروحا لمتون احاديث الاحكام. وهذا جواب عن سؤال لماذا احكام الاحكام؟ لابن دقيق هذا المتقدم وهذا المتوسط اما المبتدئ الذي ما سبق له او كان ما يزال مبتدأ في دراسة علم الاصول فانه ان وجد نفسه في البدايات غير قادر على استيعاب جملة من المسائل والاحكام التي تمر به في الاحاديث فوجد نفسه محدود الفهم الادارات جيء باول الاحاديث انما الاعمال بالنيات. فمر به ان الدلالة دلالة حصر وهي تدل على كذا وما فهم ايش معنى حصر ولا فهم كيف انها تدل على العموم ولا استوعب كثير ان حصر المبتدأ في الخبر له دلالة معينة فمر بها مرور الكرام وامرها كما جاءت وجلس في اول درسين وثلاثة واربعة لا يكاد يستوعب او يفهم الا قليلا. فانه عما قريب يوشك ان تنفتح له مغاليق الفهم فيدرك مثل ذلك مع التكرار في حديث واثنين وخمسة وعشرة فيدرك ان صيغ العموم ودلالات الامر وان التخصيص للعموم بمختلف الصيغ والادوات هي قريبة الى الفهم اكثر من قربها من الكلام الذي ربما مر به في كتب الاصول مجردا عن المثال. من هذا نقول ان دراسة مثل هذه الكتب مفيدة لكل من المبتدئ والمتوسط والمتقدم باختلاف الاعتبارات كما اسلفت اذا فهمتم هذا رعاكم الله فافهموا ان كل ما ذكر يمكن اجماله في النقاط التالية الذي جعل من كتاب احكام الاحكام او شرح عمدة الاحكام للامام تقي الدين ابن دقيق العيد رحمه الله سببا لاختياره في الدرس في هذا المجلس في بيت الله الحرام اولا استمرارا في التدرج المنهجي بعدما تيسر لنا ما تم مدارسته كما سبق في بصدر المجلس. ثانيا انتقالا الى المسار التطبيقي لعلم الاصول فان علوم الالة وهي الة ستبقى حبيسة الفهم او محدودة الادراك حتى تجد لها طريقا في ساحة التطبيق ولكن قلنا كثيرا لطلبة العلم الا من يدرس علوم الالة كعلم النحو ومصطلح الحديث واصول الفقه واصول التفسير هذه علوم الة من يدرسها ويتناولها تناول العلوم المقصودة لذاتها سيفنى عمره وما استفاد منها كبيرة فائدة وسيحفظ المتون الكبيرة فيها واضرب لكم مثالا لو ان طالب علم النحو درس المتون الاجرومية ثم تتمتها ثم درس الندى ثم حفظ الالفية ودرس شروحها لابن عقيل وابن هشام وتضلع في ذلك فاصبح قوي المدرج بحيث اذا اوردت سؤالا واثنين وثلاثة سرد لك الاجابات من غير ما تردد. فاذا قلت له ما الحالات التي يجب فيها تأخير المبتدأ وتقديم الخبر سردها بالشواهد واذا قلت له ما شروط عمل ليس عمل ان ايضا اتاك بها واذا سألته متى يعمل المصدر عمل فعله اورد لك الشواهد هذه جيدة لكن ما فائدة ذلك ان لم يكن لهذا اثر ان يقوم فيلقي خطبة لا يلحن فيها او يقرأ نصا غير مضبوط فيقرؤه سليما لا يلحن فيه فلا يرفع مجرورا ولا ينصب مخفوضا ونحو هذا عندئذ ستفهم ان علوم الالة ليست ادوات تحفظ ولا قواعد تستظهر من الحفظ بل هي تحتاج الى ممارسة وتطبيق. اذا درس علم المصطلح ومتى مضى فيه على المتون ودرس الكتب الكبار حتى اتى على الفية العراقي وشرح الكتب الكبيرة فيها لكنه اذا اتيته باسناد ومتن فقلت له يتناول شيئا منها بالتخريج والتعليل ومقارنة كلام المحدثين. والاجتهاد في مجال التعلم والدراسة ان يقرر ما يتعلق بحديث ما تخريجا وحكما على اسناده بعد دراسة احوال رواتب. فاذا كان عاجزا اذا اين حصيلة العلم الذي قضى فيه سنين عددا وهكذا الشأن في علم الاصول فاذا درس ادوات العموم وانواع التخصيص ثم قلت له مثلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم من باع نخلا بعد ان تؤبر فثمرتها للبائع الا ان يشترط المبتع فاذا ما استطاع ان يخرج من هذا النص صيغة العموم واسلوب التخصيص والاشارة الى العلة ما ما استفاد كبيرة فائدة ان لم يقوى في كل ما درس على ان يجد تطبيقا له في مثل هذا الحديث وهكذا ستقول ان علوم الالة لن تكون نافعة ما لم يطبقها صاحبها. واشبه ذلك دائما برجل اراد من ابنه ان يتعلم صنعة او مهنة او حرفة فذهب به الى مصنع ومعمل او ورشة فطلب من صاحب المعمل والمصنع ان يعلم ابنه صنعة النجارة او الحدادة او صيانة السيارات او الكهرباء والسباكة اي شيء فترك الولد عنده ستة اشهر او سنة ثم جاء بعد لينظر في ابنه الفهم وتعلم الصنع بحيث اذا استقل فتح له محلا يستقل به ويعمل بما تعلم من صنعته بالله عليكم هل ترون من المنطق ان ان يختبر الولد فيقال له تعال ما عدد انواع المفكات وكم من مقاسات متعددة بهذا النوع من الجهاز؟ لا هذا ليس اختبارا بل الصواب ان يؤتى له بقطعة تحتاج الى اصلاح فيقول له اكتشف الخلل واصلح اختبارا وتجريبا الذي نعمله في علوم الالة في اختبار النحو واصول الفقه والمصطلح وكما الذي تقول لذلك الولد ما انواع كذا وعدد اشكال كذا وكم حالة في الاختبار النظري في علوم الالة لا يزيد صاحبه الا ترسيخا لتناول علوم الالة منطق الحفظ والاستظهار دون الفهم الامر السادس الذي يحملون على اختيار درس احكام الاحكام في هذا المسار مزايا الكتاب تحديدا وسيأتي ذكرها بعد قليل الرابع ان بركة المدارسة لمجال قواعد الاصول ودلالات الالفاظ في نصوص الشريعة لها وقع عظيم. فكيف اذا كانت المدارسة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكون المجلس يا كرام قائما على احد احاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فيدور الكلام حول لفظ من الفاظه وعبارة من عباراته واشارة من اشاراته عليه الصلاة والسلام. تتعامل من الفاظ من ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. تتعامل مع نصوص ملئت نورا وحكمة وخيرا وبركة. فهذا ايضا مما يرتجى مع ما تقدم من الجوانب العلمية. الامر الخامس الفوائد الفقهية التي تضمنتها احاديث الكتاب. وهي ثمرة لعلم فيكون ايضا تحقيقا لنفع اخر في باب الفقه. استلهام لكثير من الاحكام التي تمر في تلك الابواب سادسا اتساع مدارك الفهم الى ما وراء القواعد الجامدة عند اعمالها في نطاق الاحكام واضرب لكم مثالا قاعدة حملي المطلق على المقيد ويضرب لها الاصوليون الامثلة وجلهم يقسموها الى اربعة صور عند اتحاد السبب والحكم او اتحاد احدهما اتحادهما في احدهما دون الاخر او عند اختلافهما في الامرين فالصورة المشهورة بالخلاف عند اتحاد الحكم واختلاف السبب عتق رقبة الحكم واحد في كفارة الظهار وكفارة القتل وكفارة اليمين الحكم واحد وهو عتق الرقبة اختلف السبب هنا ظهار وهنا قتل وهناك حنس في يمين الجمهور يقولون يحمل المطلق على المقيد واختلفوا هل يحمل قياسا او يحمل لغة وتفرد الحنفية وبعض من وافقه من فقهاء المذاهب بانه لا يحمل ويبقى المطلق على اطلاقه والمقيد على تقييده لو جئت تطبق مثل هذا على احاديث الاحكام ومنها حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم لا يمسكن احدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الاناء وهو خامس احاديث عمدة الاحكام على القاعدة انك تقول ورد في بعض الاحاديث النهي مطلقا لا يمس لا يمس احد ذكره بيمينه وفي بعضها مقيد بقوله وهو يبول على طريقة الجمهور بالقاعدة يقيد النهي عن مس الذكر باليد اليمنى حال البول فقط وفي غير البول يزول النهي جاء ابن دقيق العيد رحمه الله فقال هكذا هذا الحديث يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين في حالة البول ووردت رواية اخرى في النهي عن مسه باليمين مطلقا من غير تقييد بحالة البول فمنهم من اخذ بهذا العام مطلقا وقد يسبق الى الفهم ان المطلق يحمل على المقيد فيختص النهي بهذه الحالة قالوا وفيه بحث بان هذا الذي يقال يعني حمل المطلق على المقيد يتجه في باب الامر والاثبات فان لو جعلنا الحكم للمطلق او العام في صورة الاطلاق او العموم مثلا كان فيه اخلال باللفظ الدال على المقيد وقد اوله لفظ الامر وهو غير جائز واما باب النهي فان اذا جعلنا الحكم للمقيد اخللنا بمقتضى اللفظ المطلق مع تناول النهي له وذلك غير شائع. هذا كله بعد مراعاة امر من صناعة الحديث وهو ان ينظر في الروايتين اعني رواية الاطلاق والتقييد هل هما حديثان او حديث واحد مخرجه واحد فان كانا حديثين فالحكم ما ذكرناه في الاطلاق والتقييد وان كان حديثا واحدا مخرجه واحد اختلف عليه الروا فينبغي حمل المطلق على المقيد لانها تكون زيادة من في حديث واحد فتقبل وهذا الحديث المذكور راجع الى رواية يحيى ابن ابي كثير عن عبد الله ابن ابي قتادة عن ابيه وذلك ايضا يكون بعد النظر في دلالة المفهوم وما يعمل به منه وما لا يعمل وبعد ان ينظر في تقدم المفهوم على ظاهر العموم من لك بمثل هذا الثراء العلمي وتجاوز القاعدة الجامدة الى تنزيلها في مجال عملي مع استصحاب كل ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى الامر السابع ان مثل هذه المدارسة لهذا الكتاب ونحوه فيه اثراء لحصيلة الطالب النظرية من علم الاصول بكثير من الشواهد والامثلة التطبيقية مع مخي الفهم المصاحب للتطبيق. ثامنا فوائد التخريج الاصولي والتطبيق الاصولي وهي متعددة. وسيأتي ذكرها بعد قليل. تاسعا الملكة الاصولية فانها ملكات والملكات انما تنمى بالتطبيق واستمرار العمل عليها حتى تصبح الاصول عند احدنا ملكة وليس حفظا او قاعدة مجردة. عاشرا الوقوف على جزء مهم من اسباب الخلاف بين الفقهاء ومآخذ العلماء. في استنباط الاحكام مر بنا قبل قليل ان هذا مما من فوائده الحصول على اه تطبيق اصولي وايضا فيه ممارسة للتخريج الاصولي التخريج الاصولي او تخريج القواعد تخريج الفروع على الاصول او تخريج المسائل الفقهية على القواعد الاصولية يراد به بناء المسائل الفقهية على قواعدها الاصولية بواسطة الدليل الجزئي وهذا الذي عليه العمل في كتب التخريج ككتاب التمهيد للاسناوي او تخريج الفروع على الاصول الزنجاني او القواعد لابن اللحام فان هؤلاء العلماء يعمدون الى القاعدة الاصولية كأن تقول مثلا الامر يدل على الوجوب هذه القاعدة ثم يخرجون فروعا على تلك القاعدة كل فرع مصحوب بدليله الجزئي من النص الامر يدل على الوجوب ومن امثلة ذلك الفقهية وجوب الصلاة عملا بقوله تعالى واقيموا الصلاة. اذا القاعدة الامر يدل على الوجوب مع الدليل اقيموا الصلاة وفيها امر والامر يدل على الوجوب اذا فالصلاة واجبة وهكذا هذا تخريج اخرجوا الفروع على الاصول او تخريج المسائل الفقهية على قواعده الاصولية اما التطبيق الاصولي فالمراد به اعمال القواعد الاصولية في دلالات الالفاظ في النصوص الشرعية والذي يعمله آآ ابن دقيق العيد رحمه الله او الذي نجده في درسنا كلا الامرين فانه تطبيق للقواعد الاصولية جاء المؤلف رحمه الله الى الحديث حديث انما الاعمال بالنيات او اذا اه قام احدكم من النوم فليغسل يده قبل ان يدخلها في الاناء ثلاثا او غيره من الاحاديث فاتى فطبق واعمل القواعد الاصولية في تلك النصوص الشرعية وايضا في الفروع الفقهية وبناء عليه ستمر بك مسائل فقهية مخرجة على القواعد في تلك الاحاديث. فيحصل التخريج والتطبيق. اذا التطبيق الاصولي او قالوا ربما يقولون التطبيقات الاصولية والتخريج الاصولي مصطلحان متغايران يشتركان في ان كلا منهما تنسب فيه الفروع الى القواعد الاصولية وتستخرج من الادلة بتلك القواعد ويختلفان في ان التخريج موضوعه ابتداء القواعد الاصولية والتطبيق موضوعه ابتداء النصوص الشرعية فتلك تتعامل مع القواعد وفق مذهب معين فتجد كتاب الاسناوي التمهيد تخريجا لقواعد الشافعية وقواعد ابن اللحام لقواعد الحنابلة ومثلا قواعد الوصول للتمرتاشي على طريقة الحنفية وهكذا يتفاوتون بحسب المذاهب بينما في التطبيق هو اعمال للقواعد في تلك النصوص وينبني عليها بيان وجه دلالتها على تلك الاحكام هذا يعني بايجاز شديد ما يتعلق بصنيع باختيار الكتاب وسبب جعله مجالا للدرس الذي آآ نبلغ فيه بعون الله تعالى مسارا مستقلا عما سبق. اما كتاب القواعد عفوا كتاب ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى. فهو اه من الكتب الفريدة في هذا الباب ويمتاز كتاب ابن اللحام ويمتاز كتاب الامام ابن دقيق العيد رحمه الله عما يشبهه من كتب شروح احاديث الاحكام امور عدة فاولها امامة المصنف رحمه الله تعالى على ما سيأتي في ترجمته ايجازا بعد قليل وثانيها آآ صنيعه رحمه الله تعالى في الكتاب كتاب آآ ابن دقيق العيد يتكون من ثلاثة امور اولها الجانب الحديثي والثاني الجانب الفقهي والثالث الجانب الاصولي ولانه احاديث واحكام فاذا هو حديث وفقه في ان واحد ولما ميزه بما طرز به فوائده بربطه بقواعد الاصول برز فيه الجانب الثالث الاصولي. فمن يدرس الكتاب يجني الفوائد الفقهية والحديثية والاصولية وهذا الذي جعل اختيار الكتاب مجالا في هذا الدرس عناية المصنف رحمه الله تعالى واذا علمت ان آآ اصل الكتاب هو عمدة الاحكام للحافظ الامام عبدالغني المقدسي رحمه الله مبوب على ابواب الفقه ادركت ان المراد الاحاديث التي يعتني بها الفقهاء في مسائل الفقه واحكامه آآ كتاب الامام ابن دقيق العيد رحمه الله كان مرجعا للائمة من شراح الحديث بعده ولهذا تجد الائمة الكبار كالحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري كثير الرجوع الى تقريرات الامام ابن دقيق العيد في هذا الكتاب مفيدا منه وناقلا عنه. ومثل ذلك الحافظ العراقي في طرح التثريب لشرح احاديث التقريب. فانه ايضا كثير الرجوع الى تقريرات ابن العيد وكذلك من المتأخرين الامام الشوكاني في نيل الاوطار فهذا دلالة على مكانة الكتاب واثره. اما في الفقه فلان ابن دقيق العيد رحمه الله كما سيأتي في ترجمته كان مالكي المذهب ثم اصبح شافعيا اورثه ذلك امامة في المذهبين فلما تظلعا من فقه المذهبين كان له من العناية بتقرير احاديث الاحكام اكثر مما يبلغه فقيه الشافعية مثلا او فقيه المالكية لانه تناول المذهبين فكان له فيه فتح عظيم. ولهذا يقول احد تلامذته وهو ابو الفتح ابن سيد الناس اليعمري يقول عن شيخه ابن دقيق العيد كان حسن الاستنباط للاحكام والمعاني من السنة والكتاب بلب يسحر الالباب وفكر يستفتح له ما يستغرق على غيره من الابواب مستعينا على ذلك بما رواه من العلوم تبينا ما هنالك بما حواه من مدارك الفهوم محرزا في العلوم النقلية مبرزا في العلوم النقدية والعقلية تارك الاثرية والمدارك الفطرية كتاب احكام الاحكام لابن دقيقة العيد رحمه الله تعالى اه اتخذ فيه منهجا اه فريدا ولهذا اعتنى العلماء به من بعدهم من منهجهم رحمه الله تعالى اه لتعلموا اولا انه رحمه الله لم يؤلف كتابه تأليفا وانما املاه املاء ولك ان تدرك ايضا عمق ما في هذا الكتاب من المسائل التي احوجت الناس بعده الى شرح عباراته وهو لم يكتبها اليفا وانما املاها فيكتبها بعض طلابي في المجلس من خاطره وهو يقولها ارتجالا وهذا ابلغ في ان تدرك مكانة الامام ابن دقيق العيد رحمه الله كما سيأتي في ترجمته بعد قليل. فاملاها املاء وكان احد تلامذته وهو القاضي عماد الدين ابن الاثير اسماعيل وبن تاج الدين ابن الاثير الحلبي المعروف بالكاتب. وسنقرأ مقدمته في الدرس القادم ان شاء الله وهو يذكر كيف ان شيخه املى عليه شروح احاديث املاء فكانت هذه الثروة العلمية. ما ذكر مقدمة للكتاب لانه انما كان املاء كما تقدم وليس تأليفا فتظهر اهميته في ان شارحه امام فقيه اصولي محدث وقد اتقن المذهبين كما تقدم. يبدأ رحمه الله بذكر الحديث اولا ومشى فيه على ترتيب الامام المصنف الحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله بعد ذلك يبدأ بترجمة الصحابي راوي الحديث ترجمة موجزة فيعرف به ويضبط اسمه اذا احتاج الى ذلك اختصارا. ثم يبدأ بشرح الحديث يقسم شرحه الى مسائل مرتبا لها على الارقام فيقول الكلام فيه من وجوه. الاول كذا الثاني الثالث حتى ينتهي يتعرضوا في شرحه رحمه الله لكثير من العلوم كعلم الحديث والمصطلح والاصول ومباحثه والفقه ومسائله واللغة ايضا والقواعد الفقهية وما يستنبط من الحديث. ومن ذلك ظهرت امامة المصنف الامام ابن دقيق العيد رحمه الله خامسا يعتني كثيرا بذكر مذهبي الشافعية والمالكية دون غيرهما. والسبب ما علمت قبل قليل في كونه تفقه على كلا مذهبين رحمه الله ايضا من مذهبه منهجه في الكتاب انه يستطرد احيانا في بعض الاحاديث فيكثر من استنباط المسائل والاحكام ويكتفي احيانا في بعضها اسطور معدودة ومرد ذلك الى كون الكتاب املاء كما تقدم وليس تأليفا منتظما يعود فيه المصنف رحمه الله تعالى الى نحو معينين على وجه مخصوص وكتاب آآ شرح ابن دقيق العيد رحمه الله على الراجح من تحقيق المحققين انه لم يسمه الاحكام في شرح الاحكام او بشرح احاديث الاحكام. وذلك انه ما صنفه كتابا كما تقدم. ولم آآ يؤلفه بل جعله رحمه الله تعالى تصنيفا آآ على طريقة الاملاء كما تقدم وكان يمليه فصنعه تلميذه القاظي ابن الاثير ثم اخرجه للناس فقال هذا شرح عمدة الاحكام. فاذا قلت الاحكام بشرح عمدة الاحكام فالاسم الاحكام لم يضعه المصنف رحمه الله. لكنه وجد في كثير من نسخه على غلافه وعامة من ترجم لابن دقيق العيد رحمه الله اورد الاسم هكذا الاحكام فربما كان من الكاتب الذي املى عليه الكتاب فقال كتاب شيخه الاحكام لشرح عمدة الاحكام فانتقلت من بعده وانتشرت لكن المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد به تسميته على ذلك الوجه المخصوص اما اه ترجمة الامام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى كما اه يعني اذكرها اختصارا في هذا المجلس بحكم ان من اراد مطالعة ترجمته فهي حافلة في كثير من الكتب والمراهق حسبنا من القلادة ما احاط بالعنق. وليس احد يستطيع ان يفيد من كتاب ويفهم ما فيه ويفتح الله تعالى عليه به حتى يكون محيطا او ملما بترجمة مصنفه ومعرفة ماذا يتصل بمذهبه ومنهجه وثناء اهل العلم عليه ومنزلته في من جاء بعده واثره العلمي رحمه الله تعالى. كان للمصنف الامام ابن العيد رحمه الله من ذلك حظ وافر ونصيب كبير. اسمه محمد بن علي ابن وهب ابن مطيع القشيري المنفلوطي المصري مالكي شافعي كما تقدم يكنى رحمه الله بابي الفتح ويلقب بتقي الدين وانما اشتهر بهذه بهذا اللقب الشهير ابن دقيق العيد اللقب الذي عرف به حتى لا يكاد يعرف بغيره فكثير من طلبة العلم قد ينسى اسمه الاول انه محمد ابن علي ابن وهب او لا يبلغ كنيته فيعرف انه ابو الفتح لكن اذا قيل ابن دقيق العيد عرفه الصغير والكبير من طلبة العلم دقيق العيد ليس والده حتى يقال ابن دقيق العيد. بل هو لقب لجده سواء قيل هو جده مطيع او والد جده وهب يعني هو محمد ابن علي ابن مطيع ابن وهب ابن مطيع. فقيل ان لقب دقيق العيد اطلق على جده وهب او على والد جده وسبب ذلك انه لبس يوم العيد طيلسان والطيلسان كساء مدور لا اسفل له كان زيا للعلماء يجعلونه على اكتافهم وربما كان اخضر اللون. فكان زيا للعلماء فلبس جده يوم العيد طيلسانا ابيض شديد البياض فقال بعضهم لما رآه كأنه دقيق العيد وانما يقال دقيق العيد دون غيره ابيض لان الدقيق كان في تلك الازمنة قل ان يوجد صافيا ابيظ نقيا لعدم وجود الالات الحديثة التي تطحن الحبة وتنقيه وتصفيه. فكان عامة دقيقهم يخالطه شيء من النخالة او بقايا الحب الذي لم يطحن او ما يخالط الحبوب احيانا من الحصى وشيء من الدقائق فاذا وجدت دقيقا صافيا فهذا من طعام علية القوم والاثرياء والكبراء يكون الدقيق صافيا نقيا ابيض ويسمى بالحواري ببياضه وصفائه ونقائه فلما لبس الطيلسان الابيض قيل لك انه دقيق العيد ذلك ان دقيق العيد عادة ازهى من غيره يعتني به الناس يفرحون به في العيد لما يخبزونه بدقيق العيد غدا لقبا مشتهرا به جده مطيع او اه جده وهب او والد جده مطيع رحم الله الجميع. فاصبح يقال لاولاده من بعده ابن دقيق العيد حتى يعرف من ولد ابو الفتح رحمه الله تعالى يوم الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة ستمائة وخمسة وعشرين واذا علمت ان وفاته رحمه الله في شهر صفر في التاسع عشر وقيل في التاسع في الحادي عشر وقيل في الحادي والعشرين. من شهر صفر سنة سبعمائة واثنين ادركت انه عاش سبعا وسبعين سنة رحمه الله تعالى ولد رحمه الله في ينبع من ارض الحجاز كيف هو مصري قالوا لان والديه كانا متجهين الى الحج فادركت امه الولادة في الطريق. فولد رحمه الله ضحى يوم السبت الخامس من شعبان طيب والذي يأتي في الحج يأتي في شعبان الجواب نعم لانهم كانوا يرتحلون الاسفار البعيدة. فاذا قصد احدهم الحج ارتحل قبل اشهر وربما لا يدرك موسم الحج الا قريبا منه. فولد رحمه الله تعالى في ارض الحجاز ولما اخذه والده بلغ مكة اخذه على يده وطاف به بالكعبة وجعل يدعو الله ان يجعله عالما عاملا. قيل فكان هذا من اسباب ما اوتي من البركة والتوفيق ولذلك قال الصفدي رحمه الله في ذلك المعنى ان والده سئل فقال سألت الله تعالى في الملتزم ان يجعله فقيها عالما فكان كذلك. قال الصفدي ومن عند الطواف بخير بيت غدا يدعو ابوه له هنالك بان يمتاز في عمل وعلم فقل لي كيف لا يأتيك ذلك فاتاه الله عز وجل ما سأل بما صدق به فيما يحسب والله حسيبه. نشأ محمد بن علي رحمه الله في بيت علم ودين والده ابو الحسن علي شيخ الصعيد في المذهب المالكي وقد اخذ عنه المذهب عامة المالكية في منطقة الصعيد بمصر. فكان شيخ البلد فنشأ الولد في كنف اب فقيه عالم تتغذى من علمه وتربى في حجره وتضلع حتى اتقن فقه المالكية. جده لامه تقي الدين مظهر ابن عبدالله الملقب بالمقترح على اسم كتاب مقترح في البلاغة لشدة اتقانه اياه. اخذ المذهب عن والده واخذ المذهب الشافعي عن احد تلامذة وهو القاضي بهاء الدين هبة الله القفطي رحمه الله. ثم ارتحل ارتحل الى العراق واتى الحجاز وحج. ورجع رحمه الله لكنه لما اتى العراق التقى بثلة من اهل العلم فاخذ عنهم وكان من اكابر العلماء الذين تخرج بهم ابو الفتح محمد بن علي ابن دقيق العيد هو العز ابن عبد السلام الشافعي رحمه الله. لقيه في القاهرة فتخرج به وانتفع به كثيرا وقيل ان ابن دقيق العيد هو الذي اطلق لقب سلطان العلماء على العز بن عبدالسلام فانتشر ايضا وذاع واشتهر ولم يكن يعرف والعز بن عبد السلام بذلك الا من تلميذه ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى. قال السبكي في الطبقات تفقه بقوص. قوص هي البلدة التي ولد فيها ابن دقيق العيد من ارض الصعيد وعاش فيها وتولى بها القضاء وقضى عامة عمره حتى انتقل الى القاهرة فمات بها اه من دقيقة العيد رحمه الله تعالى كان اماما نقل في ترجمته كثير من المعاني العظيمة حتى اثنى عليه العلماء والفضلاء قبله واثناء حياته وبعده كان رحمه الله تقيا وريعا عرف بكثرة المحاسبة يقول عن نفسه ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلا الا واعددت لها جوابا بين يدي الله عز وجل قال تلميذه ابو الفتح ابن سيد الناس ولو شاء العاد ان يحصر كلماته لحصرها يقول القرافي رحمه الله وهو ايضا ممن صحبه وتأثر به قال اقام الشيخ تقي الدين يقصد ابن دقيق العيد اربعين سنة لا ينام الا انه كان اذا صلى الصبح اضطجع على جنبه الى حيث يتضحى النهار يعني ترتفع الشمس ويقول السبكي كان دأبه في الليل علما وعبادة. فامر عجاب ربما استوعب الليلة يطالع فيها المجلد او المجلدين. وربما تلى اية واحدة فكررها الى مطلع الفجر استمع له بعض اصحابه ليلة وهو يقرأ فوصل الى قوله تعالى فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا سائلون قال فما زال يكررها الى مطلع الفجر وقال الاسناوي في وصفه هو التقي لقبا ونعتا يعني لما يقال في لقبه تقي الدين قال وليس مجرد لقب هو لقب وصفة حقيقية في شأنه. قال هو التقي لقبا ونعتا والولي ان يؤسمة وسمتا عرف رحمه الله تعالى بهذا الامر واشتهر عنه الورع وكثرة العبادة. واذا ما اتينا الى مثل هذا يا اخوة في سير العلماء والائمة الفضلاء ومن ابقى الله عز وجل ذكرهم وحسن اثرهم وامتداد علمهم فاعلموا تماما انه درس نتلقى ما هو لا امامة في العلم يبلغها صاحبها الا بقدم راسخ في التدين والعبودية لله مخطئ من ظن انفكاك الامر ارني في الامة عالما ليس له في قدم العبودية والتأله امامة راسخة فتش كل الائمة الكبار ابو حنيفة ما لك الشافعي احمد كلهم ستجد في ذكر قيام الليل والاقبال على القرآن وكثرة الصوم والتعبد فاذا قرأت سيرتهم في العبادة حسبتهم عبادا منقطعين في الصوامع لا شأن لهم بحياة الناس ولا حظ لهم في العلم لكن اعلم رعاك الله ان ذلك الضلع الراسخ في العبودية والتذلل والقيام بين يدي الله والافتقار هو الذي اورثهم الامامة كانوا اولياء والولاية علم وعمل العلم هو التفقه والتبحر والعمل هو ذلك الذي ينعكس اثره على حياة صاحب العلم وكان دقيق العيد رحمه الله احد هؤلاء الكبار مع ما اوتي من خلق كريم. ومن ذلك ادبه الجم رحمه الله مع اقرانه من اهل العلم من كان في عصره ومن تقدمه تجد ذلك جليا في اعترافه بالفضل لصاحبه والثناء عليه بما يليق وهذا خلق يدور به الود والمحبة كما انه دلالة ايضا على التواضع وكرم النفس بما لا يخفى على المتبصر. اجتمع رحمه الله بشيخ الاسلام بابن تيمية مرة وهو من اقرانه سنا وعلما فقال وقد لقي شيخ الاسلام ابن تيمية قال رأيت رجلا كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد ان رأيت قرينا من العلماء عادة يثني على قرينه بمثل هذا هذا الحقيقة لا يبلغه الا من تجرد وصفت نفسه واخلص في تعامله مع ربه ومع الخلق من حوله. كان اذا خاطب عالما او احد الفضلاء لا يناديه الا بقوله يا فقيه ان كان قاضيا او عالما من اهل البلد من حوله. كان رحمه الله ايضا شديد البر باصحابه. حتى بعد وفاتهم ومن ذلك آآ لما قال آآ يعني بعضهم من ترجم له ونقلوا في ذلك عدة من المواقف التي تدل على ذلك. بلغ ابن دقيق العيد رحمه الله درجة عظمى في الاجتهاد والعلم حتى انه قال ابن دقيق العيد عن نفسه وافق اجتهادي اجتهاد الشافعي الا في مسألتين احداهما ان الابن لا يزوج امه يعني لا يكون وليا لها في النكاح. والاخرى قال بياض في النسخة ما قرأ ما كتب رحمه الله. قال صفدي معلقا وحسبك بمن يتنزل ذهنه على ذهن الشافعين ولهذا فان الشيخ رحمه الله بن دقيق العيد لما بلغ تلك الامامة انشد بعضهم في ذكر ما بلغه من الامامة والرسوخ في العلم بيتين جميلين في حق ابن دقيق العيد قال صبا للعلم صبا في صباه فاعل بهمة الصب الصبي واتقن واتقن والشباب له لباس ادلة مالك والشافعي كان رحمه الله تعالى اية في علمه وزهده وورعه. تولى القضاء سنين وعزل نفسه غير مرة. ثم يسأل العودة الى ذلك فيعاب. كان يقول رحمه الله والله ما خار الله لمن بلي بالقضاء. يعني ليست خيرة لمن يبتلى بالقضاء. وكان ذات مرة ايضا رحمه الله تعالى يقول لبعض اصحابه قال يا فقيه لو لم يكن الا طول الوقوف للسؤال والحساب لكفى. يعني من اثر القضاء وشدة وقعه دخل عليه بعض اصحابه يوما فرآه حزينا شديد التفكير فسأله قال يا فلان من اراد الله له بالقضاء لم يرد له بالخير وكان رحمه الله محمود السيرة مشكورا الطريقة وله في ذلك ايضا اثر حميد في ولايته للقضاء رحمة الله عليه. يذكر في ترجمة من دقيق العيد وهذه تذكر وايضا للاعتبار انه رحمه الله مع شدة علمه وورعه ابتلي رحمه الله بشيء من الوسواس غلب عليه في امر المياه والطهارة والنجاسة يقول تلميذه يقول تلميذه التجيبي وكان رحمه الله قد التزم التشديد والتضييق على نفسه في العبادات وبالغ في ذلك حتى ربما افضى به الامر الى وسواس يعتريه في خاصة نفسه ولا يفتي به الناس فتلحقه به مشقة عظيمة وهذا ايضا من الفقه يعني ربما غلبه الوسواس لكنه لا يفتي به غيره انما هو شيء ابتلي به فكان في حقه وقال ايضا ولقد غلب عليه هذا الامر في كثير من حاله فلا يكاد يمس ثوبه ثوب غيره لفرط تحفظه وحتى هذا يذكر عن يعني بعض كبار العلماء يعني ومن اشهر من يذكر في ذلك الامام ابو اسحاق الشيرازي شيخ الشافعية في عصره بلا منازع رحمه الله وكان ايضا ممن ابتلي في الوسواس في الطهارة يقال هذا ايضا لتدرك ان مسألة الوسوسة لا شأن لها بالعلم ربما يبتلى بها العالم انما يجد المرء اولا عظيم اثر نعمة الله عليه بالعافية فيحمد الله ويعلم ثانيا ان هذا الابتلاء ان وقع لبعض من حوله فانما هو قدر يريد الله عز وجل به بعض عباده لحكمة يعلمها ولهذا قال الذهبي رحمه الله اه هو كان في امر الطهارة والمياه في نهاية الوسوسة رضي الله عنه ومن القصص في ذلك التي تذكر في ترجمته انه رحمه الله تعالى اتى اليه السلطان حسام الدين وهو احد سلطان المماليك انذاك وكان قد اتى اليه يريد منه مسألة العودة للقضاء بعدما عزل نفسه في في احدى المرات ومواكب السلطان عادة تكون آآ محفوفة بالابهة والحرس والحشم فاتى اليه فنودي رحمه الله الى القيام اليه والقاضي او السلطان حاضر عنده وقد جلس على مجلسه الفاخر فاتى ابن دقيق العيد وجعل يمشي بتؤدة فقال له قائل السلطان واقف فلا تتأخر فقال باللهجة الصعيدية اديني امشي يعني ما انا ماشي اهو فلا تكثر عليه ومشى رحمه الله بوقاره وتؤدته وسكينته حتى اتى فلما بلغ مجلس السلطان وهو جالس على طراحة جوخ الى اليوم اهل مكة يسمونه طراح اي الفراش الذي يطرح فيجلس عليه والجوخ هو نوع من النسيج المتين من الصوف فجلس معه عليها وقضى حاجته وانتهى من شغله وعاد الى بيته فنزع كل ما عليه وغسله فقالوا له يا سيدي لا كنت جلست عليها يعني من الاساس انت لو جلست مقابله حتى ما تحتاج الى خلع ثيابك هو كان من الوسوسة اذا جالس احدا فمس ثوبه ثوب فسخ ثوبه فغسله فاعاد لبسه فقالوا لو احتضت لذلك فما جلست بجواري فقال فكرت ان جلست دونه اكون اهنت منصب الشرع وهو امر ما يزول. فجلست معه وغسلت ما علي فزال فجعل يقارن ويوازن بين المصالح والمفاسد حتى في مثل هذا الموقف العابر رحمه الله تعالى. اوتي رحمه الله عز وجل امامة عظيمة في الدين ورزق ايضا التفقه على بعض من سمعت من كبار شيوخ اهل عصره ومن تلامذته الكبار الامام ابو الفتح محمد بن سيد الناس اليعمري المتوفى سنة سبع مئة واربع وثلاثين. الامام الذهبي شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان. رحمه الله تعالى. قال من لفظه عشرين حديثا واملى علينا حديثا. الحافظ الامام المزدي جمال الدين يوسف اه بن عبدالرحمن المتوفى سنة سبع مئة واثنين واربعين. قطب الدين عبد الكريم الحلبي الحنفي كذلك من تلاميذه وعدد كبير من الائمة رحمة الله عليهم جميعا ولتسمع رعاك الله طرفا من ثناء العلماء على هذا الامام العلم. اثنى عليه اكابر العلماء ممن درس عليه او وبترجمته ومن اجلهم تلميذه الاذفوي فانه تكلم عنه فقال عنه التقي ذاتا ونعتا والسالك الطريق الذي لا فيه ولا امتى والمحرز من صفات الفضل فنونا مختلفة وانواعا شتى. والمتحلي بالحالتين الحسنيين صمتا وسمت الشيخ الامام علامة العلماء الاعلام وراوية فنون الجاهلية وعلوم الاسلام ذو العلوم الشرعية والفظائل العقلية والفنون الادبية والباع الواسع في استنباط المسائل والاجوبة الشافية لكل سائل الى ان قال ان عرضت الشبهات اذهب ذهنه ما عرض او اعترظت المشكلات اصاب شاكلتها بسهم فهمه فاصاب الغرض. ان خطب اسهب في البلاغة واطنب في راعى او كتب فوحى الكلام ينزل على اليراعى فلله دره اذا ارتفع لنفسه وان كان له من ابوابه ما يقتضي الارتفاع وعلى على ابناء جنسه فكان من رفعة المنزلة في المكان اليفاع. ثم ذكر اجتهاده في التفسير والفقه وسائر العلوم قال تمسك من التقوى بالنسب الاقوى وقام بوظيفة التحقيق والتدقيق التي لا يطيقها غيره من اهل زمنه ولا عليها يقوى مع ترك مباهاتي بما عليه من الفضائل والسلامة من الدعوة. حتى قال بعض الفضلاء من مائة سنة ما رأى الناس مثله. ولهذا يعده عدد من اهل العلم انه مجدد المئة السابعة على حديث ان الله يبعث لهذه الامة كل مائة سنة من يجدد لها امر دينها ترمدة ترجم له ايضا ابن سيد الناس فقال لم ارى مثله فيمن رأيت. ولا حملت على اجل منه فيما رأيت ورويت. وكان للعلوم جامعة وفي فنونها بارعا مقدما في معرفة علل الحديث على اقرانه. منفردا بهذا الفن النفيس في زمانه. بصيرا بذلك شديد النظر في تلك المسالك باذكى المعية واذكى لوذعية لا يشق له غبار. ولا يجري معه في ولا يجري معه سواه في مضمار اذا قال لم يترك مقالا لقائل مصيب ولم يثن اللسان على هجري قال ايضا وكان حسن الاستنباط للاحكام والمعاني من السنة والكتاب. قال ايضا الشيخ عز الدين بن عبدالسلام وهو شيخه قال كلمة تعد مفخرة ومنقبة لتلميذه ابن دقيق العين. قال ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن المنير في الاسكندرية وبن دقيق العيد بقوس حسبك هذا الثناء من شيخه العز ابن عبد السلام رحمه الله وقال ايضا تلميذه التجيبي جمع مع ذلك كثرة الهيبة ووقار الشيبة وحسن الهدي والسمت والاقبال على الكتب والتصنيف مع الدين والورع الفائق حتى بلغ في ذلك الغاية وحاز فيه النهاية. قال الذهبي كان من اذكياء زمانه واسع العلم كثير الكتب مديما للسهر منكبا على الاشتغال ساكنا وقورا ورعا. قل ان ترى العيون مثله هذا الذهبي وقد ادرك الائمة الكبار الحافظ المجزي وشيخ الاسلام ابن تيمية والتاج السبكي قال له يد طولى في الاصول والمعقول وخبرة بعلل المنقول ويطول الامر في ذكر اوصافه وثناء العلماء كقول عماد الدين ابن الاثير بانه واحد عصره وفريد دهره واسطة عقد الفضائل ملحق الاواخر بالاوائل. قال الصفدي كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذا كلام الصفدي يقول كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية احد الثلاثة الذين فاق النظراء والامثال واتصف من المحاسن بما تظرب به الامثال يقول الصفدي كان الشيخ تقي الدين ابن تيمية احد الثلاثة الذين عاصرتهم ولم يكن في الزمان مثلهم بل ولا قبلهم من مئة سنة وكل من الثلاثة كان يلقب بتقي الدين قال هم الشيخ تقي الدين ابن تيمية والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد ومن الثالث نعم. قال وشيخنا العلامة تقي الدين السبكي قال الصفدي وقلت في ذلك ثلاثة ليس لهم رابع. فلا تكن من في شكي وكلهم منتسب للتقى يقصر عنهم وصف من يحكي. فان تشاء قلت ابن تيمية وابن العيد والسبكي وقال رحمه الله على الجملة فكان امرا غريبا قل ان ترى العيون مثله زهدا وورعا وتصميما وتحريا واجتهادا وعبادة وتوسعا في العلوم رحمه الله تعالى واثنى عليه السبكي ايضا كثيرا في الطبقات حتى قال فيه انه الحافظ الزاهد الورع الناسك المجتهد المطلق المتأخرين بحر العلم الذي لا تكدره الدلاء. يقول ابن كثير احد علماء وقته بل اجلهم واكثرهم علما ودينا وورعا وتقشفا ومداومة على العلم في ليله ونهاره. مع كبر السن والشغل بالحكم وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث. فاق فيه اقرانه وبرز على اهل زمانه. رحلت اليه الطلبة من الاثار ووقع على علمه وورعه وزهده باتفاق له اه مشاركة في الادب والشعر. ليست مشاركة اه الفقهاء المتواضعة يعني عادة اذا قيل شعر الفقهاء يضرب به المثل بل في التواضع وقلة البضاعة لكن ابن دقيق العيد كان ممن اوتي البراعة من مشهور شعره رحمه الله تعالى في في شوقه وحنينه الى مكة والحجاز والحج يقول رحمه الله يهيم قلبي طربا عندما استلمح البرق الحجازي. ويستخف الوجد قلبي وقد اصبح لي حسن الحجاريا يا اهلا يا هل اقضي حاجتي من منى وانحر البذل المهاريا من زمزم فهو لي الذ من ريق المها ريا. ومن شعره الجميل رحمه الله تمنيت ان الشيب عاجل لمتي ما اللمة نعم وفرة الشعر اذا اذا كانت الى الاذن تسمى وفرة واذا ضربت الى المنكب تسمى لمة يقول تمنيت ان الشيب عاجل لمتي وقرب مني في صبايا مزاره لاخذ من عصر الشباب نشاطه واخذ من عصر المشيب وقاره يقول فيجتمع لي وقهر الشيء ونشاط الشباب. وله ايضا شعر جميل رائق يذكر في ترجمته رحمه الله. نختم ترجمة الامام ابن دقيق العيد شيء من اثاره العلمية طرفا منها. من اجلها كتاب احكام الاحكام او شرح عمدة الاحكام الذي نتدارسه ان شاء الله. شرح الحديث النووي تكلم فيها بعبارات موجزة والكتاب مطبوع كتابه الامام في معرفة احاديث الاحكام ومن اسمه تعلم مقصود الكتاب هو جمع لاحاديث الاحكام كما صنع الحافظ عبدالغني في العمدة والحافظ ابن حجر في البلوغ والمجد لابن تيمية مثلا في المنتقى. فجمع احاديث الاحكام ليس فيها شرح ولا تفصيل. جمعا لا مثيل له. ذكر فوق مستوفاة مع الكلام على الاحاديث تصحيحا وتضعيفا وتعليلا وتخريجا ومن كتابه الامام لضخامته استخرج الكتاب الثاني الالمام فهو المام يعني اختصار وايجاز وذلك ان علماء عصره استثقلوا الكتاب لطوله وكونه الفه ليصبح مطالعة ومراجعة ولا يصلح ان يكون كتاب حفظ ودرس فانتقل الى كتاب الالمام باحاديث الاحكام. والاشتباه الاسمين ربما يخلط بعض من يجد الكتاب او ينقل في ترجمة من دقيق العيد الامام كتاب كبير والامام كتاب مختصر جمع فيه متون الاحاديث المتعلقة بالاحكام جردها عن الاسانيد. واشترط الا يورد الا حديث من وثقه امام من مزكي رواة الاخبار. وكان صحيحا على طريقة اهل الحديث والحفاظ وائمة الفقه النظار فلكل منهم مغزى اختصر الكتاب اذا من الكتاب السابق الامام. ولما انتهى من الالمام شرح الالمام بكتاب سماه شرح الايمان في احاديث الاحكام. وكان وضعه مقتضي للاتساع كما قال ومقصوده موجبا لامتداد الباع. ثم ذكر سبب عدو فيه عن ذلك الكتاب كتاب الالمام بشرح احاديث الاحكام كتاب جليل القدر. عظيم الفائدة حتى ان ابن دقيق العيد نفسه يقول انا جازم انه ما وضع في هذا الفن مثله وصدق رحمه الله وشهد له بذلك كل من قال بعده. ولهذا قال ما عمل احد مثله ولا الحافظ الضياء ولا جدي ابو البركات شرحه للايمان الذي هو شرح للمختصر من كتاب الامام ضرع في طريقة شرحه بحيث لم يسبق لها مثيل. قال عنه تلميذه الادفوي اشتمل هذا الكتاب من الفوائد النقلية والقواعد العقلية والانواع الادبية والنكت الخلافية والمباحث المنطقية واللطائف البيانية والمواد اللغوية والعلوم الحديثية واللمح التاريخية والاشارات الصوفية ما يشهد له بفضله ويحكم له بعلو منزلته في العلم ويقصد بذلك انه جمع بين الرقائق والزهد والعلم واللغة والادب وما الى ذلك. الكتاب لم يتم اكمل تسويده وبيض منه قطعة. يقول الصفدي لو كمل لم يكن في الاسلام مثله وكان يجيء في خمسة وعشرين مجلدة. ويقول الذهبي نقلا عن قطب الدين الحلبي وشرح بعض الالمام شرحا عظيما وقال الحافظ ابن حجر في هذا الجزء من الشرح الذي لم يكتمل قال وصنف الالمام وشرع في شرحه فخرج منه احاديث يسيرة في مجلدين اتى فيهما بالعجائب الدالة على سعة ذاكرته خصوصا في الاستنباط ويخلط كثير ممن يترجم له بين كتابه الالمام وكتاب الامام. وقد علمت الفرق بينهما وشرحه رحمه الله تعالى كتابه آآ ايضا من كتبه رحمه الله له كتب في الادب كلام العلماء ووسائل الفنون وله فيها مشاركات في مختلف في المراتب رحمه الله تعالى آآ من مزايا كتابنا الذي نتدارسه نشرع في قراءته بدءا من الاسبوع المقبل ان شاء الله تعالى انه يعتني بما تقدم في البدء بالحديث وراويه ثم ينتقل الى الفوائد المتعلقة به. من طريقته رحمه الله يذكر الوجوه. يقول الحديث مشتمل على اه مسائل او الكلام عليه من وجوه ويعددها تباعا ويضع لها ارقاما ويشرح الحديث ويعرض الفوائد اصولية او فقهية او حديثا ثم يذكر اختياره من مميزات الكتاب الترتيب فانه منهجي مرتب لا يتعب فيه قارئه. من مزايا الكتاب تعظيم هو تقديمه للنص الشرعي وهذا مما يستلهمه طالب العلم من صنيع الائمة الكبار كابن دقيق العيد. فمثلا ذكر في موضع بعض كلام اهل العلم فقال ان هذه المعاني المستنبطة اذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة فليست بذلك الامر القوي فاذا وقعت فيها الاحتمالات فالصواب اتباع النص وقال في موضع اخر وللفضائل والمصالح مراتب لا يحيط بها البشر فالواجب اتباع النص فيها. في اكثر من موضع يقول رحمه الله الواجب اتباع النص تعظيما وتربية لطلابه وقارئ كتبه على هذا الامر العظيم. قال مثل مرة اه وقولهم في حديث انأكل من لحم الصيد ونحن محرمون فيما ورده في كتاب المناسك قال ورجوع الصحابة الى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في سؤالهم دليل على امرين احدهما جواز الاجتهاد في زمنه عليه الصلاة والسلام فانهم اكلوه باجتهاد والثاني وجوب الرجوع الى النصوص عند تعارض الاشياء والاحتمالات. وهكذا من مزايا الكتاب كما تقدم ادبه الجم في نقد من تقدمه من العلماء. فانه يقول قال بعض الفضلاء ولبعض اهل العلم كذا وهذا من آآ حتى لما مثلا يحكم بالخطأ يقول وسهى بعض الفضلاء ولما ظهر لبعض الفضلاء متأخرين من المالكية كذا فيورد الكلام بالغ الادب والاحترام. من مزايا كلامي رحمه الله التمحيص لما ينقله من كلام العلماء ولا يكتفي بمجرد النقل بل يفندها ليطمئن انها على اتساق وانها تستقيم على طريقة اهل العلم وقواعدهم وايضا كان رحمه الله تعالى من في في حرصه على ايراد المسائل والقواعد الاصولية وهو صلب الكتاب وجوهره الذي من اجله كان اختيارا الكتاب لنا درسا بعون الله تعالى وهذا كثير جدا يقول هذا الخلاف ينبني على مسألة اصولية مشكلة وهو اذا ما تعارض نصاب كل واحد منهما بالنسبة الى الاخر عام من وجه خاص من وجه ثم شرع يبين صور التعارض بين النصين عموما وخصوصا. قال في موضع اخر ويتعلق بالحديث مسألة اصولية ان الامر ان الامر بالامر بالشيء هل هو امر بذلك الشيء ام لا لما قال لعمر في بعض طرق الحديث مره فامره بامره. قال وعلى كل حال فلا ينبغي ان يتردد في اقتضاء ذلك الطلب الى اخر ما قال رحمه الله وهو كثير في كتابه جزالة اللفظ ودقة العبارة سمة بارزة في الكتاب بل انها من دقتها تحتاج الى شرح في بعض المواضع هذا وهو يمليه املاء رحمه الله والكاتب يكتب خلفه. لكنه كما قال يعني كل من ترجم له انه رحمه الله الله تعالى اوتي في ذلك الامامة في التصنيف وفي آآ تعليم العلم. الحرص على افادة طالب العلم وتفهيمه وتجلت فيه عبارات لابن دقيق العيد في غير ما موضع حتى يحرص على افهام مراده. كقوله اما السياق والقرائن فانها الدالة على مراد المتكلم من كلامه وهو رحمه الله حريص على تقرير ذلك اعتنى العلماء بكتابه اه الى وقتنا الحاضر هذا فاقيمت عليه الدراسات المعاصرة وحسبك ان رسالتين من رسائل الماجستير احداهما في الجزائر والثانية في مكة في جامعة ام القرى كانت بعنوان القواعد الاصولية للامام ابن دقيق العيد من خلال كتابه الاحكام في شرح احاديث الاحكام اما التي في الجزائر فللباحث الشيخ محمد بوزيان رسالة للماجستير. واما التي في جامعة ام القرى فلشيخ الاستاذ الدكتور خالد العروسي. كانت رسالة له للماجستير غير كذلك وهناك رسائل اخرى استنبطت منها القواعد الفقهية من كتاب الاحكام. واخرى اقامت عليها الدراسات لدلالات الالفاظ. ذلك ان الكتاب كم لعلم الاصول بالقواعد مع وفرة التطبيق عليها. هذا ايجاز مختصر شديد الاختصار فيما يتعلق بشأن الكتاب ومصنفه الامام ابي الفتح محمد ابن علي ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى رحمة واسعة. وسنشرع في قراءة الدرس بدءا من الاسبوع المقبل ان شاء الله تعالى على ان تكون الطريقة انا نقرأ كلام الامام ابن دقيق العيد رحمه الله مع بيان للقواعد التي اليها او يتطرق اليها واذا احتاج الامر كانت تجرية لتلك القاعدة في كلام الاصوليين ليفهم مراده رحمه الله من تلك الاشارة واذا انتهينا من شرحه على الحديث والقواعد التي تتصل بها نفسح في نهاية كل حديث في المجلس نفسه او في مجلس اخر مجالا لمشاركة الطلاب في استنباط ما يمكن تطبيقه من قواعد الوصول على ذلك الحديث اعمالا بما يتعلمه فتكون تعليما وتدريبا وممارسة خصوصا الصيغ التي تكثر ويكثر دورانها في النصوص كصيغ العموم والخصوص والامر والنهي التي لا يكاد يخلو منها نص من نصوص الشريعة فانها اما امر او نهي. بما انها احاديث واحكام والاحكام التكليفية قائمة على الامر والنهي ومتعلق الامر والنهي سيكون من تلك الدلالات في الالفاظ عموما وخصوصا او اطلاقا وتقييدا او بيانا واجمالا وسائر ما يأتي هنالك ان شاء الله تعالى نسأل الله جل وعلا ان يكون مجلسنا هذا افتتاحا مباركا لدرس نسأل الله عز وجل ان يكون حافلا بالخير والنفع والعلم والبركة. وان يكون عونا لنا على مزيد من العلم وتحصيله والفهم والادراك وان يرزقنا جل جلاله فيه الاخلاص والتوفيق وان يجعلنا من خيرة عباده الصالحين وحزبه المفلحين واولياءه المتقين. اللهم بل انما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء يا حي يا قيوم ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم وتب علينا انك انت التواب الرحيم. وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين كل شيء في الحرم المكي يدعو للشوق ومن ذلك دروس الحرم العلمية وكراسي العلماء. فماذا لو قربنا لك كهذه المجالس لتعيش في رحابها وانت في بيتك. على قناة التوجيه والارشاد الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي تستطيع ان تكون احد حضور مجالس العلم في المسجد الحرام مباشرة ولحظة بلحظة. حيث يمكنك حضور المجلس ومتابعة الدرس واخذ العلم عن اهله وكأنك هناك. للمتابعة اشترك الان