بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له له الحمد في الاخرة والاولى واشهد ان سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد اخوة الاسلام فهذا هو خاتمة اللقاءات بالدورة الصيفية العلمية عن بعد المنطلقة من رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تنفذها وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي ممثلة في الادارة العامة للتوجيه والارشاد هذه الدورة العلمية التي تحمل عنواني اذكاء القرائح في احكام الجوائح والتي تمثلت جملة من الموضوعات العلمية المؤصلة التي تهدف الى تقرير الابعاد الشرعية والمعالم العلمية التي تمثل منهج الاسلام وما ينبغي ان يكون عليه المسلم في كل الجوائح والمصائب والابتلاءات والامراض ونحوها بمناسبة ما تعيشه البلاد كافة وبلاد الاسلام خاصة في ظل هذه الجائحة التي ما زالت تبقى اثارها في البلاد نسأل الله عز وجل ان يحفظنا واياكم والمسلمين جميعا هذا اللقاء يحمل عنوان الاصول الشرعية في مواقف الابتلاءات والمقصد بهذا اللقاء هو بيان جملة من القواعد والاصول الشرعية العامة التي تضبط منهج المسلم في التعامل في مواقف الابتلاءات ايا كان نوعها وهذا ينبني على مقدمة تقول ان الشريعة تربي المسلم على الاحتكام الى منهج الله سبحانه والى دين الله جل جلاله فان الله عز وجل قد قال لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين فامر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم ان يعلنها ان تكون حياته كلها لله سبحانه بل حتى الممات الذي هو مفارقة الارواح للاجساد جعلها لله عز وجل ومن بديع ما سطره ائمة الاسلام وعلماء السلف الكرام قول الامام الشافعي رحمه الله تعالى وليس تنزل باحد من اهل دين الله نازلة الا وفي كتاب الله الدلالة على سبيل الهدى فيها. اننا امة ربانية بحمد الله تعالى نستقي شرعتنا ومنهج حياتنا اجمع من شريعة رب الارض والسماء الخالق الذي قال سبحانه الا يعلم من خلق وهو واللطيف الخبير بلى سبحانه يعلم خلقه وما يصلحهم وما يكفل سعادتهم في دنياهم واخراهم في المعاشي وفي المعاد. من اجل ذلك جاءت هذه الاصول الشرعية التي تضبط حياة المسلم كما تضبط حياته في كل انحاءها بكل دقائقها وتفصيلاتها. هذه الجملة من الاصول والقواعد المتكررة لضبط سلوك المسلم في مواقف الابتلاء جاءت ايضا مراعاة لان الابتلاءات مظنة الانزعاج والقلق والاضطراب وربما خروج المرء عن حد الاعتدال الى الطيش الى السفاهة والى الخروج عما لا يليق بالعبد. والشريعة تنأى باهلها. وبني الاسلام ان يكونوا كذلك الشريعة التي جاءت هداية الى الصراط المستقيم. كلها سواء وحكمة ورحمة وهداية. وهي تضبط المسلم بجملة من الضوابط التي كان من بينها الضوابط والاصول المتعلقة بحال الابتلاءات عافانا الله واياكم اذا هي جملة من القواعد الايمانية والاصول العقدية التي تضبط وتوفر المنهج والقناعة. يرزق صاحبها بها الصواب والسداد وان يبقى على منهج شريعة الله في كل شأن من شؤون الحياة هي منهج خص به اهل الايمان وهي منحة وفضل من الله لاهل دينه جل جلاله. يفيض عليهم في دنياهم هذه راحة واطمئنانا وسكينة واستقرارا تأملوا معي حديث الامام مسلم في صحيحه من رواية صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له قوله عليه الصلاة والسلام وليس ذلك الا للمؤمن تأكيد على ان المنهج الشرعي هو الذي يوفر لاهل الايمان هذا الخير الذي خصوا به وهذا من بركات ايمانهم بالله وعقيدتهم التي لتربطهم بالخالق في كل شأن من شؤون الحياة. هذه القواعد والضوابط عشرة سيأتي سردها تباعا باذن الله تعالى هي مؤصلة بنصوص الكتاب والسنة وسيأتي ترتيبها حسب المستطاع في نسق ينبني بعضها على بعض نسأل الله التوفيق والسداد. والمراد بها احبتي الكرام ان تظيء بنورها وان نستقي من قبسها وان نلد من معينها ما نعيش به مواقف الابتلاءات جملة وابتلاء هذه الجائحة تحديدا على وجه الخصوص في ظل شريعة نستقي احكامها ونتبين هداها ونصير في درب امن ونحن في قطن نعلم مراد الله سبحانه ومواقع رضاه جل في علاه اول هذه الاصول واول هذه القواعد ما تقرر في ديننا وما تعلمناه في اركان الايمان ان من اركان الايمان الستة الايمان بالقدر خيره وشره وفي حديث جبريل عليه السلام الذي اخرج الامام مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم اذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا احد حتى جلس الى النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد اخبرني عن الاسلام فاجابه النبي عليه الصلاة والسلام. قال صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدقه. ثم قال فاخبرني عن الايمان هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام الايمان ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. قال فصدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه الحديث فهذا من اصول الايمان واركانه العظام. ومعنى الايمان بالقدر خيره وشره. اليقين والاعتقاد الجازم انهما من شيء يقع في دنيا العباد من سائر المقدرات الا والله قد قدره. وكتبه وعلمه سبحانه وتعالى قبل ان يخرج الخلق الى هذه الحياة. ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها. ان ذلك على الله يسير وفائدة هذا الايمان فوق انه مطلب شرعي وواجب يجب الوفاء به وتحقيقه في القلوب الا ان من اعظم ثمراته يا اهل الايمان هو سكون النفس واستقرار الفؤاد ورضا وراحة ينشدها اهل الابتلاءات في مواقف الابتلاء ويحتاج اليها المصابون في مواقف المصائب اشد حاجة نعم فان احدنا حفظنا الله واياكم والمسلمين جميعا بمواقف الابتلاءات والامتحانات والفتن تكون النفوس على وجل وفيها قدر كبير من الجزع والضجر والالم فما احوجها في تلك اللحظات الى ان يكون لها ما يسكن المها. وما يثبت استقرارها وما يرزقها سدادا وتوفيقا. اما ان الايمان بالقدر خيره وشره من اعظم تلك المثبتات ولهذا قال الله عز وجل عقب قوله ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتابه من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير قال بعدها لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الاستقرار والتوسط بين طرفي طيش وانزعاج هو ما يحققه الايمان بالله جل جلاله وقوله سبحانه ما اصاب من مصيبة الا باذن الله. ومن يؤمن بالله يهدي قلبه. والله بكل شيء عليم وقوم موسى عليه السلام لما قالوا اوذينا من قبل ان تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض انظر كيف تعملون قال موسى عليه السلام قبل ذلك وهو يحاول ايصال قومه الى معنى هذا الايمان الذي يرزقهم به رغما الاذى الشديد والمصاب العظيم والمحنة والابتلاء الذي سلط الله فيه على اهل الايمان مع موسى عليه السلام فرعون وجنده قال موسى عليه السلام ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين فهذا اصل يا اهل الايمان ندرسه ونحن الصغار. وتعلمناه من المنابر والمدارس ونحفظه حفظا جيدا. الا اننا نحتاج الى استصحابه في مواقف الابتلاءات والمحن والمصاعب وسائر المواقف التي نجد فيها كربا عظيما وبأسا شديدا لنكون اقوم على طريق الايمان ثباتا ورضا ويرزق القلوب السكينة والاستقرار الذي تنشده في تلك اللحظات اما ثاني هذه الاصول والقواعد اخوتي الكرام فان من قواعد الشريعة في مواقف الابتلاءات ومن اصولها العظام هو عبادة تتعلق بتلك المواقف يبحث عنها اهل الايمان ويلتمسون فيها الاجر والثواب. انه الصبر واحتساب الاجر هذه عبادة اما اننا لا تسلم دنيانا من مصائب ومهما كانت المصيبة او الابتلاءات التي تمر باحدنا هي تمر به لا محالة لكنه اما ان يتعبد لله بالعبادة التي هي وقتها في تلك اللحظات والا فات اجرها ولهذا قال بعض السلف المصيبة واحدة فاذا صبر صاحبها نال اجرها واذا جزع كانت مصيبتان تقدو المصاب وفقد الثواب. لا حرمنا الله واياكم المقصود يا كرام ان في الابتلاءات الوظيفة التي يتطلبها الموقف هي عبادة الصبر عبادة ينبغي ان يحتسب المسلم فيها ان ينال الاجر بصبره على المصاب والابتلاء الذي وقع به. فانه من اعظم واجبات الابتلاءات ووظائفها على العباد هذا المعنى العظيم موسى عليه السلام مرة اخرى في المواقف التي وجد فيها قومه البأس والشدة وعظيم الابتلاء. والامتحان قال موسى قومه استعينوا بالله واصبروا ثم ذكرهم بالاصل الذي مر قبل قليل ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وابتلى هذا الاصل الثاني على الاول لانه لن يتصبر الا صاحب ايمان يؤمن بان القدر خيره وشره من الله ويؤمن بان الله وعد عباده عظيم الاجر والثواب عند الصبر والاحتساب فلا يصبر الا مؤمن ولا يتصبر الا من حمل هذا الاصل. لكن غير اهل الايمان من سائر البشر من الطوائف والملل والاديان الباطلة. فوق انهم لا يدركون معنى هذا الايمان فان مصائبهم تتضاعف مصيبة الالم ومصيبة الجزع ومصيبة التسخط ثم هو لا ينتظر شيئا اخر. فلذلك يزداد كربه فتجد المصيبة الواحدة التي تحل باهل بلد وفيهم المؤمن وغير المؤمن تجد اهل الايمان اكثر صبرا واحتسابا لانهم ينشدون شيئا اخر. وترى غيرهم اكثر جزعا وتسخط بل ربما استعجلوا في ظل المصائب فراق الحياء فتكثر بينهم حالات الانتحار والدعوة الى التخلص من ذلك الضيق الذي ربما طال بهم امده الى التخلص من الحياة وازهاق الارواح اي بالانتحار باي صورة من الصور اسمعوا معي رعاكم الله فيما يدل على هذا الاصل ايضا من احتساب الصبر والثواب والاجر العظيم في مواقف الابتلاءات والصعاب والشدائد حديث انس رضي الله عنه فيما اخرج البخاري في الصحيح وغيره يقول النبي عليه الصلاة والسلام اذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبرا عوضته منهما الجنة يريد عينيه يعني من فقد بصره وهذا احد المصائب والابتلاءات. يقول فصبر فانظروا كيف علق الاجر والثواب على عبادة الصبر هذا ابتلاء عظيم. قال اذا ابتليت عبدي بحبيبتيه يريد عينيه فصبر عوضته منهما الجنة وفي حال السابقين الاوائل من الصحابة رضي الله عنهم بمكة ايضا فيما اخرج البخاري شاهد عظيم يدل على ان اعظم ما يعبر به المؤمن مواقف الابتلاءات وازمنة الامتحان عبادة الصبر نعم لا عبادة اعظم من الصبر ينال بها المسلم الاجر والثواب في مواقف الابتلاءات. وشاهدوا ذلك حديث خباب ابن عدي رضي الله عنه قال شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا الا تستنصروا لنا؟ الا تدعوا لنا بعدما اصابهم ما اصابهم من اذى قريش واضطهادها وتنكيلها وتعذيبها بالمسلمين الاوائل بمكة المستضعفين منهم فما جاء يطلب معجزة طلب من النبي عليه الصلاة والسلام دعاء ينزل به الفرج عليهم ويخفف به المصاب ويرتفع به البلاء فالنبي عليه الصلاة والسلام لقنه والامة من بعده هذا الاصل العظيم. ان عبادة عظيمة نحن احرى بها. قال عليه الصلاة والسلام قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بامشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه. فما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن هذا الامر حتى يسير راكب من صنعاء الى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون عد النبي عليه الصلاة والسلام مفارقة الصبر وعدم الالتفات اليه وتعبدنا لله به في مواقف الابتلاءات عده استعجالا اباه النبي عليه الصلاة والسلام على ابته المسلمين الاوائل بمكة من المستضعفين بها وهذا الاصل الكبير ايها الكرام الذي دل عليه ما سمعت من النصوص الشرعية كان ابتلاء على الاصل الاول وهو الايمان بالله اذا ادركنا هذين الاصلين الايمان بالقدر خيره وشره ووظيفة الصبر واحتساب الاجر فان ثالث القواعد والاصول الشرعية في مواقف الابتلاءات هي الايمان والقناعة وادراك ان الدنيا دار ابتلاء نعم الدنيا كلها بخيرها وشرها بحلوها ومرها بصفوها وكدرها وهي ما صفته لن تصفو لاحد. فمتاعها زائل ومؤمن ال فرعون ماذا قال؟ قال يا قومي انما هذه الحياة الدنيا متاع وان الاخرة هي دار القرار ما عدا ذلك فلا التفات اما رأيتم الى الدنيا اذا كانت دار ابتلاء فان العاقل يوطن نفسه على هذا الاصل فلا يغتر بنعيم دنياه ولا يعول على ظل زائل ونعيم مؤقت ويتهيأ كما هو الاصل من الابتلاء في دنياه هذه عندما ندرك ان دنيانا في جملتها هي محطة ابتلاء فهل سيكون وقع الابتلاء اذا مر باحدنا شيئا مزعجا مدهشا شيئا طارئا بالنسبة اليه اذا عده الاصل فلن يكون طارئا ولا مفاجئا ولن يصيبه به طيش ولا لانه قد تهيأ لذلك من قبل. وقد انشد التهامي في رثاء ابنه بالابيات الشهيرة يقول فيها طبعت على كدر وانت تريدها صفوا من الاقذاء والاكدار ومكلف الايام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار. واذا رجوت المستحيل فانما تبني الرجاء على شفير هاري. فالعيش يوم والمنية يقظة. والمرء بينهما خيال ساري ولحكمة ارادها الله في ان تكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان وفتن ومصائب لا تصفو لاحد لاجل ان تكون الاخرة حقيقة هي محط النعيم المقيم السرمدي الابدي فيتمحض السرور واللذة والبهجة في دار الاخرة فيتحقق النعيم من اكمل وجه لكن الحياة الدنيا مهما بلغت فانها لا تزال موصوفة بدار الابتلاء يلحق بهذا الاصل الثالث ايها المؤمنون اصل رابع وقاعدة جليلة ان الابتلاء في هذه الحياة الدنيا طالما هي دار ابتلاء فكل ما فيها يا كرام هو ابتلاء. الخير والشر ابتلاء. والنعيم والبؤس فيها ابتلاء. والصحة والمرض فيها ابتلاء والفقر والغنى ايضا هو ابتلاء. العطاء ابتلاء كما هو الحرمان ابتلاء. الحياة والموت كل ما في الحياة اسمعوا الى قول ربكم سبحانه ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون. نبلوكم هو اختبار ثم قال بالشر والخير مخطئ يا كرام من ظن ان الابتلاء في الحياة لا يكون الا بمرض وفقر ومصاب وموت وحرمان. هذه احد وجهي الابتلاء والوجه الاخر هو الخير. نعم هو النعمة هو العطاء هو الحياة. هو اللذة هي ايضا وجوه للابتلاء ونبلوكم بالشر والخير فتنة. وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما يقول نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحنان والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال توسيع النظر ايها المؤمن بهذا الاصل يخفف وقع الابتلاء. تدري لما لانك عندما ترى فقرا تمر به او بؤسا او مرضا او موتا تعيشه في من حولك ان شعرت انك في مصاب فالتفتت عيناك فابصرت ذا الغنى وذا المال وذا الحياة وذا الثراء وذا الصحة لا تظن انك المبتلى وحدك هو ايضا مبتلى ان ابتليت بفقرك فقد ابتلي هو بغناه. ان ابتليت بمرض فقد ابتلي هو بصحته وعافيته. ان ابتليت بموت الولد هو مبتلى برزق ولد ان ابتليت انت بالحرمان فهو مبتلى بالعطاء. كلنا في الحياة على محك الابتلاء ايها العباد على حد سواء الفرق هو وجه الابتلاء فالمبتلى بالغنى والاخر مبتلى بفقر وهكذا. واننا مهما تقلبنا في دنيانا على اي حال من الاحوال فاننا والله انما نتقلب في الابتلاء لا انفكاك لنا عنها ذو المال مبتلى بماله كما الفقير مبتلى بفقره. اليوم في ظل هذه الجائحة في ظل هذا الوباء العالمي كورونا الذي اصطلى الناس بمرضه وفقده والمه وموته. والذي طبق الارض من شرقها الى غربها وشمالها الى جنوبها ودخل كل البلدان وتجاوز الحدود فما ترك احدا في ظل هذا الوباء ليس المعافى منا السالم حتى اليوم ممن لم يصب هو ولا احد افراد اسرته من قال لكم انه ناجم من هذا الابتلاء اليس هو قد عوفي؟ اما ان معافاته من هذا الابتلاء هو ابتلاء لان المريض ايضا مبتلى وليس هو بناج من البلاء دون من اصيب به فمات او مرض اياما حتى عوفي. اذا كان المصاب مبتلى بمرضه فيؤدي واجب الابتلاء بالصبر واحتساب الاجر فان المعافى ايضا مبتلى بسلامته ليؤدي واجب المعافاة بسلامته بالشكر لله فتلك وظيفة ايضا في ذاك المقام وتقدم بكم قبل قليل. حديث صهيب الرومي رضي الله عنه عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبرا فكان خيرا له خامس هذه القواعد والاصول ايها المؤمنون تقدم في اصل اول في صدر الحديث ان من اركان الايمان الايمان بالقدر الايمان بالقدر خيره وشره اي بما يقع من خير وشر فالمؤمن بذلك يوقن ويجزم بتقدير الله سبحانه وتعالى لكل المقدرات والوقائع والاحداث والمخلوقات في حياتنا هذه منذ الازل وانه لا شيء يقع ولا امر يحصل لغير علم الله بغير علم الله وتقديره وقضائه النافذ في خلقه سبحانه هذا الاصل يتعلق به قاعدتان جليلتان في مسائل الاعتقاد ينبغي بيانها بجلاء. لانها مسار اشكال عند بعض من يجهلها. وهي مسار شبهات عند بعض من استزله الشيطان في بعض خطوات طريق الالحاد والتشكيك اول هذين الاصلين والقاعدتين المتعلقتين بالايمان بالقدر خيره وشره انه لا شر محو من كل وجه فيما يقع في حياة العباد بما قضاه الله وقدره لان الله سبحانه وتعالى حكيم عليم جليل وهو سبحانه وتعالى قائم بتدبير خلقه فيما يصلحهم ويصلح لهم والشر الواقع انما هو شر نسبي اي بالنسبة لبعض الخلق دون بعض او بالنسبة لبعض الاحوال دون بعض او بالنسبة لبعض الاوقات والازمان دون بعض. ومثال ذلك المرض هو في ظاهره شر ومقدور فيه الم ومصاب. لكنه من وجه هو كذلك ومن وجوه اخر ليس كذلك فان من فوائد المرض الاحساس بالنعمة بالعافية وادراكها فان النعمة كما يقولون تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى ومن فوائد المرض اكتساب الجسد مناعة يتقوى بعدها على ما ما هو من جنس ذلك المرض او من مثله ومن فوائد المرض تخليص جسمي من كثير من السموم والافات كما يقول الاطباء. ومن فوائده وجوه اخر هي ايضا تقابل ذلك فيها قوة بدن وتعافيه ومناعته وتخليصه من الشوائب وفيها في المقابل في الامور الاخروية كفارة للسيئات ورفعة للدرجات. او ربما اذا كان قد اصيب مرض فامتد به حتى الموت كالمطعون والمبطون فانه شهيد في ميزان الشريعة. وكذلك سائر الحوادث والمصائب يا كرام. من تأملها وجدها ان كانت شرا من وجه فهي في غيرها من الاوجه في ذات الحدث والمصيبة هي خير محض من وجوه عدة فلا يكون في المقدورات شر محض من كل وجه. من جميل كلام الامام ابن القيم رحمه الله تعالى وهو يبين هذا المعنى قال ان تستحضر كمال الله وحسن صفاته وافعاله فمن اسمائه مثلا القدوس ومعناه المعظم المنزه عن صفات النقص كلها. ومن اسمائه ايضا السلام. يقول ابن القيم رحمه الله سلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه فهو السلام الحق بكل اعتبار. فهو سبحانه سلام في ذاته وسلام في صفاته وسلام في افعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم. وفعل واقع على غير وجه الحكمة. بل هو السلام الحق من من كل وجه وبكل اعتبار هذا الاصل الاول المتعلق بالايمان بالقدر خيره وشره انه ليس هناك شر محض ابدا بوجه ما ويتعلق بذلك ايضا الاصل الثاني وهو عدم نسبة هذا الشر النسبي الى الله سبحانه وتعالى لما سبق انه ليس شرا محضا فلا يجوز الى الله ولامر اخر هو مقام التأدب مع الخالق سبحانه وتعالى في صحيح مسلم عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه في حكاية دعاء النبي عليه الصلاة والسلام اذا قام الى الصلاة وقال في جمل ذلك الدعاء في الحديث الطويل يقول لبيك وسعديك والخير في والخير كله في يديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت واستغفرك واتوب اليك يقول الامام النووي رحمه الله قال الخطابي وغيره فيه الارشاد الى الادب في الثناء على الله تعالى ومدحه بان يضاف اليه محاسن الامور دون مساوئها. هذا المعنى الكريم الكبير يا اخوة هو من معاني الايمان العظام التي ينشدها المسلم افعال الله متمحضة بالخيرية فلا ينسب اليه الشر مفردا. والشر الوارد في القرآن والسنة لم يظف الى الله الا على احد وجوه ثلاثة اما ان يدخل في عموم مخلوقاته في مثل قوله وخالقه وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. فقوله خلق كل شيء دخل فيه الخير والشر والوجه الثاني ان يضاف الى السبب قل اعوذ برب الفلق من شر ما خلق فجعل النسبة الشر الى السبب وهو الخلق وليس الى الخالق سبحانه وتعالى. والوجه الثالث ان يحذف فاعله في مثل قول الجن وانى لا اندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا فليس في نصوص القرآن والسنة نسبة الشر الى الله سبحانه وتعالى نسبة صريحة مباشرة تقريرا لهذا الاصل العظيم. ومعنى قوله والشر ليس اليك انه ليس شرا بالنسبة اليك فانك خلقته بحكمة بالغة وقيل معناه لا يتقرب به اليك. يعني والشر ليس اليك لا يتقرب يا ربي بالشر اليك سبحانه او لا يصعد اليك ان الله قال اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ولهذا جاء هذا الادب كما تقدم على لسان الجن في صورة الجن. قالوا وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض فلم ينسبوا الشر في ارادته صراحة الى الله. لكن لما ذكروا الخير قالوا ام اراد بهم ربهم رشدا وهو الادب الذي جاء على