بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد ايها الاخوة الكرام فهذا شروع في اول المجالس التي نتدارس فيها اسباب الخلاف بين المجتهدين لما اورده الامام ابن جزي الكلبي الغرناطي رحمه الله تعالى في كتابه تقريب الوصول وهذا الدرس يأتي ضمن لقاءات الدورة العلمية الثالثة المقامة بالمسجد الحرام التي تنظمها مشكورة الادارة العامة للتوجيه والارشاد بالمسجد الحرام ضمن نشاطها العلمي الذي يقرب علم الشريعة اصولا وفروعا لطلبة العلم وشداته في البيت الحرام ومن يتابع ويفيد ايضا منه من وراء البحار والمحيطات. كتب الله اجرهم وجزاهم خيرا وهذا المجلس الذي سينتظم في لقائين او ثلاثة ان شاء الله تعالى يتناول بابا مهما من ابواب العلم في الشريعة وهو احد المداخل المهمة التي لا يستغني عنها طلبة العلم فضلا عن عموم المسلمين الذين يجدون في مثل هذا الباب من العلم اه مأخذا مهما ومكتسبا جديرا بالعناية به وقبل الشروع في قراءة ما اورد ابن جزير رحمه الله تعالى في هذا الباب ها هنا مقدمات ينبغي الاشارة اليها. اولا المقصود بهذا الباب من العلم اسباب الخلاف بين المجتهدين ذكر الاسباب العلمية التي كانت مفضية الى تفاوت المذاهب واختلاف الاراء وتعدد اقوال العلماء في مسائل الشريعة فان الفقه في الاسلام فهم واجتهاد. وان شريعة الله عز وجل تحكمها نصوص الكتاب والسنة والادلة الشرعية الاخرى التي اضحت مصدرا للتشريع في الاسلام وهذه المصادر الشرعية على تعددها تحكمها ادوات للاستنباط والاجتهاد. افنى فيها علماء الاسلام اعمارهم رحمهم الله لبيانها وتقريرها وتحريرها. كل ذلك مقرر في كتب الفقه واصول الفقه وقواعدهما تأتي اسباب الخلاف لتبين وجها مشرقا من وجوه الاجتهاد الذي افنى فيه علماء المسلمين اعمارهم حتى نقدم خدمة جليلة في شريعة الاسلام. هذا الاختلاف ليس نقصا ولا عيبا بل هو سمت كمال وتكامل يجعل من فقه الشريعة في الاسلام عبر القرون مدرسة تحتذى. ومثلا يظرب حين يفهم على وجهه الصحيح ان فالعلماء هو ثمرة جهود تظافرت وتكاملت وتتابعت. وابتنى بعضها على بعض. اسباب الخلاف بين المجتهدين هو تلك الصفحة من العلم التي ينبغي الوقوف عندها وقراءتها جيدة. ودرسها باهتمام لانها مهمة لفئتين في امة فئة العوام وفئة العلماء وطلبة العلم. اما العوام فاهم ما يفيدهم هذا الباب هو اعذار العلماء هو ادراك بعد الافق العلمي الذي استند اليه الائمة الاجلاء. هو معرفة ان الشريعة في الاسلام ومذاهب الفقهاء لم تكن اهواء شخصية ولا اراء ذاتية لكنها مبنية على علم جم تضبطها قواعده واصوله التي دونها خرط القتاد للوصول اليها من كل باب انما هو سبيل العلم وضبط قواعد وتحصيله على الوجه الصحيح. فئة العوام يهمها الوقوف على اسباب الخلاف بين العلماء والمجتهدين والفقهاء احترامهم وتقديرهم واجلالهم في اعين الامة. ويكون بالمحل اللائق بهم. تقديرا لاجتهادهم لمقامهم العظيم الذي بوأهم الله عز وجل اياه في فقه دينه وشريعته وتقريب ذلك للامة اما فئة طلبة العلم والعلماء فانهم يفيدون من هذا الباب فوائد عدة اولها هو ايضا معرفة اقدار العلماء واعثارهم. وبادئ ذي بدء عند صغار طلبة العلم اذا وقف على خلاف فرأى قولا في المسألة لبعض الفقهاء ليس مطابقا او موافقا لظاهر دليل هو وقف عليه ذهب به الظن لقصر نظره وابتداء شأنه في طلب العلم ذهب به الظن الى شيء من القصور تجاه الائمة ان ذلك مخالفة للنص وان هذا قول لا ينبغي ان يقال اذا ما تجاوز ذلك الى ما هو ابعد نحو انتقاصهم والحط من اقدارهم حاشاهم رحمة الله عليهم. فيفيد طلبة العلم ايضا اعذار اهل العلم واجلالهم. ويفيد ثانيا معرفة مدارك الاجتهاد. فان طالب العلم اذا وقف على الاسباب اتسع عقله وفهمه وادراكه وعلم ان وراء ما درس هو لا يزال بحر عميق الغور. ومحيطات تحتاج الى ابحار على مدى اعمار. حتى يصل الى ما وصل اليه هؤلاء ويقفوا على جملة من الاسباب يعرف ان فيها من الاجتهاد وفني الاوقات وبذل الاعمار شيء ما تركه ولا شم رائحته فتنقدح همته اجتهادا في سلوك سبيلهم. ومعرفة ان هذا الباب الجليل حقه الاجتهاد التضحية والفداء يفيد ثالثا تنمية الملكات. طلبة العلم اذا ما وقفوا على اسباب الخلاف بين الفقهاء فتحت لهم مدارك العلم فتنمت عندهم الملكات عندما يقف على جملة من القواعد الاصولية والفقهية وقواعد ومصادره ادرك ان ها هنا ابوابا من العلم ربما ما طرق بعدها ما طرق بعضها بعد. فيحرص على استمرار الطلب والارتقاء في سلمه عله يصل الى شيء مما وقف عليه في ثنايا هذه الاسباب. هذه وغيرها يا كرام باب عظيم فضلا عن انها تكسب او تكسب صاحبها الوقوف على جزء جزء من اسباب تعدد الاقوال في المذاهب الفقهية واختلافها فهي بيان ايضا لمنطلقات علمية ترتكز الى جملة من الاسس التي حقها النظر والاعتبار لهذه الاسباب ولغيرها حرص العلماء سلفا وخلفا على ابراز هذه الجوانب وكان جهدهم في ابراز هذه الجوانب عبر طريقين الطريق الاول ان يأتي هذا ضمنا في ذكر خلاف الفقهاء في المسائل فاذا عرظوا الى خلاف المذاهب كان بعظهم ربما يشير الى ان من اسباب الخلاف في هذه المسألة كيت وكيت يشير الى بعض الاسباب وكثيرا ما يصنع ذلك الامام ابن رشد المالكي الفقيه رحمه الله تعالى في كتابه الشهير بداية المجتهد ونهاية مقتصد فانه اذا ما تطرق الى الخلاف في المسائل الفقهية حرص كثيرا رحمه الله على الاشارة الى جزء من اسباب الخلاف ان خلافهم يعود الى كذا وان جزءا من الخلاف في هذه المسألة بين الفقهاء يعود الى كذا وكذا من الاسباب فهذا مسلك اذا يأتي ضمنا يفعله ابن قدامة احيانا في المغني. والنووي احيانا في المجموع. والكمال ابن الهمام احيانا الفتح القدير وغيرهم رحم الله الجميع. يشيرون في ثنايا هذه الكتب الفقهية الخلافية الى طرف من اسباب وبيان مأخذه حتى يقف الناظر على كلامهم ان هذا الخلاف ثمرة لجملة من الاسباب افضت اليه وانها ينبغي الوقوف عندها وتأملها فانها احد العوامل التي تعين على الترجيح بين الاقوال الوقوف على اسبابها المسلك الثاني الذي سلكه العلماء في ذكر اسباب الخلاف بين الفقهاء هو التصنيف المفرد والتصنيف المفرد هي رسائل وكتب جاءت استقلالا في بيان ابراز هذه الاسباب العلمية لخلاف الفقهاء في تاريخ اسلامي الطويل. وهنا ايضا جملة مما كتبه العلماء في بيان هذه الاسباب. لعل من اشهرها كتاب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله رفع المنام عن الائمة الاعلام وكان قصده من الرسالة رحمه الله الاشارة الى اعذار العلماء وقد ذكرته احد الفوائد المكتسبة من دراسة هذا الباب من العلم. معرفة اعذارهم عند الاختلاف وانه لا ينبغي التسرع والافظاء بحكم بجهل او انتقاص او حط من اقدار ائمة افنوا في خدمة الشريعة ورفع مناراتها. كان رحمه الله يقصد بالرسالة بيان اسباب تفرض احترام العلماء عند اختلافهم ولهذا سماه رفع الملام عن الائمة الاعلام. تلك رسالة محبرة وهي مما ينبغي على طالب العلم ان الا يغفلها في دراسته وان تكون احد المدارج التي يمر بها في تحصيل العلم وقبل ان يرتقي الى دراسة الخلاف الفقه العالي وبيان مذاهب الفقهاء في الائمة الاربعة او غيرهم ينبغي ان يكون هذا الكتاب احد المداخل التي يعتني دراستها جيدا وفهمها على الوجه الصحيح. فانها رسالة كما قلت محبرة. وفيها من الاسباب وقد بلغ بها عشرة اسباب رحم رحمه الله ثم ابان عن جملة من المسائل والامثلة والثمرات الفقهية على تلك الاسباب من الكتب المصنفة ايضا افرادا في هذا الباب. جملة منها كتاب الانصاف. في اسباب الخلاف لولي الله الدهلوي احمد ابن عبد الرحيم رحمه الله وهي رسالة ايضا صغيرة الحجم مطبوعة فيها البيان لبعض اسباب الخلاف بين الفقهاء لمعرفة هذا الباب من العلم ايضا مما الف فيه عند المعاصرين جملة من البحوث والرسائل العلمية كثير منها كانت ابحاثا مقررة لنيل درجات علمية في الجامعات والدراسات الاكاديمية. ومن ذلك كتاب اسباب اختلاف الفقهاء عند ابن رشد الحفيد واثرها الفقهي. وكتاب الجامع المفيد في اسباب اختلاف الفقهاء عند الامام ابن رشد الحفيد وانت ترى ان هذه العناوين عمدت الى دراسة كتاب بداية المجتهد. وقد اشرت اليه قبل قليل. فان ابن رشد رحمه الله كان يشير في مواضع متعددة من كتابه الى شيء من اسباب الخلاف وهو يعرض مذاهب الائمة الفقهاء. وكان هذا منه رحمه الله واثراء علميا تتابعت عليه الدراسات ليس هذان الكتابان فحسب بل عدد من الرسائل العلمية في بعض الجامعات اقيم لاستخراج تلك الاسباب. فترى بعض العناوين ابو اختلاف الفقهاء عند ابن رشد في بداية المجتهد في كتاب العبادات. واخر يأخذ مثله في المعاملات استنباطا وجمعا وتحليلا ودراسة ايضا من الكتب التي تذكر في هذا السياق كتاب اسباب اختلاف الفقهاء للفقيه العلامة الشيخ علي الخفيف رحمه الله احد علماء الازهر ومنها ايضا كتاب الخلاصة في بيان اسباب اختلاف الفقهاء لا لعدد فيما ذكرت من الكتب لعدد من المعاصرين فيها بيان جملة منها. من يقف على هذه الكتب يرى انها حفلت ببيان جملة من الاسباب هي اجتهاد متتابع متواصل للوقوف على هذه الابواب العلمية الجديرة بالدرس والعناية بالتعلم والتعليم كما اسلفت فماذا عن درسنا في هذه الدورة؟ هو دراسة لباب من رسالة في علم الاصول تقريب الوصول للامام ابن جزيم الكلب يا الغرناطي الفقيه المالكي رحمه الله. وكان هذا الباب هو الباب العاشر في رسالته الاصولية. وهي اخر ابواب كتابه وبعدها تم الكتاب رأى رحمه الله تعالى وقد ذكر في رسالته اصول الشريعة وادلتها وقواعد الاستنباط كما جرت عادة الاصوليين في استيفاء تلك مباحث الاصولية رأى ان يختم رسالته بهذا الباب وقد كان رحمه الله مبتدرا هذه البادرة ولم يسبقه من الاصوليين في هذا الصنيع كما اشار هو احد. لانه رأى انها تتمة يحسن العناية بها. وان تكون قاتمة لكتاب في الاصول هي بمثابة ان يقول رحمه الله ان كل ما اودعته لك في ابواب هذا الكتاب سيكون ثروة علمية وجملة من القواعد اذا فهمتها وادركتها وعلمتها كانت هي مأخذ الفقهاء الذي قادهم الى الخلاف وكثيرا ما يتبادر الى عامة المسلمين وليس طلبة العلم بل حتى عند بعض طلبة العلم في مراحل الابتداء. يثور هذا السؤال اذا كانت اصول الشريعة واحدة والقرآن والسنة مصدر مشترك. فمن اين جاء الخلاف ولماذا تعددت المذاهب وهل هذا الاختلاف الفقهي محمود او مذموم وكيف نتعامل؟ وما موقفنا من هذا الخلاف؟ سؤال يبدو كبيرا عند من لم من لم يخطو خطوات متقدمة في الدرس الفقهي. لكنه من ادرك معنى هذا الخلاف وتعدد المذاهب ادرك ان له سمة طبيعية لاجتهاد علمي في مساحة واسعة جعلتها الشريعة ابوابا مشرعة وفق ضوابطها واصولها رعيتي في طلب العلم وعلم ان تعدد المذاهب واختلاف الفقهاء ليس الا بمثابة تعدد المدارس والمناهج التي تكون في بلد ما او في بيئة ما. فانها وان قررت علما واحدا تعددت المدارس في طريقة تناول هذا العلم او فهمه او شرحه او تأليفه فتماما كانت كذلك مذاهب الفقهاء ليست اختلاف تناقض اختلافهم ليس اختلافا في الشريعة نفسها. لكنها مساحة جعلتها الشريعة متسعة لان تستوعب تلك الاجتهادات وهذا يعود يا اخوة ليس الى زمن الائمة الاربعة بل ولا الى من سبقهم من التابعين بل ولا الى زمن الصحابة رضي الله عنهم. بل يعودوا الى زمن النبوة وعصر التشريع. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لاصحابه عقب غزوة الخندق لا يصلين احد منكم العصر الا في بني قريظة فانطلق اصحابه رضي الله عنهم وادركتهم صلاة العصر في الطريق فاختلفوا في فهم كلامه على قولين منهم من رأى ان مراده عليه الصلاة والسلام التعجيل والمبادرة وان صلاة العصر ينبغي ادراكها في اول وقتها ما عهدوا منه وان قوله لا يصلين احد منكم العصر الا في بني قريظة مطلوبه الاستعجال والحث على المبادرة بالمسير اما الصلاة فتصلى ولو ادركتهم في الطريق وذهبت الطائفة الاخرى الى ان ظاهر اللفظ واضح لا يحتمل الاجتهاد. لا يصلين احد منكم العصر الا في بني قريظة فما رضوا بالصلاة الا اذا وصلوا بني قريظة فصلوا هناك اختلف الاجتهاد والدليل واحد والنص الذي احتكموا اليه واحد لكن تفاوتت الافهام ولكل فهم كما ترى ماخذ معتبر وله حظ من النظر ليس بوسعك ان تقول ان احدى الطائفتين خطأ خطأ محضا مئة بالمئة لك ان ترجح وتقول انا يبدو لي هذا ارجح لكن لا تستطيع ان تجزم بخطأ القول الاخر فلما اختلفوا وعرضوا اختلافهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخطئ احدى الطائفتين وتركهم عليه الصلاة والسلام كان هذا في الشريعة اشارة واضحة تقول ان الاختلاف المعتبر الذي تحكمه فهوم صحيحة وفق قواعد منضبطة مع نصوص الشريعة خلاف سائغ ومن قال باحد القولين وعمل به باجتهاد فلا شك انه سائغ فعله ولو خطأ عليه الصلاة والسلام احدى الطائفتين لكان هذا تحجيرا للاجتهاد الا يكون الصواب فيه الا قول واحد واحد والحكم والحكم بخطأ ما سواه سيفضي الى اغلاق هذا الباب وتضييقه جدا لكن بقي منذ ذلك الوقت متسعا تتفاوت فيه اجتهادات العلماء. يأتي مالك رحمه الله بعد ابي حنيفة ويعاصر بعض اصحابه ويرى الاختلاف ويتناظرون في المسائل ويأتي الشافعي رحمه الله معاصرا لمالك ومتتلمذا عليه رحمه الله ويدرك بعض اصحاب ابي حنيفة رحمهم الله فيختلفون في مسائل ويتناظرون ويأتي احمد رحمه الله تلميذا للشافعي فيلقاه ويأخذ عنه وهكذا يتوارثون العلم ويتدارسونه ويلتقي بعضهم ببعض لكنهم مع ذلك يختلفون ومذاهبهم تتفاوت واجتهاداتهم ليست عندهم الا على محمل التقدير والاعذار لانهم رحمهم الله اعظم واولى من يستوعب هذه الاسباب التي نحن بصدد دراستها. اذا اسباب الخلاف بين المجتهدين باب مهم من ابواب بالعلم يحسن العناية به ودرسه جيدا. ونحن في مجلسنا ان شاء الله تعالى سنتناول هذه الاسباب التي اجملها ابن جزيم رحمه الله تعالى في ستة عشر سببا كما سنعرضها في المجالس تباعا وهو بذلك محاولة منه لحصر هذه الاسباب وجمعها سنقف عندها واحدا واحدا واسلوبه كما سترى رحمه الله غاية في الايجاز والاختصار طار يذكر السبب باوضح عبارة وباقل لفظ ولن يكون اجتهادنا في الدرس لتوضيح ما هو واضح. لكن لضرب الامثلة عليه وسوق بعض الشواهد التي تعين على فهمه وضرب امثلة من كلام الائمة فيما سبق يؤكد المعنى الذي يأتي في كلام المصنف رحمه الله تعالى. فنشرع بعون الله عز وجل مستمدين منه التوفيق والسداد مستلهمين منه العون والصواب. ونسأله جل جلاله ان يجعله مجلسا عامرا بالعلم النافع وبما يقربنا اليه وان يرزقنا فيه اخلاصا لوجهه الكريم وتوفيقا وسدادا ننصرف به بعلم رشيد ورأي سديد وعمل صالح يقربنا الى ربنا الولي الحميد. اللهم لا عمل لنا الا ما علمتنا. فانك انت العليم الحكيم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين. اللهم اجعل ما علمتناه حجة لنا لا حجة علينا زدنا علما واتنا في دينك فقها واكتب لنا الخيرية بالتفقه في دينك يا رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء وخاتم المرسلين. سيدنا ونبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين بارك الله في شيخنا وفيكم وفي علمائنا وفي حكامنا وسائر المسلمين اجمعين يقول المصنف رحمه الله تعالى رحمة واسعة الباب العاشر باسباب الخلاف بين المجتهدين. نعم علمت ان الباب العاشر هو من ابواب كتاب تقريب الوصول الى علم الوصول لابن جزيل الكلبي رحمه والله تعالى وهو اخر ابواب الكتاب وهي ستة عشر بالاستقراء على ان هذا الباب انفردنا بذكره لعظم فائدته ولم يذكره اهل الاصول في كتبهم. نعم عمد رحمه الله تعالى الى ذكر هذا الباب وذكر كما رأيت ان الاسباب ستة عشر وانه تفرد بهذا الباب في كتب الاصول ولم يسبقه اليه احد واما شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وهو سابق عليه بيسير فانه قد صنف كتابه رفع المنام عن الائمة الاعلام قبل كتاب ابن جوزين لكن لعله اراد افراد هذا الباب ضمن كتب الاصول. واما شيخ الاسلام فكانت رسالته رحم الله الجميع. قوله ستة عشر بالاستقراء هذا اجتهاد منه رحمه الله والاسباب يمكن ان تجعلها عامة فتختصر ويمكن ان تفصلها تفصيلا ها فيزيد العدد الاسباب يمكن ان تجعلها عامة فيدخل بعضها في بعض فيختصر سببان او ثلاثة في سبب واحد ويمكن ان تفصلها تفصيلا فتجعل لكل سبب اجزاء وتجعل الجزء من السبب سببا وحده مستقلا. فتعداد الاسباب دائما يخضع لهذه الاعتبارات وشيخ الاسلام رحمه الله لما صنف رفع الملام كما قلت لك اورد كم سببا فيه عشرة اسباب وقال في مقدمة كتابه وجماع الاعذار ثلاثة اصناف يقول العشرة كلها ترجع الى ثلاثة اصناف والصنف سيشمل اكثر من سبب. قال وجماع الاعذار ثلاثة اصناف احدها عدم اعتقاد ان النبي صلى الله عليه وسلم قاله والثاني عدم اعتقاده انه اراد تلك المسألة بذلك القول والثالث اعتقاده ان ذلك الحكم منسوخ قالوا وهذه الاصناف الثلاثة تتفرع الى اسباب متعددة فهو وقد ذكر عشرة اسباب رأى جمعها في ثلاثة اصناف وابن جزيم رحمه الله وهو يعدها ستة عشر سببا قال بالاستقراء فهذا جهد علمي عظيم يفيد فيه المؤلف رحمه الله انه تتبع واستقرأ ومعنى الاستقراء تتبع الجزء وتصفح احاد المسائل للخروج منها بحكم كلي عام هذا الاستقراء عند اهل العلم نوعان استقراء تام واستقراء قاصر والمقصود بالاستقراء التام ان لا يفوت من جزئياته واحاده في التتبع والاستقراء شيء. فيكون استقراء تاما وما كان دون ذلك بالاقتصار على معظم الاحاد والجزئيات للمسائل او الاكتفاء بمشهورها او بعضها يسمى استقراء ناقصة والاستقراء التام اقوى ولا شك. يقول رحمه الله ان الاسباب التي عدها ستة عشر كانت معدودة بالاستقراء ثم ذكر انفراده وذكرت لك ان العلماء تتابعوا على الانتباه الى بيان هذا الباب من العلم. يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مطلع وصدر رسالته رفع الملام قال وليعلم انه ليس احد من الائمة المقبولين عند الامة قبولا عاما يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته. دقيق ولا جليل فانهم متفقون. اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى ان كل احد من الناس يؤخذ من قوله ويترك الا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن اذا لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه كانت هذه مقدمة منه للشروع في بيان هذه الاسباب التي هي محل الخلاف بين العلماء ونحن نعرض للاسباب التي يذكرها المصنف رحمه الله تعالى تباعا لبيانها وشرحها بالامثلة. نعم السبب الاول تعارض الادلة وهو اغلب اسباب الخلاف وقد تكلمنا عليه في بابه. نعم اول الاسباب وصدر به المصنف رحمه الله لعظمه. قال تعارض الادلة. ثم انظر ماذا قال وهو اعظم اسباب خلاف وصدق رحمه الله اعظم اسباب الخلاف بين العلماء تعارض الادلة ماذا نقصد نقصد ان المسألة الواحدة يتجاذبها اكثر من دليل فاذا تعارضت الادلة سيختلف الاجتهاد في محاولة فهم هذه الادلة. وعندما نقول تعارض الادلة فماذا نقصد التناقض والاضطراب لا ما المقصود ماذا نقصد بالتعارض؟ اضطراب الشريعة ماذا نقصد بالتعارض نعم نقصد بالتعارض التعارض الظاهري الذي يبدو في انظارنا القاصرة والا ففي حقيقتها وفي علم الله جل وعلا لا اختلاف فيها كيف والمصدر واحد والله عز وجل يقول افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا هذا لو كان من عند غير الله اما وانه من عند الله فليس فيه اله. اختلاف كثير ولا قليل لكنه الشريعة المحكمة التي لا اضطراب فيها ولا تفاوت ولا تناقض وحاشا فالشريعة مصدرها من لدن حكيم خبير. والحكيم جل جلاله منزه في شرعته واقواله وافعاله عن العبث واللغو والتقصير. ومن هنا كانت الشريعة محكمة. انما نقول بالتعارض نقصد به التعارض الظاهر الظاهر في نظر المجتهد في نظر العالم عندنا والا فلابد ان تكون تلك الادلة على وجه غاب علمه عند البعض فرأى ظاهر والتعارض. ومن هنا بين وجوه التعارض كما سيأتي وجوه دفع التعارض كما سيأتي بعد قليل هذه الاسباب واكبرها تعارض الادلة ظاهرا كان من اشهر الاسباب واعظمها كما قال المصنف. حتى لا يخوض بنا في تفصيل يطول. قالوا تكلمنا عليه في بابه يقصد ان ما يذكره الاصوليون عادة وفعله هو ايضا في تقريب الوصول ان يخصصوا بابا لبيان طرق دفع التعارض بين من الادلة فلم يكن بحاجة الى ذكره لكنه اكتفى بالاشارة اليه وقصده هنا الان بيان هذا السبب الكبير تقدمت الاشارة في صدر المجلس الى ان الامام ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد كان من اكثر من يعتني بالاشارة الى اسباب الخلاف يكاد بل هو هذا السبب الاكثر ورودا في كلامه رحمه الله يقول ومن اسباب اختلافهم في هذه المسألة تعارض الادلة فيما بينها ثم يعرض الى الخلاف ودليل كل فئة وقوله في المسألة ونذكر الادلة التي كانت منشأ لهذا التفاوت والاختلاف بينهم. من هنا سنشير الى ان هذا السبب يتفرع عنه صورتان يعني كيف كان تعارض الادلة سببا في اختلاف الفقهاء نقول ترتب على ذلك صورتان. الصورة الاولى تفاوت واختلاف العلماء في منهج دفع هذا التعارض بين الادلة فلما اختلف المنهج اختلفت المسائل الناتجة عنه عند التطبيق اختلف التقعيد فاختلفت النتائج الفقهية وايظاحا زيادة النقول اهل العلم في تقرير منهج دفع التعارض بين الادلة الشرعية على مذهبين كبيرين متفاوتين مذهب الجمهور ويرى تقديم الجمع بين الادلة مهما امكن مقدما على الترجيح بينها. فيما يعتمد مذهب الحنفية على تقديم الترجيح بين الادلة على الجمع بينها هذه الجملة وحدها كافية لان تكون سببا يتفرع عنه خلاف فقهي واسع. في كثير من المسائل تأتي الى القضية فاذا فيها دليلان يتجه الجمهور الى الجمع بينهما ويتجه الحنفية الى ترجيح احد الدليلين عن الاخر والنتيجة حتما ستختلف فكان هذا سببا لخلاف فقهي كبير. لا نتكلم عن باب في الفقه. ولا مسألة في الطهارة او في البيع او في النكاح او في الطلاق نتكلم عن تقعيد هذا التقعيد اذا طبقته في الطهارة في الصلاة في الصيام في الزكاة في الحج طبقته في البيع في الاجارة في الرهن والحوالة والكفالة. طبقته في النكاح والطلاق والنفقات والرضاع. طبقته في الحدود والجنايات والتعزيب اورث ذلك جملة من المسائل لا تكاد تنحصر. والسبب هو البداية هي القاعدة. اذا اسباب الاختلاف عندما نقول الاختلاف او التعارض بين الادلة فان احدى الصورتين في تعارض الادلة هو منهج دفع هذا التعارب والخلاف فيه بين الجمهور والحنفية اورث خلافا فقهيا كبيرا. ما الصورة الثانية الصورة الثانية لتعارض الادلة هو تطبيق احادها في المسائل يعني ربما جاءك فقيهان من مذهب واحد او من منهج واحد. اقصد من مذهب واحد يعني فقيهان شافعيان. او فقيهان مالكيان. وفقيهان حنبليان. او فقيهان حنفيان وهما من منهج واحد كلاهما يقول بتقديم الجمع على الترجيح او كلاهما يقول بتقديم الترجيح على الجمع. ويبقى مع ذلك تعارض الادلة سببا في اختلافهما. كيف؟ لانهما عند التطبيق قد يختلفان في طريقة العمل. فيأتي فقيهان مالكي وشافعي لا هما يقول بتقديم الجمع على الترجيح فهذا يجمع بطريقة وهذا يجمع بطريقة اخرى وتكون النتيجة اختلافا فقهيا. فلا تقل لي كيف وهما من منهج واحد وطبقا الجمع على الترجيح ساقول لك ان الصورة الثانية من تعارض الادلة هو تطبيق دفع هذا التعارض في احد المسائل والصور ها انا ذا اضرب لك امثلة ثلاثة. واحد نقض الوضوء من اكل لحم الابل قول تفرد به الحنابلة في مذهبهم ويستدلون بحديث سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ان نتوضأ من لحوم الغنم؟ قال ان شئت فلما سئل نتوضأ من لحوم الابل؟ قال نعم قالوا فهذا نص صريح في ان لحم الابل ناقظ للوضوء. ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن الوضوء اجاب بنعم ويستدل الجمهور بحديث جابر رضي الله عنه كان اخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الامر ترك الوضوء مما مست النار قالوا هذا نص واضح على ان ترك الوضوء مما مست النار عام ويدخل فيه لحم الابل والغنم والدجاج وسائر انواع اللحوم ترك الوضوء مما مست النار ولو كان لحم ابل قالوا فهذا اولى ولاحظ فيه ما يشعر بانه المقدم لقوله كان اخر الامرين اذا ما كان سابقا عليه قد يكون متغيرا قد يكون منسوخا قد يكون ملغيا وهذا نص ينبغي الاحتكام اليه بانه يكون العمل عليه. اخر الامرين ترك الوضوء مما مست النار ما الذي تراه؟ دليلان صحيح ان سبب الخلاف هو تعارض الادلة الحنبلي مع المالكي والشافعي في منهج واحد. كل الثلاثة يقولون بتقديم الجمع على الترجيح. ومع ذلك ما اتفقوا في هذه المسألة ولاحظ الحنفية وهم يخالفون الجمهور في طريقة دفع التعارض ويقولون بتقديم الترجيح على الجمع وافقوا الشافعية والمالكية هنا في اسأله مع اختلاف المنهج اذا تارة يكون اختلاف المنهج سببا وتارة اتفاق المنهج لا اثر له لان الاختلاف ناشئون عن اختلاف التطبيق في المسألة. ليس المقصود الترجيح الفقهي في المسألة هنا. المقصود ظرب المثال. وان هذا كان مثالا مع ادلة ظاهرها التعارف. المثال الثاني الصلاة جلوسا خلف امام يصلي جالسا ويحكم هذه المسألة جملة من الادلة والفقهاء فيها على مذاهب ما حكم صلاة المأموم خلف امام صلى جالسا في الصحيحين ان النبي عليه الصلاة والسلام صلى في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فلما انقضت الصلاة قال لهم عليه الصلاة والسلام وقد اشار اليهم وهو يصلي بايديه ان اجلسوا. فلما انقضت الصلاة قال لهم انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فاذا كبر فكبروا واذا ركع فاركعوا واذا رفع فارفعوا واذا سجد فاسجدوا واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعوه وهذا واضح في انه ينبغي لهم متابعة الامام فان صلى جالسا جلسوا عارض هذا او قابله حديث صلاته صلى الله عليه وسلم في اخر حياته وكانت اخر مرة خرج فيها صلوات ربي وسلامه عليه لاصحابه وهم يصلون. كشف الستار فاعجبه منظرهم. تقدم وابو بكر رضي الله عنه يصلي بهم اماما فتقدم حتى اتى الى جوار ابي بكر فجلس بجواره عليه الصلاة والسلام وتأخر ابو بكر رضي الله عنه قليلا. فصلى النبي عليه الصلاة والسلام واصبح ابو بكر يأتم به والناس يأتمون بابي بكر. فاصبح امامهم عليه الصلاة والسلام وهو يصلي جالسا وهم خلفه قيام انقضت الصلاة ما امرهم بالجلوس ولا نهاهم عن القيام. قال العلماء فهذا حديث متأخر لانه قبل وفاته بايام قلائل عليه الصلاة والسلام واذا كان كذلك عدوا هذا الحديث ناسخا لما سبق وبالتالي فينبغي للمأموم ان يصلي قائما ولو صلى امامه جالسا سواء ابتدأ الصلاة جالسا او اعتل اثناء الصلاة فجلس ويستشهدون بهذا الحديث وذهب بعضهم الى الجمع بين الحديثين وقالوا حديث الاول صلى في بيته وهو شاك صلى مبتدأ صلاته معتلا فصلى جالسا وعندئذ ينبغي للمأموم ان يتبعه. فاذا ابتدأ الامام الصلاة جالسا ابتدأوا الصلاة خلفه جلوسا وحديث ابي بكر ابتدأ الصلاة قائما وهم قيام. ثم دخل عليهم صلى الله عليه وسلم وانتقلت الامامة اليه به فكأنهم ابتدأوا خلف امام قائم ثم طرأ له ما يستدعي الجلوس ولهذا قالوا فرق بين ان يبتدأ الامام الصلاة قائما فيعتل فيجلس فهنا لا يجلس المأموم ويتم صلاته قائما وبينما اذا صلى الامام ابتداء جالسا فيصلون خلفه جلوسا لاحظ معي الادلة واحدة. لماذا اختلف القولان في المسألة لتعارض الادلة ثم اختلفوا في طريقة التعامل مع هذا التعامل فطائفة قالت بالنسخ فطائفة قالت بالجمع بين الادلة. اما المثال والثالث فهو صلاة تحية المسجد وقت النهي من صلى صلاة الفجر في مسجد ثم قصد مسجدا اخر او صلاة العصر ثم قصد مسجدا اخر يحظر فيه درسا او حلقة لتعلم القرآن وقد صلى وابتدأ في حقه وقت النهي بعد العصر وبعد الفجر. فهل اذا دخل المسجد الثاني يصلي تحية المسجد عملا بقوله هي صلى الله عليه وسلم اذا دخل احدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ام لا يصلي عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس هذان دليلان متعارضان في مسألة واحدة. ما المسألة صلاة تحية المسجد وقت النهي اختلفت انظار الفقهاء فمنهم من عمد الى محاولة الجمع والجمع هنا ليس من باب حمل العام على الخاص مطلقا لان كلا من الدليلين فيه عموم من وجه وخصوص من وجه. فاذا اردت ان تجمع فتحمل عموم هذا على خصوص ذا سيقابلك العكس ان تحمل عموم الثانية على خصوص الاول وكله سيدعي انه جمع بين الدليلين والكلام صحيح فستختلف الاجتهادات هنا فربما وجدت احد الفريقين يقول صلاة تحية المسجد اولى لان العموم في قوله لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ثبت انه عموم قد كثر استثناؤه بعدة استثناءات منها صلاة ركعتي الطواف. ومنها قضاء المنذورة والفائتة ومنها ما يتعلق مثلا بصلاة تابعة اذا جمع بين صلاتين ونحوها. قالوا فقد ثبت الاستثناء فلا مانع يكون هذا من جملته ومن يرجح العكس يقولون انت اذا صليت عملت بموجب طلب لا يجلس حتى يصلي ركعتين واذا امتنعت ان اتعمل بمقتضى نهي لا صلاة؟ واذا تعارض الامر والنهي او المبيح والحاضر كانت القوة للنهي عن الامر ويقدم الحظر على الاباحة والمشروعية فلا يصلي اجتهادان متقابلان كان سبب الخلاف فيها تعارض الادلة ولن ينقضي المجلس ولا اضعافه لو اردنا استقصاء الامثلة التي كان خلاف الفقهاء فيها مبنيا على ماذا على تعارض الادلة بل لا تكاد تخلو مسألة الا ولتعارض الادلة فيها مأخذ نعم هناك بعض المسائل الدليل فيها واحد ليس متعددا فلن يكون الاختلاف هناك مرده الى تعارض الادلة بل الى طريقة التعامل مع الدليل كما سيأتي بعد قليل. اذا هذا سبب اول وهو سبب كبير حقيقة وترجع اليه كثير من المسائل الفقهية ضربت بعضها بامثلة ومن امثلتها كذلك نقض وضوئي من مس الذكر يتجاذبه حديثان حديث من مس ذكره فليتوظأ وحديث لما سئل صلى الله عليه وسلم عن نقض الوضوء من مس الذكر قال انما هو بضعة منك اشارة الى عدم كونه ناقضا للطهارة. وهذا وامثاله كثيرة جدا لا تكاد تنحصر في ذكر امثلة لخلاف الفقهاء كان مردها الى تعارب الادلة. هذا السبب والامر كما قال المصنف رحمه الله هو اغلب اسباب الخلاف. وصدق رحمه الله هو اعظمها واكثرها شيوعا واكثرها سببا في نشوء الخلاف الفقهي وتفرعه على هذا السبب الكبير. نعم بارك الله فيكم شيخنا. السبب الثاني الجهل بالدليل واكثر ما يجيء في الاخبار لان بعض المجتهدين يبلغه الحديث فيقضي به وبعضهم لا يبلغه فيقضي بخلافه فينبغي للمجتهد ان يكثر من حفظ الحديث وروايته لتكون اقواله على مقتضى الاحاديث النبوية ولذلك كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله للحديث لقلة روايته له فرجع الى القياس بخلاف احمد بن حنبل رحمه الله فانه كان متسعا الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس واما ما لك والشافعي واما فمال مالك واما واما مالك والشافعي رحمهم الله فانهما اخذا بالطرفين وقد قال الشافعي اذا صح الحديث فهو مذهبي نعم. هذا السبب الثاني وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى جملة من المسائل التي تستدعي التوقف عندها في ذكر هذا السبب فاعلم رعاك الله ان قوله السبب الثاني الجهل بالدليل واكثر ما يجيء في الاخبار. ماذا يقصد بالاخبار الاحاديث النبوية لماذا هي اكثر من غيرها لان القرآن لا يجهل القرآن محفوظ ولا تظن ان فقيها يجهل اية من القرآن لاحظ قال واكثر ما يجيء يعني قد يكون الغفلة عن دلالة اية سببا للخلاف لكن الاكثر اين يكون في الحديث لماذا لانه لم يحط بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها احد لا من الصحابة ولا ممن جاء بعدهم اكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له ابو هريرة رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها جابر رضي الله عنه وعبدالله بن عمر رضي الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنه وانس رضي الله عنه سم من شئت مهما بلغت رواية احدهم فلن يكون محيطا بحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسباب كثيرة اعظمها واشهرها اتساع حياته عليه الصلاة والسلام على مدى ثلاث وعشرين سنة من نبوته وكل كلامه كان فيها وحيا يوحى. فمن الصحابة من ادركه مبكرا ومنهم من ادركه متأخرا. فضلا عن ان حياته التي كانت اقواله فيها وحيا عليه الصلاة والسلام كانت متفاوتة بين سفر وحضر وليس احد من الصحابة لزمه في كل الاوقات والحوادث والاسفار والحظر والاقامة فضلا عن ان كثيرا من مواقف حياته بعضها يكون في البيت فلا يدخل فيها اصحابه ولا يقفون عليها. وبعضها في المسجد والغزوات والاسفار فلن تكون زوجاته فيها رضي الله عنهم اجمعين. مهما كان من حرص الصحابة واقترابهم وملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانه ليس احد لزمه منذ الوحي. اقرأ باسم ربك الذي خلق الى ان لحق بالرفيق الاعلى ملازمة ما فارقه فيها قط. ما في احد ومن هنا قرروا العلماء انه ليس احد يحيط بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظا. ودراية وعلما لكن هل هذا يعني فوات بعض السنن وفقدان بعض الاحاديث في تاريخ الاسلام؟ الجواب لا ليس احد يحيط بها ولكن لم يكن مجموعه مفقودا مجموع ما حفظ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام محفوظ بجمع ما روي عن اصحابه اذا قلت هذا وقررته في حق الصحابة فهو في حق من بعدهم اكد اذا كان الصحابة وهم معاصرون له ما سمعوا كل شيء فما بالك بمن جاء بعدهم لا تقل لي ان الذي جاء بعدهم جمع واستوعب واخذ ما عند عائشة وما عند ابي هريرة وما عند جابر وما عند ابن عمر الجواب نفسه ليس هناك احد طاف بالصحابة كلهم فاخذ كل ما عند كل واحد منهم. لم يحصل هذا لاحد واستمر هذا في من بعده من التابعين فتابعيهم. ليس هناك احد احاط بحفظ السنة النبوية. ولهذا يقول واكثر ما يقع هذا في الاخبار او ما يجيء في الاخبار ثم قال لان بعض المجتهدين يبلغه الحديث فيقضي به. وبعضهم لا يبلغه فيقضي بخلافه السؤال هل هذا متصور؟ يعني هل يقع فعلا لبعض الائمة المجتهدين الكبار انه يفوته شيء من السنة ويغيب عنه حديث في المسألة هل هذا واقع اجيبوا واقع فاذا كان واقعا هل هذا نقصا وقدحا في مقام احدهم الجواب لا اما كونه ليس نقصا ولا قدحا فقد تقدم جوابه قبل قليل لعدم قدرة احد ان يحيط بكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واما كونه واقعا فنعم بل ساسمعك من الشواهد ما يدل على ان بعض كبار الصحابة رضي الله عنهم غابت عنه مسائل وغاب عنه العلم ببعض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يعظم هذا في فهم بعض الناس لانه يرى نفسه وهو صغير في طلب العلم وقف على الحديث وعلم به فكيف تريد ان تقنعه ان هذا الحديث الذي علمه هو على صغره وضعفه في طلب العلم كيف غاب عن ابي بكر تريد ان تقنعني ان بن مسعود رضي الله عنه ما كان يدري به وان جابرا ما علم وان عائشة فاتها رضي الله عنهم جميعا قد لا يستوعبون هذا فيصعب عليهم تصوره. والجواب اسهل من هذا بكثير تماما كما لو جمعت ما عندنا من علم بالسنة ليس عند الواحد فينا عندما عند مجموع ما عندنا ستجد انه قطرة في بحر علم احدهم بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فهل ستتعجب انه لو جمعنا كل ما عندنا لا يزال هناك قدر كبير نجهله؟ لا تعجب فالذي عندهم رضي الله عنهم اعظم مما فاتهم واكبر وابلغ فليس هذا الا من باب ما تقدم ان الاصل عدم احاطة احد من البشر بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. وفي هذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه والله مصدرا اسباب الخلاف التي ذكرها في رسالته المحررة رفع الملام قال السبب الاول الا يكون الحديث قد بلغه يعني المجتهد او الامام او العالم ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف ان يكون عالما بموجبه واذا لم يكن قد بلغه يعني الحديث وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر اية او حديث اخر او بموجب قياس او بموجب استصحاب فقد يوافق ذلك الحديث تارة ويخالفه اخرى وامثلة هذا كثيرة عديدة يا كرام. ليس فيها شيء من الاشكال ولا يتصور شيء من رفع ذلك عن مقام الائمة رحمهم الله. اسمع رعاك الله. اخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها. قصة امرأة رفاعة لما اتت الى النبي عليه الصلاة والسلام قالت كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي. فتزوجت بعده بعبدالرحمن بن الزبير. وانما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال اتريدين ان ترجعي الى رفاعة؟ لا. حتى تذوقي عسيلتك ويذوق عسيلتك اجمع العلماء على ان نكاح المرأة من زوج ثان بعد طلاقها بثلاث من زوجها الاول لا يحل رجوعها الى الاول بمجرد عقد النكاح من الثاني بل يلزم الوطؤ والجماع بصريح الحديث حتى تذوقي عسيلته يذوق عسيلتك. وهذا نص واضح يحكي العلماء اجماعا الا خلافا لامام جليل. سيد التابعين سعيد بن النسيب رحمه الله انا اقول سيد التابعين ليس عالما فقط ليس اماما من ائمتهم. قال سعيد بن المسيب لا يشترط الوطء بل يكفي العقد يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله قال ابن المنذر اجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للاول الا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عن سعيد بن المسيب انه قال يقول الناس لا تحل للاول حتى يجامعها الثاني وانا اقول اذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك احلالها الاول فلا بأس ان يتزوجها الاول هذا بسند صحيح عن سعيد ابن النسيب رحمه الله يقول ابن المنذر هذا القول لا نعلم احدا وافقه عليه الا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فاخذ بظاهر القرآن هذا مثال لامام كبير جليل عالم بل سيد من سادات التابعين. رحمة الله عليه. مثال اخر اخرج البخاري في صحيحه ايضا عن سفيان قال عمرو قلت لجابر بن زيد يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الاهلية عن لحم الحمار الاهلي فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ولكن ابى ذاك البحر ابن عباس رضي الله عنهما وقر قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعمي يطعمه. اية الانعام وليس فيها ذكر لحوم الحمر الاهلية قال وليس فيها دال. قال فابن عباس ومعه الزهري قال بظاهر الاية واجاز اكل غير المذكورات في الاية. ولم يكن بلغه حديث التحريم فلما بلغه رجع اليه وقال وكذلك قال الزهري رحمه الله وكذلك ينقل ايضا عن غير ما صحابي انه وقف على هذه المسألة يقول اه اه الطحاوي رحمه الله وهو يعرض للمسألة ان الامر في ذلك كما ذكر بظاهر الاية كما ذكر بظاهر الاية. الا ان ابن رضي الله عنهما لما وقف على تحريم الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ما حرمه من ذي الناب من السباع ومن ذي المخلب من الطير. علم انه مستثنى مما ابيح بهذه الاية. ولاحق بما حرم بها وهكذا كان من سواه ممن هو دونه وهو الزهري. قد قال فيما حدثه به ابو ادريس عن ابي ثعلبة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع قال ما سمعنا بهذا حتى دخلنا الشام. اي فسمعناه فاخذنا به الى اخر كلامه رحمه الله مثال ثالث على ان بعض اهل العلم من كبار السلف قد يفوته العلم بالحديث فيقول بحديث اخر. ما روى مسلم عن طاووس قال كنت مع ابن عباس رضي الله عنهما اذ قال زيد ابن ثابت رضي الله عنه يخاطب من زيد يخاطب ابن عباس يقول تفتي ان تصدر الحائض قبل ان يكون اخر عهدها بالبيت الزيد الان يستنكر على ابن عباس يستنكر عليه فتوى سقوط طواف الوداع عن الحائض يقول لابن عباس مستنكرا تفتي ان تصدر الحائض يعني تغادر مكة قبل ان يكون اخر عهدها بالبيت قال له ابن عباس اما لا فسل فلانة الانصارية. يعني ان كان لا او لا تعلم به فسل فلانة الانصارية هل امرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرجع زيد ابن ثابت الى ابن عباس يضحك وهو يقول ما اراك الا قد صدقت زيد الى تلك اللحظة ما كان يعلم بالحديث. ولم يكن يعلم ان المرأة الحائض يسقط عنها طواف الوداع قال ابن عباس وهو يروي الحديث كما في الصحيحين كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفرن احد حتى فيكون اخر عهده بالبيت وما كان قد بلغه تلك الرخصة فوقف عند هذا الحديث وافتى به بل قد خفي على جماعة من اهل العلم بالمدينة على رأسهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهو المشهور بعلمه الدقيق بسنن رسول الله عليه الصلاة والسلام واخذه الحثيث بها لكنه كان كذلك. اخرج البخاري عن عكرمة. ان اهل المدينة سأل ابن عباس سألوا ابن عباس رضي الله عنهما من امرأة طافت ثم حاضت قال لهم تنفر قالوا لا نأخذ بقولك وندع قول زيد. قال اذا قدمتم المدينة فسلوا فقدموا المدينة فسألوا فكان فيمن سألوا ام سليم فذكرت حديث صفية طاووس قال سمعت ابن عمر يقول انها لا تنفر ثم سمعته بعد يقول ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن. اذا هذه نصوص واضحة تفيد ان بعض اهل العلم كان ربما غاب عنه العلم بالحديث مرة اخرى انت تسمع اسماء كبيرة ابن عباس ابن عمر هذا ليس قدحا في احادهم رضي الله عنهم وكانوا في هذا على تمام اقدارهم ورفيع منازلهم رضي الله عنهم يغيب عنهم ثم يتذاكرون فيرجع احدهم بمجرد ان يبلغه العلم بثبوت الحديث والخبر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. يقول المصنف رحمه الله الله تعالى لان بعض المجتهدين يبلغه الحديث فيقضي به. وبعضهم لا يبلغه فيقضي بخلافه ثم قال فينبغي مجتهد ان يكثر من حفظ الحديث وروايته. لماذا هذه الوصية لماذا هذه الوصية تكون القوات المقتضعة. نعم اذا كان الجهل ببعض السنة سببا لفوات العلم بها. وكما قلنا مهما صنعت ولو حفظت دواوين السنة التي على وجه الارض لن تقول انك محيط بسنته عليه الصلاة والسلام فلماذا هذه الوصية اذا؟ لانك كلما كنت اكثر دراية بالحديث وعلما به كان القدر الذي يفوتك اقل لن اقول ستبلغ الكمال لكن سيقل فواتك. وبقدر نقص علمك بالسنة سيزداد ايش بقدر نقصك من علمك بالسنة سيزداد سيزداد الجهل بها والفوات الذي ستخالف به السنن الائمة الاربعة رحمهم الله تفاوتوا في هذا القدر. اعني في العناية بالحديث وحفظه وروايته وتتبعه وصح عن الشافعي رحمه الله انه كان يسأل احمد عن الحديث. ويقول اذا صح عندك الحديث فاخبرنا به وهم يعلمون ان ما بين يدي المحدثين من السنة اوفر مما عند غيرهم ويذكر عن الشافعي في بعض كتب المناقب انه قال لبعض رواة الحديث كالاوزاعي او غيره يقول لو اوتيت ما اوتيت من العلم حديثي يعني يقول لو جمعت انا من العلم بالسنة والرواية كما جمعت انت لا يغلبني احد يعني ساجمع من نصوص السنة ما يكون عونا على الترجيح السديد والقول المتين والفقه الدقيق وهذا صدق فان كل من كان بعلمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظم كان فقهه اعمق وادق واكبر لان القرآن محفوظ واياته محدودة وسوره محصورة لن يقول فقيه انا احفظ قرآنا اكثر منك كل القرآن مئة واربع عشرة سورة. لا يتفاوت الناس في حفظ عدد في القرآن. ولن يفوق احد غيره بمزيد سور وايات لكن السنة يحصل في هذا التفاوت وفي السنة من بيان الاحكام وتفصيلاتها ودقائقها قدر كبير ليس في مجمل القرآن مثله. فكل من كان بها اعلم واكثر دراية وتحصيلا كان نصيبه من الفقه ايضا اوفر واعظم واكثر لهذا اوصى المصنف رحمه الله قائلا فينبغي للمجتهد ان يكثر من حفظ الحديث وروايته. قال لتكون اقواله على مقتضى الاحاديث النبوية وصدق رحمه الله تعالى فان هذا اعظم وابلغ واكد في بيان نصيب الفقيه والعالم من الدراية بالسنة والعلم بها. يقول رحمه الله تعالى ولذلك كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله للحديث لقلة روايته له فرجع الى القياس. بخلاف احمد بن حنبلة فانه كان متسعا الرواية للحديث اعتمد عليه وترك القياس. واما ما لك والشافعي فانهما اخذا بالطرفين سنعود الى هذه الجملة بعد ان انقل لك طرفا من كلام شيخ الاسلام رحمه الله في بيان عظم وقوع هذا السبب بين السلف اي سبب اي سبب الجهل ببعض الادلة وخصوصا الاحاديث منها لما ذكر السبب المتعلق بغياب بعض الحديث او جهل الامام او العالم به. يقول رحمه الله وهذا الصبر هو الغالب على اكثر ما يوجد من اقوال السلف مخالفا لبعض الاحاديث. فان الاحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لاحد من الامة ما حصل لاحد وهذا الكلام دقيق وينبغي وظعه نصب العينين انظر كيف يشرح هذه الجملة يقول قد كان صلى الله عليه وسلم يحدث او يفتي او يقضي او يفعل الشيء فيسمعه او يراه من يكون حاضرا ويبلغه اولئك او بعضهم لمن يبلغونه فينتهي علم ذلك الى من شاء الله من العلماء. من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ثم في مجلس اخر قد يحدث او يفتي او يقضي او يفعل شيئا صلى الله عليه وسلم. ويشهده بعض من كان غائبا عن ذلك المجلس لمن امكنهم فيكون عند هؤلاء من العلم ما ليس عند هؤلاء وعند هؤلاء ما ليس عند هؤلاء وانما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم او جودته. واما احاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لا يمكن ادعائه قط قال واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين الذين هم اعلم الامة بامور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه واحواله خصوصا الصديق رضي الله عنه. الذي لم يكن يفارقه حظرا ولا سفرا. بل ربما كان معه في غالب حتى انه يسمر عنده بالليل في امور المسلمين. وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فانه كثيرا ما كان يقول صلى الله الله عليه وسلم دخلت انا وابو بكر وعمر وخرجت انا وابو بكر وعمر وذهبت انا وابو بكر وعمر وجئت انا وابو ابو بكر وعمر ثم مع ذلك لما سئل ابو بكر رضي الله عنه عن ميراث الجدة قال ما لك في كتاب الله من شيء؟ وما علمت لك في سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء. ولكن حتى اسأل الناس. فسألهم فقام المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة رضي الله عنه انهما فشهدا ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطاها السدس اكان المغيرة وابن مسلمة اعلم من ابي بكر وادرى منه بالسنة واكثر ملازمة لرسول الله عليه الصلاة والسلام؟ الجواب لا. لكنه السبب الذي شرحه رحمه الله. ويقول ايضا قد بلغ هذه السنة عمران بن حصين ايضا. وليس هؤلاء الثلاثة مثل ابي بكر وغيره من الخلفاء. ثم قد قصوا بعلم هذه السنة التي قد اتفقت الامة على العمل بها يعني ميراث الجد بالسدس يقول وكذلك عمر رضي الله عنه لم يكن يعلم سنة الاستئذان حتى اخبره بها ابو موسى الاشعري واستشهد بالانصار وعمر رضي الله عنه اعلم ممن حدثه بهذه السنة. لم يكن عمر رضي الله عنه ايضا يعلم ان المرء وانت ترث من دية زوجها بل يرى ان الدية للعاقلة حتى كتب اليه الظحاك ابن سفيان وهو امير لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما على بعض البوادي يخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة اشيم الضباب من دية زوجها. فترك رأيه لذلك وقال لو لم نسمع هذا لقظينا بخلافه ولم يكن يعلم حكم المجوس في الجزية حتى اخبره عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سنوا بهم سنة اهل الكتاب ولما قدم سرغ وسرغ مكان بين الحجاز والشام. وبلغه ان الطاعون بالشام استشار المهاجرين الاولين ثم الانصار اه ثم مسلمة الفتح فاشار كل عليه بما رأى ولم يخبره احد بسنة حتى قدم عبدالرحمن بن عوف فاخبره بالسنة في طاعون وان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا وقع بارض وانتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. واذا سمعتم به بارض فلا تقدموا وتذكر او وتذاكر هو وابن عباس الامر امر الذي يشك في صلاته فلم يكن قد بلغته السنة حتى حدثه ابن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي انه يطرح الشك ويبني على ما استيقن يقول وهذه مواضع لم يكن يعلمها حتى بلغه اياها من ليس مثله. مواضع اخر لم يبلغه فيه من السنة فقضى فيها او افتى بغير ذلك مثلما قضى في دية الاصابع انها مختلفة بحسب منافعها. وكان عند ابي موسى وابن عباس وهما دونه بكثير في العلم علم بان النبي عليه الصلاة والسلام قال هذه وهذه سواء. يعني الابهام والخنصر. فبلغت هذه السنة لمعاوية في فقضى بها ولم يجد المسلمون بدا من اتباع ذلك ولم يكن هذا عيبا في عمر حيث لم يبلغه الحديث. ثم ساق جملة من المسائل الكثيرة التي كانت دلالة على غياب بعض السنن ثم انتقل فقال وكذلك عثمان رضي الله عنه لم يكن عنده علم بان المتوفى عنها زوجها تعتد في منزل الموت حتى حدثته الفريعة بنت ما لك اخت ابي سعيد بقصتها لما توفي زوجها وان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها امكثي في بيتك حتى ليبلغ الكتاب اجله فاخذ به عثمان رضي الله عنه. اهدي له مرة صيد كان قد صيد لاجله وهو محرم. فهم باكله. حتى اخبره علي ان النبي صلى الله عليه وسلم رد لحما اهدي له. ثم قال وكذلك علي رضي الله عنه. قال كنت اذا سمعت من لله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء ان ينفعني منه. واذا حدثني غيره استحلفته. فاذا حلف لي صدقته وحدثني ابو بكر وصدق ابو بكر وذكر حديث صلاة التوبة المشهور يعني هو ايضا ربما سمع من غيره افتى علي وابن باسم بان المتوفى عنها اذا كانت حاملا تعتد بابعد الاجلين. ولم يكن بلغهم حديث سبيعة الاسلمية. حيث افتاها النبي عليه الصلاة والسلام بان عدتها حين تضع حملها وامثلة اخرى ساقها في الائمة الاربعة الخلفاء الراشدين فما ظنك من دونهم ان كان قد ثبت بالروايات الصحيحة الكثيرة انه ربما غاب عنهم بعض السنن فغيرهم من باب اولى واحرى ما بلغوا منزلتهم في الدين ولا في الامامة ولا في العلم ولا في الخصائص والمناقب فيكون غيرهم من باب اولى وهذه سمة في علماء الامة خلفا تبع لسلف لا ينقص ذلك من اقدارهم. والمراد يا كرام ان يثبت عندنا ان هذا السبب وغيره احد اعظم اسباب الخلاف بين الفقهاء والعلماء رحمهم الله. بقي كلام المصنف في قوله ولذلك يعني لاجل هذا السبب كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله للحديث لقلة روايته له فرجع الى القياس بخلاف احمد بن حنبل فانه كان متسع الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس. واما ما لك والشافعي فانهما اخذا بالطرفين هنا جملة من المسائل تحتاج الى بيان اولها ان الائمة الاربعة رحمهم الله تعالى على اتفاق في الاخذ في الادلة بالكتاب والسنة والاجماع والقياس لا يختلفون فلا يصح اطلاق القول بان احدا منهم ترك دليلا من هذه الاربعة على حساب الاخر لن يقول ترك السنة واعتمد على القياس ولا يقال في اخر ترك القياس واكتفى بالسنة بل اربعتهم اعتمدوا كما في مذاهبهم المقررة وكتبهم المعتمدة ورواياتهم الصحيحة الثابتة التي تدل على عملهم بالأدلة اربعتها على حد سواء. فأخذ ابو حنيفة ومالك والشافعي واحمد بالكتاب والسنة والاجماع والقياس هذا تعليقا على قوله احمد اعتمد عليه وترك القياس وقوله عن ابي حنيفة قلت روايته فرجع الى القياس ونسبة العمل بالدليلين الى مالك والشافعي بل الاربعة متفقون. اين التفاوت؟ التفاوت في القلة والكثرة يعني في القلة من العمل بالقياس او كثرته او في قلة العمل بالسنة او كثرتها. نعم هنا تفاوت هو قال رحمه الله كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله للحديث لقلة روايته له وهذه ايضا ثابتة في مذهب ابي حنيفة رحمه الله وليس هذا قدحا ولا ذما ولا مثلبة في حق امام عظيم. كابي حنيفة رحمه الله. لكنه وصف لواقع تاريخي يقول ان العراق في زمن الخلافة الراشدة في اواخرها. وما اعقبها من خلافة بني امية فخلافة بني العباس كانت مساحة وكانت مسارا لكثير من الاهواء والفتن واضطرابات الاحوال وكثرة ما يموج بتلك البلاد وفيها ظهرت عدد من الاحداث الجسام انتقال علي رضي الله عنه بخلافة الاسلام الى الكوفة. ثم مقتله ثم مقتل الحسين ابنه من بعده. وانتقال الخلافة بعدها الى الشام في دمشق كل ذلك كان مسارا لكثير من الاحداث العظام ظهرت الخوارج وظهرت المعتزلة وكان هذا بين الكوفة والبصر وهما بارض العراق. هذه الاحداث التاريخية صاحبها ونشأت لها احداث ترتبط برواية الحديث فقلت رواية الحديث ولم يكن بارض العراق في الكوفة ولا البصرة لم يكن بها من حجم الرواية للسنة ولا ارتحاد الحفاظ اليها. ولا وفرة رواتها كمثل ما توفر في الحجاز. بمكة والمدينة اللتان كانتا عامرتين بالصحابة واولادهم واحفادهم وتناقل الرواية فيها والعناية بالسنة امرا متوارثا يصغر عليه يدج يدرج عليه الصغير ويشب عليه الكبير. تراهم ينطلقون في الحرمين بين مكة والمدينة عامران بحلق الحديث والرواية فينشأ ناشئهم على هذا الامر في حفظ الحديث ويرويه وينتقل به نشأة مذهب ما له في الحجاز والشافعي تبعا لذلك اورثهم العناية بالسنة ونشأة مذهب ابي حنيفة رحم الله الجميع في العراق كان سببا ايضا يحمل على ما اقول العزوف عن السنة فلم تكن بين يديه كما كانت بين يدي مالك والشافعي نتكلم عن الوفرة ووجودها. فنشأ رحمه الله في بيئة لم تكن وفرة الرواية والعناية بالحديث حاضرة كما كانت في الحجاز بمكة والمدينة فاجتهد رحمه الله في تحصيل ما كان في بيئته فروى الحديث ولابي حنيفة رحمه الله ايضا رواية وله مسند يروى فليس عازفا عنها وليس جاهلا بالسنة لكنه حتما ليس في اتساع روايتها والعلم بها وجمع اساليب كمثل ما اوتي مالك والشافعي بعده بمنزلة هذا ما يتعلق بالثلاثة واما احمد رحمه الله فانه وان نشأ بعيدا عن الحجاز وكان بالكوفة ايضا وبغداد لكن طلبه للحديث ورحلته فيه ونشأته على صنعة المحدثين جعلته اوفر الائمة الاربعة عناية بالسنة رواية لها وحفظا لها وتحصيلا لطرقها واساندها حتى غدا امام الدنيا في عصره رحمة الله على الجميع. ولهذا يشير اصنف رحمه الله الى المقارنة بين طرفين ابي حنيفة في مذهبه واحمد في مذهبه. قال ولذلك كثرت مخالفة ابي حنيفة رحمه الله الله للحديث لقلة روايته له فرجع الى القياس بخلاف احمد بن حنبلة فانه كان متسعا الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس. في كلا الجملتين ما يحتاج الى شيء من التارك اللطيف وليس تعقبا على العلماء بقدر ما هو تكميل للفائدة وتتميم للعبارة. قوله كثرت مخالفة ابي حنيفة للحديث ليست مخالفة. نصف المخالفة يا كرام عندما يرى الحديث او يعلم به في عرض فيكون مخالف اليفة لكن نقول كثرت او قلت عناية ابي حنيفة رحمه الله للحديث لعدم وجوده او حظرته بين يديه وكذلك كالقول في شأن احمد اتسعت الرواية للحديث فاعتمد عليه وترك القياس. لم يقل بترك القياس بل صح عنه رحمه الله تعالى القول بالقياس والاخذ به ولم يكن مذهبه كمذهب الظاهرية. نفات القياس والرافضين له لا نعم اهل الحديث اهل الحديث هم اقرب الى الاخذ بظواهر النصوص لكنهم ليسوا ظاهرية صرفا وينفون القياس ويردون الاحتجاج به بل انه رحمه الله قال فيما نقل ابن قدامة لا يستغني احد عن القياس فكيف يصح ان ننسب اليه ترك القياس؟ انما مراد المصنف انه رحمه الله لا يكاد يعمد الى القياس الا اذا عجز عن ايجاد الحكم في الحديث فيما يرويه ونظرا لاتساعه في الرواية فقل ان يعتمد على القياس وينظر فيه. بل انه كان يرى تقديم العمل بالحديث الضعيف على القياس بل ويرى تقديم القول بعمل الصحابة وفتواهم وما يثبت من اثارهم مقدما على القياس. فيجعله اخيرا نعم قل اعتماده على القياس ولا يصح ان نقول انه ترك بالكلية. قوله اما مالك والشافعي فانهما اخذا ابالطرفين فالشأن كذلك في الائمة الاربعة كما اسلفت فقد جمعوا بين العمل بالنص والقياس ولا حاجة اعادة هذه الجملة قال رحمه الله في خاتمة هذا السبب وقد قال الشافعي اذا صح الحديث فهو مذهبي هذه العبارة ينقلها عدد من الائمة والعلماء عن الشافعي رحمه الله اخرج ذلك ابن ابي حاتم في اداب الشافعي ومناقبه. واخرج مثله ابن عساكر في تاريخ دمشق. وعدد من العلماء ممن ترجم للشافعي وكذلك ابن قيم واطال مسهما في شرح العبارة وبيان المراد بها. لكن العبارة الجليلة التي تقدس النص عظموا السنة فيما ينقل عن الامام الشافعي رحمه الله ثابت مثله بلفظه او معناه عن الائمة الاربعة وقد اجاد الشيخ الالباني رحمه الله تعالى رحمة واسعة لما ذكر في كتابه اللطيف المتين صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مقدمة الكتاب وهو يبين انه ينبغي لكل من تمذهب بمذهب احد من الائمة الاربعة ان يرجع الى السنة اذا ثبتت وصحت. لان اربعتهم رضي الله عنهم صح عنهم كما ذكر ذلك الشيخ الالباني باسانيد وعبارات متقاربة صح عن كل واحد من الاربعة تقرير هذه القاعدة اي اذا صح الحديث فهو مذهبي اذا رأيتم قولي يخالف الحديث فخذوا بالحديث او اعرضوا قولي عن الحديث وخذوا به. هذا التقرير هو شأن ائمة الاسلام. كيف لا وهم اعلم الدنيا واعلم بالشريعة وميزانها وما ينبغي ان يكون عليها العمل. هذا المنقول ايضا عن ابي حنيفة رحمه الله فيما نقله صاحب قاضي همم اولي الابصار عن ابن الشحنة في نهاية النهاية لكنها مشتهرة عن الشافعي اكثر من غيره لعناية آآ وعلماء مذهبه بنقلها وروايتها عن غيره لكن اربعتهم رحمة الله عليهم يقرون بذلك جميعا لتأكيد هذا الامر العظيم وتثبيت بهذا المعنى في اجلال وتعظيم العناية بالسنة والاخذ بها. انتهى وقت مجلس اليوم لنشرع غدا ان شاء الله تعالى من ثالث اسباب لاستكمالها. اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. والهداية والرشاد. والله تعالى اعلم. وصلى الله وسلم على عبده رسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين