اما بعد ايها الاخوة الكرام فهذا هو مجلسنا الحادي والستون بعون الله تعالى في مجالس شرح اصول الفقه بالامام تاج الدين بالسكي رحمة الله عليه. وهذا المجلس هو الثالث والاخير في مجالس كتاب ابتهار قبل ذكر خاتمة المتن اعتقاده دون تقليد وان يكون هذا مستقر عنده وقد تقدم ان مثل ذلك ليس له بصلب اصول الفقه علاقة لكنه شيء يتوجه المصنف رحمه الله تعالى ليكون جمعا بين فصلين اصول الدين واصول الفقه. وقفنا عند قوله رحمه الله تعالى خير الامة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ابو بكر خليفته. مجلس الليلة ننهي فيه بعون الله كتاب الاجتهاد ويتبقى لنا خاتمة المتن في المجلس المقبل بعون الله تعالى. نعم. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين والحاضرين قال الامام السبكي رحمه الله تعالى ونعتقد ان خير الامة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ابو بكر خليفته فعمر وعثمان فعلي امراء المؤمنين رضي الله عنهم اجمعين نعم ها هنا ثلاثة مسائل ثلاث مسائل في هذه الجملة. اولها اعتقاد افضلية ابي بكر رضي الله عنه في الامة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم. وثانيها اعتقاد امامته وخلافته للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وسالسها هذا الترتيب في الافضلية للخلفاء الاربعة فانه في العصر يأتي على ترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم اجمعين. وحرص المصنف رحمه الله على التنصيص على هذه المسائل الثلاثة. لانه مما خالف فيه مخالفون فالمخالف في المسألتين الاوليين شذوذ وخرق للاجماع والمخالف في المسألة الثالثة امر محتمل عليه جملة من متقدم السلف رحمة الله عليهم واليك البيان اما اعتقاد ان ان ابا بكر رضي الله عنه خير الامة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم فقد انعقد عليه اجماع الامة قبل حدوث الخلاف غير المعتبر الذي لا التفات اليه وشاهدوا ذلك في صحيح البخاري من حديث محمد ابن الحنفية يقول سألت ابي يعني علي رضي الله عنه اي اي الناس افضل؟ من افضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال امير المؤمنين علي رضي الله عنه ابو بكر فقال ابنه سائلا قلت ثم من؟ فقال رضي الله عنه فقال عمر قال ابنه وخشيت ان يقول ثم عثمان. فسألته وانت فقال علي رضي الله عنه ما انا الا رجل من المسلمين فاذا نزع احد في تفضيل علي رضي الله عنه على الصاحبين والخريفتين ابي بكر وعمر فيكون اول من خالف بمقولة هذه عليا نفسه رضي الله عنه الذي نص صريحا بسند صحيح اليه على شرط البخاري كما سمعت بتحضير ابي بكر ثم عمر رضي الله عنهم اجمعين هذه المسألة الاولى في اعتقاد افضلية ابي بكر والمسألة الثانية اعتقاد خلافته للنبي عليه الصلاة والسلام وامامته في الامة وخالفت الشيعة فقالت بامامة علي وهذا الخلاف منهم خرق للاجماع بل ونسبة لعامة الصحابة رضي الله عنهم الى الجهل والضلال والظلم. وحاشاهم رضي الله عنهم اجمعين وخالف في المسألة الثانية في مسألة الافضلية خالف فيها متأخر المعتزلة موافقين للشيعة بتفضيل علي رضي الله عنه على سائر الصحابة اجمعين التفضيل المطلق ويبقى المسألة الاخيرة وهي تفضيل الصحابة رضي الله عنهم على هذا الترتيب في الخلافة ابو بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم اجمعين وهذا الترتيب الذي يقرره علماء اهل السنة وهم عليه مطبقون الا خلافا عند متقدم السلف في تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما جميعا والامر في هذا يسير واعلم ان التشيع اول ما ظهر في الامة في ابتداء امره في شيعة علي رضي الله عنه فانما كانوا يقولون بتفضيله على عثمان واحقيته بالخلافة عليه ثم ما زالت المسائل تأخذ تطورا وغلوا شيئا فشيئا حتى ان الامر الى تكفير الصحابة وتظليلهم ونسبتهم الى الظلم والعدوان ونسبة علي رضي الله عنه وال بيته الى مبالغات وغلو بل والتأليم حاشاه رظي الله عنه وعن ال بيته فاذا ما سمعت شيئا من الوصف في متقدم السلف واحدهم من الائمة كعبد الرزاق الصنعاني وسفيان الثوري وانه يقال في ترجمة احدهم فيه تشيع يسير فانما يراد به هذا الوصف اما ذكر شيء من المثالب في شأن معاوية واله او شيء من المبالغة في تفضيل علي رضي الله عنه واله على عثمان لا غير واذا ما تجاوزت ذلك في تفضيل علي رضي الله عنه على الصاحبين ابي بكر وعمر فاعلم انه لا يصح عن متقدم السلف شيء من هذه المقولات اطلاقا وهم على هذا مطبقون وما زالت المسائل تتطور ويأخذ اصحابها في غلو حتى نسبوه الى الاحقية بالخلافة والامامة وصار هذا من جملة عقائدهم التي يخالفون فيها اهل السنة. الامامة لعلي وال بيته وان عامة الصحابة وجمهور مين غصبوا ال البيت حقهم في الامامة وما زال الظلم مطبقا وهم يرون ان من العقائد التي آآ يعتقدونها اعادة هذه الامامة الى ال البيت الذين هم احق بها اما القول كما ينسب الى الجويني في الارشاد لان الاخبار في فضائل الصحابة والخلفاء الاربعة جملة اخبار متعارضة فثمة ما فضلوا هذا وثمة ما يفضل ذاك وان تفضيل ابي بكر هو ما يقتضيه غلبة الظن فايضا خلاف ما عليه اهل السنة في ترجيحهم ان النصوص التي تدل على افضليتهم جميعا ثابتة رضي الله عنهم. وان تفضيل بعضهم على بعض امر متقرر. اذا كان الله عز وجل قد فظل بعظ الرسل على بعظ دون استلزام ذلك منقصة لغيرهم فان الشأن اولى في الصحابة الكرام رظي الله عنهم اجمعين اجمعين قوله رحمة الله عليه نعتقد ان خير الامة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ابو بكر خليفته. فعمر فعثمان فعلي امراء المؤمنين رضي الله عنهم اجمعين. ولا يزال اهل السنة يرتبون في تفضيل الصحابة الخلفاء الاربعة ثم تتمة العشرة المبشرين بالجنة ثم اهل بدر ثم اهل بيعة الرضوان ثم المسلمون اهل صلح الحديبية ثم من كان قبل الفتح ثم مسلمة الفتح وهكذا على طبقات يرون بعضهم افضل من بعض بموجب ما اقتضته النصوص الشرعية في تفضيل كل رضي الله عنهم اجمعين. واعلم اخيرا ان باب المناقب لا يدخله مفهوم المخالفة فاثبات فضيلة لاحد من الصحابة لا تستلزم نقيصة بالضد لغيره. رضي الله عنهم اجمعين. واذا فهمت هذا زال الاشكال وزال سوء الفهم عند من يظن ان اثبات فضيلة لاحدهم يعني سلبها عن غيره رضي الله عنهم اجمعين. نعم وبراءة عائشة رضي الله عنها من كل ما قذفت به. وهذا تصريح بعقيدة ما زالت فارقة بين عقيدة اهل السنة والشيعة في تهمة عائشة رضي الله عنها التي نزل الوحي ببراءتها وان الله عز وجل طهرها من كل ما رميت به بل حكم بالزور والبهتان والافك على من؟ قال تلك المقولة الاثمة الله عز وجل توعد الذين يعترضون اعراض المحصنات المؤمنات الغافلات بوعيد شديد وام المؤمنين نزلت برائتها من فوق سبع سماء وهذا الذي وقع لعائشة رضي الله عنها يثبت براءتها. ومن هنا قرر اهل السنة ان من جحد براءة عائشة مما اتهمت به او شك فيه فقد كفر بتكذيبه نص القرآن وليس الشأن في كل الصحابة كذلك لكن ما كان مرتبطا بنص قرآني فتكذيبه او التشكيك فيه او جحوده تكذيب للقرآن وجحد به ومثل هذا لا يبقى لصاحبه اسلام نعم ونمسك عما جرى بين الصحابة ونرى الكل مأجورين. هذا ايضا من جليل عقائد اهل السنة وفيه اشارة الى ما وقع بين امير المؤمنين علي رضي الله عنه وبين الصحابة كمعاوية من الفتن التي ما زالت تعصف باخر زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اهل السنة لا يشكون في ان ما وقع بين علي ومعاوية كان فتنة. هذا اولا ولا يشكون ان الحق في هذه الفتنة كان في جانب علي رضي الله عنه ولا يشكون ثالثا ان معاوية ومن معه اخطأوا متأولين فكل ذلك لا يستلزم شيئا مما غلا فيه الغلاة بتكفير معاوية او نسبته الى الضلال او الظلم المقصود عدوانا ثم سلب كل ما يثبت به فضيلة الصحبة رضي الله عنهم لمعاوية ولمن كان معه ولا يا ولا يرون ايضا ان ما وقع بين الصحابة ليس الا من باب البشرية التي تنفي العصمة عنهم. فالصحابة ليسوا بمعصومين وما وقع بينهم كانت عليها نبوءات اخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام. فما زالت تتحقق فيه النبواته صلوات ربي وسلامه وعليه واما الذي وقع بينهم ففتنة من شهدها كان على احد حالين اما الاعتزال والسلامة وكان عليه قلة من الصحابة مدحوا بهذا وحمل صنيعهم والفئة الاخرى التي كانت مع احدى الطائفتين فمن كان في طائفة علي فهي الحق الذي لا يشك فيه ومن كان مع معاوية اولا فانه مجتهد مخطئ وتقرر في النص الشرعي ان المجتهد اذا اصاب فله اجران واذا اخطأ فله اجر اذ نقول مجتهدين متأولين فانما نرفع عنهم اثم الظلم والعدوان عمدا فان الذي وقعوا فيه تأولا يرونه نصرة للحق ومجمل ذلك ان ما وقع من خلاف كان بسبب قتل امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فرأت طائفة من الصحابة ان الانتصار له والاخذ بثأره والقصاص من الظلمة والقتلة والجناة ينبغي ان يكون اولا قبل كل شيء والتعجيل وحسم مادة الفتنة التي امتدت في دار الخلافة بل في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرى علي رضي الله عنه ذو الرأي السديد والعقل الحكيم. ان المسألة بحاجة الى تهدئة الفتنة حتى تزول الاعناق المشرقبة وحتى يخمد نارها التي تطاول شررها. فكان الخلاف هذا بوديا ايضا ومن ورائه فعل الافاعيل وتأليب المغرضين حتى حصل ما حصل من امر قضاه الله وقدره لامر علمه سبحانه انه حكمة جليلة لن تعود الا بامر عظيم. نعم كان بلاء للامة وفتنة وفرقة. ونشأة لطوائف انتسبت الى اهل الاسلام. فكان لها من عقائد ما خالفت به عقيدة اهلي الاسلام في جملتها لكن من وراء ذلك حكما عظيمة فيها ثبوت وقوع الفتن ولو بين خيرة البشر. وان الايمان مهما ما بلغ بصاحبه لا يعصمه من الفتن وان العاصم هو الله سبحانه وتعالى وللسلامة من الفتن اسبابها واخيرا فان الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنه ينبغي فيما يعتقد اهل السنة ان يكف عنه فيقولون ونمسك عما شجر بين الصحابة لانك اذا ابصرت في الكتب والمرويات والتواريخ التي تحكي ما حصل بينهم ووقع بينهم رضي الله عنهم فالامر كما قال شيخ الاسلام اما ان تجده قد زيد فيه ونقص او افتري عليهم ونسب اليهم ظلما فذلك مما لا يلتفت اليه وقسم منه حق وصدق وعدل فذاك ينبغي ان نمسك فيه ونقول هم فئتان فئة مصيبة مأجورة صابرة وفئة متأولة مخطئة مأجورة غير ظالمة الامساك عما شجر بين الصحابة يعني شيئين الاول عدم الخوض في هذا وعدم الاغراق في تفاصيل ما حصل بينهم وعلة ذلك انه ادعى لسلامة القلب تجاههم رضي الله عنهم فانه لا يخلو من خاض في شأن ما وقع بينهم والغوص في تفاصيل ذلك ان يقع في قلبه ما لا يحمد له ان يقع في قلبي شيء من الازراء بعلي او بمعاوية او بابي موسى او بعمرو ابن العاص رضي الله عن الجميع وكل ذلك مما لا ينبغي مسلم ان يحمله في قلبه على احد من الصحابة. ثم ما عساه ان يخرج به الباحث والمفتش في تفاصيل ما وقع بينهم ليس من وراء ذلك عقيدة تعتقد ولا علم يحصل ولا عمل يتبع ويمكن ان يكون في ذلك مسلكا يتعبد فيه لله عز وجل. فهذا الذي يعنون به اولا بالامساك وعدم الخوف. ويعنون به ثانيا انه من احتاج فوقف على ما حصل بين الصحابة وما شجر بينهم فينبغي ان يكون محمله التماس العذر للجميع وحمله على احسن المحامل بين مصيب مأجور وبين مخطئ معذور والامر كما قال عمر ابن عبد العزيز رحمة الله عليه فيما ثبت عنه قال تلك دماء طهر الله منها يدي فلا اخضب بها لساني يعني اذا كان الله قد سلمني من شهود زمن فتنة غاصت فيها بعض الايدي في اراقة تلك الدماء الطاهرة للصحابة. رضي الله عنهم وحمدت الله ان عافاني من ذلك افأفتح على نفسي باب الخوض في دمائهم واعراضهم بالافك فيهم والحديث في اعراضهم واديانهم فلا يزال هذا منهجا ان الدماء التي طهر الله عز وجل منها ايدينا فلا نلوث بها السنتنا. ويعتقد هذا. فما زال اهل السنة ينصون على هذه الجملة العظيمة واعتبروها بابا فارقا بين عقيدة اهل السنة وعقائد غيرهم ممن طعن في الصحابة او انتقص او ازدرى او نسب اليهم ما لا يحق نسبته اليهم رضي الله عنهم اجمعين