لسان خليل الله ابراهيم عليه السلام كما في سورة الشعراء. قال قال عليه السلام كما كما حكى القرآن في سورة الشعراء قال قال آآ ابراهيم الخليل عليه السلام واذا مرضت فهو يشفين قال الا الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين. واذا مرظت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين. فتكلم عن الطعام والسقيا والمرض والشفاء والحياة والموت كلها نسبها الى الله الا المرض قال الذي خلقني فجعل الخلق لله فهو يهدين فجعل الهداية لله قال واذا مرظت فهو يشفين والذي هو يطعمني ويسقين. جعل الاطعام الى الله والسقيا الى الله. لكن المرض ما قال واذا امرضني فهو يشفين. قال واذا مرظت فهو يشفين الذي يميتني ثم يحيين. تقريرا لهذا الاصل فنحن نستحضر كمال الله وحسن صفاته وافعاله. فيما يتعلق مقدرات التي تحل بدنيانا معشر العباد. وكان هذا هو الاصل الخامس من الاصول التي تتقرر في مواقف الابتلاءات اما الاصل السادس ايها المؤمنون من القواعد المتقررة في الشريعة وفيما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وفيما نستحضره ايضا باستقراء في حياة البشر انه لا احد يسلم من البلاء لان الدنيا دار ابتلاء كما تقدم قبل قليل اذا لا تفاوت بين البشر في الابتلاء هذا الاصل ينطبق على الكل. المسلم والكافر والبر والفاجر والصغير والكبير والرجل والمرأة المتعلم الجاهل كلنا على محك الابتلاء لا يسلم منه احد اذا كان البشر لا يتفاوتون في هذا الاصل وهو الابتلاء ومرور حياتهم بها انما يتفاوتون في المواقف من الابتلاء. يتفاوتون في شدة الابتلاء وضعفه الاصل وارد على الكل لكن التفاوت يحصل في درجة الابتلاء التي تصيب العباد. فبين ابتلاء شديد اخذ بمجامع القلب يزلزل القدم وينزل ويعصف بصاحبه وبين ابتلاء اخف وبين امتلاء يسير وما بين ذلك درجات شتى شدة الابتلاء وضعفه يا كرام ليست مرتبطة برضا الله وسخطه عن العبد بمعنى ان يشتد البلاء نقمة وسخطا من الله على عبده اذا غضب عليه ويخف اذا رضي الله عن العبد وحسن مقامه بين يديه. المسألة بالعكس تماما خلاف ما يظنه بعض من لا يتفطن لما دلت عليه النصوص الشرعية. في الحديث الذي اخرج الترمذي واحمد وغيرهما من الائمة وصححه عدد من المحدثين كالالباني رحم الله الجميع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم اشد الناس بلاء الانبياء هكذا على الاطلاق ولا خلاف بيننا ان الانبياء صفوة البشر عليهم السلام وارفعهم قدرا عند الله واعظمهم مقاما لديه واحراهم بالكرامة عنده في الدار الاخرة. وهم في الدنيا اهل وحيه وتأييده ونصره وهم المبلغون عن الله رسالاته الى الخلق فهم على كل خير في احوالهم فكيف تفهمون اذا قوله عليه الصلاة والسلام اشد الناس بلاء الانبياء فهل يكون الابتلاء في شدته مقترنا بغضب وسخط وعقاب ونقمة. ام هو العكس يقول اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل يعني الافضل فالافضل قال عليه الصلاة والسلام يبتلى الرجل على قدر دينه فان كان دينه صلبا اشتد بلاؤه. وان كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة الله اكبر ان الابتلاءات التي تتتابع على اهل الايمان وتجد احدهم ربما تعاقب عليه فقد الولد والمرض ومصاب في حياته او دين او كثير من المتاعب والهموم. مع ما تراه فيه من الخير والصلاح وربما اقعده المرض فالزمه الفراش واقعده عن العمل اينظر الناس اليه نظرة شفقة ويرونه في حال بائسة وقد يكون قد يكون مقامه عند الله عظيما وان الله خصه بهذا البلاء ليزيد في رفعة درجاته عنده سبحانه وتعالى وهذا الحديث نص في الباب اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل يبتلى الرجل على قدر دينه فان كان دينه صلبا اشتد بل وان كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ليس المطلوب ان ينشد المرء الابتلاء او يبحث عنه او يدعو الله ان يحل به كلا لكن المطلوب ان العبد يواجه مواقف الابتلاء باستصحاب هذا الفأل وحسن الظن بالله والتعويل على فضله ورحمته وان ينظر في كل بلاء يحل به ومصيبة تنزل بساحته انها انها فضل من الله سيق اليه كيف يكون الابتلاء فضلا؟ اذا نظرنا الى هذا الاصل كان شاهدا من الشواهد يأنس به العبد اذا كان على سماء الخير وطريق الطاعة يجدها قرينة يستبشر بها خيرا ان الله عز وجل اراد به ذلك ليزيد في درجاتهم او يكفر من سيئاتهم يقول فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض وما عليه خطيئة ان من فقه ذلك اخوتي الكرام انه مع الاصل السابق وان الدنيا دار ابتلاء وان الابتلاء يكون بالخير كما يكون بالشر. ان يستعد العبد للبلاء في اي لحظة من لحظات الحياة. في اي باب من ابواب الابتلاء والله فكلنا كذلك ولنا اسوة وقدوة بصفوة البشر عليهم السلام الذين اشتد بهم البلاء. هذا ايوب عليه السلام وبلاؤه كان في مرض الم به تفارقه الاهل والولد فلما من الله عليه اجابة دعوته. لما قال ربي مسني الضر وانت ارحم الراحمين. قال فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر واتيناه اهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا. وزكريا عليه السلام في تأخر الولد حتى كبر السن ورق منه العظم. عيسى ابن ومريم وتكذيب قومه وارادة اذاه. موسى عليه السلام وما الذي وجده من الاذى والاضطهاد والمطاردة ورغبة القتل نوح يوحنا عليه السلام حتى اضطر الى صنع السفينة بامر الله وخضوع الارض كلها للطوفان بامر الله. ابراهيم الخليل عليه السلام وايقاد النار رميه فيها نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم. الذي كانت حياته مراحل ابتلاءات متتابعة قبل النبوة بعدها فقد الوالدين ونشأة اليتم وفقد الاولاد بعد الزواج تباعا فيسابقونه في مغادرة الحياة قبله عليه الصلاة والسلام صاروا بمكة والاذى الهجرة والخروج اذى اصحابه. الغزو والجهاد وتتبع الاعداء له. كل ذلك دليل على اشتداد البلاء مصحوبا برفعة القدر والمقام عند الله سبحانه اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل لست انسى مقولة جار لنا رحمة الله على ابي عبيد. وقد اصيب في اواخر عمره ولا احسبه الا صالحا كان السابق الى المسجد يحضر قبل افتتاحه ويكون اخر من يغادره. لا تراه يغيب عن ناظريك في الصف الاول وربما كان المؤذن ونائب الامام ظل على ذلك سنين من حياته رحمة الله عليه. تعب في اخر حياته فتعاقبت عليه الامراض افتقدته مرة فغاب ان اسأل عنه ثم وجدته بعد شهر حضر المسجد على عربة وقد قطعت احدى رجليه فوقع ذلك في نفس موقع عظيما فاقبلت اليه اسلم عليه واعزيه واصبره واسأله ان يجد هذا المعنى فكم كانت دهشتي عظيمة والله لما قال لي هذه الكلمة مصحوبة بهذا الاصل الذي قد تقرر عنده رحمه الله قال اخي الكريم لست والله جزعا ولا يائسا بل انني في غبطة وسرور قلت لم؟ قال لان الله خصني من بينكم بهذا الفضل. قلت اي فضل؟ قال الابتلاء قال هو ويحسن الظن بربه ان الله اذا ابتلاه ففقد احدى رجليه فانما يراها اشتداد بلاء مصحوبا بعظيم مكانة نسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم من واسع فضله وان يعافينا واياكم من الابتلاءات وان يلطف بنا وبكم اجمعين. اما الاصل السابع ايها المؤمنون المباركون فيما يتعلق بمواقف الابتلاءات فانها مظنة لعبادة عظيمة بميزان العباد يوم القيامة هي عبادة الذكر لله سبحانه تقدمت عبادة الصبر وانها وظيفة الابتلاءات ومواقف المحن والفتن فان ذكر الله عز وجل عبادة جليلة وليس المقام بيان جليل مكانة الذكر عند الله وثقيل وقعها في ميزان العباد يوم يلقون الله. فالذكر عبادة عظيمة جليلة وبابه كبير لكن الذكر لله في مواقف المصائب والابتلاءات عدة وسلاح عظيم. اجل بالذكر لله سبحانه وتعالى تقوى القلوب. تطمئن وتنشرح الصدور. وهذا احوج ما يحتاج اليه المؤمن المبتلى في مواقف امتحانات والابتلاءات وفي الامراض وغيرها. فان النفس تتعب من شدة البلاء. سواء كان البلاء فقدا موتا مرضا ونحوه النفوس تتعب فيصيبها اذا طال بها الامد قدر كبير من الظمور والذبول والتعب والاعياء ما احوجها والله لان تنتعش الارواح قصد ذكر لله عز وجل اعظم ما يعيد الى النفس بهجتها وراحتها وانشراحها هذا دواء عجيب وليس الا ذكر الله سبحانه وتعالى لكم ان تتخيلوا ان الذاكر لربه في مواقف الابتلاء يتمسك والله بحبل وثيق ويجعل لروحه في قوتها وصلابتها امتدادا بالوحي من السماء لان الذاكر لله يأنس بذكره لله فيجد من ذكره الا اذا تواطأ الذكر باللسان مع استشعار المعنى بالقلب. والله يجد قوة وثباتا وراحة وانشراحا عجيبا وجاءت النصوص بالربط بين مواقف المصائب والابتلاءات وبين عبادة الذكر لله. في سورة البقرة يقول الله سبحانه وتعالى وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله هذا ذكر وانا اليه راجعون. عندما يفطن العبد في مواقف الابتلاء الى ان يلجأ ويفزع الى ذكر الله فهذا والله من توفيق الله بدلا من ان يندب او يسخط او يظل حائرا يتيه في طرق الابواب يتجه يمنة ويسرة. يبحث عن مخرج لهذا المصاب وذلك الابتلاء. فاذا الهم ان يلجأ الى الله فيذكره استغفارا وتسبيحا وتهليلا وتكبيرا وتحميدا وحوقلة واسترجاعا فهو والله توفيق واعلموا انه لا يوفق له كل العباد لكن الموفق من وفقه الله وهذا اصل كبير في مواقف الابتلاءات قال ولابشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. قال اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون وفي الحديث الذي اخرجه الترمذي وحسنه ابن حجر رحمة الله عليهما عن ابي موسى الاشعري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع استرجع نقال انا لله وانا اليه راجعون حمدك يعني قال الحمد لله على ماذا يحمد العبد ربه عندما يفقد ولده هل الفقد عطاء؟ نعم هو عطاء ايمان بالصبر والاحتساب. هو عطاء اجر وثواب هذا معنى ايماني عجيب يا كرام يفقده كثير من الناس في مواقف الابتلاءات والمصائب التي تحل بهم بالله عليكم اينا ذاك الذي اذا اصيب بمرض كورونا عافانا الله واياكم او مرض احد اهل بيته او ولده او زوجته او احد والديه قال الحمد لله واسترجع وقال انا لله وانا اليه راجعون من يظن ان هذا المعنى نعمة تستحق الحمد فظل ذلك المعنى في قلبه يرزقه ثباتا ثم يطرق باب ربه سبحانه بالحمد ينشد الاجر والثواب لما قال في الحديث قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم. يقول ماذا قال عبدي؟ ان سؤال ربنا الكريم سبحانه. لملائكته الكرام عليهم السلام وهو اعلم بما قال للعبد انما هو للاشارة الى مناط ما سيأتي في ذكر هذا الثواب وانه مرتبط بان يوفق العبد لهذا الذكر لله حمدا واسترجاعا فلما قالت الملائكة حمدك يا ربي واسترجع. يقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد فالحمد لله على كل حال والحمد لله على كل ما يجده العبد في حياته من خير وشر من نعيم وبؤس من صحة ومرض من عطاء وحرمان. الحمد لله الذي لا يحمد سواه الاصل الثامن احبتي الكرام فيما يتعلق بالاصول الشرعية في مواقف الابتلاءات ان الابتلاء اذا حل بالعبد فانه لا يأتي الا مصحوبا بخير ومصحوبا بعطاء مهما كان وجه الابتلاء. وقد يكون الابتلاء جزاء بمعنى ان يكون ثوابا واجرا في الاخرة. او ليكون كفارة للسيئات كما ان الابتلاء يأتي عقابا ويأتي اصطفاء كل ذلك مما تقررت به الاصول الشرعية. فمن الخطأ اذا يا كرام ان ينزل تفسير الابتلاء اذا حل بالعبد على وجه واحد وانه لا ابتلاء من الله الا نقمة من العبد او سخطا به او اه حرمانا له بل ربما كان الابتلاء اصطفاء وقد تقدم بكم الحديث اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل. يبتلى الرجل على قدر دينه فقد يكون الابتلاء اصطفاء وكثير من ارهاصات النبوة وبلوغ الانبياء الكرام عليهم السلام مقامات رفيعة عالية كانت في ظلال الابتلاءات حتى قال وصدق من قال ويكأن العطاء لا يأتي الا على طبق من الابتلاء. نعم في جوف الابتلاءات كثير من العطايا في جوف البلاء كثير من المنن في جوف المحن كثير من المنح والهبات هكذا هي لا تزال لا تزال البلايا مطايا للعطايا يرزق فيها العباد عطايا من الله كرما وفضلا فخطأ تنزيل الابتلاءات على وجه واحد مضطرب. وانه لا يكون الا عقوبة بل قد يكون اصطفاء وقد يكون ثوابا واجرا. وقد يكون تكفيرا للسيئات وشواهد ذلك فيما اخرج الائمة كما هو عند الامام مسلم في صحيحه من حديث ابي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم امه الا كفر به من سيئاته فالمرض والتعب والمصاب والالم والسقم والحزن حتى الحزن الذي يحزن قلبك انت مأجور عبدالله مهموم حتى الهم قال يهمه الا كفر به من سيئاته الالتفات الى هذا الاصل يا كرام والله فوق انه يخفف المصاب ويهون من وقعه على العبد في الابتلاء فانه يوجد بحبوحة واسعة في وقت وظرف هي احوج ما تكون اليه. اذا جئت تعزي انسانا في مصاب فقد احد والديه او اعز اولاده او اهل بيته او ما له وتجارته او فقد صحته او فقد شيئا من اعضاء جسده. عندما يشعر انه مأجور حتى بالحزن الذي يقع في قلبه والهم الذي يغلف فؤاده فانه يستروح كثيرا في ظل هذا العطاء والكرم الالهي بعباده سبحانه وتعالى والحديث عند الامام البخاري في صحيحه بلفظ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا اذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كف الله بها من خطاياه الابتلاءات تأتي مصحوبة بالعطاءات كما قلنا وفي طيات المحن كثير من المنح والهبات والعطايا الربانية في الحديث الذي اخرج الترمذي وحسن الالباني بالرواية جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يود اهل العافية يوم القيامة حين يعطى اهل البلاء الثواب لو ان جلودهم كانت قرضت بالمقاريض يعني من عظيم ما يرون يوم القيامة من عطاء واجر وثواب يناله اصحاب الابتلاءات في الدنيا فيتمنى اهل العافية الذين سلموا في الدنيا لو انه في الدنيا ليس قد وجدوا الابتلاء فحسب بل لو ان جنودهم قرضت بالمقاريض يعني اشد انواع الابتلاء والمه اذى على النفس هذا كله تقرير للاصول الشرعية ايها المباركون ليعيش المسلم مواقف الابتلاءات مفعم الفؤاد ساكن القلب منشرح الصدر يركن الى ركن شديد ويأوي الى اصول عظيمة. جاءت الشريعة ببيانها لمزيد استقرار القلوب. اما الاصل التاسع قبل الاخير فهو التقرير لحكم الابتلاءات التي يقدرها الله عز وجل على العباد فان المصائب والابتلاءات التي تقع تأتي لحكم جليلة لان ربنا حكيم سبحانه وربنا عليم جل جلاله وربنا خبير سبحانه وربنا لطيف لما يشاء وهو العليم الحكيم فمن تمام حكمته سبحانه الا يقع في مخلوقاته ومقدوراته شيء الا لحكمة بالغة. قد نفطن لبعضها ويغيب عنا لكن الله عز وجل في غير ما اية في كتابه الكريم اخبرنا بجعب بعض مقاصد الابتلاءات وحكمها في مثل قوله سبحانه وتعالى ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون وهذا تعليل لعلهم يتضرعون وفي قوله تعالى وما ارسلنا في قرية من نبي الا اخذنا اهلها بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون والمعنى واحد الضراعة الاستكانة الى الله الانكسار بين يديه دعاؤه طرق بابه المسكنة بين يديه اظهار الافتقار الى رحمته وعفوه وعافيته ليس ببعيد عنه ذلك قوله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا فمن معاني الابتلاءات عقاب العباد على بعض عملهم وليس بكله. قال لعلهم يرجعون. اذا الرجوع الى الله والضراعة الى الله تجد توبة والاستغفار وسؤال الله بكشف البلاء والدعاء المستمر هو احد الحكم التي ينبغي ان يتفطن لها اهل كلام وان يعيشوها في ظلال الاوبئة والجوائح وغيرها من وجوه الابتلاءات اما ان هذا الوباء ما زال ممتدا منذ شهور في دنيا الناس ان الاصل العظيم في مواقف الابتلاءات يا كرام والامراض والاوبئة ونحوها الاخذ بالاسباب جنبا الى جنب مع تمام التوكل على الله. وصدق الضراعة اليه قصور بين ان نركن الى الاسباب ونترك المسبب سبحانه ان نأخذ بالاسباب والتدابير والاجراءات الاحترازية ونعمل بها وكل ذلك مطلب ملح تركه تفريط وغفلة وتواكل لكن الاخذ بذلك ينبغي ان يتوازى في في الاخذ به ان يتوازى مع اصل ايماني هو الركون الى الله والرجوع اليه البسوا الكمامات وخذ بالاحترازات وطبق الاجراءات وافعل كل ما توجه به الجهات المعنية واهل الطب والصحة في ذلك واجعل مع ذلك دعاء كثيفا في سجودك في صلواتك في دعواتك ان يرفع الله البلاء. وان يعافيك وان يحفظك وان يجنبك السوء وان يشفي مريضك وان يرحم ميتك. هي ضراعة وينبغي كلما امتد البلاء وطال ان نزداد في الدعاء. ودعونا نقول بصراحة اخوة الاسلام ان من العجلة ان يظن الناس ان تخفيف بعض الاجراءات الاحترازية لاسباب كثيرة تتعلق بدنيا العباد ان يظنوها تخفيفا وزوالا للوباء وهو باق ثم يتخففون حتى من الدعاء والضراعة والالتجاء الى الله وهذا ماخذ ينبغي التنبيه عليه اخيرا فان من الاصول الشرعية في مواقف الابتلاءات والمصائب التي جاءت ضمنا فيما سبق الالتفات الى معنى عظيم وهو انه يأتي البلاء في طياته المنح والهبات والخيرات الماسوقة التي تستوجب الحمد. نعم مهما كانت مصيبة احدنا عباد الله فانها مصيبة محاطة بجليل النعم من الله سبحانه وتعالى والمقصود هنا الاشارة الى بعض ما كان في مأثور السلف من هدي قولهم وفعلهم مما يدل على فقه هذا المعنى وادراكه فانكم وقد سمعتم قبل قليل لما يقول الله عز وجل في الحديث قبضتم ولد عبدي قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون حمدك واسترجع الحمد في مقام الابتلاء والفقد يدل على التفات الى اصل عظيم يذكر عن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويذكر عن الفضيل ابن عياض وغيرهم انه ما تنزل مصيبة وبلاء الا ويحمد الله فيها اربع مرات اذ لم تكن في ديني واذ لم تكن اكبر مما هي عليه. واذ ارجو الثواب عليه وان وفقني للاسترجاع هذه النعم التفت اليها السلف في طيات الابتلاءات ان البلية لم تكن اكبر هذا الفيروس الذي يغشانا وباء كورونا اما كان يمكن ان يكون اشد فتكا اي رسل الله اكبر لا إله إلا الله اشهد ان لا اله محمد محمدا رسول الصلاة ايا الصلاة حي على الفلاح الله اكبر اله الا الله والمقصود النظر الى هذا الابتلاء الذي يعيشه الناس اليوم في ظل هذا الوباء وهذا المرض وهذا الداء. فيروس كورونا كان يمكن ان يكون في تقدير الله عز وجل في اصابة العباد به ان يكون اشد فتكا وضراوة مما هو عليه فاذا كان نسبة اصابته بالموت والقتل في من يصاب به لا يتجاوز نسبة ضئيلة بين الواحد الى الثلاثة في المئة. اما كان يمكن ان كون بلاء اعظم عندما يكون نسبة الموت بمثل هذا المرض يتجاوز التسعين الخمسة وتسعين في المئة مثلا؟ بلى لكنها رحمة الله اليست هي نعمة ان لم تكن هذه المصيبة اكبر مما هي عليه والثانية انها لم تكن في ديننا بل كانت في دنيانا وصحتنا واسقامنا وحياتنا لكن الدين اعظم وان يموت المرء على ايمان بربه وحسن ظن به مهما كانت النهاية التي يموت بها فانه اسلم لدينه. وهو في النهاية ميت لا محالة وفي الثالثة انه لم يحرم فيها الثواب وانه يرجو ايضا الاستعاضة عن ذلك بعظيم الاجر عند الله عز وجل او العوظ جزائي الحسن. هذه اصول عشرة يا كرام. كان المقصود بذكرها وعرضها الالتفات الى جملة من الاصول الشرعية والقواعد المنهجية التي نستقيها من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه واله وسلم في ان تكون منهاجا ومعالم نستضيء بضوئها افي طريق حياتنا جملة وفي مواقف الابتلاءات والمصائب على وجه الخصوص كانت بمناسبة ما يعيشه الناس في ظل هذه الجائحة التي اجتاحت العالم كله واصابت الناس ولم تذر بلدا الا دخلته وفي ختام هذا اللقاء الذي هو ختام لقاءات هذه الدورة العلمية المباركة اه التي كانت عن بعد وكانت تنقل الى عموم المسلمين من رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ايامها العشرة السابقة كانت بفضل الله اولا واخرا ثم هي بجهود الاخوة الكرام في ادارة التوجيه والارشاد بالمسجد النبوي في وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي جزاهم الله خيرا وكتب اجرهم وتقبل منا ومنهم. ونحن نسأل الله سبحانه وتعالى باسمائه بالحسنى وصفاته العلى بمنه وفضله وكرمه ان يحفظ البلاد والعباد وان يصرف السوء والاذى وان يعافي كل مبتلى ويشفي المرضى وان يرحم الموتى سبحانه وتعالى. اللهم انا نسألك بفضلك ومنتك وقدرتك وعلمك ان تزيل هذا الوباء وان تكشف الغمة اللهم ارحم البلاد والعباد وجنبنا يا رب كل ما نخاف ونحذر ونكره. اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا واصلح لنا دنيانا انا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير. والموت راحة لنا من كل شر يا ارحم الراحمين. اللهم ارزقنا ذقن فقها في دينك وعلما بشريعتك وثباتا وسدادا على صراطك المستقيم ودينك القويم اللهم احينا مسلمين وتوفنا مسلمين والحقنا بالصالحين ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين