بسم الله الرحمن الرحيم تحييكم مؤسسة الامام البخاري الاسلامية بمكة المكرمة. ويسرها ان تقدم لكم هذا اصدار ويتدارسونه بينهم هو عنوان اللقاء جزء من حديث المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في حديث بديع عجيب حق لنا ان نتأمله مليا. لفضيلة الشيخ الدكتور حسن ابن عبد الحميد بخاري. نسأل الله على ان ينفعنا بما نسمع. بسم الله الرحمن الرحيم. ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد. فلقاؤنا هذه الى في امسية قرآنية تتناول جانبا شرعيا مهما نحو الاهتمام بكتاب الله الكريم. والعناية بهذا الكتاب الذي انزله الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم معجزة خالدة ووحيا باقيا وتشريعا مستمرا لهذه الامة المحمدية المباركة كتاب الله عز وجل دستور الامة وشرفها وفخرها. عزها وموئلها. وقد قال الله تعالى وانه لك ولقومك اي عز ورفعة شأن وثناء حسن. والله قد اقسم على هذا الامر فقال والقرآن ذي الذكر كتاب الله عز وجل من اوجب ما يجب ان تعتني به امة الاسلام اليوم في سبيل النهوض من كبوتها والعودة الى مسار الريادة سؤدة والمجدد من جديد. امة الاسلام وهي تنشد تصحيح المسار ورفعة الذكر. وان تتبوأ مبوء القيادة في الامة فانه لا غنى لها عن ان تعود الى كتاب ربها. ويتدارسونه بينهم هو عنوان اللقاء جزء من حديث المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في حديث بديع عجيب حق لنا ان نتأمله مليا. مدارسة القرآن هو لقاء الليلة باذن الله تعالى ومن المناسب قبل البدء ان يكون مدخلنا هو عرض هذا الحديث الشريف الذي اخرجه الامام مسلم في صحيحه رحمه الله من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وارضاه ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم قال من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة. ومن تتر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه. ومن سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا الى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله. يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم ملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. كما قال عليه الصلاة والسلام. لقاؤكم الليل اخوتي الكرام يتناول عناصر ثلاثة اولها مدخل يتحدث عن هذا الحديث العظيم وشرف الموضوع وجلالة قدره لعظيم ما ترتب عليه في هذا الحديث والعنصر الاخر عن مفهوم المدارسة القرآنية وانواعها وصورها ثم عنصر ثالث يتحدث عن ثمرات المدارسة للقرآن وبركاته واثارها في حياة اهل القرآن. ويتخلل ذلك بعون الله تنبيهات ولطائف ستكون منثورة هنا وهناك ان شاء الله. اما الحديث الذي سيكون مدخلنا للانطلاق من ضوء الفاظ النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان من المناسب عندما ان نتحدث عن مدارسة القرآن ان يكون الانطلاق من جزء من لفظه عليه الصلاة والسلام لانه لن يحسن امرؤ ان يختار لفظا ويعبر عن موظوع باشرف ولا اجل ولا اعظم مما نطقت به شفت المصطفى صلى الله عليه وسلم فانه لما قال ويتدارسونه بينهم فانك امام جملة نبوية عظيمة شريفة ستستلهم منها من المعاني وتغترف بها من عبر ما لا حد له وبقدر ما يفتح الله للعبد لان يقف على تلك المعاني الجليلة والمعاني الغزيرة فانه يأخذ ما شاء الله له ان يأخذ منه من حظ وافر. في الحديث كما سمعتم فان الجملة التي هي مقصود الحديث من درس الليلة ولقائه هي في قوله عليه الصلاة والسلام وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. فهذه اربع بنيت على اربع اربع ثمرات اربع بركات. اربع من ثمار هذا العمل العظيم. ترتب على عمل ذي صفات معدودة ايضا في الحديث فعد معي رعاك الله. يقول عليه الصلاة والسلام ما اجتمع قوم وهذه اول اوصاف هذا العمل الاجتماع وان يكون العمل لمجموعة تشتغل بهذا الامر العظيم وهذه العبادة الجليلة. وبذلك ان كان العمل الذي ترتب عليه الثواب عملا فرديا لن يناله الموعود المذكور في الحديث. ليس يعني هذا انعدام الثواب لكن الثواب المترتب في الحديث هو بهذا القيد مشروط بالاجتماع. فهذا اول اوصاف العمل العظيم في الحديث. ما اجتمع قوم اما الوصف الثاني في قوله عليه الصلاة والسلام في بيت من بيوت الله. فشرط هذا الاجتماع المبارك الذي يترتب عليه ذلك الثواب ان يكون في بيت من بيوت الله. فلو اجتمع قوم لهذه العبادة العظيمة لتلاوة كتاب الله ومدارسته والاعتناء بما في ايه؟ وان كان في مكان عظيم كمدرسة او معهد او فصل دراسي او في منزل او في مجمع اخر ان لم يكن بيتا من بيوت الله افليس ينطبق عليه تماما ما جاء في الحديث الشريف. واما ثالث الاوصاف فقوله صلى الله عليه وسلم يتلون كتاب الله فان الاجتماع ان كان في بيت من بيوت الله لغرض تلاوة القرآن فهذه ثالث الاوصاف لتلاوة كتاب الله قال يتلون كتاب الله. اما الوصف الرابع وهو جزء الحديث الشاهد في لقاء الليلة قال يتدارسونه بينهم. اذا هذه اربعة اوصاف ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. هذه الاربعة الاوصاف رتب عليها اربع من الثواب والاجور والحسنات والخيرات والبركات. لكنني قبل ان اتي لذكر ما ترتب على هذا العمل. دعنا نتأمل فيه خصلة خصلة. قال ما اجتمعا ماذا لو ان قارئا للقرآن اقبل على بيت من بيوت الله فمكث فيه من بعد صلاة الفجر حتى الاشراق. او من العصر حتى تغرب الشمس او بين العشائين او اي ساعة من ليل او نهار جلس في بيت من بيوت الله ففتح المصحف وقرأ هو مأجور وله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر امثالها. لكن ان تنزل عليه الثواب الموعود وهو فرد جلس يتلو كتاب الله فهذا مما لا ينطبق عليه الحديث. فاول ذلك الاجتماع لتكون مجموعة جالسة تشتغل بهذا العمل العظيم. اذا هذا ينبيك عن ان العمل له وصف الجماعة والكثرة التي تجتمع على هذا الثواب لتنال ذلك الموعود العظيم. فما اجتمع فانظر الى هذه الخصلة فالتلاوة الفردية والعمل الذي يجلس فيه صاحبه في بيت من بيوت الله ليقرأ القرآن او ليفتح كتابا يتدبر فيه معاني القرآن او يستلهم ما فيه من العظات والعبر ويفتح الله له ابواب التدبر وافاق الفهم كل ذلك مأجور صاحبه له من الثواب بقدر ما له من العمل باخلاص ونية صادقة. لكننا نتكلم عن ثواب مخصوص. جاء في الحديث المذكور الذي سمعتم قبل قليل وايضا لو جئت الى الخصلة الثانية قوله في بيت من بيوت الله. وقد تبين قبل قليل ان هذا الاجتماع لو كان من جماعة اقبلت على قرآن فاشتغلت به لكنها ما كانت في مسجد ولا في بيت من بيوت الله. كانت في بيت عالم من العلماء او في مجمع عام كالمدارس والمعاهد والمجالس التي يطلب فيها العلم. فان ذلك ايضا مما ينفك عنه وصف الحديث. وذلك لما للمساجد ولبيوت الله من الشرف والمكانة التي يرتبط بها من الاجر ما لا يرتبط بغيره. الا ترى الى كثير من الاعمال شرعت للمساجد خاصة ولا يترتب الثواب الا اذا كانت في المساجد كالاعتكاف مثلا. وصلوات الجماعة لان النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر حديث الجماعة وما يفضل به وهو القائل مهددا اهل النفاق اثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء انظر الى قوله عليه الصلاة والسلام ولو علموا ما فيهما لاتوهما ولو حوا ولقد هممت ان امر بالصلاة فتقام. ثم امر رجلا صلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب الى قوم لا يشهدون الصلاة ما قال لا يصلون قال لا يشهدون اي لا يحضرون. ثم انظر الى انهم قوم بمعنى انهم ربما صلوا جماعة في بيوتهم. ومنازلهم فلم يكن هذا عذرا عنده عليه الصلاة والسلام. حتى فانطلق الى قوم لا يشهدون الصلاة. اذا هم قوم وربما صلوا جماعة ان الاشكال انهم ما حضروا المساجد لا يشهدون الصلاة. قال فاحرق عليهم بيوتهم بالنار لولا ما فيها من النساء ذرية. ولهذا ستلحظ ايضا فيما ترتب على المساجد من كثير من الاعمال الشرعية جاءت مرتبطة بالمساجد لانها مساجد الاعتكاف وصلاة الجماعة وكثير من الاجور التي ترتبط ببقاء المسلم في المسجد. قال عليه الصلاة والسلام في السبعة الذين يظلهم الله هو رجل قلبه معلق بالمساجد تبقى المساجد علامة صحوة الامة وارتباطها بربها اذا كانت عامرة. ويبقى المسجد عنصرا اساسا في حياة المسلم لا تعجب اذا ان يترتب هذا الثواب الموعود. في هذا الحديث العظيم على كونه في بيت من بيوت الله. اذا ليس تكلفا وليس ايضا تحجيرا لواسع اذا قلنا ان القوم اجتمعوا في غير بيت من بيوت الله. اجتمعوا في بيت احد. واذا قلت ان هذا لن يترتب عليه الثواب فلا تظن انها مبالغة وليس ايظا تحجيرا لعظيم فظل الله لكنه قصد شرعي ان تكون تلك الاعمال مشهودة في بيوت الله. اما بيوت الله ولماذا التنصيص على المساجد على وجه الخصوص فدون ذلك حديث عظيم. والحديث عن بيوت الله ومكانتها والثواب ببيوت الله مما لا يسعه مثل هذا المقام. وحسبك ان المساجد انما تعمرها ملائكة الرحمن بالذكر والايمان والدعاء لاهلها اي اهل المساجد. ولهذا جاء في احد خصال الثواب قال وحفتهم الملائكة. لانهم في بيت من اما الخصلة الثالثة قال يتلون كتاب الله وهذا طرف من بحر عظيم مما رتب في الشريعة على ثواب القرآن وتلاوته وقراءته. ولسنا ايضا هذه الليلة بصدد استقصاء تلك الادلة ولا عرظ تلك النصوص لما لقارئ القرآن من الثواب؟ ولما لتالي القرآن من الاجور والحسنات فهذا لا حد له ولا انتهاء له ولا تظن ان ثواب القرآن وتلاوته جاء في اية او ايتين. ولا حديث او حديثين لكنه استفاضت به الشرعية والادلة التي بينت فظل تلاوة القرآن. هذا واحد منها. قال يتلون كتاب الله تلاوة يتلون ومعنى تلاوة هو قراءة القرآن واحسان ادائه ومعرفة القراءة الصحيحة كما انزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. من ثواب التلاوة التي نصت على تلاوة القرآن وما فيها من الاجر والثواب اية فاطر. ان الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية الى ان قال ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن. هذا الثواب العظيم المترتب على القرآن لانه كلام الله اشرف ما في خصال القرآن وخصائصه وصفاته انه كلام ربنا الكبير المتعال. فالاخذ بالقرآن اخذ بركن شديد اخذ بطرف عظيم من ابواب الشريعة. اخذ بشيء مما لا يمكن ان يقارن بغيره ولا يوزن به سواه القرآن كلام الله فالاخذ به تلاوة رتب له الشرع الاجر والحسنات في كل الاحوال. ان اصاب وقرأ جيدة متقنة محضرة ارتقى الى درجة السفرة الكرام البررة. وان عجز وضعف وتلكلك وتردد وتعب ولا ازال يجاهد نفسه للقراءة ليس له الاجر فقط بل الاجران. ولا يزال له بكل حرف تنطقه شفتاه ويخرج من فيه حسنة تضاعف بعشر امثالها الى ما شاء الله من الحسنات. المتعامل مع القرآن تلاوة واقف امام بحر من ولو شاء ان يعد قارئ القرآن جلسة واحدة من جلساته ليحصي ما ما وجد فيها من الاجر والثواب لعجز والله ولا يمكنه اطلاقا ان يحسب في جلسة قوامها خمس دقائق لا يحسن به ان يحصي كم نال من الثواب بقدر ما قرأ من كتاب الله. فكيف اذا كانت دقائق متتابعات؟ كيف اذا كرر الايات تلو ايات كيف اذا تجاوز الصفحات الى الاحزاب والاجزاء؟ ما ظنك بعمل كفاه شرفا ان صاحبه ينطق بشفتيه ويردد ويعمر قلبه ووقته بكلام الله سبحانه وتعالى. فتلاوة القرآن ليس كثيرا فيه ما ستسمع من الثواب الموعود والاجر عظيم. واما رابع الخصال فقوله ويتدارسونه بينهم. وهذا الذي سنخصصه في العنصر التالي بعد قليل الحديث عن مفهوم المدارس وصور المدارسة وانواعها التي يمكن ان يصل اليها صاحب القرآن الى مدارسة القرآن. انما الذي يكفينا ها هنا ان نشير الى انه ليست المدارسة هي التلاوة بدليل العطف عليها يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. والقاعدة تقول العطف يقتضي المغايرة فلو لم تكن المدارسة شيئا غير التلاوة ما عطفت عليها. فالتلاوة امر وعمل يختلف عن المدارسة. ومن اجل ذلك يظن بعض اهل القرآن وحفاظه ومن يشتغل كلما مر بهذا الحديث يظن ان المقصود هو الاشتغال بتلاوة القرآن قراءته وان يراجع صاحب القرآن ورده وان يكرر حفظه وان يتقن ما اتاه الله من القرآن. هذاك باب اخر تتحدث وعن هذا الحديث المدارسة معنى مختلف عن معنى التلاوة. وسيأتي الحديث عنها بعيد قليل. هذه كما قلت ضعوا صفات للعمل الذي رتب عليه عظيم الثواب الذي مر قبل قليل. نعيدها حتى ننطلق منها الى خصال الثواب الاربعة الاخرى قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. وقد مر بك شرح هذه الخصال الاربعة على نحو موجز مفيد ان شاء الله. اما الثواب فقوله صلى الله عليه وسلم الا وعدد لك الاربع الانواع من الثواب التي ترتبت على هذا العمل. قبل ان تقول ما هي؟ تأمل معي في الصيغة التي جاءت بعد الا والمسبوقة بقوله فما والا اسلوب عربي فصيح يشعرك ان هذا العمل منحصر في الخصال المذكورة لترتب ذلك ثواب العظيم. وفيه قدر من العناية والاهتمام البالغ الذي يأتي في سياق هذا الحديث الشريف ليشعرك فقط بجلالة ما يترتب عليه من عظيم الثواب. قال عليه الصلاة والسلام الا نزلت عليهم السكينة هذه واحدة. وغشيتهم الرحمة الثانية وحفتهم الملائكة هذه الثالثة وذكرهم الله فيمن عنده وتلك الرابعة وكل واحدة من الاربع هي اعظم من اختها. ولو لم يكن في الثواب المذكور الا واحد من هذه الاربعة لكانت والله كافية لان ينشط صاحب القرآن وان تنهض الامة نحو الاقبال على كتاب ربها لتجتمع في بيت من بيوت لتلاوته ومدارسته. كيف وهي اربع من تلك الصفات التي كل واحدة هي اعظم من اختها في عظيم المكافأة وجزيل الاحسان وعظيم ما عند الله سبحانه وتعالى. فخذها واحدة تلو اخرى. يقول عليه الصلاة والسلام الا نزلت عليهم السكينة. اتدري السكينة السكينة طمأنينة تغشى قلبك وتجلل حياتك وتكسوك بقدر كبير من راحة القلب وهدوء النفس وانشراح الصدر. اخبرني عن اعظم ما يقلق حياة البشر اليوم. اليس هو الهم وضيق الصدر والانزعاج للكرب وان يجد احدنا من حياته من الملمات والمصائب ونوائب الدهر ما يجعله مكدر الخاطر ضيق النفس سريع الغضب الى اخر تلك الصفات التي يعجز صاحبها عن تحمله وما علاج ذلك الا في ارتخاء تلك النفوس وان تتقلب في جو من السكينة التي تنعم فيها براحة القلب وانشراح الفؤاد. ان اقرب ابواب السكينة التي يجدها العباد هي في ظل كتاب الله ظل كتاب الله من تفيأه وجد من السكينة والله ما تزول معه كل هموم حياته. هذا الحديث احد تلك البوابات التي تفتح للعباد مداخل الانشراح والانس والراحة النفسية في الحياة. قال الا نزلت عليهم السكينة. ثم تأمل التعبير النزول نزلت عليه السكينة. فانت لا تسعى اليها. هي تأتيك الى عندك. وتنزل عليك وانت في رقعتك التي تجلسها في مسجدي عند تلك السارية او في تلك الزاوية. فاذا ما جلست واشتغلت بما ذكر في الحديث اتتك السكينة. فنزلت عليك. ثم انظر مرة اخرى الى معنى النزول وفيه معنى علو المكان الذي اتت منه السكينة اليست من عند الله فانها تتنزل عليك من اكرم الاكرمين وهو في اليائه جل جلاله تنزل عليك سكينته التي تغشاك. لطيف والله كم هو عجيب الفاظ الحديث النبوي التي تقف معها لتقلب عظيم المعاني وبديع تلك الاسرار. واذا بك لا تحيط بها شيئا. قال الا نزلت عليهم السكينة. فاذا نزلت السكينة على عبد وهو كما قلت عند سارية من السواري او في زاوية من زوايا المسجد. فتنزل عليه السكينة. شعر بها او لم يشعر. الا ان حسبه ان السكينة اتت اليه وظللته ثم هو يقوم منصرفا من مجلسه وقد انغمس في ذلك الجو من السكينة اتظن انه سيفارق المسجد خارجا برجله اليسرى سائلا ربه من فضله وقد بقي من يومه ذاك شيء من همه لا يزال ملازما لقلبه حاشا والله الا نزلت عليهم السكينة والخصلة الثانية قال وغشيتهم الرحمة وفيها من العجيب والبديع والروعة ما في الجملة السابقة. غشيتهم الرحمة قد فهمت السكينة ما هي؟ اما رحمة الله فشيء لو جلست تحصي اثاره وثمراته في حياة العبد لن تحصيه رحمة الله باختصار شديد هي طريق السعادة في الحياة وطريق الجنة في الاخرة. اما في الحياة فان الله تنال بها كل مطالب الدنيا بلا استثناء ارأيتم الى النبوة وهي اعظم ما يعطاه بشر في هذه الحياة؟ هي ايضا رحمة من الله وقد قال الله عز وجل لنوح عليه السلام وهو يذكر له فضله ونعمته عليه واصطفائه للنبوة يقول الله عز وجل لنبيه نوح عليه السلام قال يا قومي ارأيتم ان كنت على بينة من ربي واتاني رحمة من عنده فنبوة الله لنبيه نوح عليه السلام سماها رحمة وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فبما رحمة من الله لنت لهم الرحمة من الله اكسبت اولئك المصطفين من خلق الله درجة النبوة الشريفة. اقول فاذا كانت اعظم بالبشر في هذه الحياة وهي النبوة تنال برحمة الله. فما ظنك بما دونها؟ ما الذي تبلغه سقف امان العباد ومطالبهم في هذه الحياة. ومهما علت مطالب احدهم وهمته وسؤاله ومطلبه عند ربه لن يبلغ النبوة حتما اطلاقا فمهما نزل عن درجة النبوة فهو لا يزال لا يزال متعلقا برحمة الله حتى ينالها. واما الاخرة اما الاخرة فان الجنة لن تفتح لعبد الا برحمة الله وصريح ذلكم في قول النبي عليه الصلاة والسلام لن يدخل احدا منكم الجنة عمله. قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا الا ان يتغمدني الله برحمة منه. حتى جنة الله في الاخرة انما تنال بالرحمة. باختصار شديد ماذا تريد من مقاصد الحياة من همومها من مطالبها؟ ما امنياتك؟ ما رغباتك؟ ما اهدافك؟ ثق تماما ان لم تدرك رحمة الله لن تنال شيئا من مطالبك في هذه الحياة. ورحمة الله تؤتى من ابواب متعددة. واحد منها الاشتغال كتاب الله وتلاوته ومدارسته بالاجتماع في بيت من بيوت الله كما تقدم قبل قليل. هذه رحمة الله عن اي شيء ساحدثك عن ابواب الرحمة الواسعة التي فتح الله لعباده عن تلك المسارات المتعددة التي يختار منها العبد ما يناسبه ويلائمه وما يختاره لنفسه ام عن اثار الرحمة؟ رحمة الله اذا وصلت لعبد زال همه وشفي مريضه وانقضى دينه وانفرج كربه وتحققت كل مطالبه. عش في رحمة الله تنعم والله. وتسعد بكل ما جاءك في الحياة قليلا كان او كثيرا. اعظم الناس سعادة في حياتهم اليوم ليسوا اكثرهم مالا والله ولا اكثرهم جاها ولا اعظمهم منزلا ولا اكثرهم شيئا من متع الحياة وزخرفها زائل اعظم الناس سعادة اليوم في حياتهم هم اكثرهم حظا من رحمة الله. ورحمة الله ما حجبت عن احد من الخلق انما ينالها العبد اذا سعى وطلبها واتى بابها وطرقه ووصل اليه تناله. اما القرآن فارتح وارح قلبك هو اقرب الطرق الى نيل رحمة الله كما قال بعض اهل العلم التمسوا رحمة الله في قراءة القرآن ولو بالانصات. لان الله قال واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لكم ترحمون. تنالك رحمة الله بالقرآن ولو انصت اليه واستمعت. فاذا استمعت وانصت وصلت الى رحمة من رحمات الله بالقرآن فكيف لو اشتغلت به تلاوة ومدارسة واجتماعا في بيت من بيوت الله؟ ما ظنك بحجم الرحمة التي ستنالها؟ عفوا ما امنك بحجم الرحمة لن اقول التي ستأخذها او تنالها التي تغشاك. لان النبي عليه الصلاة والسلام يقول وغشيتهم الرحمة ارأيت ايضا الى لفظة الغشيان وكيف تتنزل عليك فتحيط بك من كل جانب فلا تدري كيف اتتك ولا كيف المت بك ولا كيف التفت عليك فاحاطتك ولا تدري الا وانت متقلب في رحمة الله منغمس فيها. رحمة الله والله يا اخوة جعلها الله عز وجل في كتابه ليعلم العباد ليعلم العباد ان كتاب الله باب عظيم والاشتغال به شرف جليل والرحمة التي وسع الله ابوابها على عباده هي موجودة اوفر ما يكون في كتابه الكريم سبحانه وتعالى. وغشيتهم الرحمة ثم قال في الخصلة الثالثة عليه الصلاة والسلام قال وحفتهم الملائكة مر بك قبل قليل ان احدى صفات هذا العمل العظيم المذكور في الحديث ان يكون في بيت من بيوت الله. وقد علمت ان بيوت الله اه هي مواطن الملائكة الكرام عليهم السلام في الارض ليست على الحصر لكنها في المكان الذي يغلب فيه وجود هؤلاء الخلق الكريم من خلق الله. ملائكة الله تتنزل في بيوت الله. تغشى من الذكر والعبادة. تشارك العباد تدعو لهم تستغفر لهم. ثم اعلم رحمك الله انه حيثما ذكرت ملائكة الله في ثواب عمل من الاعمال فانها تعني قدرا عظيما لذلك العبد. لان ملائكة الله لا تنزل الا بكل خير وسلام وبركة رأيت الى ليلة القدر وهي ليلة القدر سيكون ملائكة السماء فيها تلك الليلة في الارض اكثر من عدد نجوم السماء وحصى الارض ما هذا؟ هذا لعظيم البركة التي تصحب الملائكة عليهم السلام. وعظيم ما يتنزل بالخير والرحمة والسلام. فعندما تتحدث وعن عمل يخبر الله تعالى فيه او يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم ان ملائكته عليهما السلام هم من يشارك العباد في ذلك الثوب او من يسوق اليهم بعض الوانه ارأيت الى نعيم الجنة وهو جنة؟ جنة. يقول الله عز وجل اولئك لهم عقبى دار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم. انظر كيف يغري العباد بنعيم الجنة فيقول والملائكة يدخلون من كل باب سلام عليكم بما صبرتم لو لم تكن ملائكة الرحمن سبحانه وتعالى بتلك المثابة في اكرام العباد ما ذكروا في هذا المقام. فانظر كيف ذكروا في الجنان يذكرون في مجالس القرآن في الدنيا التي تتلى فيها ايات الله وتتدارس فيها ايات القرآن. هي والله نوع نوع من نعيم جنة المتوفر بين ايدي اهل القرآن في بيوت الله. يقول عليه الصلاة والسلام وحفتهم الملائكة. فاذا حفت الملائكة ما الذي سيكون اذا حفت الملائكة وهي المصحوبة كما قلت بكل بركة وخير وسلام. لو لم يكن في صحبة الملائكة الا دعوة دعوة يرفعونها الى رب السماء وهم ممن لا يعصي الله ما امره. ويفعلون ما يؤمرون. وقد علمت انهم ممن ادعو لاهل الايمان ربنا وسعت كل شيء الرحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. فما ظنك بملائكة تحف اهل القرآن في بيت من بيوت الله وهم يشتغلون بتلاوة القرآن ومدارسته. اتظنها تحفهم لا لشيء كلا والله اما انها تحفهم لمشاركتهم في جليل هذا العمل وكفاك به شرفا انه عمل تقبل عليه ملائكة الرحمن لما فيه من عظيم رضا الملك الديان سبحانه وتعالى. او انها تحف الجالسين فتغمرهم بالدعوات بالرحمة والمغفرة والقبول عند الرحمن. في كل الاحوال. ما تحف الملائكة قوما ولا تأتي الى عباد فتجالسهم الا لخير عظيم يتقلبون فيه ثم تأمل في قوله عليه الصلاة والسلام وحفتهم الملائكة. حفتهم ما قال جالستهم. ولا قال تنزل اليهم. انما تحف بهم فهي تحيط بهم. تجالسهم تتحلق واياهم تحف بهم ملائكة الرحمن فما اعظم مجلسا والله يكون جلساء القوم فيه ملائكة السماء اعود مرة اخرى فاقول ما ظنك بمسلم متعلم للقرآن او معلم للقرآن قضى سحابة نهاره في بيت من بيوت الله. يعلم ويتلو ويدارس القرآن. ما ظن به اذ خرج بعد المغرب او بعد العشاء عائدا الى اهل بيته ومنزله. ما ظنك به وقد غشيته الرحمة ونزلت عليه السكينة ورجع للتو جليسا للملائكة. اي انسان هذا سيخرج الى بيته اذا رجع اليه؟ اي انسان هذا سيمشي في الشوارع ويقطع الاسواق ويجلس مع الاصدقاء والرفقاء. اي انسان هذا وقد كان للتو جليس الملائكة عليهم السلام. ان رجلا منا يا احبة اذا جالس بعض الصالحين فرق قلبه وازداد ايمانه رجع فرؤي اثر ذلك عليه. واذا جالس بشرا ممن ينقصه خلقا او دينا او عملا او ايمانا ايضا وجد الناس اثر ذلك عليه. فكيف يمكن لك ان تقيس جليس المال باي ميزان ستعتبره وقد رجع الى بيته والملائكة هم جلسائه تحفه في مجلس عظيم وهو يشتغل بكتاب الله الكريم سبحانه وتعالى. اخيرا يقول عليه الصلاة والسلام في خصلة رابعة تطيش بها كفة الثلاث السابقات كلها والله. قال وذكره والله في من عنده ان نسيت كل ما سبق او حرمت شيئا مما سبق او لم تنل منه قليلا ولا كثيرا فحسبك ان يكون لك ذكر في الملأ الاعلى اتدري ما معنى ان يذكرك الله في من عنده؟ من الذين هم عند الله؟ اليسوا الملائكة المقربين؟ اليسوا جبريل وميكائيل عليهما السلام على سائر الملائكة الكرام ماذا يعني لك ان يذكرك الله في من عنده؟ وبما سيذكرك ربك انك جالس في بيت من بيوته تشتغل بتلاوة كتابه ومدارسته بالله عليك من اعظم منك شرفا في الحياة من اعظم منك فخرا في هذه الحياة اهم اولئك المكرمون على منصات التتويج؟ ام الذين يغشون مجالس الامراء والعظماء والكبراء؟ اما الذين يذكرون في حفلات ومراسم وصور واخبار وتلتقطهم العدسات وتنظر اليهم الاعين ام الذي يذكر في الملكوت الاعلى عند ملائكة الله عز وجل ويذكرهم الله فيمن عنده. عش كما شئت عش خامل الذكر مجهولا نكرة لا يعرفك احد ان كان حسبك ان تذكر في ملائكة السماء ويذكرهم الله فيمن عنده. هذا الثواب والله تعجز ان تعبر عنه. ويغيب عن كل ما يمكن ان تعبر عن مكنون ذلك الاجر العظيم. لكني لا زلت اقول وذكرهم الله في من عنده كيف سيكون شعورك وانت تجلس ساعة او اقل او اكثر في بيت من بيوت الله مع اخوة لك واساتذة وزملاء لتلاوة كتاب الله ولمدارسة القرآن ثم تنصرف يوم تنصرف وملئك ذلك الشعور الذي يطير بك فرحا انك ذكرت اليوم في السماء وذكرك الله عز وجل في من عنده بالله عليك هل ستكسل او تتعب او تشعر بملل ان تغيب في اليوم التالي عن مجلس تلاوة القرآن ومدارسته والله اعرف اقواما ربما الم بهم المرض او اتعبهم كثير من المشاغل او صرفتهم كثير من الهموم لكنه سرعان ما ما يتلاشى كل ذلك اذا شعر واستشعر وتذكر انه بغيابه ذلك اليوم سيغيب ذكره عند الله في الملكوت الاعلى فيابى يأبى والله ان تمر عليه ليلته تلك وان تطوى صحيفته في ذلك اليوم وليس له ذكر في السماء. هب انه روحه تلك الليلة ايموت في ليلة غاب ذكره عند ربه في الملأ الاعلى بل حسبه ان يجتهد ويجاهد ثم يكابد كل ما يمكن من تعب ونصب ومشقة يأتي بعض اهل القرآن الى الحلقات في المساجد وهم على ما هم عليه من تعب وحمى تحسها من وراء ثيابهم احيانا. وهموم احاطت بهم ومشاغل ومصارف لكنهم ابد لا يرظى احدهم ان تمر عليه صحيفة عمله فتطوى ذلك اليوم دون ان يسجل فيها ذلك الذكر الشريف العظيم ذكرهم الله فيمن عنده ولهذا قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام وانه لذكر لك ولقومك. ولعل هذا واحدا من اوجه معنى الذكر والشرف والفخر الذي جعل الله للقرآن ولاهل القرآن. هذا الثواب احبتي الكرام في هذا الحديث وقد مررت به معكم على عجالة لك ان تتأمل فيها الوقفتين التاليتين الاولى ان تلاوة القرآن غير مدارسته كما قلت قبل قليل لانها عطفت عليها والعطف يقتضي المغايرة. وهذا يحتاج منا ان نتأمل اذا كنا قد عرفنا التلاوة وفهمناها ادركناها فيحتاج هذا منا ان نقف على معنى المدارسة. لان لا يفوتنا هذا الثواب العظيم المذكور في الحديث. فنشتغل بطرف ناقص رتب عليه الثواب والاجر الكبير. اما الوقفة الاخرى فهي كما قلت ان تستشعر اذا كنت واحدا مما كرمهم الله. بنيل هذا العمل والتقلب في نعيمه فكيف تتخيله اذا خرج من المسجد عائدا الى بيته وجالس اهله او والديه او اخوته تناول مع طعام العشاء او تمازح معهم او جلس واياهم او سامرهم والله حسبك من انسان بهذا الوصف والقدر انك تلو او تجالس او تمازح او تركب مع شخص كان جليس الملائكة مغموسا في الرحمة متلفحا بالسكينة ثم هو قم بالذكر في الملأ الاعلى. ان وجدت مثل هذا الانسان فاشدد يديك عليه. ثم ان اكرمك الله اخرى فكن انت ذلك الانسان ليتنافس العباد في الشرف بالقرب منك والجلوس اليك والصحبة معك والعيش معك. هذا هو الشرف الحقيقي في الحياة. بعض الناس تغيب عنه النظرة فيظن ان الشرف والفخر والذكرى وان علو المكانة وكل ما يمكن ان يغتر به الناس منحصر في ابواب ثم هم يقيسونها للاسف زائلة ومتع منتهية واحيانا قضايا تافهة لا اعتبار لها. نحتاج ان نعيد من جديد الى اذهان وعقول شبابنا ان قمة ما يجده الشاب والرجل الصالح في هذه الحياة هو العودة الى الاشتغال بكتاب الله على نحو ما اجاء في هذا الحديث العظيم اما عنصرنا الاخر في هذا اللقاء فهو الحديث عن معنى المدارسة. وقد تبين لكم قبل قليل انه يهمك ان تعرف معنى المدارسة حتى تعيشها وتطبقها وتعمل بها. لانه قال عليه الصلاة والسلام يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. فالتلاوة قد عرفتها وعلمتها وعملتها كثيرا ربما. فما المدارسة؟ يتدارسون على وزن يتفاعلون من المدارسة على وزن ان المفاعلة التي تقتضي في اللغة مشاركة من اكثر من طرف. من طرفين فاكثر. كما تقول شجار ومشاجرة. خصام مخاصمة قتال ومقاتلة. فالمقاتلة والمخاصمة والمشاجرة والمضاربة كل ذلك يدل على اشتراك من طرفين. فان الفاعل طرفا واحدا يقال قتل وضرب وشتم وخصومة ونحو هذا. فالمدارسة تقتضي من طرفين من الفعل درس ودرس في اللغة يعود الى معان اكبرها واعظمها درس بمعنى بلي وقد ما. تقول درس الثوب او ودرس الفراش والحصير بمعنى انه بلي وقدم من كثرة الاستعمال ومن كثرة الاستخدام فاصبح باليا قديما فتقول قد درس الثوب ومنه سمي درس العلم درسا لم؟ لكثرة ترداده وتكراره واعادة المسائل قراءة وشرحا واختبارا ومذاكرة وحفظا كثرة ما يعاوده سمي الدرس درسا. فترى في هذا المعنى المدارسة. وقد قال الله في سورة الانعام. وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست يعني احد شبه المشركين التي كانوا يعارضون بها نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم وليقولوا درست اي تعلمت والمقصود هم ينكرون الوحي وفي قراءة ابن عامر وليقولوا درست اي الايات وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست اي بليت وقدمت وما اتيت بجديد. وليقولوا درست فالدرس في اللغة بهذا المعنى درس القرآن كثرة الاتيان عليه كثرة تكرار الاية. كثرة اعادة لفظها. كثرة التأمل فيها. كثرة الاخذ والعطاء والتقلب في معانيها واوجه التدبر فيها هذا الذي اعطى لفظ المدارسة هذا المعنى. اذا ركز معي. المدارسة تقتضي اولا مفاعلة بين طرفين كما قلت وتقتضي ثانيا تقتضي كثرة الاخذ والعطاء والتردد والقراءة والنظر والاعادة والتكرار مرة بعد مرة فالمدارسة المفاعلة اخذت من الصيغة ومعنى التكرار والاعادة وكثرة الاستخدام جاء من لفظ الدرس احتقاقه اللغوي ثم قد تقدم معك قبل قليل انها غير التلاوة لعطفها عليها. فما الذي يخرج لك حتى تتحقق دراسة القرآن؟ اولا تحتاج الى طرف تشاركه المدارسة ليتحقق لك معنى تدارسوه بينهم. ثانيا الاستمرار والديمومة ليتحقق الدرس والتدارس يعني من جلس جلسة او جلستين او ثلاثا او خمسا ثم انقطع لا يصدق عليه انه درس القرآن لان الدرس يحتاج الى الاستخدام الكثير حتى يبلى. وحتى تمر عليك الاوقات تلك الاوقات والمجالس تلو المجالس. وانت لا زلت وتكرروا وتزيدوا وتأخذ وتعطي مع من يدارسك. اذا ديمومة واستمرار ومشاركة مع طرف اخر اما الثالث فيتبين من معنى الحديث وهو الجماعة او الاجتماع على هذا الامر. لان العمل الفردي لا فيه اذا اجتماع ومشاركة مع طرف اخر وكثرة استمرار وديمومة عليه. هذه الخصال او الصفات الثلاث تحقق لك وصف التدارس للقرآن. حتى يتحقق لك انك داخل في قوله عليه الصلاة والسلام ويتدارسونه بينهم. فهمت الان اذا ان من جلس وحده في زاوية من زوايا المسجد وقد اخذ مصحفه وكتابا من كتب التفسير فجلس يتصفح ويدرس معاني سورة من السور او اية من الايات هو قد فهم وربما قرأ او تلا وفهم المعاني وتدبر وربما فتح الله عليه فغاص في شيء من عجيب معاني الايات لكن لما انا منفردا ما حصل له معنى التدارس ولا الاجتماع المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام ما اجتمعا الى اخر الحديث يتبين لك ايضا ان من اجتمع في بيت من بيوت الله مع اخوة له وزملاء ورفاق واساتذة فاقتصر على تلاوة القرآن والاشتغال به فقرأ واحد وقرأ الثاني وانصرف او قرأ استاذه واستمعوا له وانصرفوا واقتصر الامر على تلاوة دون مدارسة هي ايضا عن هذا المعنى. واذا اردت الحديث عن المدارسة وكيف تتحقق في تلك المجالس فانواع المدارسة فيما يظهر والله اعلم نوعان مدارسة قراءة وتعلم وعرض اياته وسماعه والاخرى مدارسة فهم لمعانيه وتدبره وكلاهما يصدق عليه مدارسة لما سيأتي بعد قليل اذا يتلون كتاب الله ويتدارسونه خطأ ظن بعضهم ان التلاوة يراد بها القراءة والمدارسة يراد بها الفهم. ولما جمع الامرين قال هي تلاوة بمعنى القراءة وتكرار الايات بلفظها ومدارسة اي معنى الفهم واستخراج المعاني والاحكام والتدبر. بينما المدارسة حقيقة تتناول الامرين معا. معنى مدارسة الفاظ القرآن. اي اذا جلس الاستاذ مع طلابه في الحلقة وكان يكرر معهم يصحح له الاية فيعيدها عليه ثم يسمعها منه او يعرض له الصفحة فيقرأه على اذنه ثم يعيد الطالب عرظها على استاذه فيسمعها اياها. هذا لون من المدارسة. هي مدارسة قراءة. مدارسة ايات القرآن تلاوة اجتماعا وتصحيحا لالفاظه. هي لون من المدارسة ايضا. وان لم يكن فيها تعرض لفهم الايات ومعانيها لان اللون الاخر من المدارسة هو مدارسة المعاني. مدارسة الفهم والتدبر. مدارسة استخراج ما في الايات من المعاني والعبر. فيسأل استاذة ويجيبه او يسأله استاذه فيجيب او يعرضان معنى او اكثر او يقرأان كتابا او يخرجا يخرجان شيئا مما جاء في كلام اهل العلم ثم يعرضونه فيما يعلمه كل احد مما ناله من علم كتاب الله هذا مدارسة فهم ومدارسة تدبر لكنها لا ابدا مدارسة اللفظ القرآني مدارسة الالفاظ الايات بمعنى عرظها وسماعها كما قلت. الذي يدل على هذا ويؤكد عليه حديث ابن عباس عند البخاري وانس عند مسلم رضي الله عنهما. في حديث وصف حال النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان. واللفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. انتبه فيدارسه القرآن حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة السؤال اي مدارسة كانت بينه وبين جبريل عليه السلام؟ قد تقول هي مدارسة فهم وقد تقول هي مدارسة قراءة. الرواية الاخرى التي جاء ايضا الامام مسلم في صحيحه تدلك على معنى المدارسة التي كان فيها جبريل عليه السلام يجالس النبي عليه الصلاة والسلام. اخرج البخاري في بعض رواياته الحديثة باللفظ التالي كان النبي صلى الله عليه وسلم اجود الناس بالخير واجود ما يكون في شهر رمضان لان جبريل كان يلقاه في في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ. يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. يعرض ان يقرأ وجبريل عليه السلام يسمع قال فاذا لقيه جبريل كان اجود بالخير من الريح المرسلة. فهمت اذا ان التي كانت بين جبريل عليه السلام ونبينا صلى الله عليه وسلم هي مدارسة قراءة. يقرأ جبريل عليه السلام ويسمع طول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ رسولنا صلى الله عليه وسلم ويستمع جبريل عليه السلام فبين عرض وسماع حصلت مدارسة القرآن المذكورة في حديث الصحيحين. ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله. قال ظاهره ان كلا منهما كان يقرأ على الاخرين وهي موافقة لقوله يعارضه القرآن. قال فيستدعي ذلك زمانا زائدا على ما لو قرأ الواحد لو كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يقرأ فقط وجبريل يسمع ما كانت المسألة لتأخذ الوقت بقدر ما يزيد على قراءة الطرفين احدهما على الاخر. قال الحافظ رحمه الله واخرج ابو عبيد عن داوود ابن ابي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن. اما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ يعني هل كان القرآن مختصا بالنزول في رمضان يعرفون جواب اهل العلم وجواب ابن عباس ترجمان القرآن انه النزول الجملي من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا. لكن هذا جواب اخر للشعب رحمه الله. قال قلت له شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن اما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ قال الشعبي بلى ولكن جبريل كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما انزل الله. فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء بمعنى ان مدارسته عليه الصلاة والسلام لجبريل عليه السلام في رمضان كان لاحكام المحكم من القرآن ونسخ المنسوخ تعلمون الوقت كان وقت تشريع والوحي ينزل ويستمر. وربما جاءت الايات تنسخ غيرها. فكان من ثمرات وحكم جبريل عليه السلام لرسولنا صلى الله عليه وسلم احكام المحكم ونسخ المنسوخ. قال ايضا وفي الصحيح ان عائشة رضي الله عنها سألت فاطمة رضي الله عنها لما سألتها عما اسر به اليها رسول الله عليه الصلاة والسلام تقول كان حدثني ان جبريل كان يعارضه القرآن كله عام مرة وانه عارضه به في هذا العام مرتين قال ولا اراني الا قد حضر اجلي. والمقصود انك تقف على معنى النبوية بين جبريل عليه السلام ورسولنا صلى الله عليه وسلم. وان الراجح او الظاهر من النص على الاقل انها كانت مدارسة تلاوة وقراءة غير مدارسة الفهم والمعنى فقط لنوسع دائرة المدارسة وتفهم معي ان المدارسة نوعان. وان شئت فقل رتبتان احداهما اشرف من الاخرى اما الرتبة الاولى وهي رتبة الابتداء وما يحسن به انطلاق من يريد مدارسة القرآن فهي مدارسة القراءة. مدارسة الايات قراءة وعرضا وسماعا. وهذا هو الحاصل في حلقات حفظ القرآن الكريم في كل بيوت الله. عندما يتحلق الطلبة حول استاذهم في بيت من بيوت الله فهم يتلون كتاب الله فكل واحد جالس في موقعه امسك المصحف يقرأ هو يتلو كتاب الله والجميع مشترك في ذلك اذا هم يتلون كتاب الله. واما المدارسة فسواء كانت الحلقة جماعية يقرأ طرف الحلقة فالثاني الثالث حتى ينتهي الى الاخر وشيخ الحلقة يصحح ويعيد او يقرأ هو اولا ثم يكررون عقبه او كانت المدارسة فردية يقوم كل واحد عند استاذه فيجلس اليه فيضع ركبتيه الى ركبتيه فيقترب منه ويشافيه بالقرآن تلك ايضا مدارسة خصوصا اذا كان الشيخ ممن يعتني بالعرض والسماع معا فيسمع طلابه الاية والصفحة والسورة من القرآن ثم يطلب منهم اسماعه اياها فانه يجمع بين ذلك العرض والسماع يجمع به تحقيق معنى المدارسة للقرآن. يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم. وهذا فيه ولا شك تحريص لكل اهل الحلقات اساتذة وطلابا. الا يقتصر احدهم على ان ينشغل بنفسه بل يجلس سئل استاذه فيدارسه ويحرص الاستاذ على الا يكل الدور الى الواحد منهم ليقرأ وحده او يكتفي بالعرض جملة. هي مدارسة شريفة يترتب عليها موعود عظيم مر بكم سعة حجمه قبل قليل. الامر الاخر ان المدارسة التي ذكرت في هذا الحديث تدلك ايضا على ان المرتبة الاخرى وهي الاشرف تنبني عليها. مدارسة الفهم. مدارسة المعاني. لا تتحقق الا بين طرفين كما قلت. وادنى ادنى ما يشترط في الاثنين او في الطرفين حصول علم بعض المعاني عند كل منهما والا ما حصلت المدارسة. فاذا تدارس اثنان معاني القرآن اقل ما فيه ان يدرك كل من الطرفين شيئا من المعاني حول الاية او السورة. فادارسك الاية بمعنى اخبرك بما اعلم من معناها وتخبرني بما تعلم من معناها او ما فتح الله عليك به او ما وقفت عليه من معانيها وعجيب اسرارها تلك مدارسة الفهم والمعاني غير ان هذه المدارسة للفهم وللمعاني وللتدبر خطأ ظن بعض الناس انها تؤتى لكل احد. فربما جلس اثنان او بعض المشتغلين بقراءة القرآن على غير علم وعلى غير سبق اهتمام بمعاني القرآن فظنوا انه بوسعهم ان يتدارسوا القرآن معنى التفهم فيجلس احدهم فيقول ما تقول في الاية وما تفهم من معناها فالتخوض فيها بغير علم والاجتراء على القول في كتاب الله غير سابق علم ولا احاطة نوع نوع من التسلط والقول على الله بغير علم. ينبو عنه اهل القرآن ويترفعون عن الوقوع فيه. فاذا تدارس الفهم مرتبة اشرف ولانها تختص بمن اكرمه الله بشرف من العلم بالقرآن ولو بطرف منه كان صاحبه اعلى درجة ولا شك. اذا هي مختصة باهل العلم والسالكين طريقهم للتعلم والفهم. لا يجوز لمن يجهل كتاب الله ان يزعم مدارسته للقرآن بهذا المعنى وبهذه الرتبة وهي ايضا في الوقت نفسه ينادى به مطلبا مهما لحلق القرآن واهل القرآن واساتذة القرآن وحفاظه والمشتغلين بتعليمه ان يجمعوا مع مدارسة لفظ القرآن وتصحيح اياته ان مع ذلك تدارسا لفهمه ليحوزوا شرف مدارسة القرآن برتبتيها معا. وبدرجتيها معا ولن يبلغوا منتهى من اول خطوة لكنها دعوة الى ترتيب البرنامج واعداد المناهج وحمل الهم وفتح الافاق والسير والحلقات للشروع حتى تصل الى هذا المستوى الشريف. اعلم ان كثيرا من الحلقات منهمكة ولا تزال يستهلكها الجهد والوقت والبذل وكل الامكانات في مدارسة الالفاظ وتصحيح التلاوة وهو انشغال شريف وعمل جليل لكنه ايضا لن يكون عذرا سائغا للانكفاف تماما والانقطاع دوما عن الارتقاء نحو فتح ابواب فهم القرآن ومدارسته. ستمر تلك مراحل بدرجات متعددة ادناها ان يبتدأ تعليم الاولاد والحفاظ ومن يشتغل بحفظ القرآن معالي الالفاظ الغريبة واسباب النزول ويلقنون بعض المعاني تلقينا ثم يفتح عليهم درجة اخرى بتعلم اقوال اهل العلم وما ثبت في الصحيح المأثور عن الله صلى الله عليه وسلم في تفسير بعض السور او الكلمات او الايات. ثم اذا ارتقى درجة ثالثة صارت لهم منهجية في قراءة كتاب ولو مختصر من التفسير او تدارس بعض معانيه فاذا حصل بعضهم القدر الادنى تسنى ان يشرع في مدارسة فهم بين تلك الحلقات الشريفة الوظيئة التي تشتغل بكتاب الله عشية او غدوا وهم يشتغلون بكتاب الله ويتدارسون تلاوة فيحوز الى ذلك الشرف العظيم في حديث جبريل عليه السلام ويدارسه القرآن فيه اشارة لطيفة وهو ان النبي عليه الصلاة والسلام وقد كان منشغلا طيلة العام بصحابته وامته. يقرؤهم القرآن ويعلمهم الوحي. ما كان يتسنى له عليه الصلاة والسلام ان يعرض القرآن على غيره. فاذا كان رمظان كانت الفرصة مواتية. فتهيأ لذلك صلى الله عليه وسلم. ثم انظر كيف اختار الله له اشرف ملائكته لهذا الامر العظيم. فينزل اليه جبريل عليه السلام. فهي همسة في اذان معلم القرآن. الذين ينشغلون طيلة السنة باقراء طلابهم وتعليمهم ان يجد احدهم متسعا ليعرض القرآن عرض مدارسة على حاذق مثله وقرين وند له من يشاركه مثل هذا العمل فيدخل في تطبيق هذه السنة العظيمة مدارسة القرآن لاهل القرآن مع من يوازيهم رتبة او يعلوهم قدرا او يشرفهم اتقانا وحزقا فان هذه سنة ونحن مقبلون على رمضان فالاشتغال بذلك والتهيؤ له او تفريغ الاوقات في رمضان بهذه السنة العظيمة مشروع لا شك واغتنام رمضان ونحن مقبلون عليه احرى بذلك اما عنصرنا الاخير في هذا اللقاء فهو الحديث عن ثمرات مدارسة القرآن واثارها التي يجنيها اهل القرآن اشتغال بالمدارسة بالمعاني المذكورة في النصوص والنقول التي سمعتم قبل قليل تلك الثمرات ساحصرها في عشرة يسوق بعضها رقاب بعض. اما الاربعة الاولى التي لا يجوز لنا ان نعد قبلها غيرها فهي المنصوصة في الحديث الشريف لان الخصال الاربعة المذكورة ليست للمدارسة فقط كما قلت لكن لا يجوز لك ان تقول او تتحدث عن ثمرات مدارسة القرآن وبركات وخيراته فتذكر شيئا قبل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما يسألك شخص عن من الذي يناله صاحب القرآن واي خير واي شرف او اجر او ثواب فلا يسوغ لك غير ان تبدأ بقولك نزلت عليهم السكينة وغشيتهم رحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. وبما انه قد مضى بشيء من التفصيل الموجز شيء عن هذه الخصال الاربعة فساتجاوزها الى ما يليها. فهذه الثمار الاربعة او البركات الاربعة او الاثار الاربعة هي اعظم ما ينال من يشرفه الله ويكرمه فيتدارس القرآن. اما الثمرات الست التي تأتي تباعا عقبها فهي كما يلين تجاوز ملل الفردية وسآمة الوحدة. الا ترى ان الاجتماع احد الخصال المذكورة في الحديث ويتدارسونه المدارسة كما قلت تقتضي مشاركة ومفاعلة من طرفين. ان يجلس المرء وحده فيكون عنده مشروع لقراءة تفسير القرآن. او درس معانيه. فمهما به الهمة سينقطع ينشغل ربما ترك ربما انصرف فوجود المدارسة والمشاركة من طرفين هي ابعد عن السآمة وهي انشط عن الملل ولا شك ان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين ابعد. وكلما كانت الجماعة اكثر في المعاونة على عمل صالح شرعت له الجماعة او الاجتماع كمثل هذا الحديث كان هذا احد مقاصده وثمراته وبركاته. الاستمرار والدواء وضمان عدم السآمة او الملل او الانقطاع. ولذلك كم انقطعت بعض مشاريع القرآن عند بعض اهل القرآن والسبب فيها كان الى حد كبير هو الفردية والمحاولة الشخصية التي يحاول فيها اصحابها ان ينهضوا بمشروع ما او ما فربما انقطعت بهم الاسباب او صرفتهم الصوارف او شغلتهم الشواغل فما استطاعوا الاكمال. الثمرة السادسة مدارسة القرآن بالمعنى المذكور في الحديث هو الاستمرار والديمومة. الاستمرار والديمومة ثمرة من ثمرات الاجتماع. لانه كما ما قلت ان المدارسة تقتضي كثرة الاستعمال فلن يتحقق لك انك مدارس للقرآن مع شخص اخر او مع استاذ او مع قرين ورفيق لذا كان هذا مستمرا. فهذه احد الثمرات التي تتبع التشرف بمدارسة القرآن. الديمومة عليه. وقد قال عليه الصلاة والسلام احب العمل الى الله ادومه وان قل. اما الثمرة السابعة وهي جليلة عظيمة شريفة فهي ان اشتغال على المرء بكتاب الله ومدارسته يفتح له بابا يمهد فيه القلب والعقل لفهم القرآن. سواء ان كانت مدارسته في مرتبة مدارسة تلاوة القرآن ام في مرتبة مدارسة فهم معانيه؟ وذلك ان كل من كان مشتغلا بكتاب الله ولو تلاوة فقط. وقراءة فقط. كل من كان مشتغلا بكتاب الله تلاوة وقراءة اكثر من غيره كان حظه وقربه من نيل الفهم والادراك للمعنى ايضا اكثر من غيره لا سواء بين مسلم له ورده الدائم المستمر من كتاب الله. يقرأ فيه ويراجع محفوظه وان لم يكن معتني بالفهم لكن الكثرة في القراءة واتقانه لما يحفظ من كتاب الله وادراكه للفرق بين المتشابهات كل ذلك له ويخول له من فهم المعاني وادراك ما يفتح له ابواب الفهم والتدبر اكثر من غيره بكثير ولا شك. فتلك ثمرة من ثمرات المدارسة ان كانت مدارسة قراءة فحسب. فكيف بك لو كانت مدارسة فهم وتعقل للمعنى وتدبر فان انها ولا شك ادعى لان يصل الى درجة اعظم يتمهد فيه لنيل درجة اعلى وهي الثمرة الثامنة. فتح باب والاشتغال بالمقصود الاعظم من انزال كتاب الله الكريم. كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته. فنص القرآن على ان المقصد من انزال الله عز وجل للكتاب الكريم هو تدبر العباد به والاشتغال بذلك. فتدبر القرآن من ابواب احد ابوابها التي تيسر التدبر والتشرف بنيل ما فيه من الثواب والمعاني والالفاظ هو الاشتغال بالمدارسة للقرآن. بين المدارسة والتدبر يا احبة بابان منفتحان. فان التدبر التدبر للقرآن يثمر حسن المدارسة فيما لو جلست تدارس القرآن. لان تدبرك يفتح لك من المعاني والفهوم وادراك الاسرار ما يجعل مدارستك لغيرك مثمرة وممتعة وناضجة. وفي الوقت نفسه فان المدارسة للقرآن تفتح لك ابواب التدبر فهما بابان مفضيان الى بعض وبين التدبر والمدارسة كما قلت شرف يصل بصاحبه الى الاخر. فهذه عروة وثيقة تربط بين مدارسة القرآن وتدبر القرآن. الثمرة التاسعة شرف عظيم يتمناه كل مسلم اكرمه الله فحفظ القرآن واشتغل به انه نيل الشرف المصاحبة للقرآن. صاحب القرآن كم جاء في فضله نص وحديث واية تدل على ما له عند الله ليس كل من حفظ القرآن غدا مصاحبا له. وليس كل من اكرمه الله فاستظهره اصبح مصاحبا له. لان الصحبة القرآن تعني الاستمرار والملازمة. مدارسة القرآن على المعنى المتقدم. بكثرة الاستمرار عليه والمداومة حتى يكون درسا تفرض على صاحبه ان يصل الى درجة الصحبة ولا شك. اخيرا في اعظم ما يتشرف به اهل القرآن واعظم المنازل التي يتبوأونها بشرف القرآن هو انهم يشرفون باهلية الله. في حديث انس رضي الله عنه ان بالله اهلينا من الناس. قيل من هم يا رسول الله؟ قال اهل القرآن. هم اهل الله وخاصته. عندما تتحدث عن اهلية الله عن عناية بالله عن مزيد اختصاص بحفظ وعناية وتدبير من الله الكريم الغني القادر جل جلاله لفئة من عباده فانك تعني شرف الدنيا والاخرة. هذه الفئة من عباد الله هي اهل القرآن بنص الحديث. اهل القرآن هم اهل الله وخاصته ثم يأتي هذا السؤال الكبير فمن هم اهل القرآن هل هم طلاب الحلقات؟ هل هم حفاظه؟ هل هم ائمة المساجد؟ هم هم المحصلون للقراءات المجازون بالاسانيد من هم اهل القرآن؟ اهل القرآن كل من كان كل من كان من اهله المقربين اليه. متى يصدق ان تقول عن الرجل انه من اهل بيتك الا اذا كان فردا منك من نفس الصلب والسلالة او كان من من الغرباء ومن غير الاقربين لكنه لشدة في القرب والاختصاص اصبح منك. اما قال عليه الصلاة والسلام سلمان منا ال البيت وهو فارسي. وما صلته بال بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام الا مزيد القرب والاختصاص والحظوة والمكانة. فمتى كان القرآن في حياة الواحد منا في منزلة الاهتمام الحفاوة والعناية وشدة الاشتغال بحيث يصبح شغله اذا قام واذا اصبح واذا امسى واذا دخل واذا خرج كان يصدق عليه انه غدا من اهل القرآن فاهل القرآن اعظم الناس اشتغالا به. وسيلزم حتما ان يكون صاحبه قد دخل في دوائر مدارسة القرآن باحدى صورتيها اما مدارسة الفاظ وتلاوة ايات او مدارسة فهم ومعاني واستمتاع بما اودع الله كتابه الكريم من العبر والعظات والايات الكبيرة. ختاما احبتي الكرام هذه ثمرات متعددة غير متناهية لكنها يقرب بها ملتمس لشرف المدارسة شيئا من اثار هذا المعنى العظيم. ولم يزل كتاب الله عز وجل بابا مشرعا للامة. تقصده في كل ان يشتغلون به لكن المختص به والاولى به قبل غيرهم هم حفظة القرآن والذين اكرمهم الله بالاشتغال به عبر حلقات حفظ قرآن اولئك المرابطون في بيوت الله اولئك الذين رضوا من حياتهم بثني الركب في بيوت الله عز وجل يقرؤون ابناء المسلمين كلام الله عز وجل وليس لهم هم الا توريثه عبر الاجيال. وليس لهم غرض الا ان يتشرفوا بالانتساب الى تلك القافلة المباركة تلك السلسلة المضيئة المشرقة في سماء الامة اهل القرآن الذين يحفظونه ويتلونه ويتصلون فيه بسند جليل شريف قن الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. اولئك اولى الناس بلا شك من كل من سواهم ان يكونوا اكثر اختصاصا بالعناية كتاب الله وان يكونوا اوفر الناس حظا بمدارسة القرآن علهم ان ينالوا ذلك الثواب العظيم والاجر الجزيل. ثم لم تكن تلك الكلمات التي قضينا معها دقائق سابقة الا طرفا احبتي الكرام نلتمس فيها شيئا شيئا من المعاني الغزيرة التي لم يحيط بها بعد من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتدارسونه بينهم. هي ابواب عظيمة مشرعة متاحة لكل مسلم احب كتاب الله فاقبل عليه ان ينال من خيرها وبركاته. وهي ايضا نوع من التواصي الذي يأخذ فيه احدنا بيد اخيه لينال من ذلك الشرف ويصحبه في هذا الطريق المبارك ثم يتنعمون غدا ايضا اخوانا على سرر متقابلين. اسأل الله عز وجل باسمائه الحسنى وصفاته العلى ان يكرمنا واياكم بفضله وعظيم منته. وان يجعلنا واياكم من اهل القرآن الذين هم اهل الله وخاصته. وان يجعلنا واياكم ممن قرأ القرآن وتلاه وتدارسه في بيت من بيوته فحظي بكل ما وعد به من شرف الثواب وعظيم الاجر والمنزلة والمكانة وان يجعلنا واياكم ممن اكرمهم الله بطاعته والاشتغال بكتابه. ونسأله سبحانه وتعالى ان يجعل لنا ولجميع من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. وختاما تقبلوا تحيات اخوانكم في مؤسسة الامام البخاري الاسلامية بمكة المكرمة. هاتف خمسة اربعة ثلاثة اربعة اثنان ستة سبعة. وعلى خمسة اربعة تسعة خمسة سبعة تسعة. وجزى الله الشيخ خير الجزاء وجعلها في موازين حسناته يوم يلقى ربه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته