بسم الله الرحمن الرحيم. يسر الادارة العامة للتوجيه والارشاد بالمسجد الحرام. ان تقدم لكم الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما القسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. دروس من الحرم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فما يزال مجلسنا هذا ايها الكرام وحجاج بيت الله الحرام في اعقاب الحج نقلب فيه صفحات من فضائل ما اكرم الله تعالى به هذا البلد الحرام. وما اعده سبحانه وتعالى لقاصديه من والفضائل والاكرام. تقدم بكم في مجلس البارحة جملة من خصائص بيت الله الحرام وبلده الامين وكعبته المعظمة. ذلك ان هذا بلد احبه الله واحبه رسوله عليه الصلاة والسلام. وجعل الله فيه من خصال الفضل والاكرام ما ليس لغيره من البلاد. جملة من الخصائص التي مرت بكم في مجلس البارحة مثل ان الله عز وجل عظم هذا البلد لما اقسم به في في كتابه الكريم وان الله سبحانه جعل تحريم هذا البلد تحريما الهيا ازليا قديما ثم هو ابدي الى قيام الساعة ومنها كذلك ما حبى الله تعالى به هذا البلد من كونه مأرز الايمان وكونه محفوظا من الدجال اخر الزمان وكونه محل دعوة ابراهيم الخليل عليه السلام وكون هذا البلد الحرام ايضا كتب الله فيه مضاعفة اجر الصلاة الا ما ختمنا به الحديث من ذكر ما يتعلق بالالحاد في الحرم وتحريمه وان ذاك يشمل الكفر بالله جل جلاله عياذا بالله ويشمل ايضا التعدي على حقوق الخلق وايذائهم بظلم او عدوان الى سائر ما يتعلق بحقوق الله من التعدي عليها وتجاوز حد الحلال الى الحرام فان كل ذلك داخل في جملة الالحاد في اقوال اهل العلم هذا المجلس نتبع فيهما نستكمل الحديث به عن فضائل هذا البلد الحرام وما خصه الله عز وجل به من خصائص الاجلال والاكرام. احبتي الكرام تلك الخصال التي سبقت يضاف اليها ما سيلحق الليلة. من خصائص هذا البلد ومن فضائله وحديثنا عنها يا كرام من اجل ان تتهيأ النفوس في جوار هذا البيت الحرام ان تتهيأ لمزيد من التعظيم اللائق بهذا البيت العظيم. فان من اكرمه الله واتى به واوفده. الى هذا البلد الحرام في عمرة او في حج او في صلاة وقيام واعتكاف وما الى ذلك من مقاصد اتيان هذا البلد الحرام فان حق احدنا اذا اكرمه الله وبتلك الكرامة ان يدرك تماما حق هذا البلد العظيم من التعظيم. وان يملأ صدره معرفة وعلما وان يملأ قلبه وعقله تعظيما لهذا البيت العظيم. فان ذلك يعينه على مزيد من الادب على مزيد من التعظيم على مزيد من توظيف الوقت الوقت الذي يقضيه في جوار بيت رب العالمين فيملؤه طاعة واحسانا وبرا وخيرا من خصائص هذا البلد ايها الكرام اضافة الى ما سبق ان الله جل جلاله جعل الاعتداء على الدماء في هذا البلد اشد تحريما من غيره تحريم القتال تحريم سفك الدماء بمكة وتحريم حمل السلاح بها كل ذلك اظفاء لامن هذا البلد. وتقدم بكم البارحة ان الله عز وجل وصف هذا البلد فقال وهذا البلد الابي وقال سبحانه ومن دخله كان امنا. ودعوة الخليل ابراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد امنا كل ذلك تأكيد على الامن والامان الذي يحظى به هذا البيت الحرام وهذه البقعة من بلاد الدنيا حتى صارت منة يمتن الله تعالى بها على الامة الى قيام الساعة. اولم يروا انا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حوله فامان هذا البلد امان الهي. تبذل فيه الاسباب البشرية نعم. لكن الله سبحانه وتعالى كتب له الامان وجعل له مؤمنا معظما وهذا لا يتنافى يا كرام. مع ما تعرض له البلد الحرام عبر التاريخ. من مراحل كان فيها اعتداء على البلد الحرام وسفك للدماء فان ذاك اجرام وصاحبه واقع في عظيم من التحريم الذي دلت عليه توصوا الشريعة وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من ارضنا. او لم نمكن لهم حرما امنا يجبى اليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن اكثرهم لا يعلمون. النبي عليه الصلاة والسلام دخل مكة فاتحا سنة ثمان للهجرة وهو يدخلها يعلن في الامة الى قيام الساعة بقوله ان هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض ولم يحرمه الناس ثم يدلهم عليه الصلاة والسلام على ما تنتفي به الشبهة. فقال فان ترخص احد بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لو استدل احد في زمن من الازمان بحمل السلاح في مكة ان استدل بدخول النبي صلى الله عليه سلم مكة فاتحا يحمل السلاح هو واصحابه قال فان ترخص احد بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا ان الله اذن لنبيه ولم يأذن لاحد وانما اذن لي ساعة من نهار قال عليه الصلاة والسلام وقد عادت اليوم كحرمتها بالامس فكان هذا ظرفا استثنائيا ثم انظر كيف فعل عليه الصلاة والسلام لما دخل مكة وهو يدخلها فاتحا وبامر الله انما حمل السلاح وامر اصحابه الا يقاتلوا الا من ابتدأ بقتال والا يرفعوا السلاح في وجه احد الا من حمل وابتدأ العدوان كل ذلك تأكيدا لحرمة هذا البلد الحرام. اما دخل عليه الصلاة والسلام مكة فاتحا سنة ثمان لهجرة يفتح منتصرا وهو يبذل الامان لتأمين هذا البلد فيقول عليه الصلاة والسلام من دخل المسجد الحرام هو امن ومن اغلق داره بابه دونه فهو امن ومن دخل دار ابي سفيان فهو امن. لم يكن يريد عليه الصلاة والسلام اراقة من الدماء مع ان دماء من؟ دماء كفار محاربين صدوا عن سبيل الله اكثر من عشرين سنة. وابتدأوه بالقتال مرارا لكنه عليه الصلاة والسلام يرعى حرمة هذا البلد وتعظيمه العظيم في كتاب الله فدل الامة على ما يجب عليهم من ذلك المعنى يقول الامام القرطبي رحمه الله في حديثه عن مكة وحرمتها يقول انها لم تزل حرما من ابابرة المتسلطين ومن الخسوف والزلازل وسائر المثلات التي تحل بالبلاد. وجعل في النفوس المتمردة من تعظيمها والهيبة لها ما صار بها اهلها متميزين بالامن من غيرهم من اهل القرى نهى نبيكم صلى الله عليه وسلم يا قوم عن حمل السلاح بمكة كما اخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لاحد ان يحمل بمكة السلاح لا يحل لاحدكم ان يحمل بمكة السلاح تأكيدا لعظيم حرمتها وقد بوب امام النووي رحمه الله على الحديث بقوله هذا باب يدل على تحريم حمل السلاح مكة بمكة لغير ظرورة قال شراح الحديث فاذا دعت الضرورة الى حمل السلاح كما يفعل رجال الامن اليوم فانهم يحملونها تهيؤا لعدوان لا قدر الله وفرضا للهيبة على نفوس المتمردين الذين ربما يسول لهم الشيطان شيئا من الاذى اعي الرعب في قلوب قاصدي هذا البيت الحرام. والا فامن هذا البلد امن الهي عظيم كريم يقول الله سبحانه ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه. فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين هذه اية يا كرام تتنزل في زمن الدعوة وفي زمن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام في الزمن الذي كان فيه القتال سجالا بين اهل الاسلام واهل الكفر. وكانت مكة انذاك تحت قريش وسلطانها وهم اهل كفر وصد وعدوان عن سبيل الله. ومع ذلك فيأمر الله بالكف عن القتال تعظيما لحرمة هذا البلد يقول ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه. هذه خصلة يا احبة من خصال هذا البلد الحرام كونه امنا على الدوام في كتاب الله الكريم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن خصال هذا البلد الحرام ومن فضائله واحكامه تحريم دخول الكفار والمشركين بمكة. يقول الله جل جلاله يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا هذا النهي الالهي عن ان يقرب اهل الكفر والشرك مكة بلد الله الحرام. تعظيما لما فيها من اصل الايمان. وبناء بيت الله الحرام وكعبة المسلمين التي يتجهون اليها في الصلاة وفي الدعاء. تعظيم هذا البلد بابقائه نزيها عندنا الشرك ورجس الوثنية والكفر بالله. انما المشركون نجس. والنجاسة ها هنا معنوية وليست حسية وبالتالي فان المؤمن لا ينجز كما قال عليه الصلاة والسلام. تحريم دخول الكفار مكة. والتعبير عن ذلك المسجد الحرام للدلالة على مكة كلها. فان مكة كلها حرم. وتقدم بكم البارحة ان الصلاة في انحاء مكة داخل حدود الحرم تحصل به اجر المضاعفة للصلاة. هذا النهي الالهي. جاء مؤكدا بنهي النبي عليه الصلاة السلام فانه فتح مكة سكن ثمان للهجرة ولم يحج الا سنة عشر من الهجرة. وفي السنة التاسعة وقد فرض الحج الى بيت الله الحرام. ارسل ابا بكر الصديق رضي الله عنه اميرا على الحج وبعثه فقاد المناسك وام الناس واتى الى بيت الله الحرام ووقف بالمشاعر العظام كان ارسال ابي بكر رضي الله عنه اميرا على الحج لتحقيق مقاصد عظمى من بينها ما امره ان ينادى به بين الناس في في عرفات ومنى وفي المسجد الحرام بقوله الا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فكانت اغلاقا لباب عظيم. وهو باب الكفر والشرك بالله في رحاب البلد الحرام. وكانت ايضا عظيمة رفعت منذ ذلك اليوم والى قيام الساعة. ان يبقى بيت الله الحرام وان تبقى مكة ام القرى قبلة للتوحيد ورمزا لصفاء العقيدة وابقاء للتعلق الاوحد برب الكون سبحانه وتعالى. ها هنا تلوح هذه العظام لكل من اتى يحج بيت الله الحرام. ان ينزع من قلبه مثقال ذرة ان وجد من تعلق بغير الله. واعتقاد نفع او ضر بيد احد من المخلوقين. والظن ان احدا من خلق الله يملك التصرف في ملكوت الله. بني هذا على التوحيد وكل عبادة ارتبطت بهذا البيت بنيت على التوحيد الخالص. فلا الصلاة تجاه الكعبة ولا ولا الطواف بها ولا الحج الى بيت الله الحرام الا تحقيق لهذه المعاني الكبار. معنى التوحيد والتنزيه لهذه البقعة عن ان بدنس الكفر ورجس الشرك والعياذ بالله. هذا يا كرام من تمام تعظيم هذا البلد الحرام. الا فلتعلموا ان من اعظم التعظيم لهذا البيت الحرام الا يدخله الكفار والمشركون. اجل ومن تمام التعظيم الا يفد مسلم شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي قلبه شيء من شبه بتعلق المشركين لغير الله نعم فبعض المسلمين رغم ايمانهم وشهادتهم بشهادة التوحيد الا ان قلوبا قد احتوتها شياطين فتعلقت بغير الله. اتيان السحرة والكهان. والتقرب لهم بشيء مما يطلبون من الذبح باسم الجاد كذلك الطواف حول القبور او اتيان العتبات والاضرحة والذبح عندها والنذر لها والتصدق من اجلها. اعتقاد ان بعض البشر نبيا كان اوليا بلغ درجة من الصلاح يكشف له بها صفحات الغيب. واعتقاد ان احدا من البشر يمكن ان يكون واسطة بين العبد وبين ربه فتبذل له الدعوات ويتقرب اليه. كل ذلك يا كرام من ضعف التوحيد الذي يشوب قلوب بعض المسلمين. ها هنا ينبغي ان نعلم ان من تعظيم الله جل جلاله تعظيم هذا البيت. ومن تمام تعظيم هذا البيت وصدق ما يحمله القلب المؤمن الوافد الى بيت الله الحرام. ابقاء معنى التعلق بالله وحده. وافراده سبحانه بالالتجاء بالاستعانة بالاستغاثة بالدعاء بطلب الحوائج بتفريج الكربات وما عدا ذلك فلا ان يبقى في قلب مسلم هذا بيت عظيم. عظمه الله سبحانه وتعالى وقطع عنه دابر كل توجه يقصد فيه غير الله تدري لما منع المشركون من دخول المسجد الحرام؟ من اتيان مكة لانه لا يليق بصفاء هذا البلد وعظيم توحيد لله تعالى فيه ان يدخله بشر يأتي الى رب البيت وقلبه متعلق بغير الرب سبحانه. وان يتجه فؤاده وفكره الى غير الله طرفة عين. هذا لا يليق به ان يكون بجوار بيت رب الارباب وبيت رب العالمين مدبر الكون وخالق الارض والسماء. الا فلتعي القلوب المؤمنة التي قدمت تحج او تعتمر او تطوف او تجاور ببيت الله الحرام انها احرى بهذا المعنى الكبير العظيم وهو تعظيم الله سبحانه وتعالى بتعظيم به وافراده بهذا المعتقد العظيم الصافي النقيب احبتي الكرام وقد تجاوزنا عشرة من خصائص هذا البلد وفضائله العظام في مجلس اليوم والبارحة فانا نضيف الى ذلك من معنى تحريم هذا وكونه محرما كما قال عليه الصلاة والسلام. ان هذا بلد حرمه الله. يوم خلق السماوات والارض. ما الذي حرم فيه حرم فيه القتل واراقة الدماء كما تقدم قبل قليل. وحرم فيه ايضا ثلاثة اشياء اخر اولها تحريم الصيد ان يصاد بمكة وثانيها تحريم النبات ان يقتطع بمكة وثالثها تحريم اللقطة الساقطة على ارض مكة. وهاكم اياها تفصيلا كما جاء في حديث الصحيحين وغيرها من كتب السنة. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين يقصد عام الفتح. وانها لن تحل لاحد كان قبلي وانما احلت لي ساعة من نهار وانها لن تحل لاحد بعدي. قال عليه الصلاة والسلام فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا لمنشد. يعني باحث عن صاحبها او معرف ابحثوا عن صاحبها. هذا الحديث بهذه الجمل المتتابعة بينت معالم التحريم لحرمة مكة. ومن ثم اصبحت مكة بلدا حراما. هذا التحريم بهذا المعنى يقوم به المسلم ليثبت تعظيمه لارض مكة هذا البلد الحرام كما اراده الله جل جلاله. اول هذه الخصال الثلاثة بعد ان مضى تحريم القتال بها. تحريم تنفير الصيد بمكة. سمعت الان عليه الصلاة والسلام ولا ينفر صيدها. الصيد كل حيوان يصاد لاجل اكله. طيرا كان او دابة تحريم الصيد بمكة هو اكبر من مجرد تحريم التنفير له. ما تنفير الصيد؟ تنفير الصيد اثارته الركض خلفه مطاردته مجرد تنفير الصيد حرام فكيف بقتله هذا من تمام تعظيم تحريم الله سبحانه وتعالى لهذا البلد الحرام. ولهذا بوب البخاري رحمه الله في الصحيح فقال لا ينفر صيد الحرم قد مر بك ان تنفير الصيد مجرد ازعاجه مطاردته البحث عن الطعام الذي يمكن ان يبحث عنه الانسان غير مكة قال له للعلم ان نفر الصيد اصبح عاصيا سواء صاده او لم يصده. مجرد تنفيره واثارته به. قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو يروي الحديث قال هل تدري ما معنى لا ينفر صيدها؟ ثم قال هو اي احييه من الظل وينزل مكانه ان تجد حيوانا مستظلا بظل جدار في ارض مكة فينحى من اجل ان يستفيد ابن ادم من الظل الذي جلس فيه الحيوان عده ابن عباس رضي الله عنهما من جملة تنفير الصيد المحرم بمكة. يا كرام هذا معنى بعيد وفيه قد من الايمان عميق. ارأيت الى الحيوان وهو حيوان قد افاض عليه البيت من حرمته فامنه والنبات وهو نبات. ايضا افاض عليه البيت من حرمته فامنه. فلا تمتد يد انسان بمكة الى صيد كفر او يصاد ولا الى نبات فيقطع او يقتلع. ما هذا؟ هذا دلالة على ان ما كان بمكة يستظل بظل الامان انسان كان او حيوانا او نبات. هذا التأمين العظيم يأمن فيه الانسان ان يقتل. والحيوان ان يصاد ان يقطع بل وحتى الجماد من المال الساقط على الارض ان يلتقط. هذا لا يعرفه احد من البشر على رقعة من الارض الا بمكة ان يؤمن فيه الانسان والحيوان والنبات والجماد. يا قوم عندما يقال التأمين والتحريم والتعظيم هنا تدرك ما معنى ان جعل الله بمكة هذا المعنى الكبير العظيم؟ اما قطع الصيد فقد قال عليه الصلاة والسلام ولا يختلى وقال ايضا في بعض الروايات قال عليه الصلاة والسلام مبينا عظمة مكة ولا قال لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها. وفي لفظ ولا يعبد شوكها اختلاء الخلا حش الحشيش بمكة وان يعرض الشوك ان يكسر النبات او يقطع فهذا تحريم ان تمتد يد الى نبات نبت بمكة فيقتطع او الى غصن شجرة فيكسر او الى ورق في قطع بارض مكة واستثنى النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك نبات الاذخر لما طلبه العباس عمه فقال يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم وحدادهم. فقال عليه الصلاة والسلام الا الاذخر. والاذخر عشبة طيبة الرائحة تستعمل في كفن الميت وفي غسله وفي تطييب بعض اماكن البيوت. فاستثني واستثني من ذلك ايضا ما يرعاه الدواب ما ترعاه البهائم من العشب النابت. قال اهل العلم النبات المحرم بمكة ان يقطع او يزال او يكسر غصنه هو النبات النابت بامر الله. فاما ما زرعه الانسان واستنبته فيجوز ان يقطعه لانه ليس داخلا في حرمة هذا النبات الذي عظم الله عز وجل الاعتداء عليه الا ما كان في المصلحة العامة كأن تكون شجرة عظيمة في طريق الناس او اقتضت المصلحة بناء جسر او طريق او فتح معبر في موضع فيه بعض الاشجار واقتضت المصلحة العامة ازالتها فتقدم مصلحة المسلمين من باب موازنة المصالح بعضها ببعض فاعظمها يقدم هذا النبات وهذا الحيوان واما اللقطة الساقطة على ارض مكة فقد قال عليه الصلاة والسلام ولا تحل ساقطتها الا لمنشد. وقال في رواية اخرى ولا تلتقط نقطتها الا لمنشد او لمن عرفها اللقطة في عرف الفقهاء كل مال سقط من صاحبه فوجد مفقودا على الارض فكل ما يجده الانسان من مال سقط من صاحبه على الارض فهو لقطة وسمي بذلك لان اليد تمتد اليه لتلتقطه ما حكم هذا في الاسلام في كل مكان الا مكة فان اللقطة الساقطة ان كانت ان كانت مالا يبحث عنه صاحبه فقده فان الاخذ له يعرفه سنة هذا في كل مكان سوى مكة. من وجد مالا مفقودا ساقطا على الارض اخذه فهو امانة في يده يبحث عن صاحبه باي طريقة من الطرق يجد ورقة فيها رقم لصاحبه او شخص يدله على صاحبه او يبحث عنه. قال الفقهاء بل يمتد به البحث الى ان ينادي عليه في الجوامع وصلاة الجمع وفي الاعياد وفي المواضع العامة وفي الاسواق. من فقد مالا فليأتني. ثم يستثبت من صاحبه ليعرفه عن صفة المال المفقود. فيقول فقدت حقيبة او محفظة وقود. او اه كيسا مثلا ونحوه فيصف المال الموجود كم قدره وما نوعه وما صفته؟ فاذا تثبت انه صاحبه دفعه اليه يبقى هذا المال امانة بيد الملتقط عاما كاملا وهو امانة عنده يحفظه ويبحث عن صاحبه يبذل الاسباب ينشر اعلانا يكتب ورقة يضع رقما للتواصل معه حتى يجد صاحبه فان عجز عن وجوده بعد سنة يحل له الانتفاع بالمال هذا يا كرام حكم اللقطة في كل مكان الا بمكة. اما مكة فان المال الملتقط الساقط على ارض مكة يبقى امانة في يد صاحبه الى يوم القيامة. لا يحل له الانتفاع به لا بعد سنة ولا ولا عشر سنوات فما الحل اذا؟ من وجد لقطة ساقطة بارض مكة مال مفقود من صاحبه. سواء كان نقدا او كان شيئا من الاموال ذات القيمة كجهاز جوال او قطعة من ذهب او محفظة فيها واوراق ونقود ونحو ذلك. هو اين الخيار هو في الخيار بين امرين الاول اما ان يتحمل تبعة التقاته واخذه وامانته في رقبته حتى يجد صاحبه ليس يوما ولا يومين ولا سنة ولا سنتين. حتى يجد صاحبه. يقول عليه الصلاة والسلام لا تحل لقطتها الا لمنشد لا يحل لاحد ان يمد يده بمكة على مال وجده ساقطا على الارض الا اذا اراد البحث عن صاحبه مستعد انت لتحمل الامانة تفضل ومد يدك وخذه هذا الخيار الاول واما الخيار الثاني فان تكف وتتركه ستقول ربما يأتي غيري فيأخذه. سيأتي هذا الاخر ونقول له اما ان تأخذه لتبحث عن صاحبه فترده اليه واما ان تكف يدك تدري لو لو عمل المسلمون بهذا الامر الالهي وبهذا التوجيه النبوي ما الذي يحصل الذي سيحصل اني لو فقدت مالا في طرقات مكة في ساحات المسجد الحرام او حول السكن او في اي مكان وفقدته ثم تنبهت بعد حين وجاء كل انسان مسرف فوجد المال فتهيب فتركه ان يأتي صاحب المال ولو بعد يوم او يومين او عشرة فيجده مكانه ما تمتد اليه يد. هذا من تعظيم حرمة هذا البلد ونحن اليوم نؤكد على هذا المعنى يا كرام وسنقول من وجد شيئا من المال الساقط فان اخذه او قال وجدته فاخذته ماذا اعمل به وانا حاج او انا معتمر وسابقى بمكة زمنا ثم انصرف والمال هذا امانة ماذا افعل به يخطئ بعض الناس فيقول هل يجوز ان اتصدق به بنية صاحبه؟ لا ابدا هذا لا يجوز لقطة مكة امانة ترد الى صاحبها ونحن بحمد الله في المسجد الحرام خصصت الجهات المسؤولة مكتبا للمفقودات فمن وجد شيئا مفقودا بالسؤال عن هذا المكتب يذهب ويدفعه اليهم ويتركه عندهم وكل من فقد شيئا من ماله يبحث عندهم لعله يجد ماله المفقود. وقد وجد كثيرون مفقودهم من مال واوراق ووثائق ونحوها لكنها تبقى في النهاية تبرئة للذمة. فمن لقط شيئا من هذا المال في المسجد الحرام او في ساحاته سلمه الى مكتب المفقودات فبرأت ذمته وما عدا ذلك في طرقات مكة وحول المساكن والفنادق وفي الاسواق ونحوها فاذا وجد امينا كأن يكون صاحب مكان معروف او صاحب دار ينزل عنده الحجاج او امام مسجد يصلي عنده اهل مكة وقاصدوا البلد الحرام فانه ايضا يدفعها اليه فيعلن عنه لعل صاحبه يأتي اليه. لكنه يبقى امانة ويحتفظ به بحق صاحبه. هذه منظومة احبتي الكرام في تأمين المال وتأمين النبات وتأمين الحيوان. وقد سبق قبله تأمين الانسان فلا والله ليس على ارض البشر بقعة فيها تأمين وامان وتحريم وتعظيم للحقوق كما جعل الله بمكة بلده الحرام وموضع بيته الامين. كل هذا استثارة لعظمة هذا البيت وجلال قدره ليعلم الداخل انه اتى الى بيت رب الارباب. الى البلد الذي جعل الله فيه كعبته المعظمة ايامه التي يقضيها بمكة ملؤه التعظيم. ويقضي الساعات ان كانت او اياما او شهورا او جاور سنينا او كان ممن اكرمه الله بسكنى مكة فبقي بها عمره اجمع. لا يعيش الا على مقام التعظيم لهذا البلد. على مقام الاكرام هذا البلد اكراما وتعظيما لرب العالمين. الذي عظم هذا البلد الامين وهو يستشعر ويستصحب تلك السنوات التي قضاها المصطفى عليه الصلاة والسلام بمكة وهو يدعو وهو ينشر دين الله وهو يبلغ وحي السماء والناس يدخلون في هذا الدين حتى اقر الله عينه بفتح مكة ودخل الناس في دين الله افواجا يستثنى من ذلك احبتي الكرام ما اشار اليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم. وذكر منها الغراب والكلب العقور والفأرة والعقرب كل ذلك مما يجوز وهو مستثنى من تعظيم التحريم. قال اهل العلم كل ما الانسان من الحشرات والحيوان ويخشى ان يعتدي عليه فيجوز قتله. وليس هذا انتهاكا لحرمة الحرم فان هذه من فواسقي التي يتجنب الانسان اذاها بالبعد عنها وبمحاولة التخلص من اذاها بقتلها والسلامة من شرها. هذا هو جزء من المعنى العظيم الذي جعله الله عز وجل في رحاب البلد الحرام ومكة بلد الله جل وعلا. تحريم الصيد قطع الشجر واخذ اللقطة جملة من خصائص هذا البلد الحرام وفضائله العظام. يبقى ان نختم المجلس ها هنا الليلة بامرين اثنين احدهما حكم دخول مكة بغير احرام فان بعض الفقهاء نص على ان مكة من خصائصها انه لا يجوز ان يدخلها الداخل الا محرما سواء كان ممن يتردد على مكة او كان يأتيها بين الحين والحين. فان من تمام تعظيم البلد الحرام الا تدخله الا محرما وان ذلك من تعظيمنا لبيت الله الحرام. فاعلموا رعاكم الله انه ممن عقد عليه اتفاق الفقهاء ان من قدم مكة من خارجها يريد حجا او عمرة فلا يجوز ان يدخلها الا محرما اذا كان قصده من الاتيان هو النسك. العمرة او الحج. فان كان افاقيا يعني ممن يسكن خلف المواقيت التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم من اطراف مكة يلملم وذو الحليفة وقرن المنازل وآآ فلا يدخلها الا احراما من تلك المواقيت ومن كان دون ذلك يعني يسكن اقرب الى مكة من هذه المواقيت فانه يحرم من موضعه من بلده ومن قريته. هذا احل اتفاق لا يدخل احد مكة يريد حجا او عمرة الا باحرام فماذا عن من يأتي مكة لا يريد الحج ولا العمرة؟ جاء لزيارة او جاء يريد غرضا من علاج او تجارة او دراسة ونحوها فان بعض الفقهاء يلحق هذا بمريد النسك وان من تعظيم مكة الا يدخلها الداخل الا باحرام سواء قصد او لم يقصد لكنه تحية للبيت الحرام والبلد الامين الا يدخله الا باحرام. والصحيح الراجح ان شاء ان ذلك لا يلزم كل من دخل مكة الا اذا نوى النسك وامارة ذلك ودلالته في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام لما حدد المواقيت قال في اخر الحديث هن لهن ولمن اتى عليهن من غير اهلهن ممن ارادوا الحج او العمرة. فعلق عليه الصلاة والسلام الاحرام بمن يريد الحج او العمرة. ومفهومه المخالف ان من لم يرد ذلك فلا يلزمه الاحرام. احبتي الكرام هذه جملة قضيناها في خصائص البلد الحرام وفضائله العظام تنتظم بعضها الى بعض في بيان تعظيم هذه البقعة المباركة ونحن ايها المسلمون احد صنفين علاقتنا بهذا البيت الحرام وبمكة المكرمة شرفها الله لا تخرج عن نوعين من العلاقة النوع الاول من قدم مكة ومن اتاها حجا او عمرة او طوافا او اعتكافا. فمن اتى مكة فنصيبه الاكبر والاوفر في معاني التعظيم والاجلال التي مضى ذكرها في مجلس الليلة ومجلس البارحة. والنوع الثاني من علاقتنا معشر المسلمين بمكة هو لكل من بعد عنها. ولا يزال مشتاقا اليها متطلعا الى الاتيان متشوفا الى اكرام الله له وايفاده الى بيته الحرام. وهم عامة المسلمين اخوتنا واخواتنا اباؤنا وامهاتنا في شرق الدنيا وغربها ممن لم يكتب له بعد الاتيان الى مكة فاعلموا ان هؤلاء ليسوا محرومين من عظمة هذا البيت. فهم على بعدهم يتوجهون اليه في الصلوات. يتوجهون اليه في الدعوات يتوجهون اليه في الحياة وبعد الممات. فيدفنون تجاه الكعبة ويعظمون القبلة. تتعلق بنا وبهم ايضا جملة من الاحكام اما نهينا عن استقبال القبلة حال الغائط او البول؟ اما امرنا بتعظيم القبلة والتوجه اليها كل تلك احكام لا تختص بمن قدم مكة وعاين بام عينيه الكعبة لكنها يشترك فيها المسلمون. الا ان من قدم كمثلكم يا كرام ومن اكرمه الله فابصر بعينيه البيت الحرام ومن جاء فاستلم الركن وصلى خلف المقام استمتع بهذه الخصال من الكرم هم اولى بالتعظيم العظيم لهذا البيت. ولرب هذا البيت وهم اوجب من يجب ان تمتلئ صدورهم تعظيما واجلالا وتشريفا واكراما. نحن يا كرام اذا دخلنا قصور الامراء وبيوت الملوك ودواوين العظماء واتينا قصورهم ومجالسهم الفاخرة فان احدنا يستشعر من تعظيم المكان وجلالته هو هيبته ما يقع في قلبه مما لا ينكر. فكيف بمن دخل بيت الله الحرام؟ فكيف بمن اتى الى البلد الامين؟ اي تعظيم واي هيبة واي اجلال ينبغي ان تقوم في قلوب العباد. هذا يا كرام اغلاق لكل منافذ الشيطان ووسائله وابوابه التي يلج اليها ليصرف العبد عن قصده للعبادة والتقرب الى الله في الايام والساعات التي يقضيها بجوار البيت الحرام الا فلا يظفرن الشيطان منكم بيوم ولا ليلة. بل بساعة ولا بدقيقة. يصرفكم فيها عن تعظيم هذا البيت العظيم يجعل احدكم في دقائقه وايامه وساعاته كسائر ما يقضيه من الاوقات في كل بلاد الدنيا. هذه مكة شرفها الله هذا بلد الله الحرام هذه كعبته المعظمة التي اختصت من بين كل بقاع الارض بما سمعتم في مجلس الليلة قيس البارحة من خصائل الفضل والكرم والتعظيم التي تحملنا حملا على تعظيم صادق وايمان كبير بربنا الكبير المتعال نختم مجلسنا غدا ان شاء الله تعالى في سلسلة لقاءات اعقاب الحج بالحديث عن البقاع المشرفة والمعظمة بمكة وما اختصت به من الدلائل التي فيها ابواب من الاجر والثواب مثل الحجر الاسود والمقام والركن والصفا والمروة وزمزم نأتي عليها في مجلس الغد ان شاء الله تعالى. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء اللهم اجعلنا ممن عظم البلد الحرام واملأ صدورنا تعظيما وتوقيرا ومهابة واجلالا لك يا ذا الجلال اكرام اللهم اجعلنا ممن احبك واحب بيتك ودارك وبلدك الامين. واحب نبيك صلى الله عليه وسلم اللهم اكرمنا بحبك وحب من يحبك وحب كل عمل صالح يقربنا الى حبك يا ذا الجلال والاكرام. ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم وتب علينا انك انت التواب الرحيم. واكرمنا يا رب بكرامة الصالحين. واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. نسألك يا رب من خير الدنيا والاخرة ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وصل يا ربي وسلم وبارك على عبدك ورسولك رسولك محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين