الحمد لله الذي علمنا الاسلام وعلمنا الحكمة والقرآن. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والاكرام واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صفوة الانام. اللهم صلي وسلم وبارك عليه. وعلى ال بيته وصحبه صحابته الائمة الاعلام ومن تبعهم باحسان واقتفى اثرهم الى يوم الدين اما بعد. فهذا هو مجلسنا الثالث الذي نتحدث فيه عن مقدمات ممهدات لما نحن بصدده من الشروع بعون الله تعالى الكريم. في درس نتدارس فيه ومسائل وابواب وفصول علم اصول الفقه. تقدم في المجلسين السابقين شيء من التمهيد الذي يتضح به مداخل هامة واسس عامة لطالب علم الاصول فيما يتعلق بالنشأة وبطبيعة هذا العلم وباهميته بحاجة طالب العلم جملة اليه والمتفقه خصوصا اليه. درس المجلس المنصرم كان حديثا عن وجود هذا العلم وتمثله في تعامل الصحابة رضي الله عنهم زمن الوحي والتشريع. واستعرضنا جملة من الامثلة التي كان فيها تطبيقات عملية لشيء من فهم الصحابة للنصوص رضي الله عنهم وارضاهم. وقلنا ان اجل ما في هذه الامثلة التي مرت وغيرها وكثير مبثوث في ثنايا الكتب التي جمعت حديث السنن واثار الصحابة رضي الله عنهم اجل ما في ذلك التدليل على ان هذا العلم علم قائم وكان متواجدا حاضرا في حياة الصحابة رضي الله عنهم والوحي ينزل تشريع مستمر وفي هذا دلالة على انهم رضوان الله تعالى عليهم ما كانوا زمن الوحي عالة يتكففون الاحكام الشرعية ورسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر وهو مغنيهم عن كل نازلة تنزل بهم وعن كل حكم يحتاجون الى التعرف وجهته لكنهم مع ذلك كانوا يتأتون لدراية الاحكام من خلال النصوص واستنباطها وفهم اوجه الدلالات فيها. ولا القوم عرب والقرآن عربي والنبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم بلسانهم. والقوم كانوا في ابلغ درجات الفصاحة والبيان باللسان العربي. ومن اجل ما في تلك الشواهد ايضا ما كان فيها من حكاية لمثل هذه الافهام وعرضها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة فيصوب منها ما يصوب يقر منها ما يقر وينبه على ما ينبه عليه منها صلى الله عليه وسلم اعلى من ذلك واجل ان يكون التطبيق شيئا من الامور العملية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم اياها كما مر في حديث ابل الاعرابي لما سأله عن امرأة له وجدت غلاما اسودا فادار له الحديث نبينا صلى الله عليه وسلم بشيء من فهم يقيس به شيئا على شيء وقاس له حال النساء وحال الانسان عموما في التأثر بصفات الاباء والاجداد وظهور ذلك فيما بعد مما ليس في الابوين عليه صفة ظاهرة قاسه عليه الصلاة والسلام على شأن ما يراه الانسان ويعيشه من حياة البهائم الى ان اوصله عليه الصلاة والسلام الى قياس هذا على ذاك لما قال الاعرابي لعله نزعوه عرق فقال وهذا لعله نزعه عرق. كان الغرض ذلك الوقوف على حقيقة مهمة تقول ان علما كاصول الفقه بتفرع ابوابه وكثرة مسائله وعمق مآخذه ليس علما انشأه اجيال السلف فمن بعدهم ليكون مبتور الصلة او ليطوال انه شيئا ليس لم يكن مأثورا سيعزف عنه طلبة العلم او يزهدون في تحصيله. بلى هو علم قائم يحصله الصحابة رضي الله عنهم ملكة ومع ذلك كانوا يجدون من التقريرات النبوية وشيئا من التدريبات العملية بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ينمي فيهم هذه الملكة والشواهد التي مرت في الدرس السابق كانت دليلا على مثل هذا الاتجاه. يقال هذا للوقوف على هذه حقيقة فعلم الاصول شأنه شأن سائر العلوم الشرعية التي كانت موجودة في صدور الناس انذاك. كانوا يجدونها شيئا بالملكة وشيئا بالتعامل وشيئا بمعايشة الوحي ومعاصرة التنزيل ومصاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحصل له من العلوم من ذلك شيء كثير يتكون بعضه الى بعض فتكون لديهم من العلم ما ليس عند غيرهم رضوان الله عليهم اجمعين ذلك القول في علم اصول الفقه هو علم متراكم ومسائل مبنية على شطرين كبيرين احدهما الادلة والثاني الدلالات. والدلالات تعني فهم النص فهم اللفظ معرفة المراد به دلالته في لغة العرب تأثير السياق فيه. السباق واللحاق. اثر اللفظ في الجملة واثر الجملة في السياق والادلة بعضها على بعض. كل ذلك منظومة واحدة تشكل عند الفقيه او المجتهد او الناظر في الادلة قاعدة يصل من خلالها الى الحكم بالنظر الى الدليل الشرعي. هذا العلم الكبير الذي اصبح احد بوابات العلم الشرعي علم اصول الفقه علم قائل كنا نتتبع في درسنا الماضي نشأة هذا العلم وانتهينا الى انه كان موجودا في صدور الصحابة وفي عقولهم وفي افهامهم وفي تعاملهم مع النصوص ودللنا بالامثلة كيف كانوا يطبقون بعض القواعد التي اصطلح عليها الاصوليون فيما بعد ببعض المصطلح كصيغة العموم والتخصيص وتعارض الادلة والمخرج من ذلك الاشكال. كل ذلك مر ذكره في الدرس السابق. نتابع الليلة مسيرة تتابع هذا العلم وانتقاله عبر الاجيال لنقول كيف ظهر كتبا مدونة وكيف اضحى مؤلفات الا وكيف صار علما يطلب ومناهج تتبع وقواعد تذكر ومناهج ايضا يسير عليها الناس في التأليف وفي التدريس وفي الاستنباط لما تقرر عندنا ان الصحابة رضي الله عنهم قد حصلوا من قواعد هذا العلم وجليل مداركه شيئا كثيرا كما قلت بالسليقة في بعض الاحيان وبالتعامل مع النصوص ومعايشة الوحي في بعض الاحيان وبالتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم وفهم كثير من الاحكام من خلال السؤال والجواب والاستنباط تكون من مجموع كل تلك الطرق تأصيل هذا العلم في صدور رضي الله عنهم واية ذلك انه ماء مات رسولنا صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي الا وكنت تخيلوا اليك ان الامة ستصبح امام مأزق كبير. ان الوحي انقطع وان التشريع انتهى فلا كتاب ولا سنة لا قرآن لا اية تنزل ولا حديث نبوي سيدلهم على بعض الاحكام. كنت تتصور انهم يقعون في مأزق كبير وان الامة توشك ان تنهار من اول يوم مات فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم لكن التربية النبوية التي رباهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ومكن له من اصول الاستنباط وقواعد الفهم والنظر في الادلة اثبتت انهم مؤهلون تماما. لقيادة الامة بعد وفاة صلى الله عليه وسلم ولابقائها على مسار الشريعة. ولاهتداءها بهدى الله المنزل. وبالتنقيب في كتاب الله وفي سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام لاستخراج ما تحتاج اليه الامة في كل وقت وفي كل حادثة. ومرت الحوادث تباعا فاثبت الصحابة رضي الله عنهم كفاءة عالية وفهما دقيقا ونظرا ثاقبا مثلت في نهاية الدرس المنصرم بقصة الله ابن مسعود رضي الله عنه لما سئل عن المرأة التي عقد عليها زوجها المفوضة التي عقد عليها زوجها ومات ولم يدخل بها فاجتهد رضي الله عنه ثم افتى بما رآه بمحض اجتهاده والنظر. ولما اقول بمحض اجتهاده ليس هوى النفس. ولا الرأي المجرد لكنه الرأي الذي تربى وتشرب من قواعد الشريعة واحكامها واصولها ما جعله اهلا ان ينظر في المسألة فيحاول ان يجد لها من قوالب الشريعة ما يليق بها. فلما اجتهد رضي الله عنه ونظر في المسألة فرأى لها شبها بعدد من المسائل الواردة في كتاب الله لكنها بهذه الحيثيات وبالاعتبارات الواردة ليس لها نص يخصها. فيصدق ان تكون نازلة جديدة لا عهد له بها من قبل لانه لم يجد فيها اية ولم يسمع فيها حديثا. فمكمن العجب في قصته رضي الله عنه انه لما اجتهد بمحض اه بخالص اه عقله واجتهاده ونظره وقد امتلك رضي الله عنه الملكة الكافية في الفقه والاستنباط افتى رضي الله عنه بان لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة. فاجتمع له رضي الله عنه من مجموع تلك المسائل التي جاءت نظائرها في نصوص الكتاب ابو السنة ما يشهد بصدق فهمه حتى قام حمد ابن مالك وشهد ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مروة بنت واشق بمثل ما قضى به ابن مسعود رضي الله عنه فكان ذلك اية في العجب لفهم بشري يجتهد فيه صاحبه فيبلغ من توفيق الله تعالى له ان يصيب حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني ان يوافق الوحي. يعني ان يقول باجتهاده حكما هو حكم الله عز وجل وليس ببعيد عنه قصة سعد ابن معاذ وان لم تكن مسألة فقهية آآ ذات حكم عملي. لما حكمه النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة وقد اصيب رضي الله عنه ودعا ربه عز وجل الا يموت حتى يمكنه من اليهود. فلما كان منه ما كان وقد احتكموا والى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووافقوا على ذلك حكم فيهم سعد بن معاذ فاوتي به جريحا الى النبي عليه الصلاة والسلام فقال الله عنه يقضي فيهم يقول يرى او حكم فيهم بقتل مقاتلتهم رجالهم وسبي نسائهم وامتلاك اموالهم وكان هذا حكما ما ان تفوه به رضي الله عنه حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم والله لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع طباق. فلما تقف على مثل هذه النماذج تشهد بيقين ان هؤلاء الكرام رضي الله عنهم بلغوا من القريحة وصفاء الفهم وقل قبل ذلك صدق الايمان. وعمق الصلة بالله عز وجل ما وفقوا فيه اعظم توفيق ولا يمكن والله ابدا ان تقيس فقه الصحابة رضي الله عنهم ولا ادراكهم ولا معرفتهم بالشريعة اصولها وفروعها لا ان تقيسه اطلاقا بفهم احد جاء بعده من الامة على وجه الجملة. لان القوم مع ما هم فيه من الصفات والخصائص والملكات ورقة الطبع وحدة الفهم ودقة النظر. كانوا مع ذلك كله معايشين للوحي. معاصرين للتنزيل. فكان هذا شيئا لا تستطيع ان تعبر عنه ولا ان تكتبه ولا ان تصفه قوم تشربوا الشريعة فادركوا مداخلها ومخارجها وعرفوا كما فكان احدهم بقدرة بحيث اذا سئل عن مسألة لا نص فيها ان يتكلم فيوافق حكما شرعيا منصوصا ما بلغه لكنه وافق فيه الحكم الشرعي المنزل. اريد ان اقول كانت هذه شواهد تدل على ان الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة رسول صلى الله عليه وسلم عاشوا مرحلة جديدة لا وحي فيها. ولا تشريع يردهم. لكنهم امتلكوا قدرا كبيرا من فهم الشريعة ومعرفة احكامها وادراك مقاصدها ومعرفة اسرارها وغاياتها ما اهلهم بان يقودوا الامة في ذلك الزمن وفي تلك المرحلة على نحو يصيبون فيه النجاة للامة وسلوكها مسلك الهداية المطلوب هذه امثلة بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام تشهد ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا على ذلك القدر الكبير الذي اشرت اليه من اجل الشواهد في هذا المقام ما حدث في خلافة ابي بكر رضي الله عنه من الحوادث وما مر به من الوقائع كانت كلها مسائل اجتهادية. وكانت بحاجة الى ادراك وجه التنزيل فيها واصابة الحكم. فلا حروب الردة مثلا ولا جمع المصحف ولا انفاذ جيش اسامة ولا المناقشة في استخلاف صحابي بعد رسول الله وصلى الله عليه وسلم يلي امر الامة كل تلك مسائل لم يكن فيها نص. واولها من يخلف الامة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يكن بين ايديهم نص ان الخليفة من بعد فلان. وليست هناك اية صريحة ولا حديث صريح. اقول صريح لان هناك من الدلالة من الادلة ما كان يشير فيها اشارة عليه الصلاة والسلام لكن المسألة ليست صريحة فليست محل قطع لان تحمل الناس عليها فهذا اول الخلاف او ان شئت فقل اول المسائل التي اختبر فيها الصحابة فقههم. وعلمهم وادراكهم فاختلفوا المسألة فكان بينهم النقاش والمداولة في القصة التي تعرفون في سقيفة بني ساعدة لما اختلفا او سبق الانصار رضي الله عنهم فارتأوا وان يؤمر منهم امير ورأى انهم الانصار وانهم وزراء النبي صلى الله عليه وسلم وانهم ارباب الدار وانهم احق بالولاية والخلافة حتى ادركهم كبار الصحابة وفيهم ابو بكر وعمر وابو عبيدة وابن عوف وسائر المهاجرين فصار بينهما صار من اخذ وعطاء فانتهت الامر والمسألة الى مبايعة ابي بكر رضي الله عنه هذا اول موقف اختبر فيه الصحابة رضي الله عنهم فقههم فانظر كيف اجتهدوا وكان لكل مأخذه رأى الانصار رأيا رأى بعض المهاجرين رأيا اجتمع امر الجميع فيما بعد على رأيه. هذه تجربة اولى كانت محل كبار لفقه الصحابة وادراكهم. فانتهت بفضل الله الى توفيق وسداد. واجتمع الناس على امر رأى فيما بعد افراد الامة اليوم انه مقتضى دلالات النصوص لو جمعت. وان اولى الناس احقهم بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابو بكر الصديق رضي الله عنه لما اجتمع في حقه من كثير من الادلة والاشارات التي كانت تقضي بمثل ذلك. تأخير دفنه صلى الله عليه وسلم الى ما بعد الاستخلاف والانتهاء من هذا الامر هو جزء ايضا من الاجتهاد. ولم يقولوا رضي الله عنهم لن نبت في شيء حتى نفرغ من دفنه عليه الصلاة والسلام وقدموا امر ذلك وفيه من الفقه ايضا انهم وازنوا بين بعض الامور فقدموا ما حقه التقديم. وكانوا يرون انهم لا يوما ولا ليلة بلا امام يلي امرهم ولا امير يتولى شأن الامة ويقودها بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام. فاما اذا امر امير كل الامور تجري بما في ذلك الفراغ من امره صلى الله عليه وسلم تغسيلا وتكفينا ودفنا. يأتي بعد ذلك انفاذ جيش اسامة كانت من المسائل المعلقة فانه عليه الصلاة والسلام وجه بانفاده قبيل وفاته. فخرج الجيش فلما بلغ الجرف وهو موضع قرب المدينة وهو اليوم حي من احياءها لما بلغوا الجرفة بلغهم خبر مرض رسول الله عليه الصلاة والسلام فتوقف اسامة رضي الله عنه ينتظر ويتريث امر رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يبرح حتى بلغه نبأ الوفاة فعاد ادراجه الى المدينة فادرك ما ادرك الناس من خبر البيعة ومن دفن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهنا بدأت مسألة محل نقاش. هل ينفذ جيش اسامة ام يبقى؟ والمسألة امام طريقين الطريق الاول امضاءه تنفيذا لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهيز الجيش والطريق الاخر هو تغيير المسار نظرا لما جدد من الحوادث وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام احدثت خللا في المجتمع. وارتدت بعض قبائل العرب. والجزيرة اصبحت على صفيح ساخن كما يقولون يوشك ان ترتد على ادبارها والاسلام سيتفلت. واصبحت المدينة المدينة النبوية محل خطر محدق بها يوشك ان والتهمها الاعراب ويهجم عليها الناس. فبقاء الجيش فيها اولى. واستبقاؤهم احوط للمرحلة القادمة. فكان هذا رأيا اخر بعض الصحابة ثم اختلفوا فرأيت هذه مسألة اخرى هي محل من النظر والاجتهاد. فاجتهدوا واعملوا فقههم رضي الله عنهم. فانتهى امرهم الى انفاذ جيش اسامة وقد اصر على هذا الرأي ابو بكر رضي الله عنه فاخذه مع شيء من التعديل وهو استبقاء بعض كبار الصحابة عمر ممن كان مكتسبا في الجيش ان يخرج تحت امرة اسامة رضي الله عن الجميع لحاجة ابي بكر اليه فاستأذنوه وهو القائد فاذن بابقاء عمر مع ابي بكر رضي الله عنهم اجمعين. فكانت المسألة خيرا وانفاذ الجيش مع انه ما بلغ قتالا لكنه بلغ هيبة في نفوس القبائل في الجزيرة بان يتحرك جيشه من المدينة الى تبوك يقطع تلك المسافات قرابة الالف كيلو فتسمع بهم القبائل المجاورة وتزرع في ثنايا الطريق ذهابا وعودة وسامع الناس ان هذا الجيش رغم وفاة نبيهم عليه الصلاة والسلام الا انه لا يزال يبلغ من قوة ما ينفذ في الافاق من ثاني يوم بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام. فكان هذا امكن لتثبيت الامن والاستقرار في دولة الاسلام في المدينة فرزقهم الله تعالى بذلك الاجتهاد خيرا وسدادا وتوفيقا. مثال ثالث جمع المصحف وكتابته او جمعه في في في كتاب واحد ان الوحي لما كان ينزل في حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام. كانوا يكتبون الايات التي تنزل ويجمعونها ويكتبونها في الاوراق وفي آآ بعض العظام وفي بعض الحجارة وفي بعض الاشياء المتناثرة ولم تكن مجموعة على هيئة كتاب ورتب. فلما كانت حروب الردة وقتل من الحفظة عدد كبير خشي الصحابة رضي الله عنهم من تفلت القرآن بقتل الحفظة وحملة القرآن. فكان الرأي الذي طرح انذاك هو جمع المصحف وكتابته من الاول الى الاخر على هيئة مرتبة وكان هذا امرا جديدا لاحظ هي مسألة ايضا نازلة لم تكن موجودة زمن النبي عليه الصلاة والسلام. كان مجموعا متناثرا لكن تجميع مرتب على نحو المصاحف الموجودة بين ايدينا اليوم ما كان موجودا. فهذا الصحابة رضي الله عنهم مبدأ الامر ان يقدموا على شيء ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام. لاحظ انه شيء تعلق بالقرآن والمسألة حساسة وربما كان الاقدام فيها خطيرا فاختلفوا. فامتنع بعضهم خشية من ان يحدث شيئا في الدين ما فعله النبي عليه عليه الصلاة والسلام وكان الفقه الدقيق في رأي من رأى ضرورة ذلك والمبادرة به وجمعه وتحصيله ونظروا الى جواب اصبح جاء ثم يعني مسلكا اصوليا فيما بعد. هل الحجة في ترك النبي صلى الله عليه وسلم فيكون دليلا لنا على الترك فنترك يعني ما تركه وعليه الصلاة والسلام يجب ان نتركه؟ الجواب نعم. لكن بشرطين ان يكون الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته مع وجود المقتضي له. والشرط الثاني انتفاء المانع. فهذه القاعدة كل فعل كل فعل تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له وانتفاء المانع يجب علينا تركه الى يوم القيامة. كل شيء ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعله في حياته مع وجود المقتضي له يعني مع وجود السبب الباعث والداعي اليه. وعدم وجود المانع لم يكن هناك شيء من الموانع. ثم مع وجود السبب والحاجة ولم يكن هناك مانع ثم ترك يجب علينا ان نترك هذا الامر معشر الامة. قل مثل ذلك في تمثيل هذه القاعدة كل شيء نعتبره امرا محدثا في الدين من العبادات او شيء من الادراج في بعض امور الشريعة وجود كان موجودا وعدم المانع كان ملتفيا. فلما تأتي الامة فيما بعد فتحدثه يكون ذلك مرفوضا بانه احداث شيء تركه النبي عليه الصلاة والسلام. كتابة الحديث وجمعه مثال اخر. نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه فنهاهم في حياته ان يكتبوا شيئا غير القرآن. وكان السبب في ذلك المنع هو خشية ان يختلط شيء من غير القرآن بالقرآن فاراد عليه الصلاة والسلام الا يكون مكتوبا في حياته شيء في ورقة ولا صحيفة ولا في حجر ولا في جذع الا يكون شيء مكتوب الا القرآن حتى لا يختلط به شيء اخر سواه. فلما مات عليه الصلاة والسلام كان المقتضي موجودا في في حياته وهو الجمع ومع ذلك ما جمع لكن ثمة مانع كان في حياته لم يعد موجودا. فاختلفت المسألة. المانع الذي كان في حياته استمرار نزول الوحي والقرآن مستمر. فاذا كتب شيء غير القرآن خشيت ان يختلط غير القرآن بالقرآن. اما بعد وفاته عليه الصلاة السلام فقد اكتمل الوحي وانقطع وتم القرآن فلم تعد تخشى انك لو بدأت تكتب الحديث ان يشتبه بشيء اخر جديد لا تدري القرآن هو ام حديث؟ فلما زال المانع اختلفت المسألة ولذلك قال العلماء ان منع الكتابة كتابة الحديث النبوي. في زمنه صلى الله عليه وسلم اختلف حكمها عما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لان المانع الذي كان موجودا قد انقضى. نعود الى مسألتنا في جمع المصحف كانوا يرون ترك النبي عليه الصلاة والسلام لكنهم نظروا فاذا تركه عليه الصلاة والسلام لم يكن لوجود مانع. بل ولا لوجود حاجة ما وجد السبب الداعي الى جمعه مجموعة. الصحابة حفاظ والقوم قراء والناس القرآن في صدورها يقومون به ويقرأونه فوجد السبب فيما بعد يعني حدث سبب لم يكن موجودا في زمنه. وهو كثرة قتل القراء في الجهاد والفتوحات والغزو. فخشي الصحابة والقرآن نسيانه فمن ثم تجشموا نظرهم في المسألة والاجتهاد فيها. فقالوا بجمعه وعدم الحرج في ذلك كان من المترددين في المسألة عمر رضي الله عنه فلم يلبث ان شرح الله صدره لرأي ابي بكر ثم شرح الله صدر زيد لما اتيا به وعرض عليه المشروع ليكون هو القائم بالمهمة تردد ثم شرح الله صدره بالرأي الذي رآه الصحابيان الكريمان ثم كان المشروع الذي عاشت عليه الامة اليوم وهو جمع المصحف. فكانت خطوة ولبنة اولى للمشروع الثاني في زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه لما جمع مرة اخرى جمعا على نسخ متعددة ونسخ منه مجموعة ارسلت الى الامصار وبعث معها القراء من الصحابة ليتلقى الناس عنهم فهذا هو القرآن الذي تقرأ به الامة الى اليوم اربعة عشر قرنا وزيادة. فهذا يدل على ان اجتهادات الصحابة رضي الله وعنهم التي كانوا يمارسونها بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كانت خير شاهد على تطبيق عملي لقواعد تشبعت بها نفوسهم هي نظر في الا هي اجتهادات ولذلك اقول لما انقطع الوحي وبدأ الصحابة يخوضون بحر الحياة من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عاش معهم ثلاثا وعشرين سنة كانت تجربة صعبة لكنهم رزقوا التوفيق بما معهم من توفيق الله عز وجل من النظر في الادلة والقدرة على الاستنباط ومعايشة هذه المسائل فكانوا اكفاء رضي الله عنهم للنظر في المسائل. حديث قتال المرقدين وكلكم يعرف القصة لما ردت بعض القبائل من جزيرة العرب وكان ارتدادهم ليس كفرا ورجوعا للوثنية ولا عبادة للاصنام. كان كفرهم منعا للزكاة. فلما فيها الصحابة رضي الله عنهم وجعلوا يقولون هم مسلمون فكيف تقاتلونهم؟ كان رأي ابي بكر رضي الله عنه والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والصيام او بين الصلاة والزكاة. واستشهد بحديث امرت ان اقاتل الناس. حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم الا بحق الاسلام. فاستنبط رضي الله عنه ان جمعها هذه المذكورات هي العصمة لهؤلاء من القتال. يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. ويقيم الصلاة ويؤتوا الزكاة فما رأى ممدوحة لمن فقد شيئا من الشروط المذكورة في هذا الحديث ان يكف عنه القتال. قال فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحق الاسلام. ثم اطبق الصحابة رضي الله عنهم على هذا الرأي. ثم صار القتال واعادة الجزيرة الى واعادة الجزيرة الى حظيرة الاسلام حتى غدا مثلا يشاع بين الناس عندما تنزل النازلة ولا يوجد من يقوم لها فيقال ردة ولا ابا بكر لها. والمقصود ايها الكرام ان اجتهاد الصحابة في اول المراحل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت دلالة على انهم يمتلكون من اصول هذا العلم قواعده. ولما اقول الاصول والقواعد لا اعني به المسائل بعينها لكن اعني ملكة كانت عينهم على النظر في الدليل والاجتهاد في النازلة والخروج فيها بحكم شرعي هو الذي يحقق المصلحة للامة ويحقق لهم نجاتها ويحقق لهم ايضا سلوك صراط الله المستقيم. هذا النظر الواسع الدقيق اكتسبه الصحابة رضي الله عنهم كما قلت في صدر الحديث بتربية واسعة على يد رسول الله عليه الصلاة والسلام. فلما انقضى زمن ابي بكر رضي الله عنه وتولى عمر رضي الله عنه الخلافة جدت مسائل اخرى وهكذا لكن الذي جد في زمن عمر شيء من تنظيم الدولة واحداث بعض الترتيبات الادارية واستحداث بعض الانظمة التي ترتب شؤون البلاد فكانت هناك الدواوين اشبه بالوزارات اليوم حقائب وزارية. تدوين الدواوين انشاء ديوان لبيت المال. انشاء بالسجن انشاء ديوان للجيش وكل الامور تصبح مرتبة. ديوان بيت المال يعني يحصر فيه اسماء المسلمين. ويذكر ما لهم فيه من والعطاء من الحق في بيت المال وما يصرف لهم يسجل كل هذا. هذا ما كان موجودا. ديوان الجيش يكتب فيه المسلمون الغزاة تاركون في الجيوش فتوحات ومن يقتتم في كل جهة من الجهات ومن على ثغر كذا والكتيبة الموجودة بالعراق من فيها من اسماء الرجال المشاركين هذا ترتيب جديد اذا عادلهم به من قبل انشاء دار للسجن وتخصيصها لحبس المجرمين ومن يعزرون بالحبس. فكانت هذه احداث نظم جديدة اتيه الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم الفاروق الملهم عمر رضي الله عنه اتكؤوا فيه على ما سمي عند الاصوليين فيما بعد بالمصالح المرسلة والنظر الى مسائل هي من حاجات الناس ومن ضرورات الحياة وليس فيها نص شرعي يمنع وتحقق مصالح تتفاوت درجاتها ضرورة وحاجة وهي في الجملة منضبطة باصول الشريعة لا تعارض شيئا منها فاحدثوها وصارت سنة ماضية وصار الالتزام مطلبا وصار العناية بها واجبا لان ولي الامر وضعها ورتبها للناس فيجب الانقياد له سمعا وطاعة. فاتخذت مسيرة الحياة منحى اخر وتوسعت ولو كان الصحابة فاقدين لهذا النوع من الفهم والنظر في الادلة لعاشت الامة تخلفا ورجعية الى اليوم. يعني اما ترى انفتاح الحياة؟ وتغير كثير من انماطها وطرق العيش فيها؟ اقول لو كان الصحابة في تلك المرحلة بعقلية متحجرة وبفهم جامد ولا يستطيعون النظر والتقليد في الادلة ولا مسايرة المستجدات في الحياة وعشنا على اليوم الى اليوم على ذلك النمط البدائي الذي تركه الناس واستجدت بهم الحياء لكن الصحابة هم من فتحوا هذا الباب. الباب مسايرة الحياة فيما يحقق المصالح فيما لا يتعارض مع امور الشريعة. فيما يحقق قيام الدولة الاسلامية فيما يرفع الراية فيما يقيم الدولة عزيزة مكينة قوية مستغنية عن غيرها قوية على اعدائها ناشرة لدين ربها الى اخره. هذا النظر اسسه الصحابة رضي الله عنهم. فضعوا القواعد الاسس. فكلما جاء خليفة وحاكم وامام ووجد شيئا من مستجدات الحياة البلد في حاجة اليه والامة في حاجة اليها نزلوها على تلك القواعد واجروا عليها الاحكام الشرعية فما كان موافقا للحكم قبلوه وما كان مخالفا رفضوه وما كان بحاجة الى تعديل اجروا عليه تعديلا. وهكذا درجت حياة الصحابة كل حظ معي الان مسيرة هذا العلم اصبح يظهر اكثر بروزا. يعني هو كان موجودا زمن النبي عليه الصلاة والسلام. وظربنا له امثلة في الدرس المنصرف لكن الان بعد وفاته عليه الصلاة والسلام اصبحت هذه التطبيقات اكثر وضوحا لما؟ لانه لا وحي كما قلت ولا نصوص تنزل ولا نفزع له من يذهب الى رسول الله عليه الصلاة والسلام فيسألوه عن كيت وكيت فما كان لهم الا الاجتهاد. في الاجتهاد كانت تبدو تلك التطبيقات رائعة والفقه الدقيق والنظر الشديد واعمال ذلك الرصيد الكبير الذي جمعوه زمن حياتهم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فعادت المسألة الى ظهور اكثر بروزا في جيل الصحابة بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام. الى كم استمر هذا الحال؟ او ان شئت السؤال كيف كيف اتجه العلم هذا الذي حمله الصحابة في المرحلة التالية؟ ماذا حدث له؟ اذا عرفنا انهم ورثوه تعلموه اخذوه شيء ما تلقوه وشيء ما بالملكة ثم اصبحوا اكثر ممارسة وتطبيقا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا زالوا ينظرون في المسائل ولا زالوا يقولون فيها يختلفون احيانا يتفقون احيانا كل هذا موجود. واشهر امثلة ذلك اختلافهم في كثير من مسائل الفرائض والمواريث. خصوصا في مسائل العول ما يتعلق بشيء ليس من المنصوصات في نصوص الشريعة فيما يتعلق بقسمة التاريخ فكانوا يجتهدون اجتهاده. يرى عمر رضي الله عنه رأيا ويرى زيد رأيا ويرى ابن عباس رضي الله عنهما رأيا. فتختلف انظارهم فدل ذلك على ان اجتهادا ما ينظرون فيه ويعملون فيه الادلة ويقيسون فيه ويعملون فيه بعض القواعد التي تعلموها. هذه المرحلة انتهت الى جيم جاء بعده جيل التابعين. وعليك ان تتابع مسيرة هذا العلم الى اين وصل. اذا الصحابة لا خوف والعلم موجود وقائم وحاضر ومطبق وجلي وبارز وطبقوه وقادوا به الحياة. اين اضحى العلم في من بعدهم؟ وماذا فعل التابعون؟ والى اين اتجهت مسائل العلم الى الان لم لم يصر بعد علما مكتوبا في كتب ولا مصنفات لا زال علما في الصدور والعقول يمارسون بالنظر والاستنباط والنقاش والخلاف وابداء الرأي. استمر الامر كذلك في جيل التابعين. واصبح الصحابة يورثون هذا العلم لمن جاء بعدهم كما ورثوا سائر العلوم الشرعية. اما ورثوا رواية القرآن وتلاوته؟ اما ورثوا رواية الحديث وحفظه وحمله اما ورطوا الفقه ومعرفة الاحكام والمسائل؟ كذلك هم ورثوا النظر في الادلة وطرق الاستنباط قواعد الدلالات وما الى ذلك. هذه المرحلة انتهت الى جيل جاء بعده. جيل التابعين. وعليك ان تتابع مسيرة هذا العلم الى اين وصل؟ اذا الصحابة لا خوف. والعلم موجود وقائد وحاضر ومطبق وجلي وبارز. وطبقوه وقادوا به الحياء. اين اضحى العلم في من بعدهم وماذا فعل التابعون؟ الى اين اتجهت مسائل هذا العلم؟ الى الان لم تعلم لم يصر بعد علما مكتوبا في كتب مصنفات لا زال علما في الصدور والعقول يمارسونه بالنظر والاستنباط والنقاش والخلاف وابداء الرأي. استمر الامر كذلك في جيل التابعين واصبح الصحابة يورثون هذا العلم لمن جاء بعدهم كما ورثوا سائر العلوم الشرعية. اما ورثوا اية القرآن وتلاوته؟ اما ورثوا رواية الحديث النبوي وحفظه وحمله؟ اما ورثوا الفقه ومعرفة الاحكام والمسائل؟ كذلك فهم ورثوا النظر في الادلة وطرق الاستنباط وقواعد الدلالات وما الى ذلك. ورثوها كيف؟ ورثوها اخذين عنهم من التابعين وطلابهم والذين يقصدونهم الجلوس اليهم والانتفاع بعلمهم والاستفادة منهم كل ذلك كان حاصلا. تلمس ذلك في الذي جاء بعض الصحابة كما قلت وقد تشكلت حلق للصحابة وان شئت فقل مدارس وان شئت فقل مذاهب كان الصحابة رضي الله عنهم ودون تعليمها ومدرستها وتلقين الناشئة فيها. وذلك راجع الى توزع بقاء الصحابة في بلاد الاسلام بعدما اتسعت رقعتها وانتشر الاسلام. فتجد ابن عباس رضي الله عنهما في مكة. وابن عمر رضي الله عنهما في المدينة. وهنا سعود رضي الله عنه في الكوفة وانس ابن مالك رضي الله عنه في البصرة وابا الدرداء رضي الله عنه في الشام وهكذا فتوسع الصحابة وكان من سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه اذا سير جيوش الفتوحات وفتحت البلاد واستقرت وتمكن فيها الاسلام ان يبعث باحد علماء الصحابة او قرائهم او فقهائهم في ذلك البلد ليعلم اهلها فيكون مرجعه ويكون مفتيهم ويكون قارئهم ويكون معلمهم. فكان بقاء الصحابة في تلك الامصار التي فتحت فيما بعد من السياسة العمرية رضي الله عنه التي ارسل بها الاسلام ومكن بها. لم يكن يسيرا على الصحابة ان يفارقوا ديارهم. وان يتركوا المدينة التي علقت بها قلوبهم وان يبتعدوا عن مجاورة المصطفى صلى الله عليه وسلم. كان ذلك شاقا لكنهم رأوا رأوا مصلحة الامة الكبرى في هذه قضية وان نشر الدين وتعليم الاسلام وبذل العلم في ارجاء البلاد الاسلامية مصلحة متعدية بحجم الامة هي اولى من المصالح الشخصية المتعلقة بذواتهم ان يبقى في المدينة واجتماعهم وتكدسهم لا يحقق المصلحة المترتبة على انتشارهم. فعمد الصحابة رضي الله عنهم الى ذلك الذي حدث فيما بعد انك اصبحت تقرأ في خارطة التاريخ مدرسة ابن عباس في مكة مدرسة ابن عمر في المدينة مدرسة ابن سعود في الكوفة مدرسة انس في البصرة ما كان المقصود انشاء مدارس لمصطلح مدارس ولا كان المقصود ان يجمع طلابا له ويعلقون هذا مذهبي وهذه طريقتي لكن القوم امامهم رجل صحابي من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام. ما يبرحون عن مجلسه ولا يفتؤون الا وقد ترددوا عليه يتعلموا منه القرآن يسمع منه الحديث يستفتونه في المسائل. بهذه الملازمة كانوا يتشردون طريقة الصحابي. وكانوا يستلهمون من اتجهوا وكانوا يتشربون ايضا طريقته في التفكير والنظر في الادلة. الى الان لم لم تعد مسائل الاصول قواعد في شكل مسائل علمية نظرية. ولم يكن احدهم يجلس ويفتح الاحاديث درس اصول فقه او حلقة ويقول هذا من درس اصول فتنة يعلمه قواعد ويطبق عليها. ما الى الان لا زال علما في الصدور ولا زال يورثه بالصحبة والملازمة والاستفتاء والتعلم والسؤال. حتى هذه المرحلة الذي اختلف ان طريقة الصحابة رضي الله عنهم في الفهم والاستنباط ومناهجهم في التذكير هي التي انتقلت فصار اهل الكوفة متأثرين بفقه ابن مسعود رضي الله عنه فلما تجد سلسلة المذهب الحنفي الى الامام ابي حنيفة في اصولها الى طريقة ابن مسعود رضي الله عنه. وهذا سلسلة يدلك على ان فقه المذاهب فيما بعد هو مرتبط بفقه الصحابة بطريقة او باخرى ما شرعه غير مباشر. لما تنظر الى الحجاز مكة والمدينة. فترى ابن عباس بمكة والشافعي اول ما تفقه بها ثم ارتحل المدينة والمدينة بها كبار ابن عمر من اشهرهم ثم فقهاء المدينة السبعة من جيل التابعين ثم يأتي من بعدهم الائمة فتجد فقه مالك منحدرا من تلك السلسلة من فقهاء فتجد الفقه والطريقة في الاستنباط والنظر في الادلة متأثرة بفقهاء الصحابة في ذلك البلد. فهذا الذي يقصده بظهور ما يسمى بمدارس الصحابة اذا ليست مدرسة اصطلاحية وليست مناهج ولا كانت دروسا يعلم فيها قواعد الاصول لكن كما قلت كانت صحبة وكانت ملازمة وكان استفتاء وكان معرفة للحكم من خلال ذلك يتشرب الاخذون عنه من كبار طلابه وتلامذته يتشربون طريقته ومنهجه وهديه. فاذا كان احد طلابه ارتحل والتقى بصحابي اخر جمع ما عند هذا الى ما عنده وهكذا فالذي نريد الوصول اليه الان ان جيل التابعين ورث علم الصحابة فيما يختص بما نحن بالحديث عنه في اصول الفقه يورثوه وراثة من خلال التأثر بطرائق الصحابة الذين سكنوا المدن وكانت هذه سمة بارزة. ربما وجدت رجلا من التابعين او اتباع التابعين قد زار اكثر من بلد وجلس الى اكثر من صحابي فيغلب عليه التأثر بالصحابي الذي لازمه فترة الاطول فاصبح سعيد ابن المسيب مشهورا بالاخذ عنه ابي هريرة. ولما تأتي الى فقه سعيد ابن سيد وهو سيد من سادات التابعين بل امام وتجده صهرا لابي هريرة تزوج بنته وقد اكثر من الاخذ عنه رواية الحديث عنه ثم حمل فقهه وطريقته ستفهم الطريقة التي تأثر بها فحمل فقها عظيما واسعا من فقه احد الصحابة الكبار تأتي الى نافع مولى ابن عمر وهو مولاه وخادمه اكثر من مجرد تلميذ وطالب. الطالب التلميذ يلقاه في المسجد ويلقاه في الحلقة. ويلقاه في السوق ربما لكن المولى معه حتى في البيت. فتشرب فقهه في كل شيء حتى فيما لا يقصد تعليمه فيه. وهذا الذي يقصده بالتأثير الكبير للصحابة في الجيل الذي جاء بعدهم. نافع مولاه عن صنيع ابن عمر في البيت اذا كان في البيت قال شيء لا تطيقونه قيل وما هو؟ قال الصلاة الوضوء من صلاة الى صلاة الوضوء من كل صلاة الى صلاة والمصحف فيما بينهما ما عنده وقت فراغ. يتوضأ لكل صلاة ومن الصلاة الى الصلاة المصحف. فانظر كيف حكى شيئا رآه وابصره ما تكلم به ابن عمر ولا حكاه لكن الملازمة والصحبة والرفقة اثمرت توريثا لهذا المذهب فاصبح في قبر عمر يمكن ان تكون مستنسخا عند مولاه نافع ثم ينتقل من نافع الى من يأتي بعده فتجده من كبار المتأثرين به مالك الامام مالك رحمه الله وشيوخه من قبل تشربوا هذا الفقه عن ابن عمر فاضحى مؤثرا في منهجهم ومذاهبهم وطريقتهم فيما بعد. هذا الذي نقوله ينسحب تماما على مدرسة مكة. وفيها ابن عباس وكبار الاخذين عنه مولاه عكرمة ومن جاء بعدهم حتى يمتد الى ابن جريج ثم الشافعي. هكذا السلسلة تتشرب هذا المنهج والعلم والطريقة. والناس نأخذ هذا العلم وراثة جيلا بعد جيل. المقصود الان ان الصحابة رضي الله عنهم في هذه المرحلة ورثوا العلم عن طريق انتشارهم في الاثار وتدريسهم لطلابهم من التابعين والاخذين عنهم بل وبعضهم ورث العلم حتى لابنائه. كما في ابناء ابن عباس وابناء ابن عمر لاولادهم وكانوا حملة لهذا العلم وناقلين عنه واقصد بالعلم الرواية والفهم. الرواية اخذ القرآن ورواية الحديث والفهم والنظر وفيه فكل ذلك كان مكتسبا. يعني ارأيت مثلا لو لو تخيلت انك جالس في مجلس ابن عمر ثم يرى احد اولاده يخذف بحصاة والخف والمثقال الحصاة الصغيرة ووضعها بين الابهام والسبابة والقذف بها. فنهاه ابوه وعبدالله بن عمر وقال له ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن وقال انها انها لا تنكأ عدوا ما تفقه العين وتكسر السن يعني ما فيها خير. ان كان فيها ضرر اذى للعين او للسجن ومع ذلك لا تغض عدوا. فبلغه بالحديث وبعد قليل عاد ابنه مرة اخرى فعبس وقذف بها فغضب عليه ووبخه وعاتبه عتابا شديدا الان هذه اليست اليس منهجا يتلقاه الولد والجالسون في المجلس؟ ويعرفون ان هذا المنهج فوق قضية تقديس النص والتعامل معه وهيبته والوقوف انت هو فافهمه ان النهي يقتضي الوقوف عنده وعدم التجاوز. وان نهي النبي عليه الصلاة والسلام شديد يجب الوقف عنده. هكذا فهم لبخه عاتبه طرده قيل هجره قيل يعني قرر الا يكلمه بعد ذلك المجلس ابدا. هذه مداخل تنبئك عن انهم كانوا من خلال المعايشة يورثون العلم الذي حملوه رضي الله عنهم وارضاهم. المرحلة التي تلي هذا يعني تلي جيل التابعين الان وصلنا الى ان العلم حملته الصحابة في صدورهم وتكونت عندهم اسسه الكافية التي اثبتوا مهارتهم واتقانهم وامامتهم فيها من الخلافة الراشدة مع مختلف الحوادث التي مرت بهم والنوازل التي جدت في عصرهم فكانوا اقدر ما يكونون على ادارة الحياة وتسييرها والنظر في الاحكام الشرعية التي تحتاجها الامة. المرحلة التي تلتها هي توريث هذا العلم من صدور الصحابة الى التابعين بالاخذ والممارسة والاستفتاء والنظر ثم تلت هذه المرحلة مرحلة تابعة لها تاريخيا وجغرافيا جغرافيا استمرت بلاد الاسلام في الاتساع والفتوحات. وتاريخيا امتد زمان وبدأت اجيال الصحابة تنقرض وينتهي جيلهم بموت اخرهم واحدا بعد واحد. فلم يبق امامك الا جيل التابعين الذين حملوا هذا الفقه عن الصحابة يتأثر بمذاهبهم ومناهجهم وروايتهم وعلمهم. هذه المرحلة اصبحت على على امور جديدة ما كانت موجودة زمن الصحابة. يعني جيل التابعين واتباع التابعين الذين حملوا هذا العلم وورثوه عن الصحابة رضي الله عنهم اجمعين يواجهون مستجدات ما كانت موجودة قبل الى الان لا يزال العلم محمولا في الصدور. ولم تبرز مسائله على شكل قواعد ولا مسائل نظرية ولم تعقد له الحلقات ولا يجتمع لها في الدروس ولم تصنف فيها الكتب ولا الرسائل ولا المؤلفات كل هذا كان مبحوثا بين الناس بينما الحديث كتب والفقه شيء منه ايضا قد دون. لكن يأتي الزمن ولا يزال الناس بحاجة الى امور تجد عليهم. الذي جدة في جيل التابعين واتباعهم مما لم يكن موجودا زمن الصحابة امور عدة. اولها الفتوحات واتساع البلاد. هذا هذه المسألة الجغرافية بحتة الدولة كانت جزيرة العرب بعد قليل دخلت فيها الشام دخلت فلسطين دخلت مصر دخلت العراق دخلت بلاد ما وراء النهر ماذا يعني هذا؟ يعني هذا عدة مسائل متداخلة بعضها في بعض. اتساع البلاد وانتشار الفتوحات يعني بالضرورة يعني بالضرورة امورا تؤثر في العلم الشرعي. منها ان البلاد التي تفتح وتتسع فيدخلها الاسلام ليس اهلها الذين اسلموا حديثا بدرجة اسلام المسلمين في بلاد الاسلام. وهذا يعني انهم بحاجة الى جهد لتعليمهم وتفقيههم واقرائهم القرآن وترويتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فانت لا تبحث عن توريث اصول العلوم وقواعدها انت تبحث عن ايصالهم لاصول الاسلام واركان الايمان. فهذه مرحلة حالت بين ان يكون العلم ايضا متوارثا بالصدور والرواية. لانك امام مرحلة تحتاج ان تعلم الناس اركان الاسلام. وصفة الصلاة وتحتاج الى قاضي يحكم بينهم في المسائل الشرعية فاتسعت البلاد توالي الفتوحات زمن عمر رضي الله عنه ومن جاء بعده التوالي السريع الفتوحات المتتابعة اصبحت بحاجة الى استنفار جهود الصحابة وكبار التابعين الموجودين انذاك لنشرهم في تلك البلاد لتعليم الناس. هذا التعليم استغرق جهدا قابل في الوقت ذاته مجموعة من الاشكالات اهمها ان البلاد التي فتحت في غالبها ليست عربية. لما فتحت بلاد فارس وبلاد ما وراء النهر وبلاد الروم شيء من اطراف شمال الشام وجنوب تركيا حاليا قوم ليسوا بعرب. وهذه معضلة اخرى تحتاج الى تعليم اللغة. واصبحت تبتعد مسافة كن اكثر عن التعامل المباشر مع النص. لان قلنا ان من اكبر العوامل التي اعانت جيل الصحابة رضي الله عنهم على التمكن في هذا العلم هو اللسان العربي الذي يمتلكون. فلما جاءت اجيال يفقدون اللسان العربي فانت تحتاج اولا ان تعلمهم اللغة العربية. ثم تحتاج ان يتمكنوا فيه تمكن العرب ثم تحتاج ان تكون لهم ممارسة واسعة في النصوص يبلغوا مبلغ الجيل السابق في الفهم والاستنباط وقوة التعامل مع الدليل هذه امور صعبت المسألة ودعنا نقول اضعفت اضعفت مسيرة العلم في انتقاله الوراثي عبر الاجيال ليس من السهولة توريثه الان لان هناك عقبات قامت فاقد اللسان العربي او ضعفه اتساع البلاد انتشار الصحابة وقلتهم موت كثير من الصحابة وبداية جيل التابعين واتباع التابعين انتشار الصحابة كان وراءه ايضا اشكال اخر غير منظور لما كانوا في المدينة مجتمعين زمن ابي بكر رضي الله عنه كان اسهل ما يكون ان تنزل النازلة ويجتمع فيها الصحابة او يجمعهم ابو بكر رضي الله عنهم اجمعين فيسألهم ويستشيرهم فيتناقشون ويتبادلون النظر يخلصون الى رأيي. اما رأيت كيف تختلفوا في الدفن؟ كيف اختلفوا في مسألة الاستخلاف؟ في المصحف في قتال المرتدين لكن اسهل ما يكون ان ينفض الاجتماع على اتفاق. فلا يمكن ان تخشى ان يبقى رأي مخالف او شيء معارض المسألة بعد النقاش والاستدلال يميلون الى رأي هو اقوى وارجح ويعملون به. هذه الصورة انعدمت في الاجيال اللاحقة. انتشار الصحابة الموجود والموجود باليمن والموجود بالشام والموجود بفلسطين والموجود بالبصرة وبالكوفة. كيف تجمع كل هؤلاء لتقف على رأيهم في مسألة ما؟ الامام والخليفة حاجة الى اقرار حكم ولاستنباط مسألة والبت فيها. ففقد هذه المسألة اضعف مسيرة الفقه في بعض صوره كما قلنا. مما ايضا ان ان الصحابة لما بدأوا يقلون في البلاد التي فتحت اصبحت رواية الحديث تضعف تباعا. لان حملة الحديث هم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام فاصبحت كل ما تبتعد عن جزيرة العرب عن بلاد الحجاز تحديدا اصبحت رواية الحديث اقل. فرواية الحديث في العراق وفي الشام وفي البصرة هي اقل مما منها في الحجاز عند اهل مكة والمدينة لوفرة الصحابة ورواية الحديث لاولادهم واولاد اولادهم كان ينتشر ويتسع وتحمله الناس فكلما ابتعدت اكثر وذهبت الى بلاد ما وراء النهر في خراسان وجدت رواية الحديث هناك اقل فاقل فاقل ماذا يعني لهذا يعني ان جزءا كبيرا من مصدر الشريعة وهو الحديث النبوي غير موجود عند الناس. الاجيال التي ستأتي الاجيال المسلمة هذا الجيل فتحت بلادهم دخلوا في الاسلام. اولادهم ولدوا مسلمين. لكن ماذا يوجد عندهم من الاسلام؟ القرآن وشيء من الحديث. كيف بوضع الفقه فضلا عن اصوله في جيل الثاني والثالث من البلاد التي فتحت في الاسلام كيف سيكونون في صلتهم بالدين؟ سيكونون اضعف ولا شك هذا كله عوامل اضعفت مسيرة الفقه وانتشار اصوله في بلاد الاسلام التي فتحت زمن الخلفاء الراشدين. ينضاف الى هذا سبب ليس باليسير ذكره وهو بداية نشأة الفرق والمذاهب المخالفة للاسلام او المخالفة لطريقة سنة رسول الله عليه والصلاة والسلام ظهرت فرق ظهرت الشيعة ظهرت الخوارج ظهرت المعتزلة ظهرت الجهمية فرق متعددة لها مقالات تخالف مقالات السلف. اما في ابواب الاسماء والصفات في العقيدة في الله عز وجل. واما في القضاء والقدر واما بالنظر الى بعض مسائل تطبيق احكام الشريعة اقصد بالخلاف العقدي وليس الخلاف الفقهي. هذا الخلاف احد اكبر اسباب وعوامل التأثير في مسيرة العلوم الشرعية في بلاد الاسلام. لما؟ لان اصحاب الفرق وارباب المذاهب كانوا يستدلون لمذاهبهم بالادلة يعني لما يقول المعتزلة مثلا ان صاحب الكفيرة الكبيرة مخلد في النار ولما يقولون ان الله لا يغفر لصاحب كبيرة ويستدل بماذا؟ لا بد ان يستدل. وسيأتي بنصوص شرعية تشهد على مذهبه. كما يقول الخوارج ايضا بكفر مرتكبي الكبيرة. يستدلون في الحديث لا ايمان لمن لا امانة له. ليس منا مثلا فيقول هذه النصوص تدل على خروج صاحبها من الاسلام. ليس ان اولى ايمانا او لا اسلاما فلما ينفي الحديث ايمانا واسلاما ويقول ليس منا اذا هو حكم بكفره. وبخروجه من دائرة الاسلام. اذا هو ماذا فعل؟ هو سيستدل بالنصوص. ولما تقول يستدل بالنصوص اذا هو يتكئ على جملة من القواعد التي يفهم بها. اذا انت امام مشكلة جديدة هي المشكلة هي طرق عقيمة في فهم النص. هذا شيء جديد ظهر في الامة. كان مرتبطا بظهور الفرق والمذاهب. الى ما قبل ذلك كان الفهم سليم والصحابة يفهمون وورثوا هذا الفهم السديد لمن جاء بعدهم لكن مشاهد الفرق وظهرت تلك المذاهب واصبحت تدلي في فهم النصوص الشرعية بطرق عقيمة وفاسدة وفهموم ليست صحيحة. فاثرت هذه كثيرا في مسيرة فهم النصوص والتعامل مع العلوم الشرعية هنا ظهرت الحاجة جلية الى ان يكون هذا العلم محفوظا كي لا يضيع بين هذه المآخذ. ضعف اللسان ضعفت رواية الحديث في البلاد البعيدة عن الحجاز ضعف الاستنباط الصحيح والتعامل السليم مع الادلة من خلال قواعد المذاهب منحرفة هذه كلها عوامل تخاف معها ان يندثر علم الاصول الذي ورثه الصحابة لمن جاء بعدهم. اصبحت الحاجة ماسة الان اذا الى ماذا؟ الى ابراز هذا العلم الى تقعيده الى حفظه الى تدوينه الى كتابته وهكذا كان في منتصف القرن الثاني الهجري تقريبا يعني بعد المئة وخمسين. ظهرت المحاولات لمحاولة جمع قواعد وهو الذي بدأه الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الرسالة لما ارسل اليه الامام عبدالرحمن ابن مهدي المحدث شيخ احمد وشيخ ابن المبارك وشيخ اسحاق شيخ هؤلاء جميعا. كتب الى الشافعي رحمه الله يطلب فيها منه ان يجمع له بعض المسائل التي تعينه في فهم القرآن. ونص رسالته يقول اريد ان يضع له كتابا فيه معاني القرآن. ويجمع قبول الاخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ. امام كعبد الرحمن ابن مهدي هو شيخ لائمة السلف. لما يذكر حاجته الى مثل هذه المسائل الا يدلك على ان المسألة اصبحت في في فراغ كبير في الامة والرجل امام. ويذكر انه اصبح بحاجة الى من يعينه كالامام الشافعي ان يدون له هذه المسائل وان يستنير برأيه وان يتعلم منه قواعد ماذا؟ قواعد النسخ قواعد الاحتجاج بالاخبار والاحاديث معاني القرآن وكيف يفعل فيها؟ هذه الرسالة التي ارسلها عبد الرحمن بن مهدي حملت الامام الشافعي على ان يكتب له وريقات وصفحات كتب له فيها جمل جملا ذكر فيها شيئا من هذه المعاني وبعث بها اليه. قيل كان ذلك سنة مئة وثمانين للهجرة. والشافعي موجود سنة مئة وخمسين ولما بعث بها اليه وقعت عند الامام عبدالرحمن بن مهدي موقعا حسنا وفرح بها وسر بها لانه رأى فيها علما غزيرا وعقلا واسعا واحكاما دقيقا بقواعد الشريعة في فهم الدليل والاستنباط منه وهذا شيء كما قلت لكم ما كان مكتوبا قبل. فلما رأى ذلك عبدالرحمن بن المهدي واستحسنه. بدأت الرسالة هذه يتناقلها اصحابه وينظرون فيها وبدأ الطلب ملحا على الامام الشافعي من جديد ان ينظر في هذه الرسالة مرة اخرى ويعيد كتابتها على نحو مفصل واشمل فشرع رحمه الله مشروع كتاب الرسالة. فكتاب الرسالة الذي يعد اول تأليف اصولي بين ايدينا اليوم هذه رسالة صغيرة رسالة بريد يعني بعث بها الامام الشافعي الى عبدالرحمن بن مهدي بمكة وقيل ببغداد كتب له فيها هذه سائل وصولها ثم عاد الشافعي رحمه الله فكتبه على شكل كتاب قعد فيه وذكر الادلة وذكر الشواهد والامثلة والتطبيقات وادار حوارا بينه وبين اخر معه في الكتاب قلت له كذا وقال كذا فاجبته وسألني ثم صار الكتاب بهذه الساعة التي خرج عليها كتاب الشافعي وسمي عند الناس فيما بعد بكتاب الرسالة. كتاب الرسالة هو نواة التأليف الاصولي في علم الاصول وقصته كما ذكرت لكم مطلع درس اللقاء المقبل ان شاء الله هو الحديث عن رسالة الشافعي. كيف نشأت؟ وكيف صنفها؟ وما الدواعي وما الذي تغير بعد كتاب الرسالة في مسيرة علم الاصول في الامة؟ وكيف اتخذت مسالك اخرى؟ نشط بعدها التاريخ في علم الاصول واصبح مصنفا ثم كيف تحول الى مدارس واتجاهات كل ذلك يأتينا تباعا ان شاء الله تعالى اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والله اعلم صلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين